المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لـوزات الجليـد



محمد سامي البوهي
01-04-2006, 08:08 AM
لوزات الجليد
بقلم : محمد سامي البوهي
كانت تقف خلف النافذة الزجاجية بحجرتها المتطرفة بقصرها العتيق ، لوزات من الجليد تساقطت كي تكمل رسمها للوحة البيضاء ، غزا جسدها شعور بالبرودة ، مدت نواظرها نحو المدفأة المشتعلة ، جذبت منها بعضاً من حبيبات الدفء ، أكتمل رسم اللوحة بالخارج، بقي منها بعض من الرتوش ، نقحته لوزات الجليد في تتابع ، كرة من أعشاب برية دحرجتها الرياح من أعلى الهضبة ، أضافت شكلاً جديداً للوحة ، نغمات البيانو تصاعدت ، بمقطوعة" البجعات" من موسيقى "تشايكوفسكي " عبرت الردهة والبهو الكبير ، تشعبت داخل الغرف ، شوهت اللوحة المنسجمة مع التساقط ، نفضت حبيبات الدفء ، فتحت الباب المتجمد بروعة الغضب ، وقفت على رأس الدرج المطل على ركن البيانو ، النغمات تقطعت ، انخفضت ثم سكنت ...... بالقاع.

- الخادمة : سيدتي ؟؟!
- السيدة : من ؟
- الخادمة : إنها "آناريتا" سيدتي.
- السيدة : ألم أقل أني لا أحب تلك النغمات في بيتي؟

ألاحت الفتاة الرقيقة بحضورها وسط الحديث بوجة شاحب اقتحم جمالها المكنون ، توقفت وسط البهو تحت الثريا المتهدلة . أطلقت السيدة إيمي نظرة ثاقبة بجحوظ عينيها نحو البراءة والهدوء .

- السيدة "إيمي": إن عدت سوف أحطم البيانو فوق رأسك .
- آناريتا : حاضر عمتي لن أفعلها ثانية .

أدارت وجهها تشق أجواء المكان ، ركلت الباب المتجمد ، عادت للنافذة مع بقايا من النظرات ، صهرت بعضاً من لوزات الجليد المتساقط ، الكرة اقتربت من أطراف اللوحة ، اتضحت ملامحها الممتزجة بذرات الجليد ، تباعدت اللوحة بالشخص القادم ، امتطى زحافات للتزحلج ، مخلفاً وراءه خطين من السواد ، لوزات الجليد قامت بدورها من التلوين والتنقيح ، مع انكشاف المعالم بدا ساعي البريد بمعطفه المخملي وجعبته المنتفخة بالرسائل ، لحظات من التصفح بوجه الأرض وترقب للقادم ثم اختفاء في النفس تبعه دقات على باب الغرفة الحبيسة .
- إيمي: من ؟
- الخادمة : رسالة يا سيدتي؟
- إيمي : ادخلى ودعيها على المنضدة .

فتحت الخادمة الباب في هدوء ، دلفت الحجرة ، ووضعت الرسالة كما أمرتها .

- الخادمة : تأمرين بشئ آخر سيدتي؟
- إيمي : أخرجي ولا تأخذي معك حفنات من الهواء الدافىء.

نظرت الخادمة نحو النافذة الزجاجية بتراجع للوراء ، جذبت الباب وغابت مع وجهه الأخر، إقتربت "إيمي" من المنضدة ، أمسكت بالرسالة بتفحص أعقبة ابتسام ساخر .

-إنها من موسكو !

فتحت الرسالة ، أخذت تجوب بالقراءة بقلب توحد مع اللوحة الجليدية .

-أولغا ؟ ..... أولغا ؟؟؟
- الخادمة : نعم سيدتي .
-إيمي : نادي - آناريتا - حالاً.

إنه الجنون يلاحقها بعد أن تركها تفر من الحرب ، أفقدها كل شىء بقسوته – جمالها & حبها & مشاعرها – إنتزع الرحمات من قلبها ، كما إنتزعتها الحروب من قلبه ، دائماً هو زائرها الأول والأخير بأحلامها وفي خيالها ، واليوم عاد يلاحقها برسائله التي يبدو أنه كتبها قبل موته بأيام قلائل ، فحال تراكم الجليد بين وصولها قبل موته ، ذهب وترك لها قطعة منه تربت بين يديها بعد أخفت الحرب أمها تحت الركام ، هي تعرف جيداً أنها ليست مثله ، لم تحمل منه أي طباع غير حبها للموسيقى الكلاسكية ، حيرها الشعور نحوها حب أم كره أم حب متكاره بذكرى تزاحمها في ما تبقى لها من العمر . إبتلت الورقة بدمعة ساخنة أتت من عبق الماضي ، تناثرت عند أطراف كلمة " أختي العزيزة " شوهت بعضاً من حروفها ، أفاقت من غفلتها، جففت جفونها قبل حضور ابنة أخيها التي عهدتها دائماً القوية الصارمة . أنثى بنيت شخصيتها تحت دانات المدافع ، وأصوات القنابل ، الكل يعرفها أنثى لا دموع لها . دقات رقيقة على بابها الخشبي :

- إدخلي" آناريتا "
- عمتى ؟
- هذه رسالة من أبيك .
- أبي ؟؟!!

- يبدو أنه كتبها قبل وفاته وتعثر وصولها إلينا سريعاً.

- وفاته !...... أمات أبي؟
- نعم منذ شهر ألم أقل لك ؟!

نظرات كبتت داخلها... فيض دموع غيرت مجراها نحو المنبع ... حوار صامت .... صدمات نشرت شذراتها بالأجواء .... تساؤلات وتقرير داخلي .... أذابت كل ذلك بكوب من حزن تجرعته كي تروي مشاعر خنقت بقمقم منذ آلاف السنين .........

أمسكت الرسالة بأطراف أناملها الرقيقة ، وطافت بين حروفها اليائسة فهي تقرأ رسالة من إنسان ميت كتبها أملاً في الحياة ، لم تلمس حنانه يوماً ما ،إعتادت القسوة كأنها هي الأمر الطبيعي السائد في تلك الدنيا ، تلقت خبر موته بإختذال مكنون ، الدموع تقطعت... انخفضت ثم سكنت ..........بالقاع.

- إيمي :
لا جديد فيها أرسلها ليطمئن علينا ويقول أن الذي منعه من الحضور هو مرضه ليته علم أنه المرض الأخير.

غاصت " أناريتا " في الكلمات ، تشممت فيها رائحة أبيها الذي كان بعيداً عنها دائماً ، إلا من رسائلة القليلة ، ولعبه التي كان يرسلها إليها لإرضاء طفولتها الماضية ، تناغمت مقطوعة " البجعات" برأسها ، شعرت بحاجة ملحة إلى عزفها لكن عمتها"ايمي" تكرهها ، سرعان ما تراجعت عن الفكرة وإكتفت أن تعزفها بمكنونها . حدقت في النافذة ومشهد التساقط بعين زائغة ، كأنها تحسد حرية حرمت منها ووهبت لسماء أخرجت ما بدخلها من هموم مثقلة.

- آناريتا [همس مسموع]:
يبدو أنه كان يبكي وهو يكتب الرسالة .

التفتت "إيمي" إليها بدهشة حانقة ، شاركتها نظراتها للنافذة ، وتتابع لوزات الجليد المتساقطة .

- إيمي [همس مسموع] :
نعم وقد إبتلت أحرف الرسالة من دموعه .

الكويت : 14/2/2006

نورا القحطاني
01-04-2006, 09:39 AM
http://framboise78.free.fr/Fleurs/bouquet4.gif

قصة جميلة ..استمتعت وأنا أقراها
أحسست بشعور آناريتا عندما تمنت العزف على البيانو ولم تستطع

*
*
محمد سامي البوهي
سلمت ودمت بخير

*
*
*
http://framboise78.free.fr/Fleurs/rosereflet.gif
تحية ورد
نـورا

حوراء آل بورنو
02-04-2006, 12:42 AM
كأني أقرأ ترجمة لقصة باللغة العجمى !

استغرابي .

خليل حلاوجي
02-04-2006, 01:42 AM
حيرها الشعور نحوها حب أم كره أم حب متكاره بذكرى تزاحمها في ما تبقى لها من العمر
\
\

كأنها تحسد حرية حرمت منها ووهبت لسماء أخرجت ما بدخلها من هموم مثقلة.
\
\


وكأننا في لحظات .... دهشة وترقب

لنصل

فتباغتنا

نهايتك .... أيها البوهي

ولابد لنا عندك من مزيد

محمد سامي البوهي
03-04-2006, 12:21 PM
http://framboise78.free.fr/Fleurs/bouquet4.gif

قصة جميلة ..استمتعت وأنا أقراها
أحسست بشعور آناريتا عندما تمنت العزف على البيانو ولم تستطع

*
*
محمد سامي البوهي
سلمت ودمت بخير

*
*
*
http://framboise78.free.fr/Fleurs/rosereflet.gif
تحية ورد
نـورا


الأخت الفاضلة / نورا

كلنا نشعر بشعور آناريتنا فهو واقعنا العربي الذي لا مفر منه ، كائن كائن لا محاله ونتوارثه عبر الأجيال

شكراً لك ولمرورك العبق.

محمد سامي البوهي
03-04-2006, 12:27 PM
كأني أقرأ ترجمة لقصة باللغة العجمى !

استغرابي .

الأخت /حوراء

السبب في اقتحامي العالم الغربي واستحضاره في هذه القصة هو البيئة الجليدية التي عقدت بينها توحداً وبين المشاعر الإنسانية التي لا تتغير مهما تغيرت البيئات فالنفس البشرية واحدة وخلقت من نفس واحدة .

شكراً لك

محمد سامي البوهي
03-04-2006, 12:31 PM
حيرها الشعور نحوها حب أم كره أم حب متكاره بذكرى تزاحمها في ما تبقى لها من العمر
\
\

كأنها تحسد حرية حرمت منها ووهبت لسماء أخرجت ما بدخلها من هموم مثقلة.
\
\


وكأننا في لحظات .... دهشة وترقب

لنصل

فتباغتنا

نهايتك .... أيها البوهي

ولابد لنا عندك من مزيد

أخي الفاضل / خليل

المزيد كله لك ولسليقتك المتذوقة سعدت بتعليقك الذي وان دل فإنه يدل على متذوق خبير التذوق.

شكرا لك

عبلة محمد زقزوق
03-04-2006, 12:46 PM
لوزات الجليد

قصة رائعة :0014:؛ تعتبر من الروايات العالمية ، تستحق عليها أديبنا الرائع /
محمد سامي البوهي
التقدير والإنحاء ورفع القبعات للصياغة الرائعة بالنص .:hat::hat:
ولتعايشنا بمشاعر أبطالها ، وهذا لا يتأتي إلا من خلال مشاعر ونبض وفكر واعي بمجريات النفس .
جزيل الشكر لروعة ما قرأت وإستمتعت .:001:

محمد سامي البوهي
04-04-2006, 07:03 AM
لوزات الجليد

قصة رائعة :0014:؛ تعتبر من الروايات العالمية ، تستحق عليها أديبنا الرائع /
محمد سامي البوهي
التقدير والإنحاء ورفع القبعات للصياغة الرائعة بالنص .:hat::hat:
ولتعايشنا بمشاعر أبطالها ، وهذا لا يتأتي إلا من خلال مشاعر ونبض وفكر واعي بمجريات النفس .
جزيل الشكر لروعة ما قرأت وإستمتعت .:001:
الأخت الكريمة / عبلة محمد زقزوق

صدقيني فأنا سعيد جداً لكون هذه القصة قد نالت إعجابك فصدقيني أنا كتبتها وكنت متوقعاً نقداً لاذعاً لأنها غريبة عن مجتمعنا العربي ولكني فوجئت بإسحوازها على إعجاب شديد من الكثيرين

شكراً لك

محمد سامي البوهي
13-05-2006, 08:08 AM
...............

محمد سامي البوهي
18-07-2006, 01:51 PM
القصة الرئيسة بمجموعتي القصصية الصادرة عن مركز الحضارة العربية

محمد عسران
22-07-2006, 02:30 PM
استاذى الفاضل / محمد البوهي

قصتك ........ ليست عادية

بل دعني اسميها رحلة الذوبان

ذابت لوزات الحروف بين قلبي وسكنتني

رومانتيكيا جداااااااااااااااااااااا

وعقلانيا جدااااااااااااااااااااااا

فماذا أقدر انا أفعله غير الصمت والإبحار في دنيا الجمال

قصة رائعة من بين مئات قصصك الرائعة

دائما أسقينا من عبير نفحاتك الإبداعية

تحياتى الى تلك الروح

وذاك القلم

محمد عسران

محمد سامي البوهي
15-09-2006, 11:54 AM
أخي / محمد عسران

اشكرك على هذا الاطراء ، الذي يبدو فيه المبالغة ، فما اكتبه ما هو الا افراز لقلم متواضع ولا املك المئات من القصص يا اخي انا لم اكمل العشرين قصة الي الان.

محمد سامي البوهي
15-06-2007, 04:30 PM
حيرها الشعور نحوها حب أم كره أم حب متكاره بذكرى تزاحمها في ما تبقى لها من العمر
\
\
كأنها تحسد حرية حرمت منها ووهبت لسماء أخرجت ما بدخلها من هموم مثقلة.
\
\
وكأننا في لحظات .... دهشة وترقب
لنصل
فتباغتنا
نهايتك .... أيها البوهي
ولابد لنا عندك من مزيد
الأستاذ الرائع / خليل حلاوجي
لحظات الترقب ما أكثرها الىن ، ننتظرها كل يوم ، على صفحات الجرائد ، وشاشات التلفاز ، حتى أنها صارت لحظات عادية ، وفقدت معانيها التشويقية بسبب التوقع الدائم .