المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : غضب... غضب



مأمون احمد مصطفى
13-04-2006, 02:26 AM
غضب...
غضب


- غاضب أنت إلى حد الغضب، بل تجاوزت كل الحدود حتى أثقلت كاهل الغضب، وناقم أنت إلى حد انك أحنيت ظهر النقمة، مشتعل أنت حتى أني احسب النار ستصطلي حين تلامس الوهج الخارج من كل حروفك وفواصلك، ثائر أنت حتى أني أخشى على البراكين من ثورة أعماقك، عاصف أنت، حتى أني أشفق على العواصف من هياج عاصفتك، بك جنون عارم يصغر دونه جنون البحر والموج.

فوق راسك، بل على أم راسك، تتراكم هموم الأرض والسماء، وعلى غرتك تتزاحم المصائب والكوارث، وعلى بؤبؤ عينيك تقف جدر الصبر الشائك، وفي سويداء قلبك تعوم محيطات الألم والقهر والعذاب والعجز.

حاذر قليلا، وأرفق بنفسك، بأهلك، بخلانك، الموت يدنو منك، يقترب بسرعة تفوق سرعة الصوت، ملامحك ملامح قبر ممعن في تقادم الزمن والأيام، الدنيا هي الدنيا، عليك أن تحيا بها تماما كما يحيا غيرك، عليك أن تقبل بحركتها ومسيرتها، مؤلمة أحداثها، مهولة تفاصيلها، مرعبة خفاياها، لكنها الحياة السائرة، بك أم بدونك، بفرحك، أم بشجنك، برضاك أم بقهرك، لا تتوقف، لا من أجلك ولا من اجل غيرك، تسير دون أن تعير كل ما فيك أدنى اهتمام أو التفات، هي هي الحياة.

- غاضب أنا؟ وتسألني عدم الغضب؟ وكيف لي ألا أكون فوق طاقة النقمة والغضب؟ كيف لي ألا احمل في ملامحي ملامح قبر أضناه الزمن؟ كيف لي أن أسير بركب الحياة والزمن دون أن أؤلم الحياة ألما يفوق حدود الألم؟ ودون أن ازرع بجوف الزمن نقمة تثقل قدرة الزمن؟ أتحاسبني على ألمي وقهري وعذابي وعجزي؟ وتترك كل مساحات العجز والقهر والعذاب والألم الممتدة في قلب الأرض والوطن والتاريخ والدين؟

هناك، وعلى ارض خليل الرحمن، هناك ترقد أجساد، إبراهيم، يوسف، يعقوب، إسماعيل، ترقد هناك أجساد زوجاتهم، ترقد تحت حصار الغرباء، أولئك جميعا، يقعوا في الأسر، رسل اصطفاهم الله، شرف الأرض بهم، منحت قدسية إلهية من أجسادهم الطاهرة، لكنهم اليوم أسرى بأيدي الغرباء، وهناك في سبسطية، يرقد جسد زكريا، أسيرا كما الأجساد السابقة، أسيرا بأيدي الغرباء، زكريا الذي حمل رأسه من فلسطين إلى دمشق، ليدفن الرأس تحت عامود السكاسكة، ويبقى جسده في فلسطين، هي ذات الجريمة، وهو ذات المجرم، وتسألني عن الغضب؟

هناك على ارض الوطن، حرق منبر نور الدين زنكي، منبر الحلم الواعد بالتحرير والعودة، المنبر الذي لم يغسل إلا بماء الورد والزهر، المنبر الذي اعتلاه صلاح الدين الأيوبي يوم أغدق على الأرض عدلا ونورا، وحرق معه أجزاء كبيرة من أولى القبلتين وثالث الحرمين، وعلى أرضه وبلاطه، سالت دماء المسلمين والمسلمات، وفاضت الأرواح الزكية من أجساد مؤمنة إلى البارىء المصور، فاضت وحلمها معلق بخطوات ابن الخطاب اعدل أهل الأرض واصلبهم، فاضت وهي تحمل شوق الأقصى إلى ربها، إلى عليين، شوقا ممزوجا بالشهادة.

وتسألني لماذا اغضب؟

هناك على ارض الوطن، تحول حائط البراق الذي لا مس المعجزة الإلهية، تحول إلى حائط مبكى، تحول من عظمة المعجزة التي قال عنها الصديق ما قال، إلى حائط أسير يحظر على المسلمين المتوجهة وجوههم لله العزيز، تحول إلى سور يجعل أرواح الشهداء من عهد الفاروق إلى يومنا هذا تئن وتتأوه، تراقب عالم من البشر يحملون أمانة الله دون أن يخطوا نحو تحقيق تلك الأمانة خطوة واحدة.

هناك على ارض الوطن، يربض المسجد الأقصى، الذي بارك الله حوله، وليري محمدا من آيات الإعجاز، يربض الأقصى ثابتا، شامخا، ينتظر من أتباع محمد، من عباد الله، التحرك لإنقاذه من الهدم والدمار، ينتظر أن تسري بعروق الأمة دماء الفاروق والأيوبي وسيف الدولة ونور الدين، ينتظر أن تسري بدمائهم آيات الله وأحكامه، أحاديث نبيه وسيرته، ينتظر، ينتظر، ينتظر، ينتظر فقط.

وتسألني عن غضب الغضب؟

هناك على ارض الوطن، تبكي الأبحر، وتفتح الأشرعة ذاتها للرياح العاتية، تزمجر العواصف، ويحزن الشاطىء الطويل الطويل، تتساقط الأنجم والكواكب ولها ولهفة، وتغادر الأقمار أمكنتها إلى مساحات معتمة، هناك على ارض الوطن تنطفىء الاشمس، ويغادر القمح لونه الذهبي، ويسود بياض النرجس، هناك تتحول روائح أشجار ليلة القدر إلى كبريت يتلظى حرقة، هناك، تنخفض الجبال لتصبح غورا، وترتفع الأغوار، هناك يندب البوم، وتندب البلابل والعنادل والكناري والحساسين، هناك تهمي دموع الأمهات والأخوات.

هناك تتساقط أرواح الأطفال تساقط المطر.

هناك تغيب الحقيقة، ويفتح المجهول أبواب دياجيره على عتمة تغوص في العتمة، والعرب على امتداد الأرض، ينظرون، يشاهدون، يصافحون الغريب قبل أن يغسل يديه من دماء أطفالنا، يشاهدون عاهرات تعرضن أنفسهن باسم الوطن، باسم العروبة، على شاشات تغيب الجريمة وتحتفي بجسد يتلوى أمام ألاف بل ملايين المشاهدين.

في وطني يذبح الأطفال، تجرف الأرض، تهدم المنازل، تغتال الخراف والماعز، يعتقل الشباب، تعتقل الفتيات الطاهرات النابضات النازفات شرفا وعفة وطهارة، تصادر الأراضي، تقفل الجامعات، تحرق المساجد، تدمر المشافي، تجتث أشجار الزيتون والتين المباركة، ينشر الرعب في الشوارع والمنازل والمآذن والطرقات، تتلوى الأمهات غما وكمدا على فقد أبنائهن، تنخلع قلوب الأخوات وهن يشاهدن الجثث المتفحمة، ينكسر ميزان البراءة في أطفال يشاهدون صفعة الأباء.

في وطني هواء الأرض يمتزج برائحة البارود، وطعم البرتقال يتحول في الحلق إلى حنظل، وزرقة المتوسط تضحي كحلية اللون.

في وطني يولد الأبطال.

في وطني تنتفض الأطفال، تشعل الأرض ثورة خلف ثورة، وفي العالم الإسلامي، تنتفض الفنادق لهوا وعهرا وأثاما وأوزارا، تعج فنادقها برنات الكؤوس المصطدمة ببعضها، تعج فنادقها بالرقص والثمالة على أجساد مرغت بالفحش والشذوذ، أجساد ليس سوى حاويات لقمامة أخلاق تسود عصر هذه الأمة المهزومة.

في وطني تلد النساء على الحواجز العسكرية، تلد أطفالا يتشكلون ثورة، ثورة مستقبل لا يعرف عنه رجال العرب شيئا، في وطني تقضي النساء أثناء الصبر على ولادة أطفال التاريخ والبطولة، يقضين وهن يناجين حنين الأرض والتراب، وعيونهن معلقة على وليد شهيد، تظلله ملائكة السماء، وتستقبله ملائكة العرش.

هناك في وطني يذبح التاريخ والعدل والحق والإنسان.

وتسألني لم كل هذا الغضب؟

كتلة متقدة أنا من الغضب، في تنطفىء البراكين، وعلى أناملي تهدأ الزلازل، وبأحداقي تسكن العواصف والرياح والزوابع، وعلى أم راسي تنكسف الشمس وينخسف القمر، وفي قلبي تلقي كل شموس الكون حرارتها لتستريح، لتأخذ شهيقا يمنحها البقاء والاستمرارية، وعلى ساعدي تتكىء الراسيات والأوتاد، وفي حضني تنام زمجرة البحر ومجاهيله، وعلى سبابتي تدور الأعاصير دورة جنون محموم بالجنون، وعلى بناني تقف الافاق وترتكز.

غضب أنا موصول بغضب، غضب الصحراء القائظ يجول في نفسي وذاتي، وزلازل الأرض كلها تنتظم في صدري، ترتج، تتحرك، تصطدم ببعضها، تتشق، تتردم، أحس ثقل الألم والوجع، تبكي الزلازل والصحارى إشفاقا على صدري، على الكارثة التي تتكاتف بها الصحارى مع الزلازل مع الجليد المنهار من صدري إلى قلبي، تتوسلني البراكين أن افتح لها طريقا من كبدي، تسألني الكوارث والمصائب والنوازل أن أوزع شظاياها على الكون، على الأكوان، فارفض، ارفض أن أكون غير إنسان يحمل وصية ارض مغتصبة، ووصية شهداء معلقة أرواحهم في عليين وشوقها يطير من هناك إلى فلسطين.

ويحي عليك يا صديقي.

بل ويحي وويحك على امة لا تستطيع أن تحافظ على أجساد رسلها وأنبيائها.


مأمون احمد مصطفى
فلسطين – مخيم طول كرم

خليل حلاوجي
13-04-2006, 08:58 AM
هل تستطيع استغلال الغضب ؟
أقول نعم
أستطيع


هل تستطيع الثأر للغاضبين الراحلين
أقول نعم استطيع




هل ترسم لنا نهاية لهذا الغضب

أقول

لا

لن استطيع

مأمون احمد مصطفى
13-04-2006, 04:44 PM
الكريم خليل

غضب... غضب

وماذا املك غير الغضب؟

وماذا تبقى غير الغضب؟

لم يتبق غير الغضب الا الغضب

دمت بالف خير

مامون احمد مصطفى

د. محمد حسن السمان
13-04-2006, 06:09 PM
سلام الـلـه عليكم
الاخ الفاضل الاديب الاستاذ مامون احمد مصطفى

نص ادبي قوي , لاديب متمكن , صاحب كلمة رصينة , ومتون
قوية النسيج , يفجّر صرخة غضب , والغيور المؤمن يغضب ,
حين تمس المقدسات , تستصرخ الانسان , ما اقدرك ايها الاديب ,
وانت تزأر كأسد جريح :

في وطني يذبح الأطفال، تجرف الأرض، تهدم المنازل، تغتال الخراف
والماعز، يعتقل الشباب، تعتقل الفتيات الطاهرات النابضات النازفات
شرفا وعفة وطهارة، تصادر الأراضي، تقفل الجامعات، تحرق
المساجد، تدمر المشافي، تجتث أشجار الزيتون والتين المباركة ،
ينشر الرعب في الشوارع والمنازل والمآذن والطرقات، تتلوى
الأمهات غما وكمدا على فقد أبنائهن، تنخلع قلوب الأخوات وهن
يشاهدن الجثث المتفحمة، ينكسر ميزان البراءة في أطفال يشاهدون
صفعة الأباء.
ما اكبر الجرح , ما اعمق المأساة , في هذا الزمن الذي يتحكم فيه
البغاث بالصقور , ومات فيه الاحساس والضمير .

اخوكم
السمان

مأمون احمد مصطفى
14-04-2006, 11:23 PM
الدكتور الكريم محمد السمان:

لا اعرف ماذا اقول لردك الكريم على ما كتبت، فالوصية التي اخملها في قلبي وعقلي ووجداني للارض التي تضم اجاد الانبياء الكرام، والشهداء الابرار تجعلني اتلظى غضبا على واقع الانة الاسلامية التي لا تستطيع ان تحمي اجساد رسلها وانبيائها.

تتشرف كلماتي وتزهو حين يمهر رد باسمك الكريم

اخوك المحب

مامون احمد مصطفى

ناديه محمد الجابي
20-09-2014, 08:05 PM
صرخة غضب من وجع ينثال حرفا هادرا في نص فريد في جماله وقوته
نص مؤثر رائع مبهر في حب الوطن ، وكلمات كالأعصار تخترق القلوب
وتجمد الدم في العروق من عظيم ما ينضح من ألم وما يصدح به من نقم.
عذب وصادق بوحك ـ بارع حرفك
ولكنه أبعد ما يكون عن القصة
بوركت ـ ولك تحياتي وتقديري.

ربيحة الرفاعي
26-09-2014, 09:44 PM
قوة أدبية وسموقفي الفكرة وألق في الأداء المعبر يحاكي الوجع العام في غضبة حرّ أبي
أحسنت أحسن الله إليك وحرربك وبأمثالك الأمّة وسليبها

تحاياي

نداء غريب صبري
18-10-2014, 02:19 AM
كل ما يدوراليوم يشعل في قلوبنا الغضب
لكن الغضب وحده لا يكفي لتصحيح الأوضاع المائلة
والغضب مارد إن أفلت من قمقمه أحرق الدنيا ولاسليمان يردعه

قصة رائعة أخي
أسرتنا بها

بوركت

خلود محمد جمعة
20-10-2014, 12:21 PM
إغضب
حطم الجدران تمرد
لا تخلع غضبك على أبواب جبنهم
أمام كل القهر لا بد أن نغضب ونغضب
يراع حر ونبض ثائر أجج المشاعر و أشعل القلوب
دمت حرا
كل التقدير

قوادري علي
20-10-2014, 12:33 PM
غضب يرعد وقلم مميز أوصل الغضب وغاص بنا
في القضية..
تقديري.

ناديه محمد الجابي
18-10-2023, 06:26 PM
في وطني يذبح الأطفال، تجرف الأرض، تهدم المنازل، تغتال الخراف والماعز، يعتقل الشباب،
تعتقل الفتيات الطاهرات النابضات النازفات شرفا وعفة وطهارة، تصادر الأراضي، تقفل الجامعات،
تحرق المساجد، تدمر المشافي، تجتث أشجار الزيتون والتين المباركة، ينشر الرعب في الشوارع والمنازل
والمآذن والطرقات، تتلوى الأمهات غما وكمدا على فقد أبنائهن، تنخلع قلوب الأخوات وهن يشاهدن
الجثث المتفحمة، ينكسر ميزان البراءة في أطفال يشاهدون صفعة الأباء.
في وطني هواء الأرض يمتزج برائحة البارود، وطعم البرتقال يتحول في الحلق إلى حنظل،
وزرقة المتوسط تضحي كحلية اللون.
في وطني يولد الأبطال.

صرخة غضب تنطق بحب الوطن ـ فاغضب لله غضبا يسري في العروق ويذكيه تكالب الأعداء على أمتك
في فضاء حرفك الغاضب الثائر تتقافز الصور في ركب بديع من كنوز اللغة لترتعش قلوبنا من عصف غضبك
وأوتار نزفك بمشاعر صادقة قوية عميقة مؤلمة بصورها.
مضمخ نبض حرفك بالشجن ، مزين الجيد بقلائد الإيمان ، موشى بالصبر في قطعة من البوح الأدبي المائز
بحسه وألق هطوله.
دام حرفك النازف متأججا بالسموق.
:v1::nj::0014: