تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : صفــــــــــــاء



سمير الفيل
26-04-2006, 12:40 PM
صفــــــــــــاء

شعربدوار خفيف حين تصاعدت الأصوات متلاحقة من داخل الحجرة المغلقة. فالماء الساخن يدخل عبر الباب الذى يُوارب لثوان قبل أن ينغلق تماما . وصوت يأتيه : اعملوا قرفة قوام ؟
لحظة الميلاد الصعبة التى مرت به مرتين من قبل ، بعد التعب والمصاريف ، ووجع القلب يموت الوليد ، وينشف لبن الأم فى الثديين حزنا ورهقا .
يدور فى الصالة ، و" الداية " بالداخل تنهى وتأمر ، تشخط وتنطر فى النسوة الخبيرات بأحوال الولادة العسرة . عليه أن يخرج الآن للشارع ليراقب حركة الظل ، وزحزحة الشمس على جدران بيوت الأعمام والأخوال ، لكن قلبه لا يطاوعه .
امرأته التى غضبت وخرجت إلى بيت أبيها تعود إليه قبل الميلاد بأيام ، وهو ينظر إليها حانقا ، يود أن يعاتبها ، لكن بطنها البارزة أمامها تمنعه ، فيما هى تواصل غضبها القديم بنظرة عتب جارحة ، وبنصف كلام : ربك مسامح !
جملة أقرب إلى الاتهام الصريح ، وهو لايريد الولد للعزوة والمباهاة ، ولا يريده ليرثه فليس عنده عقارات ، ولا أفدنة زراعية . كل ما يملكه مكتبة ضخمة ورثها عن أبيه شيخ الأزهر ، زودها بمجلدات من سور الأزبكية ، ومن باعة الصحف . لكنها ترى أن الكتب تجعل البيت ضيقا ، ولا فائدة منها سوى خسارة الوقت والنظر .
هى التى بدأت الخصام حين انتزعت صفا كاملا ، وألقمته نيران الفرن أعلى السطح ، فلما رأى المصيبة التى حلت به ، ارتفع صوته ، فلما جادلته هوى بيده على وجهها . كان خطأ جسيما منه ، ولم يستطع أن يسترد صفعته . ارتدت ثيابها غضبى ، تمهلت ترتب أشياءها كى تترك له فسحة من الوقت ليصالحها ، ويمنع خروجها .
لم يفعل ، بكت وهى تخرج حاملة حقيبة صغيرة فيها ملابس الحمل الواسعة ، وأدوية الضغط ، وأكيـــاس ضبط الزلال ، وشبشب خفافى لايعلو كثيرا على الأرض .
قبل أن تخرج نظرت حولها فى استعطاف مبهم ، لكنه داس قلبه وتركها . حين خشى أن يغشى عليها صعد لشقة الجيران ، وطلب من أم محمود أن ترسل ابنها ليحمل عن زوجته حقيبتها .
برأسها الناشفة كصخرة من جرانيت رفضت . تابعها حتى اختفت عن أنظاره .
الصوت الحيانى يزلزل البيت ، صرخة مدوية حشت صدره ، كأنه يلد لاهى . غالبه خاطر أنه إنسان بلا قلب ، ودّ فى هذه اللحظة أن يدخل حجرتها يقبلها بين عينيها . يعترف لها أنه مخطىء ، والغلط راكبه فوقه وتحته . لكن صرخة أخرى داهمته . أحس بلهوجة ، وأنين يصعب على الكافر ، ثم زغرودة طويلة ارتجف لها كيانه .
خرجت امرأة من أقاربها تبشره بالمولود . وغرست نظرة ممانعة كى ينتظر قليلا قبل الدخول .
كان يعرف أن تلك اللحظة تشهد قطع الخلاص ، وربط الصرة . وتشميم المولود بصلة ليفيق . سمع وأوأة ارتعد لها قلبه ، احس أنه طائر خفيف قادر على الطيران . مد يده محركا المقبض فى تردد . من سريرها أومأت له بنظرة متسامحة أن يدخل .
مدت يدهابالطفل ، قبلها ولا مست شفتيه خدها الشاحب بفعل الصرخات ، والدماء التى فقدتها . سألته : الولد حلو ؟
مسد شعرها ، ويده تقبض على يدها فى امتنان : أى حاجة يجيبها ربنا خير . أغلقت عينيها التى بدتا مرهقتين ، فيما رددت بخفوت : سمى الولد باسمك !


* النص من متوالية قصصية بعنوان " احتمالات الحب " ..

محمد سامي البوهي
26-04-2006, 02:11 PM
أستاذي الأديب الكبير / سمير الفيل

دائما ما تتحفنا بالواقعية التي تنتمي إليها بكتاباتك ، فتضعنا أما م مرآة كي نرى أنفسنا دائماً.

إحترامي وتقديري

سمير الفيل
26-04-2006, 07:38 PM
دائما ما تتحفنا بالواقعية التي تنتمي إليها بكتاباتك ،
فتضعنا أما م مرآة كي نرى أنفسنا دائماً.



محمد سامي البوهي

نعم . أميل كثيرا إلى الواقعية . .
مع إطلالة لا تكاد ترى ..
.. لداخل الانسان : هواجسه ، صبواته ، عذاباته .
ذلك الشيء السري الغامض في ردود أفعاله تجاه الآخرين . .

شكرا لك.

سحر الليالي
26-04-2006, 11:42 PM
قصة رائعة والنهاية أروع

سلمت لنا أستاذنا سمير ،وبحق قصصك جميلة جدا

دمت بخير

وتقبل خالص إحترامي وتقديري وباقة ياسمين:0014:

سمير الفيل
27-04-2006, 01:54 AM
قصة رائعة والنهاية أروع

سلمت لنا أستاذنا سمير ،وبحق قصصك جميلة جدا

دمت بخير

وتقبل خالص إحترامي وتقديري وباقة ياسمين:0014:

سحر الليالي

ألف شكر ..
لا يتحقق الكاتب إلا عبر قراءة جيدة ..
مدين لك بشكر عميق ..
الكتابة أيضا حالة مخاض عسيرة .

الياسمين لروحك المحلقة.

جوتيار تمر
27-04-2006, 01:36 PM
سمير الفيل............

تابعت القصة بشغف لاصل الى النهاية...
أبدعت في صناعة شخصية مدهشة وبسيطة .. وأبدعت في ترتيب أجزاء الحدث وأبدعت في تأثيثه بهذه الشخوص وذاك الحوار الذي كان يدور في حلقة مفرغة ... فعلتها بعبقرية وجدية تامة..
وليس هناك اجمل من ان تفعلها هكذا ..............

تقديري واحترامي
جوتيار

سمير الفيل
27-04-2006, 02:48 PM
تابعت القصة بشغف لاصل الى النهاية...
أبدعت في صناعة شخصية مدهشة وبسيطة .. وأبدعت في ترتيب أجزاء الحدث وأبدعت في تأثيثه بهذه الشخوص وذاك الحوار الذي كان يدور في حلقة مفرغة ... فعلتها بعبقرية وجدية تامة..
وليس هناك اجمل من ان تفعلها هكذا ..............


جوتيار تمر

تحليل نقدي بسيط ومدهش ..
ينم عن ذائقة مدربة وفكر سديد ..
أعتقد أن القبض على معالم الشخصية بوضوح ..
يكون غالبا حجر أساس لكتابة مجيدة ..
التحية لشخصكم الكريم ..
ألف شكر

نسيبة بنت كعب
27-04-2006, 07:48 PM
السلام عليكم

القاص و الناقد الرائع / سمير الفيل

احتمال جديد كنت ارتقبه - شكرا لك على نشره بسرعة

رائعة صفـاء هذه .. تعاطفت معها بدرجة كبيرة واحترمت الزوج البطل الذى رأى ان يتغاضى عن جرم كبير لتستمر الحياة ولينعم بثمرة واحدة لتعبه !

بدءاً من تصوير الألم النفسى والجسدى الذى مرت به الزوجة فى عمليات الوضع والتصوير الدقيق فى لمحات سريعة ولكنها مدهشة ، واحباطات موت اول طفل

الى الهوة الشاسعة بين الزوجين الذين اختلفت توجهاتهم واهتمامتهم وما ترتب عليه من سوء تقدير ادى الى حرق رأس مال الزوج بكامله "كل ما يملكه مكتبة ضخمة ورثها عن أبيه شيخ الأزهر ، زودها بمجلدات من سور الأزبكية ، ومن باعة الصحف . لكنها ترى أن الكتب تجعل البيت ضيقا ،"

ورد الفعل الرائع الوصف للزوج معلنا موقفه الغاضب " فلما جادلته هوى بيده على وجهها . كان خطأ جسيما منه ، ولم يستطع أن يسترد صفعته . ارتدت ثيابها غضبى ، تمهلت ترتب أشياءها كى تترك له فسحة من الوقت ليصالحها ، ويمنع خروجها .لم يفعل " ليعبر عن مدى الجرم الذى ارتكبته زوجته ..

و الخسائر المتتالية من فقد الولد والمصاريف والمكتبه والميراث العظيم الذى تركه جده وبنى هو عليه ..

كل هذا تغاضى عنه الأثنين هو مقدرا الآلام النفسية والجسدية لزوجته ، وآملا فى بدأ صقحة جديدة مع مولودهم ، وهى وتسليمها بانها تريد امتدادا له " فيما رددت بخفوت : سمى الولد باسمك"

نعم هناك بعض الأزواج يجاهدون لتستمر الحياة مثل أصحاب هذه القصة - بينما آخرون لا يصبرون وينهونها بكلمة واحده .. وغيرهم يعيشون حيوات لاهى موت ولا حياة - بل ايام متجمده


احتمالات متنوعة لحيوات الناس تدل على خبرة كبيرة لأديبنا صاحب الرؤى المُبحرة فى نفسيات البشر بكل خباياها



مع فائق التقدير والاحترام:001:

سمير الفيل
27-04-2006, 08:09 PM
احتمال جديد كنت ارتقبه - شكرا لك على نشره بسرعة

رائعة صفـاء هذه .. تعاطفت معها بدرجة كبيرة واحترمت الزوج البطل الذى رأى ان يتغاضى عن جرم كبير لتستمر الحياة ولينعم بثمرة واحدة لتعبه !

بدءاً من تصوير الألم النفسى والجسدى الذى مرت به الزوجة فى عمليات الوضع والتصوير الدقيق فى لمحات سريعة ولكنها مدهشة ، واحباطات موت اول طفل

الى الهوة الشاسعة بين الزوجين الذين اختلفت توجهاتهم واهتمامتهم وما ترتب عليه من سوء تقدير ادى الى حرق رأس مال الزوج بكامله "كل ما يملكه مكتبة ضخمة ورثها عن أبيه شيخ الأزهر ، زودها بمجلدات من سور الأزبكية ، ومن باعة الصحف . لكنها ترى أن الكتب تجعل البيت ضيقا ،"

ورد الفعل الرائع الوصف للزوج معلنا موقفه الغاضب " فلما جادلته هوى بيده على وجهها . كان خطأ جسيما منه ، ولم يستطع أن يسترد صفعته . ارتدت ثيابها غضبى ، تمهلت ترتب أشياءها كى تترك له فسحة من الوقت ليصالحها ، ويمنع خروجها .لم يفعل " ليعبر عن مدى الجرم الذى ارتكبته زوجته ..

و الخسائر المتتالية من فقد الولد والمصاريف والمكتبه والميراث العظيم الذى تركه جده وبنى هو عليه ..

كل هذا تغاضى عنه الأثنين هو مقدرا الآلام النفسية والجسدية لزوجته ، وآملا فى بدأ صقحة جديدة مع مولودهم ، وهى وتسليمها بانها تريد امتدادا له " فيما رددت بخفوت : سمى الولد باسمك"

نعم هناك بعض الأزواج يجاهدون لتستمر الحياة مثل أصحاب هذه القصة - بينما آخرون لا يصبرون وينهونها بكلمة واحده .. وغيرهم يعيشون حيوات لاهى موت ولا حياة - بل ايام متجمده


احتمالات متنوعة لحيوات الناس تدل على خبرة كبيرة لأديبنا صاحب الرؤى المُبحرة فى نفسيات البشر بكل خباياها

نسيبة بنت كعب
مساء الخير ..
في كل قراءة تقدمينا تتسع عدسة الرؤية ..
.. وهذا شأن كل نقد موضوعي يتناول النص بروح مشرقة ونفس تتطلع لنشر الجمال .
ترقبت تعقيبك الموفق جدا ، ورأيت أنه أثرى النص ..
شكرا لك هذا ال" صفاء " ..
وألف شكر للمرور العطر.

ناديه محمد الجابي
02-02-2016, 09:20 PM
لحظة ميلاد صعبة بعد انتظار طال ـ وموت طفلين من قبل
وصفاء يأتي به المولود ليعم التسامح بين الزوجين بعد
تكدر الجو بينهما.
قصة جميلة بأسلوب تصويري تعبيري نابضا بالحياة
بديعا كان نصك قصا وحسا وفكرة .
تقديري لقلمك البارع ـ وتحية بحجم الإبداع. :001:

كاملة بدارنه
18-02-2016, 05:51 PM
قصّة واقعيّة بسرد جاذب حتّى النّهاية
بوركت
تقديري وتحيّتي

سحر أحمد سمير
20-02-2016, 07:03 AM
قص رسم مشهدا ناطقا لهموم و آمال و تطلعات مشتركة ..

راق لي كثيرا ..

دمت بخير و عافية

علاء سعد حسن
21-02-2016, 11:20 AM
نص من الروعة بمكان

ينتمي ولاشك لعالم الادب الروائي لكبار الروائيين في عصر ما قبل الحداثة الزائفة

فيه رائحة العمالقة الكبار السحار وعبد الحليم عبد الله وغيرهما

ولا اشك ابدا ان الاستاذ المبدع سمير الفيل واحد من هؤلاء الكبار

آمال المصري
26-09-2016, 04:55 PM
سرد شائق بتسلسل أحداثه وتلاحقها وواقعية الحكي من خلال نص اجتماعي راق لي
وحضور بريء أذاب ما حمله كلاهما على الآخر من عتب
سررت بالقراءة هنا فشكرا لك
ومرحبا بك في واحتك
تحاياي