المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : زائر الحديقة



واحة أمان
26-04-2006, 02:14 PM
زائر الحديقة
رتبت أشيائي وهممت بفنجان قهوة أحتسيه بشغف بعد أن عريت نافذتي من ستائرها،ووجدتني أنظر منها إلى الحديقة المجاورة لبيتي أتأمل أطفال يلعبون بمرح ،يحلقون في السماء تارة وينزلقون إلى الأرض أخرى.
على كرسي متهالك جلس ،شد انتباهي لأني أكاد أعرف معظم زوار هذه الحديقة على الأقل بالشكل ،أطفال الحارة ،رجل قارب الستين يمارس مع زوجته رياضة المشي كل صباح،وبعض نساء الحي جلسن يتبادلن الحديث وفناجين القهوة.
كان زائر الحديقة رجلا يقارب الأربعين وتنبعث من وجهه رائحة الألم،وتزاحمت بين عينه دروب التعب.
تركت فنجاني ووجدت نفسي أقترب منه والحياء يلجم اندفاعي لمعرفة مابه ،وأحسست منه برغبة للتحدث مع أي أحد عما أتى به ،صباح الخير.بادرني بها ,صباح الخير ياعم أهلا بك ،كأني أول مرة أراك هنا .قال:نعم قلت:كأنك تبحث عن شيء؟؟
حلق بعينيه يطالع نوافذ حارتنا الصغيرة التي أكاد أحصي أفرادها،ثم قلت له :انتظرني للحظة سأحضر قهوة وأعود لك.وبسرعة كنت أمامه أناوله فنجانه وأنتظر البدء بالحكاية .
بقلب مكسور وعينين غسلتهما الدموع قال:أبحث عن عصفورتي ضاعت منذ زمن ،أفتش عنها في كل مكان يضحك فيه الأطفال ,أسأل الأراجيح ،علها تكون مرت بها ،أشاح بوجهه يخفي دمعة تدحرجت ،وارتشف من القهوة ما يبتلع به غصة حرى .
كنت أتابع حديثه بلهفة وأحسسته يتوانى بذلك ظنا منه أني مللت أو لن تعنيني تلك الحكاية .
قال :تعرفت إلى شابة أثناء عملي في البريد واتفقت معها على الزواج ،وخلال مدة قصيرة أصبحت زوجتي ،ولأني لا أقرباء يذكرون لي كنت أنتظر خبر حملها بفارغ الصبر .تنهد بعمق وأخرج من جيبه علبة تبغ .أخرج سيجارة وأخذ يمص سمها كمن يحاول انقاذ ملدوغ ،ثم تابع يقول :جاءتنا بشرى وكانت فرحتي بها عظيمة ،و أخذت طلبات زوجتي تتوالد بعد ذلك دون قناعة بما لدينا ،وأنا أحاول أن أحقق لها جل ما تريد وكانت معظم طلباتها تنحصر في مبالغ معينة من المال لا أشياء أشتريها لها ،وفي الوقت نفسه كنت أفكر لماذا تريد المال ولم ألحظ أنها كانت تجلب لنفسها سوى بعض أدوات التجميل الرخيصة .
وفي أحد الأيام عدت من عملي استقبلتني طفلتي ذات الثلاث سنوات بثغر يقطر عسلا وضحكة كتغريد البلابل ،ظممتها لحضني بقوة وطوقت بذراعيها الغضين رقبتي ،قبلتها وأحسست بتعبي ينسل مغادرا جسدي ،ووجدت زوجتي تقف أمامي تسألني :ها جئت ؟-وهل ترين أني لم أجيء بعد .ضحكت ودخلت أبدل ملابسي مستعدا لغداء بعضه طعام ومعظمه بؤس ،وفكرت في نفسي ماذا عساها تريد اليوم ،وهل سأقدر على تأمين ماتطلبه ,وماذا عساي أن أرد عليها ،سأقول لها لاأملك ما تطلبين وافعلي ما شئت . لاسأسايرها هذه المرة أيضا لأجل عيون بشرى .وكم تحملت لأجل عيونها .كان المبلغ الذي طلبه مايعادل راتب عام كامل لي ودون طعام .
أذهلني ذلك وأفقدني القدرة على التحمل لأي كان وزاد من حدتي أني لم أقدر على معرفة سبب ماتريد ،ووجدتها أمامي تحمل حقيبها وتقول لي ستعرف مكاني حين تحضر ماطلبت منك .كانت نظرات بشرى تتنقل بيننا وكأنها تدرك ما يحصل دون القدرة على ابداء الرأي .
استوقفتها وقلت لها :عند خروجك من هنا ستكون النهاية فيما بيننا ،جاوبتني بضحكة ساخرة :يوم المنى ،وعصفت بالباب خلفها تاركة طفلتها كشيء لا يعنيها .أخذت طفلتي لحضني وابتلعت صرخة كادت تمزق أوداجي ،ومرت أيام عشر دون أن أعرف عنها شيء ،كنت أضع بشرى عند جارتي العجوز التي كانت تحن علي بنظراتها كل يوم بعد أن تسمع سمفونية زوجتي كل صباح وكأنها تعيش معنا .
ومنذ شهر عدت لأجد زوجتي قد أخذت بشرى من هناك بعد أن أفهمتها أني من طلبت ذلك ،تأجج بركان الغضب عندي ورحت أبحث عنهما في كل مكان يمكن أن تكونا فيه دون جدوى .الكل لا يعرف عنها شيئا حتى أختها الوحيدة قالت لي أنها لم ترها منذ زرتها وإياها في العيد الفائت .
أعود كل يوم إلى بيتي أفتش عن ضحكة منسة في زواياه ، وفي غرفتها أسأل لعبتها علها تكون حدثتها في غيابي فأعرف عنوانها يغالب أرقي لهفتي لغفوة تعينني على النهوض لعملي في الصباح ،أذهب متكاسلا وما أن أنهيه حتى أعود لأفتش من جديد ،وفي يوم العطلة كما ترين أفتش الحدائق ،وأسأل المارين عل أحدهم مر بضحكتها .
تأهب للرحيل قائلا:آسف قد أثقلت عليك ،سأذهب لأفتش في مكان آخر ، مشى متثاقلا وعيناه لا تكاد تفارقان المكان .
ثم عدت لغرفتي أفتح للقلم مذكرتي من جديد .

سعيد أبو نعسة
26-04-2006, 08:59 PM
قصة مؤثرة تستدر التعاطف و الدموع
أسلوب جذاب يمسك بتلابيب القارئ من البداية و حتى النهاية و السبب بسيط :
لأن الكاتب انتقل بخياله إلى موقع الحدث و تلبس الشخصية بمهارة و نقل المشهد .
سرد ماتع .
( طبعا لم أعرف جنس الكاتب فكان ردي مموها يحتمل الجنسين )

سحر الليالي
26-04-2006, 10:51 PM
أختي الفاضلة واحة أمان :

قصة جميلة وسرد رائع

سلمت يداك اختاه

ودمت مبدعة

لك باقة ياسمين

جوتيار تمر
26-04-2006, 11:35 PM
واحة امان.,.....

بحثت عن الامان فيها لكني لم اجده....

سردك جميل...

تقمصك للشخصية اروع....

تقديري واحترامي
جوتيار

د. سلطان الحريري
27-04-2006, 02:28 AM
الفاضلة واحة أمان:
يبدو أنني سأقدم ألأعذار بين يدي قصتك ، فقد مررت على ما خطه قلمك من قبل ، وكنت أهم بالرد ، وكانت تمنعني مشاغل ، ولكنني هذه المرة وجدتني مدفوعا بإعجاب بقلم مبدع في مجال القص ،وقد أخذتني قصتك بمنطق التشويق من بدايتها إلى نهايتها ، وهذا وحده مبرر من مبررات نجاحها ، وقد جمعت فيها بين السردية والحوارية والتداعي بطريقة ماتعة كما أشار أخي سعيد ، ولكن فيها أمر غير منطقي لم تنتبهي إليه ، وهو في قول بطلك :"ومنذ شهر عدت لأجد زوجتي قد أخذت بشرى من هناك بعد أن أفهمتها أني من طلبت ذلك " ، إذ ليس من المنطقي لرجل لم يجد ابنته بعد أن أخذتها أمها أن يعلم ما أخبرتها عند قدومها لأخذها ..
وهناك بعض الأخطاء الطباعية التي لا تنقص من قدر القصة التي وفقت فيها إلى درجة تدعو إلى التقدير..
واحة أمان : لك حبي وتقديري

خليل حلاوجي
27-04-2006, 05:10 AM
كان زائر الحديقة رجلا يقارب الأربعين وتنبعث من وجهه رائحة الألم،وتزاحمت بين عينه دروب التعب.
\

حينما سنظفر بأنسان يشبهك ...
تلاحظين الورود
والاطفال
وحزن العيون
ودروب التعب

فأني أؤكد لكم خلو مجتمعنا من مرض القسوة ... آنئذ

نحن نمر على قلوب تنتحر في كل لحظة مليار مرة ... وهيهات هيهات لقلوبنا أن تثور أو تلتفت على أقل تقدير

واحة أمان
27-04-2006, 11:54 AM
الأخ الفاضل سعيد أبو نعسة :شكرا لمرورك ،أسعدني تقييمك لقصتي ،وأرجو أن أراك عند حروفي مرات أخرى .
دمت بخير.أختك واحة أمان

واحة أمان
27-04-2006, 11:59 AM
الحبيبة سحر الليالي:أسعدني مرورك المكلل بالياسمين
لك مني باقة ود ورياحين .:0014:

واحة أمان
27-04-2006, 12:05 PM
الفاضل جوتيار:تأتي ردودك دوما لتبعث في العزم على الكتابة أكثر .
سررت بمرورك :001:

واحة أمان
27-04-2006, 12:22 PM
المبدع د.سلطان :بكل الشوق كنت أنتظر مرورك الممطر فرحا ،وكأني بك تخاف المرور بأرضي الملغمة بالحزن،حيث أني فتشت ذاكرتي علي أجدك مررت بحرفي يوما ،فلا بد أن يكللني الفرح بمرورك اليوم ،-شكرا للفتتك -
لك مني كل التقدير:001:

واحة أمان
27-04-2006, 12:28 PM
الأخ الفاضل خليل حلاوجي :أحتفظ بردي عليك في القلب لأني كثيرا ما أعجز عن التعبير .
دمت بألف خير:0014:

د. سمير العمري
27-04-2006, 07:48 PM
للحق فقد رأيت هنا قدرة سردية تشد القارئ وهذا هو أهم ما ميز القصة ناهيك موضوعها الذي يمس شغاف القلوب.

آه كم في الحياة من ظلم وظالمين لا يتوانون عن العبث ببراءة طفل أو مستقبل جيل مقابل إرضاء رغباتهم أو إشباع شهواتهم. أعرف من مثل هذه الحالات الكثير أقلها طرد أم ابنها من بيتها بعد أن خربت بيتها بيديها وبما فعلت من سوء وبما ركبت من بغال عناد.

القصة مؤثرة كما أسلفت والحالة السردية موفقة ولكن أجد اللغة بحاجة للعناية والصقل ، والأسلوب بحاجة للبلاغة وبالفصيح السهل.

إن شئت أن نشير إلى بعض ما يمكن أن يوضح الأمر من نصك فعلنا بكل احترام.


تحياتي
:os::tree::os:

د. محمد حسن السمان
27-04-2006, 10:01 PM
سلام الـلـه عليكم
الاخت الفاضلة الاديبة واحة امان

كم اعجبني هذا الاحضار لمجتمع النقاء , صورة الحديقة , التي بدأت
بالاطلالة عليها من خلال النافذة , ثم مجتمع الحديقة , الذي رسمته
وكأنه مجتمع اسروي مترابط :
ووجدتني أنظر منها إلى الحديقة المجاورة لبيتي أتأمل أطفال يلعبون
بمرح ،يحلقون في السماء تارة وينزلقون إلى الأرض أخرى.
على كرسي متهالك جلس ، شد انتباهي لأني أكاد أعرف معظم زوار
هذه الحديقة على الأقل بالشكل ، أطفال الحارة ،رجل قارب الستين
يمارس مع زوجته رياضة المشي كل صباح، وبعض نساء الحي
جلسن يتبادلن الحديث وفناجين القهوة.

وكم اعجبني هذا الانتقال , بعفوية ودون انفعال , لنرى صورة
اخرى , لمجتمع آخر خارج الحديقة , في حركة ذكية , لاظهار
المفارقة بين مجتمع التراحم , ومجتمع التناحر والقسوة ,
في سرد شيّق , ومعالجات فكرية واجتماعية خفيفة , واخيرا :
اقرّ لك بنجاح القفلة .
و في عملك هذا , قدمت رسالة اخلاقية وانسانية هادفة .
والنص كما اراه عمل ادبي متميّز , يستحق التقدير .

وارجو المعذرة عن عدم دخولي في التفصيلات , التي تكرم الاخوة
الادباء الكرام , الذين مرّوا على النص قبلي , بقراءتها والاشارة
اليها .

اخوكم
السمان

واحة أمان
29-04-2006, 07:59 AM
الأخ الفاضل د.سمير العمري:بكل الشكر والإحترام أنتظر اشارتك ،فالتنسيق يزيد الورد جمالا .
دمت بألف خير:0014:

واحة أمان
29-04-2006, 08:08 AM
عليك سلام الله ورحمته وبركاته الأخ الكريم د.السمان :
لك مني كل الإحترام والتقدير شاكرة لك مرورك بحديقتي .
دمت بخير:001:

محمد إبراهيم الحريري
15-05-2006, 12:34 AM
الأخت واحة أمان
تحية حريرية مسائية صباحية سردية التعبير طاهرة المنتمى ، محمدية الرؤى ارسلهالك على جناح عتب اخ لم يعي ما يدور هنا حتى أوصلته عصفورة المصادفة تغرد هنا على أغصان واحة مان سالتها الخبر لإاشارت هلم عزيزي وانظر
ماذا رأيت يا واحة لم اسمع صدقا بك من قبل لا أدري لماذا هل الخرف وصل بسكينه فكر قارئ متسكع بين نخيل الواحة ؟ ام أني اصبت بعمى الذهول فلم اقدر التمييز بين واحة وأخرى لكن ما أعاتب به واحة الأمان لم لم تقبلي على أخ لك تنجدينه من ورطة اللجوء الأدبي ةتستضيقينه بين أنات قصتك يا أختاه ؟ !
قد وجدت ضالتي أخيرا قصة سردية كما أسلف سدنة النقد وأرباب النثر وهنا أعيد ما قالوه لكن باسلوب حريري يستسيغ طعم نخيل الطلاوة متعة ذوق أدبي يشرد بعدها إلى حيث الخيال يضرب أكباد البلاغة وصولا إلى واحة الأمان مستقر خيال يعشعش واقعا في رؤية قصصية تختال بعبق الحرف
أخيرا أردت القول أكثر لكن الزمن لا يمهل يا بنتي فقد أزفت ساعة الرحيل خوفا من قطاع طرق يسدون علي باب الرجوع
اشكرك أخت واحة وكأنك تقدمين لي جواز مرور إلى أدبك الراقي
وصية عم
هناك بعض الأخطاء وقعت أثناء الطباعة هل ترغبين بتصحيحها لك ؟
عمك محمد

واحة أمان
15-05-2006, 08:24 PM
العم الفاضل محمد الحريري:
تحية محملة بزهور الشكر لمرورك بين سطوري ،فقد حمل لي ردك فرحة بقدر دهشتي بكلماتك .
أما عن العتب ،فإن العصفورة نسيت أن تقول لك أني حديثة عهد بالواحة وبعالم النت بشكل عام ،حيث لا أجيد سوى خطوات الوصول إلى الملتقى ،وإن شاء الله تعالى سأجرب الإستضافة وسأبدأ بلاجئ أدبي حين يتسنى لي ذلك.
وأما عن تصحيح الأغلاط في قصتي فلك الضوء الأخضر مع كل الشكر والعرفان .
واحة أمان :hat: