المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بيت خـــالـتي



د. حسين علي محمد
29-04-2006, 07:18 AM
بيت خـــالـتي

قصة قصيرة، بقلم: د. حسين علي محمد
.........................................

إنه يشكُّ في نظراتي التي تطلب منه دائماً الصمت .. وألا يتكلم .. حتى لا يهدم العش!
هل أطلب منه المغفرة وأنا لم أعمل ما يستوجبُ الغضب .. أو الشك!
أعبر أصص الزهر مصحوبة بكواكبَ معتمة في الأفق .. أمشي نحو بساتين خضراء، معلقة على الحائط، في لوحةٍ فاتنةٍ .. تتابعها عيناه في عتمةِ ما بعد الغروب .. إنه لا يُشاركني في ترحالي الأسبوعي إلى بيت خالتي، في رحلة تصحبني فيها خفافيش الذكريات وسود الأماني!
ما بيننا سور عالٍ لم تستطع الكلمات أن تقتحمْه!
نظرة حزينة تبدو في عيْنيْ «رشاد» وهو يراني عائدة .. يرنو إلى الأفق دائماً مغمضاً عينيه كأنها يحلم، أو يخاف أن ترى الناس حلمه الأسود أو توجسه الدائم الذي لا يُفارقُه.
بعطف وشفقةٍ يمسك الطفل ـ طفلنا ـ في يده، ويخشى أن يلفظ الكلمة التي تعتمل في صدره، أو يستحضرها من قباب الوحشةِ والشك التي لا تُغلق أبوابها.
فإذا عدتُ من بيت خالتي الوحيدة، ورأى تهدُّج صوتي ورعشة أطرافي وأنا أحكي له عن مرضها الذي يُقعدها، وانتظارها الأسبوعي لي .. وكأنني نسمة الحياة التي تنتظرها .. يهز رأسه ساكتاً، وأقرأُ في عينيه حزناً يصحبه الشكُّ، فيكادُ يصرخُ فيَّ:
ـ إنك لا تزورين خالتك إلا لكيْ تريْ حبيبك القديم .. ابن خالتك .. الدكتور حسام.
...
لكنه لا يستطيعُ أن يقولَها.
... كان كاذباً دائماً في تخيلاته التي لم أناقشه فيها، ولم يُفض بها إليّّ .. فهو في حاجةٍ إلى ما يؤكِّد شكوكه التي أخشى أن تقتل ما بنيناه بيننا من احترام وود على امتداد ما يقرب من عقد من الزمن، وهاهو ينسق في صمتٍ أبجدية شكوكه يوماً فيوماً لترسم بعد ذلك عريضة اتهام!
هل يمتلك شجاعة الروح ويقول لي ما يحزنه من زيارتي لبيت خالتي؟
وهل أمتلك أنا شجاعة القلب، وأقول له ذات مرة: إن «الدكتور حسام» يُقيم في الزقازيق، وليس مع والدته في «القلعة»، ولم يأت لزيارة أمه إلا مرتيْن أوْ ثلاثاً لم أره خلالها.
لماذا يظل «رشاد» رغم زواجنا من ثمانية أعوام وإنجابنا طفلاً منذ خمس سنوات .. يظل واقفاً أمام السور العالي الذي شيّده من شكوكه وأوهامه؟.
ما بين الصخور تتحرّك يا رشاد ..
صحيح أنا لم أتزوجك إلا بعد سفر «حسام» إلى أمريكا، ليحصل على الدكتوراه في التربية .. وقول أمه ـ خالتي ـ ذات صباحٍ غائم لي: «إنها سمعت من صديق له أنه ـ الغادر ـ تزوّج أمريكية حتى يأخذ الجنسية، وكم كانت تريد أن تفرح بزواج وحيدها من ابنة أختها»، وكان آخر خطاب منه لي قد مرّ عليه شهران!!
هل كانت خالتي تتآمر على حبنا؟
وفي لحظة تفكيرٍ عميقٍ ـ تزوّجتُ من «رشاد» .. ـ زميلي المهندس في الإدارة الهندسية بالجيزة، وزميلي في الدراسة في هندسة عين شمس.
وعاد «الدكتور حسام» من أمريكا، ليعيش عزباً، وليعمل مدرساً في كلية التربية بالزقازيق، ويكاد يُقاطع والدته لأنها كانت السبب في أن يفقد حبيبته ـ أنا، حبيبته «سناء» ـ التي كم حلم بها، حينما رددت إشاعة موهومة من زميل كاذب!!
كم فكرت في عدم زيارة خالتي العجوز، التي أضحت على مشارف السبعين!
وكم تتعبُني رحلتي الأسبوعية لها من ميدان الجيزة إلى «القلعة»، وسط زحام قاتل أصبحتُ لا أُطيقُه!
هل ستعيش طويلاً ليتجدد شك «رشاد» الصامت في مسلكي؟
وهل سأظل على زياراتي المتكررة لها مساء كل خميس؟ ..
إنها مريضة! ..
هل كنتُ مجرمةً يوم تمنيتُ موتها من أسبوعين، حتى أرتاح من شكوك «رشاد» ونظراته الحزينة الصامتة!
لقد تزوجت رشاداً، عن اقتناع فكري .. وجاء الحب والمودة بعد عشرته اللطيفة، وإنسانيته الدّافقة .. وليس في قلبي أو عقّلي غيره .. فلماذا يُدمِّرُ الشك حياته؟
و«حسام» ـ ابن خالتي ـ لم أره منذ ثلاث سنوات، ولا يُشكِّل في حياتي غير هاجس حب قديم .. نسيتُهُ بالفعل .. فلماذا يُصر «رشاد» على تذكيري به؟.
لماذا لا أصطحبُ رشاداً معي لزيارة خالتي يوم الخميس القادم، وكل خميس بعده؟ ..
رغم أني لم أفعلها طوال السنوات السبع الماضية، فسأصحبه مع طفلي «هاني» .. ليرى الواقع الحزين، وحالتها المرضية المتردية!!
لن أترك «رشاداً» في رحلاته الطويلة: في شروده الدائم، أو في شكه الذي لا ينتهي.
من الخميس القادم سأجعله يُضمِّد جراح قلبه!

الرياض 25/1/2000م
.................................................. .........
*مجلة «الجيل»، العدد (448) في 14/4/2006م.

ماريا يوسف النجار
29-04-2006, 11:43 AM
الشك اصبح افة نعاني منها....وليت شكنا كان دائما في مثل هذه المسائل التي حدثت في بيت خالتي اقصد هذه القصة..شكنا اصبح يؤرق فكرنا ...
وجدتها ممعتة هذه القصة

محبتي وودي
مريم

سحر الليالي
29-04-2006, 03:54 PM
قصة جميلة أخي د.حسين

سلم قلمك ودمت مبدعا

خالص تقديري وباقة ورد:0014:

د. حسين علي محمد
02-05-2006, 11:12 PM
شكراً للأديبة الأستاذة مريم النجار على تعليقها،
ومرورها الجميل على النص.

عبلة محمد زقزوق
03-05-2006, 02:45 PM
الإنغلاق على الذات وما يعتمل داخلها من صراع يؤدي حتماً للإنفجار الذي سيكون من تبعاته دمار الذات وكل من يتصل بهذا الصراع .
لذا يتوجب مع النفس السوية المصارحة والمواجهة بالمكاشفة دون إنتظار ؛ لأن الظن من سوء الفطن وليس من حُسنها في أحيان كثيرة وخاصة عندما يكون هذا الظن في أحدى أعمدة الأسرة وأساس تكوينها آلا وهي الثقة بالزوج أو الزوجة .
والنص هنا لامس واقع مؤلم يعيشه البعض دون التعميم ، لذا أتسم النص بروح الواقعية والعقلانية في الحاور والتعمق في نفس الانسان الغيور وكذا بالنفس التي تأبى أن تصارح أو أن تسعى لكي تخرج من حصار الفكر المشوش .
ولكن النهاية بالنص الأدبي هنا جاءت بحل بسيط وهو السعي لوضع الأمور في نصابها حيث لم يعد يحتمل الكثير من الغموض وذلك لإدراك الأنثى بقرب الإنفجار من الزوج .
تحياتي لنص رائع أديبنا الفاضل د. حسين علي محمد

د. حسين علي محمد
03-05-2006, 10:23 PM
شكراً للأديبة المبدعة والناقدة عبلة محمد زقزوق،
على تعليقها الجميل،
مع موداتي.

حوراء آل بورنو
04-05-2006, 11:41 AM
تمس قصصك دوماً واقعاً ، و تلامس حكاياك دوماً حقيقة !
غير أني أرى أن الزواج إذا فقد الثقة و دخل الظن فيه محل اليقين فهو بالتأكيد يسير نحو الهاوية .
غير أن موقف الزوجة أعجبني ، فقد اشترت بحكمتها ما قد يصلح الحال و يرتق الفتق .

بالع تقديري .

د. حسين علي محمد
05-05-2006, 09:02 AM
شكراً للأديبة الأستاذة
حوراء آل بورنو
على تعليقها الجميل

ناديه محمد الجابي
27-10-2014, 05:35 PM
إذا دخل الشك بيتا من الباب فر الإستقرار من النوافذ
ولكنها كان من الممكن أن تدفن نار الشك إذا صارحته
وكسبت ثقته ، ولكن سلبيتها كانت سببا في تأجيج نار شكه.
لغة النص راقية ورائعة ـ صورت ما يعتلج في الصدور من
مشاعر وأحاسيس تصويرا دقيقا
قصة جميلة معبرة ، ونص هادف .. شكرا لك . :001:

خلود محمد جمعة
29-10-2014, 07:50 AM
لم يتم فتح أوراق الصراحة لتعلم السبب الذي يحزنه
تكهنت بالسبب لعلمها بأن الطريقة التي تتعامل بها خاطئة
أكثر ما يقتل العلاقات هو التورية وعدم المصارحة الى أن تتجمع النقاط الصغيرة مكونة صخرة سوداء تسد كل طرق اللقاء الفكري
لم يعبرلها عما يجول في خاطره ولم تسأله الى أن اصبحت المسافة بينهما هوة السقوط فيها هو النهاية
ربما يضحك منها القدر لتجد حسام ابن خالتها عند والدته في الزيارة القادمة
الحلول الدائمة بحاجة الى فهم عميق
قصة جميلة ورسالة اجتماعية عميقة
تقديري

كاملة بدارنه
30-10-2014, 01:30 PM
إن عاثت جرذان الشّكّ في حقل العلاقات، فسدت الثّقة !
نصّ هادف وجميل
بوركت
تقديري وتحيّتي

آمال المصري
05-10-2015, 07:46 AM
مرض يحتاج لبتر ولكن للأسف وإن بُتر ربما يُولد أقوى
من الأسلحة الفتاكة التي تودي بكثير من العلاقات الزوجية تناولها شاعرنا الراحل بلغة أنيقة وسرد ماتع وحبكة قوية
رحم الله شاعرنا الكبير د. حسين علي محمد
تحاياي