المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نصوص الخاطرة التي شاركت في مسابقة الواحة الأولى



إدارة الرابطة
06-05-2006, 05:25 PM
هنا تنشر النصوص التي شاركت في مسابقة الواحة الأولى تحت تصنيف الخاطرة بواسطة أصحابها كي يتعرف القراء من أعضاء وزوار على هذه المشاركات ويتم الاحتفاء بها بما تستحق.

وعليه فإننا نهيب بالجميع بما يلي:

* الأخوة الأعضاء من شارك في المسابقة بسرعة نشر نصه هنا بشكل منسق وجذاب ، وأؤكد أن النشر هنا للنصوص التي تم إرسالها لبريد مسابقة الواحة وليس لأية مشاركات جديدة.

* الأخوة الذين شاركوا في المسابقة ولما ينتسبوا للواحة سرعة التسجيل في عضوية ملتقى الواحة ونشر نصوصهم بأنفسهم كي يكون لهم فرصة للفوز بأحد جوائز المسابقة.

* باقي الأخوة الأعضاء عدم المشاركة هنا بردود وتعليقات والالتزام بالرد فقط في موضوع "على هامش المهرجان" لتظل هذه الصفحة مخصصة للنصوص المشاركة في المسابقة فقط.


تحياتنا
الإدارة

بن عمر غاني
06-05-2006, 09:11 PM
معتقلات الأقلام
***
الأشجان تنسخ الأشجان
و الحزن ألوان وألوان
تصدع الكبد.....
ما بالي عدت أنكر واحتي
أين الحنان....؟
هي الأرواح تعانقت فتباعدت
هي الأوراق تساقطت
والريح تعوي في الجنان
هي الأشجار تاهت
وللفروع تنكرت
هي الجذور تأوهت
هي الاشجار تنكر الأغصان
هي الفروع تحزبت وتنعمت
أين كانت الأغصان..؟
هي الأحقاد تغامزت وتلامزت
هي الطيور تودع البستان
و الأزهار تفقد عطرها
هي الفراشة والبراءة يقص جناحها
و الطفل الصغير يبكي.....
ويقبع في المكان
هي القلوب كشرت و تحجرت
هو الإنسان يقهر الإنسان
هي الأشباح بالقناع تسترت
وبالإشاعة...... يرشق الخذلان
هو الطعن في الظهر يغرس سهمه
هو سلاح الجبان
هو العمود يخرب بيته
و السقف يسبق الجدران
و الأركان تتلف بعضها
أين كانت الأركان ...؟
هي العناكب تنسج غزلها
والفريسة قربت
هي المجنونة تمزق شعرها
وتشق جيبها
هي الهزيمة أوشكت
هي المكيدة عربدت
هو العدو يخترق نخيلنا
وصفوفنا
هي الأقلام بعد الرؤوس تقطف وتهجر
نحو التيه....
و السنين العجاف...
لتغور في الاندهاش لجلدها
عبر الزمان
هي سجون الفكر تفتح بابها
ويسيل لعابها
هي القضبان تنسخ القضبان
هي البطالة والكسالة تشغل دربنا
فتهشم رأسنا
هو السهم يخطئ صدر عودنا
ويستقر بصدرنا
**
هي الفتنة ولا أبا بكر لها
هو الفلك يغرق في سكوت.....
هي الفرجة...... فرجة الربان.




https://www.rabitat-alwaha.net/showthread.php?t=2798&page=1

معتز هاني
07-05-2006, 08:08 PM
يسعدني ان اشارك في المسابقة بهذه الخاطرة ولكم جزيل الشكر"
انا بصراحة لا اعلم ان كانت المسابقة انتهت ام لا ولكن بياناتي كالتالي
معتز هاني سعد
مصر/محافظة الدقهلية /ميت غمر/شارع البحر


38 درجـــــــــــة غــــــــــــــــــــــرب ا"




إستئذان:

دعيني أنساب كخط وهمي في كف يديك..
خط طول:
أتقاسم وجلدك أغرودة السفر..بلا أسئلة لا جوازات ولا نقطة مطر..
خط عرض:
أتنزل من أصابعك كرسائل عشق أو تباشير غرام ..
فأغرس نفسي بنفسي في وريدك
أتنعم في الغيبوبة..
حتي يحين ميعاد وصولي لقلبك..
في أي مكان سيدتي ..
لا جدوي لتحديد مكان في من أخترعت جغرافيا النساء
ولا حتي تاريخ لمن
أكرمت تاريخ النساء باالدخول اليه..
22 درجة شرقا..
38 درجة غربا ..
في كل مكان سيدتي
ستقرأني العرافة ..

موافقة:
ما أشقاك !!أخاف بأن تصبح خطا أعوج ..
تنحني كقوس قزح في يدي لتغطي خط العمر وكل خطوطي..
أخاف بأن أسمح بالرحلة المجنونة فتعاود سفرك الاف المرات ..
أخاف بأن تصبح رحلتك أسرع من رحلة دمي ..
فأبحث عنك طويلا وأنت داخلي..
أخاف من التيه..ومن الظلمة بالداخل ..ومن عشقك..

إيضاح:

الظلمة!!!..
يا إمرأة من نور!!..
أرأيتي شهابا في مجري الليل ينيره!!
أو تعلمين أنا الليل الذي سيجري ..وأنت النور ..

تظلم:

لكني سأشتاق لشعرك ولعينيك الدافئتين ..
من يحملني ويشق بضفائري مثلك ضوء القمر!!..

إستغراب:

لا تسأليني عن القمر..
فشمس حديثي في حالة
كسوف كلي..
سأحاول أن أستلقي بسواحل دمك..
فيغطيني المد ويسحبني الجزر..
أتقلب مثل الكرة الأرضية بحثا عنك في نفسك..
أو بحثا عن شئ عني في قلبك
أو أن أستلقي علي كرة من دمك
مع حور من رفرف خضر وعبقري حسان..
أو أقطف من أشجار عالية قطوفها دانية
في حدائق شعرا عجبا..
فأنا لا أستجدي الحسن بداخلك
ولكن تستجديني الصدمة من فرط الجمال..

أنوثة:

عيني تغار ..
تريد بأن تحجز مقعدا دائم أمام عينيك..
فكيف أرد عليها..
وكيف أصافحك وانت في كفي
فلن أستطيع بأن أصافح نفسي طول اليوم..
أنا أتنفس منك ولكن أحب ان اراك أمامي ..
ففردوسي في عينيك ..
فكيف أحدث نفسي عن "الفردوس المفقود"

أخيرا:

ألغيت الرحلة ..
قررت العودة لوطني ..
عيناك..
فلقد امنت بأني خط في يديك ..
ونورا في عينيك ..ورحال في دمائك منذ زمان..

أما أنتي ف "دينـــأ"
يكفيني أن أنطق إسمك..
لأعيد الرحلة سنوات..

فهل ألغيت الرحلة!!

محمد نعمان الحكيمي
07-05-2006, 09:05 PM
زفة بمصابيح كهرمانية

• مندهشون لخيبتكم ، تحسبون انتصاب وجوهكم المقمحةِ انتصاراً – يا للزيفْ !
• إنهم في (دواليبهم) ينقشون الهالة الخضراء من ندب الجراح وغصة الألم الكبير .. وفي كل طرف يتألق الحب المفدى في قلوبهمُ العميدة .. لأجلكم ( للأمة الميتة والرضع الكبار ) ... يا كباراً بحجم عقل الصغارِ ؟!
• قلقون هم لضياعكم ، ما أسلموا يوماً لمسغبة العروق الجائعة.. وما اشتكوا عوزاً يفوق ضراوةً فقر فأرٍ في دهاليز الكنيسةْ.
• حائرون في ظل خنوعكم.. يالله !!.. لا تدرون ما اسم الفجر ما شكل الكرامة، و كأنكم لا شيء يجمع روحكم , وليس يغني عن ثقافة ذُلْكِم أدبٌ سراب.
• مطرقون لفجيعتهم بظلاميتكم يا عشاق العارِ.. ويا أنصار الأشرارِ.
• كتبوا بمهجتهم وغنوا بالفرائص والقلوب لأجلكم والضوءِ .. ومضى امتدادهم الموحد للحضارة موئلاً , ولحلمكم سفراً كبيراً.
• واليوم قد ركنوا النتاج إلى وعودكم الكئيبة .. والهوى.. هل تعدلون ؟!
• وكيف وإن ضاحكتهم أماني الجنون ونجّتْ دواليبهم بالنصب، ومادت سجيتهم بديناميكية أخرى وفوضى مستحبةْ، فهم – لا شك – أروع من كل خيبتكم، وأرشدكم إلى الصبح حلماً.. و وداداً !!
• أما بعدُ : فما ابيضت أعينهم إلا للحب وللفكرة , ولأن علوج الفتنة تحرق كل نجوم حضارتنا .. والحلم الأخضر يتبددْ .
------------------------------------
[/frame][/frame]

د. وليد الصراف
08-05-2006, 12:20 PM
دجلة
خاطرة

دجلة
تجري ..
ببراءة طفلة جذلى بخطواتها الاولى ، بجموح مهرة تلهث خلفها الايام ، بحكمة شيخ تجري مثقلة بالاوزار واشلاء الغرقى .
تجري ..
عندما تصفو تجري على رؤوس اصابعها مخافة توقظ النخيل ، وعندما تغضب في مواسم الطوفان لا تأبه أن تقتلع النخيل من جذوره .
كان اسمها دجلة ..
تستدعي الربيع ، فيجيء حاملا ادوات العمل .. علبة الالوان والنسغ الصاعد والفراشات والعنادل .. ينسج ثوبا من العشب للعراق ويطرزه بالازهار .. صنعته مخفية دائما فانت ترى عشبا تشفق ان تطأه وترى نخلا عاليا تخشى ان تتسلقه دون ان ترى ما يحدث تحت التراب ..
وتطرد الربيع ، فتهاجر العنادل وتذوي الازهار وتحول الالوان ويبحث الاريج عن مخبأ له في الذاكرة .
كان اسمها دجلة..
وكان ابناء العراق ابناءها .. دماؤهم تتلمذ على امواجها غضبا وهدوء وقلوبهم ينقلونها في الهوى كما تنقل امواجها .. وكما ترحل في كل صوب ، كما تنحدر وتعلو ، تركد وتعدو .. تمر بقرى ومدن وعراء ثم تعود الى مصبها .. كانوا يفعلون كل شيء ثم يعودون الى عراقيتهم .
حيث خطت تركت شيئا يدل عليها . ولو طلبنا من كل زهرة عراقية ان تبرز هويتها الشخصية لوجدنا دجلة يرد في اسمها الثلاثي .
كان اسمها دجلة
وكانت تلد نوعين من اللؤلؤ .. اللؤلؤ الذي نراه على جيد الحسان وفي معاصمهن .. واللؤلؤ الذي نسمعه ( الخرير ) .. خريرها لؤلؤ مسموع يفصح عن اعماقها الرقيقة والقاسية ، العميقة في رقتها والعميقة في قسوتها .
كان اسمها دجلة
كم اعترضوها كم وضعوا السدود امام اقدامها كم حاكموها على سفن غارقة ..
مرة قال لها المحقق : اقسم اذا لم تبوحي باسرار الملوك القدماء من سومر واكد وبابل ساجعلك تحسدين الصحراء على شوكها وذئابها .. وذهب المحقق وبقيت دجلة لا باحت باسرارها ولا اصبحت صحراء .
كان اسمها دجلة .. وكانت تعقر ناقة الشفق فيا عجبا من كورها . يخف العشاق الساغبون اليه ويصيبون منه فيزدادون سغبا . كانت للعطشى والغرثى والزراع والصيادين والعشاق الذين تشبه تنهداتهم خريرها ..
اه دجلة كم تشبهين الامة كم تشبه قضاياك قضاياها
اه دجلة متى يذهب الزبد جفاء؟
متى موعد الربيع القادم ؟

نورية العبيدي
08-05-2006, 05:34 PM
http://www.hdrmut.net/ufiles/1147101350.jpg

وطني، يا وطن المُتَعبين؛

خُذ دَميِ والْقهِ حِراباً في عُيونِ السُراّق، حينَ تموتُ الدمعةُ في الأحداق، حين تُنادي امرأةٌ عربيّة (وامعتصماهُ) أين العراق؟!

لِمَ يبْخلوا عليكَ بالدماءِِ، والدمُ هنا في كُلِّ حالٍ مُراق! لا نَفْعَ لفكرِ مُفَكّرٍ، والأحزانُ على الوطنِ المُهانِ أصابَتنا بالإرهاق. تُسكَّنُ الآلامُ بمُهَدِّئاتٍ بَطُلَ مفعولُها، والوَجعُ محفورُ هناكَ، في أعمقِ الأعماق ! ... فنحنُ بمَرْكَبٍ لا نَعرفُ أيْنَ مِقْوَدهُ، ولا نعرفُ، بأيٍّ اتجاهٍ بنا يُساق!!!

يا أيها الذين آمَنوا: إلى متى يبقى الصمتُ ممثّلُكُم، والجفاءُ بينكم؟ وهما هدفاهُم، وغذاءُ مؤامرتِهِم، وسرُّ بقائهِمِ، فلِمَ لا تقتلوهُم بالاتّفاق ؟!
يا أيها الذين آمنوا بالله: لا تُصَفِّقوا لِمَنْ تآمرَ عليكُمْ، وأنْتُمْ تعرفوهُ، فمِنْ سرِّ أسرارِ اعتلالِ هذا الوطنِ، ذاكَ النّفاق. فليسَ مَنْ يقتُلُ بالظُّلمةِ إلا ظالماً، وليس كلّ مَنْ وَصَلَ النجومَ عملاق!

آهِ لو تُشرى المبادئَ، لجَمَعْناها، لمن نقْصُهُ في المبادِئِ والأخلاق... فمَنْ يبيعُ وطناً، وبلا خَجَلٍ، ولا نَدمٍ: لا شَكَّ أَنَّهُ عديمُ الشّرَفِ عاق. دامسٌ جوفُهُ، صغيرٌ قلْبُهُ، وَإِنْ بَدا لِلْمَلأِ لامعٌ براّق.

اشهد أيها التاريخُ واكتُبْ: تَعِبَ الوطن، وتعْبُهُ تجاوزَ المُطاق. دمْعُهُ جَف، فحجمُ ما ذرَف، قد يكون بحجمِ ماءِ البحْرِ أو ربما فاق ! فكلُّ وطنٍ يتطلّعُ إلى المعالي، والوطنُ العالي نحوَ الهاويةِ يُساق. فهو كبيرٌ، وهو عزيزٌ، وحفنةٌ من الأقزامِ تمسكُ العملاق!

بعونٍ من الله، لن يُفرِّقوا ولنْ يسودوا، ولن ينجحَ كيدُهم في الشّقاق. أماّ وقد ظلموا، وعاثوا في الأرضِ فسادا، فسيردُّ الشعبُ لهم وبالَ ظُلمهِم، وسيكون مصيرُ الأحبّة التلاق. عِشْ أيها الوطن في عيونِ المحن، من أجل أن يعود المشتاقُ للمشتاق.

ربنّا هب لهذا الوطن من لدُنكَ رحمةً، إنَّك أنتَ الوهاب، وامنحهُ عِزّا، فلأنك عزيزٌ، لم تجرّب الذلَّ كمْ هو مر المذاق!!! !!!

سمير الفيل
09-05-2006, 04:00 PM
خاطرة


من سيرة الأزرق !

الأزرق من أحب الألوان إلى نفسي ..
هو البحر ..
وهو الأفق ..
هو الاتساع المورق بالبهجة في شجرة الحياة ..
تغربت مرتين فعرفت الأزرق أكثر :
واحدة لمدة سنتين داخل الوطن في ثكنات الجيش حيث الأوامر العسكرية الصارمة ، والنوم في ملاجيء الأفراد ودشم الذخيرة في تبة الشجرة بسيناء . كانت مساحة الأزرق هي ملاذي كي أشعر بالحرية حالما تمرق الطيور في الفضاء فينشرح الصدر ابتهاجا .
ومرة ثانية فترة إعارتي بالسعودية لمدة أربع سنوات ، فكنت أشوط أحجار الطريق ، وأخاصم الأشجار ، وأتعجب أن مياه الخليج هادئة الموج لا صخب فيها ولا أمواج عاتية ، لكنني حين أدقق النظر في الأزرق الفسيح لأخبره أنني عائد أجده يجيبني بلغته التي أعرفها تماما فتسكن نفسي .
في الأزرق اتساع ، ورحابة ، وفيه امتداد سرمدي بهي ، وانعتاق .
ريشة فنية تستوعب كل الألوان الأخرى .
الأزرق في بداية تعلمنا الكتابة كان لون الحبر ، وكثيرا ما كنا ونحن صبية نتسلق أشجارا عتيقة لنحضر الثمار البيضاوية السوداء القاتمة الخشنة كي ندبغها ، نحمصها ، ونأتي منها بالمداد . هل أفلح واحد منا في أن يأتي لنا بالحبر أم أننا كنت نمارس السحر المدهش القديم ، وسيمياء اللون دون علم وكهانة ؟
في مقبرة فرعونية قديمة ببطن الوادي ببني حسن حدقت في أسراب الأوز الملكية ، وكان بها بهاء السلطان ، وهي تسبح في لجة الأزرق الذي مضى على وشمه خمس آلاف سنة .
منذ شهرين كنت أستند إلى كتف الروائي الصديق محمد عبد الله الهادي ونحن نسير على حطام المعبد الأسطوري في " صان الحجر " ، فلمحت الأزرق شاحبا ، وثمة عشب بري يحوطه في تآمر متكتم حتى كاد أن يخفيه تماما . حين رفعت رأسي كان الإله " بست " ينظر إلى عينيّ مليا ليختبر يقظتي ، فارتعش القلم في يدي ، وكففت عن التدوين فيما المرشد السياحي يحصر لنا الأزمنة ويصرها في منديل التاريخ.
للحب طرق سالكة عبر الأزرق ، لا يمكن أن يتصور الكاتب محباً لا يأخذ حبيبته ليجلسا يوما في مواجهة البحر لينطق الأزرق بما لم يستطع أن يبوح به المحب من أسرار حملها القلب ، وانعقد اللسان عن قولها حين أراد أن يبوح.
الأزرق يأخذ درجاته حسب طقوس المدن : الأسكندرية ، بورسعيد ، العريش ، مرسى مطروح ، الغردقة ، دمياط ، أسوان .
الأسكندرية لوحة مبرقشة بالأزرق في فستان البنت الأمورة التي تفردت بثوب له نقط بالأبيض الشاهق على مساحة سماوية تتلطف مع وجنتين متوردتين لتلك الفتاة التي استدعاها " محمود سعيد " على عجل وهو يثبت الملامح بطرطشات اللون على " باليتة " لها حافة مستديرة تمسكها يد الفنان ذي الشعر المجعد .
ليست الصخور التي تتكسر عليها الأمواج في الشاطبي سوى سبب خفي لأن تمتد اليد كي تلامس الكتف البعيد لهذا الولد الصامت إلا من أغنية يردد مقطعها الأول .فإذا بأسراب السمان المهاجرة تندفع من الشمال مجهدة متعبة صوب المصير المحتوم .
بورسعيد وفنارها القديم يلف في الليل فيمسح نوره عتمة المكان ، ويحط طائر النورس على دفة مركب في القبوطي ، حينما تخرج بنت محلولة الشعر لتغني ل"أم الخلول " اللذيذة والجندوفلي .
البور سعيدية أو " البلاطوة " مغامرون ، لديهم واقعية سحرية في الحكي ، وحكايتهم مع الأزرق أقل عمقا بحكم سنوات الهجرة ، ودماء الشهداء ، وروح التمرد .
هم بسطاء واضحون ، متمردون على أي سلطة لذلك من عندهم يبدأ الشغب ، وتنطلق المظاهرات ، وتنفلت الأعصاب . أزرقهم حي خجول سواء كان في العرب أو الفرنج . ربما كانت المدينة الوحيدة التي تعرف عناوين بيوتها بشارعين لا شارع واحد . وهم محللون سياسيون وخبراء كرة قدم من الطراز الأول .
في العريش منظر باهر لم أره في حياتي غير في هذا المكان ؛ فعند شاطئها يمتد النخيل حتى يلامس أقدام الماء في تعانق فريد .
العرايشية فنانون بالفطرة ، وطنيون ، ولديهم لمسة بداوة واضحة ، وأزرقهم فيه قدر من الغموض ، ربما لأن الرمال المواجهة في الجنوب تحاصره في قسوة مفرطة . جاء الأزرق من الشمال ولم تستطع الكثبان الصفراء أن تسيطر عليه فأعلنت الخصام معه .
لم يجد الأزرق مناصا من أن يستتر بوحدته ، ويعتز بعزلته فاصطفى لنفسه مكانا ، وأطل على المشهد الجنوبي في تأمل الزهاد .
ذهبت إلى مرسى مطروح مرات قليلة ، و لم يكن الماء العذب قد دخلها بعد، إذ كانت قوافل الفناطيس تأتي من مدن بعيدة فتملأ الخزانات وتنصرف .
مدينة هادئة تطيح بك إلى أجواء الأربعينات ، وأنت إذا شمرت ساقيك وذهبت فعلا إلى " حمام فرعون " فلن ترحمك الأمواج ، وستأخذك في طريقها . إذن تحاشى الصخور المكسوة بأخضر " شعر الجارية " ، والق نظرة على شاطيء " عجيبة " حيث تدرجات لونية متعددة للأزرق ستصيبك حتما بالذهول لجمالها الفاتن .
على الصخرة الشهيرة ستلمح " ليلى مراد " وهي تغني بلوعة من فارقها الحبيب. غناء يصعد إلى الفضاء الفسيح فيغسل هموم القلب من مآزق الدنيا ومتاعبها .
هنا أزرق العشق وافتضاحات الهوى لمن لعب به الثغر المتبسم والعين التي في طرفها حول .
ذهبت للغردقة وعشت بها ثلاثة أسابيع متصلة وكان البحر هو الصديق الدائم الفياض بعذوبته الرقيقة المستحبة . بحر وحشي في اندفاعاته ، في مده وجزره .
في كل صباح كانت فتيات " منظمة الشباب " يقابلننا صدفة ، ونحن نجمع الأصداف ، وهن يفعلن ذلك . نفس التوقيت المثير حين يتفتح الكون بنور صاف ، فيما العيون تتلاقى في حيرة كونية مثيرة ، والقلب الغر يخفق .
هو البحر يمضي ضاحكا من طفولة المشهد ، و لزرقته براءة لم أرها في مكان آخر قط .
المالح هو البحر ، وإجازة الجمعة تأتي مع ركوب " اللنش " ، ودفع قرشين لا أكثر ، حيث تمخر المعدية النيل متجهة شمالا ، وعند " الجربي " نهبط لنتجه في سرعة مذهلة نحو البحر .
رائحة اليود تنعشنا ، واسمع الوشيش من مئات الأمتار .. وشيش كوني سرمدي " وش ش ش.. وش ش ش " ، وحين تلتقي عيناي به يفرد لي ذراعين رقيقين فأندفع في معانقة الأزرق ، يعلمني صديقي " عبد الحليم " كيف أسبح على ظهري ، وكيف أغطس تحت الأمواج لأطول فترة ممكنة ، فإن ابتلعت الماء المالح ضحك الآخرون ، وصاحوا : " كازوزة .. أشرب ببلاش " .
لهو الطفولة البريء ، وأطفال سمرصغار يأتون من " عزبة البرج " ليبيعوا للمصطافين الترمس ، والفول المملح ، وأم الخلول .
أزرق رأس البر هو تاريخ الطفولة ، وطفولة التاريخ ، كما أنه لون ممعن في الشقاء الإنساني ، وبكاء لم ينقطع لغرقى فاتوا آباء مكلومين .
أزرق النهر بمحدوديته تجده في أسوان ، لكنه الأزرق الصعيدي الخام على مقربة من الصخور الجرانيتية العملاقة . أزرق له احمرار الطمي ، وسمرة الناس ، وحرارة الجو المعتق بسحر الماضي .
على مقربة من أزرق أسوان حيث المراكب الشراعية العملاقة رأيت صديقي النوبي ابراهيم فهمي لأول مرة . كان يكتب نصه القصصي لكأنه يغني موالا نوبيا رائقا لا ينقطع مدده ، ثم يصعد لينام على " العنجريد " .
اللون الأبيض يظهر فتنة الأزرق فكأن عروسا تدخل في زمرة البنات لتجلو محاسنها .
" كتشنمة " كانت قرية ابراهيم فهمي ، وهو في عنفوان شبابه ، وقد راح يطارد النص المستحيل حتى مات مصدورا في فندق رخيص بليل القاهرة .
حين وصلني الخبر بكيته ،وكتبت نصا للفقد ، واستودعته صفحات طواها الزمن على عتبات الراحلين حين يأتي المساء الشجي الحزين ، فيحتاجون إلى غفوة ، بعدها يقومون ! .
هنا أزرق دافيء كقلوب الناس هنا . لا يوجد ناس في الكون أطيب وأرق من أهل أسوان إلا السودانيين ما لم تدركهم السياسة ، فاسوداد بشرتهم ـ أي السودانيين ـ أبانت بياض القلب بصورة يصعب وصفها . مع أهل اسوان تشعر بالونسة والفيض الانساني النبيل بلا أي مقابل .
في جزيرة النباتات جلست يوما مع الصحبة ، فرأيت بديع صنع الله ، ورق قلبي للجمال ، وصعب علي أن أرقص مثل الجميع فوقفت خارج الدائرة أصفق منقوص الإيقاع .
وعند قبر عباس محمود العقاد تناثرت أحجار الجرانيت ، وانحنينا نضع باقات الزهر ، ونقرأ الفاتحة على روحه . كانت جمل من " عبقرية عمر " تتهادى في أنحاء المكان كأنها فراشات ملونة مرقطة الجناحين ، وأنا استعيد أيام دراستها في المقاعد الخشبية بمعهد إعداد المعلمين ، ومعلمنا " طاهر الخطيب " بقلبه الذي بلون " البفتة " يشرح لنا غوامض الكلم ، ونحن نستزيده .
لكنهم قبروا دور المعلمين ، واستسلموا لدعوات التحديث الشكلية فحقت عليهم اللعنة إلى يوم الدين . لكنني هنا في أسوان بأزرقها الباذخ الطيب الدافي ، وصوت " حجاج الباي " يعلو في مقهى شعبي وهو يلقي قصيدته الجديدة ، ويطلب أكواب " الخروب الساقع " . رحل حجاج فانتقص واحد من صف الشعراء المنشدين الكبار .
إنه الأزرق ، وسيرته العطرة تملأ كتبا ، وتستحق مجلدات ، ما هي إلا رؤوس أقلام ، لهذا الرونق البهي الذي هو سامق ، وحر ، ورصين .
هو المحب ، الفاتن ، المفتون بالناس ومع الناس ، سواء في زخم البحر أو فيض النهر ، وإني واحد من محبيه الأوفياء . وسأظل وفيا للأزرق حتى آخر لحظات العمر !

حنين هندية
12-05-2006, 12:18 PM
ارجو حذف مشاركتي هذه

منى وفيق
13-05-2006, 03:05 PM
كنت نشرت الخاطرة التي شاركت بها في المسابقة ولم اجدها لا ادري هل حذفت ام ماذا عموما اعيد نشرها وهي ذي:



و كان لقلبي ذقن اسمها شادمان

إلى شادمان ، صديقة أحببتها من وراء اسم.. وإلى زوجها و صديقي يوسف أبي الفوز . .يشكركما حزني و يطلب مغفرة فرحكما!


لأن بيني و بين الماء سمكة ، كنت بحاجة لعطلة وجوديّة.اخترت أن أبدأ هذه العطلة التي أخذتها أمس بهذه الحدوتة الطينيّة المبللة بدم متختّر.ستسألونني طبعا من أين لك بالدم المتختّر هذا؟!سأطلب منكم أن تسمعوا حدوتتي القصيرة جدا.و لكم الخيار .إمّا أن تأخذوا عنها دمها المتختّر، و إما أن تزيدوه بدمائكم تختّرا.حسنا، أمسكوا قلوبكم بأيديكم و احرصوا أن لا تكون أظافركم حادة..قلّموها أوّلا.
أصدقائي ، كلاّ ..لن أقول أصدقائي فالكلمة هذه موضة/ دقة قديمة.بل ماركة غير مسجلة بالسوق.أها!!سأناديكم كما لو أننا في سوق " أيها الناس ..لا ، لست أمل دنقل و لن أناديكم قائلة " ايها الناس كونوا أناسا كما فعل هو".ما يهمني أن تكونوا أناسا فكل شيء في زمننا قابل للاستنساخ.

حدوتتي الصغيرة لن تكون عن العقاد الذي مات مؤخرا لأنه ببساطة مات و تركنا نتفنن في طريقة بكاءه..دماءه سرت داخل عروق الأرض و دماءنا داخل جسدنا تتلون لتسري.


حدوتتي الصغيرة لن تكون عن فيروز و سبعينيتها.عيد فيروز كان عيدا حزينا حتى لو أنكر الكل....بيد أن فيروز لا زلت ترفع السماء عنّي فلا تسقط إلا دمعتي منها!

حدوتتي الصغيرة لن تكون عن مساء وردٍ و نار.فأياديهم كلما لمست الورد تركت به شوكا ..و النار ذاتها باتت تستجير منها بالرماد!


حدوتتي الصغيرة لن تكون عن الكوالا الذي أعشقه و يذكرني بي.كنت أقول أنني سأتبني صغير الكوالا طفلا أسكن إليه كلما اشتقت أن تخدشني الرقة.ما فارقني غير إحساسي برقة الكوالاَ!

حدوتتي الصغيرة لن تكون عن جودي أبوت و الكابتن ماجد و سالي و النساء الصغيرات وزورو.ما كانوا هم يوما رسوما متحركة بالنسبة لي. اليوم اصبحوا متفرجين حين بتنا نحن كما الرسوم غير المتحركة!


حدوتتي لن تكون عن القطة الصغيرة التي اسمها نميرة فالقطط لن تكون قريبا إلا جدات النمور!

حدوتتي قصيرة و تخصّني...مكررة و غبية..إيه..
هيّا اسمعوني،


كنت يومها أستعد للاحتفال بعيد ميلادي الاختياري. فعلا ، أنا لي عيدان . أحدهما أختاره أنا متى شئت و قد يكون مرتين في اليوم..و الثاني هو عيد مولدي الحقيقي.في عيد ميلادي الاختياري كانت هناك حفلة تنتظرني .حفلة من ترتيب العبث و ضيوفها أشكال ورقية مرسومة ملونة بصباغة ألوان .ما كنت استعددت للحفلة فهي حفلة يزيلون فيها أقنعتهم الوردية و أنا و تصورا معي هذه الكارثة ، ماكان لي قناع. لذا ظللت أتصبب خجلا و شعرتني الأكثر وضاعة بل قتلني حينها إحساسي بالوحدة و الغربة بينهم. كانت وجوههم الورقية قد فقدت لونها إذ أن المطر الذي بللها ما ترك لها لونا و ظهرت الوجوه شاحبة جدا و كريهة.و أنا ظللت سلهمة يلوّن المطر وجهي .ماكنت أعرف أنّ للحزن شفرة حلاقة حادة إلاّ حين مضى يكمل لي حلاقة ذقن قلبي بها.أي نعم، قد نما لقلبي ذقن كنتُ تركتها تطول بعض الشيء. ذقن قلبي لم تكن شائكة أبدا ، بل كانت بملمس ناعم كخدود قطط الجنة. كانت ذقني تلاطف القلب حتى أنّني تركتها تسمي نفسها ب " شادمان".قلت : و لم لا . ليكن ولو شيء واحد منّي غير عربي .و" شادمان" اسم كردي يعني "فرح".
نسيت أن لحزني العربي ، لحزني الإنساني ربما شفرة حلاقة لا تميّز فرحا كرديّا أو أجنبيّا!
منذ أيام و عينا قلبي متورمتان. ليس بسبب شفرة حلاقة المِستر حزن فهي للأمانة لم تمسسهما،عينا قلبي متورمتان فهما ليستا تبصران شيئا لأن الذبذبات التي أرسلها الآخرون لفّتهما بالضباب فتاهتا.

عطلتي الوجودية بدأت أول أمس..لست ادري متى تنتهي ؟!


عن إذنكم ، السمكة التي بيني و بين الماء تبحث عن زعانفها التي سرقتها لأكتب بها.

مجدي محمود جعفر
13-05-2006, 07:43 PM
خطرات قصيرة جدا
بقلم / مجدي محمود جعفر

1- سـعاد حسـنى

أقسم الولد قائلاً : أن سعاد حسنى عندما تظهر على الشاشة - تلهيني عن المذاكرة وتشغلني عن كل شئ في الدنيا، تأسرني بعينيها الجميلتين ، وتجذبني بخفتها ورقتها ، تنثر زخات ضوءٍ تبدد مساحة العتمة ، وأظل أدور في مساحة جسمها الضئيل وملامحها الدقيقة ، غطت صورها حوائط غرفتي ، وأغلفة كتبي وكراريسي المدرسية ، وملأت فراغ قلبى، وشغلت تفكيري ، تتسلل إلى غرفتي في الليل تداعب أصابع البيانو ، تغمز لي بعينيها الجميلتين، تعزف وترقص وتغنى وتتشابك أيادينا وتتعانق عيوننا ، وتمضى بدلالٍ وغنج ، وفى الصباح أستيقظ وألعن نساء قريتنا البدينات وبناتها المسترجلات !!

2- دون كيشـوت

أقسم الولد قائلاً: أن المسافة بين الكلمة والفعل تزداد اتساعاً يوماً بعد يوم ،وأن الجملة الاسمية في اللغة العربية تأنقت ، وتألقت ، وتعطرت ، وتعملقت ، ولم نعرف من الأفعال غير أفعال الماضي وأفعال الأمر وقال :
- امتشقت سيفي ، وامتطيت صهوة جوادي ، وأقسمت لأضيقن المسافة وأمزقن الجملة الإسمية، وأبعث الحياة في الجملة الفعلية ، وأجعل الغلبة للفعل المضارع وأفعال الغد !!
- أغمدت سيفي في كتب التاريخ .. وفى دفاتر الشعراء .. في .. وفى .. وفى ،أحسست بأني" دون كيشوت " أبله ، أحارب طواحين الهواء، وارتد سيفي إلى نحري ، ووجدتني وحيداً منزوياً في زنزانة رطبة .

( 3 ) الخروج من الدائرة المغلقة

لما بشروا أبى بأنثى للمرة السادسة ، اسود وجهه ولم يوقد في بيتنا نار ولم أر الابتسامة تملأ وجهه إلا بعد أن وضعت أمي البطن السابع .... نحروا خرافاً وتيوساً ولم ينطفئ لنا موقد ....
في البيت وفى الكُتَّاب وفى السنوات القليلة التي أمضيتها في المدرسة لم أعرف غير أفعال الأمر وأكُفّاً غليظة محفورة على الخد .... فتملكني الخوف وسكنتني الطاعة .

( 4 ) عنــا ق

كانت لحظة اكتشاف مفاجئ ، رغم وقوع التجربة أمامي مرات ومرات .. وكأني أشاهدها لأول مرة .. ولا أدرى لماذا رحت أربط بين ما يقع أمام عينيّ وبين وقائع حياتي .. ولا أذيع سر إذا قلت أن الكتكوت كان أكثر جرأة وشجاعة .فلم يستسلم للقدر الذى دفنه في هذه الدائرة المغلقة .. نقراته في جدار البيضة تتصاعد شيئاً فشيئاً ، أحدث في جدار البيضة ثقباً
وثقبين ، تسلل إليه قليل من الضوء ، انتشى وهو يطل برأسه من النافذة التي أحدثها في جدار البيضة .. تصاعدت صرخاته ونقراته ، راح ينقر بعنف وشراسة ، امتلأ الجدار بالثقوب ، اهترأ ، وتهلهل ، وقفز فرحاناً منتشياً .
( 5 ) شموس
صغاراً كنا .. حين مددْنا أكفنا للشمسِ، عُراةً قفزنا في النهر، لنمسك بقرصها المستدير اللامع .. بعيدة تلك الأيام بُعد الشمس عن الأرض .. كأسماك خرجنا من النهر، وأقراص الشموس على أكفنا الصغيرة .. نجري وقطرات ضوء تتساقط من أجسادنا، وكل أحكم قبضته على شمسه، وخبّأها في مكان أمين ليُخرجها في الليل.
في الليل تشاجرنا وتعاركنا

«من سرق الشموس يا أولاد الأفاعي؟»

أوسعتها لكماً، وركلاً ولم تفر .. باكيةً كانت تعدو، وأعدو خلفها، عثر قدمها بحجر فسقطت، وسقطتُ فوقها، ويدي على عنقها، اتسعت حدقتا عينيها عن آخرهما.

«هاتي الشموس يا بنت الحرامية».

وكادت تموت بين يدي، لولا أن رأيت القمر في عينيْها، سقط في عينيْها حين عثرت .. استحم القمر في دموعها، وبدا في عينيْها أكثر إشراقاً، وتألقاً، وصفاءً!

اختلج قلبي الصغير في صدري، ومددتُ يديَّ إلى خدها أمسح قطرت الدمع التي تساقطت من سماء عينيْها الجميلتيْن.

في الصباح .. فرحاً آخذ سنتي التي نزعتها أمي من فمي، ومضيْتُ إلى الشمسٍ أُناديها:

«يا شمس يا شموسة، خذي سنة الحمار، وهاتي سنة العروسة».

وكأن الأرض انشقّت عنها وخرجت فجأة، أو كأنها سقطت من قرص الشمس السّاقط لتوه من رحم الفجر.

رفّت ابتسامة خجلى على شفتيَّ، وافتر ثغرها عن ضحكة حلوة، وما أن تجمّع الأولاد، حتى رحنا نتصيّد شموساً من النهر.

جمال سعد محمد
13-05-2006, 08:38 PM
.. أمواج .....أمواج
( خاطرة )
لا أظن أن طفلا أحب البحر مثلي ، وخبأه في بنورته السحرية مثلما فعلت يوم اكتشفت وشيشه ذات صبح بعيد .
أنا صعيدي الأصل ، وجد جدي من آخر قبلي ، والبشرة لاتخفي هوية ، ولا تضلل في نسب ، فمن أجدادي ورثت السمرة ، وطول البال ، وحب البحر!
نعم، أعرف أنكم ستتعجبون أن يأتي شخص من أحضان الجبل الأجرد حيث لا زرع ولا ضرع مثلي يحكي لكم عن حبه للبحر ، والقواقع ، والهدير الصاخب .
بالله عليكم لا تتسرعوا ، وتأملوا فقط ما سأذكره لكم عن الأمواج ؛ فهي سري الدفين ، وضميري اليقظ الذي لا يعرف المهادنة أو الخنوع .
الأمواج هي سري : ضعفي وقوتي ، يقيني وشكي ، كبريائي وذلي.
قتلت قبيلة عرب الهوارة أحد أعمامي ، وجاء الدور على أبي كي يثأر لشرف العائلة كلها ، وقبل أن يزيح الغبار عن بندقيته ، اصطحبنا أطفالا صغارا في بداية تفتح زهور العمر. جاء بنا صغارا إلى هذا المكان المطل على البحر ، أسكننا عشة من عشش الصيادين ، قربنا منه قبل السفر إلى الجنوب ، قال بصوت عال إرتج له البحر : أنتم أشداء كالجبل . إياكم وغواية البحر فهي مهلكة . هي سنوات وتعودون لأحضان الوادي حيث الأرض والعرض والدم.
قال هذه العبارات ، فنزلت على أعناقنا كالسيف الذي له حد باتر ، ومن يومها غاب ، وظل صوته يتردد في أذهاننا ، أما أمي التي أخفت وجهها بشال اسود فقد ربتت عليه مودعة : اعمل الواجب يا ابن العم . لا تضيع الدم.
آه من البحر . كان في مواجهتنا ينادينا أن ننزله ، وكانت أمي تحكم الرتاج ، وتسد النوافذ ، فكنا نوسع أعواد البوص ،ونهرب في خفاء ، فيستقبلنا فرحا . يأتي بنفسه ليغمر أقدامنا الصغيرة ، تاركا لنا صدفات عجيبة ، وسراطين صغيرة تتحرك بحذر هنا وهناك ، وأسماك بلطي صغيرة تتموج في الحفر التي نصنعها في المساء دون أن تدري أمنا .
قالت لنا وهي تشهق لتعب اليود في رئتيها ، وثلاثتنا من الصبيان : لا تذهبوا إليه ، ففيه جارية تخطف الشبان لتتزوج منهم ،وبعد أن تنال غرضها تغرقهم .هكذا قال أبوكم لكم .
كنت الصغير فيهم ، قلنا وأعيننا مصوبة نحو الشواطيء البعيدة التي لا نراها : سمعا وطاعة يا أماه . لا . لن نذهب إليه .
البحر له في الصباح نداء غامض لطيف ، وفي الليل عواء عاصف مخيف ، وكانت الأمواج تمثل لي عنفوان الحياة .
قلت لنفسي : الأمواج ترفعني وتهبط بي ، فهي تلاعبني.
قلت مرة أخرى ، وهي توشوشني في أذني : إنها تدللني .
ولما غفلت عيناي مرة غمرتني فاختنقت ، وصرخت ، وجاءت الجنية. يالله على منظرها الرائع ، حملتني برفق وهدهدتني : مااسمك؟
قلت بين اليقظة والمنام : عبد الله .
قالت : من أين جئت؟
قلت بصوت لاأثر للخوف فيه: من الصعيد.
انزلقت برفق على سطح الماء ، وهتفت بي : لم تزل صغيرا . سأحتاجك يوما . لاتنم مرة أخرى على رمال الشاطيء . ذيلها كان يتحرك بانسياب وهي تتهادى لتشق طريقها نحو عشتنا بالذات ، كيف عرفت أننا نسكن هنا ؟
اخترقت زجاج النافذة كأنها شعاع ضوء ، قبل أن تضعني برفق على سريري قرصتني من خدي حتى لا أظن أنني في حلم ، وقالت بصوت عال : لا تأتي إلا عندما أناديك.
صرخت والحنق يبلغ مداه: أنا لا أحبك يا جارية . وشعرك الناعم لا يعجبني مطلقا .
دخلت أمي ووضعت يدها على جبهتي ، مدت يدها بحبة أسبرين وكوب ماء : إشرب ، أنت تهلوس.
يا أمي أنا لا أهلوس ، ولا أخرف ، من قال لها أنني أخاف البحر ، الماء المالح لا يغرق طفلا ، هي تريد أن تدخل البيت من النافذة . لا تدعيها تخرج يا أمي .لابد لها من عقاب . كيف تتدخل في حياتي ؟
بتقطيبة كلها طيبة هزت رأسها : نم ، في الصباح لنا كلام.
الأمواج كم أرقتني ، وأنا أقف أمامها أترقب عودة الجارية بذيلها الياقوت ، وزعانفها اللؤلؤ ، وقشورها الفضية التي تلمع تحت الشمس . لم تعد تأتي .
وأتت نسرين. لتتأمل الأمواج نسرين.
للشمس أن تنخفض لتنعم برؤيتها وهي تتمشى على الشاطيء . كنا قد كبرنا وصار أبي ذكرى بعيدة ، لا نعرف هل هو حي أم ميت؟
نسينا تماما نصيحته بعدم الذهاب إليه ، إلى البحر ، لكنها أتت ، وجاءت معها بعاصفة صغيرة تخصني اقتلعت قلبي ، كنت في كلية الحقوق ، وهي تدرس الأدب الفرنسي ، وعلى شاطيء البحر امتزج القانون بروايات كامي وفلسفة سارتر ، عرفت أن الجارية إمرأة تغوي الرجل ، وبعد أن تنال غرضها تخنقه بحبل مفتول من الأكاذيب . هيء لي أنني قد نجوت بمعجزة .
هل رأى أحد منكم جارية تتحدث الفرنسية بطلاقة ، وفي يديها كل هذا البرق الذي يومض من الصباح حتى المساء .
ألتفت للأمواج وهي تطشطش ، وتصنع نافورة هائلة ، قلت لها : يا أمواج ، بالله عليك كيف أتوحد بنسرين ، وهي تأتي على شكلك لتغرق كل يقين داخلي؟
هي برعم من نار ، يتفتح كزهرة تعيش قي جهنم ، كلما امتد زمن اللقاء احترقت أكثر .
الأمواج لا تردني خائبا ، تضحك في وجهي : إخلع ملابسك ، إنك في الشاطيء المقدس للحب ، كلما تعريت للشمس والهواء شعرت بك الطبيعة أحبتك ، فلونتك ، وجملتك بطباعها .
يا أمواج : هذه نسرين تغيب وليس معي سوى علامات تصلح لأية فتاة أخرى ؛ فهي متقلبة مثلك ، لا قرار لها ، كيف يمكنني أن أتزوج بها .
حلمها هناك في شاطيء لازوردي بعيد بعد الأطلسي . هل يمكنك أن تسكن عشة أبي الصعيدي ، هذا الرجل الاسمر الذي ترك زوجة وثلاثة من الذكور ليأخذ ثارا من عائلة عرب الهوارة ؟ هل يمكنك يا أمواج؟
نحن لا نعيش الحياة إلا مرة واحدة ، ، وهائنذ قد تخرجت ، وعملت ، اختلطت بأرقى الطبقات ، وتعاملت مع أعتى المجرمين ، وفي كل مرة تصخب الأمواج داخلي ، وأراها تشير لي أن أخلع ملابس ، وأتعرى للبحر ، فاستسلم للإغواء ، وأسير كالمنوم حافي القدمين ، والرمال الملتهبة تلسعني ، فأعدو ، كي أطفيء نار تساؤلاتي : أين ذهبت يا أبي؟
يقولون أن الأم تعشش وتحتضن صغارها حتى يكبرون . لا أنكر أنها فعلت ، حمتنا وأكثر .
لكن الأب يمنح الأبناء القوة وشدة العود ، ويهبهم ثقة في النفس ، وقدرة على مواجهة المتاعب .
يا أمواجي إصعدي بي واهبطي ، فقد تعودتُ أن تهدهدينني سواء مع الجارية أو مع نسرين ، أو مع نجوى .
نجوى فتاتي الأخيرة التي كانت لي البحر بغموضه وعمقه وزخمه القوي المثير .
كنت قد اشتريت زورقا صغيرا له محرك قوي ورفاص ، كلما وجدت متسعا من الوقت ركبته ، وخضت اليم مندفعا فوق سطح الماء ، اشقه نصفين كأن بيدي عصا موسى ، وفجأة وجدتها نقطة ضوء في أقصى شاطيء النخيل.
كانت تسبح في هدوء على ظهرها مغمضة العينين كأنها تستدعي حلما بعيدا .
مددت يدي فأوقفت المحرك ، وخلعت سترتي ، ثم قفزت بين الأمواج ، رحت أعوم حتى صرت في مواجهتها ، لم تفتح عينيها ، لكنها عاجلتني بسؤال أطاح بتماسكي : بالتأكيد أنت شخص فضولي؟
ابتلعت الإهانة ، ورددت الصاع صاعين: وأنت منفلتة اللسان.
فتحت عينيها في امتعاض ، قالت: من فضلك ابتعد.
قلت : هو البحر ملك للناس كلها.
قالت متأففة: ولأنه واسع جدا فاختر مكانا آخر.
قلت : هذا المكان يروق لي.
اعتدلت وراحت تسبح نحو الشاطيء : سأترك لك البحر كله.
قبل أن تكمل عبارتها أرسلت يا أمواج رسلا من لدنك كادت تغرقها في دوامة عنيفة أفقدتها اتزانها .
غطست ،انتشلتها ، رأيتها مستسلمة لا تريد أن تقاوم.
صعدت بها على حافة الزورق، قالت لي وهي تستعيد ابتسامتها : شكرا لك . أنت غطاس ماهر.
كانت بجسدها الفائر الشهي تحرك أشياء داخلي لا أكاد أدركها ، قلت : ما اسمك؟
قالت : حذّر .. فزّر؟
قلت : الجارية؟
ضحكت بمرح صاخب: كي أخطفك وأتزوجك قسرا ثم أمزقك؟
لقد انتهى عهد الأساطير يا "هذا ".
صار اسمي " هذا " ، وأدرت المحرك من جديد وبدلا من أن أتجه للشاطيء رحت أبحر نحو العمق المستحيل . لمحت في عينيها السوداوين إصرارا غريبا ، نفس الوميض الذي يحاصرك بسطوعه . سألتها : ألا تشعرين بالفزع وأنت مع غريب.
حدجتني بنظرة واثقة : من يمتلك زوقا مثل هذا يمكنه امتلاك نساء جميلات كثيرات ، ولن تعدم وسيلة .
لم أدر يا أمواج ، أكانت تسخر مني أم تمدحني؟
لففت بها البحر مرات ، وهي تغني لي أغنية كنت سمعتها في أول مقدمي بالشاطيء . سألتها في حيرة : ما اسمك؟
قالت : نجوى . ودعني اسميك " هذا " . وقد جرجرتني إلى أعماق غموضها وهي تضحك ، وتقسم لي أنها تعيش الدنيا بلا هدف غير أن تفهم الاجابة على سؤال واحد وهو : لماذا هبطنا على الأرض؟
كانت ابنة مليونير ترى الجمال في عري الطبيعة وتقشف البشر ، عرفت من خلال حديثها أنها ستعيش ابد الدهر حرة. صرخت فيها : تدفنين كل هذا الجمال بلا زواج؟
قالت وهي تترنم بيت شعر : لا تشتري العبد إلا والعصا معه!
قلت : لكنك لست عبدة ، ولا جارية ، أنت حرة .
هزت رأسها : إنه رأيي يا " هذا " !
يا أمواج .. يا أمواج .. " هذا " كنت أنا .
أمد يدي ، لأساعدها على الهبوط من زورقي الذي غاصت مقدمته في الرمال الناعمة ، وحين صارت على الأرض نظرت لي بتقدير واحترام : أنا مترجمة عن الإيطالية . إبنة باشا مليونير . لأبي زوجة مصرية وأخرى من روما ، هي أمي .
قلت لها وكل أحزان الدنيا تسكن قلبي :
أنت يا نجوى إمرأة من روما؟!
ضحكت وهي تبتعد ، وتغمرني بكثير من شعاعها الغارب : لا تثق في ألبرتو مورافيا كثيرا.
يا أمواج .. يا أمواج .. كنت أواجه جنية أخرى أو جارية ، لكنها جاءتني هذه المرة على غير إرادة مني فاقتحمت حياتي . لأمي رحت وكنت جادا : سوف أخطب هذه الفتاة.
قالت وهي ترمقني بحسرة : ليت لك أب أو عم يأتي معك.
وإلى الصعيد ذهبت ، لأبحث عن أبي كي يكون سند لي . كيف لم أفكر في أن أذهب إلى هناك حتى الآن ؟ ما أصعب الحياة بدون أب . معي ورقة صغيرة باسم البلد وسكن العائلة . وحين طرقت الباب الخشبي القديم فتح لي شيخ ملتح له نظرة نافذة: من أنت؟
أنا " عبد الله " وجئت لأبحث عن أبي في هذا العنوان . قالوا أن عبد الموجود يقطن هذا البيت!
احتضنني مرة واحدة ثم أطلقني : أدخل يا بني . أنا أبوك، ولكن لن أرجع . بلغ أمك أنني هنا لو أرادت المجيء .
قلت وأنا أقيس تأثير كلامي على امتعاضات وجهه : كلنا نريدك ، وقد جئت لتخطب لي .
ضحك وهو يهدر كأمواج تأتي من عمق الظلام : لا شأن لي بدنياكم هناك . أنت ذهبت البحر ، وعصيت أمري .
الجنية أغوتك . عد وعش معنا . لي زوجة أخرى ، ولك أخوة .والمطرح واسع . دعك من البنات الطريات فهن سيغرقنك في اليم حتما .
قبل أن يأتي الشاي قمت مسلما ، قام و أغلق الباب خلفي ، وسمعته يسعل ، ويفتح النافذة ، ويتوعدني : لقد عصيتني ، وستغرق ، سيحملون جثتك وستدفن هنا في بطن الجبل ، لن تعد إلا جثة هامدة ، وحولك الندابات.
مع أمي ذهبت للباشا المليونير ، وقد استقبلنا في صالون فاخر ، أشعل السيجار ، وقال : الرأي لنجوى .جاءت أمها وغمزت لي أنني شاب وسيم مفتول العضلات وهذا شيء جميل .
قالت نجوى وهي تتفحصني ، عندي شرط وحيد، أن تكون العصمة بيدي.
فزت أمي مفزوعة ، وهي تكاد تحطم " الفازة " : كله إلا هذا.
قلت وقلبي يسقط تحت قدمي : انتظري يا أمي.
قالت وهي تهبط السلالم الرخامية : أنت يا ولدي لست ابن حرام لتبيعك وتشتريك النساء .
قلت ودمي يفور في نافوخي . انتظري لحظة واحدة يا أمي ، وقد كنت مستعدا تماما ، صعدت السلم درجتين درجتين . واجهتها بحدة مميتة : أنت مجنونة ، وسوف تموتين كخرقة بالية .
ضحكت في عصبية ، وأصابع الباشا تنفض رماد السيجار : نجوى . أجئت بمجنون ليتزوجك؟
لم أتطع النوم ليال وليال . صرت أشعر بالملاءة تحتها جمر ، وأنا اتقلب ، وكلما أتيت لك يا أمواج طشطشت الجمرات ثم عاودت التوهج.
إنها غواية الجارية ، وهروب نسرين ، وخديعة نجوى التي أرادت أن تكون رجلا بملابس نساء موشاة بفرو من القطيفة.
أمواج .. يا أمواج..أخشاك أكثر من كل مرة : ماذا تريدين مني غير العري؟ روحي وضعتها بين راحتيك ، وهي تلوح لي أن أهبط القاع كي تستمتع بي ثم تميتني ، قبل أن أعترف بسرها الأثيم.
أمواج .. يا أمواج .. تكاد الدفقات تغرقني ، وأنا أتحسس طريقي نحو الجنوب ، هناك في حضن الجبل ، حيث النساء مدسوسات في لفائف الأسود ، وحيث لا بحر . لا أمواج . لا فتنة تخطف القلوب من الصدور
أمواج . يا أمواج ..
أنني في انتظار ان تخطفني الجارية إلى أسفل أسفل ما تستطيع ، وسأذهب إلى القفر الأجدب جثة هامدة ، وسيسارع أبي في دفني بكل الطقوس المعتادة . سيجلس في صدر السرادق يمد يده بالسجائر محشوة بالحشيش الخام . سيتقبل العزاء ، وينظر بشماتة بالغة نحو الشمال . هناك خصمه البحر الذي أغواني ، وأغوى كثيرين مثلي من الغرباء .
( انتهت )

سمير الفيل
13-05-2006, 09:30 PM
خاطرة

الـهـــــــدف

بقلم : سمير الفيل

كانت أسنانه تصطك ، وقلبه يرتجف ، وهو يقبض على بندقيته ، ويستعد للتقدم نحو التبة ، كي يرقد على بطنه ويستعد لإصابة الهدف .
للمرة الأولى في حياته التي يقيض له أن يضرب ناراً ، أو يسمع صوت الذخيرة الحية ، وهي تخترق الشاخص ، وتصطدم بقطعة المعدن الصغيرة بالحائل الصخري العنيد .
يسمع كثيراً عن حوادث الثأر بالصعيد ، لكنه من بحري ، وقد شرب مهنة الأب ، التي أخذها عن سابع جد ، ويده تلك التي تحفر زهوراً في الخشب الزان والسويدي تُلف في حرير .
هو الآن يستعد لتلك اللحظة الفارقة في حياته ، وعليه أن يفعل المستحيل كي يكتم أنفاسه ، ويضبط زاوية التنشين حتى لا تطيش طلقاته .
ليس عليه أن يفكر في الورشة ، ولا في عدة الشغل التي تركها في البنك ، ولا في صورتها التي تضحك لزهور النرجس من حولها ، وتغني بصوت كله مرح " الدنيا ربيع "
الرمل الأصفر يحاصره ، بلونه الأخرس ، وخشونته ، والشمس تسقط وراء ظهرها ، فتثير حنقه .
ركب السيارة إلى التبة منذ الصباح الباكر ، وراحت العجلات تنهب الطريق ، ومفاصل المقاعد الحديدية تتكتك ، وترجه رجاً ، فيستند بمرفقه على ساق من يجاوره . غشيه حزن لا يعرف دوافعه ، وفي انحدار خيط العرق على رقبته تأكد أنه لا يحلم ، فاليوم هو ختام الكلام النظري ، والدخول بكل ثقة في معمعة الفعل .
في أفلام السينما التي يحرص على مشاهدتها صباح كل جمعة ، كان يبسطه أن يشاهد المعارك الحربية ، والجيوش تتحرك في جحافل مرعبة ، بينما الرصاص يفتك بالجنود من الطرفين .
كانت البنادق والمسدسات في أيدي المتحاربين ، وكان يجلس مسترخياً في كرسيه المعتاد آخر الصالة ، وبالقرب من الحائط ، يتثاءب ، وهو يغالب وخمه ، ومنديله المطوي بعناية في جيب السترة ، يمسح به وجهه ، فتملأ أنفه رائحة "سيكريه " . هو الآن في قلب الفعل ، والصول يرفع يده بالعلم الأحمر ، ويأمره بالتقدم ثلاث خطوات للأمام .
" انتباه " . لأول مرة يعي أهمية هذا اللفظ ، فيحلله إلى حروفه قبل المزج ، ويدرك أن حالة الانتباه للهدف تعني له الكثير .
حمل السلاح الآلي ، وشعر بأن ثقله لا يحتمل ، والسونكي المدبب للأمام في غطرسة ثقيلة ، أكدت له خطورة الأمر .
خشخشة الصدور من حوله ، يسمعها ، وتسقط نظراته على أسراب نمل تتحرك يمين المدق ، ثم ما تلبث سحابة خفيفة أن تعبر فوق الهدف ، فتظلله لثوان معدودة ، قبل أن ينكشف عن ضوء صريح ، لا ريب فيه .
" انبطح " . أمر لا مجال فيه للتراجع . على نفس الخط الوهمي ينبطح البوطسى ، والأرناؤوطي ، وسراج القرنفلي .
كل يقبض على سلاحه في استماتة ، يلصق الدبشك بكتفه لصقاً ، ويغمض عينه اليسرى ، وتحط ذبابة على أنفه فيكاد يجن ، لكنها تبعد – ربما رأفة به – فيضع كل همه في الخط الواصل من فوهة البندقية إلى أسفل منتصف الهدف .
" استعد " . تنفتح في هذه اللحظة طاقة نور لتأخذه إلى عالم آخر ، حيث عليه أن يثبت رجولته .
ربما كانت اللحظة بقسوتها ، وخشونتها ، على النقيض تماماً . لكن الاصبع سيضغط ضغطته القوية بلا أي إحساس بالذعر . وقتها يدخل دنيا أخرى .
" اضرب " . وقف شعر رأسه ، ويسراه تحتضن مقدمة البندقية الملساء ، وصدغه يضغط بقوة على الدبشك الأملس ، ورائحة عرق تنفذ إلى نخاشيشه .
" اضرب " للمرة الثانية . اكتشف أنه لم ينفذ الأمر بعد ، وحينئذ هصر الزناد ، فشم رائحة البارود ، وارتج صدره فبادر ، بإطلاق رصاصات تلو رصاصات ، وعينه المفتوحة تدمع ، لكنه يواصل الرمي حتى نفذت طلقات الخزنة .
" انهض " . كان انساناً آخر لا يعرفه ، يهب من انبطاحه القسري ، وثمة رائحة بارود تختلط بعرق يتصبب من جبهته ، في تلك اللحظة لم يعد لديه شك في أنه قد ترك خلفه كل مفردات الماضي .
لم ينفض عن ثيابه بقايا الرمال العالقة بنسيج القميص ناحية المرفقين ، داخت رأسه لزمن يقترب من اللحظة ، وجد ساقيه تتحرك للمؤخرة مع زملاء الرمي .
ولقد شعر أنه أطلق رصاصاته الأولى ، وصار خفيفاً ، قادر على التحليق ، والارتفاع في الفضاء الفسيح إلا أن روحه البريئة أشعرته بالذنب .
تفادى النظر في عيون الزملاء ، وفي الليل ناوشه شعور خفي بالرضا عن نفسه ، ولاحظ الشعيرات التي بدأت تنبت في صدره أسفل وأعلى الثديين ، وحول السرة !
في الليل شعر بأن روحه تنتحب نحيباً خفياً ، وكان عليه أن يضع رأسه على الوسادة الخشنة ، ويخفي دموعه التي تسللت على غير إرادة منه !

حنين هندية
13-05-2006, 10:19 PM
عنفوان الحياة

"خاطرة"
بقلم: حنين عدنان هندية

"كلما رأيتكِ أشعرُ أن الحياةَ لا زالت بخير"
قالها لي أستاذي وهو يبتسم ـ فهزت كياني بعنف، نفضتْ عن كاهلي تراكماتٍ ثقيلة حملتها سنواتٍ طويلة..
أحسستُ أن الشرنقة التي تلتف حولي بدأت تتفتق.. ونبتت لي أجنحة تحملني نحو آفاقٍ بعيدة جديدة لم يكتشفها أحدٌ قبلي!!أحسستُ بأشعة الشمس الحنونة الدافئة تتسلل إلى أعماقي، تداعب قلبي برقةٍ ناعمة تذوِّبُ قارات الجليد التي تجثو على أنفاسه.. خرجتُ من مكتب أستاذي وأنا أحمل في داخلي طفلة تكتشف العالم من جديد..
الحياةُ مستمرة رغم كل المآسي! الشمسُ ما زالت تشرق.. العشبُ.. الأرضُ.. الطيورُ.. الجبالُ.. السماءُ.. الصخور..
كل شيء حولي صار ينبضُ بالحياة، فالحياةُ كنز عزيز ثمين لا يمكن أن تشتريه لو دفعت ملأ الأرض ذهباً!!
الحياة هبة من الخالق لمن يستحقونها من عباده المحظوظين الأحياء!
كم أتألم عندما أرى الجثثَ الملونة المتحركة حولي تسيرُ في متاهاتٍ مظلمة تنبعثُ منها رائحة الموت!!
وقفتُ أتفحصَّ قلبي لأتأكد من أن عدوى الموت لم تسرِ إليه.. وانطلق فرح طفولي من أعماقي: أنا لم أمت.. ما زلتُ أفكر, أحب، أبكي، أتألم، أفرح، أحلم أصرخ!!
ما زالت الحياةُ بكل عنفوانها وجنونها تنبض في كل خفقةٍ من خفقاتِ قلبي..

ابراهيم محمود الخضور
18-05-2006, 08:35 PM
هنا تنشر النصوص التي شاركت في مسابقة الواحة الأولى تحت تصنيف الخاطرة بواسطة أصحابها كي يتعرف القراء من أعضاء وزوار على هذه المشاركات ويتم الاحتفاء بها بما تستحق.

وعليه فإننا نهيب بالجميع بما يلي:

* الأخوة الأعضاء من شارك في المسابقة بسرعة نشر نصه هنا بشكل منسق وجذاب ، وأؤكد أن النشر هنا للنصوص التي تم إرسالها لبريد مسابقة الواحة وليس لأية مشاركات جديدة.

* الأخوة الذين شاركوا في المسابقة ولما ينتسبوا للواحة سرعة التسجيل في عضوية ملتقى الواحة ونشر نصوصهم بأنفسهم كي يكون لهم فرصة للفوز بأحد جوائز المسابقة.

* باقي الأخوة الأعضاء عدم المشاركة هنا بردود وتعليقات والالتزام بالرد فقط في موضوع "على هامش المهرجان" لتظل هذه الصفحة مخصصة للنصوص المشاركة في المسابقة فقط.


تحياتنا
الإدارة
.................................................. .................................................. .................................................. .................................................. .................................

{ وانكسرت نظراتـــه..}

{ همسـة 1}
تختلط الصرخات المنبعثة من غرفة الولادة .. صوت الأم التي تكابد آلام المخاض .. مع صوت الطفل الذي ولج لتوه إلى هذه الدنيا , .. دون إرادة منه , وهو يصرخ خوفا .. ويستغيث , وكأنه يقول : لا أريد.. أرجعوني ..لا أريد ...لكن بحنان ملائكي تملؤه الرحمة ,.. تنتشله تلك القابلة من بين القذارة والدماء , .. وتلفه ببياض قماش ناصع .. , لتؤويه إلى حاضنته الصغيرة .. بحنان , ولسان حالها يقول : نم يا صغيري , .. نم يا ملاكي , فغداً تغدو كبيرا وتكف عن الصراخ .. غدا تعرف معنى الحياة لتسير سبل الأمل تعايش الطبيعة وتستنشق الحياة .. تداعب الآمال وتطير فوق الغمام تبتغي العلو لتعلو فوق النجوم .. وتبتغي السمو لترقى إلى السماء .
ولكن يا ملاكي .. جسدك صغير .. ململم وعقلك محدود محجم .. حلمك حر طليق وفكرك حبسا لا يطيق واعلم بأنه لا تلاقي ما بين الجسد والعقل وبين أفكارك وآمالك إلا على هذا الكوكب الكبير .. الصغير .. حيث عليه تحط قدماك , وفي سمائه تحلق رؤاك .. فاحبس ذاتك بين ثبات قدميك وحرية أحلامك ورؤاك . تعش مالك من حياة .. بنفس رضية , تأخذ مالك وتعطي ما عليك وتخرج في نهاية المطاف دون خسارة ودون بوار من هذه الدنيا الفانية إلى دار خالدة باقية حيث قدم لك الخيار .. فوزا بجنة .. أو خلودا بنار ..
هذا ما ينتظرك يا صغيري من مصير .. من بداية الطريق إلى النهاية .. فكن أنت لنفسك على مذبح النجاة .ز كبش فداء .. لتفوز وتنجو في هذه الحياة ... واعلم يا ملاكي بأن لا ملاك إلا الملاك فما أنا وأنت إلا بشر .. نولد ونلد .. نأكل ونشرب والملائكة لا يتوالدون – إذ لا إناث بينهم أصلا – ولا يطعمون .. لهم أجساد ليست كأجسادنا .. ولهم أعمال ليست كأعمالنا هم خلقوا من نور منفردين ونحن خلقنا كلنا من أب واحد من سلالة من طين هم يتعبدون لا يفترون ونحن نعبد ونعصى ونسعد ونشقى لنا مصير محتوم من عمل منا خيرا فاز ومن أساء فعلى نفسه جنى وبنار العذاب اكتوى وليس لنا من ملائكيتهم يا صغيري إلا أعمال تنسب إليها ولكن بقالب من بشريتنا تحمل بين طياتها صفات ملائكية يجللها اللطف ,.. ويكسوها الرحمة والعطف فاحرص حينما تكبر على ألا تصبح شيطانا إنسان ولكن فلتكن ملاكا .. بصورة إنسان .. والآن أتركك يا صغيري على صدر أمك لتنعم بالدفء والحنان ولتنم ملء جفنيك فما عليك فأنت الآن في حضن الأمان .
.................................................. ..........

( همسة 2):

{و إنكسرت نظـــــراته ...}

000حضر الزوج إلى غرفة الولادة،فرحا مسروراً، فلطالما تمنى أن يرزقه الله بذرية صالحة، تَقرُّ بها عينه، ويسعَد بها قلبه،00فإذا بكرم الله يتجلّـى عليه بصبـــيٍّة جميلة.

تاه فرحاً،وبلا شعور منه مدّ يده إلى جيبه ، فأخرج منها ما أفرغه في يدِ تلك ( القـــابلة) التي بشرته بقدوم تلك الهدية الربانية .

مضــى مسرعاً إلى حيث الصغيرة ، وتحـــولق بجسده حول ذلك المـــهد الذي ضمّــها، .. لمعت عينـــاه عند رؤيتها ، وتناثرت كلّ التعابير من وجــــهه...

حملها بين ذراعيه ، وطبع قبلة طويلة على جبينها..حتـى غاصت أحـــلامه وآمالــه في خِضـــمّ ذلك الموج الهادر من الأحداث المتلاحـــقة التي بنــاها لمستقبل تلك الوليدة، الأتـية من عمق الشوق واللهــفة ،..وما أخرجــه من شريط أحلامه ، إلا صـــوت بكــاء صغيــرته ، الذي أعاده إلى واقعــه، فجعل ينظــر يلتفــتُ حولــه، علّــه يجد لنفســـهِ منجــداً ، أومجيبــاً لتلك الصــرخات، .. فـإذا بعينــيه ترتــطم بعينـــي تلك التي كانت قبـل سـاعةٍ أعــزّ إنســـانة علـى قلبه.. .

إنكســرت نظــراته أمام ضعف نظــراتهاالمتهــالكـة، بعد ما كان من معانات آللآم الوضـع، التـي أرهقت جسدــها ، وأنهـــكت قـواهـا..

خطـــا نحوهـــا خطوات وئيدة،...إقترب منهـا ،.. ألقـــمَ الصــغيـرة ثديَ أمّّــها ،وطبـع قبــلة حنـان على جبينــها،.. شــدّ على يديــها ، ولســان حالـــه يقـول......... .

... فإذا بابتســامة متهـالكـة ترتســم على ثغــرها الشــاحب، مُعلــنةً قبـــول توبتــهِ ، تُعــيدُ إليـــه ثقتــه وكبريـــائـه وحيويّـته ،وكـأنّـما هـي ضــمادٌ طبــيّ لُـــفّ به ذلك الجـــرح الذي تســـببَ عنــه حدوث ذلك الحــرجْ ... .

وغاصـــا ســويةً بهذه الصغــيرة في عالـــم الأحـــلام، و
هـما يرددان معـــاً.. " اللهـم إحفــظها لنا وأقـــرَّ أعيننا بـها، ..واجعلــهُا للمتقيـنَ إمـامـــاً "


تمت بحمد الله تعالى وعونـه


بقلـم: إبراهـــيم محمود الخضــور

نور الجندلي
18-05-2006, 10:58 PM
رُفَاتَ المَجْد


أمتعطشونَ نحنُ للشّهدِ من خلايا نحلهم وَقَدْ أُشبِعَتْ سُمّاً ..
كَي نَقْتَاتَ على حِقْدِهم ؟
أمُفتَقِروُنَ نَحْنُ للدّفءِ فِي عَالَمِنَا المُشْمِس ..
كي نتهافَتَ كالفراشِ على نيرانهم ؟!
أتائهونَ إلى هذَا الحَدِّ ..
والّلَحْدُ يَنْتَظِرُ قُدُومنا ؟
أمتخبّطُون في ظلماتِ الجَهْل ..
غُرَبَاء نحنُ عن هويّتنا ؟

وهل تُرانَا نَسِينَـــــــا !
أنسينا طُهْرَ الوُضُوءِ يتقاطَرُ نَدَاهُ مِنْ أطرافِنَا
أتَنَاسَيْنَا نُوْرَ القُرْآنِ يُتْلَى .. فَتَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُوْدُنَا ..
حُبَّاً .. وخَوْفَاً .. رجَـــــاءً وطُهْــــراً !

تُرَى ..
كَيْفَ اسْتَطَاعُوا بِسُهُوْلَةٍ قُصْوَى .. أَنْ يَعْصِبُوا عُيُوْنَ بَصَائِرَنا ..
فَمَا رَأينا ..

خُبْثَ ابْتِسَامَةٍ تَلُوْحُ بَيْنَ سُطُوْرِِهِمْ !

كَيْفَ اسْتَطَاعُوا أَنْ يُذِيْبُوا رِقَّةَ قُلُوبِنَا فِي حَرَارَةِ قَهْوَتِهِمُ السَّوْدَاء ..
ويُحَطِّموا بعْدَهَا فَنَاجِيُنهُمْ ؟!

وَكَيْفَ أَحَالُوْنَا إِلَى لُفَافَةِ تَبْغٍ ..
تَتَهَاوَى رَمَادَاً ..
بَعْدَ أَنْ أَحْرَقُوْهَا بِشَرَارَةِ حِقْدِهم !

تَسَلَّلُوا إِلَى دُنْيَانَا حمْلانَاً وَديْعَةً بَاسِمَةً ..
فَقَدّمْنَا لَهُم رَبِيْعَنا .. ورُبَانَا ..
غُيُومنَا البَيْضاءُ .. سَمَائَنا !
وذّلّلّنا كُلَّ شّيءٍ لأطُمَاعِهِم ..
وتَهَافَتُنَا ..
وَتَقَاتَلْنَا ..
وَتِزَاحَمْنَا نَقْتَسِمُ بِسَذاجَةٍ بِضَاعَتَهُم ..
وَلَمّا غَابَتِ الشَّمْسُ باكِيَة مَصْرَعنَا المَحْتُوم ..
كَشَفُوا أقنِعَتَهُمُ الذِّئْبِيَّة ..
وَفَتَكُوا بِنَا ..
وتَلذّذُوا بِعشاءٍ فاخرٍ ..
مِنُ كَرَامَتِنَا .. ومِنُ عِطْرِ دِمَائنا ..
وغَادَرونَا .. وَرَائِحَةُ الجُبْنِ عَالِقَة في أَرُضِنَا ..
تُحيلُ حيَاتَنا موْتاً يَتَرَدّدُ كلَّ لَحظةٍ ..
ويَطْرُقُ بِخِسَّةٍ أبْوَابَنا ..
رَحلُوا ينشدون غنِيمَةً أُخرَى سهلَة القَنُصِ ..
وبَقِينا .. نَبُكِي .. رُفاتَ مَجُدِنَا !




بِقَلَمْ :
نُوْر الجَنْدَلِي

سمير عبد الله الصائغ
19-05-2006, 08:37 AM
خاطرة


أمنيات الحواس الخمس
يؤسفني أني لا أستطيع أن أصادق كل سكان الأرض .
أني لم أتعرف بالطبيبة الهولندية في قسم الجراحة بمستشفى ريردام وكذلك بغارز الإبر الصيني الشاب .
أني لم ألتق بأرسطو ، ولم أحاور الحارث بن حلزة .
ولم أر شفتي عنترة المكتنزتين تتمتمان : " ولقد ذكرتك " .
ولم أتأمل طاغور المتأمل الأطفال اللاهين حين أبدع ( على شاطيء البحر ) .
ولم أساعد مدام كوري في تجاربها .
يحزنني أني لا أستطيع أن أقرأ كل الكتب .
ولا أن أتعلم كل لغات الأرض .
ولا أن أزور كل البقاع والأمصار .
ولا أن أبريء كل الأسقام وأمحو كل العاهات .
وأغسل كل النفوس التي تهمي في عفونات الشرور والإيذاءات .
ليتني استطعت أن أمنع فان كوخ من أن يقتل فنه برصاصة .
لكنت جعلته يغور بأحاسيسه الخمس في كل زوايا ضربات ريشاته العذبات .
ليتني استطعت أن أفسد تجارب نوبل في إنتاج الديناميت ونفث الدمار .
ليتني أستطيع أن أطعم كل طفل جائع .
وأن أكسو كل طفلة ترتعش من البرد .
وأن أكون عائلا لكل الزهرات اليتيمات .

خالد أحمد
20-05-2006, 04:48 AM
رسالاتُ بَوحٍ إليكَ يا وطني
•خالد أحمد


الرُّؤيا
.. ومِثلَ اكتمالِ البوحِ في شعرِ الوجود.. لبستَ جديلةً من نيسانِ أحلامي.. ومزجتَ من جسدي المُدمَّى باخضلالِ الدِّفءِ حيناً.. وبردِ الحنين.. طيوفاً من ألقْ...
*
السُّؤال
أنتَ.. يا عنقودَ جمرٍ في قلوبِ العاشقين..
هل سألتَ الجداولَ عنِّي..؟
هل سمعتَ تهليلَ المآذنِ للرُّؤيا الأخيرة: (الله أكبر.. الله أكبر..)؟
هل عرَّشتَ على قلبِ السَّنابلِ نبضاً بَدَا.. من دخانِ الحلمِ.. وسافرَ في اليقينْ...؟!
*
الموت
يا احتمالَ الموتِ في كوانينِ الدِّماء.. في طواحينِ المداخلِ.. والمدافنِ.. والتَّمنِّي..
إنَّني أبصرتُ التَّفتُّتَ.. وأفضيتُ في شراعِ الشِّعرِ كلَّ المطرْ...
*
الصَّدى
في مآذنِكَ الحزينة.. يَرتَبِكُ الصَّدى.. ويحترقُ بالأصفرِ اليباسْ...
ويصيحُ صوتُكَ المعَّنَّى بالسُّكوتِ.. للغصنِ الرَّفيفِ.. كي يُطوِّقَهُ كسِوارِ الورق.. ناشداً مع الرِّيحِ.. أغنيةَ الشَّجرْ...
*
الحقيقة
خدُّك الأحمرُ.. يا حبيبي.. في وجهِ الشَّفَقِ.. يُرهِقُ الهمسَ الحزينْ..
خدُّكَ ما عادَ كوكباً من ياسمينْ.. أو درَّةً من حلمٍ سجينْ..
خدُّك باقٍ.. يواري القمرَ الذي يرتجي الشَّفةَ الحنون.. خلف جدرانِ الوقت.. في تواترِ النَّبضِ الجليل.. في ترانيمِ السَّحابْ...
************
******
**
*

مروان المزيني
23-05-2006, 01:54 AM
خاطرة .. لست وحيداً00

وأخذتُ أمشي على شاطئ البحر 00وقد امتلأت نفسي بشـذرات الشوق والوله 00أخذت أفكر في دنيا الأحلام والسعادة 00أفكر فيك أنتِ 00أخذتُ أواصل سيري وآثار أقدامي تملأ شاطئ الرمال الناعمة 00فجاءني طائر البحر يسـأل بصوته العذب 00فخاطبته بعينيّ حتى لا يتفشى سري 00وكأنه أدرك مابي فانطلق إلى البحر يناجيه ويخبره بحالي 00 فتنهد البحر بأمواجه العاتية التي جاءت إلى قدميّ تلامسـهما بحنان وكأنها تقول : لا تحزن فالحب داء ماله دواء0.
وعادت الأمواج أدراجها لتظهر صورتكِ على صفحة الماء النقية 00واهـتزازات الموج تشكل ابتساماتكِ و ضحكاتكِ التي يعبر عنها صوت البحر الكبير00رأيـت في عينيكِ سراً لا أعرفه 00ولغزاً لا حل له 00 فاقتربتُ من البحر حتى استطلع ما بداخـله من أسرار الحب والعاشقين00 وبدأت مياهه تغمرني حتى دخلتُ إلى أعماقه00 فأحسست بكِ تمسكين بي وتغوصين إلى أعماق ذلك البحر لتكشفي ذلك اللغز و تجيبي على لغزك العجيب00 رأيت قصراً عظيماً تملأه مياه الحب وينابيع الشوق التي لا تنضب00
رأيتُ العاشقين أفواجاً لا حصر لهم وعرفت أني لستُ وحيداً في عذابي 00
فعدتُ إلى نفسي لأتجلد الصبر 00فهو صديق العاشقين0

عبدالإله الأنصاري
23-05-2006, 02:24 PM
أرجو الحذف

والمعذرة