المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : زغرودة أمّ علي



سعيد أبو نعسة
20-05-2006, 09:39 AM
زغـرودة أم علـي

لطالما أخبرتكم يا أبنائي عن تلك الهضاب.
ولطالما عجبتم لشدّة تعلّقي بها.
قلتم: الأستاذ يغالي في حبّها، ويبالغ في التغنّي بجمالها.
آن الأوان كي تكتحل عيونكم بمرآها.
ستقولون : وهل الجنوب مما يُحَجُّ إليه؟!
لن أجيب عن هذا السؤال.
بأنفسكم ستكتشفون الجواب.
أترون هذه الأرتال المتزاحمة من السيارات؟
كلّها تيمّم شطر الجنوب!
وهذه الصّرخات التي تشقّ أجواز الفضاء؟
كلّها تعاهده على الصّمود.
ستضيع أصواتكم في معمعة آلاف الحناجر الهاتفة.
لا تحزنوا!
الجنوب قادر على التمييز، مهما تلاطمت الصيحات واختلفت الهتافات.
الوطن، كلّ الوطن يقف على صعيد الجنوب، ينشد أنشودة النصر يعانق الصخور الشامخة في وجه الريح، ويُقبّل الأكفّ السمراء التي صفعت الشرّ، وطاردت فلوله.
بأمّ أعينكم ستشاهدون المدرّعات العرجاء، والمصفّحات الشوهاء، وناقلات الجند التي يُحوّم حولها الذّباب.
وبحواسكم كلها ستسمعون ضحكة الأرض، وقد أزاحت عن كاهلها رجس العدوّ.
ستطؤون بأقدامكم مواقعه الحصينة، وستسمعون أنين كلابه يلهثون وراءه تاركين أحذيتهم وسراويلهم، حرصا على الفوز بحياةٍ، أيّ حياة!
لا تحملوا معكم زاداً، وقد نزلتم على شيخ القبائل!
ها هو يُشرّع ذراعيه لاحتضان الوطن من جديد، ويصيح في الجموع:-
لا تصوموا اليوم .. لا يصحّ الصوم في عيد .
كل شيء اليوم مختلف.
ستعبّون ماءً زلالاً سائغا للشاربين.
وستقطفون ما طاب لكم من خيرات الجنوب.
ستشعرون بأمانٍ لم تشعروا بمثله في بيوتكم.
وستسبلون أجفانكم مطمئنّين في ظلال التين والزيتون.
وستضمّخون جباهكم بعبق الصّعتر والليمون.
وستندمون... ستندمون كثيراً لأنكم قصّرتم في حقّ الجنوب.
لا تعتذروا... فالجهاد فرض عين.
لا اعتبار للسن في يومنا هذا... الأطفال أيضا يجاهدون؛ سلاحهم مقلاع وحجر.
اطمئنّوا قد غفر ( الجنوب ) لكم تخلّفكم عن نصرته.
لن يلوم أحداً على تقاعسه. سيهديكم النصر، وسيزرع البسمة في عيونكم جميعاً.
وسيضرب لكم الأمثال.
سيقف أمامكم خطيباً، وسيتلو على مسامعكم قصّة ( أمّ علي):-
كانت في بيروت أشهر من صخرة الرّوشة، يُشار إليها بالبنان، ويُقصد رأيها في كلّ شأن.
هي من قيل فيها:- تدخل على القادة بدون استئذان.
لم تكن بدعا من النّساء المكنّيات ( بأمّ علي ) ولم يُضِف لقب ( النصراوية ) إليها غير شرف انتسابها إلى ( الناصرة ). غير أنّها توّجت هامتها بتاج فخار رُصّع بماسات أربع، نُقِش على صفحة كلّ منها اسم شهيد.
حين زُفّت إليها بشرى استشهاد زوجها، أطلقت زغرودة الشّهادة.
حلف السامعون أن صداها تجاوب في أرجاء المخيّم. وأُطلق عليها آنذاك:
زوجة الشهيد.
لقبٌ جديد كلّفها مسؤوليات ضخمة، فقامت تربّي أولادها الثلاثة على حبّ الأرض، وعشق الشهادة، حتّى زغردت في وداعهم ثلاث زغرودات متتاليات، قضّت مضاجع الأعداء، فراحوا يترصّدونها لإخراس حنجرتها، وإطفاء جذوة النّضال فيها، فما استطاعوا.
لم تطالب بثأر أولادها وزوجها، وقد أخذوا بثأر أنفسهم قبل الاستشهاد.
تهاطلت عليها الألقاب:- هذا ينعتها بأمّ الشهداء، وذاك يلقّبها بخنساء القرن العشرين، وذلك يسلّمها درع الأمّ المثالية.
فما كان موقفها؟
قالت لهم:-أرفـض كلّ الألقاب. من أراد تكريمي،فليسمّني:( أم علي النصراوية ) وكفى!
أجل ! لا تعجبوا !
الكثيرات من النسوة يشبهنها، لا فرق إن ودّعت الواحدة منهنّ فلذة من فلذات كبدها أو أكثر.
أتسمعون هذه الزغرودة القادمة مع الريح؟
هي... هي.... زغرودة أم عليّ!
الوقع وقعها، والجرس جرسها، والبحّة بحّتها.
انظروا إلى هذه العجوز الجنوبية ، كيف تتوكأ على عصا، تسند بها قواماً حَنَته الآلام.
تكاد تطير فرحاً، تدبّ إليكم، يسبقها شوق جارف إلى لقائكم. اسمعوا الزغرودة جيّدا، وارحلوا في معانيها: كلمات واضحة لا لبس فيها، تختصر أنشودة النصر وتهليلة الفرح.
قِفوا جميعا للترحيب بها، وأسرعوا... أسرعوا لرفعها عن الأرض؛ لم تكن لتتعثّر لولا لهفتها الآسرة لرؤيتكم.
تابعوا زغرودتها التي لم تنقطع رغم ارتطام وجهها بالأرض.
أنصتوا إلى زغرودة يتجاوب صداها في أرجاء ( بنت جبيل )
سلو العجوز: كم مرّة زغردت في وداع أبنائها الشهداء؟
سترفع أصابعها الثلاثة.
سلوها عن اسمها وكنيتها.
ستقول لكم بالفم الملآن: أُمّ علي اللبنانية.
اعقدوا مقارنة بينها وبين (أمّ علي النصراوية )
لن تجدوا كبير فرق بينهما.
جُبلتا من تراب واحد، وتنشّقتا هواء واحداً وزغردتا زغرودة واحدة لم يقوَ على فصلها هذا الشريط الشائك.
فما اللقب الذي يصلح لهما معاً؟!
- لا حاجة بهما يا أستاذ إلى الألقاب، فلنطلق عليهما : ( أمّ علي ) وكفــى!


1/7/2003

حسام القاضي
20-05-2006, 01:38 PM
أخي العزيز / سعيد أبو نعسة
تحية عطرة
من العنوان ( زغرودة أم علي ) تبدو فرحتك وتعبيرك الفوري عن الحدث الأهم في سنينا الأخيرة ، وهو الانسحاب الاسرائلي المهين من الجنوب اللبناني بعد أن كبدته قوات المقاومة ما لم يطق فانسحب تحت جنح الظلام تاركا ( المدرعات العرجاء ، والمصفحات الشوهاء ، وناقلات الجند التي يحوم حولها الذباب ) .. جميل منك إكساب أسلحتهم صفاتهم الإنسانية البشعة ( إن كانوا بشرا ) فهي تشهد على خزيهم وكأنهم هربوا وتركوا جزء منهم هناك للخزي والعار .
يبقى الملحدون حائرين دائما في زغرودة الفرح لدى ذوي الشهداء ولن يعرفوا سرها أبدا فهذا هو الفارق بيننا وبينهم .
اختزلت لقب أم الشهداء إلى أم علي ، الفلسطينية أو اللبنانية لا يهم فهما سواء.
الانفعال بالحدث والتعبير الفوري عنه جاء صادقا ، ولكن أشعرأن هذا طغى بعض الشيء على فنيات القصة هذه المرة .
هي مجرد وجهة نظر قاريء.
لكم كل الود والتقدير .

محمد سامي البوهي
20-05-2006, 01:48 PM
يوجد في عروبتنا ملايين مثل أم على .............

النص ذات لغة رائعة وأسلوب ممشوق , لكني شعرت فيه بعض الشئ بالتية , عدم التركيز على الفكرة , التركيز على الفكرة من السمات الأساسية التي تميز العمل القصصي كي لا يتشتت القارئ ولا يصل لمرحلة التنوير الإستنتاجية في حالة غموض النص , الفكرة جيدة وصيغت بشكل جديد , لكن الحوار سيق بأسلوب مستعرض وليس بأسلوب طولي مم يفقد متابعة القارئ , كما أن لغة الحكي أو القص غير واضحة . بالطبع هذه وجهة نظر خاصة ولا تنقص من العمل ولا من كاتب العمل

احترامي لك يا أخي

سعيد أبو نعسة

دمت بخير.

سعيد أبو نعسة
20-05-2006, 08:39 PM
الأخ الحبيب حسام القاضي
ملاحظتك في محلها و لكن القصة واقعية بكل تفاصيلها لذا طغى عليها اسلوب التسجيل الواقعي المستند إلى الرمزية .
تيرمومتر الإبداع يعلو و يهبط و لكل نص خصوصيته .
أشكرك على قراءتك الواعية المتأنية

سعيد أبو نعسة
20-05-2006, 08:45 PM
أخي الحبيب محمد البوهي
أجل يا عزيزي الحق هو ما قلت
فالنص أشبه بتداعيات علنية أمام طلابي يوم اصطحبتهم في زيارة إلى جنوب لبنان المحرر حيث شاهدوا عجوزا تتوكأ على عصاها و قد انحنى جذعها و رفعت رأسها تزغرد لمجيئنا فتعثرت ووقعت على وجهها و ظلت تزغرد فدمعت عيوننا جميعا لمرآها .
قصة تسجيلية هكذا حضرتني و هكذا نشرتها
أشكرك على قراءتك الواعية
دمت في خير و عطاء

يسرى علي آل فنه
20-05-2006, 09:47 PM
الأستاذ الرائع والقاص المبدع

سعيد أبو نعسه

كم تدهشني كتاباتك القصصية وتأخذني إلى عمق الصور التي ترسمها ببراعة آسرة ،وتهكم محبب، وسرد تاريخي يجعلني استوعب الكثير من التفاصيل بحسها الانساني الأقرب للوضوح

هنا ومع زغرودة أم علي ابتسمت وبكيت وسرحت حيث كنتم تنظرون بأسى يمازجه ُ فخر واعتزاز فاحتواني ذات ُالشعور

عميق إعجابي و تقديري لكاتبٍ لايُنسى

نسيبة بنت كعب
20-05-2006, 10:06 PM
السلام عليكم

الأديب الأصيل والمتميز

سعيد ابونعسة

كل مرة امر على نص لك يزداد احترامى لحضرتك وقضاياك ومواضيعك

ونعم ما قمت به من رحلة تاريخية تعريفية لتلاميذك تعرفهم فيها بالقيم ..والا فكيف تزرع فيهم قيم وتحكى لهم امور ليصدقوها دون ان يروها واقعا ! حتى يذكروا من يستحق ويبقى فى العقول والقلوب ملهما ، وفى الكتب والسطور مخلدا

لا يمكن ان اضيف على تعليقات حسام ومحمد فهى رائعة فى الواقع

ولكن ما لفت نظرى هذه الجملة المهمة فى النهاية


جُبلتا من تراب واحد، وتنشّقتا هواء واحداً وزغردتا زغرودة واحدة لم يقوَ على فصلها هذا الشريط الشائك

- لا حاجة بهما يا أستاذ إلى الألقاب، فلنطلق عليهما : ( أمّ علي ) وكفــى!

.!

فعلا فهى لن تعرف بالالقاب بل بالمواقف والافعال

شكرا على اشاراتك الراقية وصدقك وحرصك تمجيد من يستحق مع تثقيف القرّاء بالأوضاع فى الجنوب المحرر

بارك الله وادام افراحكم فمن سقيت ارضه بالدماء ينبت ابطالا - بنى آدمين - من امثال ام على

مع محبتى وتقديرى :001:
.

سحر الليالي
21-05-2006, 12:01 AM
بحق قصة رائعة ...ولن ألق عيها فروعتها ألجمت حروفي

سلم قلمك أستاذ سعيد

تقبل خالص إحترامي وتقديري وباقة ورد

سعيد أبو نعسة
21-05-2006, 01:19 PM
الأخت العزيزة يسرى
الأروع هو هطولك العذب حول حروفي و تغلغلك إلى أعماق النص و استكناه دلالاته .
دمت في خير و سعادة و عطاء

سعيد أبو نعسة
21-05-2006, 01:24 PM
الأخت العزيزة نسيبة بنت كعب
في كل قراءة لنصي أجده يتوهج بحضورك و يشمخ بجميل بيانك وحسن تغلغلك إلى أعماق الحروف و استنباط الغاية و الهدف السامي .
الشكر وحده لا يكفي سأدعو لك بالسعادة و الفرح و الإيمان .
دمت في خير و عطاء

سعيد أبو نعسة
21-05-2006, 01:27 PM
الأخت العزيزة سحر الليالي
يكفي أن تقرأي النص حتى تتعاكس ظلال إبداعك عليه فيغدو أجمل و أبهى .
دمت في خير و عطاء

خليل حلاوجي
27-05-2006, 05:24 AM
وأم علي في العراق ... محرومة من الزغاريد
فأبناءها يقتلون أبناءها
وهي والله ... باكية ... ولا زغاريد

عبلة محمد زقزوق
27-05-2006, 10:51 AM
أيها المعلم الفاضل / سعيد أبو نعسة
تحياتي وتقديري لك أستاذي .
فما زلت أرى في كل معلم صورة من تعلمت على أيديهم ونهلت من معين فكرهم ونقاء روحهم وجميل صحبتهم لنا لتلك الأماكن مع إختلاف المواقع إلا أنها وكما تفضلتم بالقول " جبلتا من تراب واحد ، وتنشقتا هواء واحد ... "
لذا أسجل إعجابي بروح المدرس وجمال الحس وتعايشك بالروح مع الأحداث أنت ومن تتولى رعايتهم وتعليمهم .
أصافحك بيد وأنحنى تقديرا وإجلالا لك أخي المدرس الفاضل .:hat:

سعيد أبو نعسة
27-05-2006, 12:51 PM
أخي الحبيب خليل حلاوجي
قبل الحرب على العراق و أثناء التحضيرات النهائية للإنقضاض الغربي عليه قلت لأحد الإخوة المعارضين للنظام العراقي ؛ و المقيم في بعلبك و كان متحمسا جدا للتخلص من النظام القمعي الدكتاتوري بحسب وصفه :
أخشى أن تتخلصوا من النظام و الوطن معا و أن تستبدلوا دينارا بدرهم
ولا أدري هل صدق حدسي ؟
الشعب العراقي شعب مثقف و عريق في حضارته و لسوف يتجاوز المحنة و يزغرد زغرودة الفرح قريبا بإذن الله .
دمت في خير و عطاء

سعيد أبو نعسة
27-05-2006, 12:56 PM
الأخت العزيزة عبلة
وأنا أنحتي احتراما لروحك الطاهرة و رقة حروفك التي تشي بقراءة متأنية واعية و تغلغل إلى ما وراء الكلمات .
أجل و نعم ما تفضلت به إذ ما قيمة المعلم إذا كان ملقنا للدروس فقط و لم يكن مربيا صانعا للأجيال ؟
دمت في خير و عطاء

ناديه محمد الجابي
13-04-2016, 05:48 PM
نص تسجيلي رائع للإنسحاب الإسرائيلي من الجنوب اللبناني
وقصة واقعية لبطولة حقيقية.. بطولة الأم التي تودع أبنائها بالزغاريد
قصة رائعة ـ كان لنبض حروفك ولصوت زغاريد أم على الفلسطينية واللبنانية
لحن جميل أطرب القلب والروح
دام لك البهاء ودمت مبدعا متألقا. :001: