المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصص قصيرة جدا للدكتور عزت سراج



د. حسين علي محمد
22-05-2006, 10:47 AM
أصدر الدكتور عزت سراج، الأستاذ بكلية المعامين في سراة عبيد مجموعة قصصية عن سلسلة "أصوات معاصرة"، المنصورة 2005م، بعنوان: «مذكرات رجل حاف »، نختار منها بعض قصصها:


مذكرات رجل حاف
..................
لم يكن يصدق نفسه حين احتشد الرجال والنساء وامتلأت القاعة بالأدباء الذين جاءوا يستمعون إليه. وحين أخرج مذكراته الحبيسة فى مكتبه منذ سنوات طويلة – أخذ يقرأ ودوى التصفيق يسد أذنيه وكلمات الإعجاب تتناثر من هنا وهناك لكنه كان مشغولا بشيء آخر ظل مجهولا يتحرك داخله دون أن يدرى له تحديدا حتى أحس بالهواء يعبث بأصابع قدميه الحافيتين. سكت فجأة. وأمام دهشة الحضور تسلل إلى الخارج فى انكسار!!

د. حسين علي محمد
22-05-2006, 10:49 AM
خـــــواء

بقلم: د. عزت سراج
.....................

كانت خاوية لا تكف عن الحديث لحظة كأنها العربة المفرغة . كثيرا جدا كانت تزعم أن النيل يضاجع ثدييها حين يحل الجدب وتنفض الأسواق. السوق فى قريتها مازالت تكرهه إذ تتكشف السيقان وتمضى موحلة حتى الرئتين. والدها كان يبيع ورق اليانصيب والخبز. كان يحاول أن ينسى شيئا ما . هو لا يذكر شيئا آخر. كانت تعرف أن السوق كريه ، يحمل رائحة الدم تحت عباءته. وكثيرا كانت تحلم أن تملك شيئا لا تملكه. شيئا ما. كثيرا جدا كانت تكره أن تصمت . كانت تزرع فوق الريح ملامحها ، تكتب فوق الماء بشارتها . وكثيرا كانت تزعم أن نبيا يولد من عينيها . كانت تزعم أشياء أخرى لا أذكرها. ماتت صامتة.

د. حسين علي محمد
22-05-2006, 10:51 AM
شـــرخ

بقلم: عزت سراج
......................

وقفت أمام المرآة فى ذهول.أحست بشرخ عميق فى وجهها الشاحب حين رأت هذه الخصلة البيضاء تعلن عن نفسها فى تحد صارخ استدعى فجأة إلى ذاكرتها المتعبة آلام عشرة أعوام قضتها وحدها مغتربة من بلد إلى أخرى حتى تحقق حلمها القديم وتقتنى السيارة والثياب الفاخرة والحلي، وتعوض سنوات طفولتها ومراهقتها التي حرمت فيهما من كل شئ. استسلمت للضحك . وحين تأملت وجهها هذه المرة أخذت تتحقق من ملامحها التي لم تألفها. اقتربت حتى التصقت شفتاها بالمرآة ثم، ابتعدت وأخذت تحدد ملامح وجهها فوق المرآة. وفى المساء حين ألقت بجسدها الملتهب فوق السرير كان حبيبها يطل بوجهه المتجعد من المرآة وهو يبكى!!

د. حسين علي محمد
22-05-2006, 10:55 AM
انكسار

بقلم: د. عزت سراج
.....................

كان أبوها يسكن تحت جلدها ولا تستطيع أن تتخلص منه. كان يضايقها كل مساء … يخرج لها شاهرا سيفا محاولا طعنها. غير أنها تفر منه ملقية برأسها تحت عجلة الرحيل إلى المسافات البعيدة . كانت تمزق ما تكتبه ، وتكتب ثانية ما تمزقه فى رحلة لا تنتهى نحو حلمها القديم ، لكنها تعلم أن الرحلة عقيمة لن تلد غير طفل مشوه يرث خوفها من أبيها واغترابها وحلمها الكسير. الأمطار ثقيلة هذا المساء ، وهى متعبة باردة تشعر بالخواء …… أشعلت سيجارة ملأ الحجرة دخانها ، خرج من جلدها هذه المرة معرى إلا من زيفه وسيفه الكريه يحاول أن يكون. تعرت مكرهة واستسلمت للعرى فى انكسار.

د. حسين علي محمد
22-05-2006, 10:56 AM
غربــــــــة

بقلم: د. عزت سراج
.......................

كان يجلس وحده فى الشرفة يقرأ ويكتب ولا يمل النظر إلى السماء . كانت تلومه على هذه الحال وكثيرا ما تهزأ به وتسخر من كتبه وتبصق على مؤلفيها وتسبهم وتدعو عليهم بالجحيم . وحين رفرف نعشه وابيض وجهه كطفل ملائكي وصار حديث البلدة – عادت من جنازته لتظل ليلا وحدها فى الشرفة تقرأ وتكتب ولا تمل النظر إلى السماء ولا تعير للوم الآخرين انتباها.

د. حسين علي محمد
22-05-2006, 11:00 AM
غــــــــرور

بقلم: د. عزت سراج
............................

كان يظن أنه أذكى الناس وأنه يستطيع أن يضحك على العالم كله. كان لا يستقر على سرير وينكر كل ماعدا العقل ، ويقسم أن يقتل زوجته لو خانته. وحين رآه عاريا على سريرها ذات مساء – أخذ يجرى ويده فى فمه وخلفه الأطفال تلاحقه بالحجارة كلما وقف. وفى اليوم التالي تعرفوا على جثته بعد أن أخرجوها من عرض البحر.

د. حسين علي محمد
22-05-2006, 10:12 PM
موت

بقلم: عزت سراج
.................

أعطتنى كل ما أشتهى
أعطيتها حبى
أعطته كل ما يشتهى
أعطاها كل ما تشتهى
أحببتها كثيرا جدا ……… لكنها ماتت
قبل أن تحبنى.

د. حسين علي محمد
22-05-2006, 10:13 PM
فقد

بقلم: عزت سراج
....................

كانت الأنوار تملأ العيون وتسكب فى النفوس إحساسا غامضا بالنشوة والاشتعال…… الموسيقى تتسلل إلى الأرواح عبر جسر من الأحاسيس المتشابكة، فتسترخى فى محاولة للتماسك. أصوات المدعوين تعلو شيئا فشيئا فوق سعار أجسادهم الملتهبة أمام جسد هذه الفاتنة التى تعرت تماما فى نشوة لا تحد. هو الآن ما يزال يبحث عن وجهها دون فائدة ، وكلما أحس بترقب النظرات أخرج منديله فى سرعة تنم عن حرج وقلق شديدين ليمسح عرقه. اقترب أبوه وقبله فلم ينتبه. هو ما يزال فى شروده وتوتره يبحث عن وجهها بين وجوه المدعوين الغارقين أمام جسد الحسناء العارية فى صيحاتهم المتأوهة. المشهد كله يوحى بالنشوة والاشتعال. اندفع فجأة خارج المسرح باحثا عن وجهها فى جنون مستحيل دون جدوى.

د. حسين علي محمد
22-05-2006, 10:15 PM
الأشجار تموت واقفة

بقلم: د. عزت سراج
....................

تلك النخلة والبنت التى أحبها – لم أكن أدرى لماذا هما والشعر دائما شىء واحد؟ كانت منذ غرستها – بذرة – تنمو أمام عينى فى إصرار وتحد مخترقة كل الطبقات الأرضية التى تعوقها – حتى سمت وارتفعت ونضجت ثمارها وامتد ظلها وارفا يظل المتعبين فى طهارة طفل رائع، وكثيرا ما كانت تسقط فوق الصبية حين يقذفونها رطبا جنية لذة للطاهرين. تكاثرت – خلسة فى طمع حولها – الحجارة من كل مكان غير أنها ظلت تمنح جناها وظلها فى براءة ونقاء ، حتى جفت وأسقطت آخر أوراقها واستسلمت للموت وهى واقفة فى صمود عجيب.

د. حسين علي محمد
22-05-2006, 10:17 PM
الخلاص

بقلم: د. عزت سراج
.......................

تمددت فوق متاعبها وتعرت من كبريائها وألقت وجهها تحت السرير. ملأت الحجرة بأنفاسها الملتهبة تحثه على الانتهاء من ذلك الديوان الذى يطل وجه صاحبه فى دمامة وقبح أثقل من تلك الجبال التى تحملها عقارب الساعة … (لم ينتبه) غيرت من نومتها واتكأت على صدرها فى محاولة لخنق هذا التمساح الذى يضغط بكل عنف ممسكا ثدييها بأنيابه الحادة (فلم تستطع). رفعت قدميها لأعلى وطوحت بهما فى الهواء. كان يراقبها فى حذر شديد مظهرا تجاهله لرغباتها ولا يدرى ماذا يصنع الآن لو أنها خلعت ملابسها وطلبت أن يدخل مدينتها. كانت تعلم أنه لن يستسلم بسهولة ، لكنها أدارت ظهرها له وتكورت وأبدت فتور رغبتها. تساقطت من عينيها دموع لم يفهمها. ألقى الكتاب جوارها ودفعها قليلا بيديه. اطمأن إلى موضعه خلفها وتكوم فى محاولة لامتصاص أمواج البحر الذى اشتعل مع أم كلثوم وهى تغنى (آه من قيدك أدمى معصمى). تسللت إلى نفسه آلاف الصور والأحداث (يوسف الصديق ومريم البتول وتلك المرأة التى رآها عارية منذ سنوات وهى تصرخ فى انتشاء محاولة الخلاص). تلاشت الصور أمام صرخات صاحبته وهى تحاول الخلاص. كانت تبدو كامرأة مجنونة وهى تتوسل إليه أن يساعدها.. لم يكن يعرف كيف يساعدها. انكسر حياؤه أمام جبروت السحب الملتهبة التى تشده إليها……… لكنه ما يزال فى تردده لا يتحمل العار الذى سيحمله بين جنبيه حين تنطفئ السماوات التى تشع ضياءها فى ثناياه ، لم يكن يعرف ماذا يصنع بعد أن أصبح أمامها عاريا وجها لوجه. وهى مازالت تتأوه فى تحد لا يفتر كاشفة عن بحر لا يهدأ ولا يستقر. أوشك أن يقع لكنه لم يدخل بعد مدينة الموت. تماسك فى صدرها محاولا أن يظل خارجها، وهى مازالت تغرس أسنانها فى شفتيه قابضة عليها فى استماتة. وهو ما يزال فى خروجه وقد التصق بها واستسلم للطوفان. خرجت الخيول تصرخ من دمه. أحس بإرهاق شديد ورغبة فى التقيؤ ، لكنه تماسك واستسلم للنوم. فى الصباح وجدوه مطعونا فى ظهره وقد تناثرت أوراقه حول جثمانه وهى تبكى فى جنون مستحيل.

د. حسين علي محمد
22-05-2006, 10:20 PM
تيه

بقلم: د. عزت سراج
......................

الآن فقط – حين أغلقت الأبواب وأطفئت الأنوار إلا شعاعا أحمر خافتا يتسلل إلى السرير من شمعة تذوب خجلا، وخلع ملابسه وانقض عليها وطرحها يريد أن يجلس بين قدميها – الآن فقط تذكرت حبيبها. وحين قبلها زوجها واستسلمت تماما له - أدركت لماذا لم يكن يقبلها حبيبها؟ ولماذا صفعها وعنفها حين همت بتقبيله. وحين تأكدت من حبه أفاقت على صراخ رضيعها وهو يمسك ثدييها فى إصرار واستماتة.

د. حسين علي محمد
22-05-2006, 10:21 PM
النافذة

بقلم: عزت سراج
....................

اتفقنا بالأمس أن تزورنى فى الرابعة صباحا قبل أن يستيقظ أحد. كنت أنام وحدى فى الطابق الأرضى بينما أسرتى فى الطابق العلوى . لم أنم طوال الليل وظللت أرسم اللقاء المرتقب فى وجدانى المشبوب ساكبا فى اللوحة ألوانى المتأججة. فى تمام الرابعة تحركت الرغبة مشتعلة فى أوصالى مع طرقها فوق شباك النافذة. سبقنى قلبى إلى باب الحجرة وفى توتر شديد دخلنا وأغلقت الأبواب. أضأت الحجرة. أطفأتها وارتمت فوق صدرى فى عناق باك لم أفهم معناه. هدأت. قبلتها فوق جبينها فى تودد. غيرت ملابسها وألقت جسدها جوارى. أحسست بالدفء يسرى فى عروقى. استسلمت للنوم . غير أننى أفقت على يديها تضمنى إليها فى عناق مستميت. ارتبكت مع ذلك الطرق العشوائى فوق شباك النافذة. فزعت إلى ثيابها. كان جارى الطيب عائدا من المسجد. ارتدينا ملابسنا وخرجنا إلى الطريق. الطريق طويل. أوقفنا سيارة متجهة إلى البحر. ركبت فى ارتباك شديد. ودعتنى فى ألم. عدت إلى المنزل وحدى أحمل نفسى لأصعد الطابق العلوى فى نقاء الملائكة.

د. حسين علي محمد
22-05-2006, 10:24 PM
نبوءة

بقلم: د. عزت سراج
.......................

تراكمت حوله أكوام الورق وهو لا يزال يكتب ويمزق لا يدرى ماذا يقول لها بعد أن وقف عاجزا أمام أمها لم يستطع شيئا إلا أن يجرى فى جنون خلف أحلامه التي برقت ثم اختفت للأبد. أعاد قراءة إحدى رسائلها للمرة الألف وأدهشه ما فيها من نبوءة غريبة وكأنها كانت تقرأ فى اللوح ما سيحدث لهما أو كأنها كانت ترى فى فنجانها هذا الرجل الذي حملها قهرا ودفع ثمنها. وحين تساقط الدمع حارا وأحس ببرودة ورعشة تهزه فى عنف- أطفأ المصباح الذابل ورمى بجسده المنهك على أكوام الورق واستسلم للنوم فى غضب!!

د. حسين علي محمد
22-05-2006, 10:26 PM
الشيخ طه

بقلم: د. عزت سراج
......................

خلعت حذاءها – فى ارتباك شديد ، واندفعت فى قلق خلفها مع الداخلين. كثيرا ما زرت ذلك المقام العامر بطلاب الرحمة والمغفرة ، وكثيرا ما زارته هى الأخرى إلا أننا نزوره معا للمرة الأولى. المقام مزدحم بالأنوار الخضراء والوجوه على كثرتها تبدو واحدة وكأنما قد ألغى ملامحها ذلك النور الذى يندفع فى قوة كى يعلو سبحات الهائمين فى الجلالة وتهويمات الغارقين فى دموعهم. أصحاب الخرق الصوفية يظهرون بين الوجوه ويختفون فجأة ليزداد المقام رهبة وسطوة مع هذه الصرخات المفزعة والبخور المتصاعد معانقا الأنوار الخضراء فى طقس أسطورى أخاذ. كانت – ثابتة الخطى – تتجه نحو القبة المنبعث منها ذلك الضوء الأخضر – بينما أدفع عنها الخارجين باستماتة يائسة. كثيرا ما كنت أشعر بالفتوة والحماس حين أستمع إلى جدى وهو يحكى لأهل القرية فى تأثر عجيب عن أحوال العارفين بالله ومقاماتهم وكراماتهم وخوارقهم المحيرة ، وكنت أدهش حين أسمعه يقول فى حماس لا يفتر : " إنهم رضى الله عنهم – قد خاضوا بحرا وقف الأنبياء على ساحله" ، فيصفق له الحاضرون ملحين عليه أن يزيدهم فيزيدهم ضاغطا على الحروف الأخيرة فى نبرة لا تخلو من إعجاب وإكبار، بينما هم مشدوهون فى خيالاتهم يسبحون. وكثيرا جدا كنت أحلم أن أكون أحد هؤلاء العارفين بالله كى أملك خرق نواميس الطبيعة فأطير على بساط الريح مع ملائكة الرحمن كيف أشاء. وكثيرا جدا ما كنت أكذب حلمى حين يأمرنى جدى أن آخذ يده ليقوم متوكئا على عصاه الغليظة ليصلى العصر مع المصلين. كان حلم أن أصبح وليا من أولياء الله الصالحين يكبر معى حتى أخذ يضعف كلما قويت غرائزى ويتلاشى تماما كلما تحركت شهواتى فى أوصالى عابثة ببقايا حلمى. داخل المقام المزدحم بالمريدين وغير المريدين أخذت – بصعوبة بالغة – أدفع الوجوه باحثا عن وجهها الملائكى البرىء دون جدوى.

د. حسين علي محمد
22-05-2006, 10:27 PM
حلــم

بقلم: د. عزت سراج
.......................

الآن – فقط – وبعد شهور طويلة استرخت صادقة فوق صدرى فى بكاء عنيف تحاول أن تقبض عنق ذلك الحلم القرمزى الذى ظل يراودها منذ وقفت معراة – تماما – أمام المرآة وراحت تتحسس ثدييها الناهدين فى توتر لذيذ يبعث على النشوة والاسترخاء. هى الآن بين ذراعيه فى غيبوبة ممتعة وهو يحاول أن يدخلها محطما أصنامه القديمة التى كثيرا ما تكسرت ذاته تحت أقدامها الوحلة فى جنون مخيف. الحجرة تكاد تعج بالشخصيات العبقرية التى كثيرا ما شهدت ثباتهما العبقرى الرائع. جوارهما تناثرت – فوق السرير – بعض الأوراق القديمة الصفراء. ثمة شرخ هائل فى أحد جدران الحجرة كلما حاول معالجته – عاود الشرخ اتساعه فى إصرار عنيد بينما ينفجر الجبس متساقطا فوق السرير فى دوى مكتوم. فى الجانب الآخر من الحجرة فوق منضدة صغيرة يتوهج مصباح يغلى الزيت داخله ليزداد الفتيل توهجا واشتعالا. البنت مازالت تحاول أن تقبض عنق ذلك الحلم القرمزى الذى يراودها منذ اكتشفت أنوثتها أول مرة وهو مازال يحاول كسر أصنامه القديمة فى غرور يشبه جدران حجرته. وحين أتت النار على آخر ما تبقى فى المصباح من زيت. وحين كاد الفتيل أن ينطفئ مخرجا أنفاسه الأخيرة أمسك الولد بثدييها ضاغطا فوق حلمها القرمزى القديم – ليفر من وطأة تلك اللحظة ويزداد شرخ الجدار اتساعا فى جبروت مخيف.

د. حسين علي محمد
22-05-2006, 10:28 PM
فقاقيع

بقلم: د. عزت سراج
.....................

وقف مذعورا أمام جثتها الممزقة والسكين فى يديه ينز من دمها. لم يكن يصدق أنها ستخونه وتتزوج من غيره بعد كل هذه السنوات الجميلة. ولكن هذا ما حدث حين هاجر على مضض حتى يستطيع أن يتزوجها. وأمام دهشة القضاة وحبل المشنقة يتأرجح أمام عينيه – اعترف صارخا بقتلها وهو يضحك فى جنون!!

د. حسين علي محمد
22-05-2006, 10:30 PM
اصطدام

بقلم: د.عزت سراج
.....................

لم يكن يحس بما ورثه عن أبيه كما يحس به الآن حين وقف ينظر فى المرآة لأول مرة فى حياته وأدرك حقيقة أنه قزم لا يتجاوز طوله نصف متر. صوت الزجاج المنكسر ينفجر فى محاولة للتماسك غير أنه سرعان ما ينكسر ثانية. يبدو أفلاطون فى إحدى زوايا الحجرة ملثما يتأهب للانقضاض على ما تبقى داخله من رغبة فى الرجوع. (الرجوع مر). هكذا أصبح يسمع هذه الصرخة تدوى آتية من أعماق الجزيرة السحرية المفزعة. ثمة حبل يتدلى من سقف الحائط يشير عليه بالصعود. وبعد المحاولة الأولى جذب الحبل إليه فى إصرار وتحد!! وفى اليوم التالى كان الأقزام الآخرون يهتفون له فى براعة!! هو الآن يحمل فوق أكتاف بائعى الجرائد والكوكا والمهرجين. انضم الأطفال والصبية إلى المظاهرة الكبيرة وفى أيديهم الحجارة والأكياس. النساء تهتف فى حماس شديد يشجعن رجالهن الواقفين على قارعة الطريق فى انتظار سقوط البلح!! مازال الحبل يرتفع شيئا فشيئا فيستطيل البطل مع هتاف الجماهير المشغولة بجمع البلح المتساقط. البطل تجاوز الجاذبية الأرضية… تصفيق. البطل خارج مدار الأرض...تصفيق. البطل يقترب من الشمس... تصفيق. الشمس تكاد أن تستسلم له… تصفيق حاد. وأمام استنكار الجماهير الغفيرة اصطدم البطل بالزجاج الذى عاد لينكسر من جديد فى دوى هائل ليرسم فى المرآة صورة قزم يقرض أصابعه فى جنون مخيف!!

د. حسين علي محمد
22-05-2006, 10:33 PM
سراديب

بقلم: د. عزت سراج
.....................

استرخى على مقعده الخشبى بعد يوم شاق اكتشف بعده أنه أصغر من أن يواجه أحقر ذبابة تطن بأذنيه معلنة تحديها له، فتمنى أن ينسلخ من جلده الضيق ليندس بين أسراب النمل ويدخل المملكة فى سلام ، أو تدوسه الأقدام الوحلة وتبتلعه فى أحذيتها التى تلمع فى الظلام من كثرة العاكفين على مسحها فى قناعه ورضا وسعادة تدعو إلى الغثيان. راح فى نوم عميق. عميق. الأحلام تتراءى له مريضة متعبة تحمل رماد الحريق الذى يشب كل يوم فى أعماقه بلا انطفاء. الحريق مازال يأكل كل المدن العاهرة. القرية الطيبة خرجت من ثوبها السندسى الفضفاض وتعرت فى وقاحة ، فرجها المجعد يتسع شيئا فشيئا والتراب يعفر وجهها فى سخرية. اللص اللعين قام من فوقها بعد أن سلبها شرفها. السماء تمطر نارا كل يوم والطيور تهاجر عشها، ومازال اللص يحاول أن ينام . تنام جواره الغجرية عارية يمص ثدييها متلذذة بالألم، والحليب مازال يخرج من ثدييها قطرة قطرة، وطفلها مازال يصرخ من الجوع، واللص يحاول أن ينام. أن ينام فينام.
ركب القارب المطاطى الذى طالما حمله إلى شواطئ أوربا وجزرها وأخذ يقرأ فى أوراقه محاطا بالحور العين ذات الأجساد المرمرية الشفافة. نادته أمه فى شدة. خرج متكاسلا من حلمه الجميل ليجد الغجرية مازالت تعرض فرجها لكل أطفال السيرك، واللص مازال يغتصبها للمرة الألف فى بهيمية مقززة.
سكبت أمه الماء فوق وجهه فابتلت أوراقه المتناثرة تحت كرسيه حتى ذابت فى الماء. هب مفزوعا من نومه ينفض عن ثيابه تراب ذلك اليوم الشاق، واستعد للخروج نظيفا ليبدأ يوما جديدا فى قناعة ورضا وسعادة تدعو إلى الغثيان!!

د. حسين علي محمد
22-05-2006, 10:38 PM
جلالــــة

بقلم: عزت سراج
....................
قال له : زدنى – فزاده. قال : زدني – زدني – زدني. فزاده وزاده وزاده. فلما رأى الأرض تهتز من تحته والسماء تكاد أن تطبق عليه وقع مغشيا عليه. وحين أفاق من موته – لم يفق من سكره إلا حين أبصر الموت أمام عينيه.

د. حسين علي محمد
22-05-2006, 10:40 PM
مسافات

بقلم: عزت سراج
..................

وقف وحده فى مدخل المسجد- مرفوع الرأس ونوى صلاة العشاء والمصلون ساجدون فى خضوع داخل المسجد يفصل بينهما ستار دقيق. كانت أعمال الترميم مستمرة على أشدها فى المسجد الذى تهاوت أعمدته وأصبح آيلا للسقوط. مازال صوت الإمام يرن فى أذنيه من وقت لآخر (الله أكبر) دون أن يراه ، فيركع بينما المصلون خلف الإمام ساجدون ويسجد بينما هم راكعون. لم يكن يشعر بالإرهاق مثلما يشعر به الآن والعياء يتسلل من رأسه الصغير إلى بقايا جسده فى تحد وإصرار.
الآيات تختلط عليه ولا يستطيع أن يكمل سورة الإخلاص دون أن تقفز أمامه مئات الصور والأشباح، فيبدأ القراءة من جديد. استسلم لأوهامه تماما وبدأت الذكريات تقفز إلى ذاكرته المتعبة فى عشوائية(كان يدخل المسجد دائما بقدمه اليسرى ويدخل الصلاة متأخرا. لم يكن يصلى إلا وحده فى البيت وحين عنفه أبوه وضربه أصبح لا يصلى إلا فى المسجد وكثيرا ما كان يشتهى النساء فى أثناء صلاته. الجمل تختلط عليه فى ارتباك وقلق :(المال قوة – الهروب نجاة) وحين انتهى المصلون من صلاتهم كان خلفه حشد من الرجال والنساء ملطخة بالدماء ثيابهم الممزقة. هب واقفا منهيا الصلاة، وفى حركة لا إرادية عنيفة قفز بقدمه اليسرى إلى الخارج وفى يده اليسرى مسبحته ذات الألف حصاة بينما فى اليمنى خنجره ينز دما والناس أمامه يهرولون فى فزع وهم يصرخون دون جدوى!!

د. حسين علي محمد
22-05-2006, 10:44 PM
مساحيق

بقلم: د. عزت سراج
......................

أخذ ينظر إلى النيل والدموع فى عينيه الثابتتين تأبى أن تسقط. وحين هم بالقفز إلى النيل تساقطت دموعه فى غزارة. هو يذكر الآن كيف أنكر قريته واستسلم لأحضان المدينة. وكيف خرج مغاضبا أهله ليدس وجهه فى شعر هذه المرأة التى زيفت وجهها المساحيق . تذكر هذه المثل التى ضاعت فى طرقات المدينة والحضارة الزائفتين . تذكر حبيبته التى هجرها، ورسائله إليها التى لم يبق منها إلا هذه الكلمات الجوفاء التى ينصبها شباكا لطالبات المتعة. تذكر أمه وحقول القطن الشاسعة . هو يذكر الآن كل شئ . والذكريات مازالت تتداعى فى مرارة . وعاهرات المدينة مازلن يطاردنه فى جنون . هو يذكر هذه الحانة التى آوته أول ليلة قضاها هناك وهذه المرأة التى كانت عارية فى فراشه فى الليلة التالية. هو يذكر كل شئ . مازالت كلاب المدينة تتعقبه ولا يستطيع منها فرارا. هو يذكر كل شئ ، ولم تعد الخمر كما كان يعهدها ، هو الآن يفكر أن يجرب ماء النيل!!
وحين وصلت رائحة جثته إلى القرية أنكرها أهل القرية صامتين!!

د. حسين علي محمد
22-05-2006, 10:48 PM
بقية قصص د. عزت سراج

سراب
.......

استرخى على السرير ومد يده فى اطمئنان وسرور إلى الطبيب الذى راح يسحب دمه المتبرع به إليها. استسلم للنوم الذى باغته حينما تذكر كلام الطبيب: [الجراحة بسيطة والأمل كبير] هى كل شئ فى حياته. إنه يعيش من أجلها. ورغم بعدها عنه إلا أنه على يقين من حبها له. هي أقسمت له ذات مرة بذلك. حين رآها أول مرة كانت تسبح جواره. وكلما حاول الاقتراب منها تبتعد عنه فى دلال، وحين ابتسم لها تبادلا الحديث وكان ثمة حب كبير.
لم يكن قد رآها منذ ذلك اليوم إلا أنه مازال يحبها ويعتقد أنها مازالت تبادله الشعور نفسه. كانت الأحلام متعبة للغاية.
حين أفاق من نومه وسمع الصراخ يملأ المستشفى والطبيب واقف لا يصدق ما يحدث – أخذ يجرى إلى الخارج فى ذهول وهو يضحك!!
***


عادة
.....

صفعه على وجهه هذه المرة . لكنه استدار للخلف ومشى كعادته. كان خوفه يكبر معه. الآن هو لا يكبر بينما أصبح خوفه سيدا له يسجد فى خضوع وخشوع وإذلال ولا يستطيع مناقشته. تزاحم الأطفال حوله من كل مكان يطاردونه بالحجارة والطين وهو يتلقى إهاناتهم فى رضا واطمئنان مبتسما.
ولما صفعه حقيرهم على قفاه . حنى رأسه للأرض وفى خضوع جر أذياله ومشى والناس حوله يضحكون فى دهشة.
***


مواجهة
........

أخذت تدفعه فى شدة وهو لا يزال مصرا على أن يدفعها إلى السرير، حين أطبق على شفتيها واستسلمت له. صار لقاؤهما عادة يومية وحين ظهرت خطيئتهما على بطنها تنكر منها، فلاذت بالهروب خوفا من عارها.
حين وصلته رسالتها الأخيرة قبل وفاتها بدقائق أسرع إلى المستشفى ليجد الوليد منتظرا إياه وحده فى بكاء!!
***


قـهــر
......

كانت تفترش الأرض أسفل الكوبرى ، وبجوارها طفلها الرضيع يبكى ويصرخ ويزحف نحو المارة. بعد أيام كانت جواره فى سرير حريرى، وطفلها الصغير يلعب تحت السرير وفى إحدى يديه قطعة من الحلوى. وبعد أن لبست ثوبها الممزق أخذ الطفل يبكى ويصرخ من جديد.
فى المساء فتحت التلفاز. وقف السلطان يبتسم وحوله حشد من الأمراء.
أغلقت التلفاز وأخذت أبكى دون جدوى.
***


انتحار
.......

لم يتمالك نفسه حين اندفع منيه إلى الخارج فى قوة لم يستطع مقاومته. كان ثمة حب كبير يجمع بينهما ، ولم يكن قبل أن تضاجع غيره قد ضاجعها ،لكنه الآن حين تزوجت من غيره يضاجعها يوميا. هو لا يدرى كيف تتسلل إليه كل مساء وتتمكن منه رغم رفضه لها وإحساسه بالاختناق عند مضاجعتها وشعوره بالندم والأسف والأسى بعد مضاجعتها.
لكنه هذه المرة يحتاج إليها ويرغب فيها رغبة عنيفة جامحة . فقد شغل عنها طوال هذه الأيام الأخيرة بمرضه الذي تفاقم عليه مع مصاحبته القلق والتوتر والانتظار المر لعطاء الرب.
هو يحتاج إليها كثيرا الآن إذ أن الجوع يأكل بطنه والقلق والتوتر والانتظار يحطمون أعصابه الضعيفة والبرد بالطابق العاشر الذي يسكنه لا يحتمل ولا يمكن أن تدفعه خرقته المكومة أسفله.
بعد أن أضاء المصباح لم خرقته من تحته وشد لحافه حتى اختفت رأسه تماما.
تركها فى غضب تقفز من نافذة حجرته إلى الطريق وحدها فى هدوء!!
***


مهارة
......

قالت فى تعتعة المجانين : أين قطار شبين؟. أشرت إلى اتجاهه. وقفت تعيد السؤال وأنا أردد الإجابة مرات. أخرج صاحبي خمسة قروش ودسها فى يدها. أعادت السؤال للمرة الألف. أخذت كل ما فى جيبي وجيب صاحبي ومشت تسأل كل من قابلها السؤال نفسه. وفى الطريق أوقفنا أحد المارة بصعوبة لنسأله: أين قطار شبين؟. أين قطار شبين؟.
***


ولادة
....

الممرضات تهرول هنا وهناك فى اضطراب ينم عن تأخر حالة المريضة داخل غرفة العمليات. وفى خروجهن من الحجرة ودخولهن إليها يصطدمن بالواقفين والجالسين أمام الباب انتظارا لصراخ الوليد.
الزوج يقفه بعيدا يقرض ما تبقى من أظافره بعد أن ابتلع كل سجائره ، وراح يسند رأسه المغبرة إلى جزع شجرة . استسلم لدوامة لا يذكر منها الآن إلا ثياب ابنه الممزقة وهو يتسول فى الطرقات خلف جيش من العاطلين المنتظرين عطف الرب. ومازال القلق والصمت يجثمان على وجوه المنتظرين خارج الحجرة . مازالت الزوجة تصرخ من آلام الوضع متضرعة إلى الله تتمنى أن يأخذها جواره . والممرضات حولها فى ترقب وفزع . ولم يعد أمام الطبيب إلا أن يقوم بالجراحة على خطورتها.
وفى حركة مفزوعة هب الزوج متوترا حين سمع الزغاريد تنطلق من أمام الحجرة . وحين قبل وليده تسلل إلى الخارج فى شرود يبحث عن مكان يستريح فيه!!
***


سـقـوط
.......

حين أغلق الباب ، وصارت ملكه – سقط التمثال القديم وانكسر تحت أقدامه. وحين ارتدى ملابسه خرجت الجنود من دمه وهى صارخة.
***

د. حسين علي محمد
22-05-2006, 10:51 PM
قصص د. عزت سراج
........................


تغـــرب
.......

قالت : لن تخرج هذا المساء. لم يرد عليها. مزقت قصائده كلها أمام عينيه. وألقت بها فى السلة ، وأتبعتها بأقلامه. حين أتت النار على آخر ورقة فى مكتبته . استدار للأمام وخرج.
***


ذئــــب
......

كل الأطفال تقذف النخلة بالحجارة إلا هو . يجلس بعيدا عنهم بثيابه الممزقة . وحين يسقط البلح يجرى لينقض على أول واحدة. ويزاحم الأطفال. حين اشتد عوده - أخذ يرمى النخلة هو الآخر. وحين تزاحم الأطفال معه تحت النخلة- لم يجدوا تحتها إلا النوى.
***


بصـــــيرة
..........

ناداه بصوت عال تلاشى فى الضياء وحين رأى نور وجهه انكشفت لنفسه سوءاتها فمات.
***


واقـــــــع
........
لم يكن قد رآها منذ عشر سنوات . كانت كل شئ فى حياته. كان يعيش على أمل أن يراها ثانية. وحين رآها ذات يوم فى الطريق صدفة مع أطفالها - تسمر فى مكانه لحظات، ثم ابتسم غير مصدق عينيه. لكنها لم تعرفه ومشت.
***


تقوقــــــع
.........

لم يكن قد نام منذ أول أمس . هو ما يزال يحاول أن ينام. الساعة تقترب من الخامسة صباحا. صوت الفلاحين الذاهبين إلى حقولهم من وراء شباكه يزعجه . ابتلع كل سجائر العلبة، وحين سمع صوت الماء ينهمر من الصنبور فى شدة نام فى هدوء.
***


صحــــــارى
............

توقف عن المشي فجأة بعد أن تورمت قدماه . الشوارع تبدو جديدة لعينيه وكأنه لم يمش فيها من قبل ألف مرة. لم يجد مكانا يستريح فيه. والشمس مازالت تلهب رأسه، فواصل السير مكرها.
***


طفولــــة
.........

كلامهما عن الحب والجنس كان يطول . الأول تجاوز الثلاثين والثاني لم يتجاوز العشرين . كان يستزيده دائما فيزيده ، ويحكى له فى براعة – فيحس فى نفسه الحياة. والآن بعد أن صار جدا لم يعد يذكر إلا الموت.
***


انتهـــــــاء
...........

كان يؤمن بالمحبة والسلام ، وأنهما مفتاحا السعادة الحقيقية . وحين رفضه العالم كله لم يعد فى وسعه أن يعرف إلا الكره.
***

د. حسين علي محمد
22-05-2006, 10:59 PM
طـين

بقلم: د. عزت سراج
........................

كانت تحلم بالسيارة والمنزل الأنيق والثياب الحريرية والذهب و. فتزوجته، وتجاهلت مشاعرها وأنكرت حبها. لم تكن تحس بفارق السن الذي بينهما. على أنها ظلت تكتم ألمها وتخنق حزنها وتجاهد حبها القديم. وحين ورثت عنه كل شئ وحققت كل أحلامها. ووجدت حبيبها القديم لا يذكر عنها شيئا- سلمت- وهى تتمنى لو عادت بكرا- بقايا جسدها لرجل ثالث.

د. حسين علي محمد
22-05-2006, 11:04 PM
تـجـارة

بقلم: عزت سراج
...................

كانت أمها تحركها كأية قطعة فى المنزل وتعيدها ثانية إلى مكانها ، وهى لا تستطيع إلا أن تقبل يديها. وحين ماتت أمها انفجرت صارخة دون جدوى حين رأت أباها يضاجعها وهى مكرهة.

د. حسين علي محمد
23-05-2006, 02:53 AM
حرمـــان

بقلم: د. عزت سراج
.......................

هب مفزوعا فى بكاء بعد أن ضاجعها. خلع عن سوءاته كل ما كان يسترها ، ومضى يتخبط فى الطرقات ، ويهيم من مقام لمقام. وكلما أفاق من وجده - هال على وجهه التراب. وأصبح لا يرى إلا ساجدا فى عياء وهو يبكى . وقبل أن تصعد روحه إلى السماء سألوه عن سر بكائه ، فانفجر باكيا والجنة تتمثل أمام عينيه دون أن يستطيع جوابا،

د. حسين علي محمد
23-05-2006, 02:54 AM
غــــــــرور

بقلم: د. عزت سراج
.......................

كان يظن أنه أذكى الناس وأنه يستطيع أن يضحك على العالم كله. كان لا يستقر على سرير وينكر كل ماعدا العقل ، ويقسم أن يقتل زوجته لو خانته. وحين رآه عاريا على سريرها ذات مساء – أخذ يجرى ويده فى فمه وخلفه الأطفال تلاحقه بالحجارة كلما وقف. وفى اليوم التالي تعرفوا على جثته بعد أن أخرجوها من عرض البحر،

د. حسين علي محمد
23-05-2006, 02:56 AM
مـــــــرارة

بقلم: د. عزت سراج
.......................

لم يعد يملك بعد أن صار فى الثامنة والعشرين إلا أن يتسلل كل مساء إلى دورة المياه ويفجر طاقته المكبوتة منذ أدرك. وفى هذا المساء بعد أن انتهت الراقصة فى التلفاز سمع صوت جارته التي سافر زوجها للخارج من أعوام ولم يعد. وهناك عرف كم كان غبيا لضياع هذه السنوات سدى. وحين عاد إلى حجرته ثانية فى الصباح تكوم فوق السرير وهو يضحك فى مرارة.

د. حسين علي محمد
23-05-2006, 02:57 AM
خطـــــايا

بقلم: د.عزت سراج
.....................

لم يكن يصدق أن هذه المرأة سوف تحمل منه. ولكن هذا ما حدث. وحين وضعت ، فكر أن يخطف ابنه ويهرب به غير أنه لم يستطع. حين عاد زوجها قبل الطفل ، ومضى بعد أن دس فى جيبها الجنيهات. وحين ماتت وعاد الزوج بعد أعوام طويلة طارده أولادها وأهل القرية بالحجارة حتى خرجت آخر أنفاسه أمام قبرها،

د. حسين علي محمد
23-05-2006, 02:59 AM
إيمــــــان

بقلم: د. عزت سراج
..................

كان يجادله بالتي هي أحسن موضحا له عدل الله، وأن عدل الله يقتضى حرية الاختيار للإنسان حتى يكون للحساب معنى ، مؤكدا كلامه بأقوال العلماء وهو ينكر عليه قوله ويرميه بالكفر. وحين ذهب لصلاة العشاء رفض المصلون أن يدخل المسجد وأغلقوا الباب دونه. وفى الصباح وأمام المسجد كان حبل المشنقة يتأرجح وأسفله جوار شجرة الصبار كان مصحفه وقلمه وبقايا من أوراقه المحترقة.

د. حسين علي محمد
23-05-2006, 03:00 AM
رســـــــــوب

بقلم: د. عزت سراج
......................

لن ينسى هذا اليوم أبدا. يوم أن أخذ ينظر فى ورقة النتيجة وكان يتوقع لنفسه الرسوب لمرضه العنيف طوال العام الدراسي. لم يصدق نفسه حين نجح بتفوق. طار فى الشوارع فى سعادة غامرة وترك نفسه للرقص والغناء وصورتها لم تكن تفارق عينيه، وليس ثم من هو أسعد منه الآن إذ لبى الله نداءه وتوسلاته ودعوات والديه، الآن يتمنى بحرارة أن يخطف حبيبته على حصانه الأبيض كما كان يحلم ويطير بها بعيدا. بعيدا. بعيدا.
وحين هبط من السيارة فى فرحة الناجي من الغرق - تسمرت قدماه فى الأرض حين سمع الزغاريد تخرق أذنيه خارجة من بيتها والأنوار صفت فى عشوائية على شباكها. وحين رآها جواره - ظل يجرى ومازال يجرى ولا يعلم إلى أين.

د. حسين علي محمد
23-05-2006, 03:01 AM
أتــــون

بقلم: د. عزت سراج
.......................

كان يؤمن بأن هناك عالمين : عالم المثل وعالم المحسوسات وأن النفس الإنسانية قد هبطت من عالم المثل إلى عالم المحسوسات تكفيرا لها عن ذنوبها فى عالم المثل. وحين استسلم لجسد أول امرأة راودته عن نفسه أنكر عالم المثل واتهم أفلاطون بالسزاجة والسطحية. وحين وارى التراب جسد عشيقته وتعفن إلا بقايا تكاثر حولها الدود-صار لا يؤمن إلا بذاته وطموحاته وأحلامه. وحين صار أغنى رجل-زعم أنه المهدى المنتظر وأن على العبيد السجود له كى يخلصهم مما هم فيه فركع الجميع له وسبحوه وحمدوه فى توسل وخضوع. وحين أتى الإعصار على آخر ما يملك ووجد نفسه وحيدا لا يملك إلا أن يجرى ويجرى-ألقى نفسه فى الأتون متوسلا إلى الله دون جدوى.

د. حسين علي محمد
23-05-2006, 03:02 AM
أمـــومــــــة

بقلم: د. عزت سراج
......................

هى فى الخامسة والثلاثين من عمرها وهو فى الثالثة عشرة. كانت أجمل نساء الحى وأغربهن بما ترتديه من ثياب لا يألفها أهل القرية. كان يفقد السيطرة على أعصابه حين يرى ساقيها وهما تلمعان من أشعة الشمس.
وفى المساء لم يكن يفارق طيفها خياله، فيهم إلى دورة المياه وقد امتلأ رغبة تهبط فجأة حين يلقى بجسده المنهك على السرير ويدس رأسه تحت اللحاف مستسلما للكوابيس الغريبة التي كثيرا ما تظهر له أمه فيها وهى تستغيث تحاول النجاة من الغرق وهو يصرخ غير أنه مقيد لا يستطيع أن يفعل لها شيئا. وحين صار فى الثلاثين من عمره وصار أبا تمنى أن يبكى بين يدي حسنائه ويقبل قدميها. غير أنه لم يعد يملك إلا أن يقف أمام أمه لساعات طويلة ، وينثر الورود فى خشوع فوق قبرها.

د. حسين علي محمد
23-05-2006, 03:05 AM
عناية

بقلم: د. عزت سراج
.....................

أخذ يدق الجرس فى انفعال شديد. فتحت الباب فى فزع. استقبلته كالعادة فى عطف وأمومة. انقض على شفتيها فجأة وراح يقبل رقبتها وصدرها ويدس يده اليسرى إلى ثدييها فى عنف شديد بينما يده اليمنى تلفها إليه لفا. سقطت فوق السرير وعيناها تحجرتا فى احمرار دون أن تبدى أية مقاومة أو استسلام وهو مازال فى محاولته الأولى لاغتصاب امرأة. وحين صارت عارية تماما وخلع بقية ملابسه ازدادت دموعها ومازالت فى ذهولها لم تنبس ببنت شفة. حتى إذا ما انقض فوق جسدها وبلت دموعها صدره راح فى نوبة هستيرية لم يفق منها إلا على دعوات والديه وبكاء أخوته وهى تبتسم جواره فى نقاء الملائكة.

د. حسين علي محمد
23-05-2006, 03:06 AM
ســــفر


بقلم: د. عزت سراج
......................

كان حديثه عن الحياة يجذبه ويفتح شهواته وغرائزه إلى ما فى الوجود من متع وملذات. فراح يعب من كأسها حتى لم يعد يفيق من سكره إلا إلى سكر. وحين وقف القطار وألقى بجسد صاحبه، ولم يبق منه إلا عفن يأكله الدود وعظم ينخر فيه السوس - أخذ يجرى ويجرى نحو الشمس قبل أن يتوقف القطار ثانية.

د. حسين علي محمد
23-05-2006, 03:07 AM
غفلـــة

بقلم: عزت سراج
...................

لم يكن يتصور أنه سوف ينسى عيد ميلاده ، ولكن هذا ما حدث اليوم حين أخر عقارب ساعته للوراء خمس سنوات وبعدها ثبت العقرب فظل ساكنا. وبعد أن أغلق وراءه الباب دقت ساعتها خمس دقات . فقام مفزوعا ثم هدأ وانفجر صامتا.

د. حسين علي محمد
23-05-2006, 03:08 AM
مثالية

بقلم: د. عزت سراج
.....................

ظل يحلم أن يكون أميرا ، فركب حصانا أبيض وارتدى خوذة من فضة ، واستل سيفا ورمحا وقوسا وقلما ، ومضى يتفقد الرعية ويعطى الفقراء من أموال الأغنياء والسوط فى يديه يلهب به ظهور الخارجين على سلطانه. وحين وقع فجأة على الأرض أفاق من حلمه الجميل ، وأحس بالأقدام تتكاثر حوله وتقذفه إلى خارج العالم فى غضب.

د. حسين علي محمد
23-05-2006, 03:11 AM
صــــــراع

بقلم: د. عزت سراج
......................

هو الآن لا يذكر لماذا كان يبكى كلما رأى أباه . وكلما حاول أن يتذكر سر بكائه يفشل فى المحاولة. وحينما صفع ابنه أدرك لأول مرة لماذا كان يضربه أبوه ، ولماذا كان يبكى حين يراه . حين تذكر الآن أباه بعد سنين طويلة – أخذ يبكى من جديد ويرتعد من ابنه.

د. حسين علي محمد
23-05-2006, 03:12 AM
انشراح

بقلم: د. عزت سراج
......................

اقتربت منه أكثر فأكثر حتى حضنته، وذابت فيه فاستسلم.
ولما كادت حلمة ثديها أن تقفز فى فمه تذكر التفاحة الرجيمة فهب مفزوعا، فقدت قميصه وهى صارخة. لكنه لم يكن يخشى إلا أن تفوته صلاة العشاء . وحين خرج من البيت رأى الله فى قلبه فبكى.

د. حسين علي محمد
23-05-2006, 03:14 AM
افتقاد

بقلم: عزت سراج
..................

ظل يبحث طويلا عن المدينة الفاضلة والفردوس المفقود ، واجتهد فى البحث عن مفتاح الجنة. ولما لم يجد أحدا يدله عليه – آثر أن يدخل النار فانتحر.

د. حسين علي محمد
23-05-2006, 03:15 AM
ديكتاتورية

بقلم: د.عزت سراج
.....................

كان دائما يترقب خروج النمل من الجحر . ويحاصره بالماء . كان يجد لذته القصوى حين يرى اضطراب أسراب النمل وتخبطها وعجزها واستسلامها للموت. وحين خرجت آخر نملة من الجحر حاصرها بالماء حتى ماتت.
وعندما لم يجد فى الجحر إلا نفسه وأحس بالعجز التام – استسلم للماء وغرق.

د. حسين علي محمد
23-05-2006, 03:17 AM
تمن

بقلم: د. عزت سراج
......................

كان لا يخاف أكثر مما يخاف من الأماكن المظلمة الضيقة واللون الأحمر. ويحاول جاهدا أن يتدفأ بحكايات جدته المثيرة الممتعة عن ست الحسن والشاطر حسن.
والآن حين ماتت جدته وصار رجلا وحاصره النور من كل مكان – يتمنى أن يدخل حجرته القديمة المظلمة ولا يخرج منها ثانية.

د. حسين علي محمد
23-05-2006, 03:18 AM
عبقريــــــــــة

بقلم: د. عزت سراج
.....................

أغلقوا فى وجهه كل الأبواب، وراحوا يقذفونه بالحجارة و... لكنه استطاع أن يهرب كثيرا من مستشفى الأمراض العصبية . على أنه يعاد إليها ثانية. وفى المرة الأخيرة حين خرج ولم يعد، بنوا له تمثالا من ذهب.

د. حسين علي محمد
23-05-2006, 03:25 AM
غربــــــــة

بقلم: د. عزت سراج
.....................

كان يجلس وحده فى الشرفة يقرأ ويكتب ولا يمل النظر إلى السماء . كانت تلومه على هذه الحال وكثيرا ما تهزأ به وتسخر من كتبه وتبصق على مؤلفيها وتسبهم وتدعو عليهم بالجحيم . وحين رفرف نعشه وابيض وجهه كطفل ملائكي وصار حديث البلدة – عادت من جنازته لتظل ليلا وحدها فى الشرفة تقرأ وتكتب ولا تمل النظر إلى السماء ولا تعير للوم الآخرين انتباها.


..................
انتهت المجموعة
..................

ربيحة الرفاعي
14-05-2013, 04:37 PM
تستحق هذه المجموعة القصية استعادتها للسطح ليحظى بقراءتها الأحبة
وأظن كاتبنا ظلمها بإدراجها جميعا في موضوع واحد

دمت بخير ايها الكريم

تحاياي

م. تامر مقداد
14-05-2013, 07:04 PM
وجبة دسمة.. لا يمكن الإحاطة بها دفعة واحدة.. لابد من العَود مرات ومرات :011:

نداء غريب صبري
04-06-2013, 09:59 AM
هذه مجموعة قصصية رائعة
ما زلت عاكفة على قراءتها منذ الأمس
والآن انتهيت

شكرا لك أخي

بوركت

آمال المصري
16-06-2013, 12:08 PM
قرأت الكثير منها الفترة الماضية ومازال بها الكثير أرتشفه على مهل لأستمتع بكل منها على حدة
شكرا لك شاعرنا الفاضل
ومرحبا بك وبالدكتور عزت سراج في واحة الجمال
تحاياي

فاتن دراوشة
29-07-2013, 07:29 PM
مجموعة قصصيّة رائعة تستحقّ أكثر من قراءة

فكلّ أقصوصة تجتثّ جزءًا من الواقع وتجسّده

شكرا لك أخي على هذا النّقل

مودّتي

آمال المصري
18-09-2013, 08:19 PM
مازلت أتردد هنا ليس فقط للقراءة .. بل لأتعلم من أديبنا وشاعرنا الكبير د. عزت سراج
لي جولات أخرى مع نصوص رائعة فكر ولغة وبناء
تحاياي

آمال المصري
06-12-2013, 01:35 PM
وددت لو أن أفك إضغام المتصفح لومضات منفصلة تأخذ كل منها حق القراءة لما تحمل كل منها من رموز واختزال وقراءات متعددة
هنا مدرسة للقصة القصيرة جدا فشكرا للدكتور حسين وألف شكر للدكتور عزت سراج
تحاياي

آمال المصري
13-01-2014, 06:54 PM
طـين

بقلم: د. عزت سراج
........................

كانت تحلم بالسيارة والمنزل الأنيق والثياب الحريرية والذهب و. فتزوجته، وتجاهلت مشاعرها وأنكرت حبها. لم تكن تحس بفارق السن الذي بينهما. على أنها ظلت تكتم ألمها وتخنق حزنها وتجاهد حبها القديم. وحين ورثت عنه كل شئ وحققت كل أحلامها. ووجدت حبيبها القديم لا يذكر عنها شيئا- سلمت- وهى تتمنى لو عادت بكرا- بقايا جسدها لرجل ثالث.

استوقفتني لما تختزله من مشكلة اجتماعية تقع فيها الأنثى تحت وقع الحلم بالثراء
حبكة قوية ولغة أنيقة وخاتمة بها عظة ودرس
مازلت أقرأ هنا واستمتع وأتعلم
تحاياي للرائع صاحب الومضات الدكتور عزت سراج
ورحم الله ناقلها الدكتور حسين علي محمد
تحاياي