تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : قراءة جديدة في أوراق قديمة (1) ـ فاكهة الوطن.. وكرامة الأنبياء!!



إبراهيم سعد الدين
10-06-2006, 06:27 AM
* قراءة جديدة في أوراق قديمة ( 1 )
فاكهة الوطن .. وكرامة الأنبيــاء !!
إبراهيم سعد الدين
حين لقيته تذكَّرْتُ قولة المسيح عليه السلام (الإنسان مولود المرأة شبْعانٌ تعباً). كان جحوظ عينيه قد توارى خلف التجاعيد وفي جفنيه تورُّمٌ واحمرار وعلى صفحة وجهه الأسمر علامات التعب. أمّا صوته فقد بدا مجهداً كأنه آخر قطرات النّزْف.
وقفْنا يُحَدّقُ الواحد منّا في وجه صاحبه كأنه يُنكِرُه، ثم تعانقْنا بكلّ ما في القلب المُحْتضرِ من نبضٍ شحيحْ، مثل غريقيْن أوشكا على الهبوط إلى قرارٍ سحيق حين تلامسَتْ أناملهما المرتعدة.

كان المطار يموجُ بالراحلين والعائدين والمودِّعين، وكنّا ـ نحن الإثْنَيْن ـ على سفرٍٍ بعيد لايُعرَفُ مُنتهاه. سألني عن وجهتي وسألته عن وجهته، وحين استبانَ لنا أننا مفترقان وأنه ثَمّة بقية من وقت ـ انْتَبَذْنا رُكناً قصيّاً لائذين به عن عيون الحَشْد، ورُحْنا نسْترْجع ذكريات الزمن القديم.
قال لي ـ وهو يُغالِبُ بصوته المبحوح جلبة الأصوات الهادرة من حولنا، ويتحسّسُ بعيْنيْه المُرْهَقتيْن تقاطيع وجهي:
ـ هي الغُرْبة .. غُرْبة الرُّوحِ والوطَنْ ..!!
وامتدَّ بيننا حَبْلُ الحديث. سألني عن حُلْمي القديم، قُلْتُ له:
ـ رَحَلَ عنّي مُنْـذُ رحَلْتُ عنه.
وعاد يسْألني عن بقيّة الرفاق والأحبابْ، قلتُ له: انْفَرَطَ عِقْدُهُــمْ.
وبادَرْتُه بالسُّؤال وفي حَلقي غضاضة الثمَرِ المُرّ:
ـ لماذا تَسْقُطُ ثمار هذا الزمنِ قبل الأوان..؟!
قال لي وهو يُسَرِّحُ بصره بعيداً، وجحوظُ عينيه يستعيدُ بريقه المعهود:
ـ الأمان.. فاكهة الوطنِ المَُحَرَّمة.
ومضى يُحادثني . كان يُجَاهِدُ بصوته المُرْهَق غلبة التّيّارِ الجارف، وكلماته تتناثرُ مثل رغوةِ الزَّبدِ على رمال الشاطيء.
قال بنَفَسٍ مبهورْ:
ـ نحنُ كالرُّوح التي حَلّتْ بها لعْنَةُ الآلهة.. تَقْذفها الرّيحُ إلى الماء، ويطردها الماءُ إلى اليابسة، وتُسْلمها اليابسة إلى الرّيحْ ..
قالْ:
ـ وأينما حَلَلْتَ ببُقْعَةٍ من وادينا السّعيد.. فأنت المُسْتَجيرُ من الرَّمْضاءِ بالنّارْ...
قالْ:
ـ محْنَتُنا الحقيقية أننا لم نَبْلُغْ حَدَّ السّكّين.. وقَفْنا على الهامش المسكين واكتفيْنا بملامسةِ أهدابِ النّار، فبقي جُرْحُنا مُمتَلئاً بالدّمِ والصَّديدِ، نابِضاً بالوَجَعِ دون نَزْف..
قُلْتُ له بلهجة بَبغاءٍ يَدّعي الحكْمة: لا كرامة لنَبِيٍّ في وطنه.
قالَ بصوْتٍ قاطعٍ كشفرةِ الموسي:
ـ أكْتُبْ عن لساني: ولاحياةَ لنبيّ إلاّ في وطنه..!!
وقالَ أخيراً وصوته مُختنِقٌ بالعَبراتْ: حَانَ وقتُ الفِرَاقْ ..

وهو يُودّعُني تشَنّجَتْ أصابعه على كتفي النحيل كأنه يوصيني بالكِتْمانْ. تأمّلُتُ قسماتِ وجهه المُتْعَب قبل أن يسْتدير ويتوارى في زحمة المطار. وأنا أودعه النظرة الأخيرة، تذكّرْتُ صوته الواهن وضراعة عينيه، فطالعني من غياهب الذاكرة قول الشاعر بدر توفيق:

"لا تنقلوا للناسِ عَنِّي أبداً..
فليْسَ فيكم من رأى وجهي الذي أحبَبْتُهُ".

جوتيار تمر
10-06-2006, 09:46 AM
ابراهيم سعدالدين؟

لطالما اهين الانبياء في اوطانهم...
لطالما قتل الانبياء في اوطانهم...
لطالما ذبحت البسمة من على شفاههم في اوطانهم...
لطالما قاموا بوءد الفكرة داخل اوطانهم...
ان الاوطان اصبحت مقابر لكل من لايحني الرأس لاسيادها...
لذا فرحيل الانبياء اصبح ضرورة ..

لاننا مع بقاء الفكر...اينما حلت...
فالاوطان وبالذات اوطاننا لم تعد تستحق الانبياء...
طالما انها احتكرت الظلم ...واستعباد الفقراء...
اوطاننا ...عليها ان تعيش الذل الذي رضته لنفسها جراء هتافها الابدي..
للظالمين...لمستعبديها...

عذرا..عذرا اخذتني الكلمات للبعيد..

تقديري واحترامي
جوتيار

د. محمد حسن السمان
10-06-2006, 09:00 PM
سلام الـلـه عليكم
الاخ الفاضل الاديب ابراهيم سعد الدين

هل هذه قصة ام قضية , ام انها قصة تناقش قضية , احسنت توضيب مسرح الاحداث , كما احسنت رسم البعد الزماني , واحسنت البناء , ثم اجدت الكلمات والعبارات والصور , ما اروعك ايها الاديب :

قال بنَفَسٍ مبهورْ:
ـ نحنُ كالرُّوح التي حَلّتْ بها لعْنَةُ الآلهة.. تَقْذفها الرّيحُ إلى الماء، ويطردها الماءُ إلى اليابسة، وتُسْلمها اليابسة إلى الرّيحْ ..

لتقود القارىء بسلاسة وعفوية وتشويق ,الى النهاية التي جاءت بسيطة مباشرة , لتعطي حلا للعقدة , وانما باسلوب مبتكر , وتكريسا لفكرة القصة :

لا كرامة لنَبِيٍّ في وطنه
ثم :
"لا تنقلوا للناسِ عَنِّي أبداً..
فليْسَ فيكم من رأى وجهي الذي أحبَبْتُهُ".

اخوكم
السمان

إبراهيم سعد الدين
18-06-2006, 04:50 PM
أخي الكريم وأديبنا المُبدع.. جوتيار تمر

أهديك أطيب تحية وأشكر لك زيارتك الكريمة لهذه الزاوية التي أردتها تصفحاً لأوراقنا القديمة على ضوء وعْينا بالحاضر ومُعطياته، فالتاريخ حلقات ووقائع تنتظم مع بعضها البعض في وشيجة واحدة مترابطة. وهكذا فإن ما يُنشرُ في هذه الزاوية هو سلسلة من الكتابات والتأملات نُنعم ـ من خلالها ـ النظر سويّاً في أحداث ورؤى وذكريات قديمة طُوِيَتْ صفحاتها من زمن، بَيْدَ أنها تستحقُّ منا أن نُعيد قراءتها من جديد.

أما أوطاننا العزيزة فهي تظل هاجسنا الأول والأخير رغم أننا حُرمنا فاكهتها وذُقنا طعم البعد عنها والاغتراب زمناً.

سعدتُ وشرفتُ بزيارتك الكريمة وآمل دائماً في حضورك المميز وتواصلك الجميل.

ودُمتَ بألف خير وعافية.

إبراهيم سعد الدين

إبراهيم سعد الدين
18-06-2006, 05:14 PM
أخي الكريم وأديبنا المُبدع .. د. محمد حسن السّمّان

تحية إعزازٍ وتقدير تليقُ بمشاعرك الراقية النبيلة وكلماتك الطيبة وقراءتك الخلاّقة المُبدعة التي أضفت على النصّ بهاءً ورونقاً وجمالاً، وأضاءت سماءه بفكركم اللّمّاح ونظركم الثاقب وحسّكم المُرهف وبديهتكم الحاضرة. لقد سعدتُ وشرفتُ بزيارتكم الكريمة وأتطلعُ دائماً إلى حضوركم الطيب الذي يُشيع في أجواء هذا المنتدى وزواياه عبقاً خاصّاً ويملأ جنباته إمتاعاً ومؤانسة.

دُمتَ أخاً كريماً ومبدعاً أصيلاً.

مع فائق الودّ والتقدير.

إبراهيم سعد الدين

ليال
20-06-2006, 04:18 PM
توقفت طويلاً هنا لاأدري إن كنت سأقدر أن اكتب شيئا يعبر عن ما حركه بداخلي هذا النص، وبعد تأمل عرفت أنني لايجب أن أغامر في محاولة فاشلة ..ساكتفي بالقول البسيط بأنه قد حرك سكوناً طال أمده بداخلي.. كل الأحترام والتقدير.

إبراهيم سعد الدين
21-06-2006, 09:24 AM
الأخت الكريمة.. ليال

تحية طيبة وسلاماً عطراً يليقان بطيبِ حضورك المُشعّ دائماً بعذوبة الروح وشفافية الرؤية وروعة التعبير ونقاء الفكر وذكاء الوجدان. لقد حملت كلماتك القليلة الموجزة من المعاني والدلالات البليغة ما يكفي لإضاءة النّصّ وكشف أعماقه، وعبّرتْ عن قراءة واعية وخلاقة تُضفي عليه ثراءً وخصباً.

أسعدُ دائماً بإطلالتك المشرقة الوضاءة وتواصلك الجميل.

ودُمتِ بألفِ خيرٍ وعافية.

إبراهيم سعد الدين