المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سفر الغياب ـ قصة ـ



عبدالسلام المودني
13-06-2006, 01:49 AM
سِفر الغياب



1- قالت:
- مسرعة أعدو إلى الخلف، فأتعثر بنا.


ترشف مع قهوة غيابه صورته بلذة. تمزّ أشلاء منه. تطوي المسافات إليهما، بحنق تضحك. تشعل سيجارة ، تمجّ سحائب دخانها حول تجاعيد ذكرى سحيقة. هسيس وجوه و بقايا ضحكات بريئة تختال في العدم المتراكم على مسافات بين نور و نار.
تنطفئ مع سيجارتها. تستجدي أنفاساَ بعيدة، تودعها أصوتاَ مشفوعة بصورة و بقايا ضحكات بريئة...
تنتبه للنادل يقول دون أن يخفي دهشته:
- أجلب عصيرك أم ننتظر قدومه لآتيكما بعصيرك و قهوته؟



2- قالت:
- بالأمس سأعشقك كما عشقتني غداَ.


بالأمس ستودعه، و تقف ترقبه من بعيد يركبه قطار الرحيل، و ستتوارى خلف حرائقها، و ستذكر ما همس به ذات صفاء - يوما ما سأقود أيامي أمامي. سأكون الرحلة و الوجهة.
و اليوم عدم، و دخان متراقص من سجائر تعزف الصمت و الضجر، و صورة منتحبة و بقايا حديث متشظي...و عدم.
وغدأ تذكرت أغنياته و أشعاره و أوراقه تشي بأسراره القديمة و المحدثة. في ثرثرتها و هذرها تقول كم عشقها. أودعت غدها كل كلماتها. تذرف تنهيدة ملتاعة على أنقاض ليلة قضتها تضاجع أوراقاَ كانت له تذروها حرائقها.
يضع النادل كأس ماء و هو يرقب ناراَ حولها.



3- قالت:
- أهديتك قلبك كما أهديتني قلبك.


في أعياد رأس البؤس لميلاد الموت و الغياب، ارتدت ثوب حزنها الليلكي. انتظرت قدومه مع المطر. من على شرفة غيبته هطل طيفه الشاحب. عند السحر، سمعت طرقاَ على قلبها، و توقف المطر.
تحفز النادل ليشعل سيجارتها، اصطدمت عيناه بصورته على جريدة تتثاءب مستلقية على طاولتها. قرأ المانشيت " إلى قلبك" و قصيدة تكنس حضوره تحتضر على جنب واحد.


4- قالت:
- كم أكره حبنا لي.



على كثبان حواسه، هجعت حاسة عشقه. تستفيق على نأماتها، تحركها رعشة الحضور، و تؤوب غادة تضع مساحيق على رمادها. تزيح آخر أكفانها لتلج قبر عنفوانها فتصطدم هناك بحاسة كسيحة مضمخة بعطر الموت.
بحزن كبير لم يحاول إخفاءه، يضع النادل مشروبها.



5- قالت:
- سلام للأهلة التي تزف رحيلك الذي أكره.



تفاصيل كثيرة تؤثث لقاءاتهما المغبرة. تعانق بمحض انتقائها إحداها. كل كلمات مناغاته متشابهة. كان لصمتها ألف لون ورائحة وطعم.
تتركهما هناك بغير أسى . تقفل أبواب الذكرى . تفتح حقيبة يدها، تخرج حافظة نقودها. تضع ورقة نقدية على الطاولة، يهبّ النادل إليها قائلا بجفاء:
- عصيرك هدية مني.. سيدتي.




6- قالت:
- خنتك لما علمت وفاءك.


داعبت كل قصائده التي ربتت على وحدتها. أدخلتها حروفه أكواناَ ألفت نفسها متوّجة هنالك. أهداها كل كلماته حتّى أشعاره التي لما تكتبه. جالست حروفها بالأمس. كانت أول ما كتبت، قصيدة أهدتها لآخر و خطاب وداع له.
على عتبات المقهى سلمت النادل ظرفاَ يرتعش.


7- لم أقل:
- أحار ما أختار.


لا خيار أمام جور جبر. نواحك المشذوب ينحث طريقاَ أخرى، سأمشيها وحيداَ علي أجدني عند نهايتها فألحق بسفري و يعانقني رحيلي.




أحار ما أختار
حصد القفار أم سقي البحار.


عبدالسلام المودني
سلا ـ غداَ ـ

عبدالرحيم الحمصي
13-06-2006, 10:46 PM
:001: اخي عبد السلام .... :001:

لا املك الا ان اهنئك على هذه السمفونية

الحالمة الرائعة التي اعتبرها بحق ماسة

ادبية بكل معنى الكلمة ..

جمالية الحرف متسربلة بحلم السرد المنساب

اعتمادك على رهان المتخيل و تعاقب الصور

لبعض الخلجات الهاربة من واقعية انتظارية

ايحائية كانت الرحى لحديث الدات المنتظرة

دائما الدي ياتي و لا ياتي....


اجدت ايها الاديب الراقي .....

مع كامل تحياتي لك و لتحفتك ....

اتمنى ان اقرا لك المزيد....


بكل الصدق و الحب :noc:

اخوك عبدالرحيم الحمصي..... :os:

محمود الديدامونى
15-06-2006, 12:24 PM
بحق أنت قاص جميل
تغزل باتقان
دمت بخير

جليلة ماجد
15-06-2006, 10:46 PM
لا خيار في الحُب ،،

كما لا خيار في الفراق ،،

ما نختاره قليل جداً في الحياة !!

المهم كوننا نختار من نحن بالضبط ،،

عبد السلام المودني

مقطوعة جميلة مؤلمة

:0014: و مودتي

جوتيار تمر
16-06-2006, 01:05 PM
عبدالسلام المودني
فعلا..انك بارع في توظيف اهم عناصر الوجود في نصك الرائع..هذا...الزمان...والمكا ن...وجدتهما...في صراع غير مسبوق..هنا...تلاحم وتلاطم..تذكير..وتهميش...استم ارية...وعودة للوراء...صراع الذات مع الذات...وصراع الذات مع الذات الاخرى..انا...وانا الاخرى..جل تناقضات الوجود...رسخت هنا...لتظهر لوحة...انها اشبه بتلك التي سادت في وقت ما...سماء الفكر الانساني..عند بزوغ نجم الوجود..وصراعه مع العدم..لديك اسلوب راقي جدا في كتابة القصة...وكوجهة نظر شخصية..ارى بان الاسلوب يعد من اهم العناصر التي تقوم عليه القصة...ونجاح القصة يتوقف عليه..الى حد كبير...اسلوب قصتك هذه اجده كالرداء..والالفاظ ليست الا نسيجا صنعت منه ذلك الرداء..وقد ابدعت بحق في صنع الرداء..
سفر الغياب...سفر اخار يضاف الى اسفار الموت والالم التي تلاحقنا منذ البدء..

تقديري واحترامي
جوتيار

إسلام شمس الدين
17-06-2006, 12:15 AM
لا املك إلا التصفيق :NJ: تقديراً وإعجاباً
والترحيب بأديب رائع أشرقت إبداعاته في سماء الواحة

رائعٌ ما نثرت هنا أديبنا الجميل من قطوف الحكمة والإبداع ورهف المشاعر

سانتظرك دائماً

دمت بكل الخير
ولك أطيب تحياتي وعظيم تقديري :0014:
إسلام شمس الدين

عبدالسلام المودني
19-10-2006, 03:55 PM
:001: اخي عبد السلام .... :001:
لا املك الا ان اهنئك على هذه السمفونية
الحالمة الرائعة التي اعتبرها بحق ماسة
ادبية بكل معنى الكلمة ..
جمالية الحرف متسربلة بحلم السرد المنساب
اعتمادك على رهان المتخيل و تعاقب الصور
لبعض الخلجات الهاربة من واقعية انتظارية
ايحائية كانت الرحى لحديث الدات المنتظرة
دائما الدي ياتي و لا ياتي....
اجدت ايها الاديب الراقي .....
مع كامل تحياتي لك و لتحفتك ....
اتمنى ان اقرا لك المزيد....
بكل الصدق و الحب :noc:
اخوك عبدالرحيم الحمصي..... :os:




الفاضل عبدالرحيم الحمصي

دعني أعتذر منك أولاً و من كل الإخوة لتأخري في الرد على تعليقاتكم الجميلة، أعرج بعده إلى شكر كلماتك الرقيقة المعبرة التي تنم عن ذوق رفيع و حس جميل.

خالص تقديري و مودتي
عبدالسلام المودني

عبدالسلام المودني
19-10-2006, 03:58 PM
بحق أنت قاص جميل
تغزل باتقان
دمت بخير



الفاضل محمود الديداموني

شكراً لعبق المرور و جميل الكلمات

خالص تقديري و مودتي
عبدالسلام المودني

عبدالسلام المودني
02-11-2006, 03:01 AM
لا خيار في الحُب ،،
كما لا خيار في الفراق ،،
ما نختاره قليل جداً في الحياة !!
المهم كوننا نختار من نحن بالضبط ،،
عبد السلام المودني
مقطوعة جميلة مؤلمة
:0014: و مودتي




الفاضلة جليلة ماجد

لا نختار عادة
أنت محقة في هذا أيضاً
حتى في من نكون

لكننا نختار حتماً ما يمكن أن نكون

شاكر لألق المرور و الروح

خالص تقديري و مودتي
عبدالسلا م المودني

وفاء شوكت خضر
02-11-2006, 03:22 AM
أحار ما أختار
حصد القفار أم سقي البحار.

أخي الفاضل / عبدالسلام المودني .

أسلوب جميل مميز ..
أسعدني المرور هنا .

تحياتي .

عبدالسلام المودني
30-01-2009, 02:30 PM
عبدالسلام المودني
فعلا..انك بارع في توظيف اهم عناصر الوجود في نصك الرائع..هذا...الزمان...والمكا ن...وجدتهما...في صراع غير مسبوق..هنا...تلاحم وتلاطم..تذكير..وتهميش...استم ارية...وعودة للوراء...صراع الذات مع الذات...وصراع الذات مع الذات الاخرى..انا...وانا الاخرى..جل تناقضات الوجود...رسخت هنا...لتظهر لوحة...انها اشبه بتلك التي سادت في وقت ما...سماء الفكر الانساني..عند بزوغ نجم الوجود..وصراعه مع العدم..لديك اسلوب راقي جدا في كتابة القصة...وكوجهة نظر شخصية..ارى بان الاسلوب يعد من اهم العناصر التي تقوم عليه القصة...ونجاح القصة يتوقف عليه..الى حد كبير...اسلوب قصتك هذه اجده كالرداء..والالفاظ ليست الا نسيجا صنعت منه ذلك الرداء..وقد ابدعت بحق في صنع الرداء..
سفر الغياب...سفر اخار يضاف الى اسفار الموت والالم التي تلاحقنا منذ البدء..
تقديري واحترامي
جوتيار


العزيز جوتيار تمر
شكراً لأنك كنت متواجداً هنا ايضاً
تحية لقلبك
محبتي الصافية
عبدالسلام المودني