تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : جنين الحرف



حنان الزريعي
16-06-2006, 05:08 PM
جنين الحرف


صباح حب
طرد زفراتَ
عشقي ..
كقطرات ذكرى
بقتْ ..
على بلور نافذةٍ
ثكلى بنا
***
صباح ظن
أورق لآلئ
شهقاتي ..
كسياط غيرة
نُقشت ..
على مسرحٍ
تأوهت أركانه
من غزوك له
***
صباح حلم
حمل غيمةَ
بوحي ..
لتمطر أياماً
دثرت ..
همس ليالينا
:
:
استراح القلم مفكراً بين شفتيها ، ساهمة النظرات حيث اللاشيء ، بأصابع يدها الأخرى تنقر برتابة فوق ورقة خطتها للتو ، نطقت ما كتبته مغمضة العينين ، ابتسمت متمتمة :
- سيعجبه .
سمعت جلبة في الخارج ، نهضت متجهة حيث النافذة ، لترى أنه لمْ يعد بعد ، أسدلت الستارة :
- أتمنى أن يتأخر قليلاً هذه الليلة ..
إِسْتأْسَرت نظراتها لصورته المعلقة على الحائط أمامها ، لتأخذها عينيه حيث آسان ليالٍ كوّنت دوائر سهد في بحيرة صفوها الذي كان ، خاطبت تلك العينين وبسمته :
- سأكون الوحيدة في فلكك ..
اتكأت على الحائط والورقة أمامها من بعيد ، ممتدة على الطاولة ، تناديها أن تكمل لهوها والقلم .
لمْ تشعر بالسعادة كما تشعر بها هذه اللحظة ، بل هذا الشهر بالذات ، فضفائر أيامها جُدلت بشرائط راحة البال .. بعد تلك الليلة .
عشقته وملأت تفاصيل وجهه بسماتها ؛ حين تهرب إحداهن لعينيها .. وكم مازحت بعض مرضاها حين تسألهم عن اسمهم ؛ ليكون لهم نفس اسمه ، لكن أصابع أيامها المتعبة سرقتها من وهج الحب الذي كان قبل أن يُشار لها بخبرتها الجيدة كطبيبة .
هربت من كلماته وأشعاره ، باتت لا تجاري إبداعه وابتعدت عن أي نقاش في الأدب يدور بينهما أو مع بعض أصدقائه فاهتماماتها بعيدة كل البعد عن الشعر ، هذا ما اقتنعت به مسبقاً ، لتأخذها الحياة حيث عيادتها ومرضاها ودورها المنحصر في تربية طفليها والاهتمام بشؤون زوجها .
إلى أن رأت ورقة مختبئة تحت ملف في درج مكتبه ، ولضعفها أمام فضولها ، قرأتها ، لتجد قصيدة حب مذيلة باسم شاعرة تعرفها جيداً فقد رأتها في إحدى الأمسيات الشعرية لزوجها .. هنا تلاعبت مشاعرها بها .. أتواجهه أم تأخذ طفليها تاركة البيت له .. أم .. بكت لحظتها وشعرت بطعم الخيانة .. أحقاً كانت خيانة ، أم وهم امرأة اغتالت الغيرة ثقتها .
اتكأت أفكارها على مخزون اكتسبته من بعض النسوة اللواتي مررن بحياتها ؛ عندما كن يقعن في مُصاب كمصابها .. استند عقلها على حافة بئر الجهل الذي وقعت فيه .. " لا .. لا .. لست ببلهاء كي أتركه لها .. سأبقى هنا في بيتي .. " ، تأوهت فكرتها الأخيرة أمام .. " وقلبه .. ؟؟ .. هل امتلك مفتاحه كما أمتلك مفتاح منزلنا ؟ .. ما نفع أن أكون بجواره وفكره هناك ؟ " . تطلعت لجدران غرفة مكتبه ، دارت حول نفسها .. ضحكت .. ثم ارتمت على المقعد المفضل لديه عندما يقرأ .. وبكت .
اتجهت حيث مكتبته الملأى بكتبه وكتب غيره ممن يقرأ لهم ، فربما وجدتها مختبئة بين إحدى قصائده .. تناولت أحدث ديوان له ، والذي لم تقرأ فيه من قبل سوى قصيدتين فقط ، تصفحته بل وقرأته بتمعن لتجد في كل قصيدة تلك الحبيبة .. هنا يناجيها .. وهنا يعاتبها .. وهنا يشكو قسوة إهمالها له . بقدر الألم الذي قتل كبرياء أنها الوحيدة في عالمه ، بقدر ما تاهت بين لذة معانقة الحرف لروحه المنسكبة هنا ، والتي لم ترها من قبل في زوجها .. الشاعر .
منذ ذلك اليوم ، انكبت على قراءة كل ما خطه زوجها ، حتى وريقاته القديمة والتي خطها في سني مراهقته .. قرأتها ، لتتجه عن عمد لكل ما تقع عليه يديها له ولغيره ، كان همها أن تكتسب أكبر قدر من الثقافة الأدبية وإن جاءت متأخرة .. حتى الأمسيات الشعرية لزوجها أو لبعض الشعراء حضرتها جميعاً .. مع كثير من الاستغراب المعلن من ملامح زوجها ؛ ما فتئت أن تحولت لإعجاب بها حين تناقش أحدهم بثقة الضليع في أمور أدبية ؛ استهانت بها من قبل ، وحملت ثنايا لياليهما نقاشهما حول بعض ما يكتبه ، ليتهرب هو من قصائده وكلماته .. إليها فقط .
لكن بقي عليها أن تحاور حرفه ، ربما ستكون تجربتها أمام ما يكتبه جنيناً ، لكنه الجنين الذي أحبته ، فليولد على الورق .
أفاقت من تخدير بسمته لصحوها ، نافضة غبار تلك الليلة عن تقويم حياتهما معاً .
طبعت قبلة بسبابتها على وجهه الذي ضمته الصورة المعلقة على الحائط ، اتجهت لذلك البياض الذي توسدت نصفه أحرفها ، ليتكئ القلم على ثغر السطر ناثراً عطر حبره الأزرق :

صباح ذنب
أنّبَ رمالَ
صحرائي ..
لتُغرق إغفاءةً
داهمتني ذات
غرور
***
صباح حرف
أغلق أبوابَ
حيرتي ..
ليحمل جنيناً
يتحين بشوقٍ
المخاض
***
صباح نور
أراد انبلاج
فجرنا
معاً

احمدعبدالحميد
16-06-2006, 05:40 PM
لكن بقي عليها أن تحاور حرفه ، ربما ستكون تجربتها أمام ما يكتبه جنيناً ، لكنه الجنين الذي أحبته ، فليولد على الورق .



جميل جدا
لا تعليق

سعيد أبو نعسة
16-06-2006, 06:13 PM
الأخت العزيزة حنان الزريعي
جميل هذا الكوكتيل من الشعر و النثر الذي أنتج قصة قصيرة جميلة المحيا سلسة الأسلوب دفاقة العاطفة .
لغة شاعرية بامتياز تنبئ عن شاعرة قديرة .
أنت شاعرة في الأساس فمتى سأقرأ قصائدك الجميلة؟

جوتيار تمر
16-06-2006, 06:18 PM
حنان..
انه لصباح حنان منسكب من احرفك المتوهجة هذه..
هل هذه رسالة عاجلة الى كل من تشك في زوجها..
هل هذه رسالة عاجلة الى كل من تهمل زواجها بداعي العمل..
هل هذه رسالة مبطنة الى النساء والرجال معا..حول كيفية الاختيار..
الاختيار..المتوافق..المتناس ق..المتقارب..حتى لايخلق الاختيار نفسه المشاكل..
هل هذه رسالة عاجلة الى ذوات الاهمال المتعمد لرغبات الزوج..ولاهتماماته..
هل هذه رسالى عاجلة الى الازواج الذين يهملون عمدا..تطلعات الزوجة..
لكن..
دعوني ابتعد عن هذه الاسئلة..
دعوني اقول لكم ..عن روعة هذه القصة..
من حيث الحياكة..والاسلوب..
ان مشاعر الدكتورة وحوارها الذاتي..مع نفسها..وحتى مع الصورة..والقلم..
دليل..على القدرة الكافية التي تتمتع حنان بها..في توظيف الكلمة والمعنى في هذه القصة..
دعوني اشكرها..لانها كاتبة..
دعوني اقدم لها تقديري لانها قادرة على اخراج ما يخالج الذات الى الورق..
تقديري واحترامي
جوتيار

حنان الزريعي
22-06-2006, 07:57 PM
لكن بقي عليها أن تحاور حرفه ، ربما ستكون تجربتها أمام ما يكتبه جنيناً ، لكنه الجنين الذي أحبته ، فليولد على الورق .



جميل جدا
لا تعليق


الأديب أحمد عبد الحميد ..
حاورت حرفه عندما أمطرت سطره بهمسها .. فكان الهمس أبلغ ..حملتها غيوم صمتها حتى نثرت حرفها جنيناً على الورق .. فما كان لها إلا أن تقطف حروفها صباح نور ..
سررت جداً بكلماتك وبزيارتك لهمس الورق ...
دمت بكل خير

حنان الزريعي
22-06-2006, 08:00 PM
الأخت العزيزة حنان الزريعي
جميل هذا الكوكتيل من الشعر و النثر الذي أنتج قصة قصيرة جميلة المحيا سلسة الأسلوب دفاقة العاطفة .
لغة شاعرية بامتياز تنبئ عن شاعرة قديرة .
أنت شاعرة في الأساس فمتى سأقرأ قصائدك الجميلة؟


الأستاذ الأديب والناقد سعيد أبو نعسة
هو البياض الذي توسد نصف أحرفها ... صباح حرف حين أغلق أبوابَ حيرتي ..ليحمل جنيناً
يتحين بشوق المخاض ...
سررت بزيارتك وبكلماتك الطيبة .. أستاذي الأديب سعيد
دمت بكل خير

حنان الزريعي
22-06-2006, 08:04 PM
حنان..
انه لصباح حنان منسكب من احرفك المتوهجة هذه..
هل هذه رسالة عاجلة الى كل من تشك في زوجها..
هل هذه رسالة عاجلة الى كل من تهمل زواجها بداعي العمل..
هل هذه رسالة مبطنة الى النساء والرجال معا..حول كيفية الاختيار..
الاختيار..المتوافق..المتناس ق..المتقارب..حتى لايخلق الاختيار نفسه المشاكل..
هل هذه رسالة عاجلة الى ذوات الاهمال المتعمد لرغبات الزوج..ولاهتماماته..
هل هذه رسالى عاجلة الى الازواج الذين يهملون عمدا..تطلعات الزوجة..
لكن..
دعوني ابتعد عن هذه الاسئلة..
دعوني اقول لكم ..عن روعة هذه القصة..
من حيث الحياكة..والاسلوب..
ان مشاعر الدكتورة وحوارها الذاتي..مع نفسها..وحتى مع الصورة..والقلم..
دليل..على القدرة الكافية التي تتمتع حنان بها..في توظيف الكلمة والمعنى في هذه القصة..
دعوني اشكرها..لانها كاتبة..
دعوني اقدم لها تقديري لانها قادرة على اخراج ما يخالج الذات الى الورق..
تقديري واحترامي
جوتيار


الأديب الرائع جوتيار ..
لقد زارني الصباح متوهجاً بحرفك أستاذي جوتيار
عندما ننطق بما نكتبه ونحن مغمضي الأعين ، فإننا نستسلم لزفرات العشق حينها تبتسم غيرتنا متمتمة.. حتى يتكئ القلم على ثغر السطر ناثراً عطر حبره الأزرق ....
سررت جداً بزيارتك أيها الأديب القدير جوتيار وسررت أكثر بكلماتك وبتحليلك لرسالتي ...
دمت دوماً بكل خير

عبدالرحيم الحمصي
22-06-2006, 08:50 PM
الاخت حنان المحترمة ... :001:

اهلا بالابداع الراقي....

لقد رشحت قصتك الجميلة هذه

بمخاض النفس الامارة بالوسواس الجمالي

لسرد حافل بالاختزال للممتد بين الظاهر و المجرد

انه طرح اختزالي لقضية معقدة في حياة الاديب

او الاديبة و مشاكل التواصل و الانسجام بين حضارتين كما يحلو لي ان اسميها ...

انه مشكل قائم و تبعاته يتجرعها ذلك الاديب المرهب الحس و الحالم و الحامل لكل شحنات الانفعال اللا

ارادي ، و التجادب القائم بين الدات المبدعة و واقعه المضطرب.....

دائما تبدعين ... و بين ثنايا ابداعك

صورة بلاغية راقية ....

اخوك عبد الرحيم الحمصي...... :os: