المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشيشة



البحترى
25-06-2006, 12:17 PM
(قصة قصيرة من أوراق قديمة)
الشيشة
كان الترحيب به في المقهى شديداً، مر وقت طويل منذ آخر مرة ارتاده فيه، تزاحم حوله الأصدقاء، يصافحونه ويعانقونه ثم جلسوا جميعاً حول منضدة واحدة يتسامرون. جاء النادل يسأل عما يقدمه لهم فكانت الإجابة واحدة من جميع أصدقائه (نريد شيشة) ، ولم يكن هذا الطلب الجماعي لتدخين الشيشة غريبا على النادل فالمقهى يشتهر بتقديم أفخر أنواع الشيشة وأفضلها كما أنه يمتاز بموقعه المتفرد على الشاطئ حيث يمتد سطح البحر أمامه حتى نهاية الأفق. غير أن النادل أجاب متلعثماً معتذراً بعدم استطاعته تلبية الطلب فالمقهى مزدحم وقد نفدت الشيشة ولم تبق منها إلا واحدة فقط لن تكفيهم ، ورجاهم الانتظار بعض الوقت حتى ينتهي بعض الرواد من تدخينها ويتوفر العدد اللازم وحينئذ يقوم بتقديمها لهم. نظر الأصدقاء بعضهم إلى بعض وكأنهم اتفقوا دون حديث وقالوا لا بأس أحضر الشيشة الجاهزة الآن وسنشترك في تدخينها جميعاً. أسرع النادل ملبياً الطلب وأحضر شيشة بديعة جميلة متعددة الألوان يشف زجاجها البلوري عن ماء يتلألأ داخله. بدأ الأصدقاء يدخنون الواحد تلو الآخر والحديث يدور بينهم في أمور شتى جلها لقتل الوقت. وجد عينيه تنظران للماء فى بلورة الشيشة فكلما قام أحدهم بأخذ نفساً عميقاً من مبسم الشيشة بفمه كلما دخل الهواء إلى الماء وامتزج به ومر من خلاله جعله يترجرج ويضطرب كأنه ماء يغلى داخل إناء ولكن دون حقيقة غليان. يخرج الهواء من البلورة ليمر فى نفق مظلم ويستقر فى مستقره المنشود بالصدر فينتشى صاحبه ولا يلبث أن يخرجه زفيرا طويلاً في الهواء وهو يتأمل الدخان يبتعد ويتباعد هنا وهناك حتى يختفي رويداُ رويداً في الأفق العريض. تناوب الأصدقاء الشيشة وتنقلت من فم لفم وهو مازال ينظر للماء الذي يغلى دونما غليان حتى جاء دوره فقدم له صديقه الجالس بجواره مبسم الشيشة وقربه من فمه وقال له الآن جاء دورك. لم يجد إلا ابتسامة معبرة تقتحم وجهه العابس وترتسم عليه وببطء شديد دفع بيده ذراع الشيشة ناحية صاحبة وقال بهدوء لقد توقفت عن التدخين منذ كنا معا آخر مرة، نظر للماء فى البللورة وقد بدأ يتغير لونه الشفاف ويتعكر ، نادى على النادل وهتف به أن يحضر زجاجة ماء معدنى مثلجة وراح ينظر للأفق وهو يتخيل الدخان المتصاعد وقد تجمع سحباً مبعثرة هناك ويذهب معها بعيداً ... بعيداَ

د. محمد حسن السمان
25-06-2006, 09:40 PM
سلام الـلـه عليكم
الاخ الفاضل الاديب البحتري

قصتك الشيشة , عمل أدبي هادف , يدخل ضمن اطار , الادب التربوي , وقد كتبت القصة , بشكل جميل , رسمت من خلالها صورة موفقة , للقهوة الشعبية , مع استخدام التقنيات الفنية , في اظهار حجم مشكلة التدخين , حينما تغاضى الاصدقاء عن حس الذوق , والمبادىء الصحية , تحت وطأة الرغبة والادمان , ثم جاءت النهاية , بشكل ناجح لتخدم هدف العمل , " نظر للماء فى البللورة وقد بدأ يتغير لونه الشفاف ويتعكر ، نادى على النادل وهتف به أن يحضر زجاجة ماء معدنى مثلجة وراح ينظر للأفق وهو يتخيل الدخان المتصاعد وقد تجمع سحباً مبعثرة هناك ويذهب معها بعيداً ... بعيداَ "
بوركت ايها الاديب , وبور ك هذا الجهد السامي .

اخوكم
السمان

البحترى
25-06-2006, 10:56 PM
د. محمد حسن السمان
الأديب الأريب
القصة القصيرة الهادفة كما أفهمها لا يكون معناها مباشراً فيكون كالنصيحة المباشرة ولكن لابد للرمز المتعدد فيها ليستقبل قارئها الرمز الذى يتفق معه . وهذه القصة القديمة احتفظت بها لما تحويه من رموز كثيرة متعددة يحمل كل منها معنى مختلفاً تماما عن الآخر بحيث يمكن قراءة القصة بأكثر من خمسة أوجه ذكرت انت واحداً منها وهو أكثرها مباشرة وأكثرها وضوحاً.
اشكر تواجدك البهى وتعقيبك الجميل
تقديرى وتحياتى

مجدي محمود جعفر
28-06-2006, 01:10 PM
إذا كان الدكتور السمان قد قدم قراءة للنص يرى فيها أن القصة تعليمية وتبين أضرار التدخين - فهي قراءة لها وجاهتها واحترامها - بيد أن المبدع الجميل الأستاذ البحتري صاحب النص يرى أن القصة تُقرأعلى خمسة أوجه وماقدمه الدكتور السمان وجه من الخمسة وجوه - طبعا البحتري بذكاء وفطنة يريد منا كمتلقين أن نقرأ النص مرة بعد أخرى وأن نراوده ونشاغبه ( أي النص ) حتى يهب لنا بأسراره - وأنا معه فالنص الذي يعلن عن نفسه من القراءة الأولى نصا غير جيد بل النص الذي يقدم مع كل قراءة أسرارا جديدة هو النص الجيد - ونص أستاذنا البحتري يُقرأ على أكثر من مستوى - من المستويات الأولى : ما يطرحه النص من دلالته المباشرة - ومن هذه القراءات ماقدمه الدكتور السمان - فإذا كانت تعكس في هذا المستوى أضرار التدخين فإنها تعكس أيضا تلوث البيئة ومشكلاتها - ويظل المستوى القرائي الأبعد والأعمق ( من وجهة نظري ) هو في تجمع الناس على المقاهي بهذه الكثرة والتكالب على الشيشة - فهي أي القصة من هذه الزاوية تدين البطالة والعوز من خلال ازدحام المقهى ونفاذ الشيش التي ينفث فيها الناس الهموم - هي إدانة للمسئولين من طرف خفي - وهي من وجهة أخرى - تعكس الهروب من البيوت ومشاكلها ( إدانة للزوجات ههههههها !) ويمكن قراءتها من زاية علم النفس - وخاصة أن مبسم الشيشة أو السيجارة تعكس الحرمان العاطفي ويعود بها فرويد إلى المرحلة الفمية في الطفولة - المهم أن القصة نستطيع أن نقدم لها عشرات القراءات وهذه من سمات الفن الجيد ، شكرا للمبدع الجميل البحتري على هذا النص الذي يثير فينا الأسئلة

سحر الليالي
28-06-2006, 02:43 PM
أستاذي العزيز البحترى:

مرور لتسجيل إعجاب

دمت بخير

البحترى
28-06-2006, 08:17 PM
أستاذي العزيز البحترى:

مرور لتسجيل إعجاب

دمت بخير
سحر الليالى
أسعد عندما أراك تواظبين على المواضيع فى شتى فروع الأدب والفنون
مرورك وإعجابك أسعدانى بحق

محمد الأمين سعيدي
09-07-2006, 03:29 PM
يا بحتري قد غمرت القلب بالرشد= فراح مفتخرا دوما إلى الأبد

أسعدتنا و الله بهده القصة التربوية الرائعة ..بعبرها الجميلة الصالحة لكل النفوس و العقول..
أنا لا أعرف الشيشة إلا من خلال الأفلام المصرية لكن هنا في الجزائر أنواع من المخدرات أشد ضررا منها على ما يبدوا ..
لك التحية الخاصة مني أيها الجميل ..

البحترى
09-07-2006, 03:47 PM
إذا كان الدكتور السمان قد قدم قراءة للنص يرى فيها أن القصة تعليمية وتبين أضرار التدخين - فهي قراءة لها وجاهتها واحترامها - بيد أن المبدع الجميل الأستاذ البحتري صاحب النص يرى أن القصة تُقرأعلى خمسة أوجه وماقدمه الدكتور السمان وجه من الخمسة وجوه - طبعا البحتري بذكاء وفطنة يريد منا كمتلقين أن نقرأ النص مرة بعد أخرى وأن نراوده ونشاغبه ( أي النص ) حتى يهب لنا بأسراره - وأنا معه فالنص الذي يعلن عن نفسه من القراءة الأولى نصا غير جيد بل النص الذي يقدم مع كل قراءة أسرارا جديدة هو النص الجيد - ونص أستاذنا البحتري يُقرأ على أكثر من مستوى - من المستويات الأولى : ما يطرحه النص من دلالته المباشرة - ومن هذه القراءات ماقدمه الدكتور السمان - فإذا كانت تعكس في هذا المستوى أضرار التدخين فإنها تعكس أيضا تلوث البيئة ومشكلاتها - ويظل المستوى القرائي الأبعد والأعمق ( من وجهة نظري ) هو في تجمع الناس على المقاهي بهذه الكثرة والتكالب على الشيشة - فهي أي القصة من هذه الزاوية تدين البطالة والعوز من خلال ازدحام المقهى ونفاذ الشيش التي ينفث فيها الناس الهموم - هي إدانة للمسئولين من طرف خفي - وهي من وجهة أخرى - تعكس الهروب من البيوت ومشاكلها ( إدانة للزوجات ههههههها !) ويمكن قراءتها من زاية علم النفس - وخاصة أن مبسم الشيشة أو السيجارة تعكس الحرمان العاطفي ويعود بها فرويد إلى المرحلة الفمية في الطفولة - المهم أن القصة نستطيع أن نقدم لها عشرات القراءات وهذه من سمات الفن الجيد ، شكرا للمبدع الجميل البحتري على هذا النص الذي يثير فينا الأسئلة
نعم أخي مجدي ، هى كذلك
رموز قصة الشيشة توجد فى الشيشة نفسها وقد ترمز للغانية أو للروح أو للوطن كله، والماء بصوره المختلفة فى الأقصوصة من ماء الشيشة الذي يتعكر والماء المعدني بنقائه وفطريته والبحر بغموضه والسحاب بابتعاده وتغيره قد يرمز لأنواع الخلق واختلاف الناس وتنوع الرؤى. الجالسون على المقهى قد يرمزون لشعب أو أسرة أو مجموعة متآلفة على مبدأ واحد. لك أن تقرأ وأختر ما شئت فيما يتفق معك من معنى وأخرج بالحكمة وذلك هو الهدف.
تحياتي وتقديري

البحترى
09-07-2006, 03:54 PM
يا بحتري قد غمرت القلب بالرشد= فراح مفتخرا دوما إلى الأبد

أسعدتنا و الله بهده القصة التربوية الرائعة ..بعبرها الجميلة الصالحة لكل النفوس و العقول..
أنا لا أعرف الشيشة إلا من خلال الأفلام المصرية لكن هنا في الجزائر أنواع من المخدرات أشد ضررا منها على ما يبدوا ..
لك التحية الخاصة مني أيها الجميل ..
أخي أمين الشاعر
إنما أسعدني مرورك ومشاركتك العذبة هنا
لك الود والتقدير

خليل حلاوجي
12-07-2006, 09:37 PM
قال أرسطو .... الفراغ مفسدة

والحق

أن جل مصيباتنا منه

اليس عقل الكسلان هو بيت الشيطان ؟

\

شكرا ً لقصة معبرة من مداد أستاذ فاضل