مشاهدة النسخة كاملة : النص الكامل للمجموعة القصصية " سنوات الجنون الأبدية " لسامح عبد البديع الشبة
سامح عبد البديع الشبة
26-06-2006, 01:36 PM
النص الكامل للمجموعة القصصية " سنوات الجنون الأبدية " لسامح عبد البديع الشبة
***********************
( 1 ) قصة قصيرة :- مريم
*************
انتهى كل شيئ ... طفولتى وشبابى ، حتى شيخوختى قاربت على الانتهاء .
أعرف ما سيقولون حين يلقون وجهى الوسيم ... كنت فى الماضى لا أرتضى أنأعيش وحدى ، ولكنى الآن مقيد بالوحدة ... تطاردنى حتى فى الحلم .
هى الوحدة ، ولكنها وحدة من نوع خاص ... ترفض الناس وترفض مقتنياتك الغالية عليك ... ترفض حتى الثمين منها ... تنظر إلى كل شيئٍٍ بنظرةٍ مريبة ... تحترس الإقتراب من كل شيئ حتى ولو يعينك على استمرار حياتك الباقية منها ... هكذا أنت داخل البرج العاجى الذى شيدته فى عالم سحرى جميل ... تخشى أن تتركه فتلاقى ما لقيته مريم .
مريم ... مريم ... رحت مدفوعاً بتذكر هذه الفتاة المشعة بالجمال ، فالطالما صعدتما معاً سلم البيت المهجور ، وتحدثتما عن قصص العشق والغرام ، وقلت لها وأنتما على النافذة المطلة على الحارة الشرقية :-
- " لا عشاق قبلنا ... نحن فقط العاشقان الوحيدان فى الدنيا ... فلا ثالث لنا " .
تسمع همساتها ... تعلن نبأ زفافكما وتختارها من بين بنات الحارة الحسناوات ، فهى عندك الحسن كله ... يبارك والداها زفافكما ، ويتمنى لكما الحياة السعيدة وأن يرزقكما بالبنات والبنين .
كنتما فى غاية السعادة ... كدت تطير بها لولا أنك خشيت أن تهوى كما هوى ابن فرناس من فرط ما كان به من بهجةٍ وسرور ونشوة .
دائماً كنت تحلم أن تحلق بها إلى أقصى ارتفاع لا يمكن أن يصعد إليه إلا الشجعان الذين وهبوا أنفسهم لآمالهم البعيدة التحقيق ، وحققت أخيراً ما كان يصبوا إليه قلبك ، ونلت أميرة الحارة ... مريم .
تتأمل نفسك فى مرآة قصرك ... وجدت هيكل عظمى واحد يكسوه لحم ، نظرت خلفك فلم تجد الهيكل الجميل جوارك .
على سريرك الحريرى تتلألأ صناديق الذهب والزمرد .
( موسيقى شجية يصاحبها تنهيدة عميقة ) .
تتوهم أنك تعانى من سكرات الموت ... تستيقظ من هذا المشهد الجنائزى .
تتفاءل ... تنفست بعمقٍ وارتياح ، واكتشفت أن ما أخفقت فى تحقيقه بالأمس يمكن أن تناله اليوم ... أسرعت ... فأغلقت صناديق الذهب والزمرد ، وأغلقت صوت الموسيقى الصادر من مذياعٍ قد وجدته على كرسى " الأنتريه " شمال النافذة المطلة على جنةٍ خضراء ... صرخت فرحاً ، تنادى على خادمك أن يحضر لك باقة زهور ، ولفت نظره أن يشترى أكبر باقة ورد بنفسجية اللون ، كما كانت تعشق هذا اللون العاطفى .
حدثت نفسك :-
" إنها امرأة تقبل التسامح فى أى وقت ، بل هى أميرة الأميرات التى تصفح عن كل الذنوب التى اقترفتها فى حقها " .
وقررت أن تراها ، ترى ليلك القتول ... تبدو عاجزاً لا تتحرك من أمام المرآة .
فجأة أشعلت سيكارتك ، وتقطعت أنفاسك ، بقيت على حالتك ... تتصبب عرقاً أمام المرآة ، همك الكبير أن تتوج سنوات جنونكما بعقدٍ شرعى ... فتحت النافذة بحدة ، فرأيت خامك المطيع حاملاً باقة زهور كبيرة الحجم على ظهره المقوس ... لدرجة أنه يهرول فى مشيته ، متخذاً الحذر من انزلاق الزهور من بين الذراعين ... تتذكر المثلث القائم الزاوية ومدرس الرياضيات ... تشم عبق النسيم القادم ... تتبدل ملامحك ، تبتسم ... تلوح إليه بيدك فرحاً ... تنظر غليه نظرةً يفهم منها أنك تستعجله ... وتزداد سرعته ، يسرع ... تراه بلونٍ بنفسجى قاتم ... تغمض عينيك ، تفتحها ، ترى الدنيا بنفس اللون ... تحدق فى المرآة ... تسبح فى خيال ، ترى معطفك قد تحول لونه الأسود - الذى اعتدت عليه - إلى لونٍ بنفسجى قاتم ... تغمض عينيك لتبصر جسدك عارياً ... تسأل نفسك :-
- " أين المعطف؟ أين خادمى المطيع ؟ أين باقة الزهور البنفسيجية ؟ أين مريم ؟ أين عقد القران الذى طال انتظاره سنواتٍ وسنوات ؟
يختفى كل شيئ حولك ... صناديق الذهب والزمرد ، سريرك الحريرى، صوت الموسيقى ... وجهت مؤشر الراديو إلى إذاعةأجنبية .. لم تفهم لكنة المتحدث ، ولكنك أنصت إليه ... أخرجت ورقة وقلم من سروالك ... أخذت تدون ما تسمع ، وكتبت حروف كلمات غير منتظمة ... نسقت كل الحروف والكلمات ... فاتت بضع ثوان " ستة وعشرون حرفاً اتحدت فى اسم عشيقتك ... مريم " ، تفيق ، فكل شيئ قد تحول ، حتى أنت ما عدت الرجل القوى ، قد اشتعل الشيب فى رأسك ، وتساقطت أسنانك الواحدة تلو الأخرى .
تهرب من السكون المخيم على المكان بعد انقطاع موجة المذياع ... أطللت من النافذة تعتريك ارتعاشة من ريح تجوس داخلة إلى أركان قصرك وتفتك بعظامك ... تعرف ما ستقوله لمريم حين تلقاها :-
- " مازلت على العهد القديم " .
يومها سوف تعلن على الملأ الميلاد الجديد لكليكما ولجنونكما الأبدى .
نعم يا صغيرتى !
فليرحل الفراق ولترحل الدموع .
ترسم بأصابعك صورة لفتاة صغيرة ... لها ضفيرتان قصيرتان ... تسكب زجاجة العطر البنفسيجية على المرآة ، فتمحى ملامح الفتاة ... سرت بانكسار ، حزين أنت ... وفجأة وجدت خادمك أمامك ، تحاول أن تخفى انكسارة ذاتك ... توارى وجهك خلف الستائر ... يربت خادمك على كتفك ... تلقى برأسك على صدره ... تبكى ... يمسح دموعك المنهمرة على وجنتيك الحمراوتين ... أسلمت له جسدك وارتخيت ... وها أنت فى سباتٍ عميق تحلم بالحلم الذى حلمت به الذى يجمعك بمريم تحت أسقف هذا القصر الأسطورى الذى شيدته لتعيش فيه مع فتاة أحلامك ... مريم .
( تمت )
سامح عبد البديع الشبة
sameh_ss_center@yahoo.com
سامح عبد البديع الشبة
26-06-2006, 01:40 PM
( 2 ) قصة قصيرة :- تدرج وظيفى
***************
1- قهوجى :-
رشف رشفة شاى من فنجانه الذهبى ... ألقى بفنجانه فى اليم المقابل لواجهة شباك بيته ... اختلط الشاى بالماء ... ترسبت حبات العرق العالق على جبينه فى منديله ... وهنا أيقن تماماً أنه قهوجى من الدرجة الأولى .
أدار مزلاج البيت الآخر ، وألقى بنفسه فى أحضان امرأته التى استولت على منديله ، وعلمت كيف تحافظ عليه ... ولن تدعه مرةً أخرى يخرج دون استئذان !
2- فى المقهى :-
يغزو المكان بالقهر ... هم يعرفونه كما يعرفون أنفسهم ... يجالس كل جنسٍ على حده ... يعانق أوهامه بشبق ... تطارده طفولته المشردة ... يفزع من حلمه الأوحد ... تنهار مملكته الأسطورية فى وقت الشفق متسائلاً :-
أين المأوى ؟ أين الوطن ؟ أين العبق ؟
يفيق على صراخ الولد :-
- أبى ... أين أمنا الغالية ؟ أرى كل من بجوارى أبناء شرعيين !
فأين أمى ؟
يوهمه أن أمه على قيد الحياة ...
- أنظر ... هذه أمنا المنسقة ... ودع القلق .
تصدر أصوات أطفال صغار تعترض ... معلنةً النبأ :-
- ما أنت إلا هواء فاسد ... وسيأتى الشتاء ... ويسقط المطر !
يكبر الولد وينجب ... ويسأله من ذاك المعرب ؟!
يجيب عليه بالكذب :-
- ذاك المفسد ... دعه يسبح تارةً ودعه يغرق تارةً أخرى ... وأجب بالإيجاب ... وخالف ما دونت على الورق ... ولتبق قصيدته المطولة معلقة ... يقرأ من يريد ... ويهتف من يريد ... ويقتل من يريد !
3- يصارع الموت :-
عندما يحلم الحالم بحلم لذيذ يود أن يظل فيه للأبد ... هكذا حلم أنه يمتلك الطين والمال والجاه ... والعبيد - أحرار ماضيهم الجميل - منفذاً سلطته من خلال العنكبوت المتدلى من على أسقف جيرانه ... المتربصين له بالويل إن لم يترك لهم الأم الغالية .
فهم يعيشون ... يموتون ... يلقون أقلامهم ... يدفنون أصواتهم فى قبة البيت ... وفجأة ... اتفقوا على توحيد الصف ... اتحدوا ... أيقظوا هذا الحالم على خبر وفاته ... وأن هذا الحلم ما هو إلا مجرد كابوس لنهاية يومه .
لا يصدق ... ويصعق ... ويموت متناسياً ما رآه ... حالماً بحلم أبدى لا ينقطع أبداً ... مهما أيقظه أحد !
( تمت )
سامح عبد البديع الشبة
sameh_ss_center@yahoo.com
سامح عبد البديع الشبة
26-06-2006, 01:58 PM
( 3 ) أقصوصة:- بَرد
*********************
الطريق الأسفلتى يرحب بالرحيل ... وقدمى التى أصابها نوع من الشلل عند بوابة العالم الخارجى تنعى حظها التعيس ... لتتساوى لحظات الفرح والحزن إذن ... روعة اللقاء ... ولوعة الفراق .
والآن أيقنت أن ساعة الحزنِ قد حان ميقاتها ... حين أطفأ السهر ليلتنا ... وأنهى الزمن لقاءنا ... وحانت لحظة انفصال الكلمات من الأفواه .
ليظل الجرح الغائر مكشوفاً للجميع ... ولتبق كل الأماكن راسخةً لا تتحرك ... وليبق الطلل مطلياً بأنات الأصوات الموجعة ... ليستمر تساقط أوراق الجزولين فوق الرؤوس ... ولتكملى بهدوء الإنسحاب من عالمى المبهم الغامض ... وليقضى الشتاء القارس على بهاء الوجوه .
إن الليلة تحتاج للمزيد من غدق السحب .
إن الليلة تحتاج للهبٍ يطفئ أبخرة الثلج ، لتسرى فى القلب والشرايين ... لتستعرى بلظى الجنون الجارف فى الأوردة الدموية .
إرحلى إذن بسرعة إلى مكان الدفئ الأول ... وارتمى فى أحضان نيران العشق الأزلى ... ساعتها يتملكك القلق والخوف من نفسك ... يهددك الخطر بقطع أنفاسك البشرية ... فاستجيبى له ولا تترددى بإبدالها بنفسٍ واحدة ... عمرها كل الأعمار ... ولدت من بدء التكوين ... ويزداد ميلادها ونضارة شبابها يوماً بعد يوم - بعد الفناء الجسدى المؤقت - بيدكِ أنتِ وحدك السفر إلى بقطارى أو بقطار الشرنوبى ... اللا محطة لهما ... واللا نهاية لقضبانهما الحريرية .
( تمت )
سامح عبد البديع الشبة
sameh_ss_center@yahoo.com
سامح عبد البديع الشبة
26-06-2006, 02:14 PM
( 4 ) قصة قصيرة :- الرجل الذى لم يفصح بأى شئ
**********************************************
ساعتها قرر - وبهدوء - أن يهبط من شقته بالدور التاسع ، ويتشاجر مع بواب العمارة عما حدث فى هذا الصباح .
أدار مزلاج باب الشقة ، لم يفتح بسهولة ، حاول أن يستمد من بنيانه بعض القوة لفتح هذا الباب ... لم يفلح ... استعاد مرة أخرى ما لديه من قوةٍ كامنة فى هذا الهيكل العظمى ... كأن قوة جسده كله - التى تزن الخمسين كليو - قد تجمعت فى كفه الذى التصق بمقبض الباب ... حاملاً باقة زهور بنفسيجية اللون تحت إبطه ... سأل جاره عند صعوده سلم العمارة - كعادته - عن أحواله المعيشية هذا اليوم .
فأراد الرد المعتاد عليه فى كل مساء :
- حياتى هادئة يا جارى العزيز !
تنبأ أن يلقى عليه تحية الوداع ، ويكمل صعوده ، وأهب نفسه للهبوط ، ولكن خابت ظنونه ... فقد حدث ما لا يخطر ببال أحد ... حدث شئ عجيب حقاً ... كيف يجرؤ هذا الرجل أن يفعل فعلته هذه ... أن يقدم بهذا التصرف الذى لا يحمد عقباه ... طالباً إياه أن يسمح له بفتح باب شقته والنوم فى غرفة نومه !
- أن أتخلى عن غرفى ووسادتى وسريرى فى لحظات !
تماسك أعصابه ، وقام بفتح باب الشقة له ، وتركه داخل شقته ... يفعل ما يشاء ، وما يحلو له ، وأثناه على هذه الروح الرياضية الطيبة .
وبدأت رحلة طويلة له عند نقطة تماسه للدرجات السلمية ، وتنتهى عند المشاجرة - بل - وقد تصل لحد القتل !
- واحد ... اثنين .
اصطدم بدرابزين السلم ، فتناثرت الزهور البنفسيجية على درجات السلم ، وهنا تذكر رئيسه وولعه الشديد لهذا اللون ، رغم أن لم يشاهده من قبل مرتدياً هذا اللون ، ولكنه كان يشاهده وفى راحتيه أقلام حمراء وعلى مكتبه أوراق صفراء وأخرى سوداء !
اعتدل بمنتصف السلم ، قدم القدم اليمنى ، تليها اليسرى ، وذراعيه ملتصقتان كأنهما ضلعان متوازيان بقدمه ، توقف ، أزال غباراً قد علق بحذاءه بمنديل ورقى قد ذاب وتساقطت منه بعض الوريقات المبتلة بعرق يده ، واستمر فى العد التصاعدى ....
- سبعة وعشرون ... ثمانية وعشرون .... تسعة وعشرون .
ود أن يكمل الرقم ويتم الثلاثين درجة ... تراءت أمامه صورة زوجته ... تزرف الدمع كليلة شتاء طوبية ، تدنو كثيراً متشبثةً به إلى أن غابت عن ناظريه رويداً ... رويدا .
التقط أنفاسه بصعوبة بالغة ، تثائب ... جلس فى موضع وقوفه ... تصاعدت من وجهه حرارة شديدة الإرتفاع ، أحس أن درجة حرارته قد زادت عن العام الماضى من ثلاثين درجة إلى ما فوق الأربعين ، فاتخذ فى قرارة نفسه قراراً بالذهاب إلى الطبيب المختص ... الذى يفشل فى كل مرة بالتوصل للعلاج المناسب لحالته المرضية التى أصابته منذ سنوات عده ، مكتفياً ببعض المهدئات والفيتامينات لتناولها صباحاً ومساءً .
- ثلاثين ... واحد و ....
لفت نظره وجود عدد من البطاقات الحمراء ، قد ألف وجودها باستمرار فى شقته وعند رئيسه وفى شوارع المدينة ، أدام النظر إلى بطاقة بلون الدم قد استرعت انتباهه ، قرأها ومشى يهذى بأرقام :-
- واحد وثلاثين .... عشرة .... ألف وتسع مائة .... ثمانية وتسعين .
( تمت )
سامح عبد البديع الشبة
sameh_ss_center@yahoo.com
سامح عبد البديع الشبة
26-06-2006, 02:16 PM
( 5 ) أقصوصة:- قرار بالعودة
********************
منذ الصغر قد عاهده أبواه أنها له وحده ... ولن يفرق بينهما إلا الموت ... تذكر أيام صباهما وقصة حبهما والفاجعة التى ألمت بهما ....
أخذها القدر من يدها أمام عينى ... وأنا واقف صامت لم أتحرك ... لم أفعل شيئاً لإنقاذها منه ... تعذبت لفراقها ... تقرب شبح فراقها يمزق كيانى .
ودعتنى والدموع منهمرة من عينها ... تتوسل إلى أن نهرب معاً قبل أن يأتى أبواها ويرحلا .
نظرت إليها بانكسار وهى فى حالة تشبه رقدة الموت .. تنظر إلى باب قصرها الجديد بحذر ... خائفة من شبح الموت القادم نحوها ... أدخلها سيارته محاولةً الافلات منه ... ودموعها مازالت منهمرة ... كأنى رأيت ليلة شتاء طوبية لا تكف عن هطول المطر .
وأنا مازلت واقفاً مكانى صامتاً صمت من هم أموات فى المقابر .
انطلقت السيارة ... تنظر من خلف زجاج سيارتها ... يشع من بريق عينها قذائف نارية تلفحنى لأسقط صريعاً أسير ماضٍ جميل .
رجعت للخلف ... نظرت فى مرآة بيتى ... وجدت رجلاً فقيراً غير صالح للتعارف والحب فى هذا الزمن ... سقطت مرآة البيت من يدى ... انحنيت بجسدى المتهالك لألتقط أشلاء الرجل ... وأعيد بناءه قبل أن يتسخ من أرضية الحجرة الرملية ... إلا أننى لم أستطع .
خرجت خارج نفسى ... وجدت الرجل يتسلق المستحيل للحاقِ بحبيبته .
صعد سلم الحياة العصرية ... يملك الثروة ... يملك الجوارى ... يملك العبيد ... يملك الجسد ... يملك الكأس براحتيه دائماً لا يتركه أبداً ... حتى فى أوقات النوم !
قابلتها ذات يوم لنتواعد على الحب ولنحدد موعداً لزفافنا ... لكنها رفضت مطلبى بعد مرور أكثر من فترة شباب فى حياتى !
واعدتنى أن نكون أصدقاء إلى الأبد !
وأن أقابلها عندما أنظر لمرآة قصرى ... وأرى من أنا !
نظرت إلى لا شيئ ... لم أجد ذلك الشخص الذى وجدته فى مرآة البيت آنفا ... وأخيراً اتخذت القرار لأرحل بعيداً عن هذا اللاشئ .
( تمت )
سامح عبد البديع الشبة
sameh_ss_center@yahoo.com
سامح عبد البديع الشبة
26-06-2006, 02:17 PM
( 6 ) قصة قصيرة :- عندما زارنى الشيخ فى المنام
*********************************
1- النهاية الأولى للمنام :-
لأول مرة فى حياته يحس بالخوف والورع ... ينتفض من على الكرسى إثر رعشةٍ سرت إلى جسده القوى ... يرتعش " المايك " فى يده ... يتمايل إلى اليمين تارةً وإلى اليسار تارةً أخرى ... وإلى أسفل تارة أخرى ... حاول أن يثبته على المنضدة الخشبية فلم يفلح فى ذلك ... وسقط على الأرضية الرخامية الخضراء .
أحدث دوياًُ فى أركان الاستيديو ... وشاعت الفوضى المكان ... وانهال المخرج على معد ومقدم البرنامج ... بالنصائح ... وسرعان ما عاد الهدوء بعد أن نفى " المايك " فى غرفة مكيفة لمدة أسبوع مع زوجته !
يتشاجران فيما حدث وقت الظهيرة ... كادت تصرخ :-
- لماذا لم تقدم برنامج اليوم ؟
- لقد انتظرتك أن تقابله ... ولم يحدث ذلك ... لماذا ؟
2- النهاية الثانية للمنام :-
للمرة الثانية فى حياته ... أحس بالخوف والورع ... انتفض من على الكرسى أثر رعشةٍ سرت إلى جسده الواهن ... ارتعشت يداه بعد أن ثبت " المايك " على المنضدة الزجاجية ... نظر إلى ساعة الحائط ... ضبط ساعة يده ثم تفوه:-
- الباقى على مقابلته خمس دقائق .
حاول أن يبطئ ارتعاشة يده ... حاول جاهداً ... تمالك أعصابه ... فلم يفلح ... انفلت الزمام من أمره ... أطاح بيده " المايك " سقط على الأرضية الرخامية الحمراء ... أحدث دوياً فى مبنى الإذاعة والتليفزيون ... انهال معد البرنامج على المخرج .... بالنصائح ... وسرعان ما عاد الهدوء بعد أن نفى المخرج عن إخراج هذه الحلقات وإسنادها إلى معد البرنامج .
3- منتصف المنام :-
لا أدرى كم من الوقت مكثته داخل الاستوديو ... تقدم الجميع يقدمون للشيخ باقات الورود ... كل العاملين ... مساعدى المخرج ... مديرى الإنتاج ... المصورين ... الصحافيين ... رجال الأعمال ... جلسوا جميعاًَ لينصتوا إليه .
صفقت بكفى ... انتبه الجميع .
إضاءة ... كاميرا خلف الضيف الجديد ... كاميرا أمامه ... كاميرا فى المنتصف .
- كاميرا واحد إلى الأمام .
على جانبى الاستوديو شاشات تليفاز تعكس صورة الشيخ مبتسماً ... يرتدى جلباباً بنى ... تلازمه مسبحته التى ظلت فى يده - لا يبارحها منذ ثلاثة أيام !
- كاميرا اثنين .
اضطرب معد البرنامج ... هدأ الشيخ من ورعه ... هرب الخوف .
- سيدى ... قضية الحمام .
- إن كان طائراً أحل صيده !
بوادر الدهشة تظهر على وجه مقدم البرنامج :-
- سيدى ... الحمام ؟!
بلا مبالاة :-
- نعم الحمام .. إن كان طائراً أحل صيده .
- وإن كان ماشياً ببطء على الأرض ؟
- يطلق عليه بالنار !
- سيدى ... الحمام ؟!
- نعم الحمام !
- وإن كان كسيحاً لا مأوى له ولا وطن ؟
- يؤخذ بجناحيه فى الماء المغلى .
- سيدى ... الحمام ؟!
- نعم الحمام !
- وإن كان بلا جناحين ... سجين فى يد صاحبه ؟
- يحمره فى الزيت !
- سيدى ... الحمام ؟!
- نعم الحمام !
- وإن كان ....
قاطعه الشيخ ... وهم واقفاً :-
- من فضلك أين " التواليت " ؟!
- كاميرا ثلاثة .
تظهر شاشة تليفاز وضعها معد البرنامج أمام الشيخ ليشاهد مباراة دورى الأمم الكروية .
ظهرت بوادر القلق على مولانا الشيخ ... قلق الجميع .
أحرز الفريق المشاكس هدفاً ساحقاً فى مرمى فريق الحمام ... بكى مولانا ... بكى الجميع .
تقدم فريق الحمام ... وها هو اللاعب المحترف يقترب من مرمى الفريق المشاكس ... يهلل مولانا الشيخ فرحاً ... ويقدم اللاعب المحترف ليحرز هدفاً ... اعترضه لاعب مشاكس وعرقله ... تخرج الكرة خارج الملعب فى يد الجمهور ... صفر حكم المباراة ... أخرج الكارت الأصفر للاعب المحترف و ... توعده إن حاول إحراز أى هدف سينال شرف الكارت ... الأحمر ... وسيحرم من متعة اللعب بالكرة وإلحاقه بلعبة العدو لمسافات طويلة !
وتعلن صفارة الحكم إنتهاء المباراة بفوز الفريق المشاكس وتقدمه على فريق الحمام ... والحصول على الدورى هذا العام ... والعام القادم ... وكل عام !
***
نفس المكان ... نفس الإضاءة ... نفس الشيخ ... نفس الشاشة ... نفس مقدم البرنامج ... كل شيئ كما هو .
- سيدى ....؟!
- من أراد منكم - أيها الرجال الكهل - إطلاق اللحى فاليطلقها ... ومن أراد منكم أن يحلقها ويتخلص منها ... فعليكم بالآلات الحادة ... أو حرقها بماء النار !
- سيدى ....؟!
- تحب تغير كام ؟!
- سيدى ....؟!
- أنا عايز أقول إن الحلال فى الأغنية دى الفلسفة اللى اتكتبت بيها !
- سيدى ... من يأكله ؟!
- الحمير طبعاً اللى انتشروا بطريقة فيثاغورس !
- لا سيدى ... بطريقة الجواز !
- جواز ... طلاق ... المهم إن كله رياضة !
- والعدس ؟!
- العدس قضية من أهم القضايا ... الكل يريد العدس ... كأن الدنيا لا تستطيع أن تحيا إلا بالعدس !
- سيدى ... العدس ؟!
- آسف !
- مونتاج
- العدس من حقنا نحن ... ولا يستطيع أحد أن يقتلعه من أرضنا ... إنه ملكنا نحن دون غيرنا ... فلن نسكت أبداً ... وسيرجع العدس لنا مرةً أخرى !
- سيدى ... البيت الأبيض .؟!
- عجباً ... ما شأن البيت الأبيض بيننا ؟!
- سيدى .... ؟
- بنوك الدم حلال مائة فى المائة ... والتبرع هدف إنسانى دعت إليه كل المستشفيات لإنقاذ المرضى و ....
- سيدى .....؟!
- آهـ .... آهـ ... أتقصد بنك الدم وبنك العظام ؟!
- سيدى .....؟!
- يجب من سرية الأرقام !
انفض المجلس ... وآن الآوان للانتقال إلى إذاعةٍ خارجية لنقل شعائر صلاة الفجر .
( تمت )
سامح عبد البديع الشبة
sameh_ss_center@yahoo.com
سامح عبد البديع الشبة
26-06-2006, 02:20 PM
( 7 ) قصة قصيرة :- وانطفأ القنديل
*******************
كان مستلقٍ على الأرض الرملية ، مستقيم الظهر ، نائماً على وسادته ، على شقه الأيمن ، يتطلع بين الحين والآخر إلى أضواء القناديل المتراصة على جانبى الطريق .
مرت عليه آلاف من الوجوه ... من ينظر إليه نظرة عطف ... ومن يدهسه بقدمه ... ومن يقذف فى وجهه بالحجارة والقاذورات ، ويلعنه ويلعن والديه .
تنفس الرجل الصعداء ... هب واقفاً ، ناصباً قامته ... هم أن يحدث نفسه ، ويفضى لذاته ذكرياته ... عندئذ مرت أمامه امرأة عجوز شمطاء ... لم يلتفت إليها ... سار فى طريقه يفكر عما سيفعله هذه الليلة ... أيذهب لينام ويخلد فى نومه ويستريح ... أيذهب للمسجد ليصلى ركعتين .
أحس لأول مرة فى حياته أنه مسلوب الحول ... تائه اللب ، أحس أن شيئاً أقوى من عزمه يضطره أن ينظر للخلف ، ولو نظرة بارقة ... فوقع بصره على المرأة .
كانت ذات قوام ذابل ... مصفرة اللون ، يكسو وجهها تجاعيد تكونت عبر أيام وسنين شاهدة على كهولتها ووهنها .
خفق قلبه وارتعدت فرائصه ، وروعه وهنه ، ولم يدر لما هو حائر ، ولما هو فى هذه الحالة التى يرثى لها ، ولما هذه المرأة دون غيرها من نساء حواء ؟
تشجع ... أسرع يخطو مخلفاً وراءه شبحاً يطارده ... عاوده الأمل فى أن يصل للمسجد ويصلى الركعتين .
مضى يضحك لنفسه ، ويضحك من نفسه ، يحس تارةً أنه طفل برئ يضحك ، وتارةً أخرى بالبلاهة يضحك للمارين عليه حتى يضحكوا عليه وعلى أنفسهم ، أو يضحك كم تضحك الفلاسفة ... وتعددت الضحكات !
وانقضت ساعة أو بعض ساعة ، وأقبلت عليه تلك العجوز ، أقبلت عليه كأنثى تطالب بحقها منه ... تطالب أن تحس بأنوثتها !
- خائفة هى من الطريق .
اصطحبها ، جلسا على حجارةٍ كبيرة خلف قنديل مضيئ ... تحدثا معاً بصوتٍ مسموع ... تحدثا معاً بهمس .
وفجأة ارتعدت فرائصه ورزخت ... سحقه إحساسه بالذل والعبودية لهذه المرأة !
إزداد يقينه أنه مهما فعل فلن يفلت منها ، حاول بكل جهده أن يردها لصوابها وينقذها ... توسل إليها ، ولكن هيهات ... هيهات أن تتركه ، وانطفئ القنديل ، وانطفئ معه طيف الأمل ، وانهار جسر ظل لربع قرنٍ يشيده ... انهار فى دقائق ... وسرعان ما عاود القنديل الاشتعال من جديد بألوان طيف محلقةً فى سمائه .
( تمت )
سامح عبد البديع الشبة
sameh_ss_center@yahoo.com
سامح عبد البديع الشبة
26-06-2006, 02:31 PM
( 8 ) قصة قصيرة :- سرى جداً
*****************
أشاحت بوجهها بعيداً عنى ... وتوجهت بجسدها خارج الغرفة ... وغلقت باب الشقة ، إيذاناً بإنتهاء الموعد المحدد للقاء الرئيس ... ليلقى بياناً هاماً فى الجلسة الختامية لصالح نفوذنا داخل الشقة وخارجها أيضاً ... أدارت جسدها وتوجهت تجاه الرئيس ... وقد لاحظت كم هو عظيم بجبروته الخفى عن الأعضاء الحاضرين معى .
المكتب الضخم ... والكرسى الدائرى ... فرحاً بما عليه ... وقد ارتسمت على جبهته علامات التقوى والإيمان ... قد كان ذلك قبل أن يلقى بيانه الإفتتاحى الهام ... وما أن بدأ يتلو حتى صمت الجميع صمت من هم أموات فى المقابر ... حتى ينهى بيانه ويتم مناقشته :-
- على كل واحد منا أن .....
كنت جالساً أمام صورة الرئيس غير مبالٍ لما يقال ... فقد مللت من بياناته .
" قد أرسلتها له ليلة البارحة عندما دعانى على العشاء وأعطانى عربون "
انطلق قلبى كانطلاق صاروخ خارج من مجاله الأرضى محلقاً فى فضاء روح عذبة وإلى وجه ذو كبرياء ... فمنذ أن سمعت رنين صوتها الذى ينم عن شخصية مركبة تركيباً كيميائياً ... عناصر ممتزجة مكونةً ملاكاً شفافاً ... وعناصر أخرى ممتزجة مكونةً مارداً متكبراً ... صرت كائناً هلامياً قابلاً أن تتحكم فيه وتسيطر عليه فى أى وقت شاءت وفى أى مكانٍ كان .
تذكرت ذلك عند أول لقاء بها داخل الشقة مرحبة بى ... وتدعونى أن نتحدث معاً ... ولكن بحذر .
وشربنا معاً وتواعدنا على اللقاء مرةً ثانية .. أنا وهى فقط .
واليوم تجمعنا الأيام فى الجلسة الختامية ... تتجاهلنى وأعلم مكنونات نفسها ... هى تحبنى ... أعلم ذلك .
- خذوا حذركم من ....
كيف أثبت لها أنها تحبنى أنا دون هؤلاء الأعضاء الهامشيين .
أحسست بحرارة جسدها الملامس لجسدى ... تجلس فى كبرياء ... أنا بجوارها لا شئ ... بل أدنى من الكرسى الملامس لزميله .
- يجب أن يعرف كل منكم واجباته وحقوقه وأن ......
همست فى أذنها :-
- أحبك ... أحبك ... فلا داعِ للعناد والترفع .
أدرت وجهى حين قذفت صراحتى لتواجهها ... وقد تبدل لون وجهها من اللون الأبيض الناصع إلى اللون الأحمر ... كأنى إشارة مرور أرغمت كل السائقين على الوقوف الجبرى .
- من هنا أيها السادة نبدأ المسير .. والسلام عليكم ورحمة الله .
انطلقت الرحى تصفق تصفيقاً حاراً ... ينظر كل منا إلى الآخر فى حالة فرح عم على الكل بعد انتهاء البيان .
رأيتها تتحسس نفسها ... أحسست فى النصف ساعة الماضية بالغرق فى بحور العشق ... لم تساعدنى لإنقاذ حياتى ... بيدها أن تريحنى ... وتخلع نقاب كبرياءها أو أن ترحل بى إلى دموع العاشقين النكسرين ... التائهين .
" كل يبحث عن رفيق حياته "
الساعة تقترب من العاشرة مساءً ... ومازال الصمت يخيم على المكان .
وفجأة انفجر البركان ... وحانت ساعة مناقشة البيان ... وتصاعدت واختلطت الأصوات ... كل يسمع صوته فقط :-
- أوافق على ما جاء فى البيان ... ولكن ........
- أتمانع أن نتحد ونصبح قوة .......
- أرجوا الهدوء .
- مازال أمامنا الوقت كى ......
- ماذا تقول ؟!
- كيف هذا ؟!
- لا أوافق .
- لى سؤال هام ... لماذا نحن مجتموعون هكذا اليوم ؟!
- عندك حق .
- ماذا ؟!
- لما ؟!
- لا .... لا ....
- يعيش ويحيا ....
- كلنا هنا من أجل .....
- أحبك ... سأظل أقولها للأبد .
- أمازلتم فى ثباتكم ... العدو الأول من الخارج ... وليس من الداخل .
- أقول الصدق دائماً .
- من أنت كى تحبنى ؟!
- أحبكِ ولكن ...
- أتعرف حقيقة من بالداخل أولاً لتعرف حقيقة من بالخارج ؟!
- إنسان ذو كيان وإحساس ونبض قلب ... وروح اختارت روح لتشاركها لذة الصمت الكائن فى أعماقنا !
- أنت عدو لنا .
- أوافق .
- أحبك ... أنتِ تدرين ذلك ... إذن متى المصارحة !
- المصارحة الــ ...... لا لن تتحقق إلا إذا ......!
- لا أقدر على مصارحتك ... فحبك أقوى من حبى لك .
" لامست يدها وتوهجت النيران داخلنا ... ولن تطفئ أبداً "
( تمت )
سامح عبد البديع الشبة
sameh_ss_center@yahoo.com
سامح عبد البديع الشبة
26-06-2006, 02:33 PM
9 ) قصة قصيرة :- مشهد سينمائى
********************
" أنا ابن الخادمة ... وأنتِ بنت الأمير "
كانت تلك إحدى عباراته المشهورة التى ظل يرددها دائماً ، حتى أحسست بالفعل أنننى بنت أمير له سلطان وأمر واجب التنفيذ داخل العائلة ، وهو ابن الخادمة التى تنظف البيت ، وتطهى الطعام ، وتقوم بالليل لتغسل ملابسنا القذرة ذات الرائحة الكريهة ... تغسل فى " الطشت " ، ذلك الوعاء النحاسى الكبير الصلد الذى مهما نظفته من غبار السنين المتراكمة عليه كجثة بالية لن يرجع بريقه أبداً ... لأنه أعلن شيخوخته و ... وفاته !
تفعل ذلك دون مقابل ، فهى ربة البيت بلا استثناء ، فهى لا تطلب إلا الستر ، رغم ما تقوم به من امتهانات لكرامتها ولأنوثتها المهدرة !
" أنا ابن الخادمة ... وأنتِ بنت الأمير "
تدوى تلك الكلمات القلائل فى المكان عندما نتجاذب الحديث ، ويعلو تحاورنا ، ويتلاشى صوتى تدريجياً أمام حنجرته ذات الصوت الأجش المرتفع دائماً ... كأنه فى دار سينما بالقاهرة !
وفى نهاية الشد والجذب يتم التشاجر دونما يصل الطرفان لاتفاق يرضيهما ، كى يعيش كل منهما فى سلام مع الآخر ، قبل أن يفتضح أمرهما ويعلم من فى دار العرض الحديثة أنهما على خلاف دائم ، ويكونا أضحوكة من يريد أن يستهزئ بهما وبأبيهما الذى تزوج وأنجب أطفالاَ ....
- لا أعرف بالضبط كم عددهم ، بعضهم مات ، والبعض الآخر على قيد الحياة .
ماتت أمى أولاً ، والأخرى على قيد الحياة ، تشقى ، تتعب ، حتى تصورت أنها تعيش حياة ضنك ، خالية من الترف والترويح عن النفس ، فالطالما ارتميت على راحتيها أقبلها على ما فعلته من أجلنا .... تسهر الليالى على راحتنا ، حتى تطمئن أننا قد خلدنا فى نومنا ، وتوقظنا كل صباح على وجه كله حب وحنان وقلب نابض بالوفاء لأمى وأبى .
" أنا ابن الخادمة ... وأنتِ بنت الأمير "
كيف استقرت تلك العبارة فى أذهان الناس .... لا أدرى ؟
أرى أحدهم مغادراً دار العرض مع أولاده " البنت والولد " موجهاً أمره لابنه :-
- لا تكن السلطان عندما تكبر ، ولا تنجب أميراً
واتجه كل منهما إلى طريقه ، ذاهباً هو إلى عمله فى استاد القاهرة ، حيث تدريب الأشبال على رفع الأثقال ... تركونى أعانى وحدى من التفرقة العنصرية .
وهنا يبدأ التصفيق ، ويبدأ مشهد آخر .... !
( تمت )
سامح عبد البديع الشبة
sameh_ss_center@yahoo.com
سامح عبد البديع الشبة
26-06-2006, 02:36 PM
( 10 ) قصة قصيرة :- حدوتة فوز العمدة واجب
******************
هتافات وشعارات كثيرة ، وأهالى القرية يهتفون :-
- عاش العمدة ، يا حامى بلادنا ، يا حامى ديارنا ، يا حامى فلوسنا ، يا حامى قوتنا .
وفى نهاية يوم من الأيام تم التصويت لصالح العمدة ، وفاز بالعمدية ، وبعد التصويت ذهب كل شخص من أهالى القرية إلى بيته ، غالقاً عليه بابه ، إلا رجلاً واحداً فى ريعان شبابه لم يتعد الثلاثين من عمره ... خرج من كوخه الخشبى المطل على ترعةٍ جافة ، مهلهلة ملابسه ، ممسكاً بيده اليمنى عصاه الغليظة ، وبيده اليسرى منديله العتيق ، راسماً على الأرض الوحلة أشكالاً لوجوه تشبه وجوه البشر ، ويضربها بكل ما أوتى من قوةٍ صارخاً فيها :-
- " ليه ما تكلمتوش ... ليه ... ليه " .
وفجأة حل صمت رهيب ، وخيم على المكان نوع غريب من السكون لم يعهده من قبل ، فانقطع صوته ، وأحس داخله أنه غريب عن ذاته ، فانفجرت عيناه بالدموع باكية ، وارتعشت يداه مجففاً دموع الماضى والحاضر بمنديله العتيق الذى اشتكى من طول فترة الأسر ... لدرجة أن مزقته الرياح الرقيقة بمطرها القليل ... وبقوة كل عاصفة قادمة فى كل عام ، ولا شئ بيده غير الصبر كى يستريح ويتركه صاحبه ، ويقذف به فى اليم ليتشرب جرعات كثيرة من المياه ، ليغسل دموع صاحبه الأسير الذى أخذ يتراقص ويتغنى كالمصاب بهستيريا الغناء والعناء والرقص فى آنٍ واحد :-
فوز العمدة واجب ... فوز العمدة واجب
وأنا أعمل إيه ؟ !
هو كده فايز ! ... هو كدا فايز !
وأنا أعمل إيه ؟ !
التعب ورانا ... التعب ورانا
وأنا أعمل إيه ؟ !
السكوت ويانا ... السكوت ويانا
وأنا أعمل إيه ؟ !
***
يا عمدة .. يا عمدة
انت فين يا عمدة ؟!
بتاكل إيه يا عمدة ؟!
ما تدينى لقمة !
وأنا أعمل إيه ؟ !
لابس إيه يا عمدة ؟!
ما تدينى هِدمه !
وأنا أعمل إيه ؟ !
ليه تسيبنى وحدى ؟!
ما تدينى أرضى !
وأنا أعمل إيه ؟ !
فوز العمدة واجب ... فوز العمدة واجب
وأنا أعمل إيه ؟ !
هو كده ... كده ... كده .... أعمل إيه ... إيه ... إيه
وما أن دنت منه مجموعة من النسور إلا وقد امتنع عن الغناء والرقص ، واحتبس الدمع فى عينيه ، وأطار المنديل مع عاصفةٍ قد اجتذبته وألقت به فى اليم ، ومزق جسده ، وتلاشت صورته ... وراح صوته هباء فى مهب الريح .***وعاد المنديل متطايراً ، راقصاً ... مرحاً ... فرحاً ، فهدأت العاصفة ، واستقر على الأرض ، وطار ثانية فى الهواء كمحبوسٍ خارج من زنزانته بعدما أطلق سراح السجان ، وهبط ... وتوقف بغتةً باكياً ، فلم يجد صاحبه الأسير ، فنادته من جواره العصا الغليظة ... ففرح فقد وجداً أثراً من آثاره .
وخرج طفل صغير من بيته سراً ... يترقب المكان خوفاً من أن يراه أبويه ، ويكون عقابه عسيراً ، ودخل كوخ الأسير ، وأحضر عصاً غليظه رفيعة ، ورسم خارج الكوخ فى الأرض صوراً تشبه الفئران ، وأخذ يرقص ويغنى :-
- " فوز العمدة واجب ... فوز العمدة واجب "
هو كده فايز .... هو كده فايز !
فخرج أطفال القرية من ديارهم يرددون معه أغانى الأسير ...
فوز العمدة واجب ...
وتوته توته ، فرغت الحدوته .
...... ولا ......
( تمت )
سامح عبد البديع الشبة
sameh_ss_center@yahoo.com
سامح عبد البديع الشبة
26-06-2006, 02:39 PM
( 11 ) قصة قصيرة :- شروق جديد
*********************
" انتبه من فضلك ... السيارة ترجع إلى الخلف "
مد السائق ساعده من نافذة السيارة ... تساقطت قطرات من المطر عليه ... سحبه داخل السيارة ... غرس أصابعه بين كتلة شعره الصلب المجعد المتراكم عليه ذرات من التراب ... نظر فى المرآة الأمامية وجده ككتلة حجرية قِدَمَ الزمان ... ضحك ... سخر من نفسه :-
- مثل الرأس الفرعونى الذى شاهدته فى المتحف التاريخى !
" انتبه من فضلك ... السيارة ترجع إلى الخلف "
كل السائقون أمامه منهمكون فى أعمالهم ... من يحتسى فنجان القهون ... من يحتسى كوب الشاى الساخن ... من يتناول وجبة إفطاره ... ومن يسخن موتور سيارته ... فهم يقومون بهذه الأعمال استعداداً للرحيل لمدنٍ وبلاد قد ملوا الرحيل إليها يومياً ... صباحاً ومساءً .
" انتبه من فضلك ... السيارة ترجع إلى الخلف "
النهار فى بدايته طويل ... رغم أننا فى اليوم السادس من طوبة ... والسماء ملبدة بالغيوم وبالسحب المتراكمة المتزاحمة الشديدة السواد ... فشيئاً ما فى هذا الفضاء يوحى بأن هذا اليوم مبرق ومرعد وممطر ... هكذا استنتج السائق ما سيحدث فى هذا النهار ... وما سيلاقيه فى سفره من متاعب وأهوال فى الطريق .
" انتبه من فضلك ... السيارة ترجع إلى الخلف "
ذهب السائق تجاه النافذة ... قرب منها ... ألقى رأسه خارج العربة جهة الشرق ... فاصطدمت عيناه بعين الشمس المولودة حديثاً بطريقةٍ قيصرية من رحم السماء .
" انتبه من فضلك ... السيارة ترجع إلى الخلف "
بدأ السائق يحدث نفسه وهو ناظر إلى قرص الشمس التى تحاول السطوع متحديةً كل الظروف السيئة المحيطة بها :-
- النهار طويل ... الطريق طويل ... والمسافرون كثيرون ... وساعات اليوم كثيرة على سائق مثلى تخطى عشرين عاماً فى مجال القيادة .
تعود السائق فى الساعات الأولى من صباح كل يوم أن يغفو قليلاً على كرسى القيادة منتظراً ميعاد رحيله .
" انتبه من فضلك ... السيارة ترجع إلى الخلف "
فكل سيارة لها ميعاد محدد للرحيل عن هذه البلدة ... فقد تم عقد اتفاق أو ما جرى عليه العرف فى محطة السفر على من يأتى مبكراً عليه أن يحمل حمولته وركابه ويسافر ويليه الثانى ثم الثالث ... إلى أن ترحل آخر سيارة ... كل إلى بلاد ومدن مختلفة تمام الاختلاف عن تلك البلدة الجميلة الهادئة .
" انتبه من فضلك ... السيارة ترجع إلى الخلف "
أغلق السائق النافذة اليسرى لشعوره بالبرد داخل السيارة ... ود أن يفعل أى شئ داخل السيارة ... أدار المذياع ... خفض من صوته ... أغلقه ... نظر أمامه ... نظر للخلف .
جاءه من الخلف أصوات متداخلة مزعجة ... أصابته بالصداع ... حاول أن يصغى أذنيه من النافذة ليعرف سبب هذه الضجة ... فتبين له أنها مشادة كلامية بين سائق وآخر ... وهناك على جانبى الرصيف شخصان يسبان بعضهما و ...
فتناول مسرعاً قطعة القطن الملقية على الكرسى المجاور له وشطرها نصفين ... وسد بها أذنيه ... أحس بالهدوء ... فغلبه النوم ... فنام .
" انتبه من فضلك ... السيارة ترجع إلى الخلف "
استيقظ السائق من سباته ... اعتدل فى جلسته ... ابتسم ... تحولت ابتسامته إلى قهقه عالية صارخة مدوية فى أركان السيارة ... لم يسمع شيئاً قط ... حاول أن يستوعب ما حدث له ... وسرعان ما تذكر ... لمس صدره ... عاد السائق إلى الدنيا مرة أخرى ... أحس أنه بحاجة إلى مادة تنعشه أكثر وأكثر ... فتح باب السيارة ... نزل منها على مكثٍ ... وقف أمام الباب يحدث السائقين والمارة ... فلم يحدث أى تغير يذكر فى هذا المكان ... كل شئ على حاله ... السيارات لم ترحل بعد - لم ترحل عن المدينة - وسيارته مازالت على حالها ووضعها ... كما كانت فى الصباح ... لم يفتح أحد الركاب أبوابها ... أيمكن أن يحدث هذا ؟!
أيمكن أن تبقى كل الأشياء فى مكانها لا يصيبها أى تغير منذ الثامنة صباحاً حتى آذان العصر ؟!
أيعقل أن أستيقظ بعد كل هذا الوقت وأجد جميع السائقين فى أماكنهم كما تركتهم فى الصباح ؟!
" انتبه من فضلك ... السيارة ترجع إلى الخلف "
يسير السائق ذاهباً وآيباً أمام صف السيارات المنتظم ... يبادل زملائه السائقين التحية ... وعلى ثغره ابتسامة باهتة ... لا معنى لها ... فرجع إلى سيارته ... فأغلق باب السيارة ... فهيئ جسده للنوم فغفى وسؤال مازال يلح عليه :-
- لماذا تغيرت الوجوه هكذا ؟!
لم تمض فترة من الوقت حتى فتح السائق عينيه ولاحظ أن جميع السيارات قد رحلت ... فنظر مندهشاً إلى المكان عبر نافذته :-
- إننى متعب هذا المساء ... ولا أستطيع الرحيل فى هذا الوقت المتأخر .
" انتبه من فضلك ... السيارة ترجع إلى الخلف "
وجد السائق لسانه يكرر وهو على كرسى القيادة :-
- إننى متعب هذا المساء ... ولا أستطيع الرحيل فى هذا الوقت المتأخر .
هرول السائق نحو الباب ... وما كاد ينفذ منه حتى خيل له أن الأرض تميد تحت قدميه ... ووجد نفسه يضحك ويرقص ... فدار حول السيارة مخاطباً نافذتها :-
- سأرجع إلى البيت الآن ... فى الحال .
" انتبه من فضلك ... السيارة ترجع إلى الخلف "
تريث السائق فى الكلام وقال :-
- لا ... لن أعود إلى البيت الآن .
أحس السائق قدميه تكادان أن تتعثرا فى العجلة الجانبية من السيارة ... فوقع على الأرض ... يحبس فى صدره ميلاً شديداً للعودة إلى البيت ... ثم رفع بصره للسماء وقال :-
- فات الوقت ... وتأخرت على زوجتى !
" انتبه من فضلك ... السيارة ترجع إلى الخلف "
استعاد السائق توازنه وقال :-
- لن تقترب من هذا المكان أية سيارة ... إن اقتربت لأقتلن سائقها ... حتى أحمل حمولتى وركابى وأرحل بهم بعيداً عن هذه المدينة الجميلة الهادئة ... الساكنة الحركة ... المملة ... ودون رجعة .
( تمت )
سامح عبد البديع الشبة
sameh_ss_center@yahoo.com
سامح عبد البديع الشبة
26-06-2006, 02:41 PM
( 12 ) قصة قصيرة :- هو يعزف " دو " هى تعزف " سو " هما يعزفان " سى "
***********************************************
قد دنا اللقاء بيننا ولا مفر ... ذلك اليوم الذى كنت أخشاه ... قد حان ... وقد حانت اللحظة التى تجمعنى بها ... لكم كنت أشتاق لرؤية هذا الوجه الرومانسى الجذاب ... إننى سأعبق صدرى بأريجها ... وسأشبع ناظرى بجلالها ... يا لها من لحظة انفصال عن هذا العالم الخارجى الذى يحيط بنا ... ويا لها من لحظة اتصال عنيف ... لا أقوى على احتماله ... ارتعاش جسدى يجذبنى إلى منطقة اللاوعى ... يجذبنى ويشدنى إلى عالم آخر ... يتملكنى الخوف الآن منها ... وأخشى ما أخشاه أن تصيبنى بأزمةٍ قلبية ... او تقذفنى بأشعةٍ لا مرئية تقودنى إلى الهلاك ... يا لها من امرأة لديها القدرة على احتلال كل الرجال .
القلب يبكى والعين تدمع ... والشفتان ترددان اسمها وتناديها :-
- أتسمعيننى .
فيأتينى الجواب :-
- لا أسمعك .
لا أصدق ... فصوتى كاد يخترق هذا الحيز الكونى .
***
أيخيل إلى أنها تحدثنى وتدعونى للحياة :-
- " تعالى ... تعالى ... إننى أنتظرك منذ الأزل " .
- " أنا " !
- " نعم أنت " .
إنى الآن كقطعة حديد تجذبنى إليها بقوةٍ مغناطيسية شديدة ... أهكذا بكل يسر أنقاد وراءك أيتها السجانة .
إلى أين ترحلين بى ؟!
إلى بلاد خضراء ؟!
أم إلى بلاد تشتاق لقطرة حنان لتروى صغارها .
بالأمس كنت حراً ... طليقاً ... لا تكبلنى القيود ... ولا تحيط بى الأساور ... ولا أحمل للأيامِ عبئاً ... وهكذا أصبحت أتخبط فى كل الأشياء ...تغيرت كثيراً عن الأمس ... هى تحب قراءة القصائد البطولية ... وأنا كرهت كتابة هذا الفن ... هى تعشق ركوب القطار ... وأنا كرهت كل محطات السكك الحديدية .
أدركت شيئاً واحداً لا يمكن لعاقلٍ من العقلاء أن يغفل عنه ... أننا ولابد من أن نفترق ونرحل وبأسرع ما يمكننا .. وألا نعد الساعات والدقائق والثوانى للحظة الفراق والرحيل ... وألا نقيم لذلك مأتماً قلبياً ... تتمزق فيه الجوارح والأحاسيس ... وليحتفظ كل منا بخيالاته ... وليبنى كل على حده مدينته المفضلة وليؤسسها على الذكريات أو على حب جديد من نوعٍ جديد ... أو كما يحلو له .
أما أنتِ فلن تكونى أبداً ... أبداً ... لى .
فالأفضل أن نبقى متباعدين ... أنتِ فى مكان ... وأنا فى آخر ... هيا ... ارحلى من هنا ... من نقطة تكوينى بأسرع ما تستطيعي ... ولا تغرينى بكِ ... فقد تغيرت اللحظات ... وتبدلت الأحوال ... فأنا الذى يوجهكِ ... ويقودكِ ... يجذبكِ ... أنا أنشودة العتق ... أنا الذى يتغنى بأشعاره من جديد ... ويتنغم بنغماته ... عليكِ أن تفهمى ... أنه عصرى أنا ... عصر كل الرجال ... عصر ... الرجال فيه لا تهمها النساء .
عليكِ أن تبحثى عن ذاتك ... عن الطين ... وعن الماء ... وعن النعيم ... وعن الشقاء .
وأن تكونى دائماً حادة البصر فى الأشياءِ كما هى عليها ... لا كما تريدين ... وأعزفى على آخر أوتار عودى لحناً عربياً بدايةً للانتهاء .
( تمت )
سامح عبد البديع الشبة
sameh_ss_center@yahoo.com
سامح عبد البديع الشبة
26-06-2006, 02:50 PM
( 13 ) قصة قصيرة :- داخل ... خارج
***********************
كعادة عم حسين العربجى ممتطياً حماره الأعرج متجهاً لأرضه الزراعية ، وفى طريقه توقف قليلاً ، فقد لفت نظره وانتباهه شيئاً ما على الطريق ، تجاهله وعاود السير بحماره إلى مصدر رزقه ... لم يكف عن التفكير فيما رآه منذ قليل .
أوقف الحمار ... هبط إلى الأرض ، وجه الحمار إلى الطريق المضاد للرزق .
مشى على قدميه ساحباً حماره وراءه ... يتبعه فى استسلام دون أى اعتراض ، فهذه هى المرة الأولى فى حياة هذا العربجى الذى بدأ فى تغيير إتجاه سير هذا الحمار ، وهذه المرة إلى اتجاه مخالف لما عاهده معه ، فلم يعهد الحمار من قبل هذا الطريق إلا عند الرجوع إلى البيت فقط .
سار خلفه إلى أن أوقفه سيده وربطه فى نخلة تتوسط الطريق وتركه ومشى .
تعثرت قدم حسين العربجى حين لامست شيئاً وسط هذا الكم الهائل من التراب الملوث بروث البهائم ... بعثر ذرات الرمال ... غربلها بين كفيه عسى أن يعثر على قطعة نقود ... عربية كانت أم أجنبية ... أياً كانت تقدر .
" ربما تفتح لك الدنيا ذراعيها وأحضانها وتعثر على كنز دفين فى باطن هذه الأرض ... ربما تكون معك عملات العالم جميعها ... ولتتزوج إمرأة جميلة وترزق منها بالولد الذى تتمناه " .
- آهٍ لو رزقنى الله بالولد ... آه .
" يستحيل على أى إنسان أن يعيش مرة ثانية ، ولكن من الصعب البقاء فى حياة أدنى من حياة " .
قد كان نهيق الحمار إنذاراً وتنبيهاً له بأن شيئاً هاماً يستحق النظر إليه ... إلى أسفل!
هكذا تتم عملية التفاهم ، وفى كثير من الأحيان التخاطب والغناء أيضاً .
- ما هذا أيها الحمار الأعرج .. ما كل هذا النهيق ، كأنك تصرخ بأعلى صوت لتسمع العالم على ما رأيت ، أخفض صوتك ، إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ، كل هذا من أجل علبة ! ، يا لك من حيوان تثير الفزع لى وللآخرين ، وفى النهاية لا شئ ، أخلقت لتشاركنى المأكل والمشرب ، يا لك من حمار أعرج لا تحمل هم الملبس والمسكن !
يزداد نهيق الحمار ، كأنه أراد غيظه وإشعال نيران الغضب فى صدر حسين العربجى ، فهو السيد هذه المرة ... فالكل أسياد ، والكل عبيد ... والكل يعمل ، والكل يأكل ... والكل يشرب ، والكل يلبس ... والكل ينام ، والكل سواء .
- إمشى يا أعرج !
عاد حسين العربجى وبيده تلك العلبة :-
- صغيرة جداً
أخرج زفيراً حاراً وبعد طول تفكير :-
- أأعرف ما بداخلها أم لا ؟
" ربما تكون أحدث ما وصل إليه العلم الحديث من أشكال المتفجرات صغيرة الحجم " .
جاءه نهيق الحمار من بعيد ... نظر إليه ... وجد أن لجام الحمار قد انحل من مكانه ، واتجه الحمار إلى حقل سيده ... ترك سيده وحده - لا تركه مع العلبة - وللعلم هذه أول تجربة للحمار ... فهل سينجح ويصل للحقل بمفرده ؟!
وما لبث حسين العربجى واستقر على أن يكشف حقيقة العلبة .....
- ماذا ... لقد فتحت لك طاقة السماء ... يا لها من قطعة آثار صغيرة الحجم كحبة القمح ... الآن أصبحت مخازن القمح فى العالم ملكى ... فلن يجوع بعد اليوم أحد ... إنها تقدر بملايين الدولارات .. بل هى التاريخ كله ... التاريخ كله !!!
( تمت )
سامح عبد البديع الشبة
sameh_ss_center@yahoo.com
سامح عبد البديع الشبة
26-06-2006, 02:51 PM
( 14 ) قصة قصيرة :- أنا ... وطائرى
**********************
يوقظنى من منامى ألم يفتك أمعائى ... تنتابنى رغبة فى الغثيان . ماذا تناولت فى العشاء . تذكرت . وبعد هذه الوجبة بساعتين غلبنى النوم ... وزارنى طائر ... لم أنتبه لألوان ريش جناحيه ... ولا حتى لون منقاره ... ولكنه طائر أليف ... أحببته ... حط على رأسى ومكث غير بعيد وطار محلقاً فى فضاء مكان فسيح ... لم أكن لأحلم فى يوم من الأيام أن أشاهده وأرى كل هذا النخيل ... وكل هذا الجمال ... ولكننى شاهدت فى هذا المكان من على بعد تمثال لفتاة فى غاية الجمال والأنوثة ... دون ثوبٍ يسترها ... وبدا لى أن روح جديدة قد لبستنى ..ز سبحت فى بحورٍ من السعادة ... فأى وجه رأيت ... وأى عينين رأيت ... هنا انسكبت جميع الأشعة الكونية من شموسٍ ونجومٍ وكواكب على جبينها ... هنا وجه السلام .
الشئ الغريب أن هذه الحسناء كانت تنادينى باسمى الثلاثى ... وتدعونى أن أخلصها من هذا السياج الحديدى الدائرى المحيط بها ... كأنها تحفة يخاف عليها ربها أن يفقدها ... أو أن يخطفها فارس على حصانه الأبيض ويرحل بها بعيداً ... بعيدا .
وما أن بدأت أخطو أولى خطواتى ... حتى عاد من جديد هذا الطائر الأليف ... وحط على قدمى برفق وثبات ... فأوقفنى ... فنظرت بناظرى إليه ... فتبينت ملامحه وشكله ... الريش المنسق ... المرتب ... الرائع بألوانه الخلابة للناظرين ... الأحمر ... يليه الأبيض ... يليه الأسود ... ثلاثة ألوان تصنع كل هذا الجمال البديع الرائع .
مازلت أحدق فى الطائر الثابت بمنقاره على حذائى بحنو ... أشير إليه بيدى أن نمضى معاً جنباً إلى جنب حتى نصل لقيود هذه الفتاه ونحررها .
بين الحين والآخر أسمعها تصرخ باسمى وتلح على أن آتى ... استنجدت به يرافقنى الطريق إلى هذه الفتاة المستغيثة ... فاستجاب لى ومضينا ... وفى طريقنا صرنا طائرين ... شاعرين أن المسافة بيننا وبينها قد ذابت وتلاشت ... ووصلنا .
- الحمد لله .
كان بودى أن أكمل لكم ما حدث بعد ذلك ... لكن اطمئنوا فقد سترتها بريش الطائر الودود الطيب ... وطوقتها بطوق من الزيتون ... وقررت ألا أتركها أبداً ... أبداً ... مهما حدث بيننا من خلاف .
وراح ما كنت أعانى منه فى الصباح وتناولنا فى مساء هذا اليوم عشاءً خفيفاً .... ونمنا .
( تمت )
سامح عبد البديع الشبة
sameh_ss_center@yahoo.com
سامح عبد البديع الشبة
26-06-2006, 02:53 PM
( 15 ) قصة قصيرة :- أبيض فاقع ... أسود فاتح
*************************
" وبعد الغيم يجينا النور ....
وبعد الغيم ربيع وزهور "
- تعالوا نعلن الشجاعة والجرأة على تحدى أسياد هذه الحارة !
التهبت أكف أهل الحارة وشبابها من فرط التصفيق . تصايحوا كالديكة إعجاباً وانبهاراً بأستاذهم فتحى الأديب ... الذى يحثهم ببذل ما فى وسعهم لرفع البؤس عن الحارة .
- واحد شاى وخمسة سحلب .. لو سمحت .
فى إصغاءٍ شديد استمع عم صابر لهذه الندوة ... وحاول أن يفهم ما يقصده الأستاذ فتحى الأديب ... استمع للمرة الثانية ... للمرة الثالثة .... أعاد الانتباه واستحضر عقله .... كل هذه المقدمات بلا نتائج ... أو حتى نتيجة واحدة ... فما عليه إلا أن ينتهز الفرصة لزيادة إيراد هذا المقهى وإعداد المشروبات للزبائن .
- حجر معسل وحسنه واتنين شاى يا عم صابر .
- واحد شاى سكر خفيف .
- اتنين شاى براد .
- أربعة حلبة وواحد كركاديه .
- قهوة سادة يا حاج صابر .
- أهلاً سيد حضرت فى الميعاد بالضبط ... تحب تشرب إيه ؟
- شاى ثقيل يا محمود .
التفت سيد حوله كمن يخشى أن يراه أحد داخل المقهى ... فضحك محمود وتعالت ضحكته الصفراء وهز رأسه باستهزاء :-
- خايف لتشوفك أمك هنا ؟!
ارتبك سيد وازداد التفاته وارتعشت كلماته :-
- أخاف من إيه ... دى أمى ؟!
- استأذنت منها قبل ما تيجى هنا ؟!
سيد منفعلاً غاضباً صارخاً :-
- ملهاش شأن بخروجى ودخولى ... أنا باخرج زى ما أنا عايز وفى الوقت اللى يعجبنى .
محمود ساخراً :-
- أيوه ... أيوه ... تخرج فى الوقت اللى يعجبك ويناسبها هى الأول ... هى اتأخرت كدا ليه .... هاتفوتها الجلسة الأدبية بتاعة الأستاذ فتحى الأديب .
سيد بحدة :-
- محمود ... اسكت ولا أقوم على فتحى ده بالضرب وأخليه ما يساوى صرصار حوالين الحشرات اللى حواليه دول .
مازال محمود ساخراً :-
- طبعاً ... طبعاً ... تقدر تضربه لحد ما تموته وهو يستاهل ... دا أنت سيد والأجر على الله ... بس قولى ليه عايز تضربه ... عشان بيمدح فى أمك فى روايته الجديدة .
سيد بغيظ :-
- مش كده .
محمود بصوتٍ منخفض مائلاً إلى أذنه :-
- آه ... آه ... عرفت السبب ، عشان كتب قصة أمك الحقيقية وعلاقتها بابن العمدة وهروبه ليلة الدخلة ... ولا إيه رأيك يا سيد ؟!
سيد بصوت مرتفع مرتعش مهدداً :-
- ما تتعداش حدودك يا محمود .
محمود بتحدٍ :-
- اتكلم زى ما أنا عايز يا جدع وف الوقت اللى أنا عايزه .
سيد بتحذير :-
- كدا يا محمود .
محمود بإصرار :-
- أيوه يا سيد .
ضج ضجيج رهيب داخل المقهى ... وجرى بعض الفتيان وراء سيد ... والأستاذ فتحى الأديب مع رجال الحارة يداوون نزيف حاد أصاب رأس محمود .
حملوه على أكتافهم مسرعين به إلى أقرب وحدة إسعاف ... أوقف أحدهم عربة أجرة ... نزل السائق ... فتح الباب ... توقفت أنفاس محمود على أكتافهم ... طرحوه أرضاً ... إذا به جثةً هامدة ... لا حِراك ... لا أنفاس ... لا نبض ... وجدوه ساكناً كالسكون الذى أصابهم ...
توقفوا عن الحركة ... توقف المارة عن السير ... توقف الأستاذ فتحى الأديب عن الكلام ... سكن الليل ... سكن عم صابر فى مقهاه ... تسمر الجميع ... اختفى القمر ... استقرت النجوم فى فضائها ... مر السحاب الأبيض ... حلت سحابة مسودة سودت الحارة ... أسقطت المطر وأطفأت كهرباء الحارة ... اشتدت الظلمة واشتد المطر ... غسل جثة محمود ... غسل أسياد الحارة ... غسل أديب الحارة ... غسل مقهى عم صابر .. غسل أم سيد ... رعدت السماء ... برقت الدنيا ببريقِ مختلف ... زلزلت الحارة ... اهتزوا ... ارتجفوا ... خافوا أن يخطف البرق أبصارهم ... أسرعوا جميعاً داخل المقهى ... تاركين الجثة فى قلب الحارة وحدها .
قامت عاصفة من مرقدها ... أثارت التراب فى أجواء الحارة ... أغلقت الحارة أبوابها .
لم يعد يرى عم صابر أحد فى الحارة .
- كثيف جداً هذا الضباب ... لا أرى حتى نفسى .
- ولا أنا أيضاً يا عم صابر ... أين أنت ... أين صورتك ... أسمع صوتك فقط .
صاح عم صابر :-
- أين جثة محمود .... أين جثة محمود ؟!
أشار الفتى بيده :-
- هنا يا عم صابر !
- أين يا حسان ؟
- هنا ... ألا تراها ؟
- لا يا حسان !
- إنها داخل المقهى بجانب الشيش !
عم صابر متعجباً :-
- بجانب الشيش !
ازداد الضباب ... اشتد لونه ... ارتدى عم صابر والأستاذ فتحى الأديب وأهل الحارة لون الضباب .
( تمت )
سامح عبد البديع الشبة
sameh_ss_center@yahoo.com
سامح عبد البديع الشبة
26-06-2006, 02:56 PM
( 16 ) أقصوصة :- استعداد للرحيل
*******************
هذا الطفل الأسمر فى عمره الأصغر ... عد أيامه ... على أصابع كفه ... فأدرك عوده الأخضر ... الذى ... انكسر .
***
هذا الطفل الأسمر ... نام على طريقته ... متوسداً حجارته ... وسط مدينته ... فى مكانه المحدد ... و .... تمدد .
***
هذا الطفل الأسمر ... يأكل بعضاً من ورق ... يشرب شيئاً من أرق ... يسبح دوماً فى بحورٍ من غرق ... يبحث دوماً عن عمرٍ قد سَرق .
***
هذا الطفل الأسمر ... فى زمنًٍ متحول ... عد عمره ... فى شهادة زفافه ... فأدرك ابنه الذى كبر .
***
هذا الطفل الأسمر ... نام بطريقته ... متوسداً ذراعه ... وسط غرفته ... فى مكانه المحدد ... و ... تجرد .
***
هذا الطفل الأسمر ... تأمل ونظر ... ثم تأنى وقرر ... ترك البيت ... واستعد للسفر .
***
هذا الطفل الأسمر ... يفعل ما يشاء ... يكتب ألف ... يقرأه ياء ... يفرح فرحاً ... ينقلب إلى بكاء .
( تمت )
سامح عبد البديع الشبة
sameh_ss_center@yahoo.com
سامح عبد البديع الشبة
26-06-2006, 02:58 PM
( 17 ) قصة قصيرة :- ما بين الضغط ... وشد الحبل
***************************
خطر فى ذهنه الذهاب إلى غرفة نومه ... فذهب وأغلق الباب وراءه ... ومكث ساعةً على سريره مستيقظاً ... ثم خرج ... كانت ترنو إليه من خلف جريدة الصباح التى تتصفحها بنظرةٍ منكسرة .
وقف ثابتاً محدقاً إليها ... هى ترفع رأسها قليلاً لتبصره يمارس تمريناته الرياضية فى هذا الصباح .... قضى أوقاتاً طويلة فى تمريناتٍ أجهدته ... وأرخت عضلاته المفتولة .
- " مؤلمة حقاً تلك التمرينات " .
ودت أن تشاركه ... هى بملبسها الرياضى ... فرضت عليه أن يدربها على تمرينٍ بسيط ... تمددت وأفرددت طولها وعرضها على مكانٍ محدد أعد خصيصاً لمزاولة هذا التدريب .
- " اضغطى " .
وجد باب شقته موارباً .
- " ربما نسيت أن تغلقه عند إلقاءها تحية الصباح على جارتنا " .
فأغلقته .
باب الحمام مفتوح ... وضوء ما ينفذ من خلف زجاج نافذته فيشع المكان نورا .
ما بين الحين والآخر تتحسس وجهها وشفتيها وصدرها وبطنها ... حاولت أن تكمل باقى هذا التدريب ... ولكنها لم تستطع ... تحسست بيدها الأرض ... فشعرت ببرودة ... فأحست بالتعب .
- " اضغطى ... واحد اثنين ... " .
فى نفس اللحظة ... الذى بدأ فيها العد ... عادت لطبيعتها واعتدلت ... ازدادت منه قرباً ... فازداد منها بعداً ... خطت عدة خطوات متجهةً إلى الحمام ... غالقةً وراءها بابه .
دخل غرفة نومه وأغلق الباب خلفه ... وقصد دولابه وأخرج قطعة حبل غسيل ... ثم اندفع به خارج الغرفة ... فوجدها أمامه ... وجهاً لوجه ... وخيم الصمت عليهما ... فلم يستطع أن يتحرك ... ولم تستطع أن تتحرك ... ماذا ألم بهما ؟ ... ولما كل هذا السكون التام ؟!
سقط الحبل ... أمسك به عنوة ... أمسكت به بقوة ... أخذ يشده ... أخذت تشده ... ظهره إلى باب الشقة ... ظهرها إلى باب غرفة النوم ... هو ينظر إليها ... هى تنظر إليه ... وطال النظر ... وطالت مدة الشد والجذب العنيف ... هو يشد وهى تجذب ... هى تشد .. وهو يجذب ... إلى أن دق جرس التليفون ... فتركا كل منهما الحبل فى وقتٍ واحد ... فوقعا ... مرتطماً هو بباب الشقة ... مرتميةً هى على سرير نومها .
( تمت )
سامح عبد البديع الشبة
sameh_ss_center@yahoo.com
سامح عبد البديع الشبة
26-06-2006, 03:00 PM
( 18 ) قصة قصيرة :- نغمة واحدة
*****************
نصب الحاج دوارة قامته وقال بصوتٍ جهورى :-
- من أراد تناول الافطار عليه بالنظام ... النظام وحده يكفى لسير حياتنا .
فهمس حينئذ واحد فى أذن رفيقه :-
- أجئنا لشراء الفول أم ليعلمنا آداب السلوك ؟!
- أما رأيت الأستاذ جبلاوى فى التليفاز الأسبوع الماضى يتحدث عن النظام فى المأكل والمشرب والملبس ... كأن الدنيا أصبحت فوضى !!
فقال آخرمشاركهم الحديث :-
- يتحدث عن النظام ويترك الحديث عن النزاهة ... إذن فالنتحدث نحن عنها !
قال الطرف الأول فى الحديث بصوتٍ خافتٍ متقطع :-
- نتحدث نحن عن النزاهة ... اصمت وإلا حدث لك ما حدث لأبو شامة !
قال الطرف الثانى فى الحديث بنفس صوت الطرف الأول :-
- وماذا حدث لأبو شامة يا أبو العريف ؟!
أبو العريف :-
- اعتقلوه ... ولا تعلم زوجته ولا أولاده مكانه بعد .
قال الطرف الثالث الذى يشاركهم الحديث :-
- يقولون أنه حاول أن يشاركهم فى الحكم .
أبو العريف :-
- يشارك من يا جاهل ؟!!
جاهل :-
- يشارك جده الأكبر فى الشركة الكبرى التى ورثها عن أجداده !
أبو العريف :-
- فالنصمت إذن ... نحن الضعفاء .
جاهل :-
- لا تقل ضعفاء .
أبو العريف :-
- ضعفاء ... ولما لا نكون ضعفاء ... وكل الشواهد تثبت ذلك .
جاهل :-
- لا تعم الضعف ... فأنا لست ضعيفاً مثلكم !
أبو العريف :-
- لا أقصد هذا النوع من الضعف يا جاهل !
جاهل :-
- ماذا تقصد ؟!
أبو العريف :-
- ألا ترون ما يحدث على ساحل بحيرتنا ... هل تشجعتم وتصديتم لـ " ملك البحيرة " !
جاهل :-
- سأنصرف الآن ... فلا داع للفول .
سخر كل الحاضرين فى هذا الطابور المتعرج من تصرف الحاج دوارة ... حين شاهدوه فى حالته المألوفة لديهم ... الذى اعتاد أن يفعل هذا التصرف كل يوم ... فالحاج دوارة كاد أن يدفن رأسه فى بطن " قدرة الفول " ... فالسبب معروف لدى الجميع ... أنه يقوم بغسلها بالماءِ والصابون .
- إلى هذا الحد وصلت درجة النظافة عندك يا دوارة ؟!
أعلن الحاج دوارة بإصرار :-
- النظام .
نقص الطابور واحد ... تلاه الآخر ... ولم ينقص ... فالأعداد تتزايد ... ومهما نقص واحد أو أكثر ... فتبقى الأعداد كما كانت ... لا تنقص ولا تختل .
( تمت )
سامح عبد البديع الشبة
sameh_ss_center@yahoo.com
سامح عبد البديع الشبة
26-06-2006, 03:01 PM
( 19 ) قصة قصيرة :- ود ممدود
*******************
تمشى ... تتقدم خطوة وتتأخر خطوة ... تقدم وتحجم عدة مرات ... تنظر يميناً ويساراً ... تركت ساقيها العاريتان الحافيتان تقوداها حيث تشاء .. لم تستسلم قط ... كان يساورها إحساس أنها ستجده أمامها سالماً معافاً من أى سوء ... ربما تجده بعد قليل ... وربما بعد أن تجهد نفسها وتلف حول بيوت جيرانها ... قررت أن تستأنف رحلة البحث عن ولدها التائه .
أحست فى قرارة نفسها أنها لو رجعت للبيت لوجدته جالساً على عتبتها ... نائماً وقت القيلولة ... كانت واثقة أنها فى نهاية المطاف أنها ستجده لتأخذه بين أحضانها ... ترفرف عليه بجناح المودة والرحمة ... كانت تشعر أن صفارة بدء رحلتها الشاقة قد انطلقت منذ أن كانت فى السادسة من عمرها ... وأنها ستنزل الحلبة وأمامها هدف واحد لا غيره وهو ... الانتصار !
فى طريقها للبيت سرح خياله ... هى مع أولادها وأحفادها داخل هذا البيت ... هم بجوارها ... لا يبرحون المكان أبداً .. فرحين ... يلهون بالألعاب الطفولية الممتعة .
تهدهد أحد أحفادها لينام ... تحنو على الآخر بنظرة عطفٍ وحنان ... تخرج من تحت " إشاربها " الأسود خمسة قروش تعطيها لآخر ليكتم بكائه ... ويضحك كما تضحك هى والأطفل دون العاشرة .
تمادت فى الحلم ... رأت أحدهم مقبل عليها ... يقبل جبينها ... ينحنى على كفيها ... تأخذه فى أحضانها ... يبكى ... تهدهده لينام ... وهو لم يتخط بعد الخامسة والعشرون !
أفاقت على ضجيجٍ مفتعل من طفلٍ يلهو مع رفيقه فى الشارع ... مرت على بيوتٍ قديمة مثل عمرها ... دارت حول بيتٍ قديم .. وقفت تتأمل نوافذه المغلقة ... وهذا الباب الخشبى الموصد ... أرادت أن تنفذ فكرةً قد طرأت على بالها ... أن تفتح هذا الباب ... قبل أن تتقدم نحو الباب أدامت النظر إلى تلك النوافذ المتهالكة النخرة ... استدارت ... تراجعت ... صممت أن تفتح هذا الباب ... وبكل ما أوتيت من قوةٍ فتته ... ثم أغلقته خلفها .
وجدت سلم داخل هذا البيت ... جالت بنظرها على المكان ... وبنظرةٍ دائرية ثاقبة ... رأت الكثير من خيوط العنكبوت المتكاثرة فى كل ركن من أركان هذا البيت .
الدرجات السلمية الخشبية تئن تحت وقع قدميها .
ارتجفت ... أحست بالخطر يحاصرها من كل اتجاه ... يكاد السلم ينخفض بها تدريجياً ... وأخيراً صعدت بسلام .
وصلت لمكانٍ لم تتبين معالمه فى العتمة .
عند ركن الدرابزين الشمالى يأتيها ضوء خافت فيضئ جزء من المكان ... فيكشف عن غرفٍ أمامها ... أصرت أن تمضى مجتازة هذه الظلمة بكل ما سوف يواجهها من مصاعب وكوارث .
يأتيها صوت من داخل إحدى الغرف المغلقة... صوت قوى يخترق المكان ... وينفذ إلى أذنها :-
- حذارى يا ريم ... ولا تصدقى !
فزعت من السكون الذى ساد المكان ... وعلى أى حال ... فكل ما بداخل هذا البيت مليئ بالدهشة والرعب .
قررت الهروب من الحصار الذى فرض عليها ... ارتدت درع الرعب ... انطلقت عبر درجات السلم ... اعترضها قط أبيض رافضاً استسلامها وهروبها ... ركلته بقدميها ... فسقط صريعاً وسقطت جواره على أرضية البيت الرملية .
فاتت ساعة أو ساعتان ... فريم .. لا تدرى كم مضت من الوقت فى هذا البيت ... جلست القرفصاء ... دقات قلبها تتزايد ... تتصاعد أنفاسها ثانيةً بعد الأخرى ... أدركت أنها النهاية ... وأنه الموت الذى يدنو منها .
أيعقل هذا ... أتموت ريم هنا ... لكم تمنت أن تعيش هنا .
ولها صوت كأنه أمر واجب التنفيذ :-
- اصعدى مرة أخرى إلى أعلى !
قاومت ... نصبت قامتها ... ارتجفت ... فقدت الاتزان ... حاولت الوثوب ... لم تفلح ... حاولت مراتٍ ومرات ... كتمت نشيجها ... ثم اندفعت خارج البيت لتوالى رحلة البحث عن ولدها .
حل الظلام ... جاءها هاتف :-
- ريم ... إننا نعيش حياتنا فى تناقص ... كل يومٍ تغيب فيه شمس يغيب معها يوم من أيامنا ... فلا تنسى أبناءك لحظةً واحدة ... فراعيهم وكونى لهم الخادمة المطيعة .
فى اتجاهها للبيت أسرعت خطاها ... أسرع إليها طفل يرتدى سروالاً أبيض وقميصاً من نفس اللون ... ووجهه يشع أشعةً وأنواراً قمرية ... كأنه ولد فى أحضان القمر وتشبه به .
قال لها وابتسامة تعلو ثغره :-
- أم صالح ... سيد رجع الدار .
( تمت )
( انتهت المجموعة )
صادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة
إقليم شرق الدلتا الثقافى
ثقافة كفر الشيخ
اشراقات
5
الطبعة الأولى / 2003م
سامح عبد البديع الشبة
sameh_ss_center@yahoo.com
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir