عبدالرحمن حسن
27-06-2006, 11:51 PM
الهـــــــــديــــــة
عاد أبو محمود إلى منزله بعــد أن أمضى وقتــــــا قصيرا في المقهــــى المجاور في الحي الـــــذي يقطنه ، لقــد تخلص هـــذا اليـوم من رائحــة التبـــغ والقهــوة ، ومن ثرثرة زبائن هـــــــذا المقهى الــذي أراد أن يكـــون أحــد رواده مع ثلـة من أصدقاء العمر، لم تعهد أسرة أبــــــو محمود عودتـه المبكرة إلى المنزل فلقد اعتاد الجميـع على عودته المتأخـــرة دائمــا انتاب الجميع بعض الشكوك حول صحته، أو ربما جرى خلاف بينه وبيـــن صديقـه أبو معروف الذي يتغلب عليه دائما بلعبــــة الورق ،
لم يكن أبو محمود اليـــوم كعادته فمنــــذ زمن طويــل لم يجلس مع العائلـة للحوار بأي قضية، فقد كانت أم محمود هي التي تسير أمور البيت بعيدا عنه وعن عصبيته الزائــدة ولعله قـــد تعمد إراحة نفسه من عناء هــذه المسؤولية، لكنه في هــذا اليوم تغير الحال فهو يريــــد أن يتحـدث للعائلـــة بقضية هامــة بعــد أن أشبعها دراسة وتفكيرا مع نفسه وكيف لا والمسألة لا تحتمل التأجيـــل لارتباطها بمصير أولاده وضرورة أن يزوجهـم ويفـــرح بهم قبل أن ينتهي العمر وتجف أوراقـــه،عندها لن يستطيع رؤية أحفاده 000 نادى بصوت عال أم محمود00 أم محمــــود أحضري لنا فنجـــان قهـــــوة واتركي كل شيء ، تركـت أم محمود عملها في المطبـخ، وبعـد أن تناولـت المنشفــة لتنشف يديهـــا من الماء000 أحضـرت فنجـان القهــوة وجلسـت لتستمع لطلبـات زوجهــــا وأوامــره والتي حسب رأيها لا تنتهي أبدا 000 !!!!
- ما رأيك أن نخطب لسامر وقصي ثم نزوجهــــم بأقـــرب فرصة قبـــل أن نغادر هـذه الدنيا الفانية وتصفر أوراق العمر وتسقط 0
- خبر مفرح ولكن 000
- اتركينـــا من لكــن 000أريــــد أن تذهبي إلــى بيـت جارنــا أبــــو مروان وتحدثيهـم بخصـوص طلـــب يـــــد سلمى ووداد 000 سلمى وسامر00 مناسبين لبعض خاصـــة وأن سامر ما شاء الله يحمـــل الإجــــازة الجامعيـة وهـــو مهذب وطموح وسلمى أيضا مثقفة وجميلة وتعمل في مجال التعليم، وأنا لاحظت منـــــذ مـــدة أن ابنـــك سامر يميل لهـــا واعتقــد أنه سيكون سعيــدا بهـذا الخبــر 000أما قصي صحيــح أنه ولـــد طائش هــذه الأيــام لكــن لابــــد أن يعقــل وتتغيـر حياتــــــه بعــد الزواج 0
- معك حق يا أبو محمود إن شاء الله تكون الأمور بخير
في اليـــوم التالي ذهبــت أم محمود لزيارة جارتها وبعد أن رحبت الجارة بها فرحت أم محمود لحــرارة الاستقبــال مما شجعهــا على البــوح بطلبهــا كانت الفرحـــة عظيمــة عندما أعلنت عائلة أبو مروان الموافقة على حفل الخطوبة 0
لم يخف أبو محمود فرحته وهـــو يحــدث أولاده عن زيارة والدتهـم لبيت أبـــو مروان كان الفرح باديــا على وجـه سامر أيضا ، لكنــــه حـاول أن يخبـــــئ ابتسامته حتــى لا تفضحه أحيانا وهــو يستمع لحديث والـــده ، وكيف لا يفرح وهـــو الذي يقـــف صباح كل يــوم أمام باب المنــزل ليرى سلمى وهــي متجهــة إلى عملهــا0000 لقــد أحبهـــا بصمـــت دون أن يبـوح لهــا بحبـــه ، أما هــــي فكانــت تبادلــه نفس الشـعور لكنهـــا لــم تجرؤ أن تقــــول لـــه حتـــــى كلمــة صباح الخيـــر وعندما تمـــر من أمامه يهجم نيسان بربيعـــه الأخضر ليصبـــح المكان آية من الجمال والروعـــة، فتوزع الفراشات ضحكاتها على كل الورود 000 يبتهل إلى الله أن تكون من نصيبــه ثم يعــــود بذاكرته للخطط التـي كـان يحبكهـــا للتقــرب منها ليصارحهــا بحبـــه وفـــــــي اليـوم التالـــي تفتر عزيمته ، فيعــود مهزوما من جديـد حلق سامر بعيدا في صمتـــه وهــو يبني مدنـا من الأحلام وقصورا وحدائـــق وجنــــات عدن 000!!!!
- ما رأيــــك يا سامر000 صمت سامر للحظــة وحاول أن يقول: لكن الحال00 قاطعه والــــده لا تهتــم كل مشكلة ولهـــا حـــل المهــم أن تكـــون مقتنعـا ، حرك سامر رأسه إشارة منه بالموافقة 0
جال أبو محمـــــود بنظره نحــــو قصــي هـــذا الولــد العاق الـذي لم يهــدأ يوما واحـدا بلا مشكلة وأنت ما رأيـــك ( يا سبع الفلا ) رد قصي بإسلوبه المعتــاد والله ما عنـــدي أي ممانعـة طالما انني لــن أدفـــع شيء من جيبــي000 من الغبـاء أصلا أن أرفض0
- مين انتظر منك قرشا واحـدا يا( مغضوب) هدفنــــا من زواجـك أن تعقــــل وتتـــرك المشاكل وتريحنـــا منك ونراك رجلا يعتمــــد عليــــك ، نظر قصي للجميـــع نظـرة لا تخلو من المكر والخبث مع ابتسامة صفراء ثم نهض من جلسته 0
اتفقـــت العائلتان على أمـــور الخطبـــة والزواج وتحـدد يــوم ومكان حفـــل الخطوبــة كان يوما مشهودا على صعيد الحي فكل أهل الحي يقدرون أبو محمود ويحترمونه وهو الذي شاركهـم بكل أفراحهم و أتراحهم ولــذا أصر الجميع على حضور حفل الخطوبــة ولم يتخلف منهم أحد 0
مرت الأيـــام والخطيبــان يتـرددان إلى منـزل العـــم أبو مــروان كان سامر لا يزور سلمى إلا وجلب معه للذكــرى بعض الهدايـــا ، ولعــــل من أجمـــل هدايـــــاه كانـــت البطاقـــات الملونة والمسطر عليهــا كلمـــــــات العشق والمزينـــة بالقلـــــوب الحمراء بالإضافـــة إلى مجموعــــة مـن أشرطة الكاسيت 000 كانت سلمى تنتظـــر خطيبهــا بلهفـــة العاشق كل يــوم فرحــة به وبحضوره الدائــم لرؤيتها ، وعندما يغـــادر المنزل تحمــــل سلمى هداياهـا وتريهــا لأختهــا ، أما وداد فكانـت تبتسم لأختهـا فرحة لفرحها وتضمها إلى صدرهـــا ، لكن الحـــزن يملأ قلبهـــا على هـذا الحــــظ العاثر الذي بعث لها بقصي ، هـــذا الشاب الذي لم تسلم منه ومن كلماته البذيئـــة معظم بنات هذا الحي كان بإمكانهـا أن ترفض قصي لكـن كيـف سترفض وخلفهـــا أب قاس لا يتـــرك مجالا لتعبـرعن رفضها ، وكيف سيكون حـال أختهــــا سلمى مع خطيبها سامر000 سامر هـــذا الحلم الـــذي تمنته سلمى وتحقـق دون أن تجرح كرامة العائلـــة أو سمعتها كيف سترفض وأبيها الذي لا يمكن أن تجــد معه لغة للتفاهـــم000 إنهـــا حيـاة مريـــرة حقا ومنفرة انه القــــدر الــــذي أوصلها لهــــذا الواقــع000!!!!
كانـــت وداد راضيـة بهــذا النصيب تنتظر مفاجئــــة المستقبــل أن يصلـــح حال قصي وتتغير تصرفاته ، وخطـــر ببالها ذات يـــوم أن تطلب منـــه أن يحسن التعامـــل معهـا كما يعامل سامر أختهــــا سلمى تمنت عليه أن يحضر لهــــا شريـــط كاسيت يتضمــن بعض الأغانـــي العاطفيــة ، وما كان مـــن قصي إلا المجاملة 000 تأمري يا حبيبتي سأجلب لك أجمـل الأغانــي رغــــم انني لا اهتـم بهـذه الأمـور لكـن طلباتــك يا عمري أوامـــر فأنــــت أغلـــى عنـدي مـــن كل كنــــوز هــــذا العالــــم وردت وداد وبصوت يعتريـــه الأسـى والحـــزن000وأنا كــذلك يا حبيبـــي نهض قصي مودعــا خطيبتـــه بعــد أن اتفقا على اللقــــاء في اليـــوم التالي 000عــاد لبيتـــه سألتــه أمه عن خطيبته وأهلهـــا رد بكلمـــات مقتضبة بخير000 جميعهم بخير ، وذهــب إلى غرفة نومه وفي اليــوم التالي وقبـل أن يحـل وقت المساء طلب قصي من والده مبلغـا من المال بحجــــة شراء بعض الهدايـــا لخطيبتـه أخذ النقــــود قاصدا بيت خطيبته ، وأمام منزلــه كانــت شاحنـــة من ثلاث عجــــلات تعبــر الطريــق انتبــه السائــــق لقصي فأوقـــف شاحنته وسألــــه إن كان يريـــد أن يوصلــه إلى وجهتــه التـــي يريـــد0000 سائـق الشاحنـــة تربطــه صداقـــة قديمـــة مع قصي وهـو الذي تعرف إليه في إحدى الحانات القريبــــة اثر مشاجرة بينهـــم كادت أن تودي بحيـــــاة أحدهـــم إلا أنها انتهـــت أخيرا بصداقـــة حميمـة وجلسات خمر طويلة0
كانت الشوارع مكتظـة بالمـارة والشمس لتوهــــا غادرت بعـــــد نهــار متعب وطويـل مودعــة كل الوجـــوه لتنــام بعيــــدا خلــــف تلك الجبـــال وبــدأ الليــــل يغطي بظلامه أجــواء المدينـة ليفرض نرجسيته المعتمـة مـن جديــــد ، والشاحنـة تواصـــــل سيرهـا يقودهـا شاب ارعـن وصديـق شقي يجلس بجانبـه000نظــرقصي إلى آلــــة التسجيــل والتـي أخـذت مكانها بهدوء قــرب مقـود الشاحنة كان شريط الكاسيت داخـــل تلك الآلة يغـــط فــي نـــوم هـــادئ بعـــد مسيرة عمل يوم مجهــد ، تنـــــاول الشريط ووضعــه في جيبـــه تذكـر خطيبتــه 000ردد في سره حلـت المشـكلة ، وأمام بقاليـــة متواضعـة طلب من زميله أن يوقـف شاحنته000 ترجــل من الشاحنـة ولـج البقاليــة تنـاول علبــة من السجائر، واتجه نحــو منــزل خطيبته وأمام باب المنـزل كانـت وداد تمسك بإبريـق مـــن المـــاء ترش أوراق الياســــمين المتعمشق علـــى جــــدران بيتها قـرع البـــاب رحبــــت به، دلــف إلى غرفـــة الضيـوف ، وبعد لحظات لحقـت به بعــد أن أحضرت له فنجانا من القهــــوة، تذكـــــر الهديــــة التي جلبها معه ، مــد يـــده لجيبــه ، وأمسك بشريـط الكاسيت وبعبارات جميلـة قـدمـه لهـا ، أخــذت وداد الشريــــط ووضعتـه على الكرسي الذي بجانبها ، كانـت الفرحة باديـــة عليهــا ،لكن الحزن لا يغيـب عن مخيلتها
بعــد جلسة قصيرة استأذن قصي خطيبتـــه بحجـــة موعــد مع صديــــق ، رافقتـه إلى باب المنزل ثم عادت مسرعة إلى أختها سلمى لتزف لهـــا خبــر الهديـــة فرحت سلمى وانبت أختها( الم اقــل لك أن قصي سيصلح حالـــه مــــع الأيــــام وانـــه شاب جيـــــد ومن عائلة جيدة )0
أصرت وداد أن تستمـــع لشريط الكاسيت مع أختها ورفيقاتها وعلى عجل اتصلت عبر الهاتـــف بمعظم صديقاتها، ورتبت كل متطلبــات الضيافــــــة0000 قالبا من الكاتــــو والعصير وبعض الفواكه ليليق بتلك السهرة الجميلة000!!!!
وبعد أن حضر الجميع أسرعت وداد إلى آلة التسجيل وعلى عجل دست الشريط الهدية بداخلهــــا ، ولــم يمض وقـــت حتى بدا الصوت ينبعث من آلة التسجيل صوت رجـــل يصرخ بأعلى صوته ( اللي عنـدو نحاس000 اللي عندو المينـــو000 صوبيات عتيقة 000 خبز يابس للبيع00 ) نظــر الجميع في وجـــوه بعضهم، وبدأت الغرفــة تضيــق أمام ناظري وداد شيئا فشيئا كل شيء أصبـــح يــــدور ويضيـق حتى وجـوه الصديقات بــــدت الأشياء فــــي الغرفـــــة غائمة ، امتـــلأت العينـان بالدموع والغرفــة تــــدور، وتــدور معهـــا كل تفاصيـل الماضي المؤلمـــة، والحظ العاثــر، وفي اليــــوم التالـــي أفاقــت وداد مـــن رحلـــة نومهــــا في غرفـــة غير غرفتها ، وأمهــا بجانـــب السرير تـردد والدموع تنهمر كشلال000 انهضي يا ابنتي 000لقد أعدنــا له هديته ولن تكوني من نصيبه 0
عاد أبو محمود إلى منزله بعــد أن أمضى وقتــــــا قصيرا في المقهــــى المجاور في الحي الـــــذي يقطنه ، لقــد تخلص هـــذا اليـوم من رائحــة التبـــغ والقهــوة ، ومن ثرثرة زبائن هـــــــذا المقهى الــذي أراد أن يكـــون أحــد رواده مع ثلـة من أصدقاء العمر، لم تعهد أسرة أبــــــو محمود عودتـه المبكرة إلى المنزل فلقد اعتاد الجميـع على عودته المتأخـــرة دائمــا انتاب الجميع بعض الشكوك حول صحته، أو ربما جرى خلاف بينه وبيـــن صديقـه أبو معروف الذي يتغلب عليه دائما بلعبــــة الورق ،
لم يكن أبو محمود اليـــوم كعادته فمنــــذ زمن طويــل لم يجلس مع العائلـة للحوار بأي قضية، فقد كانت أم محمود هي التي تسير أمور البيت بعيدا عنه وعن عصبيته الزائــدة ولعله قـــد تعمد إراحة نفسه من عناء هــذه المسؤولية، لكنه في هــذا اليوم تغير الحال فهو يريــــد أن يتحـدث للعائلـــة بقضية هامــة بعــد أن أشبعها دراسة وتفكيرا مع نفسه وكيف لا والمسألة لا تحتمل التأجيـــل لارتباطها بمصير أولاده وضرورة أن يزوجهـم ويفـــرح بهم قبل أن ينتهي العمر وتجف أوراقـــه،عندها لن يستطيع رؤية أحفاده 000 نادى بصوت عال أم محمود00 أم محمــــود أحضري لنا فنجـــان قهـــــوة واتركي كل شيء ، تركـت أم محمود عملها في المطبـخ، وبعـد أن تناولـت المنشفــة لتنشف يديهـــا من الماء000 أحضـرت فنجـان القهــوة وجلسـت لتستمع لطلبـات زوجهــــا وأوامــره والتي حسب رأيها لا تنتهي أبدا 000 !!!!
- ما رأيك أن نخطب لسامر وقصي ثم نزوجهــــم بأقـــرب فرصة قبـــل أن نغادر هـذه الدنيا الفانية وتصفر أوراق العمر وتسقط 0
- خبر مفرح ولكن 000
- اتركينـــا من لكــن 000أريــــد أن تذهبي إلــى بيـت جارنــا أبــــو مروان وتحدثيهـم بخصـوص طلـــب يـــــد سلمى ووداد 000 سلمى وسامر00 مناسبين لبعض خاصـــة وأن سامر ما شاء الله يحمـــل الإجــــازة الجامعيـة وهـــو مهذب وطموح وسلمى أيضا مثقفة وجميلة وتعمل في مجال التعليم، وأنا لاحظت منـــــذ مـــدة أن ابنـــك سامر يميل لهـــا واعتقــد أنه سيكون سعيــدا بهـذا الخبــر 000أما قصي صحيــح أنه ولـــد طائش هــذه الأيــام لكــن لابــــد أن يعقــل وتتغيـر حياتــــــه بعــد الزواج 0
- معك حق يا أبو محمود إن شاء الله تكون الأمور بخير
في اليـــوم التالي ذهبــت أم محمود لزيارة جارتها وبعد أن رحبت الجارة بها فرحت أم محمود لحــرارة الاستقبــال مما شجعهــا على البــوح بطلبهــا كانت الفرحـــة عظيمــة عندما أعلنت عائلة أبو مروان الموافقة على حفل الخطوبة 0
لم يخف أبو محمود فرحته وهـــو يحــدث أولاده عن زيارة والدتهـم لبيت أبـــو مروان كان الفرح باديــا على وجـه سامر أيضا ، لكنــــه حـاول أن يخبـــــئ ابتسامته حتــى لا تفضحه أحيانا وهــو يستمع لحديث والـــده ، وكيف لا يفرح وهـــو الذي يقـــف صباح كل يــوم أمام باب المنــزل ليرى سلمى وهــي متجهــة إلى عملهــا0000 لقــد أحبهـــا بصمـــت دون أن يبـوح لهــا بحبـــه ، أما هــــي فكانــت تبادلــه نفس الشـعور لكنهـــا لــم تجرؤ أن تقــــول لـــه حتـــــى كلمــة صباح الخيـــر وعندما تمـــر من أمامه يهجم نيسان بربيعـــه الأخضر ليصبـــح المكان آية من الجمال والروعـــة، فتوزع الفراشات ضحكاتها على كل الورود 000 يبتهل إلى الله أن تكون من نصيبــه ثم يعــــود بذاكرته للخطط التـي كـان يحبكهـــا للتقــرب منها ليصارحهــا بحبـــه وفـــــــي اليـوم التالـــي تفتر عزيمته ، فيعــود مهزوما من جديـد حلق سامر بعيدا في صمتـــه وهــو يبني مدنـا من الأحلام وقصورا وحدائـــق وجنــــات عدن 000!!!!
- ما رأيــــك يا سامر000 صمت سامر للحظــة وحاول أن يقول: لكن الحال00 قاطعه والــــده لا تهتــم كل مشكلة ولهـــا حـــل المهــم أن تكـــون مقتنعـا ، حرك سامر رأسه إشارة منه بالموافقة 0
جال أبو محمـــــود بنظره نحــــو قصــي هـــذا الولــد العاق الـذي لم يهــدأ يوما واحـدا بلا مشكلة وأنت ما رأيـــك ( يا سبع الفلا ) رد قصي بإسلوبه المعتــاد والله ما عنـــدي أي ممانعـة طالما انني لــن أدفـــع شيء من جيبــي000 من الغبـاء أصلا أن أرفض0
- مين انتظر منك قرشا واحـدا يا( مغضوب) هدفنــــا من زواجـك أن تعقــــل وتتـــرك المشاكل وتريحنـــا منك ونراك رجلا يعتمــــد عليــــك ، نظر قصي للجميـــع نظـرة لا تخلو من المكر والخبث مع ابتسامة صفراء ثم نهض من جلسته 0
اتفقـــت العائلتان على أمـــور الخطبـــة والزواج وتحـدد يــوم ومكان حفـــل الخطوبــة كان يوما مشهودا على صعيد الحي فكل أهل الحي يقدرون أبو محمود ويحترمونه وهو الذي شاركهـم بكل أفراحهم و أتراحهم ولــذا أصر الجميع على حضور حفل الخطوبــة ولم يتخلف منهم أحد 0
مرت الأيـــام والخطيبــان يتـرددان إلى منـزل العـــم أبو مــروان كان سامر لا يزور سلمى إلا وجلب معه للذكــرى بعض الهدايـــا ، ولعــــل من أجمـــل هدايـــــاه كانـــت البطاقـــات الملونة والمسطر عليهــا كلمـــــــات العشق والمزينـــة بالقلـــــوب الحمراء بالإضافـــة إلى مجموعــــة مـن أشرطة الكاسيت 000 كانت سلمى تنتظـــر خطيبهــا بلهفـــة العاشق كل يــوم فرحــة به وبحضوره الدائــم لرؤيتها ، وعندما يغـــادر المنزل تحمــــل سلمى هداياهـا وتريهــا لأختهــا ، أما وداد فكانـت تبتسم لأختهـا فرحة لفرحها وتضمها إلى صدرهـــا ، لكن الحـــزن يملأ قلبهـــا على هـذا الحــــظ العاثر الذي بعث لها بقصي ، هـــذا الشاب الذي لم تسلم منه ومن كلماته البذيئـــة معظم بنات هذا الحي كان بإمكانهـا أن ترفض قصي لكـن كيـف سترفض وخلفهـــا أب قاس لا يتـــرك مجالا لتعبـرعن رفضها ، وكيف سيكون حـال أختهــــا سلمى مع خطيبها سامر000 سامر هـــذا الحلم الـــذي تمنته سلمى وتحقـق دون أن تجرح كرامة العائلـــة أو سمعتها كيف سترفض وأبيها الذي لا يمكن أن تجــد معه لغة للتفاهـــم000 إنهـــا حيـاة مريـــرة حقا ومنفرة انه القــــدر الــــذي أوصلها لهــــذا الواقــع000!!!!
كانـــت وداد راضيـة بهــذا النصيب تنتظر مفاجئــــة المستقبــل أن يصلـــح حال قصي وتتغير تصرفاته ، وخطـــر ببالها ذات يـــوم أن تطلب منـــه أن يحسن التعامـــل معهـا كما يعامل سامر أختهــــا سلمى تمنت عليه أن يحضر لهــــا شريـــط كاسيت يتضمــن بعض الأغانـــي العاطفيــة ، وما كان مـــن قصي إلا المجاملة 000 تأمري يا حبيبتي سأجلب لك أجمـل الأغانــي رغــــم انني لا اهتـم بهـذه الأمـور لكـن طلباتــك يا عمري أوامـــر فأنــــت أغلـــى عنـدي مـــن كل كنــــوز هــــذا العالــــم وردت وداد وبصوت يعتريـــه الأسـى والحـــزن000وأنا كــذلك يا حبيبـــي نهض قصي مودعــا خطيبتـــه بعــد أن اتفقا على اللقــــاء في اليـــوم التالي 000عــاد لبيتـــه سألتــه أمه عن خطيبته وأهلهـــا رد بكلمـــات مقتضبة بخير000 جميعهم بخير ، وذهــب إلى غرفة نومه وفي اليــوم التالي وقبـل أن يحـل وقت المساء طلب قصي من والده مبلغـا من المال بحجــــة شراء بعض الهدايـــا لخطيبتـه أخذ النقــــود قاصدا بيت خطيبته ، وأمام منزلــه كانــت شاحنـــة من ثلاث عجــــلات تعبــر الطريــق انتبــه السائــــق لقصي فأوقـــف شاحنته وسألــــه إن كان يريـــد أن يوصلــه إلى وجهتــه التـــي يريـــد0000 سائـق الشاحنـــة تربطــه صداقـــة قديمـــة مع قصي وهـو الذي تعرف إليه في إحدى الحانات القريبــــة اثر مشاجرة بينهـــم كادت أن تودي بحيـــــاة أحدهـــم إلا أنها انتهـــت أخيرا بصداقـــة حميمـة وجلسات خمر طويلة0
كانت الشوارع مكتظـة بالمـارة والشمس لتوهــــا غادرت بعـــــد نهــار متعب وطويـل مودعــة كل الوجـــوه لتنــام بعيــــدا خلــــف تلك الجبـــال وبــدأ الليــــل يغطي بظلامه أجــواء المدينـة ليفرض نرجسيته المعتمـة مـن جديــــد ، والشاحنـة تواصـــــل سيرهـا يقودهـا شاب ارعـن وصديـق شقي يجلس بجانبـه000نظــرقصي إلى آلــــة التسجيــل والتـي أخـذت مكانها بهدوء قــرب مقـود الشاحنة كان شريط الكاسيت داخـــل تلك الآلة يغـــط فــي نـــوم هـــادئ بعـــد مسيرة عمل يوم مجهــد ، تنـــــاول الشريط ووضعــه في جيبـــه تذكـر خطيبتــه 000ردد في سره حلـت المشـكلة ، وأمام بقاليـــة متواضعـة طلب من زميله أن يوقـف شاحنته000 ترجــل من الشاحنـة ولـج البقاليــة تنـاول علبــة من السجائر، واتجه نحــو منــزل خطيبته وأمام باب المنـزل كانـت وداد تمسك بإبريـق مـــن المـــاء ترش أوراق الياســــمين المتعمشق علـــى جــــدران بيتها قـرع البـــاب رحبــــت به، دلــف إلى غرفـــة الضيـوف ، وبعد لحظات لحقـت به بعــد أن أحضرت له فنجانا من القهــــوة، تذكـــــر الهديــــة التي جلبها معه ، مــد يـــده لجيبــه ، وأمسك بشريـط الكاسيت وبعبارات جميلـة قـدمـه لهـا ، أخــذت وداد الشريــــط ووضعتـه على الكرسي الذي بجانبها ، كانـت الفرحة باديـــة عليهــا ،لكن الحزن لا يغيـب عن مخيلتها
بعــد جلسة قصيرة استأذن قصي خطيبتـــه بحجـــة موعــد مع صديــــق ، رافقتـه إلى باب المنزل ثم عادت مسرعة إلى أختها سلمى لتزف لهـــا خبــر الهديـــة فرحت سلمى وانبت أختها( الم اقــل لك أن قصي سيصلح حالـــه مــــع الأيــــام وانـــه شاب جيـــــد ومن عائلة جيدة )0
أصرت وداد أن تستمـــع لشريط الكاسيت مع أختها ورفيقاتها وعلى عجل اتصلت عبر الهاتـــف بمعظم صديقاتها، ورتبت كل متطلبــات الضيافــــــة0000 قالبا من الكاتــــو والعصير وبعض الفواكه ليليق بتلك السهرة الجميلة000!!!!
وبعد أن حضر الجميع أسرعت وداد إلى آلة التسجيل وعلى عجل دست الشريط الهدية بداخلهــــا ، ولــم يمض وقـــت حتى بدا الصوت ينبعث من آلة التسجيل صوت رجـــل يصرخ بأعلى صوته ( اللي عنـدو نحاس000 اللي عندو المينـــو000 صوبيات عتيقة 000 خبز يابس للبيع00 ) نظــر الجميع في وجـــوه بعضهم، وبدأت الغرفــة تضيــق أمام ناظري وداد شيئا فشيئا كل شيء أصبـــح يــــدور ويضيـق حتى وجـوه الصديقات بــــدت الأشياء فــــي الغرفـــــة غائمة ، امتـــلأت العينـان بالدموع والغرفــة تــــدور، وتــدور معهـــا كل تفاصيـل الماضي المؤلمـــة، والحظ العاثــر، وفي اليــــوم التالـــي أفاقــت وداد مـــن رحلـــة نومهــــا في غرفـــة غير غرفتها ، وأمهــا بجانـــب السرير تـردد والدموع تنهمر كشلال000 انهضي يا ابنتي 000لقد أعدنــا له هديته ولن تكوني من نصيبه 0