المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة قصيرة بعنوان"مرفأ للغياب" بقلم موسى نجيب موسى



موسى نجيب موسى
28-06-2006, 12:58 PM
مرفأ للغياب

كلما سرت في هذا الشارع يحيرني كثيرا التاريخ الذي يحمله (26 يوليو) مثله مثل تواريخ كثيرة في حياتي لا أعرف مناسبتها!! ولكن يريحني المبني العتيق الرابض علي فوهة الشارع والذي يمتلك ناصيتي شارع 'رمسيس' وهذا الشارع المحير..
أفتش في ذاكرتي عن واقعة معينة أو حدث استطاع أن يخدش جدار الذاكرة ولو بخدش بسيط يترك بها علامة ما تميز هذا التاريخ.. لا أجد.. تسلمني هذه الحيرة إلي الميزان الكبير الذي ينام علي جبين المبني العتيق والذي أري كفته اليسري دائما تميل كثيرا عن اليمني ودائما اري عليها الشيطان يعانق فتاة حسناء يرقصان في هدوء مميت سألت بعض العالمين ببواطن الامور في بلدنا عن سر هذه الكفة وسبب هذا الميل.. أجاب بأن الفنان الذي قام بتصميمه يعتقد أن العدالة الحقيقية هي من حق السماء وحدها ونحن بشر، عدالتنا تحتمل الصواب والخطأ ومن أجل هذا ترك هذا الميل ليدلل علي قناعته ولكن هذا الكلام لم يدخل قناعتي ولم يغير شيئا مما انتويت فعله، ذلك الذي حرض سلطان النوم علي عدم الاقتراب من منطقة جفوني التي حصنتها ضد قوة هذا الفعل وقوة الفكرة التي دارت بي حتى كدت أهوي.
ظللت ليالي كثيرة يفارق السرير جسدي أفكر في كيفية اختراق هذا المبني ومحاولة تعديل الكفة المائلة التي لم يلحظها أحد سواي.. بعد عناء لم أجد أمامي أي طريق سوي التسلل ليلا وتنفيذ ما أريد.
هناك في الهزيع الثالث من الليل وقبل أن ينطلق صوت المؤذن شارخا ليل القاهرة بوقت كاف وبعد أن هدأت الحركة تماما ولم يتبق سوي أنوار الشارع وبعض الساقطات اللائي يقبعن أمام بارات وسط البلد ليمارسن هوايتهن في اصطياد الزبائن المغيبين عن كل شيء إلا هن ويقمن بممارسة هذه الهواية في حراسة ذلك الميزان المائل.. وتبقي أيضا أضواء قليلة وأصوات نفير السيارات الشاردة التي لا تعرف لعجلاتها طريقا أو هوية.. أخذت أحوم حول المبني حتى أعرف عدد قوة الحراسة وطريقة التناوب ونوع الأسلحة التي يحملونها لم أجد سوي خفير واحد فقط يحمل بندقية قديمة ذات فوهتين ورقم قديم مكتوب باللون الأبيض علي كعبها ممسوح معظمه، بعد أن انتهي الخفير من إعداد راكية النار وضع عليها براد الشاي وسحب الجوزة المركونة بجواره وأخذ يعتني بها.. وبين حين وآخر ينكفيء علي راكية النار حتى يمد جسده النحيل ببعض الدفء من لسعات برد يناير القارصة.. وبعد أن فرغ الخفير من شرب الشاي بنغمات اعتدت سماعها من عمدة بلدنا عندما يستدعينا لأمر هام يتعلق بأحوال البلدة علي اعتبار أننا علي حد قوله 'متعلمين ومتنورين' وكذلك بعد أن فرغ من حجر المعسل الذي صاحب أنفاسه المتوالية سعال متقطع عال كان يخرج من صدر الخفير مصحوبا ببلغم كان يقذفه تجاهي دون أن يراني، وجدته يستسلم لغفوات متقطعة يرخي فيها جفونه تماما وتمتد إلي حد سماع صوت شخيره الذي يقطعه'كلاكسات' السيارات الشاردة أو صوت قوي لاحتكاك عجلات إحدى السيارات كادت تدهس كلبا ضالا حاول عبور الطريق مابين غفوة وصحوة تسللت إلي داخل المبني مباشرة.. روعني منظر الردهات الفسيحة والممرات الطويلة والسلالم الدائرية الفخمة.. لم أشأ أن أضيع وقتا فقفزت علي السلالم بسرعة حتى وصلت إلي الطابق الثاني وسرت في الردهة الطويلة فهاجمت أنفي رائحة عطنة استفزت مارد الفضول الكامن بداخلي فتتبعتها حتى وصلت إلي غرفة تقع في نهاية صف طويل من الغرف التي تملأ الردهة، فتحتها بصعوبة بعد أن قاومني قليلاً قفلها القديم.. وجدتني أمام كتب ضخمة للقانون والتشريعات والأحكام تلك الكتب العمياء التي حكمت علي ذات مرة وأنا البريء بقضاء عشر سنوات كاملة وسط الأحجار والرمال ومنتهكي أمن المجتمع وسلامته.. تلك الكتب التي أصبحت لا أحبها مطلقا ولا أطيقها وكثيرا ماحاول صديقي 'سميح' طالب الحقوق أن يبسطها لي ويعطيني مبررا قانونيا للحكم الذي صدر ضدي لكني كرهته هو الآخر مثله مثل تلك الكتب المهترئة.. قفز إلي ذهني سؤال جعلني أهمس بيني وبين نفسي في ضجر:
أين أنت الآن يا 'سميح'؟
لم أدع السؤال يشغلني عن هدفي الأساسي الذي من أجله جئت إلي هذا المكان الموحش. أغلقت الحجرة وتوجهت إلي سطح المبني، لم أعبأ بالملفات الكثيرة المتناثرة هنا وهناك أو بالاوراق الممزقة التي يغرق بها السطح كله بل توجهت إلي حافة المبني التي يوجد اسفلها الميزان فقفزت إلي أعلي وأدرت جسدي إلي الناحية الأخري حتي أصبحت علي مسافة قريبة جدا من مرادي، وضعت قدمي علي إحدي النتوءات التي تزين واجهة المبني وأمسكت بيدي اليمني الحافة وأخذت أميل قليلا قليلا بجسدي البدين حتي لامست يدي الأخري كفة الميزان المائلة وعندما هممت بإعادتها لوضعها الطبيعي انزلقت قدماي وسقطت بجوار الخفير تماما.. الغريب أنه لم يفزع أو يهرول كمن إعتاد أن يري مثل هذا المنظر كثيرا.. تأملني قليلا ثم ذهب بهدوء إلي أحد الخارجين علي القانون والذي يجلس دائما في مقهي مجاور للمبني العتيق وقاتضة علي رصاصة لبندقيته الصدئة مقابل تركه وشأنه وعاد إلي حيث جثتي غارقة في دمائها وفرغ الرصاصة في صدري، بعدها أخذ نفسا عميقا وجلس يعد كوبا جديدا من الشاي مع تجهيز تعميرة (تعدل دماغه) التي قلبتها له بفعلتي هذه

د. محمد حسن السمان
30-06-2006, 07:50 AM
سلام الـلـه عليكم
الاخ الفاضل الاديب موسى نجيب موسى

لقد اعجبت جدا , بقدرتك على استخدام الرمز المفتوح , بطريقة تجعل الخيال , يكاد يلامس الحدث الواقعي , باسلوب السرد والتفصيل , في تطعيم جميل , للتعبير عن عدم امكانية تحقيق العدالة , في المجتمعات البشرية , لان صفة العدالة , صفة تحققها العناية الاهية , ولايمكن للبشر مهما وصلوا من شأو , الوصول الى تحقيقها .
اسلوبك في القص , اسلوب ممتع , يغري بالمتابعة , ويستخدم اسلوبا ذكيا , في تضمين الفكرة , والانهاء الموفق للنص .

اخوكم
السمان

موسى نجيب موسى
30-06-2006, 01:12 PM
فى كل تعليق لك يغمرنى إحساس عجيب بالنشوة وبأنه بالفعل هناك من هو مهموم مثلك بوجع الكتابة الذى يضربنا بلا موعد او استئذان صديقى الدكتور السمان دمت لى معلقا رائعا تجيد قراءة النص إجادة مبدعه فى طرحة واتمنى المزيد من التواصل فمثل هذه الكلمات هى الزاد الحقيقى للمبدع حتى يستمر ويواصل التعب على درب الأدب الوعر
تلميذكم
موسى نجيب موسى
دكتوراه فى الخدمة الاجتماعية - تخصص خدمة الفرد

جواد تيدركيت
01-07-2006, 08:32 PM
لك مني كل الاحترام والتقدير اخي الكريم
تتملكني احاسيس صادقة وانا اهم بطرح اعجابي بكتاباتك
فليوفقك الله
الشاعر

بنور عائشة
01-07-2006, 09:11 PM
تحية طيبة أخي موسى نجيب موسى..
قصتك لا تختلف عن قصصك الأخرى التي قرأتها .. وك لواحدة بطعم وشهية خاصة ..أنفاسك موجودة و رقيك بالكتابة متميز..وتصويرك ومداعبة الكلمة و التحايل أو ما يسمى اللعب بالكلمة يميزك جدا ..جدا..
قلمك مميز ..اضافتك تشهد لك التميز و التمكن من الكتابة القصصية بروعة ..
ألا تفكر باستعمالك هذا الأسلوب في كتابة الرواية ..مساحة الاسترسال لديك قوية ..حضورك في الكتابة قوي ..دمت
موفق دائما ..
أخويا / الكاتبة عائشة بنت المعمورة ( بنـور عائشة ) .

موسى نجيب موسى
02-07-2006, 01:52 PM
اتقدم بخالص الشكر والتقدير الى جميع الاخوة ال1ين قاموا بالتعليق على اعمالى فى مكاننا الجميل رابطة الواحة الادبية واتمنى ان اكون عند حسن ظن الأخت عائشة بنت المعمورة عندما تصافح عينيها قريبا روايتى الأولى والتى انتهيت منها لتوى وعنوانها " وهج البهجة" صفحات خاصة جدا من حياة "وحيدة"
اتمنى ان اكون عند حسن ظن الجميع بى وبكتاباتى المتواضعة
موسى نجيب موسى
دكتوراه فى الخدمة الاجتماعية
جامعة الفيوم
موبايل:0103188501

بنور عائشة
02-07-2006, 04:38 PM
أخي موسى نجيب موسى..تحياتي
كان حدسي في محله ..وأخيرا سنرى رواية لك ..لا تنس أن ترسل لي نسخة منها
.. عنواني لديك ..ألف مبروك مسبقا ..
تحياتي / بنـور عائشة ــ بنت المعمورة ـ كاتبة ـ
bentelmaamoura@maktoob.com