المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل أنا غلطان



سعيد أبو نعسة
30-06-2006, 11:16 AM
هل أنا غلطان؟
لا تقرأوا قصتي هذه.. و لا حاجة بكم إلى إهدار وقتكم الثمين .. تجاوزوها إلى نصوص أخرى أو إلى اهتمامات أثرى .
إياكم أن تنخدعوا بالعنوان ,فالعناوين مخاتلة ,يختارها الكاتب بدقة وعناية مركزة كي تأتي مشحونة بالتشويق و الإثارة .
ستخدعون أنفسكم , ولات ساعة خداع .
أنصحكم أنا – و أعوذ بالله من كلمة أنا- بأن تهبّوا اليوم عن بكرة أبيكم للتزاحم أمام الصناديق . ستتساءلون عن أية صناديق أتحدّث؟
صناديق المساعدات الاجتماعية / صناديق البريد/ صناديق التبرعات / لا .. لا .. لا أقصد هذه الصناديق رغم فاعليتها و أهميتها .
كما أنه لا يهمني نوع الصندوق الذي أدعوكم للتزاحم أمامه ,الأهم هو نوع التقديمات التي ستحظون بها !
أما أنا – و أعوذ بالله من كلمة أنا – فاعذروني لأنني سأعتكف في منزلي,بل في غرفتي , ولن أهرع مثلكم للفوز بدور ثانوي في مسرحية فاشلة .
قولوا عني : متقاعس – انطوائي – سلبي .. قولوا ما شئتم . فهذا لا يهمني في قليل أو كثير .
يكفيكم فخرا أنني أدبّج لكم هذه القصة في هذا اليوم المشهود .
و يكفيني فخرا أنني لم أشهد الزور مثلكم وحجبتُ نفسي مختارا .
ولقائل أن يقول : " وجودك مثل عدمه ". قد يكون محقّا و قد تكونون مثلي تماما : تأكلون و تشربون و تتناسلون و تنامون وتكتئبون و تسبون و تلعنون بصوت خفيض,وتتأففون وتتضجرون و تلهبون حناجركم بالدعاء على الحكام و المحاكم و الحكومة والحكماء ثم تتسابقون بعد ذلك كله إلى الوقوف في طوابير طويلة أمام صناديق الاقتراع.لكن الفارق بيني و بينكم هو أنني سأحتفظ بصوتي لنفسي. ستذهبون باكرًا و ستردّدون كالببغاوات ما تتشدّق به أبواق الإعلام : عرس الديمقراطية .
مبروك عليكم هذا العرس . و دامت الأفراح في دياركم عامرة . أما أنا فلن أرقص في هذا الحفل البهيج .
أراكم من هنا تقفون كالأصنام أمام المركز المخصصة لكم تنتظرون دوركم بمنتهى الصبر و الرضى و تستمعون إلى تعليمات المندوبين المعتمدين من قبل مرشحكم اللطيف و أنتم تهزّون رؤوسكم قائلين : حاضر سيّدي .
لا تسألوه عن بطاقتكم الشخصية . إنه يحتفظ بها كي يضمن وفاءكم بالوعد وهو لن يدفع إليكم بالمبلغ الذي ارتضيتموه ثمنا لأصواتكم إلا بعد أن يتأكد من انتخاب المرشح العتيد .
و أراكم أيضا تخبئون ورقة ما في بواطن أكفّكم و تعضّون عليها بجامع أصابعكم . لا تخافوا ؛ الورقة لن تطير و ستجدون مثلها الكثير الكثير و ما عليكم إلا أن تدققوا فيها و تقرأوا الأسماء بتمعّن خشية التزوير .
أراكم جيدا , تمشون نحو الصناديق كالمنوّم مغناطيسيا و تتبرّعون لها بملء إرادتكم ,تدسّون في جوفها اللائحة المعطاة لكم .
لن أناقش في قانونية الصناديق الحديدية الصمّاء و لن أطالب بصناديق زجاجية شفافة تفضح ما بداخلها ,لأن صوتي رهيف لا يسمعه أحد سواي . و أعرف أننا لسنا في بلاد الغرب ,وأن بلادنا تفتقر الى نقطة تتمركز فوق حرف العين كي نصبح مشابهين لتلك البلاد لفظا على الأقل .
لا لن أناقش هذا السيل العرم من البشر المتسابقين إلى صناديق الاقتراع .
هم أحرار فيما يفعلون , و أنا حرّ فيما أفعل!
قال لي جاري : قم و انتخب ؛ إذا جنّ ربعُك ,عقلك ماذا ينفعك ؟
فقلت له : الجنون أحيانا نعمة النعم و لكن ليس في الوقوف أمام الصناديق .ثم إذا جنّ ربعي فسأصبح بعقلي زعيمهم المفدّى الأوحد الملهَم الأمجد وإلى الأبد .
سأدعهم يشهدون هذا الكرنفال (الديموكراسي) فرحين و سيتقاتلون فيما بينهم من أجل نصرة هذا النائب أوذاك و قد يموت البعض منهم فداءً لزيد أو لعبيد و قد يُجرح البعض الآخر و يحمل جرحه وسام شرف على وجهه أو قوائمه الأربع و لكنني لست مستعدّا بعد للاستشهاد في سبيل نائب أو نائبة كما لست مستعدا لحمل وسام الجرح كي يقول القاصي و الداني عني:" انبطاحي مأجور ,ناضل و جرح في سبيل بشر عادي لا في سبيل العقيدة و المبدأ ."
و بعد الاقتراع سيعود المنتخِبون إلى بيوتهم مسرورين بإنجازهم الكبير و لسوف يقتلهم الانتظار المُملّ و هم يتحفّزون لمعرفة من فاز من النواب و من لم يسعده الحظ . و لسوف يجوبون الشوارع و الأزقة مطبّلين مزمّرين لنجاح مرشحهم و لن يناموا الليل ساهرين فرحا واغتباطا بوجود سنَدٍ وظهْر لهم داخل المجلس النيابي و عند الصباح سينبلج الفجر و سيكتشفون أن نائبهم العزيز قد غادر ديارهم إلى العاصمة و إلى الأبد وأنه سينوب عنهم في اتّخاذ القرارات الخاطئ منها و المصيب وأنه سيجد ألف عذر و عذر للاعتذار عن مقابلتهم و سماع شكواهم و سيدركون في النهاية أنهم قد غُرّر بهم و أنهم حفروا قبر الديمقراطية بأيديهم و حملوا إلى صناديق الاقتراع قرار الاهمال الخاص بهم . أما أنا فسأضحك كثيرا لأنني ربحت أخيرا ,بل لأنني الرابح الوحيد الذي رفض الخازوق بملء إرادته .
و هكذا أكون قد ربحت كرامتي كما ربحت الوقت كي أكتب هذا النص .
سيقول البعض : النص ليس قصة بل هو أقرب إلى المقالة أو الخطبة أو الخاطرة ,أو لنقل هو قصة خنفشارية ينقصها الفضاء الزماني و المكاني والشخصيات والعقدة والحل. ربما كان هذا صحيحا. وهذا لا يهمّني أيضا المهمّ أنني عبّرت عن رأيي بحريّة كأصدق ما يكون التعبير و لم أرض بأن يُعبّر عن رأيي أحد ,كما جعلتكم تقرأون هذا النص حتى النهاية .
اشتموني كما شئتم فالشتيمة تعود على الشاتم ,و الْعنوني كما تشاؤون وقبل ذلك إلعنوا حظّكم العاثر الذي أوقعكم في شِباكي ,فلا دخل لي في المسألة . الحقّ كلّه عليكم . نعم! عليكم وحدكم .
ألم أحذّركم في بداية النص قائلا : لا تقرأوا قصّتي هذه.......

د. محمد حسن السمان
30-06-2006, 03:22 PM
سلام الـلـه عليكم
الاخ الفاضل الاديب والناقد الاستاذ سعيد ابونعسة

معالجة اجتماعية وسياسية واخلاقية , هكذا ارى النص , هو قصة الانسان العربي , دون شك , حيث يساق تحت تأثير الدعاية , او الوعود المعسولة الكاذبة , او حتى الاجبار والقسرية احيانا , ليكون رقما في عملية الاقتراع , وانتخاب هذا او ذاك , ان كان محظوظا , جرى عد صوته , وفي كثير من بلداننا , يكون انتخابه , عبارة عن عملية وهمية , إذ ان الانتخاب , قد حسم سابقا , بقرار من السلطة المفوضة عن الشعب , بتسلطها وتحكمها بمراكز القوة .
انت انسان حر فعلا , لم تتعلم التصفيق والتطبيل , انت لست رقما في لعبة انتخابات وهمية زائفة , احترمك لرفضك , ان تنضم للقطيع , لقد رايتهم يصفقون ويهتفون , لاولئك الذين يسرقون قوتهم , يسلبون ارادتهم , يقدمونهم قرابين لوصوليتهم , وتساق القطعان بلا خجل , الى صناديق وهمية .

اخوكم
السمان

سعيد أبو نعسة
30-06-2006, 11:26 PM
أخي الحبيب د محمد السمان
أشكرك من الأعماق على هذا التعليق الذي أثرى النص و أضاء بعض ما عتم من جنباته.
دمت في خير و عطاء

زاهية
01-07-2006, 12:15 AM
ماأجمل نصك أخي الكريم سعيد أبونعسة رأيته ينسحب على كل شيء في هذه الأمة وقادتها الصغار منهم والكبار وأصحاب المصالح العامة والخاصة فأنت عامل عندهم شئت أم أبيت ولهم الكلمة العليا في كل شيء وإن وافقوك فشكليًا والرب وحده يعرف ماوراء رفضهم أو موافتهم وفي النهاية كلهم أحجار شطرنج عند السيد الكبير وهم المطبلون والمزمرون وسوف يأتي يوم يستغني به عن طبولهم ومزاميرهم وقد يتهمهم بالفساد كرؤساء الحكومات وقد يحاكمون أحياءً أو أموات ..نجحت باحتفاظك بصوتك دون أن تهبه لأحد رغم أنهم لايحتاجون له فالنتيجة محسومة من قبل ومخطط لها برأس مدبرة ربما كانت عميلة ..المهم نجوت فألف مبارك عليك الفوز باحتفاظك بكرامتك بصون صوتك عن الانتخابات..
أختك
بنت البحر

سعيد أبو نعسة
01-07-2006, 08:01 AM
أختي الفاضلة زاهية
أشكرك من الأعماق على هذه الإضافة التي تعتبر نصا على النص و التي أثرت النص بالمفيد المفيد
دمت زاهية معطاء .