تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : "نصفان"



أسامة البيلى
01-07-2006, 09:32 PM
ليل طويل صامت يسلمنى إلى فجر جديد. شاشة التليفزيون لم تعد تحمل إلا كل ما هو ممل ومستفز.
تحدثنى الكتب التى أدمنتها أن الصبح قادم ، وأن الشتاء سيأتى قريباً بشمسه الحانية وبرده المحبب.
عند الفجر - وقبل موعد عملى بعدة ساعات - أضع علىّ حلتى الكاملة. أدارى بها شقوقاً وجروحاً حفرها الزمن على جسدى المتعب. تشرق الشمس علىّ وأنا فى الشارع. تداعبنى بحنان كنت قد نسيته. أشعر أنى رجل قادر على أى شىء. سيجارة الصباح تؤنسنى وتمنحنى حباً زائفاً.
اتقمص دورى كاملاً: معلم جاء من بلاد بعيدة ليزرع النور فى صحراء قاحلة. أرقب الموجودات ، وأستوعب التفاصيل كلها.
لدقائق قليلة تختفى الصورة من أمامى. ارى نفسى سائراً على تربة من طمى جسدى. يمرق امامى الأطفال مسرعين إلى مدارسهم. أرى بينهم طفلاً حزيناً يحمل ملامحى.
- أسامة ؟؟
- ................
ينظر لى بعتاب شديد ويتركنى مسرعاً . أراه يسير على أطراف أصابعه ناظراً إلى السماء البعيدة. يركل حجراً صغيراً ويختفى عند أول منعطف. أدرك أنى قد خنته ، وأن الخيانة تؤلمه.

تذوب الصورة من أمامى. تشقنى الصورة الجديدة إلى نصفين. يهرب منى دمى. أراه على الإسفلت الأسود ، الذى لونته الرمال بصفرة خفيفة، وهو يرسم صورة طفل يبكى. أذكر هذه الصورة جيداً. وأذكر امى وهى تضعها فى بيتنا الصغير.
تلهبنى الشمس وقد خلعت عنها حنانها الزائف. تركض الوحدة بين نصفى جسدى المقسوم. تُبعد النصفين عن بعضهما. أسرع إلى مقهى الانترنت القريب. أفتح منتداى المفضل. أريد أن أتذوق خمر كتابات "أصحابى" المتفرقين. أريد أن تحتضنهم عيناى بقوة. لكن تمد الشاشة القديمة يداً زجاجية. تزرعنى على الكرسى الأسود لكبير. أقرئهم السلام جميعاً وأمضى.

عند أول منعطف أرى نصفى الأيسر بجوار طفل صغير يحمل ملامحى. تتعانق أصابعهما. يسيران على أطراف أصابعهما ناظرين إلى السماء البعيدة. بينما نصفى الأيمن يذوى ويموت رويداً رويداَ.

أسامة البيلى
الرياض
الإثنين 26-6-2006
الثانية فجراً

جواد تيدركيت
01-07-2006, 09:43 PM
لا املك الا التصفيق
فكتاباتك رائعة وانت اروع وبين الاثنين انت وكلماتك احسني قزما فتقبل كلماتي
الشاعر

سعيد أبو نعسة
02-07-2006, 08:01 AM
أخي العزيز أسامة
فنتازيا رائعة حيكت فصولها بدقة و مهارة تثبت مقدرتك الكبيرة على السرد الماتع .
قصة فاخرة يحق لها التميز و التثبيت .

عبدالرحيم الحمصي
03-07-2006, 04:37 AM
اخي اسامة.... :v1:

رغم اننا نعيش خفوت جمالية الصورة القصصية

المرتبطة بالاختزال و التكتيف و الايحاء ...باستثناء

قريب لعدد رؤوس الاصابع ....

اجد هذه العناصر جميعها حاضرة في نصك ، مؤتثة

للمركب السردي المتواصل على خلفية استحضار

الداكرة و العودة بها الى واقعية متخيل داخل متخيل

معاتب ....

تكتيف قوي و مستفز، لعدة صور تعانق تنوع الزمكان

اثناء التجادب الجدلي بين الذات و الذات ، و هذا في نظري

خطاب يعتمد صدق الصدق ليصل بأناته التانيب و عدم الرضى

بين زمنيين او مرحلتين ..

اعتماد الكشف لمغازلة احد المفهومين ، و عن قناعة فكرية

و المتمثلين في قطبي الخير و الشر ... او الافق البعيد و نقيضه

اشد على يد اخي ابو نعسة و قد كان صائبا في منحك التثبيت...

نص غني بايحاأته و تماسك و ترابط المنفصل فيه...

ابدعت اخي اسامة .... لا جف لك قلم...

اخوك عبد الرحيم الحمصي... :os:

حوراء آل بورنو
03-07-2006, 11:26 PM
الأخ الفاضل

أرجو ألا يزعجك أني لا أحب - السريالية - بكافة أشكالها و بمختلف ألوانها ، لكنك و بكل صدق كونت في النهاية منها رمزية تتألم ، و تذوقناها .

تفلتت منك بعض همزات هنا و هناك ، و لكن سلم بنانك .

تقديري .

مجدي محمود جعفر
04-07-2006, 12:12 AM
نصفان - حالة من حالات التشظي والإنشطار - للإنسان المعاصر المغترب - سواء كانت الغربة زمانية أو مكانية أو زمكانية كما يقول الحداثيين من النقاد - وكما يبدو من النص - فالبطل غادر الديار المصرية ليعمل معلما في إحدى الدول الصحراوية وهنا الغربة المكانية - والأصعب منها هي الوحشة والغربة النفسية والروحية والبحث عن نفسه وعن الآتي من خلال فجر جديد لايأتي ومحاولة لملمة جراح النفس - والبحث عن البراءة وصورة الطفولة المفتقدة - النص كتبه أسامه بلغة جميلة وموحية تعبر بدقة عن حالة البطل - وأسامة أصبح الآن واحدا من الذين يكتبون القصة بإقتدار وتوهج - مزيدا من الألق الإبداعي الجميل يا أسامة ولك محبتي

أسامة البيلى
04-07-2006, 09:49 PM
صديقى الشاعر
كلماتك تغمرنى بالألق.
دمت كاتبا جميلا.
أسامة البيلى

أسامة البيلى
04-07-2006, 09:50 PM
أخى سعيد
حياتنا فانتازيا يا سيدى. فكيف لا نكتبها؟
دمت كاتبا مبدعا.
أسامة البيلى

أسامة البيلى
04-07-2006, 09:55 PM
أخى عبدالرحيم الحمصى
كلماتك يا سيدى تغرينى بالرد. ولك لا يوجد ما يوازيها جمالا.
دمت لنا صديقا رائعا وكاتبا جميلا.
أسامة البيلى

أسامة البيلى
04-07-2006, 09:59 PM
الأخت حوراء
كيف لا نكتب السريالية - رغم اعتراضى على التسمية فالكتابة هى الكتابة - وحياتنا أصحبت لوحة من لوحات دالى.
زيارتك شرف لنصى.
دمت بود ورخاء.
أسامة البيلى

أسامة البيلى
04-07-2006, 10:01 PM
أخى العزيز جدا مجدى جعفر
يا سيدى انتظرت رأيك بلهفة. والآن يلبسنى ردك حلة من الخجل. دمت أستاذاً رائعا وأخا وصديقا.
أسامة البيلى

علاء عيسى
06-07-2006, 05:13 AM
أعرف انك شاعر وشاعر مجيد
وهنا وبعد سفرك عرفت أنك قاص
وأيضا مجيد
تتحكم فى النص بحرفية بالغة تلعب فى منطقة الداخل التى تتماس معنا جميعا ولذا كان النص محبب للجميع
أسامة
جميل كعهدنا بك
تحياتى

أحمد حسن محمد
06-07-2006, 05:24 AM
صديقي هذه القصةْْ
كعطر الروض منبثةْْ
ولكن لي عليك عتابُ إنسان عليه ملابسي الرثّّةْ



إن جسمي تأخذه قشعريرة الوجع (يجوز) الحلم (يجوز أيضاً) حين تتحدث عن أسامة الآخر الذي تقابله فوق أرصفة الغربة.. وتجد حنيناً فيك لقبوله، وأمرا من واقع الحياة إلى تركه مرمياً على الرصيف
حبيبي العزيز..
كان يجب أن نكتب لك لنهدئ من إحساسك بالغربة.. كان يجب
بالفعل كان يجب، ونحن محقوقون لك.. لكن صدقني هي الحياة..
وليست اليحاة فقط.. بل إحساسنا بقوتك وصلابتك هي العامل الثاني الذي جعلنا نقل في الكتابة والإرسال إليك..
هكذا يا صديقي تعودنا منك أن تكون كبيراً وأبا وأخاً عظيما لا تهزه الحوادث
وهذا يجعلني آخذ عليك كثرة ما قرأت لك عن الغربة، وإن كان الموضوع جديداً على آخين غيري في أن يسمعوا أسامة يتحدث عن الغربة، ولكن أليس أواخر ما قرأته لك كله عن إحساسك بالغربة.. أنا لا أقلل من منزلة هذا الإحساس في الفن وغيره ولكن أخاف أن تظل أسيراً له في كتاباتك كلها، إن لديك من الطاقة ما يدعوني إلى أن أستمر في تقريعي هذا أو انزعاجي عليك من أن تسقط بكل قوتك الإبداعية في أبيار الغربة التي تجعل من كتاباتك إحساساً واحد بصور مختلفة
..
وحقاً إن قضية واحدة قد تستحق أن تأخذ أعمارنا كلها حتى نحلها، ولكنانتبه معي.. حتى نحلها.. وأنت لن تحل الغربة لأنها الظروف المصرية المعهوة من قسوة الحياة المصرية ..
إننا لن نحل الغربة يا صديقي إلا بغربة أعمق في أن نعيش في بلادنا ونحن على أهبة الاستعداد للانتحار بسبب ظروفنا التي تحاصرنا في كل مؤسسة حكومية وغير حكومية .. في كل سلعة من السكر إلى السمن



بعد وقبل كل هذا يا صديقي، ولا تحسبني ناقداً جيداً أفهم في الأدب بقدر ما تعلمنا أنت إياه..
آخر شيء لي هنا هو ..
ذلك التطور الرائع الذي لمسته في اللغة التي بدأت فيوضها تنسحب وتنثال على كتاباتك الجميلة الرائعة..
لقد بدأ أسامة الصغير أو المبدع الصغير يكتب كأي رجل فاهم عاقل راشد.. صار لك ملامح غير صينية.. إننا يا عزيزي في البدء.. كل شاعر أو أديب. يكون له ملامح الغريزة المعتادة أو ملامح قطة عادية تشبه قططاً كثيرة وإن فرقنا أن لونها أبيض أو أسمر بعكس القطة الأخرى التي لونها مختلف
ثم نبدأ في أن نتحول إلى ملامحأكثر تحديداً وشفافية
وأنت بدأت تهجر ملامح القطة السمراء أو البيضاء أياً كان لونها ، وتتحرك إلى ملامح يمكنني أن أتذكر أنها لك ، أو أنها ملامحك التي لا أحد يملكها غيرك
أرجو أن لا أكون قد تعديت حدودي في الخطاب..



هي نظرات ..
وأنت عودتني من أيم أن كنت في مصر أن أكون معك كما أستطيع أن أكون وليس كما ينبغي أن أكون
شكرا على سعة الصدر هذه

أحمد حسن محمد
06-07-2006, 05:29 AM
أخى العزيز جدا مجدى جعفر
يا سيدى انتظرت رأيك بلهفة. والآن يلبسنى ردك حلة من الخجل. دمت أستاذاً رائعا وأخا وصديقا.
أسامة البيلى
المهم أن يكون نوع الأكل الذي تحويه هذه "الحلة" فيه نفس ست أستاذة في الطبيخ.. دمتما صديقين وأمري لله