تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : قصة قصيرة :- غريب



سامح عبد البديع الشبة
11-07-2006, 02:32 PM
قوارب بأشكال وأحجام وألوان مختلفة فى عرض بحيرة البرلس ، وشباك الصيادين الواسعة الفتحات تتشابك مع السمك البلطى ، ومياه البحيرة تتدافع إلى الطريق الإسفلتى متخطية الحاجز - السد المنيع - البتن - فتصير البحيرة براً ، ويصير البر بحيرة ، وتتوالى ضربات موجات البحيرة للبتن ، ويظل الصراع قائماً ومستمراً هكذا أعواماً وأعوام ، ويتقافز السمك من البحيرة خارجاً على الشط ، أو خارجاً إلى الأسفلت ، وسيارة أجرة واحدة تنتظر أحد المسافرين سفراً قصيراً إلى أبو شعلان " وش الغيط " أو سفراً طويلاً إلى الحامول - إن حالفه الحظ فى الوصول إلى هناك .
*****
وغريب قد كبر وشب عوده ، وبانت عضلاته المفتولة لأهالى بلطيم ، ونهره أبوه الحاج سعد عند رؤيته فحولة ابنه النائم الممد تحت تعريشة العنب ، وأعطاه عباءته ، وظل على هذا الحال إلى أن زوجه من البنت ولهانه ، واستقل فى بيت قد استأجره له من خميس الفران ، ودفع له أجرة شهرين متتاليين ، ونعم بما لذ وطاب ، وربى ولده راشد أحسن تربية ، وعلمه منطق القسمة والضرب ، وظل هو كما هو ، صياداً على مركب فى الليل ، وحمالاً للخبز والماء فى النهار .
*****
وهناك ، وعلى مركب منير ، فى البحيرة المظلمة الباردة ، يصعد غريب مركبه ، يتمايل ويتزن ، ومعه عدته الليلية ... قنديله المضئ ... وبراد الشاى ... وقطعة الجبن القريش ... وشقتان من الخبز الأسمر ، كل ذلك وضع بطريقة منتظمة داخل سبت لجريد ذهبى ، وقطعة من القماش الخاص بأغراض تنظيف المركب ...
- ابنى راشد كبر ومحتاج لقميص .
واستقر غريب فى المركب ، ونظر إلى مياه البحيرة ، فإذا بها صافية هادئة ، فقرر أن يتعمق داخل البحيرة ، فأمسك " بمدرته " ، وغمسها فى الماء ، وجرى المركب - تظن أنه ساكن لا يتحرك - فرفع غريب بصره لأعلى ، ليجد الاستقرار فى السماء ، فلا نجوم ، ولا قمر ، وأشباح لأضواء البنايات والبيوت تظهر له على مرمى البصر .
*****
وفى يوم من أيامه ، غطس غريب فى مياه البحيرة وطفى ، ليبصر نبات ذات لون أخضر داكن اللون بطول البحيرة وعرضها ، وجفاف يشق عرضها ، وكشك لجميل يسكن نهاره ، ودخان لسمكٍ مشوى يتصاعد من داخل البحيرة ، وسيارات أجرة ونقل ثقيل وخفيف تتسارع وتتسابق من أجل وليمة طعام أو شربة كوكاكولا ، ودكاكين على جانب لطريق الإسفلتى من الجهة اليمنى ، فارغةً أفواهها للجيوب المحشوة بالمعلوم .
وإذا بغريب يبتسم ابتسامة صفراء لما اصطاده ، وذهب إلى حلقة السمك يفاصل الناس فى سعره ، إلى أن باع ما يملك من ثلاث سمكات وسبت .
*****
وفى ليلة من لياليه غطس غريب فى مياه البحيرة ، وانتظرنا أن يطفو كما يفعل فى كل مرة ، فلم يطف ، وسقط وتلاشى ، ولم يظهر وجه غريب المبتسم على وجه البحيرة ، وظهرت أوجه الصيادين على صفحة البحيرة مليئة بالدموع لفقد غريب .

( تمت )

سامح عبد البديع الشبة
sameh_ss_center@yahoo.com

سعيد أبو نعسة
12-07-2006, 12:07 AM
رحم الله الغريب المجاهد من أجل لقمة العيش
قصة واقعية القسمات تلقي الضوء على معاناة الإنسان في سبيل حياة كريمة .
دمت في خير و عطاء

جليلة ماجد
12-07-2006, 12:31 AM
لقد فقد حياته لأجل لقيمة ...

ما أرى الشباب الآن إلا لاهثين وراء غربة ..

يظنون أنهم - بها يعانقون الحياة ..

و إذا بهم يتعثرون بالتوابيت ..


سامح ..

رمز قويّ ..أحترمه بالفعل ..

قصة راقية ..


مودتي ...

سامح عبد البديع الشبة
12-07-2006, 03:20 PM
رحم الله الغريب المجاهد من أجل لقمة العيش
قصة واقعية القسمات تلقي الضوء على معاناة الإنسان في سبيل حياة كريمة .
دمت في خير و عطاء

الأستاذ العزيز/ سعيد أبو نعسة

كلنا مجاهدين وغرباء من أجل لقمة العيش ، وكلنا يجب علينا أن نعانى من أجل حياة كريمة وأفضل .

تقبل تحياتى وتقديرى

جوتيار تمر
12-07-2006, 05:33 PM
الشبة..
غريب..
مثال للملايين الذين يمتهنون شتى الاعمال من اجل اعلة عوائلهم..ولايهم كيف يفعلون ذلك مادام ذاك العمل يجني مالا..يمكن به سد رمق اطفاله..الا ان امثال غريب لايمكن لهم الا ان يعملوا من كد ايديهم..فهم لايعرفون الخطأ والاتكالية..لذا نجدهم يغطسون في عمق الحياة ويجتثون شتى الوان الالم والوجع..من اجل الاستمرارية التي ينشدونها لعوائلهم..لذا يكون فقداننا لهم امرا محزنا..لاننا لانفكر به فقط..لا..انما فقط برحيله..نستجمع الصور كلها... صورة غريب..صورة راشد ابنه..صورة عائلته كلها..ونبدا نفكر كيف يمكن لها ان تستمر بعد رحيل معيلها الوحيد..لذا تدمع الاعين..ولننظر الى ادمع الصيادين.. فهم يعرفون بقسوتهم للظروف القاسية التي يعيشونها..انهم يتعاملون مع البحر..الموج..الاعاصير...وال ياح.. لكن في مثل هذه المواقف تظهر انسانيتهم ومعدنهم الاصيل..اذا غريب هنا لايمثل تلك الحلقة التي اجتثت من شباك صياد..انما هو امتداد طبيعي لكل من يعمل وهو يفكر بان لايجوع من هم في عهدته..
صور جميلة رسمت بدقة..وحرفنة...
تقبل خالص احترامي
جوتيار

سامح عبد البديع الشبة
12-07-2006, 07:54 PM
لقد فقد حياته لأجل لقيمة ...

ما أرى الشباب الآن إلا لاهثين وراء غربة ..

يظنون أنهم - بها يعانقون الحياة ..

و إذا بهم يتعثرون بالتوابيت ..


سامح ..

رمز قويّ ..أحترمه بالفعل ..

قصة راقية ..


مودتي ...

سيدتى الجليلة / جليلة ماجد

حضور بين النص يزداد غناً وترف .

تقبلى تحياتى وتقديرى

سامح عبد البديع الشبة
12-07-2006, 11:43 PM
الشبة..
غريب..
مثال للملايين الذين يمتهنون شتى الاعمال من اجل اعلة عوائلهم..ولايهم كيف يفعلون ذلك مادام ذاك العمل يجني مالا..يمكن به سد رمق اطفاله..الا ان امثال غريب لايمكن لهم الا ان يعملوا من كد ايديهم..فهم لايعرفون الخطأ والاتكالية..لذا نجدهم يغطسون في عمق الحياة ويجتثون شتى الوان الالم والوجع..من اجل الاستمرارية التي ينشدونها لعوائلهم..لذا يكون فقداننا لهم امرا محزنا..لاننا لانفكر به فقط..لا..انما فقط برحيله..نستجمع الصور كلها... صورة غريب..صورة راشد ابنه..صورة عائلته كلها..ونبدا نفكر كيف يمكن لها ان تستمر بعد رحيل معيلها الوحيد..لذا تدمع الاعين..ولننظر الى ادمع الصيادين.. فهم يعرفون بقسوتهم للظروف القاسية التي يعيشونها..انهم يتعاملون مع البحر..الموج..الاعاصير...وال ياح.. لكن في مثل هذه المواقف تظهر انسانيتهم ومعدنهم الاصيل..اذا غريب هنا لايمثل تلك الحلقة التي اجتثت من شباك صياد..انما هو امتداد طبيعي لكل من يعمل وهو يفكر بان لايجوع من هم في عهدته..
صور جميلة رسمت بدقة..وحرفنة...
تقبل خالص احترامي
جوتيار

الصديق العزيز / جويتار تمر

*** ما كل هذا التحليل الذى يكاد يتطابق مع النص الذى تخطه يمناى ، أهو من واقع الصدفة أم من واقع القراءة والدراية ببواطن الأمور والحالات .
*** لا أعرف ما سأقوله لك ، فقد عجز لسانى عن التعبير الملائم لحالتك تلك ، فما أن تبدأ فى قراءة أى نص إلا وأراك كالاعصار والفيضان يكتسح ما أمامه ويكشف سره المخبأ .
جويتار /
*** أهو الحسد الذى يطل من عينى أم الغبطة .
لا أدرى .
*** فكل ما أنوى قوله لك الآن سر على بركة من الله ورعايته لتلك الموهبة الفطرية التى نبتت فيك .

تقبل تحياتى وتقديرى

خليل حلاوجي
19-07-2006, 12:55 PM
فقرر أن يتعمق داخل البحيرة ، فأمسك " بمدرته " ، وغمسها فى الماء
\

الاصرار

هو الحافز الاجدى لحياة أحلى ... ولكن بحذر

\

ومانيل المطالب بالتمني .... والخوف كل الخوف أن تتحول الامنيات الى خطر مالم نؤازرها بالامكانات

\

نص رائع

مودتي

الصباح الخالدي
19-07-2006, 03:23 PM
الحياة مرة والحاجة اشد مرارة

سامح عبد البديع الشبة
19-07-2006, 08:05 PM
فقرر أن يتعمق داخل البحيرة ، فأمسك " بمدرته " ، وغمسها فى الماء
\

الاصرار

هو الحافز الاجدى لحياة أحلى ... ولكن بحذر

\

ومانيل المطالب بالتمني .... والخوف كل الخوف أن تتحول الامنيات الى خطر مالم نؤازرها بالامكانات

\

نص رائع

مودتي

الصديق العزيز / خليل حلاوجى

نعم هو الاصرار يا سيدى رغم المخاطر ، فما أحلاها من حياةٍ وسط الموت .

تقبل تحياتى وتقديرى