المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : معلم لا ينسى



أيمن بن أحمد ذوالغنى
03-08-2006, 07:28 PM
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

معلِّـم لا يُنـسى


إنَّ من نعَم الله السابغة عليَّ أن سَنَّى لي - في مراحل التعلُّم الأُولى - التلمذةَ لعدد من معلِّمي العربيَّة المخلصين المجيدين، غَرسوا في نفسي حبَّ العربيَّة، ونثَروا فيها بُذورَ تذوُّق فصيح الكلام ( شعرًا ونثرًا )، وإدراك جَماله، والتأثُّر بمعانيه، فجزاهُم الله عنِّي خيرَ الجزاء؛ كِفاءَ رعايتهم وحسن تعهُّدهم.
ومن هؤلاء المعلِّمين المقتدرين أستاذٌ له عليَّ منَّة وفضل، علَّمَني في بداية المرحلَة المتوسِّطة ( الصفَّين الأوَّل والثاني )، وتركَ في خَلَدي أثرًا طيِّبًا عميقًا، هيهات أن يُمحى.
إنه الأستاذُ الكبير والمربِّي الفاضل أحمـد قَبِّـش، صاحبُ التآليف النافعة الممتعَة، كان يومذاك شيخًا على عَتَبة الستِّين، وكنتُ وزملائي بين يدَيه أطفالاً صغارًا كبراعم الزَّهر، فكان يأخذُ بأيدينا ويمضي بنا في رحاب العربيَّة رُوَيدًا رُوَيدًا، باذلاً وُكْدَه في تقديم المادَّة لنا بأُسلوب سهل محبَّب، ولا تنتهي الحصَّة إلا وقد وَعَينا الدرس، وحَفِظنا المقرَّر، نعم لا تعجَبوا، فقد كان يَجهَد في إفهامنا، ولا يفتأُ يكرِّر القاعدة، ويُكثر من عَرض الأمثلة والشَّواهد، حتى نحفَظَها عن ظهر قلب، وهو يَهدِرُ بكلِّ ذلك بحيويَّة وحَماسة، حتى لنكادُ نسمعُ خفقَ قلبه.
وممَّا لا أنساهُ له: ما كان يكلِّفُنا به من تعبيرٍ بالرسم عن بعض مَشاهد دروس القراءة، ولسائلٍ أن يسألَ: وما علاقةُ مادَّة اللغة العربيَّة بالرسم ؟! أوَليسَ للرسم حصَّةٌ خاصَّةٌ بـه ؟! وأقولُ: بلى، ولكنَّ الأستاذَ كان حريصًا كلَّ الحرص على أن ينمِّيَ فينا الحسَّ الفنِّيَّ؛ بالتعبير عن الأفكار بالخُطوط والأشكال، وفي ذلك ما فيه من تنشيطٍ لملَكَة التخَيُّل، وشَحْذٍ لها، وتعميقٍ للفكرة في نفوسنا، حينما نجَسِّدها لوحةً منظورة.
وممَّا يميِّز أستاذنا الفاضلَ ويُعلي مَقامَه: ما يتحلَّى به من جِدِّيَّةٍ واستقامة، وتحرِّيه العدلَ التامَّ بين طلاَّبه، وإن أنسَ لا أنسَ ذلك الموقفَ الجريء مع مدير مدرستنا، لقد كان للمدير ابنٌ معَنا في فصلنا، وكان طالبًا عاديًّا، غيرَ متميِّز بجِدٍّ ولا تفوُّق، وكان أبوه يستغلُّ منزلتَه ومنصبَه في دفعه إلى المقدِّمة بالباطل، فكان في بَدء كلِّ اختبار يهمسُ في آذان المدرِّسين والمراقبين؛ يوصيهم بمراعاة ولده، وغَضِّ الطَّرْف عنه، ومساعدته فيما يحتاجُ إليه، ويومَ اختبار اللغة العربية دخلَ كعادته قاعةَ الاختبار، ودنا من أستاذنا يُناجيه، وما هي إلا لحظاتٌ، وإذا بأستاذنا يثور كالبُركان، ويَصيحُ في وجهه على سَمع الجميع: اعلم يا حضرةَ المدير أن ولدَكَ وسائرَ الطلاَّب عندي سواء، لا فرقَ بين طالبٍ وآخرَ، ولا يمكنُ أن أراعيَ ولدَكَ على حساب الآخرين ... ولكُم أن تتصوَّروا حالَ المدير في تلك اللحظات العَصيبة، لقد أسرعَ بالخروج من القاعة لا يَلوي على شيء، متمنِّيًا لو أن الأرضَ بلعَته قبل أن يقفَ هذا الموقفَ المحرج.
وبعدُ، فتلك شذراتٌ برَّاقة من سيرة مُربٍّ أصيل، من المعلِّمين الأَكْفاء المخلصين، الذين طُبعوا على صدق العَطاء، مستشعرين عِظَمَ الأمانة التي نيطَت بهم، وجَلالَ المهنة التي نذَروا لها أعمارهم، وفيهم يقول الشاعر:

أرأيتَ أشرفَ أو أجَلَّ منَ الذي يَبني ويُنشـئُ أنفُسًا وعُقولا
وما أحوجَنا اليومَ إلى أمثاله في مَيادين التربية والتعليم، بعد أن كثُرَ فيها الأدعياء، وقلَّ فيها الصُّرَحاء !!


- نشرت في مجلَّة بريد المعلِّم السعوديَّة، العدد ( 23 )،
السنة الثالثة، شهر رمضان ، سنة 1425 هـ .
- نشرت في صحيفة المحايد السعوديَّة، العدد ( 126 )،
تاريخ 15 من المحرم، 1426 هـ .
- ألقيتها برابطة الأدب الإسلاميِّ العالميَّة، المكتب الإقليميِّ بالرياض،
في 29 من شعبان 1425 هـ ،
عقب محاضرة الدكتور الشاعر أحمد السالم، رئيس قسم النحو والصَّرف وفقه اللغة في كليَّة اللغة العربيَّة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميَّة بالرياض، عن تجربته الشعريَّة .
- ألقيتها بملتقى الأدباء الشباب برابطة الأدب الإسلاميِّ العالميَّة، المكتب الإقليميِّ بالرياض،
في 13 من صفر 1426 هـ ، ( بإدارة الأستاذين الناقدين: د. حسين علي محمد و د. صابر عبدالدايم ) .


http://aymz.jeeran.com/أحمد%20%20%20%20قبش/أحمدقبش.jpg

الأستاذ المربي أحمد قبش

http://aymz.jeeran.com/أحمد%20%20%20%20قبش/قبش%20وأيمن.jpg

الأستاذ المربي أحمد قبش في داره بدمشق وعلى يمينه تلميذه
كاتب المقالة في 17 من رجب 1426 هـ

جوتيار تمر
03-08-2006, 11:22 PM
ذو الغني..
لااعلم لماذا كلما وجدت اسمك...وموضوعا جديدا لك...
انغمس فكري في الذكريات..وبدأ يسترجع الماضي..ومن له الفضل فيما..وصلت انا اليه..في جميع نواحي حياتي...

اتراني اعلم مسبقا..بانك من الذين لاينكرون فضل الاخرين عليه..
ام لانك تحمل شارة ووسام الوفاء هنا في الواحة...
حيث في كل مرة تطل علينا بذكرى لك..لكنها رسالة لنا..


دمت ايها الرائع وفيا...

مازلنا نردد من علمنا حرفا....كنا له..............................


تقديري ومحبتي الخالصة لك

جوتيار

سحر الليالي
04-08-2006, 12:10 AM
أيمن واسم مقترن بالوفاء

بارك الله فيك أخي أيمن لله ما أروع وفاءك ونبل أخلاقك

بارك الله فيك

تقبل خالص إعجابي وتقديري وباقة ورد:0014:

أيمن بن أحمد ذوالغنى
16-08-2006, 01:02 PM
أخي الفاضل الأستاذ الموقر
(جوتيار تمر)

يسعدني أن أكتب إليك من ربوع الشام الحبيبة،
حيث أقضي إجازتي الصيفيَّة.

أشكر لكم سيدي تشجيعكم الدائم لي،
ووقوفكم عند مقالاتي،
واهتمامكم بكلماتي ونتاجي.

فجزاكم الله عني خير الجزاء.

ولقد صدقتَ فيما ذهبتَ إليه من أنني أحمل في كل ما أكتب همًّا ورسالة.
تتلخَّص في الوفاء للعربيَّة ولأولي الفضل والأيادي البيض.

فأنا مذ آنست في نفسي شيئًا من القدرة على الكتابة والبيان،
اتخذت على نفسي عهدًا
أن أسخِّر قلمي لأمرين:

1- لنشر العربيَّة، وبيان خصائصها، ومزاياها،
والدعوة إلى إحيائها على ألسنتنا،
وبذل الجهد في الإحاطة بقواعدها والتمكن من أساليبها.

2- للكتابة عن أساتذتي وأشياخي الذين كان لهم فضل كبير،
في تحبيب العربيَّة إليَّ، والأخذ بيدي في دروبها الغنيَّة الثريَّة.
فلولا فضلهم السابغ، وأياديهم البيض المعطاء،
لكنت في حال غير هذه الحال التي أنا عليها الآن.

فجزاهم الله عني وعن طلاب العلم خير ما يجزي المحسنين.

أكرر شكري لكم أستاذي الفاضل
وعسى أن تجد فيما يأتي من مقالاتي
ما يرضيك.

محبكم
(أيمن بن أحمد ذوالغنى)

أحمد عبدالرحمن الحكيم
16-08-2006, 01:57 PM
سلام الله عليكم قوم رائعين

انا هنا فقط لافتخر انني في مكان كهذا مكان

اخي او لست ادري ماذا اسميك اعذرني اذا كان للسن اثره هنا

اخي تقبل شكري لله لوجود مثلك هنا

اعذرني فربما لست اجيد اللغة العربية وكنت اتمني ان اجيدها ولكن هي هكذا الدنيا


جميعاً لكم مني الشكر علي هذه المساحات الجميلة من الجمال

كنت اعتقدها مساحات لابداع الحرف فقط
ولكن ها هي مساحات لابداع الخلق ايضاً

اخوكم
احمد الحكيم

د. محمد حسن السمان
17-08-2006, 03:31 PM
سلام الـلـه عليكم
الاخ الفاضل الاديب الاستاذ ايمن احمد ذو الغنى

كلما قرأت لك موضوعا , في التعريف والعرفان , بالاسماء الاعلام , الذين لم يأخذوا حقهم , من التكريم , في مجتمعاتنا سواء في حياتهم , ام بعد ان يختارهم الـلـه , في رحمته , اسجل لك اضافة جديدة ألقة , في مسيرة حياتك , واشعر باصالتك , كأنسان وأديب وتربوي فاضل , وها انت اليوم تعود بنا , الى جيل الفرسان , من معلمينا , في شخص , الأستاذُ الكبير والمربِّي الفاضل أحمـد
قَبِّـش ، نعم لقد كانوا فرسانا , وكانوا اعلاما , يستحقون التكريم وتذكر اعمالهم الصالحات بكل خير .
تقبل محبتي وتقديري الكبير لك

اخوكم
السمان

أيمن بن أحمد ذوالغنى
10-09-2006, 02:14 PM
أختي الفاضلة الكريمة
(سحر الليالي)
لك مني عميق الشكر ...
وأدعو الله ربي أن يجعلني عند ظنك الحسن..
دمت في خير وعافية وسداد.

أيمن بن أحمد ذوالغنى
10-09-2006, 02:26 PM
الأخ الفاضل
(عندما يبكي الرجل/ أحمد الحكيم)
نحن سعداء أكثر بوجودك بيننا..
ولا عليك ألا تتقن العربية..
فالمهم هو حب العربية، والإيمان بها، والغيرة عليها..
فإن ذلك هو السبيل إلى معرفتها وإتقان قوانينها وقواعدها.
استمر في القراءة والكتابة
وستجد أنك تقدمت إلى الأمام خطوات..
وفقنا الله وإياك إلى كل خير

أيمن بن أحمد ذوالغنى
25-09-2006, 03:50 PM
أستاذي الفاضل
(د. محمد حسن السمان)
كل عام أنتم بخير
وأسأله سبحانه أن يبارك لنا ولكم بشهر الخير رمضان،
وأن يعيننا فيه على الصيام والقيام وحفظ اللسان.
وأن يجعلنا من عتقائه والمقبولين فيه.
ثم معذرة لتأخري في الرد لكثرة المشاغل.
وما ذكرته في تعليقك حق وصدق،
ولا بد أن يسعى جميع الأوفياء إلى الكتابة عن جهود أولي الفضل والعلم
من المربين المخلصين المحسنين
والتنويه بهم وبعطاءاتهم الثرة.
دمتم سيدي في خير وعافية.
ابنكم المحب
أيمن بن أحمد ذوالغنى