المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لحظــــات مــن النـــــدم



إسلام شمس الدين
13-06-2003, 04:50 AM
( اللهم احمني من الحاضر و الماضي . . أما الغد فأنا كفيلٌ به )
كانت هذه كلماته التي دوماً ما يرددها . . كان مقتنعاً أن المستقبل يمكن تدبر أمره ؛ يمكن التفكير له و الاستعداد لمواجهته . . أما الماضي فمن المستحيل تغييره ؛ من المستحيل إعادة الزمن إلى الوراء ؛ من المستحيل استعادة ما فرطنا به . .

كان الماضي مرتبطاً لديه ارتباطاً وثيقاً بالحاضر الذي يحياه دون أن يستطيع تغييره ، كل ما حدث بالماضي يسكن مشاعره في حاضره . . مشاعر الندم ؛ الشجن ؛ الحزن ؛ الذكريات الأليمة . . كل أحاسيس و أفكار الحاضر إنما هي نتاج الماضي .
كان يدرك يقيناً أنه لا يستطيع تزيين الماضي أو الحاضر . . يدرك أنه أضعف من مواجهتهما . . و أنه لا يملك إلا أن يدعو الله أن يكون له سنداً وعوناً في تحملهما .

طالع الساعة المعلقة أمامه على الحائط . . لقد تجاوزت الثانية بعد منتصف الليل . .
- لا بد و أن حفل الزفاف قد انتهى الآن . . ربما هما الآن في مسكنهما . . تمنحه كل ما هو من حقي أنا . .

لقد حان الوقت لبدء المحاكمة . .
تقدم بنفسه ليقف خلف أسوار القفص الحديدي بساحة المحكمة . . بدأ دفاعه عن نفسه :
· سيدي القاضي : أنا أطالب عدالتكم بتبرئة ساحتي . . فلقد راجعت كل مواد قانون الحب و لم أجد مادة واحدة تدينني بأي تهمة . . و أنا أرفض محاكمتي بغير قوانين الحب .
· أنت متهم بقتل الحب عمداً بسلاح الغيرة
· نعم أنا اعترف بالغيرة . .ولكن أي مواد قانون الحب تجّرم الغيرة ؟ أي مادة في قانون الحب تجعل من الغيرة تهمة أُدان بها ؟
· ولكنك تجاوزت في غيرتك الحدود التي تسمح بها قوانين الحب
· أي حدود تلك ؟ . . منذ متى للحب حدود ؟ . . منذ متى يتسع الفضاء لمشاعرنا ؟ . . منذ متى يمكن قياس مشاعر الحب و رسم حدودها ؟
· هل تنكر أنك بالغت في غيرتك ؟
· لا . . لا أنكر . . نعم كنت أغار عليها . . . كنت أغار إذا ما ابتسمت خشية أن يعشق غيري هذه الابتسامة . . كنت أغار إذا ما تحدثت خشية أن يعجب غيري بمنطق حديثها . . كنت أغار إذا ما بكت خشية أن يرق غيري لدموعها . . كنت أغار من حبها للأشياء . . من همسها للنساء . . من ذكرها للأسماء . . كنت أغار إذا ما اختارت ثوباً دون الآخر . . أو أحبت مكاناً دون الآخر . . كنت أغار من كل ماترى عيناها أو تسمع أذناها . . كنت أغار حتى من حبي لها ؛ فقد كنت أحبها أكثر من حبي لنفسي .
· لكنك بغيرتك هذه قتلت حبك
· لا . . من الظلم أن تتهموني بقتله . . اتهموني بما شئتم ، احكموا عليّ بما شئتم ؛ اتهموني بالجنون ؛ بالحماقة ؛ بالغباء . . لكن لا تتهموني بقتله
· و لكنها الحقيقة . . فلم يعد من حقك الآن أن تحبها
· بل من حقي . . فمشاعري ملك لي وحدي و لا يحق لأحد أن يسلبني إياها .
· قوانين السماء سلبتك الآن هذا الحق . . فلم يعد لك أي حق في هذا الحب ، بل هو من حق رجل آخر
· أنا لم أطلب غير الاحتفاظ بحبي لها صامتاً ، وهذا من حقي .
· لقد كان من حقك ، لكنك فرطت فيه بغيرتك .
· و من منا أحب بلا غيرة ؟ فالغيرة مبعثها الحب
· بل مبعثها الكرامة . . لقد كنت تحرص على كرامتك لا على حبك
· فلتأخذوا كرامتي ولتعيدوا لي حبي
· هل تتنازل عن كرامتك مقابل حبك ؟
· حبي هو كرامتي
· لو كنت تحب صادقاً لحرصت على الاحتفاظ بحبك
· لم أحرص على حياتي أكثر من حرصي عليه
· كنت تعلم أن غيرتك ربما تودي بحياته
· لم أكن أعلم غير أني أحب و أني لا أتحمل غيرتي على حبي .
· إذن فقد كنت تحرص على التخلص من عذابك أنت لأنك لا تحتمله
· أنا جزء من هذا الحب . . لقد كانت مشاعري كلها ملك له .
· لايهم ماذا كنت تمثل له ، أو ماذا كان يمثل لك . . فنحن الآن أمام تهمة منسوبة إليك بقتل هذا الحب
· لو كنت أنا الجاني فعلاً . . فهو ليس قتلاً إذن ، وإنما انتحار
· النتيجة واحدة ، لقد مات الحب
· في أعينكم فقط . . فما زال يحيا بداخلي أنا
· ألا زلت تنكر قتلك له ؟
· و كيف اعترف بجريمة لم تحدث ؟ . . فهو لا زال حياً ينبض بداخلي
· ربما يخفف اعترافك من عقوبتك
· و هل في قوانينكم عقوبة أشد من سجنه بداخلي إلى الأبد ؟
· ثق أنك ستنال العقوبة العادلة و لا شئ أكثر من هذا

خرج من ساحة المحكمة في انتظار سماع النطق بالحكم . .

طالع ساعة الحائط مرة أخرى . . لقد تجاوزت الرابعة صباحاً . .
- لا بد أنها أصبحت الآن زوجته فعلاً أمام الله و أمام الناس و أمامها هي أيضاً . . لقد أصبحت من حقه هو فقط . .
فهل تمنحه حقه هذا بجسدها فقط ؟ أم تمنحه مشاعرها أيضاَ ؟ هل تستجيب له أم تنفر منه ؟ هل لا زالت تحتفظ ببعض مشاعرها لي ؟ أم ماتت بداخلها حتى ذكرى هذه المشاعر ؟

عاد إلى ساحة المحكمة مرة أخرى . . ترقب بفتور سماع الحكم الذي يتوقعه . .

· لقد اطمأنت المحكمة لأدلة إدانتك بتهمة قتل الحب بسلاح الغيرة . .
لذلك فقد قضت بمعاقبتك على التهمة المنسوبة إليك . . بالندم مدى الحياة !



إسلام شمس الدين

نسرين
13-06-2003, 03:57 PM
إسلام شمس الدين
دائما فيما تكتب تفتح العذابات التي نعانيها في روحنا
الغيرة كم جعلت من حاجز أمام من نحب
تلك الغيرة التي تنهش الغيور على حبيبه
اوافقك يا اسلام فالغيرة شيء لا نستطيع ان نتحكم به
الغيرة أمر خارج عن الارادة
وانا اعترف باني غيووووره حد الجنون اغار من
القلم بين يديه
ومن الحرف الذي يتمكن منه ..
اغار واغار من نظرة من كلمة من كل ما اراه نحوه
اغار ولا املك ان اغير الغيرة ولا ان اكتمها
وان كتمتها كان لا بد ان اكون بعيدة عن حبه واتعذب
ويتعذب

اخي الرائع اسلام شمس الدين
من لم يعرف الغيرة بهذه الطريقة ولم يحس بها بهذه
الطريقة لن يستطيع ان يعذرنا (نحن الغيورين) أبداً !!

سلمت يا رائع
سلمت هذه الانفاس والمشاعر والغيرة التملكية واعتبرها حق مشروع
لكل حبيب

نسرينه :0014:

دموووع
13-06-2003, 11:42 PM
رائعة جدا يا أخي .. اسلام

سلمت يدك وفكرك
تسلسل في العرض والطرح
ووضوح في الفكرة .. وابتكار في تناولها

الغيرة وما أدراك مالغيرة ...

سلاح ذو حدين استخدمه
فيما يفيد .. وكن حذرا بما يكفي



تقبل أرق التحايا واعذبها


دموووع

ياسمين
15-06-2003, 11:44 AM
سيدى

اذا زاد الشىء عن حده انقلب الى ضده

نحن بشر نحمل بداخلنا كل انواع المشاعر المختلفة من حب وكره ورحمة وقسوة وغيرة وكل انواع المشاعر المتناقضة
قد تتغلب بعضها على بعض باختلاف المواقف والاحداث
وقد يظل البعض كامنا بداخلنا الى ان يثور البركان بداخلنا فتنطلق منا نيرانا وشظايا تحرقنا قبل ان تحرق غيرنا
الغيرة شعور طبيعى جدا بين المحبين وصحى جدا فى حالة الحب
ولكن عندما تصل الغيرة الى حد المرض
هنا تصبح مدمرة وقاتلة
لانها هنا تقتل وتدمر الحد الفاصل بين الغيرة والشك
وتقتل الثقة المتبادلة وتصبح الغيرة نار تأكل كل مشاعر الحب الحقيقى

الحب احساس ومشاعر متبادلة كما انه ايضا ثقة متبادلة وكل منهما يدعم الاخر
ولا يتخلى كل منهما عن الاخر
فالغيرة وليدة الحب والحب واحة الغيرة فيه اجمل اشجاره

اسلام
لقد كانت المحاكمة عادلة معك
وان كنت قتلت الحب بينكما عمدا الا ان الحب يظل دائما وابدا داخل القلب الصادق
مهما طال به الزمن ويظل القلب يبنبض به مادام حيا

تحياتى لهذا القلم الرائع
لك تحياتى ,,, وباقة ياسمين

خلود علي
15-06-2003, 12:28 PM
تحيه ملائكيه
.
.
.
اللهم احمني من الحاضر و الماضي . . أما الغد فأنا كفيلٌ به

هذه الجمله فى حد ذاتها أطروحه رائعه

تستحق وقفات و وقفات على حدودها

و بين طياتها

كم يكون الغد مريبا الا انه أحكم قبضته عليه

الغيره و دوما نقولها القليل منها رائع و الكثير منها قاتل

ينقلك خلف قضبان الروزح لتحاور روحك

و تتهم بالقتل عمدا او خطأ هنا لا تفرق كثيرا

لكنها جريمه قتل للقاتل و المقتول

عزيزي اسلام رائع جدا ما كتبت

سلمت و سلم مدادك

تحياتى ..:0014:.. خلود

إسلام شمس الدين
20-06-2003, 03:03 AM
الأخوات الفاضلات . .
نسرين
دموع
ياسمين الواحة
خلود علي


أرجو المعذرة لتغيبي و تأخري في المشاركة . .
أسعدتني كثيراً كلماتكم التي أضافت للنص أبعاداً قيمة
فشكراً لكم . . وتقبلوا خالص تحياتي و تقديري

إسلام شمس الدين

د. سمير العمري
27-06-2003, 06:37 PM
أخي إسلام:

طرح سردي راق لموضوع ضروري ومهم وخطير.

الغيرة بين الحب والحرب أو بين الحرص والشعور بالنقص .... هناك شعرة دقيقة بين هذا وذاك ولكن لا حب بدون غيرة وغيرة بدون حب فإن زادت عن حدها هلكت وأهلكت.


أعجبني أسلوبك الرائع وقوة كلماتك ورغبتك الواضحة في الإقناع ولكن أكثر ما أعجبني هو الحكم القاسي في نهاية الجلسة وأراه عادلاً


تحيات معجب دائم.

معاذ الديري
29-06-2003, 02:05 AM
افخر دائما بقراءتك ..
واغبط فيك هذا التفوق الواشح في فن القصة ودقة التصوير.

شكرا مستمرة .

إسلام شمس الدين
01-07-2003, 06:07 AM
أستاذي العزيز سمير العمري

كم هو صعب أن تجعل من نفسك قاضياً و ممثلاً للإدعاء في قضية أنت المتهم فيها . .
نعم حاولت أن أدافع باستماتة عن بطل القصة ، بالفعل كان لدي رغبة شديدة في الاقتناع و الإقناع بموقفه .
لكن الحكم العادل كان يجب أن يكون هو النهاية رغم اقتناعي الشديد بقسوته .

أستاذي العزيز . .
لا حرمني الله من مرورك الكريم و من تشجيعك الدائم و من مشاعرك الطيبة

فلك مني أصدق المودة و الاحترام
إسلام شمس الدين

إسلام شمس الدين
01-07-2003, 06:13 AM
أخي و أستاذي عاقد الحاجبين

و أنا أفخر دوما بمشاركاتك الكريمة و بقراءتك لكلماتي البسيطة
و أسعد دوماً بتواصلك و تفاعلك

فشكراً لك و لا أملك سواها

تحياتي و تقديري
إسلام شمس الدين