المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قدرنا لا نصنعه بأيدينا



فارس
05-08-2006, 11:54 PM
قدرنا لا نصنعه بأيدينا

ما خُلق المرء بإرادته ولا خرج إلى الوجود بطلب منه، بل كانت مشيئة الله سبحانه وتعالي؛ ليكتمل الكون وتدب الروح في الحياة الدنيا مؤمنة بوحدانية الله، وتطبيق سنة الله في خلقه في التكاثر والتوالد، وأيضاً لا يستطيع هذا المخلوق القادم إلى الدنيا أن يختار طريقه بإرادته أيضاً، وإن تهيأ للبعض أنه بإرادته يشق طريقه ويبني مستقبله، وكما قالت العرب لا يسمي المرءُ أباه.
أردت أن أسرد تلك المقدمة مدخلاً إلى موضوع جاءني من فتاة مغربية روت لي قصتها وهي تتألم وبالكاد تخرج الكلمات من فمها من شدة حزنها ومعاناتها.
هذه الفتاة ولدت لأبوين فقيرين، في إحدى قرى المغرب في قرية عادية
متواضعة، تلك مشيئة الله لا جدال فيها. عانت ما عانت في صغرها من الحرمان، وخصوصاً طفولتها التي لم تشعر -إلا وهي كبيرة- أنها حُرمَت منها ولم تعشْها كبقية الأطفال، ولكنها –بالتالي- كبرت وشقت طريقها وتلك إرادة الله
(قدر الله وما شاء فعل).
ذهبت إلى المدرسة؛ لأن التعليم مجاني في مراحله الأساسية، أما دفاترها فكانت من أهل الخير، وأقلامها من بقية أقلام من زملائها من تلك التي لم يعد زملاؤها يستعملونها، ومسكنها بيت أبيها المسكين الذي يعاني من أجل تأمين أدنى مقومات الحياة لعائلته الصغيرة.
نعم: أكملت تعليمها الأساسي -أعني المراحل الابتدائية
والمتوسطة. كبرت الفتاة وكبرت أحلامها وتطلعاتها إلى المستقبل، ولكن تلك الأحلام تصطدم بواقعها وضغط أبيها لمساعدته على تحمل أعباء الحياة، وزادت متاعبها بعد أن رُزقَ والدها بولد آخر: أخ لها فزادت معاناتها رغم أنها فرحت به سنداً وعضداً لها.
قررت تلك الفتاة أن تسافر إلى المدينة، حيث لها خالة هناك ميسورة الحال؛ علَّها تجد لها عملاً تساعد به أباها وتكمل دراستها، ركبت وسيلة النقل إلى المدينة وعيونها تنظر إلى السماء؛ علها تمطر عليها ذهباً، وتسرح بخيالها الغضِّ إلى مصافِّ الأميرات، وتحلم بحياة أفضل، وتنظر إلى مستقبل ملؤه الأمل.
استقبلتها خالتها بحفاوة وتكريم: استقبلتها بالأحضان والعطف
والحنان، ولكن بمرور الأيام انقلبت عليها تلك الخالة، وبدأت تضجر منها
وتملها، ولكن لم تشأ طردها كشيء مهمَلٍ إلى الشارع، بل فكرت بطريقة أخرى: وهي أن تستغلها في أعمال البيت مقابل طعامها وشرابها ومسكنها، وبدل أن تُحضر خادمة تخدمها وأسرتها.
وما حيلة تلك الفتاة الكبيرة الصغيرة إلا أن توافق، وتذعن لمطالب خالتها التي تؤويها من التشرد بالطرقات وعلى الأرصفة. وافقت الفتاة وهي تنظر إلى المستقبل بعيون ملؤها الأمل بأن يغير الله حالها من حال إلى حال، وباتت تلك الفتاة تأكل ما يتبقى من طعامهم، وتنام في حجرة ضيقة: تفترش الأرض إلا من سجادة بالية تحتها، وتلتحف ببقية لحاف لم يُبقِ منه الزمن شيئاً إلا علق به، وأصبح بالياً، وطول الأيام في بيت خالتها جعل أحلامها تتلاشى شيئاً فشيئاً، وطموحها يتكسر على عناد خالتها وقسوتها.
وبدأت الفتاة بالبحث عن عمل آخر تستطيع من خلاله تحقيق
طموحاتها. بعد فترة جاءها الأمل بأن ساعدتها إحدى صديقاتها بتأمين عمل بسيط لها في إحدى الشركات المحلية بالمدينة براتب يسد رمقها ويساعدها في حياتها.
عملت وكافحت وأثبتت وجودها والتحقت بأحد المعاهد التعليمية الذي يعمل بنظام الساعات وأكملت تعليمها وتخرجت من المعهد بشهادة تستطيع تحسين مستواها المعيشي، وساعدت أهلها بما تستطيع، بل استطاعت أن تشتري شقَّةً صغيرة تعيش فيها، وأحضرت أهلها ليعيشوا معها، وبدأت مرحلة أخرى في حياتها.
أحبها شابٌّ يعمل معها في نفس المكان، وأُعجب بها، وبدأ يُظهر لها إعجابه بها وهي حائرة بين عواطفها وأحلامها، ولم تمضِ فترة إلا وبادلته نفس الإعجاب، فمن وجه نظرها كان الشاب هو الذي يمكن أن يسعدها وتبني معه بيتاً وتُكوِّن أسرة وتحلم ببنين وبنات.
تقدم الشاب لخطبتها من أبيها، وافق الأب على الخطبة وقرءوا الفاتحة تيمناً بمعجزاتها؛ علَّ الله يوفقهم لما يحبه ويرضاه.
بدأت رحلة الغرام ورحلة أيام الحب وبدأت تذهب معه إلى بيت أهله؛ لمزيد من التعارف والتجانس، وهي تعتقد أنها بذلك تكسب ود العائلة، وكثرت الزيارات إلى بيت أهله، وبدأ هذا الشاب تتحرك غرائزه نحوها وكان يحاول أن ينال منها بحجة أنهم على وشك الزواج، ولكنها كانت تصده بحجة أنهم لم يكتبوا عقد النكاح، ولم تحل له بعد، ولكن إصراره كبير وخصوصاً عندما يخلو بها في بيت أهله.
قاومت الفتاة غرائزه الحيوانية ولم تضعف، وعندما لم يجد منها تجاوباً أخذ يجافيها ويقسو عليها؛ علَّها تخضع لمشيئته، وعندما لم تفلح محاولاته فسخ خطبتها بحجة أنها لا تصلح له.
لم يكتفِ هذا الشاب بفسخ الخطبة، بل بدأ بتشويه سمعتها بين أصدقائها وأهلها ومجتمعها الذي تعيش فيه. غابت عن عملها... اعتزلت الناس وهي تدعو ربها أن يفرج كربتها، ويزيح عنها هذه الغمة التي أودت بسمعتها، فمن يصدق من!! ومن يكذب من!! إن هذه الأمور في مجتمعاتنا تؤخذ هكذا... تحطمت أحلامها، وتبددت آمالها، وعادت من حيث بدأت بمعاناتها، ولكن المعاناة هذه المرة من نوع آخر مسَّ سمعتها وشرفها وهي العفيفة الشريفة، تدرك في قرارة نفسها أنها لم تخطئ، ولكن من يصدقها؟! ومن يصلح الزجاج الذي خدشه ذلك الشاب المتهور؟! ومن يعيد الماء الذي سُكب على الأرض؟!
لجأت إلى ربها مؤمنة أنه لا ملجأ ولا مهرب منه إلا إليه، واظبت على صلاتها ودعواتها بأن يصلح الله حالها ويزيل عنها تلك الغمة .


بقلم / فارس الحريري

أحمد حسن محمد
06-08-2006, 12:06 AM
آه أيها العم العزيز ..
إنه لا يتحرك مدفوعاً بالوجع إلى أديب حقاً
بارك الله فيك.. وسلم قلمك وزاد من وحيه القصصي عليك
أشكرك على هذه المشاركة الوجدانية التي تثبت فيها إحساسك بمشاكل المجتمع، وتحسسك زواياه ببصيرة المحب الذي ود لو قدم المساعدة... إن هذه المشاعر لا تكون إلا لشاعر فنان مرهف الحس
أشكرك مرة أخرى
وأدام الله مسيرة قلمك

فارس
06-08-2006, 12:09 AM
آه أيها العم العزيز ..
إنه لا يتحرك مدفوعاً بالوجه إلى أديب حقاً
بارك الله فيك.. وسلم قلمك وزاد من وحيه القصصي عليك
أشكرك على هذه المشاركة الوجدانية التي تثبت فيها إحساسك بمشاكل المجتمع، وتحسسك زواياه ببصيرة المحب الذي ود لو قدم المساعدة... إن هذه المشاعر لا تكون إلا لشاعر فنان مرهف الحس
أشكرك مرة أخرى
وأدام الله مسيرة قلمك

أشكرك على مرورك ... باابن أخي
وان كنت سأكتب فبدافع منك ومن أمثالك المشجعين لنا فلست إلا تلميذ لأدبك وحسك المرهف .
أشكرك جزيل الشكر
فارس الحريري

محمد إبراهيم الحريري
06-08-2006, 05:46 PM
الأخ ابو محمد فارس الكلمة ونابض الفؤاد بالم حقيقي على فتاة تكاد الأحزان تنهش براءتها كمدا من مجتمع ضجت منه كنوز الصبر ، وامتلأت خانات الغرابة بكل ضيم عليه ،
قصة مؤلمة بحق ، إنها أنياب الغدر تفتك بشياه الفطرة بمخالب مخملية ، وبسيف الرحم تقطع أمشاج القرابة ، وبغريزة الحيوان تنتهل سدود المحرمات . تلك هي سمة العصر ،
لك الف شكر على قلم جمح بخيالنا إلى تصور حياة فتاة فتكت بها محن القسر ولكن بقيت عفيفة ، بنظر براءتها طاهرة ولكن مشروخة الروح

فارس
06-08-2006, 06:14 PM
الأخ ابو محمد فارس الكلمة ونابض الفؤاد بالم حقيقي على فتاة تكاد الأحزان تنهش براءتها كمدا من مجتمع ضجت منه كنوز الصبر ، وامتلأت خانات الغرابة بكل ضيم عليه ،
قصة مؤلمة بحق ، إنها أنياب الغدر تفتك بشياه الفطرة بمخالب مخملية ، وبسيف الرحم تقطع أمشاج القرابة ، وبغريزة الحيوان تنتهل سدود المحرمات . تلك هي سمة العصر ،
لك الف شكر على قلم جمح بخيالنا إلى تصور حياة فتاة فتكت بها محن القسر ولكن بقيت عفيفة ، بنظر براءتها طاهرة ولكن مشروخة الروح

أشكرك على مرورك وعلى تعليقك
حقاً أبدعت في التعليق ...
فارس الحريري

جوتيار تمر
06-08-2006, 06:30 PM
فارس..

مررت لاسجل اعجابي بك وبنصك الرائع...
وبتلك النبرة الانسانية التي تحس باوجاع الاخرين..
هذه الانسانية التي علت صورتها في نصك المميز..
مع انها في الواقع الحي ليست الا كلمة ترددها الالسنة دون وعي حقيقي بها..



نقبل محبتي وتقديري

جوتيار

فارس
06-08-2006, 07:07 PM
فارس..

مررت لاسجل اعجابي بك وبنصك الرائع...
وبتلك النبرة الانسانية التي تحس باوجاع الاخرين..
هذه الانسانية التي علت صورتها في نصك المميز..
مع انها في الواقع الحي ليست الا كلمة ترددها الالسنة دون وعي حقيقي بها..



نقبل محبتي وتقديري

جوتيار

أشكرك جزيل الشكر على مرورك
وكلماتك لها وقع كبير علي ودافع لي
أشكر لك مرورك
فارس الحريري

سحر الليالي
06-08-2006, 11:38 PM
أخي الفاضل فارس:

قصة مؤلمة حد الثمالة

يا الهي ..كان الله في عونها وفرج عنها

والله إن حروفك تنزف دما

محزنة جدا

فارس
06-08-2006, 11:41 PM
أخي الفاضل فارس:

قصة مؤلمة حد الثمالة

يا الهي ..كان الله في عونها وفرج عنها

والله إن حروفك تنزف دما

محزنة جدا

أشكر لك مرورك
نعم محزنة وأردت الناس أن تشاركها حزنها دون أن تراها .. وأن تقف معها بالدعاء لها
بارك الله فيكي
فارس الحريري

حسام القاضي
07-08-2006, 11:12 PM
الأخ الفاضل / فارس

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

موضوع جميل وبه عظات قوية ومفيدة ..

لديك قدرة جيدة على الحكي وهذا واضح من أسلوبك الشيق

لكنك بدات الموضوع بمقدمة تجعل ما سردته خارج نطاق القصة

كلون أدبي له مقومات محددة تميزة عن غيره من أجناس الأدب الأخرى

فهو بهذه المقدمة يصلح لأن يكون موضوعاً في المنتدى المفتوح ،

طريقة تناولك للموضوع امتدت فترة زمنية متتابعة طويلة فهي بدات

بالفتاة وهي طفلة وتابعت حتى صارت الطفلة شابة وتخرجت وخطبت

هذه الفترة الزمنية بهذا الشكل تصلح للرواية لا للقصة القصيرة ،

ولأن الرواية تحتاج لمقومات اخرى غير الفترة الزمنية لذا فقد جاء

العمل متأرجحاً ما بين القصة القصيرة والرواية فجاء أشبه ما يكون

بملخص رواية ، أو حكاية .

الموضوع ربما يحتاج منك اعادة صياغة تجعله ينتمي أكثر إلى القصة

القصيرة .

دمت بكل الخير .

فارس
07-08-2006, 11:16 PM
الأخ الفاضل / فارس

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

موضوع جميل وبه عظات قوية ومفيدة ..

لديك قدرة جيدة على الحكي وهذا واضح من أسلوبك الشيق

لكنك بدات الموضوع بمقدمة تجعل ما سردته خارج نطاق القصة

كلون أدبي له مقومات محددة تميزة عن غيره من أجناس الأدب الأخرى

فهو بهذه المقدمة يصلح لأن يكون موضوعاً في المنتدى المفتوح ،

طريقة تناولك للموضوع امتدت فترة زمنية متتابعة طويلة فهي بدات

بالفتاة وهي طفلة وتابعت حتى صارت الطفلة شابة وتخرجت وخطبت

هذه الفترة الزمنية بهذا الشكل تصلح للرواية لا للقصة القصيرة ،

ولأن الرواية تحتاج لمقومات اخرى غير الفترة الزمنية لذا فقد جاء

العمل متأرجحاً ما بين القصة القصيرة والرواية فجاء أشبه ما يكون

بملخص رواية ، أو حكاية .

الموضوع ربما يحتاج منك اعادة صياغة تجعله ينتمي أكثر إلى القصة

القصيرة .

دمت بكل الخير .
أستاذي أشكر لك مرورك ..... ومرورك يكفي
وأعدك أن أخذ بعين الاعتبار الملاحظات التي أوردتها ... ومنكم نتعلم ونستفيد .. وبأمثالكم ... يكبر صغار الكتاب ...
أشكرك جزيل الشكر

إيمان حسن
08-08-2006, 12:17 PM
حقا إنه نص رائع
ومررت هنا لكي أسجل إعجابي بهذا النص الرائع
لأنك حقا قاص رائع
لك تقديري واحترامي

فارس
08-08-2006, 05:46 PM
حقا إنه نص رائع
ومررت هنا لكي أسجل إعجابي بهذا النص الرائع
لأنك حقا قاص رائع
لك تقديري واحترامي
أشكر لك مرورك ... ومرورك يكفي ...
أخوكي
فارس الحريري

عبلة محمد زقزوق
08-08-2006, 07:22 PM
نستخلص من القصة أخي الفاضل / فارس
أن من أتبع سنة رسول الله " صلى الله عليه وسلم " وعلم ماهية دينه آمن على عرضه وشرفه .

تحياتي لقصة بها خالص العظة والعبرة .

فارس
08-08-2006, 07:24 PM
نستخلص من القصة أخي الفاضل / فارس
أن من أتبع سنة رسول الله " صلى الله عليه وسلم " وعلم ماهية دينه آمن على عرضه وشرفه .

تحياتي لقصة بها خالص العظة والعبرة .

أشكرك على مرورك .. ومرورك يكفي ..
فارس الحريري