المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لماذا الآن ؟



محمود الديدامونى
07-08-2006, 02:02 AM
لماذا الآن ؟

أبكيتني أيها العجوز وأنت تتحدث إلى الجمهور عن التضامن .. أحسست بأن جسدى ينتفض وأنا أحاول حجب دمعات تكورت فى عينى ، أصرت كلماتك على اجتذابها .. فخرجت من البيت مسرعاً وفى ركنه البعيد عن الأعين أطلقت لعيني العنان كنت أنهنه .. نعم .. بعض مره حدث لي ذلك ، لكن ليس كهذه المرة ، فى كل مرة أتغلب على عواطفى وأمارس تحكمى ، أما هذه فقد أحسست بقطرات عينى تنزل على صدرى وجسدى ، تتفتح أجزائى .. وأشعر بانتعاشة جسدى .. لا أستطيع التحكم فى شئ .. فقط أشعر بارتياح ..
لماذا الآن ؟
فلكم حدثنى جدى عن الكثير والكثير من صور التضامن .. هو الرافد الأول الذى عرفت منه هذه الفكرة ، كان يعرف ما يحكيه لأنه عايشه .. لم يكن يعرف شيئاً عن المفردات الرنانة .. فقط كان يحكى متأثراً .. أدركت عندما كبرت أن جدى كان يدرك القيمة تمام الإدراك .. لكنه أبداً ما أكترث بالمسميات رحمك الله يا جدى .. وعاودت بكائى ..
ربتت زوجتي على كتفي .. جذبتني من يدي بعدما مسحت بطرف خمارها دموعي .. أبيت الدخول .. اجتذبتها وجلسنا سوياً ..
قلت .. : أنت لا تعرفي جدي مثلي .. فقد تربيت فى حجره ,وشربت منه كل شئ, آه لو رأيته فى ذلك اليوم الذى اشتعل فيه جرن القمح .. كان يركض على عكازه الخيزران ، يحفز هذا ويوبخ ذاك .. أبصرنا جميعاً وسط الميدان ليلتها اجتمعنا حوله رجالاً وأطفالاً .. رغم الحزن الذى خيم على وجوه الجميع ، كان وجهه يلمع بالبشر وينبض بالسعادة .. جميعنا أسموه اليوم الأسود بينما أسماه جدى اليوم الأبيض .. وراح يمارس هوايته المحببة فى صب الشاى .. أصر جدى على أن تكون السهرة فى الجرن وبين الأعواد المحترقة .. ليلتها أطلق كلمته التى لاصقت عقلى .. " لكل شئ ثمن " .. وقد يكون باهظاً ..
نعم ياجدى لقد كان باهظاً وكنت تدرك ذلك جيداً .. أنت وحدك الذى يعرف القيمة .. جميع الجالسين يسيرون على سجيتهم تحفزهم كلماتك يستمدون منها كل ليلة جلاء الصباح ..آه .. لو رأيت جدي هذا عندما عاد من الحج .. كان محملاً بالهدايا .. نعم بسيطة لكن ما من بيت فى قريتنا إلا ويحتفظ بهديته .. قد تكون معلقة فى أحد الأركان لكن الواحد منا لو لم يبصرها يومياً يشعر بأنه يفتقد شيئاً كبيراً ..
الآن فقط .. تستطيعين تحديد الفارق ..
************
كان أخى منذ بضعة أيام يستصرخنى .. لم أجد ما أنقذه به .. أحسست بالعجز يسيطر على كيانى .. ساعتها لم أستطع حتى إخراج دمعة ..
كنت بعد كل تلك السنوات التى قضيتها هناك قد نسيت رائحة المكان ، اختلطت على عقلى الذكريات .. كلمات جدى أصبحت فى سراديب عميقة ..كادت أن تتلاشى .. لولا صرخات أخى ..
كنا سوياً نلعب فى النهر ونسقى شجيراتنا الصغيرة ، نصنع أرضاً ، ونصنع من الطين جراراً يحرثها ، وساقية تسقيها .. ونعود إلى البيت وقد تحولت أثوابنا إلى قطعتين من الطين .. تهرول أمى خلفينا، نرتمى فى حضن جدى الذى يفتح ذراعيه عن آخر هما .. يحتوينا قائلاً : مرحى .. مرحى .. تضحك أمى وتعود إلى حيث كانت ..
أنا هنا .. آكل وأشرب وأستمتع بالحياة .. انتفخت جيوبى وأصيبت بالتخمة من كثرة ما بها .. أتابع الأخبار من مكانى .. تعودت هذه الحياة كثيراً ما راسلنى أخى يحذرنى بأن الأرض ستغتصب .. أهدئ من روعه وأمد يدى فى جيبى أخرج دفترى وأكتب له شيكاً .. كان يصمت ويعاود مراسلته .. حتى شعرت أنه يستنزفنى .. فما عدت أقرأ رسالاته وما عدت أخرج شيكاً من جيبى ..
آه منك أيها الرجل العجوز .. لقد نبشت بكلماتك فى بركان الذاكرة .. والآن فقط عرفت لماذا أنا أبكى الآن ؟
نعم .. الآن فقط ..

علاء عيسى
07-08-2006, 02:17 AM
أنا هنا .. آكل وأشرب وأستمتع بالحياة .. انتفخت جيوبى وأصيبت بالتخمة من كثرة ما بها .. أتابع الأخبار من مكانى .. تعودت هذه الحياة كثيراً ما راسلنى أخى يحذرنى بأن الأرض ستغتصب .. أهدئ من روعه وأمد يدى فى جيبى أخرج دفترى وأكتب له شيكاً .. كان يصمت ويعاود مراسلته .. حتى شعرت أنه يستنزفنى .. فما عدت أقرأ رسالاته وما عدت أخرج شيكاً من جيبى ..
آه منك أيها الرجل العجوز .. لقد نبشت بكلماتك فى بركان الذاكرة .. والآن فقط عرفت لماذا أنا أبكى الآن ؟
نعم .. الآن فقط ..
ديدامونى
أسعد
مرتين
وأحزن مرتين
أسع أولا لأننى قرأت العمل
ثانيا
لأننى أول المعانقين له
وأحزن أولا
على الوضع الذى وصلنا إليه
وثانياً
لأننى أخاف أن لا يبكى من أضاع الرفصة مرات ومرات
أتمنى أن يندم ولكن قبل فوات الآوان
تحياتى
على هذه الإسقاطة الجميلة والرموز المبهمة الواضحة
:NJ:

جوتيار تمر
07-08-2006, 02:31 AM
الديداموني...

انه الثمن ذاته الذي يدفعه كل انسان عندما تستباح الانسانية حمى وجودها..لقد كانت الانسانية بخير وهي تربى في حضن جدها ومنبعها ومؤسسها..لقد كانت لها قيمتها عندما كان الثمن الذي يدفعه الانسان لقاء بقائه دموع من خشية املاق او اذية من غير تعمد اصاب احد ما منه..عندما كان الجد حاضرا..كنت تعرف انك تستقي من منبع الحكمة والانسانية التي لم تعكرها خبث البشرية ولا طموحات الانسان ولا حتى نظرته الجديدة للحياة وتشبثه بالمادة من اجل تحسين صورة الحياة ظاهرا لا جوهرا..
ولكن بعدما رحل الجد..اصبحت حتى لاتجد للاخوة قيمة عملية.. لانك اصبحت تنظر اليها على انها مصالح فانك تدفع لتشعر بانك اخوه.. ونسيت بانك كنت معه تلعب وووو...وها هي الصورة تتضح لم يعد يطلب منك اذا لاتشعر بشيء حيال ذلك..الانسان لم يعد يدرك ماهية الاشياء الا بعد وقوعها..وهذا ذنب لايغتفر لانه حينها يكون قد فقد ذاته الحرة المتعطشة للوصول الى الاشياء بقدرتها الذاتية.. المشاعر الانسانية كانت حاضرة في النص بقوة في كفن الجد..وشيئا فشيئا وجدتها تفقد بريقها..بعده..فتلك الدموع التي ذرفت عند استصراخ الاخ كانت بداية النهاية..لانها تحولت بعد ذلك الى شيء اخر.. استنزاف في الذهن..
المهم..الثمن الذي تحدث الجد عنه..حاضر في كل شيء..حتى في الارض والوطن.. وها البعض يدفع الثمن غاليا لانه استهان بالارض من اجل ماذا..من اجل شيء نجهله..لعله من اجل قضية مؤجلة او حسابات مخفية او حتى اقدار منسية.
تقديري واحترامي
جوتيار

سحر الليالي
07-08-2006, 02:34 AM
اعجبني ما قراته هنا ...

أخي الفاضل محمود

كن بخير ودمت لنا

محمود الديدامونى
08-08-2006, 11:44 AM
أنا هنا .. آكل وأشرب وأستمتع بالحياة .. انتفخت جيوبى وأصيبت بالتخمة من كثرة ما بها .. أتابع الأخبار من مكانى .. تعودت هذه الحياة كثيراً ما راسلنى أخى يحذرنى بأن الأرض ستغتصب .. أهدئ من روعه وأمد يدى فى جيبى أخرج دفترى وأكتب له شيكاً .. كان يصمت ويعاود مراسلته .. حتى شعرت أنه يستنزفنى .. فما عدت أقرأ رسالاته وما عدت أخرج شيكاً من جيبى ..
آه منك أيها الرجل العجوز .. لقد نبشت بكلماتك فى بركان الذاكرة .. والآن فقط عرفت لماذا أنا أبكى الآن ؟
نعم .. الآن فقط ..
ديدامونى
أسعد
مرتين
وأحزن مرتين
أسع أولا لأننى قرأت العمل
ثانيا
لأننى أول المعانقين له
وأحزن أولا
على الوضع الذى وصلنا إليه
وثانياً
لأننى أخاف أن لا يبكى من أضاع الرفصة مرات ومرات
أتمنى أن يندم ولكن قبل فوات الآوان
تحياتى
على هذه الإسقاطة الجميلة والرموز المبهمة الواضحة
:NJ:
شكرا لك يا صديقى على القراءة المتعمقة
ودائما سعيد بمرورك

وفاء شوكت خضر
08-08-2006, 12:57 PM
الأديب / محمود الديداموني .

أتابع بشغف كما كل مرة ، وحكمة أخرى تسقطها في أذهاننا ، الأرض ، الأخ ، الأصل .. لا فرع بلا أصل ولا أصل بلا جذور .
باتت مشاعرنا متبلده ، نخشى أن نستيقظ فنحس الألم ، نصم الأذن ونقفل العين ، ونتغاضى .. انسلخنا عن أصولنا وجذورنا ، فبتنا مسخا بلا ملامح .
ترى إلى متى ؟؟
سيأتي يوم لا ينفع فيه ندم ، وكلنا غافلون .

دمت مبدعا متألقا .
تحياتي .

محمود الديدامونى
09-08-2006, 11:03 PM
الأديب / محمود الديداموني .

أتابع بشغف كما كل مرة ، وحكمة أخرى تسقطها في أذهاننا ، الأرض ، الأخ ، الأصل .. لا فرع بلا أصل ولا أصل بلا جذور .
باتت مشاعرنا متبلده ، نخشى أن نستيقظ فنحس الألم ، نصم الأذن ونقفل العين ، ونتغاضى .. انسلخنا عن أصولنا وجذورنا ، فبتنا مسخا بلا ملامح .
ترى إلى متى ؟؟
سيأتي يوم لا ينفع فيه ندم ، وكلنا غافلون .

دمت مبدعا متألقا .
تحياتي .
أتمنى من الله أن يدفع عنا هذا الألم
وأن يعطينا القدرة على الفعل
تحياتى لك أخت دخون

مجدي محمود جعفر
09-08-2006, 11:15 PM
مرثية جميلة لقيم افتقدناها وتبحث القصة عن استعادتها ولا أدري لماذا أصر الديداموني في الإلحاح على الفكرة رغم وضوحها - ربما لأنها تستحق ، وأحيانا يكون الطرق أوقع -شكرا للقاص

محمود الديدامونى
12-08-2006, 11:37 PM
مرثية جميلة لقيم افتقدناها وتبحث القصة عن استعادتها ولا أدري لماذا أصر الديداموني في الإلحاح على الفكرة رغم وضوحها - ربما لأنها تستحق ، وأحيانا يكون الطرق أوقع -شكرا للقاص
شكرا للقاص الكبير مجدى جعفر
والله زمان

منهل العراقي
29-08-2007, 10:47 AM
الاخ العزيز محمود

كم احببت نصك هذا لانه من صميم الواقع


تحياتي

خليل حلاوجي
29-08-2007, 04:12 PM
رائع ما خط قلمك هنا ... ايها الباهر ... وأنت تضع واقعنا وبؤسه في سطور جليلة

أشكرك

واسمح لي بنقلها إلى واحة القصة ...

وفاء شوكت خضر
29-08-2007, 04:24 PM
السلام عليكم ورحمة الله ..
كدت أنقلها للقصة ، ولا أدري كيف وصلت للنثر ،
قد قمت بتكبير الخط وأعتقد تحرير النص من ذلك الإطار سيعطي القصة رونقا آخر ..
مجرد رأي ..

محمود الديدامونى
30-08-2007, 10:09 PM
الاخ العزيز محمود
كم احببت نصك هذا لانه من صميم الواقع
تحياتي
تقديرى العميق لهذا المرور البهى أخى / منهل العراقى
لك الود

ريمة الخاني
31-08-2007, 09:36 AM
عندما تكون ادوات الحياة مهياة لنا براحة تامه لانكلف نفسنا العناء لما أبعد من ذلك ولكن عندما نستلم الرايه بشكل ما .....
نرى الحياة دون اقنعه
ماابشعها .....
خاصة دون قيم صادقه...
قصة تحمل ابعاد انسانيه عميقه تمس شريحة كبيرة من البشر عبر حياة نعيشها
اعجبتني اللغة المصاغة جدا
دمت بابداع وخير استاذنا

نبيل مصيلحى
31-08-2007, 09:14 PM
الجد لن يعود , ولن يعود الماضي ..
وكل ما نتلمسه ما هو إلا ( الرجاء ) ..
صدقني أحترم هذه الكتابات الراقية في لغتها , وفي فكرتها , وما ترمي إليه .......!!
وأقدرك أيها .. الصديق الأديب الشامل / محمود الديداموني
لك مودتي
نبيل مصيلحي

محمود الديدامونى
02-09-2007, 11:13 PM
رائع ما خط قلمك هنا ... ايها الباهر ... وأنت تضع واقعنا وبؤسه في سطور جليلة
أشكرك
واسمح لي بنقلها إلى واحة القصة ...
الصديق الجميل / خليل حلاوجى
دائما تسعدنى بتواجدك الثر ، وكلماتكم الراقية كرقيك
دمت مبدعا جميلا

زياد موسى العمار
03-09-2007, 09:25 PM
.
لماذا الآن
الصديق الرائع محمود الديدموني
قرأتك مراراً ومضيت، ثم عدت مرة أخرى، ولا زلت عاجزاً عن إيجاد ما أقوله سوى إنّك رائع حقّاً.
قصة ممتعة جداً، وذات دلالات ومفاهيم سامية، منسجمة الأفكار ومترابطة بشكل مذهل فعلاً.
صور حياتية قد تكون عادية، لكنّ رؤية الكاتب العميقة، وهدفه النبيل من تلك الصور والمشاهد يشي بمقدرة فذّة بالفعل.
الصديق المبدع محمود، أترك لك بعضاً من النبض ليشي بمودّتي وتقديري وإعجابي بكل ما تحمله من جمال وإبداع.
.............................................

د. سمير العمري
24-12-2007, 09:50 PM
نص هادف وكأنه بالفعل مرثية طويلة ذات وقع مكرر لقيم ومفاهيم افتقدناها وأخشى أن نكون قد فقدناها أيضا.

في النص بعض أخطاء لغوية متفرقة يجدر تنقيحها.



تحياتي

محمود الديدامونى
25-12-2007, 11:55 AM
عندما تكون ادوات الحياة مهياة لنا براحة تامه لانكلف نفسنا العناء لما أبعد من ذلك ولكن عندما نستلم الرايه بشكل ما .....
نرى الحياة دون اقنعه
ماابشعها .....
خاصة دون قيم صادقه...
قصة تحمل ابعاد انسانيه عميقه تمس شريحة كبيرة من البشر عبر حياة نعيشها
اعجبتني اللغة المصاغة جدا
دمت بابداع وخير استاذنا
شكرا لك أختى المبدعة / أم فراس
وأمنياتى لك بدوام الصحة

محمود الديدامونى
25-12-2007, 11:59 AM
رائع ما خط قلمك هنا ... ايها الباهر ... وأنت تضع واقعنا وبؤسه في سطور جليلة
أشكرك
واسمح لي بنقلها إلى واحة القصة ...
كل التقدير لمداخلتك الراقية
ودائما تسعدنى تعليقاتك يا صديقى

محمود الديدامونى
25-12-2007, 12:02 PM
السلام عليكم ورحمة الله ..
كدت أنقلها للقصة ، ولا أدري كيف وصلت للنثر ،
قد قمت بتكبير الخط وأعتقد تحرير النص من ذلك الإطار سيعطي القصة رونقا آخر ..
مجرد رأي ..
الكاتبة الجميلة وفاء
تعلمين تقديرى لرأيكم دائما
أتمنى أن تكونى بخير وعافية
معك كل الحق ووجهة نظر محترمة جدا