مشاهدة النسخة كاملة : عبقرية الغزالي
خليل حلاوجي
10-08-2006, 01:04 PM
عبقرية الغزالي
لقب بحجة الاسلام إذ كان يحضر درسه أربعمائة عمامة من أكابر الناس وفضلائهم يأخذون عنه العلم (ابو بكر العربي كتاب العواصم من القواصم ص21 ) وهو من أوائل علماء الاسلام الذين خاضوا في مقولات الفلاسفة ووضع كتابا ً خاصا ً يبسط آراءهم وأدلتهم وشبهاتهم واستشكالاتهم
( مقاصد الفلاسفة ) ، ليبدأ بعدها رحلة مثيرة في نقدهم بعد أن أصبح الأقوى حجة والارسخ بينهم .
وفي كتابه ( تهافت الفلاسفة ) أكمل الرد على عميق فهمهم فتولى إبطال مايخالف العقل والدين في أقوالهم ، وهنا خالف في مساره الفكري كلا الفريقين ( الفقهاء ) و ( الفلاسفة ) فرفض رأي الفقهاء الذين نظروا الى المنطق نظرة تحريم وأحتقار فقال ( من لايحيط بالمنطق فلا ثقة بعلومه أصلا ً ( مقدمة بن خلدون ص506) وأيضا ً خالف الفلاسفة الذين حاولوا إقامة عقائدهم على أساس من العقل وقال ( أن الواجب أن نقيم ايماننا الديني على أساس ماجاء به الوحي أو الكشف الصوفي .. وقال أن العقل يكـّـذب الحس وبرهن على كلامه هذا أننا نرى الظل ساكناَ ً وهو متحرك ونرى الكوكب صغيرا ً وهو أكبر من الارض فبطلت ثقته في المحسوسات لان العقل يكذبها ثم أردف قائلا ً لعل وراء العقل عقلا ً آخر حاكما ً يكذب حكمه أيضا ً ألسنا نرى في منامنا أمورا ً نعتقد أنها حقيقية ثم يظهر لنا عند اليقظة انها لم تكن الا احلاما ً .
لقد سبق الغزالي ( ديكارت ) بستة قرون في معالجته لهذا الشك العقلي بالادلة الاولية البديهية ، ليس هذا فحسب بل أن الغزالي ( رحمه الله ) سبق ( عمانوئيل كانط ) يوم أن وقر في نفسه أن ليس للشك علاج الا بالدليل الفطري وقال عنه أن هذه الاوليات هي معان ظاهرة مركوزة في الذهن ولاشىء أظهر منها .
وحين يلتفت لنقد مبدأ السببية ( سابقا ً الفيلسوف الانكليزي هيوم ) يقول أننا نشاهد تعاقب حادثة بعد أخرى مرة بعد مرة فنظن الاولى سببا ً والثانية نتيجة والصحيح أن ذلك مجرد عادة عقلية أعتدناها ومعلوم ان اعتيادنا لايستدل به على ترابط الحادثتين فان كان الاحتراق يحدث بعد ملاقاة النار فليس يعني ذلك ان لملاقاة النار دخلا ً في حدوث الاحتراق .. انها قضية تعاقب تجري بأمر الله وأذا شاء الله فقد لايجريها أحيانا ً ( المنقذ من الضلال ص 12)
ثم يقول أن الله لم ينبت من الشعير حنطة ولكن من أستقرأ عجائب العلوم لم يستبعد من قدرة الله مايحكى عن معجزات الانبياء ( تهافت الفلاسفة ص226 ) .
والمدهش أن الغزالي يعتقد أن الاولياء والسحرة يشاطرون الانبياء في جريان الاعمال الخارقة على يديهم فاذا كان النبي يتحدى الناس فان الولي لايتحداهم أما الساحر فسيرته تنبىء عن كونه فاسدا ً وأعماله شريرة وهكذا يميز بين الثلاثة ( سليمان دنيا \ الحقيقة في نظر الغزالي ص 517 ) .
وتتضح عبقريته حين يرد على ارسطو في فكرة ( معنى الزمان والمكان ) أذ يصف أرتباك عقل ارسطو عن تصور الزمان الذي لايسبقه زمان والمكان الذي لامكان بعده ويسوق في براهينه مركزا ً على صفة ( الارادة الالهية ) عند الله تعالى والتي غفل عنها ارسطو وغيره عن تحديد معناها
وأخيرا ً فان جواب الفيلسوف الاندلسي في كتابه ( تهافت التهافت ) والذي كان ردا ً على كتاب الغزالي ( تهافت الفلاسفة ) مايشير الى أن كليهما متفقين في جميع الآراء عن الوجود والخلق والخالق .
لقد اتهمه خصومه بالزندقة من جراء آرائه الجريئة فهجر الناس يقول ابو بكر العربي في كتابه ( العواصم من القواصم ) رايت الغزالي في البرية وبيده عكاز وعليه مرقعة وعلى عاتقه ركوة فدنوت منه وسلمت عليه فرد بحسرة قائلا ً
غزلت لهم غزلا ً دقيقا ً فلم أجد
لغزلي نساجا ً فكسرت مغزلي
كان الاثر الذي أحدثه رحمة الله عليه في التفكير الاسلامي عظيما ً يندر مثيله حيث لفت أنظار المسلمين الى ضرورة دراسة المنطق وعمله هذا نقطة تحول في موقف المسلمين تجاه المنطق الارسطي على حد عبارة العلامة علي الوردي .
حمزة محمد الهندي
10-08-2006, 07:25 PM
الخليل.........
فلسفة جديدة عن أديب عفا عنه الزمن وإبداع من نهر جديد نستسقي منه
الغزالي......
ما غاب، سيظلُ حاضراً غائباً ربما هي عشرة سنوات مرت على رحيل هذا العملاق الأدبي ولكن لبرهة تظل أفكاره راسخة بعقولنا وهذا الأدب لا ينسى وبتأكيد هذه هي
سمة...... العظماء فكراً وشعراً
لكَ ودي ايها السامق
حمزة.....
خليل حلاوجي
11-08-2006, 08:19 PM
المتألق .... حمزة
هناك رجال من أمتنا لايتكررون .... وهم كثر ولله المنة
السؤال الاكثر أهمية هو كيف نسينا رجال أبتدعوا علوم جديدة
فلم نعد نجدد من طرائق تفكيرنا
منهم الشافعي موجد علم أصول الفقه
والخليل الفراهيدي موجد علم العروض
وبن خلدون واضع أسس علم الاجتماع
والقائمة تطول
لماذا عقمت الامة عن استيلاد مثل هذه النماذج المبدعة ؟
سؤال بحاجة الى تدبر !!!
وفاء شوكت خضر
11-08-2006, 09:14 PM
خليل حلاوجي ..
تحول كبير في الكتابة ، مواضيع شيقة ، وفكر جديد ..
أتابع ما تكتب ، أحيانا أستوعب , وأحيان أخرى أتوه ما بين الكلمات والسطور ، وأخرج منها كمن أصابه الدوار .
شكرا على هذه المعلومات القيمة ..
دمت بخير أيها الخليل .
تحياتي ز
إسماعيل صباح
11-08-2006, 09:55 PM
الشامخ خليل ما شاء الله عليك ، موسوعة متنقلة في حميع المجالات ، كنت اعرف الغزالي من خلال كتاب إحياء علوم الدين فقط ، فإذا انت من خلال هذه الوقفات تنقل لنا فيلما وثائقيا عن علم من أعلام هذه الأمة وتنسج لنا خيوطا أدق لما ينبغي أن تكون عليه ثقافتنا ،
وتعليقا على هذا البيت أقول
غزلت لهم غزلا ً دقيقا ً فلم أجد
لغزلي نساجا ً فكسرت مغزلي
رجائي أن لا تكسر قلمك حتى لو خذلناك فنحن أمة لا تقرأ .
جوتيار تمر
12-08-2006, 11:06 PM
الخليل..
اريد منك ان تبين موقفه من الفلاسفة المسلمين...؟
وبالاخص من علم الكلام..؟
محبتي لك
جوتيار
سلطان السبهان
13-08-2006, 01:46 AM
الأخ الكريم خليل حلاوجي
دوما أنظر لما تكتبه بعين الاجلال والفخر والغبطة
فأنت أخي وأستاذي تحاول جاهدا تنوير إخوانك بما تقرأ وما تسمع .
تغوص للبحث لتأتي لنا بجواهر ودرر .
أخي الكريم وكل من تداخل معك في هذا الموضوع الرائق :
ان حجم ما يدور في ذهني عن الغزالي أكثر بكثير من نظرة شخص سيفهم ردي خطأً ، فهو في مفهومي شيخ لافكاك لي من عقليته فأنا أطالع كتبه الأصولية بحكم التخصص ليل نهار انهل منها ما يتعلق بهذا الفن كثيرا ..فلا مجال لاتهامي بتحيز او تشدد ، لاسيما حين أقرن قولي بقول جهابذة في محياهم نور الهدى والحق .
ومع ذلك كله لن أسطر ما أجده فأنا أصغر من أن أورد على الغزالي .
لكن هذا لن يمنعني من نقل ما ظفرت به مما أدين الله به ، وهو على لسان
أكابر عن أكابر .
ودوما أقول ، هونا يا إخوتنا ولاتغرنكم الألقاب ، وعلينا ان نقيس كل شخص
بمدى تمسكه بسنة الحبيب صلى الله عليه وسلم لا بجهده ، فكم من جهد يكون وبالا
على صاحبه يوم القيامة .
ما سيأتي منقول :
قال الشيخ العلامة محمد خليل هراس :
إن جماعة أنصار السنة المحمدية حين تتعرض للحكم على شخصية من تلك الشخصيات، ذات الشهرة الواسعة والصيت الذائع كشخصية أبي حامد الغزالي غفر الله لنا وله، لا تضع في حسابها أبدًا ما أحرزه الرجل من مجد ولا ما ظفر به من إعجاب الجماهير وتصفيقهم، ولكنها تحكم له أو عليه بمقدار اتباعه للكتاب والسنة أو انحرافه عنهما.
فهذا هو ميزانها الوحيد الذي تزن به أقدار الرجال، وهذا هو الذي ميزها عن كل الهيئات الدينية، فهي لا تحابي أحدًا؛ ولا تجامل أحدًا؛ على حساب الحق، ولا تسكت على باطل.
وبناء على هذا فما نشر على صفحات مجلة (الهدي النبوي) مما يتعلق بالغزالي صاحب الإحياء بقلم رئيس هذه الجماعة لم يقصد به الطعن في الرجل ولا التحامل عليه، وإنما أريد به بيان الأخطاء والانحرافات التي وقع فيها حتى يحذرها الناس ولا يتابعوه فيها.
وسبيله في ذلك إنما هو الرجوع إلى كتب الغزالي نفسها؛ ونقل النصوص المتضمنة لهذه الأخطاء، وبيان وجه الخطأ فيها.
ولا نستطيع الآن أن نحصر جملة الأخطاء الكبار التي وقع فيها الغزالي في (الإحياء) وغيره من كتبه، وكانت موضع النقد الشديد من العلماء قديمًا وحديثًا.
ولكنا نقول للأخ السائل: ارجع إلى ما كتب في مجلة الهدي من نقد الغزالي ثم انظر في كتب الغزالي هل تجد شيئًا من ذلك لم يقله الغزالي؟.
وإذا وجدته قد قاله وخفي عليك وجه الخطأ فيه، فراجعنا ونحن نبينه لك إن شاء الله.
ونكتفي الآن بأن نقدم لك حكم رجلين من أئمة الإسلام على أبي حامد الغزالي:
فأولهما وهو الحافظ العراقي[3] رحمه الله الذي خرج أحاديث (الإحياء) ويعتبر تلميذًا للغزالي، ومع ذلك يقول فيه: (إن شيخنا الغزالي دخل في بطن الفلسفة؛ ثم حاول أن يخرج فلم يستطيع).
وأما الثاني فهو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو يقول فيه: (إن الغزالي يعتبر جسرًا بين الإسلام والفلسفة فلا هو إلى الإسلام المحض، ولا إلى الفلسفة الصريحة، فالمسلم يتفلسف على كتبه تفلسف مسلم؛ والفيلسوف يسلم على كتبه إسلام فليسوف).
وبعد: فننصح لك أيها الأخ أن لا تؤخذ بفخامة الألقاب؛ وأن لا تجعل عظمة الشخصية حجابًا يحول بينك وبين إدراك الحق واجتلاء نوره من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا تحاول أن تعرف الحق بالرجال ولكن اعرف الرجال بالحق، واعرف الحق تعرف أهله. >>>
دمتم
خليل حلاوجي
14-08-2006, 02:46 AM
الأخ الاستاذ الكريم سلطان السبهان
لاتعلم مدى سعادتي بمرورك أيها السخي الوفي وكم كانت حروفك مثار أعجاب بشخصك المكرم وأنت تشبهني في طريقة البحث عن الحقيقة ... تتوخى أن نتهم في ديننا
أخي الرائع أيها الحبيب النجيب ومعنا الاحبة في واحة الفضلاء الحكماء
سأفتح معك أسئلة الشك التي قد توصلنا الى يقين فهي طريقتي التي لاأعرف سواها ورائدي فيها وملهمي سيدب سلمان الفارسي الذي رفض مشككا ً في الفكرة الآبائية التي حاصرت جمجمته وآثر الا التماس نور الحق واليقين بيديه هو لابأيدي غيره
وهنا أرد عليك دعواك حين قلت نقلا ً عن شيخنا هراس
ولكنها تحكم له أو عليه بمقدار اتباعه للكتاب والسنة أو انحرافه عنهما.
فهذا هو ميزانها الوحيد الذي تزن به أقدار الرجال
أولا ً
لقد بحثت عن المقالة في مجلة الهدي النبوي فلم يحالفني الحظ في العثور عليها
ثانيا ً
وصفي لجهد الغزالي بالعبقرية لم أتغافل فيه عن تكذيب وأتهام البعض له بالزندقة وقد أوردت ذلك في مقالتي أعلاه
ثالثا ً
وعبقرية الغزالي مستلهمة من عبقرية سلمان الفارسي وهما يسيران في مسلك أوحد
رابعا ً
ذلك أن علة العلل في تراثنا الفكري الاسلامي هي الآبائية وأن أعظم عقبة تواجه عقولنا اليوم وأحفلها بالتحدي هي التخلص من فكر الآباء الذي نهانا الله عن اتباعه. " وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون". و(التحرر) عملية شاقة على بسطاء القوم بل ومكروهة ولكن أهل الاختصاص والدراسة والتمحيص والبحث والتفتيش أراهم ملزمون بل ومكلفون شرعا ً بمراجعة أفرازات الرؤى المخالفة للمنهاج المحمدي المهيمن ومنه هو هذا التحرر مما نسجه الآباء بكل حرص فأنا أعتبرت العبقرية للغزالي على هذا الاساس ولو أننا أفترضنا جدلا ً أنه يعيش بيننا الآن وظل متمسكا ببعض آراؤه لما نال مني صفة العبقرية
وهناك من يظن أن (الآباء) هم آباء النسب ويغفل أن لكل ثقافة آباء تصلنا عنهم أفكار قد تعاضد مراد الله في منهاجه ورسالته حينا ً وقد تخالفها في كثير من الاحيان وهذا يعني أن لنا( أفكار آباء ) يجب التخلص منها بحرص واحترام. وكما أن لنا في كل قرية مقبرة كذلك الحال مع الأفكار الميتة فيجب أن تدفن كما تدفن الجثث بكل أجلال.
وموقفنا من الآباء يتحدد بقاعدة "أن نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيآتهم". فهذا هو الانفكاك السليم من مشيمتهم بدون نزف قاتل.
وتراثنا الفكري يعادل وضعنا الاجتماعي. والاستمرار في إنتاج هذه الأفكار يعني أن أوضاعنا المزرية سوف يعاد إنتاجها وتستمر في الوجود طالما كان نظام الفكر نشيطا يفرز أفكار الآباء بدون توقف.
خامسا ً
وهنا بالذات كان للغزالي دور الريادة فهو العالم الذي شاهد وجرب طريقة الوصول الى اليقين عن طريق فكر الانبياء المعصوم المبلغ بالوحي فآمنت روحه وأطمئنت نفسه ببرد اليقين
لكنه حين شاهد طريقا ً آخر يدعيه سائروه هو طريق الفلاسفة
أخذ على عاتقه تمحيص وتدقيق وتفتيش كل مواضع ذلك الطريق
سادسا ً
وكانت علة العلل أنني معجب بطريقنه وغيري يراها انها تعمق في الاستدلال على وجود الله وفي البحث عن صفات كماله والحق أني أوافقهم في ذلك لو أننا نعيش زمن النبوة ولم نسمع عن مقولات ترجمات الفلسفة اليونانية وخاض الكثير من علماءنا فيها وأنتشرت بين الناس شبه الفلاسفة واشتهرت وعمت البلوى
فرأى الغزالي أن الخوض في الفلسفة امرا لابد منه و أصبح الاطلاع عليها واجبا على العلماء ليتمكنوا من حسن الدعوة الى الله
يقول في ذلك
ان رد المذهب ورده قبل فهم كنهه رد في عماية
سابعا ً
ونظرا لأن أوضاع أي مريض بأفكاره مثله مثل مريض التيفوئيد حامل جراثيم السالمونيلا ولربما دعتنا بعض الامراض الى تشريح الذات لكي نفهم كيف تفعل الافكار المريضة في رؤيتنا وتجعلنا في ضلال مبين
ثامنا ً
وهنا أصل معك أيها الحبيب الى قولك
ودوما أقول ، هونا يا إخوتنا ولاتغرنكم الألقاب ، وعلينا ان نقيس كل شخص
بمدى تمسكه بسنة الحبيب صلى الله عليه وسلم لا بجهده ، فكم من جهد يكون وبالا
على صاحبه يوم القيامة .
فأقول
ومقتلنا الفكري أنه يحدد فهم القرآن في عصر ورجال وتفاسير بعينها. والتفسير الفعلي ليس العصر والرجال بل آيات الآفاق والأنفس. وهو مرجع القرآن. والقرآن طلب بذاته السير خارج القرآن فقال: سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق؟
وحين يأتي الغزالي ليرد على ارسطو بعض سخافاته مستعينا ً بحقائق الوحي وينجح في رده وباللغة التي يتكلم بها كونه ( المعلم الاول ) للفلاسفة فأننا هنا أمام عالم مسلم مجتهد هضم المنهاج المحمدي وطرائق التفكير فيه تدعونا الى التدبر حتى في اساليبنا في الدعوة الى الله من كون ان الله تعالى لم يرسل الرسل الا وهو يحدثون الناس بلسان القوم أي طريقة تفكيرهم ووسائل اطلاقهم للمصطلحات في كل زمان ومكان
وأخيرا ً أيها الحبيب
أنت تقول نرجع الى الكتاب والسنة وأنا أقول ذلك وغيرنا يقوله ومايفرق كلامي عن كلامك ربما أني أميل الى تأويل الايات على غير الطريقة التي تأولها أنت ولربما أن كل كلام يختلف حوله الناس بضع وسبعون شعبة. وهي مشكلة النسخ الإسلامية فالمسلم البوسني غير الأفغاني والماليزي غير العربي. في طيف يصل إلى حد الفوضى والتناقض فيضم الترابي وعزت بيجوفيتش وبن لادن وشحرور وجمال قطب والقرضاوي وجودت سعيد.
وكل أولئك يلزمون منصتيهم وهي ( عقدة الالزام ) في فكرنا كونهم محتكري الحقيقة
أخي وحبيبي
هذه المقدمة أوردتها اليك لغرض أن تعرض علي أعتراضاتك في المواطن التي تراها أن الغزالي خالف فيها الكتاب والسنة لنتاولها فقرة فقرة لعلنا نصل الى توضيح حججه أو ردها عليه فلا الغزالي ولا سواه ممن يكون قوله المعصوم
ووحده الحبيب المصطفى من نأخذ منه ولا نرد عليه
وفقك الله أيها الحبيب وجعلني وإياك خداما ً لدينه وقرآنه المجيد
سلطان السبهان
14-08-2006, 03:13 AM
أخي واستاذي خليل الحلاوجي
بارك الله فيك وفي حرصك وعلمك
سيدي الكريم
إن موضوع التراجم يحتاج دوما لأهم خصيصتين في طالب العلم وهما العلم والانصاف .
ومتى ملكنا هاتين النقطتين وصلنا للمطلوب وأنصفنا وقلنا ما تبرأ به الذمة .
أخي الكريم
إن الغزالي الذي عاش ما يقارب الخمسين عاما مر بأطوار وتقلبات عجيبة غريبة أهمها أنه كان
أشعريا ثم تحول صوفياً مما يزلزل الثقة العلمية من جهة العقيدة فيه فلا ينتفع به المبتدئ .
وهذا أمر مشهور مشهود .
أنا لا أريد أن أقول لك ما قاله بعضهم من ان الغزالي جمع في كتابه الاحياء مالم يقله ....
لكنني أقول إن الرجل قد جمع في ذلك الكتاب الكثير الكثير مما لا يقر عليه .
ولذلك لخصه ابن تيمية وغيره كالحافظ العراقي بقول : أولها: مادة فلسفية وثانيها شطحات صوفية وثالثها مادة كلامية ورابعها أحاديث ضعيفة وموضوعة.
فلو هذب الكتاب ونقي من هذه الشوائب الخطيرة لكان غاية في بابه.
ثم أيضا لن أنقل لك كلام المغاربة من معاصريه لأنك ربما قلت لي إنهم ذموه لكره الدولة المرابطية له .
لكني أقول لك : تامل في هذه النقولات من كتاب الإحياء :
الأول :قوله من شطحاته الصوفية البغيظة :
لان ترى ابا يزيد مرة واحدة خير لك من ان ترى الله سبعين مرة وغيرها وغيرها من الطوام الكبرى
الاحياء 4/305
الثاني : عقد بابا في التزكية من الإحياء بعدم تزويج المريد وهي إحدى مراتب أهل التصوف !!
الثالث : في باب التوكل أفاض في استحباب ترك الزواج .4/206
الرابع :وقال متَّهماً الله تعالى بالظلم : قرَّبَ الملائكةَ مِن غيرِ وسيلةٍ سابقةٍ، وأبعدَ إبليسَ مِن غيرِ جريمةٍ سالفةٍ ! أ.هـ* "الإحياء" 4/168.
قال القاضي عياض : والشيخ أبو حامد ذو الأنباء الشنيعة، والتصانيف الفظيعة، غلا في طريقةِ التصوُّفِ، وتجرَّد لنصر مذهبهم، وصار داعيةً في ذلك، وألَّف فيه تواليفه المشهورة -(أي: الإحياء)- أُخذ عليه فيها مواضعُ، وساءتْ به ظنونُ أمَّةٍ، والله أعلم بسرِّه، ونَفَذَ أمرُ السلطان عندنا وفتوى الفقهاء بإحراقها والبعد عنها فامتُثِل لذلك.
وقال ابن الجوزي : صنَّف "أبو حامد" الإحياء، وملأه بالأحاديثِ الباطلةِ، ولم يَعلم بطلانها، وتكلَّم على الكشف، وخرج عن قانون الفقه، وقال: "إن المراد بالكوكب والقمر والشمس اللواتي رآهن إبراهيم عليه السلام أنوارٌ، هي: حجب الله عز وجل، ولم يرِد هذه المعروفات" ؛ وهذا مِن جنس كلام الباطنية. أ.ه*ـ *.
وهناك الكثير الكثير عند هذا الرجل مما يجعلني أشمئز حين أقرأ .
أعيد واكرر أخي الحلاوجي
الرجل نبيه رحمه الله وفذ بارع وانا ممن يخوض في كتبه كثيرا ويعلم مدى علميته خصوصا في اصول
الفقه ..لكن ...........
ينبغي أن نجنب من يطلب العلم تزكية طريقته الصوفية ، وفي الأمة خيار وخيار .
وبودي لو تعرضت يوماً للامام مالك او الشافعي او غيرهم من أئة الدين المتفق على جلالتهم
دمت ودام الود
خليل حلاوجي
14-08-2006, 12:40 PM
الحبيب الكريم .... الاستاذ جوتيار
لقد لفت الغزالي انظار المسلمين الى اهمية دراسة المنطق رغم ان اكثر الفقهاء ينظرون اليه نظرة تحريم وبعد الغزالي شاهدنا منهم من عد تعلم المنطق فرض كفاية على المسلمين ( علي سامي النشار \ مناهج البحث عند مفكري الاسلام ص 130 )
ولكن
الغزالي يختلف عن المناطقة والفلاسفة كونه يقول
أ، البرهان المنطقي قاصر عن ان يصل بالانسان الى اليقين في القضايا الالهية والروحية
وهو ينعى على المتكلمين فيقول أن الواجب أن نقيم ايماننا الديني على اساس ماجاء به الوحي او الكشف الصوفي
يقول
ان وراء العقل ادراكا َ آخر اسمى وهو الادراك الذي يتمثل في وحي الانبياء وكشف الصوفيه ويبرهن على ذلك بكلام لايتسع المقام لايراده
يقول
ان في الكون من الحقائق ماتعجز عقولنا عن فهمه
\\
مودتي وخالص دعواتي
\\
الاستاذ سلطان .... سأبحث عن فيماأوردته أيها الاخ الحبيب ... ومودتي
خليل حلاوجي
14-11-2006, 09:32 PM
خليل حلاوجي ..
تحول كبير في الكتابة ، مواضيع شيقة ، وفكر جديد ..
أتابع ما تكتب ، أحيانا أستوعب , وأحيان أخرى أتوه ما بين الكلمات والسطور ، وأخرج منها كمن أصابه الدوار .
شكرا على هذه المعلومات القيمة ..
دمت بخير أيها الخليل .
تحياتي ز
لامتاهات
ياوفاء الحق والخير
العبقريات .... شبيهة الجنون
معاذ الديري
14-11-2006, 11:24 PM
الغزالي يرحمه الله بحر لا يمكن استيعابه .
والذي اعلمه ان الاحياء ادخل فيه الكثير بعده مما لا يقره الغزالي نفسه .
اي ان ثمة امور كثيرة نسبت اليه .
ان عبقرية الغزالي لا يختلف عليها اثنان . والمتتبع لسيرته وحياته لا يمكن ان يجد في هذا الرجل ما يذكره البعض من التصوف والزندقة .
واذا كان التصوف لدى بعض الفرق خروجا عن الدين او رهبانية مبتدعة فهو في راي كثيرين منزلة متقدمة في المعرفة يصعب على عوام الناس ادراكها . كما ان التصوف لا يمكن اختزاله في تعريف واحد والمتصوفة مشارب ومذاهب وطرق ونسائب لا يمكن بحال من الاحوال ان نجملها في واحدة . ففيها المحمودة وفيها التي تثير الاشمئزاز .
الغزالي يرحمه الله جازف وضحى ببعض سمعته مقابل الوصول الى الحقيقة او مقابل معاركة الفلاسفة بسلاحهم , وقد نجح في كثير من جولاته ومعاركه .. وهذا راي شخصي ..
لذلك فانني اعتقد ان الغزالي يرحمه الله سيظل مثيرا للجدل طالما ظلت المدارس الفكرية وكل حسب ما يعتقد .. وكما نعلم فان كل من يتحدث بتقييم الاشخاص يقول نفس المعايير بالتزام الحق والوحي والسنة والخ .. وكلهم محتكرون للحق والحقيقة .. ومع ذلك فاننا نجد تناقضا بينهم يصل الى تناقض الليل والنهار .
الشئ المؤكد ان الغزالي عقلية فذة ومبتكرة ومضحية ايضا .. وخالدة .. واذا كان ثمة من العلماء الاقدم والاكثر شهرة و(قربا من الكتاب والسنة) قد تعرضوا الى قدح يفوق ماتعرض له الغزالي فإنه ليس من المستغرب ان يحدث ذلك له .. بل ان كثيرا من صحابة رسول الله عليه السلام تعرضوا لذلك حتى من صحابة اخرين!!.. ولست اشبه بهم احدا لكنني اضرب مثلا ..
والله تعالى اعلم بسرائر البشر .
عدنان أحمد البحيصي
15-11-2006, 08:17 PM
الغزالي أحد عباقرة زمانه غاص في المنقول والمعقول فأستخرج من كليها الدرر، مات وصحيح البخاري بين يديه ، كان حجة عصره ومنارة دهره ، أثني عليه الكثير من العلماء وذمه بعضهم لأنه حدا حدو أهل الكلام في إبطال الفلسفة المقيتة ، وهو مع ذلك عالم لا يشق له غبار
رحمه الله
جوتيار تمر
16-11-2006, 08:56 AM
[quote=خليل حلاوجي;176799]الحبيب الكريم .... الاستاذ جوتيار
لقد لفت الغزالي انظار المسلمين الى اهمية دراسة المنطق رغم ان اكثر الفقهاء ينظرون اليه نظرة تحريم وبعد الغزالي شاهدنا منهم من عد تعلم المنطق فرض كفاية على المسلمين ( علي سامي النشار \ مناهج البحث عند مفكري الاسلام ص 130 )
ولكن
الغزالي يختلف عن المناطقة والفلاسفة كونه يقول
أ، البرهان المنطقي قاصر عن ان يصل بالانسان الى اليقين في القضايا الالهية والروحية
وهو ينعى على المتكلمين فيقول أن الواجب أن نقيم ايماننا الديني على اساس ماجاء به الوحي او الكشف الصوفي
يقول
ان وراء العقل ادراكا َ آخر اسمى وهو الادراك الذي يتمثل في وحي الانبياء وكشف الصوفيه ويبرهن على ذلك بكلام لايتسع المقام لايراده
يقول
ان في الكون من الحقائق ماتعجز عقولنا عن فهمه
\\
مودتي وخالص دعواتي
ايها الخليل...
كهذا الفهم مثلا...او هذه المكاشفة..؟
قال بعض الكاشفين!؟:
ظهر لي المَلَكُ فسألني أُمْلي عليه شيئاً من ذِكْري الخفي!، عن مشاهدتي من التوحيد!!، وقال:
ما نكتب لك عملاً نحن نحب أن نصعد لك بعمل تتقرب به إلى الله عز وجل.
فقلت: ألستما تكتبان الفرائض؟
قالا: بلا!
قلت: فيكفيكما ذلك!!؟
فهؤلاء "الكاشفين!!؟؟ " المُبَعّضين المجاهيل، الذين لا يذكر أبو حامد أسماءهم ينبئك بأفق عقل "حجة!!؟؟ إسلام!!؟؟"آخر زمن!. ثم بعد سرده لهذه الخرافة التي تضحك الثكلى استنتج! الفقيه واستنبط!، كما يليق بمن تخصّص في مثل تخصُّصِه الحشوي، نتيجة غيبية أطم من الخرافة الأصلية وأظلم! ليقول:
وهذه إشارة إلى أن الكرام الكاتبين!، لا يطلعون على أسرار القلب! وإنما يطلعون على الأعمال الظاهرة!!؟؟
قلت: سبحان من نوّر العقول وسلب أبا حامد عقله ولُبّه في حكايته لمثل هذه الترهة الخرافية ليبني عليها ما لا يُيَثُّ في مثلها سوى بمحكم آي الكتاب!
وعلى ذات المنوال نجده يقول:
قال بعض العارفين!!!؟؟2: سألت بعض الأبدال!!؟؟3 عن مسألة من مشاهدة اليقين! فالتفت إلى شماله (يعني مخاطباً الملك الكاتب على الشمال)) فقال:
- ما تقول رحمك الله؟
ثم التفت إلى يمينه فقال:
- ما تقول رحمك الله؟
ثم أطرق إلى صدره وقال:
- ما تقول رحمك الله؟
ثم أجاب بأغرب جواب سمعته!، فسألته عن التفاته فقال:
لم يكن عندي في المسألة جواب عتيد، فسألت صاحب الشمال فقال:
- لا أدري!
فسألت صاحب اليمين، وهو أعلم منه!!!؟؟ فقال:
-لا أدري!
فنظرت إلى قلبي فسألته فحدثني بما أجبتك، فإذا هو أعلم منهما!!!؟؟
قلت: قاتل الله أبا حامد وعقله وتفكيره على جرأته في الإتيان بمثل هذا الهذيان!، والتقول بغيبيات لم يؤثر على الرسول صلى الله عليه وسلم الخوض فيها، فما بالك بجهلة متصوفة القرن الخامس الهجين كله!. إلا أن أبا حامد كفقيه!!؟؟ مفرع، لا يقف عند حد هذا الاختراع الملفق!، بل لا بد من تشغيل بطاريته الاستنباطية، التي تدور في فراغ وبغير وقود ليقول:
وكأن!!؟؟ هذا هو معنى قوله عليه السلام: إن في أمتي محدثين وإن عمر منهم!!؟؟
لذلك لن نعجب أن يحاول المغاربة حرق كتابه مرّات، بل لا تحل قراءة خزعبلاته في " الإحياء (الإماتة عند المحاقة)" سوى بتخريج العراقي لترهات أخباره!
محبتي لك
جوتيار
إدريس الشعشوعي
16-11-2006, 02:38 PM
التحية الطيبة للفاضل خليل على هذا الموضوع الجميل ..
ولكنني وقفت هنا باستغراب لأجد اخي سلطان يتناول مرة اخرى العملاق الحجة ابوحامد الغزالي رضي الله عنه و أرضاه .. مجدد القرن الخامس الهجري احد اكبر العقليات المسلمة في التاريخ بما يسيء الى عقيدته و فكره و شخصه ..
و تاسفت اكثر لما كتبه الاخ جوتيار بكل جرأة و يقول قاتل الله ؟؟؟
يا أخي جوتيار انما قاتل الله الجهل و ما فعل بأصحابه ..فاحذر عدوك الجهل ، ثم احذر عدوك التعالم على العلماء و اعرف قدرك يرحمك الله
و قد قالوا :
يا ناطح الجبل .... أشفق على راسك
و اي و الله هي نصيحة .. لا يتجرأ أحد على هؤلاء الكبار الا كان الله خصيمه اليوم و غدا .
و لكنني لن أجيب بما يشرق بالموضوع و يغربه باكثر من نقول عن أفذاذ العلماء الذين جمعوا بين العلم و العمل ، و شهد لهم النجباء بباعهم في المجالين ..
و اخترت لكم اليوم مما كتبه العالم الازهري الصوفي شيخ الازهر في وقته الامام عبد الحليم محمود رحمه الله في كتابه شرح المنقذ من الضلال ...
يقول الاما عبد الحليم محمود في فصل تقدير العلماء لكتاب الاحياء :
تقدير العلماء لكتاب "الاحياء" :
أما تقدير العلماء ، لهذا الكتاب : فتصوره الآراء التالية :
يكاد الناقدون يجمعون على كلمة: "ابي المظفر" سبط أبي الفرج بن الجوزي " في قوله : " و وضعه على مذاهب الصوفية ، و ترك فيه قانون الفقه ، فأنكروا غليه ما فيه ، من الأحاديث التي لم تصح " .
و فكرة الأحاديث التي لم تصح ، أذاع بها كثيرون من أعداء الإمام " الغزالي " ، و تحدثوا عنها مقبلين و مدبرين ، قائمين و قاعدين ، و لكن ها هو ذا المولى " ابوالخير" يقول :
"أما الاحاديث التي لم تصح ، فلا ينكر عليه ايرادها ، لجوازه في الترعيب و الترهيب " .
و الواقع ، أن الامام الغزالي ، لم يأت بهذه الاحاديث التي لم تصح ، لاثبات حكم ، أو للاستدلال على مبدأ ، ذلك أنه ، يذكر الآيات القرآنية الي يثبت بها ما تؤدي اليه من أحكام ، و قواعد ، و هي على هذا الوضع كافية للاثبات و الاستدلال ، ثن يأتي بعد ذلك بالاحاديث ، و بأقوال الصحابة و التابعين .
و إذا كان الأمر كذلك فإنن نستبعد الاحاديث الضعيفة من الاحياء ، فإن كل المبادئ و القواعد و العظات و العبر التي أتى بها الامام الغزالي في هذا الكتاب ، تحتفظ بقيمتها ، من ناحية الاثبات ، و الاستدلال .
و يتبين من هذا ، أنه لاقيمة لهذا الاعتراض . لا شكلا و لا موضوعا على أنه قد قام العالم الثبت الحجة الحافظ العراقي الذي قال فيه شيخه " ان ذهنه لا يقبل الخطأ" بتخريج أحاديث هذا الكتاب ، فأصبحت السنة واضحة ، و أصبح الطريق أبلجا .
و شيء آخر عن هذا الاعتراض له أهمية ، و هو أن كثيرا من الاحاديث التي قال عنها الامام العراقي لا أصل لها ، بين الامام الزبيدي شارح الحياء أصلها ، و كثيرا من الاحاديث التي قال عنها الامام العارقي إنها ضعيفة ، بين الامام الزبيدي أنها ضعيفة ، من الوجه الذي رواها به الامام العراقي و لكنها هي نفسها حسنة ، أو قوية من وجه آخر ، و بيّن الامام الزبيدي هذا الوجه الاخر .
قال الحافظ العراقي عن كتاب الاحياء :
"إنّه من أجل كتب الاسلام ، في معرفة الحلال و الحرام ، جمع فيه بين ظواهر الاحكام ، و نزع الى سرائر دقت عن الافهام ، لم يقتصر فيه على مجرد الفروع و المسائل ، و لم يتبحر في اللجة ، بحيث يتعذر الرجوع الى الساحل ، بل مزج فيه علمي الظاهر و الباطن ، و مزج معانيهما في أحسن المواطن ، و سبك فيه نفائس : اللفظ و صبطه ، و سلك فيه من النمط أوسطه ، مقتديا بقول عليّ كرم الله وجهه : خير هذه الأمة النمط الأوسط ، يلحق بهم التالي ، و يرجع اليهم الغالي " .
و قال الزبيدي شارح الاحياء :
" و لا أعرف له نظيرا، في الكتب التي صنفها الفقهاء ، الجامعون في تصانيفهم بين النقل ،و النظر ، و الفكر ، و الأثر " .
و قال ابن السبكي :
" و هو من الكتب التي ينبغي للمسلمين الاعتناء بها ، و اشاعتها ، ليهتدي بها كثير من الخلق ، و قلّ من ينظر فيه إلا و يتعظ به في الحال " .
و قال الشيخ عبد القادر العيدروس في كتاب "تعريف الأحياء بفضل الإحياء" :
"اعل أن فضائل الاحياء لا تحصى ، بل كل فضيلة له باعتبار حيثياتها لا تستقصى " .
و كان عبد الله العيدروس رضي الله عنه يكاد يحفظه ، و روي عنه أنه قال : " مكثت أطالع كتاب الاحياء كل فصل و حرف منه ، و أعاوده ، و أتدبره ، فيظهر لي منه في كل يوم علوم ، و أسرار عظيمة و مفهومات غزيرة غير التي قبلها و لم يسبقه أحد و لم يلحقه أحد "
منة كلامه " عليكم يا إخواني بمتابعة الكتاب و السنة : أعني الشريعة المشروحة في الكتب الغزالية ، خصوصا كتاب ذكر الموت ، و كتاب الفقر و الزهد ، و كتاب التوبة ، و كتاب رياضة النفس " .
و قد ألزم الشيخ عبد الله العيدروس أخاه قلااءة الإحياء ، فقرأه عليه مدة حياته خمسا و عشرين مرة .
و نختم هذه التقديرات ، برأي أعتقد أنه فيضل الحق ، في موضوع كتاب الاحياء و هو رأي فضيلة العالم الجليل الاستاذ الاكبر لشيخ "محمد حسن الخضر " شيخ الازهر الاسبق " و هو عالم لا يتهم بعصبية ، و الآراء مجمعة على أنه من العلماء الذين حاولوا جاهدين أن يكون كل ما يصدر عنهم إنما يراد به وجه الله ، يقول :
"و إذا وجد العلماء في كتاب الاحياء مآخذ معدودة ، فإنه من صنع البشر غير معصوم من الزلل ، و كفى بكتاب الاحياء فضلا و سمو منزلة أن تكون درر فوائده فوق ما يتناول العد ، و أن يظفر منه طلاب العلم ، و عشاق الفضيلة بما لا يظفرون به من كتاب غيره " .
فرجاء الوقوف على ما قاله أهل العلم ، بعيدا عن قصور النظر ، و جهل العبر ... انما يقاضي العلماء العلماء .
تحياتي
إدريس الشعشوعي
16-11-2006, 02:47 PM
ثانيا ً
وصفي لجهد الغزالي بالعبقرية لم أتغافل فيه عن تكذيب وأتهام البعض له بالزندقة وقد أوردت ذلك في مقالتي أعلاه
ثالثا ً
وعبقرية الغزالي مستلهمة من عبقرية سلمان الفارسي وهما يسيران في مسلك أوحد
رابعا ً
ذلك أن علة العلل في تراثنا الفكري الاسلامي هي الآبائية وأن أعظم عقبة تواجه عقولنا اليوم وأحفلها بالتحدي هي التخلص من فكر الآباء الذي نهانا الله عن اتباعه. " وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون". و(التحرر) عملية شاقة على بسطاء القوم بل ومكروهة ولكن أهل الاختصاص والدراسة والتمحيص والبحث والتفتيش أراهم ملزمون بل ومكلفون شرعا ً بمراجعة أفرازات الرؤى المخالفة للمنهاج المحمدي المهيمن ومنه هو هذا التحرر مما نسجه الآباء بكل حرص فأنا أعتبرت العبقرية للغزالي على هذا الاساس ولو أننا أفترضنا جدلا ً أنه يعيش بيننا الآن وظل متمسكا ببعض آراؤه لما نال مني صفة العبقرية
وهناك من يظن أن (الآباء) هم آباء النسب ويغفل أن لكل ثقافة آباء تصلنا عنهم أفكار قد تعاضد مراد الله في منهاجه ورسالته حينا ً وقد تخالفها في كثير من الاحيان وهذا يعني أن لنا( أفكار آباء ) يجب التخلص منها بحرص واحترام. وكما أن لنا في كل قرية مقبرة كذلك الحال مع الأفكار الميتة فيجب أن تدفن كما تدفن الجثث بكل أجلال.
وموقفنا من الآباء يتحدد بقاعدة "أن نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيآتهم". فهذا هو الانفكاك السليم من مشيمتهم بدون نزف قاتل.
وتراثنا الفكري يعادل وضعنا الاجتماعي. والاستمرار في إنتاج هذه الأفكار يعني أن أوضاعنا المزرية سوف يعاد إنتاجها وتستمر في الوجود طالما كان نظام الفكر نشيطا يفرز أفكار الآباء بدون توقف.
خامسا ً
وهنا بالذات كان للغزالي دور الريادة فهو العالم الذي شاهد وجرب طريقة الوصول الى اليقين عن طريق فكر الانبياء المعصوم المبلغ بالوحي فآمنت روحه وأطمئنت نفسه ببرد اليقين
لكنه حين شاهد طريقا ً آخر يدعيه سائروه هو طريق الفلاسفة
أخذ على عاتقه تمحيص وتدقيق وتفتيش كل مواضع ذلك الطريق
سادسا ً
وكانت علة العلل أنني معجب بطريقنه وغيري يراها انها تعمق في الاستدلال على وجود الله وفي البحث عن صفات كماله والحق أني أوافقهم في ذلك لو أننا نعيش زمن النبوة ولم نسمع عن مقولات ترجمات الفلسفة اليونانية وخاض الكثير من علماءنا فيها وأنتشرت بين الناس شبه الفلاسفة واشتهرت وعمت البلوى
فرأى الغزالي أن الخوض في الفلسفة امرا لابد منه و أصبح الاطلاع عليها واجبا على العلماء ليتمكنوا من حسن الدعوة الى الله
يقول في ذلك
ان رد المذهب ورده قبل فهم كنهه رد في عماية
سابعا ً
ونظرا لأن أوضاع أي مريض بأفكاره مثله مثل مريض التيفوئيد حامل جراثيم السالمونيلا ولربما دعتنا بعض الامراض الى تشريح الذات لكي نفهم كيف تفعل الافكار المريضة في رؤيتنا وتجعلنا في ضلال مبين
ثامنا ً
وهنا أصل معك أيها الحبيب الى قولك
ودوما أقول ، هونا يا إخوتنا ولاتغرنكم الألقاب ، وعلينا ان نقيس كل شخص
بمدى تمسكه بسنة الحبيب صلى الله عليه وسلم لا بجهده ، فكم من جهد يكون وبالا
على صاحبه يوم القيامة .
فأقول
ومقتلنا الفكري أنه يحدد فهم القرآن في عصر ورجال وتفاسير بعينها. والتفسير الفعلي ليس العصر والرجال بل آيات الآفاق والأنفس. وهو مرجع القرآن. والقرآن طلب بذاته السير خارج القرآن فقال: سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق؟
وحين يأتي الغزالي ليرد على ارسطو بعض سخافاته مستعينا ً بحقائق الوحي وينجح في رده وباللغة التي يتكلم بها كونه ( المعلم الاول ) للفلاسفة فأننا هنا أمام عالم مسلم مجتهد هضم المنهاج المحمدي وطرائق التفكير فيه تدعونا الى التدبر حتى في اساليبنا في الدعوة الى الله من كون ان الله تعالى لم يرسل الرسل الا وهو يحدثون الناس بلسان القوم أي طريقة تفكيرهم ووسائل اطلاقهم للمصطلحات في كل زمان ومكان
تحية لهذا الفكر المنصف
جوتيار تمر
16-11-2006, 02:48 PM
عذرا...
انا نقلت نصا..للمناقشة...؟
وليس بالضرورة ان يكون رأي..؟
اتمنى ان يكون الامر واضحا..؟
محبتي
جوتيار
خليل حلاوجي
16-11-2006, 06:07 PM
الشامخ خليل ما شاء الله عليك ، موسوعة متنقلة في حميع المجالات ، كنت اعرف الغزالي من خلال كتاب إحياء علوم الدين فقط ، فإذا انت من خلال هذه الوقفات تنقل لنا فيلما وثائقيا عن علم من أعلام هذه الأمة وتنسج لنا خيوطا أدق لما ينبغي أن تكون عليه ثقافتنا ،
وتعليقا على هذا البيت أقول
غزلت لهم غزلا ً دقيقا ً فلم أجد
لغزلي نساجا ً فكسرت مغزلي
رجائي أن لا تكسر قلمك حتى لو خذلناك فنحن أمة لا تقرأ .
الفاضل العزيز ... القريب من قلبي وحزنه
قيل لعالم
فيم لذتك ؟؟
قال
في حجة تتبختر انشراحا
وفي
شبهة تتضاءك افتضاحا
فاطمة أولاد حمو يشو
16-11-2006, 11:13 PM
والحكم عليهم بشكل سلبي فهذا نوع من النميمة ولا علاقة للفلسفة بالنميمة.
لقد بدل الغزالي جهدا فكريا يمكن ان يكون في جزء منه يلمس الحقيقة وفي الجزء الآخر نصيبه من الأخطاء..ولا يطلب من المفكر أن يكون جوابه قطعيا لأنه لو كان كذلك لأقفل الباب في وجه الاجتهاد واستعمال العقل والبحث والكشف عن الأمور الخفية التي لاتنال بالإكثار من الصلاة والمبالغة في التعبد وإنما بالعمل والعمل الجدي المبني على بدل الجهد الجسدي والعقلي ..
لا يمكن أن يتم اكتشاف العلوم بفرض حصار من العنف على أصحاب الألباب والعقول..
إني قرأت بعضا من أفكار الفيلسوف الفرنسي "ديكارت"..قبل أن أقرأ بعضا من أفكار الغزالي.. وقد سرني عن طريق الصدفة اكتشاف ما يجمع بين الفيلسوفين من قرابة فكرية هي بالضرورة ملزمة لكل فيلسوف..
كان شك الغزالي في المحسوسات طريقا سالكة إلى الإيمان بنور العقل..
وكان نور العقل في نظر ديكارت سببا في انتقال الإنسان من الوحشية والهمجية إلى الحضارة والرقي..
فكل إنسان وكل فيلسوف لابد من ان ينطلق من العقل..
ويمكن تشبيه العقل بالمغزل الذي تنسج على هيكله الخيوط الرابطة المنظمة لمختلف التجارب والكشوفات..
لقد كسر الغزالي المغزل وعطله لأنه عاش في عصر كانت عقول الناس قد تعطلت ولم تعد تستطيع التجاوب مع أفكار عميقة تحتاج إلى تجارب تشبهها في العمق من أجل أن تفهم ويتم استيعابها..
انظر إلى الناس في عصرنا إن الغشاوة لاتزال تحيط بأعينهم..فهم يخوضون في الكفر والإيمان دون علم كلي بالدين يقرأون مقاطع من كتاب وأخرى من كتاب آخر فيدعون العلم .."ولايحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء"..
انظر إلى هؤلاء الناس يعتقدون أن الفلسفة إلحاد..فهم بهذا الحكم يجعلون حواجز في طريق الفلسفة لأن هذه الأخيرة تبدو خطيرة ..يخشى من تأثيرها
وخاصة تأثيرها على عامة الشعب ..تصوروا لو أصبح عامة الناس يسلكون طريق الفلسفة ماذا كان سيحصل للزوجة المحجوزة في البيت؟ للخادم الذي ينزف في الحقل؟ للعامل الذي يسجن في المعمل؟ للجندي الذي يدجج بالسلاح؟
ماذا كان سيحصل للطفل الذي يستغل ؟ وللفقير الذي ينشد فتاتا من أجل البقاء؟
نعم كان الغزالي فيلسوفا.. ولكن لم يكن نبيا فيكفي أن يعرف المرء حدوده..
لو عرفنا حدودنا لما تطاولنا على حقوق الغير في التفكير والتعبير..
لن أكره الغزالي لأنه كان يختبئ ليشرب الجعة..ولن أكره الغزالي لأنه كانت له شطحات صوفية..لن أكرهه لأنه عبر بصوت مرتفع عما يمر بخياله..سأقول للغزالي فليرحمك الله وليعفو عنك لان الله والله وحده" يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم"..وهو الغفور الرحيم..
إدريس الشعشوعي
17-11-2006, 04:46 PM
الأخت الفاضلة فاطمة وقفت على ما كتبت .. فوجدت به إطلالة واضحة شفافة على الحقائق التي لا تعيش الا في وجود الحرية و الموضوعية ، حرية الفكر و موضوعية التناول ..
لقد كسر الغزالي المغزل وعطله لأنه عاش في عصر كانت عقول الناس قد تعطلت ولم تعد تستطيع التجاوب مع أفكار عميقة تحتاج إلى تجارب تشبهها في العمق من أجل أن تفهم ويتم استيعابها
و لكن في الحقيقة الغزالي لم يكسر مغزله ، لكنه وصل الى الحقيقة اليقينية التي كان يبحث عنها .. فلم يكن الايمان و النور يوما كسرا للعقل و إغلاقا لباب الانطلاق ...
كان شك الغزالي في المحسوسات طريقا سالكة إلى الإيمان بنور العقل..
نعم سيدتي كان عقل الغزالي البحاث و فطرته النقية في الوصول الى اليقين الذي يبحث عنه سببا في هدايته ..
لن أكره الغزالي لأنه كان يختبئ ليشرب الجعة..ولن أكره الغزالي لأنه كانت له شطحات صوفية..لن أكرهه لأنه عبر بصوت مرتفع عما يمر بخياله..سأقول للغزالي فليرحمك الله وليعفو عنك لان الله والله وحده" يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم"..وهو الغفور الرحيم..
و لكن سيدتي الكريمة هذه سلبية بالنسبة لي أو على الأقل على مفهوم هذه الحياة التي لم تخلق عبث ؟؟؟؟
لأن الغزالي بشكه و فطرته و علمه وصل الى اليقين ، و صار إماما من ائمة الدين ، وصل الى الله ، و لم يكن يشرب الجعة حاشاه ، و لم تكن له شطحات صوفية كلا ، بل كان صوفيا ربانيا يقتبس من مشكاة النبوة صافيا .
و أعتقد أن رسالتنا نحن لا المرور على أمثال هؤلاء الا بأخذ أفضل ما لديهم ، و لعلّ ما طرحه الاستاذ خليل هو أن عبقرية الغزالي الحقة تمثلت في كونه استخدم عقله و قلبه كاملا في سبيل الوصول الى الحقيقة و اليقين الذي يسعد به في الدنيا و الآخرة ، و قد ثار على ما وجده متوارثا في وقته ، و لم يحصر الحق في فئة حتى لبس لباسها باطنا و علما و فكرا ، ثم نقد مساوئها حتى اذا وقف على الصوفية و التصوف وجد به ضالته ..
و اليك هذه الفقرة من كتابه المنقذ من الضلال - و الذي هو جدير بالاطلاع - و قد اختصر فيها خلاصة فكر عالم و عمق فيلسوف و رحلة باحث عن الحقيقة ..
" ودمت على ذلك مقدار عشر سنين ؛ وانكشفت لي في أثناء هذه الخلوات أمور لا يمكن إحصاؤها واستقصاؤها ، والقدر الذي أذكره لينتفع به: إني علمت يقيناً أن الصوفية هم السالكون لطريق الله ( تعالى ) خاصة ، وأن سيرتهم أحسن السير ، وطريقهم أصوب الطرق ، وأخلاقهم أزكى الأخلاق. بل لو جُمع عقل العقلاء ، وحكمة الحكماء ، وعلم الواقفين على أسرار الشرع من العلماء ، ليغيروا شيئاً من سيرهم وأخلاقهم ، ويبدلوه بما هو خير منه ، لم يجدوا إليه سبيلاً. فإن جميع حركاتـهم وسكناتـهم ، في ظاهرهم وباطنهم ، مقتبسة من ( نور ) مشكاة النبوة ؛ وليس وراء نور النبوة على وجه الأرض نور يستضاء به. "
تحياتي ...
خليل حلاوجي
17-11-2006, 09:21 PM
المكرمة الاديبة الاريبة ... سارة
المكرم الشاعر ... ادريس
باقي فضلاء واحتنا ... واحة الانقياء
قولك ِ
انظر إلى هؤلاء الناس يعتقدون أن الفلسفة إلحاد..
أقول
حتى اتمكن من دعوة واقناع انسان مؤمن بفلسفة الالحاد
لابد لي من الحديث معه من نفس منطلقاته الفلسفية
احدثه عن الايمان
بمنطوق فلسفي
لعلي ... اصلح ناقدا ً له نافعا ً ... جالبا ً إياه الى حضيرتنا
العقل هو شمس معارفنا في مدينتنا يااولي الابصار
وانا استمد طاقة هذه الشمس ... من القرآن ... كلام الخالق لمخلوقيه جل في علاه
\
بالغ تقديري
سحر الليالي
17-11-2006, 09:26 PM
أخي العزيز خليل:
أقرأ بعمق...
شكرا لجهودك القيمة
لك خالص تقديري وباقة ورد
خليل حلاوجي
16-12-2006, 08:39 AM
الغزالي يرحمه الله بحر لا يمكن استيعابه .
والذي اعلمه ان الاحياء ادخل فيه الكثير بعده مما لا يقره الغزالي نفسه .
اي ان ثمة امور كثيرة نسبت اليه .
ان عبقرية الغزالي لا يختلف عليها اثنان . والمتتبع لسيرته وحياته لا يمكن ان يجد في هذا الرجل ما يذكره البعض من التصوف والزندقة .
واذا كان التصوف لدى بعض الفرق خروجا عن الدين او رهبانية مبتدعة فهو في راي كثيرين منزلة متقدمة في المعرفة يصعب على عوام الناس ادراكها . كما ان التصوف لا يمكن اختزاله في تعريف واحد والمتصوفة مشارب ومذاهب وطرق ونسائب لا يمكن بحال من الاحوال ان نجملها في واحدة . ففيها المحمودة وفيها التي تثير الاشمئزاز .
الغزالي يرحمه الله جازف وضحى ببعض سمعته مقابل الوصول الى الحقيقة او مقابل معاركة الفلاسفة بسلاحهم , وقد نجح في كثير من جولاته ومعاركه .. وهذا راي شخصي ..
لذلك فانني اعتقد ان الغزالي يرحمه الله سيظل مثيرا للجدل طالما ظلت المدارس الفكرية وكل حسب ما يعتقد .. وكما نعلم فان كل من يتحدث بتقييم الاشخاص يقول نفس المعايير بالتزام الحق والوحي والسنة والخ .. وكلهم محتكرون للحق والحقيقة .. ومع ذلك فاننا نجد تناقضا بينهم يصل الى تناقض الليل والنهار .
الشئ المؤكد ان الغزالي عقلية فذة ومبتكرة ومضحية ايضا .. وخالدة .. واذا كان ثمة من العلماء الاقدم والاكثر شهرة و(قربا من الكتاب والسنة) قد تعرضوا الى قدح يفوق ماتعرض له الغزالي فإنه ليس من المستغرب ان يحدث ذلك له .. بل ان كثيرا من صحابة رسول الله عليه السلام تعرضوا لذلك حتى من صحابة اخرين!!.. ولست اشبه بهم احدا لكنني اضرب مثلا ..
والله تعالى اعلم بسرائر البشر .
مسيرته نستشف منها أ، المعرفة كائن حي ينمو كما تنمو اعضاءنا البشرية وتكبر
والانسان فضلا ً عن المفكر قد يرى أمرا ً اليوم على الحق وقد يتبدى له أنه أخطأ في اليوم التالي
وخيرنا من ثبت على الحق ولاحقه اينما وجده
والغزالي تدرج في مسالك الفقه ثم انطلق بأقصى مااوتي من فطنة في مدن الفلاسفة
واخيرا ً ... جلس يبكي منصتيه متصوفا ً
وليس فينا من هو معصوم
المهم ... ان نستفيد من كل تلك المراحل التي قد نمر نحن بها
\
بالغ تقديري .... لسيد الشعر المرتجل ... شقيق الروح .. معاذ
سلطان السبهان
16-12-2006, 02:53 PM
ولكنني وقفت هنا باستغراب لأجد اخي سلطان يتناول مرة اخرى العملاق الحجة ابوحامد الغزالي رضي الله عنه و أرضاه
___________
فرجاء الوقوف على ما قاله أهل العلم ، بعيدا عن قصور النظر ، و جهل العبر ... انما يقاضي العلماء العلماء .
سامحك الله أخي إدريس
هل تناولت الغزالي بنفسيأم نقلت عن أهل العم أقوالهم.
أيحل لك أن تنقل قول مادح ولا يحل لي أن أنقل قول قادح !!
الوقوف على ماقاله العلماء هو ماصنعته انا بنقلي .
فإن لديك فرس فأسرجها ورد على ما نقلتُه عن كتاب الأحياء من أقوال شنيعة فضيعة .
وإلا فلا تنقل نقل مادح هكذا ..فالرح المفصل مقدم على المدح المجمل ، وهذه قاعدة أظنك تعرفها ..
وما من كتاب إلا مُدح حتى الاناجيل المحرفة فلا يغرنّك يا صاح .
دمتم
إدريس الشعشوعي
17-12-2006, 10:41 AM
أخي الحبيب سلطان ماذا اقول لك ؟؟
بل الله يدافع عنه و هو من كبار السادة رضي الله عنه ...
و ما نقلته عنه في مشاركتي السابقة كاف ان شاء الله مقابل ما نقلته انت .. إذ لم يكن سوى تزكيات بعض كبار أهل العلم في الفقه و الحديث و السلوك.. و على كل فالاحياء قال عنه الامام النووي رضي الله عنه " كاد الاحياء أن يكون وحيا ".. او كما قال .
و لكنني أعيدها عليك أخي الحبيب .. اشفق على نفسك و رفقا بها .
و الله يتولى الصالحين .. من عادى لي وليا آذنته بحرب .
دعواتي لنا أن يغفر الله لنا و أن يرينا سبيل الرشاد .
و صلى الله على سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم .
سلطان السبهان
17-12-2006, 01:02 PM
و لكنني أعيدها عليك أخي الحبيب .. اشفق على نفسك و رفقا بها .
و الله يتولى الصالحين .. من عادى لي وليا آذنته بحرب .
.
أشفق على نفسي مم أخي الكريم إن كنتُ نقلت عمّن هم اعلم مني ومنك
واتقى .
قلها لكل إمام انتقد إماماً أو بيّن خطأه او ألف فيه ، قل له لا تعادي اولياء الله !!
أستغرب من فهمك للحديث أو لصنيع العلماء بأنه عداء لأولياء الله !
قلنا يا أخي فلان من الناس مخالف للسنة النبوية ، والدليل قوله كيت وكيت ...هل عادينا أولياء الله !
سبحان الله
وليت شعري هل ستقول : من عادى لي ولياً ، حين ينال من إمام لايعجبك !!!كأولئك الذين حصل بيني وبينك فيهم نقاش ؟؟
انا لن اعقب ان اتحاور في هذه القضية مرة اخرى لأنه يبدو ان المنهج العلمي في تفنيد الأقوال او المناهج ومناقشتها غائب .
دمتم
خليل حلاوجي
18-12-2006, 07:48 AM
الحبيبان السبهان والشعشوعي
ماأراكما الا والحق مع كليكما ... فسلطان أحب الغزالي بعقله والشعشوعي أحبه بقلبه ...
أما أنا فأحببتكما والله يشهد بقلبي وعقلي
أرجو
أن لاتحرماني وجودكما الثر ... عند عبقرية هذا الامام رحمة الله عليه وعلينا أجمعين
\
قلبي ... ينتظركما
إدريس الشعشوعي
18-12-2006, 04:59 PM
أخي الحبيب سلطان .. ماذا اقول لك ؟
لا أريد أن افتح بابا للجدل عقيم .. و التفصيل فيما تقوله يستوجب طول نفس ، و جدلا لا أظن نهايته إلا كما خبرت الجدل ..
و لكنني أحاول أن اقول كلمة حق في حق هذا العملاق رضي الله عنه ..
و ما قدمناه ليس مدحا مجملا كما زعمت ، سبحان الله ، بل هو في بابه و في كتاب الاحياء ..و هم أعلام أجلاء . بل الاحياء كتاب تقبلته الامة بالقبول و الاقبال ..
و لم يقدح فيه الا محروم ... أما ابن تيمية رحمه الله ، فقد كان شديدا على حجة الاسلام بألفاظ غير لائقة على العموم ، تجد ذلك في كتابه منهاج السنة ،.. و ليس بالضرورة ما يقوله ابن تيمية هو الشريعة المنزلة .
فلا تلزمني أن أقدّم لك أكثر من مئة عالم و فقيه من علماء الأمة أتوا بعد ابن تيمية و انتقدوه في مسائل كثيرة خرق فيها الاجماع .. مع كونه رحمه الله شهد له الكثير بالعلم و الاتقان .
أنا أتمنى عليك أخي أن تحجم قلبا و قالبا عن القدح في هذا العالم الجليل ابوحامد الغزالي رحمه الله ... و كتابه الاحياء .
****
أخي خليل أحبك الذي أحببتنا من أجله ، بارك الله فيك .. و ما كلامنا هنا الا كلمة حق و حبا لأخواننا .. و الله يشهد .
و صلى الله على سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم .
سلطان السبهان
18-12-2006, 07:56 PM
أخي الكريم الشعشوعي
المسألة واضحة غاية الوضوح
ولاتحتاج لتشنج أحدنا
المسألة انني أرى ان التصوف بدعة خطيرة وضلال عن السنة والهدى
وعليه فأئمة التصوف واهله عندنا مخالفون للسنة
وانت لاترى ذلك
وعليه عندك ستحتج لكل متصوف
ولذا
لم تقدم او تؤخر في القضايا التي طرحتها لك من كتاب الإحياء ولم تحجب عنها
وإنما نقلت كلاما مجملا في مدح الكتاب
وهذا الذي عنيته بالاجمال ( مدح لمجمل كتاب الاحياء )
دون التطرق للجواب عن النقاط التفصيلية التي ذكرتها
لاحظ ان فيما نقلت اخطاء تتعلق بالله وبالشريعة
أرني غيرتك رعاك الله على السنة والهدى واجب او انتقد رعاك الله .
اما مدح الكتب فقلت لك :
لو اتيتني بمائة يمدحونه اتيت بثلاثمائة يذمونه
ولليس كلام احدنا ملزم للآخر في هذا اعني في آراء الرجال .
ساعيد اخي النقاط علك تشفي غلتي :
الأول :قوله من شطحاته الصوفية البغيظة :
لان ترى ابا يزيد مرة واحدة خير لك من ان ترى الله سبعين مرة وغيرها وغيرها من الطوام الكبرى
الاحياء 4/305
الثاني : عقد بابا في التزكية من الإحياء بعدم تزويج المريد وهي إحدى مراتب أهل التصوف !!
الثالث : في باب التوكل أفاض في استحباب ترك الزواج .4/206
الرابع :وقال متَّهماً الله تعالى بالظلم : قرَّبَ الملائكةَ مِن غيرِ وسيلةٍ سابقةٍ، وأبعدَ إبليسَ مِن غيرِ جريمةٍ سالفةٍ ! أ.هـ* "الإحياء" 4/168.
قال القاضي عياض : والشيخ أبو حامد ذو الأنباء الشنيعة، والتصانيف الفظيعة، غلا في طريقةِ التصوُّفِ، وتجرَّد لنصر مذهبهم، وصار داعيةً في ذلك، وألَّف فيه تواليفه المشهورة -(أي: الإحياء)- أُخذ عليه فيها مواضعُ، وساءتْ به ظنونُ أمَّةٍ، والله أعلم بسرِّه، ونَفَذَ أمرُ السلطان عندنا وفتوى الفقهاء بإحراقها والبعد عنها فامتُثِل لذلك.
بانتظارك للحوارالجاد أخي وسامحني إن اخطات في حقك .
محمد باسل الطائي
19-12-2006, 12:48 PM
الأخوة الأكارم
أبو حامد محمد بن محمد الغزالي هو واحد من عمالقة الفكر الاسلامي له مساهمات كبيرة في تطوير الفكر العلمي الاسلامي. أقترح على الأخوة مراجعة البحثين التاليين لنعرف جانبا من عبقرية الغزالي
http://www.cosmokalam.com/kalam/articles/sun_g_g.pdf
http://www.cosmokalam.com/kalam/articles/expansion.pdf
والبحثين هما في موقعي الشخصي
www.cosmokalam.com
والسلام
محمد باسل الطائي
خليل حلاوجي
19-12-2006, 02:17 PM
متواجد
وفرح حد الغبطة بهذا الحضور الفكري الجم
محمد باسل الطائي
20-12-2006, 01:49 PM
الأخوة الأكارم
السلام عليكم
يسعدني أن أكون معكم
ملاحظة للأخ سلطان والأخوة الذين ينقلون كلاما من كتب ومراجع دون تدقيق حيثيات النص أقول: إن الكلام الذي نسب الى الغزالي حول رؤية وجه أبي يزيد أو رؤية وجه الله هو ليس كلام الغزالي نفسه بل جاء في كتابه الاحياء في حيثيات قصة يرويها وليس هو قائلها. وناقل الكفر ليس بكافر. ويمكن مراجعة المصدر الذي أشار اليه الأخ سلطان عفا الله عنه للتأكد.
أقوال الغزالي ألأخرى أو احتهاداته ذوقية ليست ملزمة وأقوال العلماء فيه كذلك. فتكن عقولنا متفتحة ولتكن قلوبنا سمحة... والله المستعان
محمد باسل الطائي
إدريس الشعشوعي
20-12-2006, 09:50 PM
المسألة انني أرى ان التصوف بدعة خطيرة وضلال عن السنة والهدى
وعليه فأئمة التصوف واهله عندنا مخالفون للسنة
أخي الحبيب سلطان .. انا ملزم ان انقل لك هذا الفصل الطويل النفيس من كتاب حقائق عن التصوف لأن به الاحالات و المراجع و المصادر .. و الأقوال . و أتمنى ان تقرأه كاملا بتؤدة .. و الله الهادي الى سواء السبيل .
شهادات علماء الأمة الإِسلامية
من سلفها إِلى خلفها للتصوف ورجاله
ختاماً لهذه الرسالة أنقل لك طرفاً يسيراً من الأقوال والشهادات عن التصوف لبعض أكابر علماء الأمة، ورجال الفكر والدعوة منذ الصدر الأول إِلى يومنا هذا.
ولا أراك محتاجاً إِلى هذه الشهادات، بعد أن عرفت جوهر التصوف وتبين لك أنه روح الإِسلام، وأحد أركان الدين الثلاثة: الإِسلام والإِيمان والإِحسان.
ولكن هناك بعض النفوس قد عميت عن رؤية النور، وتجاهلت حقائق الإِسلام، وحكمت على الصوفية من خلال أعمال بعض المنحرفين والمبتدعين من أدعياء التصوف دون تبيُّنٍ ولا تمحيص، فإِلى هؤلاء وإِلى كل جاهل بحقيقة التصوف نسوق هذه الأقوال ؛ كي يدركوا أثر التصوف وضرورته لإِحياء القلوب، وتهذيب النفوس، وكي يطلعوا على ثمرات التصوف ونتائجه في انتشار الإِسلام في مختلف الديار وشتى الأمصار.
1ـ
الإِمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى:
نقل الفقيه الحنفي الحصكفي صاحب الدر: أن أبا علي الدقاق قال: " أنا أخذت هذه الطريقة من أبي القاسم النصرابادي، و قال أبو القاسم: أنا أخذته من الشبلي، و هو من السري السقطي، وهو من معروف الكرخي، وهو من داود الطائي، وهو أخذ العلم و الطريقة من أبي حنيفة رضي الله عنه، و كل منهم أثنى عليه و أقر بفضله" (عبد القادر عيسى، حقائق عن التصوف باب بين الحقيقة والشريعة. ص 490).
2ـ الإِمام مالك رحمه الله تعالى:
يقول الإِمام مالك رحمه الله تعالى: (مَنْ تفقَّهَ ولم يتصوف فقد تفسق، ومَنْ تصوَّف ولم يتفقه فقد تزندق، ومن جمعَ بينهما فقد تحقَّق) [حاشية العلامة علي العدوي على شرح الإِمام الزرقاني على متن العزية في الفقه المالكي ج3. ص195. وشرح عين العلم وزين الحلم للإِمام ملا علي القاري المتوفى 1014هـ. ج1. ص33. والإِمام مالك رحمه الله تعالى أحد الأئمة الأربعة المشهورين توفي سنة 179هـ في المدينة المنورة].
3ـ الإِمام الشافعي رحمه الله تعالى:
قال الإِمام الشافعي رحمه الله تعالى [الإِمام الشافعي رحمه الله تعالى أحد الأئمة الأربعة المشهورين توفي في مصر سنة 204هـ]: (صحبت الصوفية فلم أستفد منهم سوى حرفين، وفي رواية سوى ثلاث كلمات:
قولهم: الوقت سيف إِن لم تقطعه قطعك.
وقولهم: نفسَك إِن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل.
وقولهم: العدم عصمة) [تأييد الحقيقة العلية للإِمام جلال الدين السيوطي ص15].
وقال أيضاً: (حُبِّبَ إِليَّ من دنياكم ثلاث: تركُ التكلف، وعِشرةُ الخلق بالتلطُّف، والاقتداء بطريق أهل التصوف) ["كشف الخفاء ومزيل الإِلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس" للإِمام العجلوني المتوفى سنة 1162هـ. ج1. ص341].
4ـ الإِمام أحمد رحمه الله تعالى:
كان الإِمام أحمد رحمه الله تعالى [الإِمام أحمد رحمه الله تعالى أحد الأئمة الأربعة المشهورين توفي سنة 241هـ] قبل مصاحبته للصوفية يقول لولده عبد الله رحمه الله تعالى: (يا ولدي عليك بالحديث، وإِياك ومجالسة هؤلاء الذين سموا أنفسهم صوفية، فإِنهم ربما كان أحدهم جاهلاً بأحكام دينه. فلمَّا صحب أبا حمزة البغدادي الصوفي، وعرف أحوال القوم، أصبح يقول لولده: يا ولدي عليك بمجالسة هؤلاء القوم، فِإِنهم زادوا علينا بكثرة العلم والمراقبة والخشية والزهد وعلو الهمة) ["تنوير القلوب" ص405 للعلامة الشيخ أمين الكردي المتوفى سنة 1332هـ].
ونقل العلامة محمد السفاريني الحنبلي رحمه الله تعالى عن إِبراهيم بن عبد الله القلانسي رحمه الله تعالى أن الإِمام أحمد رحمه الله تعالى قال عن الصوفية: (لا أعلم أقواماً أفضل منهم. قيل: إِنهم يستمعون ويتواجدون، قال: دعوهم يفرحوا مع الله ساعة..) ["غذاء الألباب شرح منظومة الآداب" ج1. ص120].
5ـ الإِمام المحاسبي رحمه الله تعالى:
ويقول الإِمام المحاسبي رحمه الله تعالى، متحدثاً عن جهاده المرير للوصول إِلى الحق حتى اهتدى إِلى التصوف ورجاله، وهو من أروع ما كتب في وصف الحياة الصوفية والخلقية والإِيمانية: (أما بعد، فقد انتهى البيان إِلى أن هذه الأمة تفترق على بضع وسبعين فرقة، منها فرقة ناجية، والله أعلم بسائرها ؛ فلم أزل برهة من عمري، أنظر اختلاف الأمة، وألتمس المنهاج الواضح والسبيل القاصد، وأطلب من العلم والعمل، وأستدل على طريق الآخرة بإِرشاد العلماء، وعقلت كثيراً من كلام الله عز وجل بتأويل الفقهاء، وتدبرت أحوال الأمة، ونظرت في مذاهبها وأقاويلها، فعقلت من ذلك ما قدّر لي، ورأيت اختلافهم بحراً عميقاً، غرق فيه ناس كثير، وسلم منه عصابة قليلة، ورأيت كل صنف منهم، يزعم أن النجاة لمن تبعهم، وأن المهالك لمن خالفهم، ثم رأيت الناس أصنافاً:
فمنهم العالم بأمر الآخرة، لقاؤه عسير، ووجوده عزيز.
ومنهم الجاهل، فالبعد عنه غنيمة.
ومنهم المتشبه بالعلماء، مشغوف بدنياه، مؤثر لها.
ومنهم حامل علم، منسوب إِلى الدين، ملتمس بعلمه التعظيم والعلو، ينال بالدين من عرض الدنيا.
ومنهم حامل علم، لا يعلم تأويل ما حمل.
ومنهم متشبه بالنُّسَّاك، متحرٌّ للخير، لا غناء عنده، ولا نفاذ لعلمه [إِلى قلوب السامعين]، ولا معتمَد على رأيه.
ومنهم منسوب إِلى العقل والدهاء، مفقود الورع والتقى.
ومنهم متوادُّون، على الهوى وافِقون، وللدنيا يذِلون، ورياستَها يطلبون.
ومنهم شياطين الإِنس، عن الآخرة يصدون، وعلى الدنيا يتكالبون، وإِلى جمعها يُهرعون، وفي الاستكثار منها يرغبون، فهم في الدنيا أحياء، وفي العُرف موتى، بل العُرف عندهم منكر، والاستواء [بين الحي والميت] معروف.
فتفقدْت في الأصناف نفسي، وضِقتُ بذلك ذرعاً، فقصدت إِلى هدى المهتدين، بطلب السداد والهدى، واسترشدت العلم، وأَعملْت الفكر، وأطلت النظر، فتبيَّن لي من كتاب الله تعالى وسنة نبيه وإِجماع الأمة، أن اتباع الهوى يعمي عن الرشد، ويضل عن الحق، ويطيل المكث في العمى.
فبدأتُ بإِسقاط الهوى عن قلبي، ووقفت عند اختلاف الأمة مرتاداً لطلب الفرقة الناجية، حذِراً من الأهواء المُرْدية والفرقة الهالكة، متحرزاً من الاقتحام قبل البيان، وألتمس سبيل النجاة لِمُهْجةِ نفسي.
ثم وجدْتُ باجتماع الأمة في كتاب الله المنزل أن سبيل النجاة في التمسك بتقوى الله وأداء فرائضه، والورع في حلاله وحرامه وجميع حدوده، والإِخلاص لله تعالى بطاعته، والتأسِّي برسوله صلى الله عليه وسلم. فطلبت معرفة الفرائض والسنن عند العلماء في الآثار، فرأيت اجتماعاً واختلافاً، ووجدتُ جميعهم مجتمعين على أن علم الفرائض والسنن عند العلماء بالله وأمره، الفقهاء عن الله العاملين برضوانه الورعين عن محارمه المتأسين برسوله صلى الله عليه وسلم والمؤثرين الآخرة على الدنيا ؛ أُولئك المتمسكون بأمر الله وسنن المرسلين.
فالتمست من بين الأمة هذا الصنف المجتمَعَ عليهم والموصوفين بآثارهم، واقتبست من علمهم، فرأيتهم أقل من القليل، ورأيت علمهم مندرساً كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "بدأ الإِسلام غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء" [أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الإِيمان عن أبي هريرة رضي الله عنه]، وهم المتفرِّدون بدينهم، فعظمتْ مصيبتي لفقد الأولياء الأتقياء، وخشيتُ بغتة الموت أن يفاجئني على اضطرابٍ من عمري لاختلاف الأمة، فانكمشت في طلب عالم لم أجد لي من معرفته بُدّاً، ولم أقصّر في الاحتياط ولا في النصح. فقيَّضَ لي الرؤوف بعباده قوماً وجدت فيهم دلائل التقوى وأعلام الورع وإِيثار الآخرة على الدنيا، ووجدت إِرشادهم ووصاياهم موافقة لأفاعيل أئمة الهدى، [ووجدتهم] مجتمعين على نصح الأمة، لا يُرَجُّون أبداً في معصيته، ولا يُقَنِّطون أبداً من رحمته، يرضون أبداً بالصبر على البأساء والضراء والرضا بالقضاء والشكر على النعماء، يُحبِّبون الله تعالى إِلى العباد بذكرهمْ أياديه وإِحسانه، ويحثُّون العباد على الإِنابة إِلى الله تعالى، علماء بعظمة الله تعالى، علماء بعظيم قدرته، وعلماء بكتابه وسنته، فقهاء في دينه، علماء بما يحب ويكره، وَرِعين عن البدع والأهواء، تاركين التعمق والإِغلاء، مبغضين للجدال والمراء، متورِّعين عن الاغتياب والظلم مخالفين لأهوائهم، محاسبين لأنفسهم، مالكين لجوارحهم، ورعين في مطاعمهم وملابسهم وجميع أحوالهم، مُجانبين للشبهات، تاركين للشهوات، مجتزئين بالبُلْغة من الأقوات، متقللين من المباح، زاهدين في الحلال، مشفِقين من الحساب، وَجِلين من المعاد، مشغولين بينهم، مُزْرِين على أنفسهم من دون غيرهم، لكل امرىء منهم شأن يغنيه، علماء بأمر الآخرة وأقاويل القيامة وجزيل الثواب وأليم العقاب. ذلك أورثهم الحزن الدائم والهَمَّ المقيم، فشغلوا عن سرور الدنيا ونعيمها. ولقد وصفوا من آداب الدين صفات، وحدُّوا للورع حدوداً ضاق لها صدري، وعلمت أن آداب الدين وصدق الورع بحر لا ينجو من الغرق فيه شبهي، ولا يقوم بحدوده مثلي، فتبين لي فضلهم، واتضح لي نصحهم، وأيقنتُ أنهم العاملون بطريق الآخرة والمتأسون بالمرسلين، والمصابيح لمن استضاء بهم، والهادون لمن استرشد.
فأصبحت راغباً في مذهبهم مقتبساً من فوائدهم قابلاً لآدابهم محباً لطاعتهم، لا أعدل بهم شيئاً، ولا أوثر عليهم أحداً، ففتح الله لي علماً اتضح لي برهانه، وأنار لي فضله، ورجوت النجاة لمن أقرَّ به أو انتحله، وأيقنت بالغوث لمن عمل به، ورأيت الاعوجاج فيمن خالفه، ورأيت الرَّيْن متراكماً على قلب من جهله وجحده، ورأيت الحجة العظمى لمن فهمه، ورأيت انتحاله والعمل بحدوده واجباً عليَّ، فاعتقدته في سريرتي، وانطويت عليه بضميري، وجعلته أساس ديني، وبنيت عليه أعمالي، وتقلَّبْت فيه بأحوالي. وسألت الله عز وجل أن يوزِعَني شكرَ ما أنعم به عليَّ، وأن يقويني على القيام بحدود ما عرَّفني به، مع معرفتي بتقصيري في ذلك، وأني لا أدرك شكره أبداً) [كتاب الوصايا ص27ـ32. للإِمام أبي عبد الله الحارث المحاسبي المتوفى 243هـ. وهو من أمهات الكتب الصوفية المعتمدة].
6ـ عبد القاهر البغدادي رحمه الله تعالى:
قال الإِمام الكبير حجة المتكلمين عبد القاهر البغدادي رحمه الله تعالى في كتابه الفَرْقُ بين الفِرَقِ: (الفصل الأول من فصول هذا الباب في بيان أصناف أهل السنة والجماعة. اعلموا أسعدكم الله أن أهل السنة والجماعة ثمانية أصناف من الناس:
1ـ صنف منهم أحاطوا علماً بأبواب التوحيد والنبوة وأحكام الوعد والوعيد والثواب والعقاب وشروط الاجتهاد والإِمامة والزعامة..
2ـ والصنف الثاني منهم: أئمة الفقه من فريقي الرأي والحديث من الذين اعتقدوا في أُصول الدين مذاهب الصفاتية في الله وفي صفاته الأزلية وتبرَّؤُا من القدر والاعتزال، وقالوا بدوام نعيم الجنة على أهلها، ودوام عذاب النار على الكفرة، وقالوا بإِمامة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وأحسنوا الثناء على السلف الصالح من الأمة، ورأوا وجوب الجمعة خلف الأئمة الذين تبرؤا من أهل الأهواء الضالة، ورأَوْا وجوب استنباط أحكام الشريعة من القرآن والسنة ومن إِجماع الصحابة، ويدخل في هذه الجماعة أصحاب مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم.
3ـ والصنف الثالث منهم: هم الذين أحاطوا علماً بطرق الأخبار والسنن المأثورة عن النبي عليه الصلاة والسلام، وميزوا بين الصحيح والسقيم منها، وعرفوا أسباب الجرح والتعديل، ولم يخلطوا علمهم بذلك بشيء من بدع أهل الأهواء الضالة.
4ـ والصنف الرابع منهم: قوم أحاطوا علماً بأكثر أبواب الأدب والنحو والتصريف، وَجَروْا على سَمْتِ أئمة اللغة كالخليل وأبي عمرو بن العلاء وسيبويه.
5ـ والصنف الخامس منهم: هم الذين أحاطوا علماً بوجوه قراءات القرآن وبوجوه تفسير آيات القرآن وتأويلها على وفق مذاهب أهل السنة دون تأويلات أهل الأهواء الضالة.
6ـ والصنف السادس منهم: الزهاد الصوفية الذين أبصروا فأقصروا، واختَبروا فاعتبروا، ورضوا بالمقدور وقنعوا بالميسور، وعلموا أن السمع والبصر والفؤاد كل أُولئك مسؤول عن الخير والشر، ومحاسب على مثاقيل الذر، فأعدُّوا خير الإِعداد ليوم المعاد، وجرى كلامهم في طريقَيْ العبارة والإِشارة على سَمْتِ أهل الحديث دون من يشتري لهو الحديث، لا يعملون الخير رياء، ولا يتركونه حياء، دينُهم التوحيد ونفي التشبيه، ومذهبهم التفويضُ إِلى الله تعالى، والتوكلُ عليه والتسليمُ لأمره، والقناعةُ بما رزقوا، والإِعراضُ عن الاعتراض عليه. {ذلكَ فضلُ اللهِ يؤتِيهِ مَنْ يشاءُ واللهُ ذو الفضلِ العظيمِ} [الجمعة: 4].
7ـ والصنف السابع منهم: قوم مرابطون في ثغور المسلمين في وجوه الكفرة، يجاهدون أعداء المسلمين ويحمون حمى المسلمين.
8ـ والصنف الثامن منهم: عامة البلدان التي غلب فيها شعائر أهل السنة، دون عامة البقاع التي ظهر فيها شعار أهل الأهواء الضالة..) [الفَرْقُ بين الفِرَقِ للإِمام عبد القاهر البغدادي المتوفى سنة 429هـ. ص189].
7ـ الإِمام القشيري رحمه الله تعالى:
وقال الإِمام أبو القاسم القشيري رحمه الله تعالى في مقدمة رسالته المشهورة متحدثاً عن الصوفية: (جعل الله هذه الطائفة صفوة أوليائه، وفَضَّلهم على الكافة من عباده بعد رسله وأنبيائه صلوات الله وسلامه عليهم، وجعل قلوبهم معادن أسراره، واختصَّهم من بين الأمة بطوالع أنواره، فهم الغياث للخلق، والدائرون في عموم أحوالهم مع الحق بالحق. صفَّاهم من كدورات البشرية، ورقَّاهم إِلى محل المشاهدات بما تجلى لهم من حقائق الأحدية، ووفقهم للقيام بآداب العبودية، وأشهدهم مجاري أحكام الربوبية، فقاموا بأداء ما عليهم من واجبات التكليف، وتحققوا بما مَنَّه سبحانه لهم من التقليب والتصريف، ثم رجعوا إِلى الله سبحانه وتعالى بصدق الافتقار ونعت الانكسار، ولم يتَّكِلوا على ما حصل منهم من الأعمال أو صفا لهم من الأحوال، علماً منهم بأنه جلَّ وعلا يفعل ما يريد، ويختار من يشاء من العبيد، لا يحكم عليه خلق، ولا يتوجه عليه لمخلوق حق، ثوابه ابتداء فضل، وعذابه حكم بعدل، وأمره قضاء فصل) [الرسالة القشيرية للإِمام أبي القاسم القشيري المتوفى سنة 465هـ. ص2].
8ـ الإِمام الغزالي رحمه الله تعالى:
وها هو ذا حجة الإِسلام الإِمام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى يتحدث في كتابه المنقذ من الضلال عن الصوفية وعن سلوكهم وطريقتهم الحقة الموصلة إِلى الله تعالى فيقول:
(ولقد علمت يقيناً أن الصوفية هم السالكون لطريق الله تعالى خاصة وأن سيرتهم أحسن السيرة، وطريقتهم أصوب الطرق، وأخلاقهم أزكى الأخلاق.. ثم يقول رداً على من أنكر على الصوفية وتهجَّم عليهم: وبالجملة فماذا يقول القائلون في طريقةٍ طهارتُها ـ وهي أول شروطها ـ تطهيرُ القلب بالكلية عما سوى الله تعالى، ومفتاحها الجاري منها مجرى التحريم من الصلاة استغراقُ القلب بالكلية بذكر الله، وآخرها الفناء بالكلية في الله) [المنقذ من الضلال لحجة الإِسلام الغزالي المتوفى سنة 505هـ. ص131].
9ـ الإِمام فخر الدين الرازي رحمه الله تعالى:
قال العلامة الكبير والمفسر الشهير الإِمام فخر الدين الرازي رحمه الله تعالى في كتابه اعتقادات فرق المسلمين والمشركين: (الباب الثامن في أحوال الصوفية: اعلم أن أكثر مَنْ حَصَرَ فرق الأمة، لم يذكر الصوفية وذلك خطأ، لأن حاصل قول الصوفية أن الطريق إِلى معرفة الله تعالى هو التصفية والتجرد من العلائق البدنية، وهذا طريق حسن.. وقال أيضاً: والمتصوفة قوم يشتغلون بالفكر وتجرد النفس عن العلائق الجسمانية، ويجتهدون ألاَّ يخلو سرَّهم وبالَهم عن ذكر الله تعالى في سائر تصرفاتهم وأعمالهم، منطبعون على كمال الأدب مع الله عز وجل، وهؤلاء هم خير فرق الآدميين) [اعتقادات فرق المسلمين والمشركين للإِمام فخر الدين الرازي ص72ـ73 توفي سنة 606هـ بمدينة هراة. يقول محرر كتاب اعتقادات فرق المسلمين علي سامي النشار: (وفي أواخر أيامه [فخر الدين الرازي] وقد بلغ أوج كماله العلمي حدث له ما حدث لأبي حامد الغزالي من قبل، فقلَّتْ ثقته بالعقل الإِنساني، وأحسَّ عجزه، وأدرك تماماً أنه لا يستطيع الإِحاطة بالوجود في ذاته، فأدركتْه حالة صوفية كانت تنتابه منها في بعض مجالس وعظه نوباتٌ فيصرخ مستغيثاً.
وعظ يوماً بحضرة السلطان شهاب الدين الغوري، وحصلت له حال فاستغاث: (يا سلطان العالم لا سلطانك يبقى، ولا تلبيس الرازي يبقى).
ونظم أشعاراً تغلب عليها النزعة الصوفية كقوله:
نهايةُ إِقدام العقول عقالُ وأكثرُ سعي العالمينَ ضلالُ
وأرواحُنا في وَحشةٍ من جِسومنا وحاصلُ دنيانا أذى ووبالُ
ولم نستفد من بحثنا طولَ عمرنا سوى أنْ جمعنا فيه قيلَ وقالوا
وكان للإِمام فخر الدين الرازي صلة قوية بالشيخ الأكبر محي الدين بن عربي على أثر إِرسال رسالة جاءته من الشيخ محي الدين بن عربي، بين له فيها قيمة العلوم العرفانية الوهبية وشوَّقَه لها، وهذه الرسالة مطبوعة بالمطبعة السلفية بمصر وتسمى "رسالة شيخ الطريقة محي الدين بن عربي إِلى الإِمام ابن الخطيب الري المعروف بفخر الرازي" نسخها وأبرزها وصححها عبد العزيز الميمني الراجقوتي الأثري المقرىء بالجامعة الإِسلامية في عليكرة بالهند عام 1334 في مجموعة ثلاث رسائل].
10ـ العز بن عبد السلام رحمه الله تعالى:
قال سلطان العلماء عز الدين بن عبد السلام رحمه الله تعالى [عز الدين بن عبد السلام يلقب بشيخ العلماء وبسلطان العلماء ولد سنة 577هـ، وتوفي سنة 660هـ. انتهت إِليه الإِمامة، وبلغ منزلة الاجتهاد مع الزهد والورع. ولد بالشام، ووفد مصر فأقام بها أكثر من عشرين عاماً، ناشراً للعلم آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر. وألَّفَ كتباً كثيرة، وأخذ التصوف عن شهاب الدين السهروردي، وسلك على يد الشيخ أبي الحسن الشاذلي رحمه الله تعالى، وكان يقول إِذا حضر مجلسه وسمع كلامه: هذا كلام قريب العهد بالله]:
(قعد القوم من الصوفية على قواعد الشريعة التي لا تنهدم دنيا وأخرى ، وقعد غيرهم على الرسوم، ومما يدلك على ذلك، ما يقع على يد القوم من الكرامات وخوارق العادات، فإِنه فرع عن قربات الحق لهم، ورضاه عنهم، ولو كان العلم من غير عمل، يرضي الحق تعالى كل الرضى، لأجرى الكرامات على أيدي أصحابهم، ولو لم يعملوا بعلمهم، هيهات هيهات) [نور التحقيق للشيخ حامد صقر ص96].
11ـ الإِمام النووي رحمه الله تعالى:
قال الإِمام النووي رحمه الله تعالى في رسالته المقاصد: أصول طريق التصوف خمسة:
1ـ تقوى الله في السر والعلانية.
2ـ اتباع السنة في الأقوال والأفعال.
3ـ الإِعراض عن الخلق في الإِقبال والإِدبار.
4ـ الرضى عن الله في القليل والكثير.
5ـ الرجوع إِلى الله في السراء والضراء) [مقاصد الإِمام النووي في التوحيد والعبادة وأصول التصوف ص20 توفي الإِمام النووي سنة 676هـ في قرية من قرى الشام تسمى: نوى].
12ـ ابن تيمية رحمه الله تعالى:
تحدث أحمد بن تيمية رحمه الله تعالى عن تمسك الصوفية بالكتاب والسنة في الجزء العاشر من مجموع فتاويه فقال: (فأما المستقيمون من السالكين كجمهور مشايخ السلف مثل الفضيل بن عياض، وإبراهيم بن أدهم، وأبي سليمان الداراني، ومعروف الكرخي، والسري السقطي، والجنيد بن محمد، وغيرهم من المتقدمين، ومثل الشيخ عبد القادر [الجيلاني] والشيخ حماد، والشيخ أبي البيان، وغيرهم من المتأخرين، فهم لا يسوغون للسالك ولو طار في الهواء، أو مشى على الماء، أن يخرج عن الأمر والنهي الشرعيين، بل عليه أن يعمل المأمور ويدع المحظور إِلى أن يموت. وهذا هو الحق الذي دل عليه الكتاب والسنة وإِجماع السلف، وهذا كثير في كلامهم) [مجموع فتاوى أحمد بن تيمية ج10. ص516ـ517].
13ـ الإِمام الشاطبي رحمه الله تعالى:
ذَكَرتْ "المسلم مجلة العشيرة المحمدية" تحت عنوان: الإِمام الشاطبي [الشاطبي هو إِبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي المالكي المتوفى سنة 790هـ]. صوفي سلفي للسيد أبي النقى أحمد خليل: (كتاب الاعتصام من الكتب التي يعتبرها المُتسلِّفة مرجعاً أساسياً لبعض آرائهم، ويرون في الشيخ أبي إِسحاق الشاطبي إِماماً لهم، وقد عقد الإِمام الشاطبي في كتابه هذا فصولاً كريمة عن التصوف الإِسلامي، وأثبت أنه من صميم الدين، وليس هو مبتدَعاً، ووفَّى المقام هناك بما تخرس له الألسن، وتسلم له العقول والقلوب، فاستمعْ إِلى الإِمام الشاطبي يقول:
إِن كثيراً من الجهال، يعتقدون في الصوفية أنهم متساهلون في الاتباع والتزام ما لم يأت في الشرع التزامه، مما يقولون به ويعملون عليه، وحاشاهم من ذلك أن يعتقدوه أو يقولوا به. فأول شيء بَنَوْا عليه طريقهم اتباع السنة واجتناب ما خالفها، حتى زعم مُذكِّرُهُم وحافظ مأخذهم، وعمود نحلتهم أبو القاسم القشيري: إِنهم إِنما اختصوا باسم التصوف انفراداً به عن أهل البدع. فذكر أن المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يتسَمَّ أفاضلهم في عصرهم باسم عَلَمٍ سوى الصحبة، إِذ لا فضيلةَ فوقها، ثم سمي من يليهم التابعون، ثم اختلف الناس، وتباينت المراتب، فقيل لخواص الناس ممن لهم شدة عناية في الدين: الزهاد والعبَّاد. قال: ثم ظهرت البدع وادَّعى كل فريق أن فيهم زهاداً وعُبَّاداً، فانفرد خواص أهل السنة، المراعون أنفسهم مع الله، والحافظون قلوبهم عن الغفلة باسم التصوف، فتأمل تغنم، والله أعلم) [المسلم مجلة العشيرة المحمدية، عدد ذي القعدة سنة 1373هـ].
14ـ ابن خلدون رحمه الله تعالى:
وقال ابن خلدون رحمه الله تعالى في كلامه عن علم التصوف: (هذا العلم من العلوم الشرعية الحادثة في الملة، وأصله أن طريقة هؤلاء القوم لم تزل عند سلف الأمة وكبارها من الصحابة والتابعين ومَن بعدَهم طريقةَ الحق والهداية، وأصلُها العكوفُ على العبادة والانقطاع إِلى الله تعالى، والإِعراضُ عن زخرف الدنيا وزينتها، والزهدُ فيما يُقبِل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه، والانفرادُ عن الخلق في الخلوة للعبادة. وكان ذلك عامّاً في الصحابة والسلف، فلمَّا فشا الإِقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده، وجنح الناس إِلى مخالطة الدنيا، اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية) [مقدمة ابن خلدون ص328. وهو عبد الرحمن بن الشيخ أبي بكر محمد بن خلدون الحضرمي ولد عام 732هـ وتوفي سنة 808هـ].
15ـ تاج الدين السبكي رحمه الله تعالى:
وقال الشيخ تاج الدين السبكي رحمه الله تعالى في كتابه معيد النعم ومبيد النقم، تحت عنوان الصوفية: (حَيَّاهمُ الله وبيَّاهم وجمعنا في الجنة نحن وإِياهم. وقد تشعبت الأقوال فيهم تشعباً ناشئاً عن الجهل بحقيقتهم لكثرة المُتلبِّسين بها، بحيث قال الشيخ أبو محمد الجويني: لا يصح الوقف عليهم لأنه لا حدَّ لهم. والصحيح صحته، وأنهم المعرضون عن الدنيا المشتغلون في أغلب الأوقات بالعبادة.. ثم تحدث عن تعاريف التصوف إِلى أن قال: والحاصل أنهم أهل الله وخاصته الذين ترتجى الرحمة بذكرهم، ويُستنزل الغيث بدعائهم، فرضي الله عنهم وعنَّا بهم) [كتاب معيد النعم ومبيد النقم ص119 للإِمام تاج الدين عبد الوهاب السبكي المتوفى سنة 771هـ].
16ـ جلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى:
وقال العلامة المشهور جلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى في كتابه تأييد الحقيقة العليَّة: (إِن التصوف في نفسه علم شريف، وإِن مداره على اتباع السنة وترك البدع ، والتبرِّي من النفس وعوائدها وحظوظها وأغراضها ومراداتها واختياراتها، والتسليمِ لله، والرضى به وبقضائه، وطلبِ محبته، واحتقارِ ما سواه.. وعلمتُ أيضاً أنه قد كثر فيه الدخيل من قوم تشبهوا بأهله وليسوا منهم، فأدخلوا فيه ما ليس منه، فأدى ذلك إِلى إِساءة الظن بالجميع، فوجَّه أهلُ العلم للتمييز بين الصنفين ليُعلمَ أهل الحق من أهل الباطل، وقد تأملتُ الأمور التي أنكرها أئمة الشرع على الصوفية فلم أرَ صوفياً محقِّقَاً يقول بشيء منها، وإِنما يقول بها أهل البدع والغلاةُ الذين ادَّعَوْا أنهم صوفية وليسوا منهم) [تأييد الحقيقة العلية ص57. للعلامة جلال الدين السيوطي المتوفى سنة 911هـ].
17ـ ابن عابدين رحمه الله تعالى:
وتحدَّثَ خاتمة المحققين العلامة الكبير والفقيه الشهير الشيخ محمد أمين المشهور بابن عابدين رحمه الله تعالى في كتابه المسمى مجموعة رسائل ابن عابدين الرسالة السابعة [شفاء العليل وبَلُّ الغليل في حُكْمِ الوصية بالختمات والتهاليل] عن البدع الدخيلة على الدين مما يجري في المآتم والختمات، من قِبل أشخاص تزيَّوْا بزِي العلم، وانتحلوا اسم الصوفية، ثم استدرك الكلام عن الصوفية الصادقين حتى لا يُظن أنه يتكلم عنهم عامة فقال: (ولا كلام لنا مع الصُدَّقِ من ساداتنا الصوفية المبرئين عن كل خصلة رديَّة، فقد سُئل إِمامُ الطائفتين سيدنا الجنيد: إِن أقواماً يتواجدون ويتمايلون ؟ فقال: دعوهم مع الله تعالى يفرحون، فإِنهم قوم قطَّعت الطريقُ أكبادَهم، ومزَّق النصبُ فؤادَهم، وضاقوا ذرعاً فلا حرج عليهم إِذا تنفسوا مداواةً لحالهم، ولو ذُقْتَ مذاقهم عذرتهم في صياحهم.. وبمثل ما ذكره الإِمام الجنيد، أجاب العلامة النحرير ابن كمال باشا لما استفتي عن ذلك حيث قال:
ما في التَّواجُدِ إِن حقَّقْتَ من حرجٍ ولا التمايلِ إِن أخلْصَتَ من بَاسِ
فقمتَ تسعى على رِجْلٍ وحُقَّ لِمَنْ دعاه مولاه أن يسعى على الرِّاسِ
الرخصة فيما ذكر من الأوضاع عند الذكر والسماع للعارفين الصارفين أوقاتهم إِلى أحسن الأعمال، السالكين المالكين لضبط أنفسهم عن قبائح الأحوال، فهم لا يستمعون إِلا من الإِله، ولا يشتاقون إِلاَّ له ؛ إِنْ ذكروه ناحوا، وإِن شكروه باحوا، وإِن وجدوه صاحوا، وإِن شهدوه استراحوا، وإِن سرحوا في حضرات قربه ساحوا. إِذا غلب عليهم الوجد بغلباته، وشربوا من موارد إِراداته، فمنهم مَنْ طرقتْه طوارق الهيبة فخرَّ وذاب، ومنهم من برِقتْ له بوارق اللطف فتحرَّك وطاب، ومنهم من طلع عليهم الحِبُّ من مطلع القرب فسكر وغاب. هذا ما عَنَّ لي في الجواب، والله أعلم بالصواب.
وأيضاً فإِن سماعهم ينتج المعارف الإِلهية، والحقائق الربانية، ولا يكون إِلا بوصف الذات العلية والمواعظ الحِكَمِيَّة، والمدايح النبوية.
ولا كلام لنا أيضاً مع من اقتدى بهم، وذاق من مشربهم، ووجد من نفسه الشوق والهيام في ذات الملك العلاَّم، بل كلامنا مع هؤلاء العوام، الفسقة اللئام.. إِلخ) [الرسالة السابعة، شفاء العليل وبل الغليل في حكم الوصية بالختمات والتهاليل ص172ـ173 للفقيه الكبير ابن عابدين ولد سنة 1198 وتوفي 1252هـ وقد ذكرنا سابقاً شيئاً من ترجمته].
إدريس الشعشوعي
20-12-2006, 09:52 PM
18ـ الشيخ محمد عبده رحمه الله تعالى:
ذكرت مجلة المسلم مقالة تحت عنوان رأي الشيخ محمد عبده في التصوف، نقلها عنه المرحوم الشيخ علي محفوظ في رسالة الإِبداع فقال: (قال الشيخ محمد عبده رحمه الله تعالى: قد اشتبه على بعض الباحثين في تاريخ الإِسلام وما حدث فيه من البدع والعادات التي شوهتْ جماله، السببُ في سقوط المسلمين في الجهل، فظنوا أن التصوف من أقوى الأسباب لوقوع المسلمين في الجهل بدينهم وبُعدهم عن التوحيد الخالص الذي هو أُسُّ النجاة، ومدار صحة الأعمال، وليس الأمر كما ظنوا، فنذكر لك الغرض منه على وجه الإِجمال، وما آل إِليه أمره بعد ذلك.
ظهر التصوف في القرون الأولى للإِسلام، فكان له شأن عظيم، وكان المقصود منه في أول الأمر تقويم الأخلاق وتهذيب النفوس، وترويضها بأعمال الدين وجذبها إِليه، وجعله وجداناً لها، وتعريفها بحِكَمه وأسراره بالتدريج. وكان الفقهاء الذين وقفوا عند ظواهر الأحكام المتعلقة بأعمال الجوارح والمعاملات ينكرون عليهم معرفة أسرار الدين، ويرمونهم بالزيغ والإِلحاد، وكانت السلطة للفقهاء لحاجة الأمراء والسلاطين إِليهم، فاضطر الصوفية إِلى إِخفاء أمرهم، ووضْع الرموز والاصطلاحات الخاصة بهم، وعدم قبول أحد معهم إِلا بشروط واختبار طويل، فقالوا: لابد فيمن يحب أن يكون معنا أن يكون أولاً طالباً فمريداً فسالكاً، وبعد السلوك إِما أن يصل وإِما أن ينقطع، فكانوا يختبرون أخلاق الطالب وأطواره زمناً طويلاً، ليعلموا أنه صحيح الإِرادة صادق العزيمة، لا يقصد مجرد الوقوف على أسرارهم، وبعد الثقة يأخذونه بالتدريج شيئاً فشيئاً) [مجلة المسلم ـ العدد السادس ـ غرة المحرم 1378هـ. ص24. ولد الشيخ محمد عبده 1266هـ. وتوفي 1323هـ في مصر].
19ـ الأمير شكيب أرسلان رحمه الله تعالى:
جاء في كتاب حاضر العالم الإِسلامي للأمير شكيب أرسلان رحمه الله تعالى تحت عنوان: نهضة الإِسلام في أفريقيا وأسبابها: (وفي القرن الثامن عشر والتاسع عشر حصلت نهضة جديدة عند أتباع الطريقتين: القادرية والشاذلية، ووُجدت طريقتان، هما: التيجانية والسنوسية.
فالقادرية هم أحمسُ مبشري الدين الإِسلامي في غربي أفريقيا من السنيغال إِلى بنين التي بقرب مصب النيجر. وهم ينشرون الإِسلام بطريقة سلمية بالتجارة والتعليم، وتجد التجار الذين من السونينكة والماندجولة المنتشرين على مدن النيجر وفي بلاد كارتا وماسينة، كلهم من مريدي الطريقة القادرية. ومِنْ مريديهم من يخدمون في مهنة الكتابة والتعليم، ويفتحون كتاتيب ليس في زوايا الطريقة فقط، بل في كل القرى، فيلقِّنون صغار الزنج الدين الإِسلامي أثناء التعليم، ويرسلون النجباء من تلاميذهم على نفقة الزوايا إِلى مدارس طرابلس والقيروان وجامع القرويين بفاس والجامع الأزهر بمصر. فيُخرَّجون من هناك طلبة مجازين، أي أساتذة، ويعودون إِلى تلك البلاد لأجل مقاومة التبشير المسيحي في السودان) ["حاضر العالم الإِسلامي" ج2. ص396].
وتحدث عن شيخ الطريقة القادرية فقال: (وكان عبد القادر الجيلاني الموجود في جيلان من فارس متصوفاً عظيماً زكي النشأة، وله أتباع لا يُحصى عددهم، ووصلت طريقته إِلى أسبانيا، فلما زالت دولة العرب من غرناطة انتقل مركز الطريقة القادرية إِلى فاس، وبواسطة أنوار هذه الطريقة زالت البدع من بين البربر، وتمسكوا بالسنة والجماعة، كما أن هذه الطريقة هي التي في القرن الخامس عشر، اهتدى على يدها زنوج غربي أفريقيا.
وتحدث عن السنوسية فقال: فالسنوسية نشروا طريقتهم في وادي والبافيرمي وبوركو، وتبعوا نهر بينوى إِلى أن بلغوا النيجر الأدنى حيث نجدهم يَهدون تلك القبائل إِلى الإِسلام. وبواسطة السنوسية صارت نواحي بحيرة تشاد هي مركز الإِسلام العام في أواسط أفريقيا، ويُقوَّم عدد مريدي الطريقة السنوسية بأربعة ملايين، وطريقة هؤلاء الجماعة في التبشير هي أن يشتروا الأرقاء صغاراً من السودان، ويربُّوهم في جغبوب وغذامس وغيرها، ثم متى بلغوا أشدَّهم وأكملوا تحصيل العلم أعتقوهم، وسرحوهم إِلى أطراف السودان، يَهدون أبناء جلدتهم الباقين على الفتيشية.
وهكذا يرحل كل سنة مئات من مبشري السنوسية لِبَثِّ دعاية الإِسلام في جميع أفريقيا الداخلية، من سواحل الصومال شرقاً، إِلى سواحل السينغامبية غرباً، ولقد حَذَا سيدي محمد المهدي وأخوه سيدي محمد الشريف حذو والدهما في السعي إِلى الغرض الذي توخاه، ألا وهو تخليص الإِسلام من النفوذ الأجنبي، وإِعادة الإِمامة العامة كما كانت في عصر الخلفاء. وبالإِجمال: فإِن مريدي هذه الطرق هم الذين سعوا في نشر الإِسلام، وَوُفِّقُوا إِليه في أفريقيا) ["حاضر العالم الإِسلامي" ج2. ص400].
وتحدث عن السنوسية أيضاً بقوله: (وأيُّ دليل أقطع من المبشرين السنوسين الحُمَّس الغُيَّر الذين خرَّجتهم زوايا الصحراء، وهم يُعدُّون بالألوف المؤلَّفةِ، وما انفكوا يجوبون كل بلاد وثنية مبشرين بالوحدانية داعين إِلى الإِسلام. وهذه الأعمال التي قام بها المبشرون المسلمون في غربي أفريقيا وأوسطها خلال القرن التاسع عشر إِلى اليوم لَعجيبةٌ من العجائب الكبرى، وقد اعترف عدد كبير من الغربيين بهذا الأمر، فقد قال أحد الإِنكليز في هذا الصدد منذ عشرين سنة: إِن الإِسلام ليفوز في أواسط أفريقيا فوزاً عظيماً، حيث الوثنية تختفي مِن أمامه اختفاء الظلام من فلق الصباح، وحيث الدعوة النصرانية كأنها خرافة من الخرافات..) ["حاضر العالم الإِسلامي" ج1. ص301].
وتحدَّثَ عن الطريقة الشاذلية فقال: (وأما الشاذلية فنسبتها إِلى أبي الحسن الشاذلي، أخذ عن عبد السلام بن مشيش، الذي أخذ عن أبي مدين وكانت ولادة أبي مدين في إِشبيلية سنة 1127 ميلادية، وقرأ في فاس، وحجَّ البيت الحرام، ثم استقر يعلم التصوف في بجاية، وتبعه خلقٌ كثير.. وهي من أوليات الطرق التي أدخلت التصوف في المغرب، ومركزها بوبريت في مراكش. وكان من أشياخها سيدي العربي الدرقاوي المتوفى سنة 1823م الذي أوجد عند مريديه حماسة دينية شديدة امتدت إِلى المغرب الأوسط، وكان للدرقاوية دور فعال في مقاومة الفتح الفرنسي) ["حاضر العالم الإِسلامي" ج1. ص301].
وختم الأمير شكيب أرسلان موضوعه عن نهضة الإِسلام في أفريقيا فقال: (وأكثر أسباب هذه النهضة الأخيرة راجعة إِلى التصوف والاعتقاد بالأولياء) ["حاضر العالم الإِسلامي" ج1. ص301].
20ـ الشيخ رشيد رضا رحمه الله تعالى:
قال الشيخ رشيد رضا رحمه الله تعالى: (لقد انفرد الصوفية بركن عظيم من أركان الدين، لا يطاولهم فيه مطاول، وهو التهذيب علماً وتخلقاً وتحققاً، ثم لما دونت العلوم في الملة، كتب شيوخ هذه الطائفة في الأخلاق ومحاسبة النفس..) [مجلة المنار السنة الأولى ص726].
21ـ الشيخ محمد راغب الطباخ رحمه الله تعالى:
قال الأستاذ والمؤرخ محمد راغب الطباخ رحمه الله تعالى في كتابه الثقافة الإِسلامية: (فإِذا كان التصوف عبارة عن تزكية النفوس وتصفية الأخلاق، فنعمَ المذهبُ ونعمَ المقصدُ، وذلك هو الغاية من بعثة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ففي الحديث عنه عليه الصلاة والسلام: "إِنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق" [رواه البخاري في الأدب المفرد في باب حسن الخلق عن أبي هريرة رضي الله عنه، وأخرجه الإِمام أحمد والبيهقي والحاكم في الترجمة النبوية وقال: صحيح على شرط مسلم]. وقد تأملنا سيرة الصوفية في القرون الأولى من الإِسلام، فوجدناها سيرة حسنة جميلة مبنية على مكارم الأخلاق والزهد والورع والعبادة، منطبقة على الكتاب والسنة. وقد صرَّح بذلك سيد هذه الطائفة أبو القاسم الجنيد رحمه الله تعالى كما في ترجمته في تاريخ ابن خَلِّكَانْ حيث قال: مذهبنا هذا مقيد بأصول الكتاب والسنة.
وفي شرح الإِحياء للعلامة الزبيدي ج1 ص174: وقال الجنيد: الطرق كلها مسدودة على الخلق، إِلا على من اقتفى أثر الرسول صلى الله عليه وسلم. وهي في ترجمته في الرسالة [القشيرية] ص19. وفيها: قال الجنيد: من لم يحفظ القرآن، ولم يكتب الحديث، لا يقتدى به في هذا الأمر، لأن علمنا مقيد بالكتاب والسنة. ثم قال بعد السند عن الجنيد: مذهبنا هذا مقيد بأصول الكتاب والسنة. وقال الجنيد: عِلْمُنا هذا مشيَّد بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال سري السقطي: التصوف اسم لثلاثة معان: وهو الذي لا يطفئ نورُ معرفته نورَ ورعه، ولا يتكلم بباطنِ علمٍ ينقضه عليه ظاهرُ الكتاب، ولا تحمله الكرامات على هتك محارم الله تعالى.
وفي شذرات الذهب ج5. ص279 في ترجمة أبي الحسن الشاذلي، ومن كلامه: كل علم تسبق إِليك فيه الخواطر، وتميل النفس وتلتذ به فارم به، وخذ بالكتاب والسنة.
ولغيرهم في هذا الباب عبارات كثيرة، تجدها منثورة في كتاب التعرف لمذهب أهل التصوف للإِمام الكلاباذي، وفي الرسالة القشيرية وغيرهما..
وهؤلاء فوق ما اتصفوا به من تهذيب النفس والورع والزهد والعبادة، قد قاموا في عصورهم بالواجب عليهم ؛ من إِرشاد الخلق إِلى الحق، والدعوة إِليه، وصدّهم الناسَ عن التكالب على الدنيا وجمع حطامها من أي وجه كان، والاسترسال في الشهوات والملذات مما يؤدي إِلى الانهماك في المحرمات والغفلة عن الواجبات وما خُلِق الإِنسان له، وتكون نتيجة ذلك انتشار الفوضى، وظهور الفساد، وكثرة البغي والهرج.
فكان هؤلاء بوعظهم وإِرشادهم، والحِكَمِ والحقائق التي تفجرت من ينابيع قلوبهم، هم حراس الأخلاق، والآخذين بيد الأمة إِلى مناهج الحق وسبل الرشاد، والدعاة إِلى السعادة الحقيقية، وهي قيام الإِنسان بجميع ما أُمر به مع عدم نسيانه نصيبَه من الدنيا، فكانوا في جملة السامعين في هذه الأمة والمجيبين لقوله تعالى: {وَلْتَكُنْ منكُمْ أُمَّةٌ يَدعونَ إلى الخيرِ ويأمُرونَ بالمعروفِ وينْهَونَ عنِ المنكرِ وأولئكَ هم المُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104].
فسلفُ الصوفية هم أعلام الملة وسادة الأمة وسراجها الوهاج ونورها الوضاح، وبهم وبأمثالهم من المحدِّثين والفقهاء اهتدت الأمة إِلى الصراط المستقيم، وسلكت المنهاج القويم، وانتظمت أحوال معاشهم، وصلحت أُمور معادهم، وفازوا فوزاً عظيماً.
وإِذا تتبعنا آثار الصوفية وتراجمهم، نجد أن الكثير منهم قد كان للواحد منهم أتباع يعدون بالألوف، كلما انتسب إِليه شخص آخى بينه وبين سابقيه ؛ فتمكنتْ بين أتباعه والمنتسبين إِليه أواصر الأُلفة وروابط المحبة، وتواسوا فيما بينهم، وتواصوا بالحق، وعطف غنيُّهم على فقيرهم، ورحم كبيرُهم صغيرَهم، فأصبحوا بنعمة الله إِخواناً، وصاروا كالجسد الواحد، وكانوا في منتهى الطاعة والانقياد لشيخهم، يقومون لقيامه، ويقعدون لقعوده، ويمتثلون أوامره، ويتبادرون لأدنى إِشاراته.
ومن جليل أعمال الصوفية وآثارهم الحسنة في الأمة الإِسلامية أن الملوك والأمراء متى قصدوا الجهاد، كان الكثير من هؤلاء بإِيعاز، وبغير إِيعاز يُحرِّضون أتباعهم على الخروج إِلى الجهاد. ولعظيم اعتقادهم فيهم، وانقيادهم لهم كانوا يبتدرون إِلى الانتظام في سلك المجاهدين، فيجتمع بذلك عدد عظيم من أطراف ممالكهم، وكثيراً ما كان أولئك يرافقون الجيوش بأنفسهم،ويدافعون ويحرِّضون ؛ فيكون ذلك سبباً للظفر والنصر.
وإِذا تَتبَّعْتَ بطون التاريخ وجدْتَ من ذلك شيئاً كثيراً، على أننا لا ننسى أن مثل هذا العمل قد كان في كثير من المحدِّثين والعلماء العاملين.
ومن آثار الصوفية أنه إِذا حصل اختلاف بين الناس في أمور دنياهم وخصوصاً بين إِخوانهم المنسوبين إِليهم، فإِنهم يرجعون إِلى شيخهم، فيفصل بينهم بما أنزل الله، ويعودون وهم راضون، ويستغنون عن الترافع إِلى الحكام لفصل ما بينهم من الخصومات.
وهذا مما شاهدناه بأعيننا، وسمعناه بآذاننا في أوائل هذا القرن من بعض بقاياهم، بل كان بعض الناس يُنذر أخاه بالشكوى إِلى الشيخ إِن لم ينصفه، فيعود هذا إِلى حظيرة الحق خشية أن يبلغ الشيخ عنه شيئاً، وهو يحرص أن تبقى سمعته لديه طيبة وسيرته حسنة) [الثقافة الإِسلامية للمؤرخ الكبير الأستاذ محمد راغب الطباخ ص302ـ304 ولد 1293هـ وتوفي 1370هـ في حلب].
22ـ أحمد الشرباصي:
قال الأستاذ الشيخ أحمد الشرباصي الكاتب الإِسلامي المعروف والمدرِّس في الأزهر الشريف في مجلة الإِصلاح الاجتماعي تحت عنوان: الأخلاق عند الصوفية، بعد أن تحدث عن التصوف وتعريفه واشتقاقه: (وأنا أعتقد أن حقيقة التصوف الكاملة،هي مرتبة الإِحسان الذي حدده رسول الإِسلام محمد عليه الصلاة والسلام في حديث جبريل حين قال: "الإِحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإِن لم تكن تراه فإِنه يراك" [رواه مسلم في صحيحه في كتاب الإِيمان عن عمر رضي الله عنه]. ومن هذا تفهم أن كثيراً من أدعياء التصوف لا ينطبق عليهم ذلك القانون الدقيق العميق، فهم عن حقيقته خارجون.
وأساس التصوف في الواقع هو تربية الذوق. والخُلُق الكريم ليس إِلا ذوقاً سليماً، تتغلب به شخصية الإِنسان على شخصية الحيوان في حياة الناس.
وقد اهتم الصوفية أكبر الاهتمام بالأخلاق، بل لقد جعلوا الأخلاق في مناهجهم،هي العماد والسناد،وهي عمود أمرهم كله، بحيث لو رفعتَ كلمة التصوف، ووضعتَ بدلها كلمة الأخلاق لما فارقتَ الحقيقة، ولما جانبتَ الواقع في قليل أو كثير، لأن العمدة في التصوف على مجاهدة النفس وتطهيرها، وتحليتها بكل جمال وكمال، وهذا جماع مكارم الأخلاق.
ولقد كان من مظاهر اهتمام الصوفية بالجوانب الأخلاقية أنهم تبنَّوْا حركة الفتوة ومبادىء الفروسية، ومزجوا بين مبادئهم ومبادىء الفتيان، حتى تكوَّن من ذلك في تاريخ الفتوة فصل مستقل،اتخذ عنوان فتوة الصوفية. ومن هذا أخذ الصوفية مبدأ الإِيثار،وتقديم الغير على النفس، حتى قال القشيري: أصْلُ الفتوة أن يكون العبد أبداً في أمر غيره. وقال ابن أبي بكر الأهوازي: أصل الفتوة ألا ترى لنفسك فضلاً أبداً.
وأخذوا بمبادىء كفِّ الأذى، وبذلِ الندى، وكفِّ الشكوى، وسترِ البلوى، والعفوِ عن العِدا، والسمِّو إِلى العُلا.
وهم يأخذون بالمبدأ الأخلاقي المحمدي: "طُوبى لِمَنْ شغله عيبُه عن عيوب الناس" [رواه الديلمي في الفردوس عن أنس رضي الله عنه]. ولذلك يقول ابن عطاء الله السكندري، وهو ممن جمع بين عمق التفكير وروعة التعبير: تشوُّفُك إِلى ما بطَنَ فيك من العيوب خيرٌ من تشوفك إِلى ما حُجِبَ عنك من الغيوب.
ومن منهاج الصوفية الأخلاقي عملهم بمختلف الوسائل والأسباب على إِماتة المطامع،لتقوى الشخصية الروحية في نفس الإِنسان. ولذا قال أبو بكر الوراق وهو من أعلام القوم: لو قيل للطمع من أبوك ؟ لأجاب: الشك في المقدور. فلو قيل له: فما هي حرفتك ؟ لأجاب: اكتساب الذل، فلو قيل له: فما هي غايتك ؟ لأجاب: الحرمان. وفي هذا المجال يقول ابن عطاء الله السكندري: ما بَسَقَتْ أغصانُ ذلِّ إِلا على بذر طمع.
وقد قَدِمَ الإِمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه البصرة، فدخل جامعها، فوجد القُصَّاص يقصون على الناس، فأقامهم، حتى إِذا جاء إِلى الحسن البصري، وهو سيد الفتيان عند الصوفية، فقال له علي: يا فتى! إِني سائلك عن أمر ؛ فإِن أجبتني أبقيْتُك، وإِلا أقمتك كما أقمت أصحابك ـ وكان قد رأى عليه سَمْتاً وهدياً ـ فقال الحسن: سل ما شئت. فقال علي: ما مِلاكُ الدين ؟ فقال الحسن: الورع. قال: فما فساد الدين ؟ قال: الطمع. قال: اجلس، فمثلك من يتكلم على الناس.
وهمَّ ابن عطاء الله السكندري يوماً بشيء من الطمع، فسمع هاتفاً يقول له: السلامةُ في الدين بترك الطمع في المخلوقين.
وصاحب الطمع لا يشبع أبداً، ألا ترى أن حروفه كلها مجوفة، الطاء والميم والعين ؟!. ولما علَّم الصوفيةُ أتباعَهم القناعة والاستغناء فتحوا أمامهم الباب إِلى الأَنفةِ والعزَّةِ، ومن هنا نراهم يتحدثون كثيراً عن استخفافهم بالبغي والبغاة، وعدم اكتراثهم بالطغيان أو الطغاة، وعدم اغترارهم بالجاه أو أصحاب الجاه.
ومن منهاج الصوفية الأخلاقي الدعوة إِلى التضحية والجهاد، والتحريض على استجابة داعي الكفاح والاستشهاد.
ومن منهاجهم الأخلاقي تعليمُ الصبر والمبالغة فيه، وكِدْتُ أقول والإِسراف فيه، فلقد دخل ذو النون على أخ له صوفي مريض، واشتد الداء به فأنَّ أنَّةً، فقال له ذو النون: ليس بصادق في حبه من لم يصبر على ضربه. فقال المريض كالمستدركِ: بل ليس بصادق في حبه من لم يتلذذ بضربه..
ومن منهاجهم الأخلاقي التنشئةُ على المراقبة لله، حتى يرث العبد من وراء هذه المراقبة صلة بالله وقرباً منه. ومن لطائفهم في التربية الأخلاقية، أنهم يطالبون إِخوانهم باليسر والسهولة والمطاوعة في الصداقة، حتى لا تكون هناك كُلفةٌ، وما دام الصوفي قد وثق بأخيه ديناً وخُلُقاً وتصرفاً ؛ فلا محل لاعتراضه عليه في شيء. ويتصل بهذا تنفيرُهم من الاغترار بالطاعة، وإِبعادُهم عن اليأس من المغفرة
ومن منهاجهم الأخلاقي تعليمُ الثبات والرزانة وعدم الاستجابة لدواعي الاستخفاف) [مجلة الإِصلاح الاجتماعي ص4].
وقال الأستاذ أحمد الشرباصي أيضاً في تقدمته لكتاب نور التحقيق: (هذا هو التصوف الجليل النبيل، أضاعه أهلهُ، وحافَ عليه أعداؤه الصرحاء، وشوَّه جماله أدعياؤه الخبثاء، وتطاول عليه الزمن، وهو مجهول منكور، أو مذموم محذور، على الرغم من جماله وعظم رجاله الماضين وأبطاله، واتساع اختصاصه ومجاله، وخطورة أقواله وأعماله، فغدا كالدرة الثمينة حجبتها اللفائف السود ؛ فظنها الجاهلون سوداء بسواد لفائفها، وهم لو وصلوا إِليها، وجلَوْا عنها ما حاق بها أو حاطها من أستار لانبهرتْ أعينهم من ساطع الضياء وفريد البهاء.
لهفي على التصوف الحق الناطق بنقائه وصفائه، أين الذين يُطلِعون الحيارى من أبناء الكون على ما فيه من أخبار وأسرار ؟! أين الذين يصرخون بين القطعان الضالة من البشر، ليقولوا لها: إِن التصوف جزء من الإِسلام وجانب من هدي الرسول عليه الصلاة والسلام، وأن التصوف مظلوم، فقد أضيف إِليه كثير مما ليس منه عن حسن نية أو سوء قصد، وقد كتم أدعياؤه كثيراً من أموره، وقد تطاول عليه بالتحريف قوٌم نَكِلُ حسابهم إِلى الله، وقد تسرع بالسخرية منه مَنْ لم يطرقوا بابه، ولم يذوقوا شرابه، ولم يطالعوا كتابه.. ولم يجد التصوف الكريم الذي أضاعه الناس مع هذه العوامل الهدامة كلها من يأخذ بناصره، أو يجلو الغياهبَ عن مآثره، أو يعرض على الشانئين أو الخاطئين سلاسل مفاخره. وقد علمتْنَا الدراسات والتجارب أن الحق إِذا لم يجد أهلاً، ولم يفز بمؤيد أو مستجيب انطوى وتوارى، حتى يهيء الله له بعد قليل أو طويل من يُذكِّر به أو يدعو إِليه، أو يحمل الناس رغبة أو رهبة عليه، فإِذا هو بعد انطوائه السيد المطاع.
أرأيت إِلى كنز وسيع عجيب، فيه المال الغزير الذي لا يحصى، وفيه أدوية الجسم الشافية التي لاتخون، وفيه علاج النفس الذي يهدي، وفيه نور القلب الذي لا يخبو.. ماذا يكون من شأنك لو أن إِنساناً أخبرك بوجود هذا الكنز في مكان ما، ورسم لك الطريق إِليه، وذكر لك ما تحتاجه الرحلةُ نحوه من مجهود وتكاليف ؟.. ألا تحاول أن تبذل جهدك وتستنفذ طاقتك، وتعمل وسعك حتى تصل إِلى هذا الكنز الذي ستجد عنده جاه الدنيا وعز الآخرة ؟..
كذلك شأن التصوف يا صاح، إِنه الدواء المخفي والكنز المطوي والسر العلمي، إِنه الدواء الذي يحتاج إِليه جسمك وفهمك وخلقك، ولكنك لن تصل إِليه ولن تنتفع به حتى تتجه بمشاعرك نحوه، وحتى تُقبل ببصرك وبصيرتك عليه، وحتى تبذل من ذات يدك، وذات نفسك ومن وقتك وبحثك ما يهيء لك البلوغ إِليه والوقوف عليه، فهل فعلت من ذلك شيئاً وقد عرفت الطريق إِلى النعيم ؟.
إِنه لا يعنيني أبداً أن تكون صوفياً أوْ لا تكون، ولا يهمني كثيراً أن تكون من أعداء الصوفية أو من أوليائهم، ولكن يهمني أولاً وقبل كل شيء أن تكون على بصيرة من أمرك، وأن لا تجهل شيئاً جليلاً يطالبك دينُك وعقْلُك بأن تعرفه، ومن هنا يتحتم عليك أن تدرس التصوف لتتصوره وتفهمه وتفقهه، وبعد ذلك تحكم له أو عليه، وأزيدك بياناً فأقول لك: إِنه قد يكون في التصوف وتاريخه وسير رجاله ما أضيف إِليه أو افتراه المفترون عليه، ومن هنا يستتر حق وراء باطل، ومن هنا أيضاً يطالبك دينك بأن تقوم لتهتك حجاب الباطل، وتستضيء بنور الحق.. فهلاَّ يكفي ذلك لتحريضك على دراسة التصوف ؟.
وكم أودُّ في النهاية أن تقوم حركةٌ علمية واسعة بيننا، تدور حول دراسة التصوف ونشر أسفاره، وتمحيص أُموره وموضوعاته، بل وبسط ما يُلحق به من شطحات نابية وخرافات منكرة ودسائس خبيثة، حتى نعرف الباطل ونتبين جذوره، ثم نَكُرَّ عليه بالحجة الدامغة، فإِذا الباطل زاهق، وإِذا الحق سيد مطاع.
يا أبناءَ الإِسلام! إِنَّ التصوف يحتل من أخلاقكم وتاريخكم جانباً كبيراً، وقد ضيعتموه أزماناً طوالاً، فحسْبُكم ما كان، وأقبلوا على التصوف ففيه غذاء ودواء، والله الهادي إِلى سبيل السواء) [تصدير كتاب نور التحقيق للشيخ حامد إِبراهيم محمد صقر ص1ـ3].
23ـ أبو الحسن الندوي:
يقول أبو الحسن علي الحسني الندوي عضو المجمع العلمي العربي بدمشق ومعتمد ندوة العلماء بالهند في بحث الصوفية في الهند وتأثيرهم في المجتمع، من كتابه المسلمون في الهند: (إِن هؤلاء الصوفية كانوا يبايعون الناس على التوحيد والإِخلاص واتباع السنة، والتوبة عن المعاصي وطاعة الله ورسوله، ويحذِّرون من الفحشاء والمنكر والأخلاق السيئة والظلم والقسوة ويرغِّبونهم في التحلي بالأخلاق الحسنة، والتخلي عن الرذائل مثل الكبر والحسد والبغضاء والظلم وحب الجاه، وتزكية النفس وإِصلاحها، ويعلمونهم ذكر الله والنصح لعباده والقناعة والإِيثار، وعلاوة على هذه البيعة التي كانت رمز الصلة العميقة الخاصة بين الشيخ ومريديه إِنهم كانوا يعِظون الناس دائماً، ويحاولون أن يُلْهِبوا فيهم عاطفة الحب لله سبحانه، والحنين إِلى رضاه، ورغبة شديدة لإِصلاح النفس وتغيير الحال..
ثم تحدث عن مدى تأثير أخلاقهم وإِخلاصهم وتعليمهم وتربيتهم، ومجالسهم في المجتمع والحياة، وضرب بعض الأمثلة التي تُلقي الضوء على هذا الواقع التاريخي فتحدث عن الشيخ أحمد الشهيد رحمه الله تعالى فقال: إِن الناس أقبلوا عليه إِقبالاً منقطع النظير، وإِنه لم يمر ببلدة إِلا وتاب عليه، وبايعه عدد كبير من الناس، وإِنه أقام في كَلْكُتَّا شهرين، ويقدر أن الذين كانوا يدخلون في البيعة لا يقل عددهم عن ألف نسمة يومياً، وتستمر البيعة إِلى نصف الليل، وكان من شدة الزحام لا يتمكن من مبايعتهم واحداً واحداً فكان يمد سبعة أو ثمانية من العمائم، والناس يمسكونها ويتوبون ويعاهدون الله، وكان هذا دأبه كل يوم سبع عشرة أو ثماني عشرة مرة..
وتحدَّث عن شيخ الإِسلام علاء الدين رحمه الله تعالى فقال: إِن السنوات الأخيرة من عهده، تمتاز بأن كسدَتْ فيها سوقُ المنكرات من الخمر والغرام، والفسق والفجور، والميسر والفحشاء بجميع أنواعها، ولم تنطق الألسن بهذه الكلمات إِلا قليلاً، وأصبحت الكبائر تشبه الكفر في أعين الناس، وظلَّ الناس يستحيون من التعامل بالربا والادخار والاكتناز علناً، وندرتْ في السوق حوادثُ الكذب والتطفيف والغش.. ثم قال: إِن تربية هؤلاء الصوفية والمشايخ ومجالسهم كانت تنشىء في الإِنسان رغبة في إِفادة الناس وحرصاً على خدمتهم ومساعدتهم..
ثم بيَّن الأستاذ الندوي أنَّ تأثير هذه المواعظ، ودخول الناس في الدين، وانقيادهم للشرع أدى إِلى أن تعطلت تجارة الخمر في كَلْكُتَّا وهي كبرى مدن الهند ومركز الإِنجليز، وكسدت سوقُها، وأقْفرت الحانات، واعتذر الخمارون عن دفع الضرائب للحكومة، متعلِّلين بكساد السوق، وتعطلِ تجارة الخمر.. ثم قال: إِن هذه الحالة كانت نتيجة أخلاق هؤلاء المصلحين والدعاة والصوفية والمشايخ وروحانيتهم، أن اهتدى بهم في هذه البلاد الواسعة عدد هائل من الناس، وتابوا عن المعاصي والمنكرات واتباع الهوى. لم يكن بوسع حكومة أو مؤسسة أو قانون أن يؤثر في هذه المجموعة البشرية الضخمة ويحيطها بسياج من الأخلاق والمبادىء الشريفة لزمنٍ طويل..
وفي ختام البحث قال الأستاذ الندوي حفظه الله تعالى: لقد كانت هناك بجهود هؤلاء الصوفية أشجار كثيرة وارفة الظلال في مئات من بلاد الهند، استراحت في ظلها القوافل التائهة والمسافرون المُتْعَبون، ورجعوا بنشاط جديد وحياة جديدة) [المسلمون في الهند ص140ـ146 للعلامة الكبير أبي الحسن الندوي].
وتحدث الأستاذ أبو الحسن الندوي في كتابه رجال الفكر والدعوة في الإِسلام عن الصوفية وأثرها في نشر الإِسلام بصدد حديثه عن الصوفي الشهير والمرشد الكبير سيدي عبد القادر الجيلاني قدس الله روحه، فقال: (وكان يحضر مجلسه نحو من سبعين ألفاً، وأسلم على يديه أكثر من خمسة آلاف من اليهود والنصارى، وتاب على يديه من العيارين والمسالحة [المسالح: الجماعة أو القوم ذووا السلاح] أكثر من مائة ألف، وفتح باب البيعة والتوبة على مصراعيه، فدخل فيه خلق لا يحصيهم إِلا الله، وصلحت أحوالهم، وحسن إِسلامهم، وظلَّ الشيخ يربيهم ويحاسبهم، ويشرف عليهم وعلى تقدمهم. وأصبح هؤلاء التلاميذ الروحانيون يشعرون بالمسؤولية بعد البيعة والتوبة وتجديد الإِيمان، ثم يجيز الشيخ كثيراً منهم ممن يرى فيه النبوغ والاستقامة والمقدرة على التربية، فينتشرون في الآفاق يدعون الخلق إِلى الله، ويربون النفوس، ويحاربون الشرك والبدع والجاهلية والنفاق، فتنتشر الدعوة الدينية وتقوم ثكنات الإِيمان ومدارس الإِحسان، ومرابط الجهاد ومجامع الأخوة في أنحاء العالم الإِسلامي.
وقد كان لخلفائه وتلاميذه، ولمَنْ سار سيرتهم في الدعوة وتهذيب النفوس من أعلام الدعوة وأئمة التربية في القرون التي تلَتْه فضل كبير في المحافظة على روح الإِسلام وشعلة الإِيمان، وحماسة الدعوة والجهاد وقوة التمرد على الشهوات والسلطات. ولولاهم لابتلعت الماديةُ التي كانت تسير في رحاب الحكومات والمدنيات هذه الأمة، وانطفأتْ شرارة الحياة والحب في صدور أفرادها. وقد كان لهؤلاء فضل كبير لنشر الإِسلام في الأمصار البعيدة التي لم تغزها جيوش المسلمين، أو لم تستطع إِخضاعها للحكم الإِسلامي وانتشر بهم الإِسلام في أفريقيا السوداء وفي أندونيسيا وجزر المحيط الهندي وفي الصين وفي الهند) [رجال الفكر والدعوة في الإِسلام لأبي الحسن الندوي ص248ـ250].
وتحدث الأستاذ أبو الحسن الندوي في كتابه روائع إِقبال عن زيارته للشاعر بعد أن ذكر إِقبالٌ التصوفَ ورجاله والتجديد الإِسلامي في الهند بواسطتهم، وبعد أن أثنى على الشيخ أحمد السرهندي والشيخ ولي الله الدهلوي والسلطان محي الدين أورنك زيب رحمهم الله تعالى، قال: إِنني أقول دائماً: لولا وجودُهم وجهادهم لابتلعت الهندُ وحضارتُها وفلسفتُها الإِسلامَ) [روائع إِقبال للأستاذ أبي الحسن الندوي ص7].
24ـ أبو الأعلى المودودي:
قال العلامة الكبير الأستاذ أبو الأعلى المَوْدودي في كتابه مبادىء الإِسلام تحت عنوان التصوف: (إِن علاقة الفقه إِنما هي بظاهر عمل الإِنسان فقط، ولا ينظر إِلا هل قمتَ بما أُمرِتَ به على الوجه المطلوب، أم لا ؟ فإِن قمتَ فلا تهمه حالُ قلبك وكيفيته. أما الشيء الذي يتعلق بالقلب ويبحث عن كيفيته فهو التصوف، إِن الفقه لا ينظر في صلاتك مثلاً إِلا هل قد أتممْتَ وضوءك على الوجه الصحيح أم لا ؟ وهل صلَّيْتَ مولياً وجهك شطر المسجد الحرام أم لا ؟ وهل أدَّيْتَ أركان الصلاة كلها، أم لا ؟ وهل قرأتَ في صلاتك بكل ما يجب أن تقرأ فيها أمْ لا ؟ فإِن قمتَ بكل ذلك فقد صحت صلاتك بحكم الفقه.
إِلاَّ أن الذي يهم التصوف هو ما يكون عليه قلبك حين أدائك هذه الصلاة من الحالة. هل أَنبْتَ فيها إِلى ربك أم لا ؟ وهل تجرَّد قَلبُك فيها عن هموم الدنيا وشؤونها أم لا ؟ وهل أنشأتْ فيك هذه الصلاة خشيةَ الله واليقين بكونه خبيراً بصيراً، وعاطفة، ابتغاء وجهه الأعلى وحده أمْ لا ؟ وإِلى أيِّ حدٌّ نزهت هذه الصلاة روحه ؟ وإِلى أي حد أصلحتْ أخلاقه ؟ وإِلى أي حد جعلته مؤمناً صادقاً عاملاً بمقتضيات إِيمانه ؟. فعلى قدر ما تحصل له هذه الأمور، وهي من غايات الصلاة وأغراضها الحقيقية، في صلاته تكون صلاته كاملة في نظر التصوف، وعلى قدر ما ينقصها الكمال من هذه الوجهة، تكون ناقصة في نظر التصوف.
فهكذا لا يهم الفقه في سائر الأحكام الشرعية إِلا هل أدى المرء الأعمال على الوجه الذي أمره به لأدائها أم لا ؟ أما التصوف فيبحث عما كان في قلبه من الإِخلاص وصفاء النية وصدق الطاعة عند قيامه بهذه الأعمال.
ويمكنك أن تُدرك هذا الفرق بين الفقه والتصوف بمثلٍ أضْربه لك: إِنك إِذا أتاك رجل، نظرت فيه من وجهتين: إِحداهما: هل هو صحيح البدن كامل الأعضاء ؟ أم في بدنه شيء من العرج أو العمى ؟ وهل هو جميل الوجه أو دميمه ؟ وهل هو لابس زياً فاخراً أو ثياباً بالية ؟
والوجهة الأخرى: إِنك تريد أن تعرف أخلاقه وعاداته وخصاله ومبلغه من العلم والعقل والصلاح. فالوجهة الأولى وجهة الفقه، والوجهة الثانية وجهة التصوف.
وكذلك إِذا أردْتَ أن تتخذ أحداً صديقاً لك، فإِنك تتأمل في شخصه من كلا الوجهتين، وتحب أن يكون جميل المنظر وجميل الباطن معاً.
كذلك لا تَجْمُلُ في عين الإِسلام إِلا الحياة التي فيها اتباعٌ كامل صحيح لأحكام الشريعة من الوجهتين الظاهرة والباطنة.
ومثل الذي طاعته صحيحة في الظاهر، ولكن يعوزه روح الطاعة الحقيقية في الباطن، كمثل جسد جميل قد فارقه روحُه.
ومثل الذي في عمله الكمالات الباطنة كلها، وليست طاعته صحيحة على حسب الوجه المراد في الظاهر، كمثل رجل صالح دميم الوجه مطموس العينين أعرج القدمين. وسهل عليك بهذا المثال أن تعرف العلاقة بين الفقه والتصوف.
ثم تحدث الأستاذ المودودي عن الدخلاء الذين تشبهوا بالصوفية بلباسهم وكلامهم، وباينوهم بأفعالهم وأخلاقهم وقلوبهم، والتصوف منهم براء. وهكذا شأن كل منصفٍ غيور على دينه. ثم حذر الأستاذ المودودي من هؤلاء المدَّعين فقال: (ولا يستحق من لا يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم اتباعاً صحيحاً، ولا يتقيد بما أرشد إِليه من صراط الحق، أن يُسميَ نفسه صوفياً إِسلامياً، فإِن مثل هذا التصوف ليس من الإِسلام في شيء أبداً.. ثم بين حقيقة الصوفي الصادق وحالته المثالية التي تطابق تعاليم التصوف السامية فقال: إِنما التصوف عبارة ـ في حقيقة الأمر ـ عن حب الله ورسوله الصادق بل الولوع بهما والتفاني في سبيلهما، والذي يقتضيه هذا الولوع والتفاني ألاّ ينحرف المسلم قيد شعرة عن اتباع أحكام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. فليس التصوف الإِسلامي الخالص بشيء مستقل عن الشريعة، وإِنما هو القيام بأحكامها بغاية من الإِخلاص، وصفاء النية وطهارة القلب) [مبادىء الإِسلام لأبي الأعلى المودودي، موضوع التصوف. ص114ـ117].
25ـ صبري عابدين:
قال الأستاذ صبري عابدين في حديثه في ندوةِ لواء الإِسلام في موضوع الصوفية وعلاقتها بالدين: (شهدْتُ بنفسي كيف حال الصوفية في السودان وأريتريا والحبشة والصومال. إِن السلطة الصوفية للسيد الميرغني لها اعتبارها، وبصورة خاصة ولاية القاضي في أريتريا لا توليها الحكومة، إِنما هو يولي القاضي والخطيب والمؤذن، وله حق الولاية الدينية بصفته رئيس الطريقة الصوفية.
والواقع أن الصوفية ينشرون الإِسلام في العالم، وأذكر لكم أنه منذ خمسين عاماً، كتب الشيخ البكري كتاباً ذكر فيه نقلاً عن المبشرين يقول: إِن هؤلاء يقولون: ما ذهبنا إِلى أقاصي المناطق البعيدة عن الحضارة والمدنية في أفريقيا وأقاصي آسيا إِلا وجدنا الصوفيَّ يسبقنا إِليها، وينتصر علينا.
ليتَ المسلمين يفهمون مافي الصوفية من قوة روحية ومادية، فجنودهم مجندون للإِسلام. رأيتُ على حدود الحبشة والسودان وأريتريا بعثة سويدية للتبشير، ووجدْتُ إِلى جانبهم أكواخاً أقامها الصوفيون، وأفسدوا على المبشرين السويديّين إِقامتهم أربعين سنة. ولذلك أرجو أن نتعاون لإِخماد هذه الحركات التي تؤذينا، دينياً وسياسياً، وإِن الذين يحملون على الصوفية ليسوا فوق مستوى الشبهات، بل هم غارقون في الشبهات.. إِلى أن قال: أكبرُ المصائب التي أصابت المسلمين أنهم لم يأخذوا بالإِسلام كله، أما الصوفية فقد ألزموا أنفسهم أن يأخذوا بالإِسلام كله، بل زادوا عليه. إِنهم ألزموا أنفسهم ألاَّ يأخذوا بالرخص بل بالعزائم، مع أن الله يحب أن تؤتى رخصه كما تؤتى عزائمه. لماذا ؟ لأن مذهبهم يقوم على الزهد بالمعنى الذي يفهمه العلم، وأزيد على ذلك أن أساس الزهد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم زاهداً في هذه الحياة ولذائذها. عاش الرسول صلى الله عليه وسلم وانتقل إِلى الرفيق الأعلى ولم يأكل رغيفاً مرقَّقَاً، ولا أكل على خوان.
فرسول الله صلى الله عليه وسلم هو المثل الأعلى للخلفاء الراشدين ولِمَنْ تبعه وللمسلمين كافة. والصوفية قد ألزموا أنفسهم، كما نصوا على ذلك في كتبهم، على أنْ لا يكون بينهم صوفياً إِلا من استمسك بالكتاب والسنة، ووضعوا لذلك أُصولاً في كتبهم: الرسالة القشيرية لأبي القاسم القشيري وإِحياء علوم الدين للغزالي، وكتاب حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني، وكتاب قواعد التصوف لأحمد زروق.
وإِنا نقول: إِن الذين يبحثون في بعض العلوم وينتقدونها، وينكرونها وهم لم يطلعوا عليها، مثلهم مثل رجل لا يفهم في الطب شيئاً فينكر الطب، وكالإِسكافي الذي ينكر الهندسة.
وفي مصر هنا، في الوقت الذي جاءت جيوش الصليبية إِلى دمياط، كان للصوفية أمثال أبي الحسن الشاذلي وعز الدين بن عبد السلام، وأبي الفتح ابن دقيق العيد، وآخرين من العلماء خدمة جليلة في مقاومة الصليبيين) [مجلة لواء الإِسلام ـ العدد العاشر ـ السنة التاسعة 1375هـ ـ 1956م ندوة لواء الإِسلام: الصوفية وعلاقتها بالدين ص645ـ647].
26ـ محمد أبو زهرة:
قال الأستاذ العلامة محمد أبو زهرة في حديثه عن التصوف في ندوة لواء الإِسلام: (إِن التصوف في ظاهره يتضمن ثلاث حقائق:
الحقيقة الأولى: محاربة الهوى والشهوة، والسيطرةُ على النفس. وكان المتصوفة يأخذون بقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه إِذ يقول: أيها الناس اقْدَعوا [اقدعوا: من قدع بمعنى: منع وكف، وقدع فرسه كبحه، كذا في القاموس] هذه النفوس عن شهواتها، فإِنها مريئة وبيئة. أي إِن الإِنسان يستمرؤها، ولكن عاقبتها وخيمة.
والحقيقة الثانية التي تتضمنها ظاهرة التصوف هي: الاتصال الروحي ومخاطبة الوجدان والنفس.
والحقيقة الثالثة: أن التصوف يقتضي في وقائعه التي نراها تابعاً ومتبوعاً، شيخاً ومريداً، يقتضي موجهاً وشخصاً يوجَّه، يقتضي استهواءً نفسياً وتوجيهاً نفسياً.
وهذه الظواهر، بصرف النظر عن أن الإِسلام قررها نظاماً، أولم يقررها. هذه الوقائع الثابتة، هل يمكن أن تتخذ سبيلاً للإِصلاح، أو أنها ضرر محض ؟
أما أنها ضرر محض، فما أظن أحداً يوافق على ذلك، لأن التصوف حقيقة واقعة ككل الأشياء، يقبل أن يكون ضاراً ويقبل أن يكون نافعاً، يقبل أن يكون ممدوحاً، ويقبل أن يكون مذموماً. وحسبنا أن نقول: إِن الصلاة ذاتها مُدحتْ وذُمتْ، فقال الله تعالى: {فويلٌ للمُصلِّينَ . الذينَ هُمْ عَنْ صلاتِهم ساهونَ} [الماعون: 4ـ5]. وقال سبحانه في وصف المؤمنين: {الذين يقيمون الصلاةَ ويؤتُونَ الزكاةَ وهُمْ بالآخِرَةِ هُمْ يوقنونَ} [لقمان: 4]. وكذلك التصوف التصوف ـ كما قال الأُستاذ فودة ـ في عصورنا المتأخرة كان له مزايا، وكانت له آثار واضحة، فالمسلمون في غرب أفريقيا وفي وسطها وفي جنوبها كان إِيمانهم ثمرةً من ثمرات التصوف.
والإِمام السنوسي الكبير عندما أراد أن يصلح بين المسلمين، اتجه أول ما اتجه إِلى أن نهج منهاجاً صوفياً، وكان منهاجه في ذاته عجيباً غريباً، فإِنه اتخذ المريدين، ثم أراد أن يجعل من هؤلاء المريدين رجال أعمال كأحسن ما يكون رجال الأعمال، ولذلك أنشأ الزوايا. وأولُ زاوية أنشأها في جبل حول مكة، ثم انتقل بزواياه في الصحراء، وهذه الزوايا كانت واحات عامرة في وسط الصحراء، وبعمل رجالهم وقواتهم وتوجيههم، استنبط الماء وجعل فيها زرعاً وغراساً وثماراً، ووجَّههم وعلَّمهم الحرب والرماية حتى أقضُّوا مضاجع الإِيطاليين أكثر من عشرين سنة، عندما عجزت الدولة العثمانية عن أن تعين أهل ليبيا. واستمرت المقاومة السنوسية بهذه الزوايا، إِلى أن أذلَّ الله الدولة الإِيطالية، وإِذا السنوسية تحيا من جديد، وكنا نودُّ أن تحيا كما ابتدأت طريقة صوفية عاملة قوية
لا أودُّ أن أتعرض لنشأة التصوف في الإِسلام وقبل الإِسلام، ولكني لا أستطيع أن أقول إِن عمر بن الخطاب لم يكن متصوفاً، وهو الذي قال فيه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم: "لو كان في هذه الأُمة محدَّثون لكان عمر بن الخطاب" ["إِن من أمتي محدثين ومكلمين وإِن عمر منهم" أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب المناقب عن أبي هريرة رضي الله عنه، وأخرج مسلم في صحيحه: "لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدثون فإِن يك في أمتي أحد فإِنه عمر" من حديث عائشة رضي الله عنها في كتاب فضائل الصحابة]. والذي كان يعتقد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان من أقرب أصحابه إِلى الله، حتى إِنه عندما كان ذهب إِلى العمرة وجَّهَ إِليه القول، وقال له: "لا تنسنا من دُعائك يا أخي" [رواه أبو داود في باب الدعاء عن عمر رضي الله عنه، والترمذي في كتاب الدعوات وقال: حديث حسن صحيح، ولفظه: "أي أُخيَّ أشرِكنا في دعائك ولا تنسنا"].
ولا أستطيع أن أقول: إِن أبا بكر الصديق الذي كان يركب الصعب من الأمور ضابطاً نفسه، والذي أُثر عنه أنه قال كلاماً نسب إِلى النبي صلى الله عليه وسلم، واختلفت الرواية في قائله: "رجعنا من الجهاد الأصغر [وهو القتال] إِلى الجهاد الأكبر [وهو مجاهدة النفس] [بل هو من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ورواه الديلمي عن جابر رضي الله عنه. راجع كشف الخفاء للعجلوني ج1. ص424]". وأبو بكر الذي يقول: فِرَّ من الشرف يتبعْك الشرف.
وقد كان وما زال هناك موجهون وشيوخ لهم مريدون ولهم أتباع وهؤلاء هم الذين نرجو أن يعود التصوف على أيديهم كما ابتدأ.
هل نحن الآن في حاجة إِلى التصوف المصلح المثمر ؟
أقول: إِذا كان الماضون لم يكونوا في حاجة إِليه، بل كان المتصوف يعمل لله ولنفسه ولمريديه، فنحن في عصرنا هذا أشد الناس حاجة إِلى متصوف يعمل بنظام التصوف الحقيقي، وذلك لأن شبابَنا قد استهوته الأهواء، وسيطرت على قلبه ؛ فأصبحت دور السينما أشد المغريات وأشد الوسائل جلباً لها، والمجلات الفارغة، والإِذاعة اللاهية اللاعبة، أصبح كلُّ هذا يستهويه، وإِذا سيطرت الأهواء والشهوات على جيل من الأجيال أصبحت خُطبُ الخطباء لا تُجدي، وكتابة الكتَّاب لا تُجدي، ومواعظُ الوعاظ لا تجدي، وحِكم العلماء لا تجدي، وأصبحت كل وسائل الهداية لا تجدي شيئاً. وحسبك أن ترى المجلات الدينية توزع بأقل من نصف العشر أو ربع العشر مما توزعه المجلات اللاهية العابثة.
إِذن لا بد لنا من طريق آخر للإِصلاح، هذا الطريق أنْ نتجه إِلى الاستيلاء على نفوس الشباب، وهذا الاستيلاء يكون بطريق الشيخ ومريديه، بحيث يكون في كل قرية، وفي كل حيٌّ من أحياء المدن، وفي كل بيئة علمية أو اجتماعية أو سياسية، رجال يقفون موقف الشيخ الصوفي من مريديه.
إِن العلاقة بين المريد والشيخ، وبين مراتب هذا المريد هي التي يمكن أن تهذب وأن توجه. يقول الشاطبي في كتابه الموافقات: إِنَّ بين المعلم والمتعلم روحانية تجعله ينطبع بفكره، وينطبع بكل ما يلقنه من معلومات. نحن في حاجة إِلى هؤلاء الذين يستهوون الشباب ليصرفوهم عن هذا الهوى الماجن، وليوجهوهم.
كان هنا منذ بضع سنين أو عشر سنين رجلٌ اتجه إِلى الشباب، وحاول أن يتخذ معهم في إِصلاحهم ما يتخذه الصوفي مع المريدين، وقد نجح إِلى حد كبير، ولولا اشتغاله بالسياسة ما فسد أمره قط.
ولذلك أُوجبُ أن نتجه إِلى الصوفية كعلاج أخير لوقاية الشباب من الفساد، ولا أعتقد أن هناك علاجاً أجدى منها).
وخلاصة الحديث عن التصوف في ندوة لواء الإِسلام: أن التصوف كأمر واقع، كان فيه خير، وخالطه بعض الشر، وإِذا خلص من شره، واتجه إِلى المعاني الروحية، كان سبيل إِصلاح للمجتمع الإِسلامي. وإِن الشباب المسلم وقع تحت استهواءات مختلفة تؤدي إِلى الانحراف، ولا سبيل إِلى رده إِلى الاستقامة الإِسلامية إِلا باستهواء يكون كاستهواء الشيخ الصوفي لمريديه، وحينئذٍ تعمل الصوفية أفضل الأعمال لإِصلاح الشباب [مجلة لواء الإِسلام، العدد الثاني عشر، شعبان 1379هـ الموافق 1960م ندوة لواء الإِسلام، التصوف في الإِسلام. ص758 و766
من كتاب : حقائق عن التصوف - للعارف بالله الشيخ عبد القادر عيسى رحمه الله
خليل حلاوجي
24-12-2006, 08:07 AM
الاخ العزيز
محمد باسل الطائي
اعدك أن أقرأ البحث وساعود اليك محملا ً بحرفي الناقد
لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا
والاعتزاز مؤكد لجهدك ياصاحب الخير
والشكر موصول لك ولباقي الاحبة على اثراء هذا الموضوع
سلطان السبهان
24-12-2006, 02:30 PM
الأخ الكريم إدريس الشعشوعي
ليس هكذا التحقيق رعاك الله ، في نقل عشرات النقول لاثبات أن التصوف دين متين يتعبد الله به .
أتراه تراشق غعلامي ليجمع كل منا أقوالاً من محرك قوقل الكبير وهو شيخ من لاشيخ له !
سيدي الكريم أتريدني ان أنقل لك أقوالا يشيب لها الرأس عند ذم التصوف من كتاب الاستقامة لابن تيمية أو من كتاب مصرع التصوف الذييسمى تنبيه الغبي لضلال ابن عربي ام من غيرها من الكتب !
لن انقل لأن هذا من الشهرة بمكان ، ولا يجهله إلا من حرم الخير ، لكني سأطلب منك طلباً بسيطاً أخي :
تأمل في نقلك هذا فإنه والله مليء بالضلال ، وسأرد عليك من واقعه فقط وأنبّهك لأشياء أنت لاتقول بها ولا تؤمن بها عن المتصوفة ، وإنما نقلت دون تحقيق .
فهل تراجعه قبل البدء بالنقاش ؟!
أتمنى ذلك .
دمتم بخير
إدريس الشعشوعي
25-12-2006, 06:36 PM
الأخ الكريم إدريس الشعشوعي
ليس هكذا التحقيق رعاك الله ، في نقل عشرات النقول لاثبات أن التصوف دين متين يتعبد الله به .
أتراه تراشق غعلامي ليجمع كل منا أقوالاً من محرك قوقل الكبير وهو شيخ من لاشيخ له !
سيدي الكريم أتريدني ان أنقل لك أقوالا يشيب لها الرأس عند ذم التصوف من كتاب الاستقامة لابن تيمية أو من كتاب مصرع التصوف الذييسمى تنبيه الغبي لضلال ابن عربي ام من غيرها من الكتب !
لن انقل لأن هذا من الشهرة بمكان ، ولا يجهله إلا من حرم الخير ، لكني سأطلب منك طلباً بسيطاً أخي :
تأمل في نقلك هذا فإنه والله مليء بالضلال ، وسأرد عليك من واقعه فقط وأنبّهك لأشياء أنت لاتقول بها ولا تؤمن بها عن المتصوفة ، وإنما نقلت دون تحقيق .
فهل تراجعه قبل البدء بالنقاش ؟!
أتمنى ذلك .
دمتم بخير
أخي الحبيب سلطان ...
الله يشهد أنّ ما نقلته .. كان من كتاب نفيس وددت أن تطلع عليه كتاب حقائق عن التصوف ..به المصادر و المراجع في أقوال السلف و الخلف عن التصوف ، كما يبين حقيقة التصوف بعيدا عن اللّغط و السطحية .
و ربما ما نقلته كاف لإبطال قولك التصوف بدعة ؟؟؟
أما المراجعة فأتركها لك .. فالحمد لله الأقوال مثبتة بمراجعها .
أخي الكريم أعلم نهاية هذا الجدل .. لكنني أصدقك : أحاول دفع تمويهك الحقائق .. لقارئ لم يصب بداء التضليل ، داء العصر . عسى أن يتمهل قرب ما يجده من شهادات السلف و الخلف ، و من مدارس مختلفة .
و ربما أضفت لك بعض اقوال العلماء مما يبيّن حقيقة التصوّف المظلوم .
و لسوف نلتقي عند الملك العلاّم ، و اسأل الله ألاّ تحاججني عند ربّي بأنّي لم أخلص نصحك ، و لم أبذل وسعي في تبديد ما أنت فيه . و ليس أحبّ الى نفسي من ترك هذه الصفحة و نسيانها .
و لربما تساءلت : إذن مالذي حملك أن تكتب أصلا و تبادر ؟؟؟؟
و أجيبك لأنني قرأت ما كتبت - أنت -في حق الامام ابوحامد الغزالي رضي الله عنه و خفت أنّي أخذله و لم أقل كلمة حق في الدفاع عن عرضه و هو من هو رضي الله عنه .
هذا لتعلم القصة من البداية الى النهاية . و الى الله المنتهى .
و صل اللهم على سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم تسليما .
سلطان السبهان
26-12-2006, 10:22 PM
أجيبك لأنني قرأت ما كتبت - أنت -في حق الامام ابوحامد الغزالي رضي الله عنه و خفت أنّي أخذله و لم أقل كلمة حق في الدفاع عن عرضه و هو من هو رضي الله عنه
هنا أمران مهمان أخي الكريم :
أولا أنا نقلت أقوال علماء رعاك الله ولم أتكلم في الغزالي من جيبي !!
ولست أول من قال إن الصوفية على ضلال .من لدن الامام أحمد فارتح أخي الكريم ولا تحمّلني ذنباً ليس ذنباً !
ثانيا : أنا أيضا أخي الكريم أخاف أن أخذل علماء السة الذين عدوا التصوف بدعة وضلالاً .
أيحل لك التقليد ويحرم على غيرك ز
أخي العزيز يامن تغار على الصوفية لا اطلب منك إلا أن تتامل في نقلك لانه حوى أشياء ليست من الدين في شيء ززفهل تفعل ونتحار بصدق وأخوة ؟؟!
دمت لمحبك
خليل حلاوجي
11-02-2007, 10:52 AM
قال ( كامل مصطفى الشيبي) في كتابه ( الحلاج موضوعا ):
لقد قرنت المعرفة الصوفية التي تفيض من النفس عند استكمال عملية نفي الصفات وتحقق الشعور بالفناء عن العلائق المادية.. قرنت بالسكر والشطح والخمر الالهية..وقد ذكر ابو سعيد الخراز قوله في الصوفية : لهم لسانان لسان في الباطن يعرفهم صنع الصانع بالمصنوع..ولسان في الظاهر يعلمهم علم المخلوقين ..فلسان الظاهر يكلم اجسادهم ولسان الباطن يكلم ارواحهم وعلى هذا النسق ردد الصوفية مصطلحي كاس المحبة والخمر الالهية بأعتبارهما معبرتين عن المعرفة الالهية التي تملاْ نفس الانسان دون قصد منه وتفيض منه دون وعي
فأذا سمعها المنكرون من الفقهاء وغيرهم عدوها شطحا او خروجا عن المألوف
أمل فؤاد عبيد
13-02-2007, 02:57 PM
لربما هذا المقال اجاز ربع الحقيقة فقط .. وإذا كان هناك شيئا يحسب للغزالي فهو فقط احياء علوم الدين وهو خاص بالتصوف ويحسب له عن جدارة وايضا كتبا أخرى درات في دائرة ذات الموضوع .. أما فيما يخص الفكر الفلسفي وجدله مع الفكر الإسلامي الغزالي هو اول من ضرب الفكر العقلاني في صميمه وكان سببا مباشرة في العقود المعتمة في التاريخ الإسلامي التي تعرف بعصور الظلام .. وعلى فكرة انا قررت انهاء دراستي العليا بسببه .. ولكن هذا لا يمنع انني قرأت انجازه في احياء علوم الدين الى جانب ابن جوزية كانت محطة مؤثرة ومبدلة لي .. شكرا له على هذا وسامحه الله على ذلك ..
خليل حلاوجي
14-02-2007, 09:38 AM
الاخت الفاضلة امل
الادعاء بان الغزالي هو من ضرب العقلانية ادعاء بحاجة الى دليل
سعيد بتواجدك هنا وودت لو عززت رؤيتك بشكل اكثر شمولية لعلنا نستمتع ونستفيد مما ترينه ايتها الاستاذه الكريمة
تقبلي بالغ تقديري
خليل حلاوجي
22-02-2007, 02:17 PM
الغزالي ونظرية المعرفة
بقلم خالص جلبي
في نهاية القرن الخامس الهجري وقف الامام أبو حامد الغزالي ليقوم بأهم عملين عقليين ماسحين ، فيما يشبه جهاز الرادار العقلي ، في البحث بين الانقاض ، كما يفعل الباحثون عن الصندوق الأسود عند تحطم الطائرات . في بحث الخلل الأخلاقي ، وخلفية الاعصار العقلي ،فاستنفر نفسه لدراسة أربعة تيارات فكرية عاصفة كانت تجتاح العالم الاسلامي وقتها : الفلسفة اليونانية وتيارات الباطنية وفرق المتكلمين والاتجاه الصوفي .
كان ضغط المصيبة ماحقاً ساحقاً ، بحيث انضغط عقل الغزالي فانحدر الى الشك .
والشك دائرة مروعة وكأنها الثقب الأسود الشفاط ، وهذا الذي حصل مع الغزالي ومع تراكم سحب ( الشك ) اسودت معالم الطرق العقلية ، وتسرب الشك الى كل المنافذ ، وفي النهاية استولى الشك بالكامل على عقل الغزالي وطوقه بإحكام ، حتى
وصل الى الشك بكل شيء حوله ، وتسربت عفونة الشك الى المدارك العقلية الاساسية
مثل البديهيات الاساسية.
تساءل الغزالي : إذا كان المنام كله ضرباً من الوهم ؟
فلماذا لاتكون الحياة كلها ضرباً أكبر في الخيال السقيم ؟؟
يقول الغزالي : فتوقفت النفس في جواب ذلك قليلاً ، وأيدت إشكالها بالمنام ، وقالت : أما تراك تعتقد في النوم أموراً ، وتتخيل أحوالاً ، وتعتقد لها ثباتاً واستقراراً ، ولاتشك في تلك الحالة فيها ، ثم تستيقظ فتعلم أنه لم يكن لجميع متخيلاتك ومعتقداتك أصل وطائل ؟ فبم تأمن أن يكون جميع ماتعتقده في يقظتك بحس أو عقل هو حق بالاضافة الى حالتك التي أنت فيها ؟ لكن يمكن أن تطرأ عليك حالة تكون نسبتها الى يقظتك ، كنسبة يقظتك الى منامك ، وتكون يقظتك نوماً بالاضافة اليها فإذا وردت تلك الحالة تيقنت أن جميع ماتوهمت بعقلك خيالات لاحاصل لها
محنة الغزالي الروحية
تطورت الصدمة العقلية الروحية عند الغزالي الى أن أدخلته المرض فارتمى
في السرير وكاد أن يهلك ، ويروي تجربته الروحية الفكرية بشكل مؤثر (( فلم أزل
أتردد بين تجاذب شهوات الدنيا ودواعي الآخرة قريباً من ستة أشهر أولها رجب
سنة ثمان وثمانين واربعمائة ، وفي هذا الشهر جاوز الأمر حد الاختيار الى الاضطرار ، إذ أقفل الله على لساني حتى اعتقل عن التدريس ، فكنت أجاهد نفسي أن ادرس يوما واحدا تطييبا لقلوب المختلفة الي ، فكان لاينطق لساني بكلمة واحدة ولا استطيعها البتة ، حتى أورثت هذه العقلة في اللسان حزنا في القلب ، بطلت معه قوة الهضم ومراءة الطعام والشراب ، فكان لاينساغ لي ثريد ، ولاتنهضم لي لقمة ؛ وتعدى الىضعف القوى ، حتى قطع الاطباء طمعهم في العلاج وقالوا : ( هذا أمر نزل بالقلب ومنه سرى الى المزاج ، فلاسبيل اليه بالعلاج ، الا بأن يتروح السر عن الهم الملم
في كتابه ( المنقذ من الضلال والموصل الى ذي العزة والجلال _ حققه جميل صليبا وكامل عياد _ دار الاندلس _ ص 85 تأمل تعبيراته المدهشة في التأسيس المعرفي اذ يقول
فلابد من طلب حقيقة العلم ماهي ؟ فظهر لي أن العلم اليقيني هو الذي ينكشف فيه المعلوم انكشافاً لايبقى معه ريب ولايقارنه إمكان الوهم والغلط ، ولايتسع القلب لتقدير ذلك ، بل الأمان من الخطأ ينبغي أن يكون مقارناً لليقين مقارنةً لو تحدي بإظهار بطلانه مثلاً من يقلب الحجر ذهبا والعصا ثعباناً لم يورث ذلك شكاً وإنكاراً ، فإني إذا علمت أن العشرة أكثر من الثلاثة ؛ فلو قال لي قائل لا ،بل الثلاثة أكبر من العشرة ؛ بدليل أني أقلب هذه العصا ثعباناً وقلبها شاهدت
ذلك منه ، لم أشك بسببه في معرفتي ، ولم يحصل لي منه الا التعجب من كيفية
قدرته عليه ! أما الشك فيما علمته فلا )
الانهدام العقلي الكبير على يد الغزالي :
بقدر مابدأ الغزالي خطواته العقلية الأولى بجبروت في تأسيس المعرفة عندما أسس
مبدأ اليقين في العلوم بحيث لاتتزعزع المعرفة العقلية حتى لو برهن على عكسها بتحويل الحجر الى ذهب والعصي الى ثعابين ، فالمعرفة العقلية هي أعمق وأبقى ، والذي ترك كامل بصماته على العقل الأوربي ؛ بقدر ماانتهى الغزالي نفسه ؛ عندما سطر قلمه كتاب ( تهافت الفلاسفة في نهاية رحلته الى حالة فراغ
كاملة بالانتحار الصوفي ، مما اضطر ابن رشد لاحقاً ؛ أن يتدخل بعملية فكرية
جراحية اسعافية لعقل مسلم منتحر بنزف داخلي ، قد انهار صاحبها بفعل النزف الفكري الى حالة الصدمة غير قابلة التراجع ( Irreversible Shock ) فيكتب في الوقت الضائع للمباراة كتابه ( تهافت التهافت ) . لذا لم يستفد العالم الاسلامي من كتابات ابن رشد شيئاً ، بل هي موضع شبهة وشك فهو من التراث المحترق
عبدالملك الخديدي
08-03-2007, 12:56 PM
وفقك الله أخي الحبيب : خليل
لما تقدمه من مواضيع متميزة .. تثير الرغبة في القراءة والتمعن في ما نقرأ.
بورك فيك .. على هذا الطرح الجيد عن الإمام الغزالي .
خليل حلاوجي
15-07-2007, 03:39 PM
اخي الحبيب عبد الملك
\
وجودك هنا شرف وشفاء
عطاف سالم
25-07-2007, 04:59 AM
عبقرية وأي عبقرية !
وما أكثر ماامتلأت صفحات تاريخنا بمثلهم ..... لكن أين من يعيد إليها الحياة الآن ؟
(( أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا ياجرير المجامع ))
رحم الله الغزالي ومن غرس فسيلة علم على هذه البسيطة وعفا عنه وغفر ...
شكر الله لك مدك أخي الفاضل خليل وشكر مدادك
ودمت بخير وإلى خير وأخير
تحية من عبق التاريخ العاطر النادر
خليل حلاوجي
02-01-2008, 08:46 AM
الكريمة عطاف :
مرورك هو النقاء في سطور الولاء ... لله رب العالمين ... أختاه
جلال طه الجميلي
13-09-2012, 06:45 PM
ازعم اني ساقول قولة في الامام الغزالي..ربما غابت عن البعض .من اقوى اسلحة اعداء الغزالي انه لم يكن محدثا فجاء كتابه الكبير احياء علوم الدين مليئا بالاحاديث الضعيفة والموضوعة........
اذن ..فاسمعوا ..من نعم الله على هذه الامة ان الغزالي لم يكن محدثا...لانه لو كان محدثا فهذا يعني ان النصف مليون محدث في الامة سيصبحون نصف مليون وواحد ..هذا كل ما سيحدث
ولكنه حينما كان عالما متكلما فيلسوفا اخلاقيا استطاع بذلك ان يصفع الفلسفة السلبية صفعة لا يرجى برئها الى قيام الساعة .. ومن هنا يصبح الكلام عن عدم كونه محدثا مما يهذي به الملقنون اللذين لا يحسنون الا ترديد ما يقال لهم ...هل دعا الامام الغزالي الى رذيلة ووضع لها حديثا مفترى .وذروة ما سقط فيه انه يدعو لفضيلة بحديث فيه نظر .فاقمنا الدنيا ولم نقعدها على ضعف الاسناد في حين لم نفكر ولو للحظة فيما يدعوا اليه من رقائق وعبادات قلبية راقية لا يحسنها الا اهل الهمم العالية ..الاسلام يا جماعة دين عظيم تتظافر فيه جهود الفقيه والمتكلم والمحدث والعالم والاصولي فليس من المنطق ان نعيب على المتكلم انه ليس محدثا او ننكر على الفقيه كونه لا يحسن العروض ..وهكذا ..هل تعلمون ان الامام الغزالي في ذروة تسلط الباطنية بزعامة الحسن ابن الصباح كتب كتابه النفيس والجرىء .. فضائح الباطنية ...
وهو يعلم ان القتل اسرع اليه من البيض الى السواد . ويكاد يكون العالم الوحيد الذي فعل ذلك في وقتها ..لماذا لا يذكر له هذا...اتقوا الله في هذا الرجل ..العالم الجليل فيلسوف الاسلام رحمه الله ....
ربيع بن المدني السملالي
13-09-2012, 06:59 PM
ازعم اني ساقول قولة في الامام الغزالي..ربما غابت عن البعض .من اقوى اسلحة اعداء الغزالي انه لم يكن محدثا فجاء كتابه الكبير احياء علوم الدين مليئا بالاحاديث الضعيفة والموضوعة........
اذن ..فاسمعوا ..من نعم الله على هذه الامة ان الغزالي لم يكن محدثا...لانه لو كان محدثا فهذا يعني ان النصف مليون محدث في الامة سيصبحون نصف مليون وواحد ..هذا كل ما سيحدث
ولكنه حينما كان عالما متكلما فيلسوفا اخلاقيا استطاع بذلك ان يصفع الفلسفة السلبية صفعة لا يرجى برئها الى قيام الساعة .. ومن هنا يصبح الكلام عن عدم كونه محدثا مما يهذي به الملقنون اللذين لا يحسنون الا ترديد ما يقال لهم ...هل دعا الامام الغزالي الى رذيلة ووضع لها حديثا مفترى .وذروة ما سقط فيه انه يدعو لفضيلة بحديث فيه نظر .فاقمنا الدنيا ولم نقعدها على ضعف الاسناد في حين لم نفكر ولو للحظة فيما يدعوا اليه من رقائق وعبادات قلبية راقية لا يحسنها الا اهل الهمم العالية ..الاسلام يا جماعة دين عظيم تتظافر فيه جهود الفقيه والمتكلم والمحدث والعالم والاصولي فليس من المنطق ان نعيب على المتكلم انه ليس محدثا او ننكر على الفقيه كونه لا يحسن العروض ..وهكذا ..هل تعلمون ان الامام الغزالي في ذروة تسلط الباطنية بزعامة الحسن ابن الصباح كتب كتابه النفيس والجرىء .. فضائح الباطنية ...
وهو يعلم ان القتل اسرع اليه من البيض الى السواد . ويكاد يكون العالم الوحيد الذي فعل ذلك في وقتها ..لماذا لا يذكر له هذا...اتقوا الله في هذا الرجل ..العالم الجليل فيلسوف الاسلام رحمه الله ....
ليست المسألة مسألة محدّث أو فقيه أيها الكريم ،
إليك بعض ما في هذا الكتاب الذي انتشر بين المسلمين انتشار النّار في الهشيم :
قال الغزَّالي غفر الله له: ((قال أبو تراب النخشبي يوماً لبعض مريديه: لو رأيتَ أبا يزيدٍ -أي: البسطامي- فقال: إني عنه مشغولٌ، فلمَّا أكثر عليه "أبو تراب" مِن قوله "لو رأيتَ أبا يزيد" هاج وجد المريد، فقال: ويحك، ما أصنع بأبي يزيد؟ قد رأيتُ الله فأغناني عن أبي يزيد!! قال أبو تراب: فهاج طبعي ولم أملك نفسي، فقلتُ: ويلك تغترُّ بالله، لو رأيتَ أبا يزيد مرةً واحدةً كان أنفعَ لك مِن أن ترى الله سبعين مرَّةً! قال: فبُهتَ الفتى من قوله وأنكره، فقال: وكيف ذلك؟ قال له: ويلك أما ترى الله عندك فيظهر لك على مقدارك، وترى أبا يزيد عند الله قد ظهر له على مقداره)) (الإحياء:4/305).
وقال غفر الله له: ((فاعلم أن الغناء أشد تهييجاً للوجد من القرآن من سبعة أوجه: الوجه الأول: أن جميع آيات القرآن لا تناسب حال المستمع ولا تصلح لفهمه ...... )).
(الإحياء: 2ـ298)
وقال غفر الله له: ((فإذا القلوب وإن كانت محترقة في حب الله تعالى ، فإن البيت ـ يعني من الشعر ـ الغريب يهيج منها ما لا تهيج تلاوة القرآن ، وذلك لوزن الشعر ومشاكلته للطباع)).
(الإحياء: 2ـ301)
وقال غفر الله له: ((قال "سهل التستري": إن لله عباداً في هذه البلدةِ لو دَعَوْا على الظالمين لم يُصبحْ على وجهِ الأرضِ ظالم إلا مات في ليلةٍ واحدةٍ... حتى قال: ولو سألوه أن لا يقيم الساعة لم يقمْها!))
وعلَّق على هذا فقال: ((وهذه أمورٌ ممكنةٌ في نفسِها، فمَن لم يحظَ بشيءٍ منها؛ فلا ينبغي أنْ يخلو عن التصديق والإيمان بإمكانها، فإنَّ القدرةَ واسعةٌ، والفضلَ عميمٌ، وعجائبَ الملك والملكوت كثيرةٌ، ومقدورات الله تعالى لا نهاية لها، وفضله على عباده الذين اصطفى لا غاية له!))
(الإحياء: 4/305).
وأورد الغزالي غفر الله له في الإحياء ، المجلد الثالث ، كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: قصة مراسلات بين الخليفة هارون الرشيد وسفيان الثوري ، وما فيها من مواعظ وقصص وكذب، وخفي عليه وهو القريب من زمانهما ، أن الثوري مات قبل خلافة هارون الرشيد بعشر سنوات ، مما يظهر بعده أيضاً عن التحقق ، وقبوله لأي شيء يرد.
وقال غفر الله له: ((قال سهل بن عبد الله التستري وسُئل عن سرِّ النفسِ؟ فقال: النفسُ سرُّ الله، ما ظهر ذلك السرُّ على أحدٍ مِن خلقِهِ إلا على فرعون! فقال: أنا ربُّكم الأعلى!)).
(الإحياء: 4/61).
وقال غفر الله له: ((قال الجنيد: أُحبُّ للمريدِ المبتدئ" أنْ لا يَشغلَ قلبَه بثلاثٍ، وإلا تغيَّر حاله! التكسُّب وطلب الحديث والتزوج. وقال -(أي: الجنيد)-: أُحبُّ للصوفي أن لا يكتبَ ولا يقرأَ، لأنه أجمع لهمِّه)) (الإحياء: 4/206).
وقال غفر الله له: ((… وعن بعضهم أنه قال: أقلقني الشوقُ إلى "الخضر" عليه السلام، فسألتُ الله تعالى أن يريَني إياه ليعلِّمَني شيئاً كان أهمَّ الأشياءِ عليَّ، قال: فرأيتُه فما غلبَ على همي ولا همتي إلا أنْ قلتُ له: يا أبا العباس! علِّمْني شيئاً إذا قلتُه حُجبْتُ عن قلوبِ الخليقةِ، فلم يكن لي فيها قدْرٌ، ولا يعرفني أحدٌ بصلاحٍ ولا ديانةٍ؟، فقال: قل " اللهمَّ أَسبِل عليَّ كثيف سترك، وحطَّ عليَّ سرادقات حجبك، واجعلني في مكنون غيبك، واحجبني عن قلوب خلقك " قال: ثم غاب فلم أره، ولم أشتقْ إليه بعد ذلك، فما زلتُ أقول هذه الكلمات في كلِّ يومٍ، فحكى أنَّه صار بحيث يُستذلُ ويُمتهنُ، حتى كان أهلُ الذمَّةِ يسخرون به، ويستسخرونه في الطرق يحمل الأشياء لهم لسقوطه عندهم، وكان الصبيانُ يلعبون به، فكانت راحته وركود قلبه واستقامة حاله في ذلك وخموله.)) (الإحياء: 4/306).
وعلَّق الغزالي غفر الله له فقال: ((وهكذا حال أولياء الله تعالى ففي أمثال هؤلاء ينبغي أن يطلبوا.))
وقال غفر الله له: ((ومنهم من تأتي الكعبة إليه وتطوف هي به وتزوره)) (الإحياء 1/269).
وقال غفر الله له: ((وكان أبو يزيد وغيره يقول: ليس العالِم الذي يحفظ من كتاب، فإذا نسي ما حفظه صار جاهلاً، إنما العالِم الذي يأخذ علمَهُ من ربِّه أيّ وقتٍ شاء بلا حفظٍ ولا درسٍ!)) (الإحياء: 3/24).
وقال غفر الله له: ونسأل الله أن يغفر لنا نقلنا هذا , لما فيه من اتهام الله بالظلم تعالى ربنا له الأسماء الحسنى والصفات العلا- ((قرَّبَ الملائكةَ مِن غيرِ وسيلةٍ سابقةٍ، وأبعدَ إبليسَ مِن غيرِ جريمةٍ سالفةٍ!)) (الإحياء: 4/168).
تحياتي
ربيع بن المدني السملالي
13-09-2012, 07:04 PM
قال الإمام ابن الجوزي المتوفى سنة (597هـ): ((اعلم أن في كتاب الإحياء آفات لا يعلمها إلا العلماء، وأقلها الأحاديث الباطلة الموضوعة، وإنما نقلها كما اقتراها ـ جمعها ـ لا أنه افتراها ، ولا ينبغي التعبد بحديث موضوع والاغترار بلفظ مصنوع، وكيف أرتضي لك أن تصلي صلوات الأيام والليالي، وليس فيها كلمة قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف أوثر أن يطرق سمعك من كلام المتصوفة الذي جمعه وندب إلى العمل به ما لا حاصل له من الكلام في الفناء، والبقاء، والأمر بشدة الجوع، والخروج إلى السياحة في غير حاجة، والدخول في الفلاة بغير زاد، إلى غير ذلك مما قد كشفت عن عواره في كتابي تلبيس إبليس)) (مختصر منهاج القاصدين: 16-17).
وقال أيضاً: ((وجاء أبو حامد الغزالي فصنف لهم - أي للصوفية - كتاب الإحياء على طريقة القوم، وملأه بالأحاديث الباطلة وهو لا يعلم بطلانها، وتكلم في علم المكاشفة، وخرج عن قانون الفقه، وجاء بأشياء من جنس كلام الباطنية)) (تلبيس إبليس: 217 بتصرف يسير).
ربيع بن المدني السملالي
13-09-2012, 07:08 PM
وقال الحافظ ابن كثير المتوفى سنة (774 هـ): ((وصنف في هذه المدة كتابه إحياء علوم الدين وهو كتاب عجيب يشتمل على علوم كثيرة من الشرعيات ، وممزوج بأشياء لطيفة من التصوف وأعمال القلوب ، لكن فيه أحاديث كثيرة غرائب ومنكرات وموضوعات ، كما يوجد في غيره من كتب الفروع التي يستدل بها على الحلال والحرام ، فالكتاب الموضوع للرقائق والترغيب والترهيب أسهل أمراً من غيره ، وقد شنع عليه أبو الفرج ابن الجوزي ثم ابن الصلاح في ذلك تشنيعاً كثيراً ، وأراد المازري أن يحرق كتابه إحياء علوم الدين ، وكذلك غيره من المغاربة ، وقالوا: هذا كتاب إحياء علوم دينه ، وأما ديننا فإحياء علومه كتاب الله وسنة رسوله ، كما قد حكيت ذلك في ترجمته في الطبقات ، وقد زيف ابن سكرة مواضع إحياء علوم الدين ، وبين زيفها في مصنف مفيد)). البداية والنهاية (12/174)
ربيع بن المدني السملالي
13-09-2012, 07:10 PM
قال القاضي عياض اليحصبي المتوفى سنة (544هـ): ((والشيخ أبو حامد ذو الأنباء الشنيعة، والتصانيف الفظيعة غلا في طريقة التصوف، وتجرد لنصر مذاهبهم، وصار داعيةً في ذلك، وألف فيه تواليفه المشهورة، أُخذ عليه فيها مواضع، وساءت به ظنون أمه ، والله أعلم بسره، ونفذ أمر السلطان عندنا بالمغرب وفتوى الفقهاء بإحراقها والبعد عنها، فامتُثل ذلك)) (سير أعلام النبلاء 327/19).
ربيع بن المدني السملالي
13-09-2012, 07:11 PM
وقال الإمام أبو بكر محمد بن الوليد الطرطوشي المتوفى سنة (520 هـ) في رسالة له إلى ابن المظفر ، يتكلم فيها عن الغزالي رحمه الله: ((...... ثم تصوَّف فهجر العلوم وأهلها، ودخل في علوم الخواطر، وأرباب القلوب، ووساوس الشيطان، ثم شابها بآراء الفلاسفة ورموز الحلاَّج، وجعل يطعن على الفقهاء والمتكلمين، ولقد كاد ينسلخ من الدين، فلما عَمِل (الإحياء) عمد يتكلم في علوم الأحوال، ومرامز الصوفية، وكان غير دري بها ولا خبير بمعرفتها!! فسقط على أم رأسه، فلا في علماء المسلمين قر، ولا في أحوال الزاهدين استقر ، ثم شحن كتابه بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا أعلم كتاباً على وجه البسيطة - في مبلغ علمي - أكثر كذباً على رسول الله صلى الله عليه وسلم منه ، سبكه بمذاهب الفلاسفة، ومعاني رسائل أخوان الصفا، وما مثل من قام لينصر دين الإسلام بمذاهب الفلاسفة، وآرائهم المنطقية، إلا كمن يغسل الماء بالبول، ثم يسوق الكلام سوقاً، يرعد فيه ويبرق، يُمَنّي ويشوق حتى إذا تشوفت له النفوس، قال: "هذا من علم المعاملة، وما وراءه من علم المكاشفة، ولا يجوز تسطيره في كتاب"، أو يقول: "هذا من سر القدر الذي نهينا عن إفشائه" ، وهذا فعل الباطنية، وأهل الدغل والدخل، وفيه تشويش للعقائد، وتوهين لما عليه كلمة الجماعة ، فإن كان الرجل يعتقد ما سطره في كتابه لم يبعد تكفيره، وإن كان لا يعتقده فما أقرب تضليله)) (المعيار المعرب 186ـ12)، وانظر: (تاريخ الإسلام للذهبي 122)، و (طبقات الشافعية الكبرى: 6ـ243). (الرسائل 3ـ137).
جلال طه الجميلي
14-09-2012, 02:21 PM
الاستاذ الفاضل بهجت الرشيد المحترم ..
كنت انتظر مقالك بفارغ الصبر فانا اعرف فيك الوسطية وبعد الغور ..كما اني اعرف للواحة..وسطيتها وحملها لرسالة نبيلة..واحة العمري ..والرفاعي.. وانا سوف اضعك امام هذا الموقف الذي تعرضت له واستحلفك بالله ان تصدقني القول..هو يعلم انني اكبر منه بعشرين عاما ثم يستسيغ ان يصفني باني قليل الادب ومن واجبه ان يعلمني الادب ..وانا اتسائل هل عقمت الواحة ان تستخدم احدا يذب عن حمى الدين
وهذه رسالتها الكبيرة ..الا هذا...قبل ثلاثين عاما حينما كان السلالمي لا يحسن الطهارة كنت قد اتيت على قراءة مئات الامهات من الكتب ويشهد الله واسوقها هنا لا تفاخرا ان الاستاذ الدكتور الداعية احمد عبيد الكبيسي كان يسميني ...صاحب العقل النظيف ...لما كان يتوسمه فيي من التوسط والاعتدال .ثم ياتي ابن الحلال هذا ويصمني بالجهل.هل يروق لكم هذا ..هل تعلم يا اخي بهجت ان الكثير من الماقع يطيب لها ان ارفدها بمشاركاتي ولكني ابيت الا ان اخص بها الواحة التي لا اشك انها قلعة من قلاع الاسلام ومثابة لمفكريه وحملة الاقلام ...
بهجت عبدالغني
14-09-2012, 03:48 PM
فلنهدأ جميعاً ولا نستعجل ..
...........................................
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء :
الشيخ الإمام البحر ، حجة الإسلام ، أعجوبة الزمان ، زين العابدين أبو حامد بن محمد بن محمد بن احمد الطوسي الشافعي الغزالي ، صاحب التصانيف والذكاء المفرط . انتهى .
وأقول :
هو أبو حامد الغزالي الفيلسوف الصوفي الأصولي المربي .
درس الفلسفة وهضمها ثم وجه لها ضربته القاضية لها في كتابه ( تهافت الفلاسفة ) ، حتى قال علماء الفرنج : إن الغزالي طعن الفلسفة في الشرق العربي طعنة قاضية ، وكاد يكون نصيبها في الغرب كذلك ، لو لم تلق في ابن رشد حامياً لها أحياها قرناً من الزمان .
ودخل الصوفية بعد صراع مع النفس ، لكنه ( لم يتوان عن نقد معظم الفرق الصوفية التي سادت في عصره وما قبله نقدا شديداً ، فتكلم في :
1 ـ قلة المتصوفة الحقيقيين .
2 ـ فساد المتصوفة إذ ركنوا إلى البطالة وألفوها واستثقلوا العمل واستلانوا جانب السؤال والكدية .
3 ـ هيمنة الغرور والجهل على كثير من المتصوفة .
4 ـ إدعاء الصوفية سقوط التكاليف وسقوط الأحكام الشرعية عنهم .
ولذا وضع معالم للتصوف ومقاييس له :
1 ـ ضرورة العلم الشرعي .
2 ـ رفض الغزالي للتأويلات الباطنية .
3 ـ جعل من التصوف علم أخلاقي عملي .
4 ـ تصحيح مفهوم الزهد ) .
( انظر : الامام الغزالي من كبار علماء المدرسة النظامية ، علي محمد الصلابي ) .
ألف كتابه ( المنخول ) في أصول الفقه ، فقال له أستاذه أبو المعالي الجويني : دفنتني وأنا حي ، فهلا صبرت الآن ، كتابك غطى على كتابي .( سير أعلام النبلاء ) .
وألف المستصفى ، وما من باحث في أصول الفقه إلا ويمرّ على كتبه ويعتمد عليها .
وألف ( إحياء علوم الدين ) بعدما رأى الناس وقد انحرفوا عن معالم الدين ، وتركوا مقاصده وتشبثوا بالظاهر والزخارف وغفلوا الباطن وتزكية النفوس .
فصار كتابه مرجعاً للمربين والتربويين وعلماء النفس والأخلاق .
أما ادعاؤك أخي جلال بأن الغزالي لو درس الحديث لأضاف إلى العدد فقط واحداً آخر ، فلا أوافقك عليك ، لأن الإمام الغزالي لم يكن له وهو صاحب ذكاء وفطنة أن يدخل شيئاً إلا ويخرج بالفوائد والفرائد ، فليس هو الذي ينقل فقط ويقلد ، فقد رأيناه في كتبه ناقداً مبدعاً . هذا أولاً .
وثانياً لا تمنع دراسة الحديث ولا تعيق من دراسة العلوم الأخرى والإبداع فيها ، فقد رأينا من العلماء من استوعب العلوم والفنون وأجاد فيها وأبدع .
يقول تلميذه عبدالغافر الفارسي : ( وكانت خاتمة أمره إقباله على حديث المصطفى ومجالسة أهله ومطالعة الصحيحين اللذين هما حجة الإسـلام ولو عاش لسبق الكل في ذلك الفن بيسير من الأيام ) .
والحقيقة أن الإمام الغزالي لم ينتبه إلى أهمية علم الحديث إلا في أواخر حياته ، فقد كان في الحديث كما يقول ابن الجوزي : حاطب ليل .
ويرجع السبب في ذلك ـ كما يقول الدكتور علي الصلابي ـ إلى المدرسة التي نشأ فيها الغزالي ، وخاصة مدرسة الإمام الجويني التي غلب عليها الطابع العقلي الجدلي .
ثم انه رحمه الله انتبه الى هذا الأمر وبدأ يستدرك ما فاته ، فاتخذ لنفسه معلمين ـ وهو العالم الكبير ـ ، هما : أبو سهيل محمد بن عبدالله الحفصي وكان يسمع منه صحيح البخاري ، والقاضي أبو الفتح الحاكمي الطوسي وكان يسمع منه سنن أبي داود .
قال ابن كثير في البداية والنهاية : ( ثم عاد إلى بلده طوس فأقام بها ، وابتنى رباطاً ، واتخذ داراً حسناً ، وغرس فيها بستاناً أنيقاً ، وأقبل على تلاوة القرآن وحفظ الأحاديث الصحيحة ... ويقال إنه مال في آخر عمره إلى سماع الحديث والتحفيظ للصحيحين ) .
ومات رحمه الله وصحيح البخاري على صدره .
الإسلام يا جماعة دين عظيم تتظافر فيه جهود الفقيه والمتكلم والمحدث والعالم والأصولي فليس من المنطق أن نعيب على المتكلم انه ليس محدثا أو ننكر على الفقيه كونه لا يحسن العروض ..وهكذا .. هل تعلمون أن الإمام الغزالي في ذروة تسلط الباطنية بزعامة الحسن ابن الصباح كتب كتابه النفيس والجريء .. فضائح الباطنية ...
هذا الكلام صحيح ..
ولكن رجل بحجم الإمام الغزالي كان عليه أن يأخذ نصيبه الذي يوازي حجمه في علم الحديث ، وما الاعتراض عليه إلا من قبيل أنه كان عالماً كبيراً ، فكيف يغفل عن هذا الجانب ؟
وإلا هل سمعت يوماً أو قرأت أن الناس يتكلمون في بهجت الرشيد لأن بضاعته في الحديث مزجاة أو انه حاطب ليل ؟
وإنما الرجل يؤخذ عليه على قدر علمه وفضله ، وحسنات الإبرار سيئات المقربين .
هل دعا الإمام الغزالي إلى رذيلة ووضع لها حديثا مفترى .وذروة ما سقط فيه انه يدعو لفضيلة بحديث فيه نظر .فاقمنا الدنيا ولم نقعدها على ضعف الإسناد في حين لم نفكر ولو للحظة فيما يدعوا إليه من رقائق وعبادات قلبية راقية لا يحسنها إلا أهل الهمم العالي .
أخي الكريم ..
لم يقل أحد إن الغزالي كان يدعو إلى الرذيلة ، ولم يقل أحد إن الغزالي كان يضع الأحاديث .
وإنما الأمر هو انه لا يجوز اعتماد الأحاديث الموضوعة ونسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
وقولك ( انه يدعو لفضيلة بحديث فيه نظر ) خاطئ ، فالأحاديث الموضوعة ليس فيها نظر ، وإنما ترمى ، لأنها ليست بحديث .
أما الدعوة إلى الرقائق والعبادات القلبية الراقية فتكون بالأحاديث الصحيحة ، وما أكثرها ، وما أقل من يقرؤها ويعمل بها ..
ولهذا أقول للذين يقولون لا بأس بأخذ الأحاديث الضعيفة في الترغيب وفضائل الأعمال ، أقول وهل عملنا وطبقنا كل الأحاديث الصحيحة حتى نتحول إلى الضعيفة ؟
والإمام الغزالي ليس معصوماً ، ولذا يؤخذ من كلامه ويرد ، ومكانه محفوظ عند المسلمين ، ولكن لا نوافقه إذا خالف المنهج الصحيح الذي كان عليه الرسول والصحابة ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى كلاماً وسطاً منصفاً :
( وأما كتاب ( قوت القلوب ) وكتاب ( الإحياء ) تبع له فيما يذكره من أعمال القلوب مثل الصبر والشكر والحب والتوكل والتوحيد ونحو ذلك ، وأبو طالب أعلم بالحديث والأثر وكلام أهل علوم القلوب من الصوفية وغيرهم من أبي حامد الغزالي ، وكلامه أشد وأجود تحقيقاً وأبعد عن البدعة ، مع أن في قوت القلوب أحاديث ضعيفة وموضوعة وأشياء مردودة كثيرة. وأما ما في الإحياء من المهلكات مثل الكلام على الكبر والعجب والرياء والحسد ونحو ذلك فغالبه منقول من كلام الحارث المحاسبي في ( الرعاية ) ، ومنه ما هو مقبول ومنه ما هو مردود ومنه ما هو متنازع فيه ، و (ا لإحياء ) فيه فوائد كثيرة ؛ لكن فيه مواد مذمومة ، فإن فيه مواد فاسدة من كلام الفلاسفة تتعلق بالتوحيد والنبوة والمعاد ، فإذا ذكرت معارف الصوفية كان بمنزلة من أخذ عدوا للمسلمين ألبسه ثياب المسلمين ، وقد أنكر أئمة الدين على أبي حامد هذا في كتبه ، وقالوا: أمرضه الشفاء ، يعني شفاء ابن سينا في الفلسفة ، وفيه أحاديث وآثار ضعيفة ، بل موضوعة كثيرة ، وفيه أشياء من أغاليط الصوفية وترهاتهم ، وفيه مع ذلك من كلام المشايخ الصوفية العارفين المستقيمين في أعمال القلوب الموافق للكتاب والسنة ومن غير ذلك من العبادات والأدب ما هو موافق للكتاب والسنة ما هو أكثر مما يرد منه، فلهذا اختلف فيه اجتهاد الناس وتنازعوا فيه ) .
وقد أخرج الحافظ زين الدين العراقي أحاديث الإحياء وبين درجة صحة الأحاديث .
تقبل مروري وخالص تحياتي ..
خليل حلاوجي
14-09-2012, 05:40 PM
ليس المهم ما يقال عن فلان من البشر ، فالنبي نفسه قيل عنه الأقاويل ( شاعر ، ساحر ، به جنة ، كاهن ،مجنون ... ) ولكن الكلمات لم تخدم الوصف فماتت وبقي الوصف الخالد صلى الله عليه وسلم ، والله جعلنا نتلو تلك التهم الشنيعة في صلواتنا ... لنتذكر أن الأصل في الدعوى ليس الإدعاء بل اسقاطاتها على أرض الواقع ، نقول لكل مدع قول الله وقرآنه : ( قل هاتوا برهانكم )
ولايقصد بالبرهان هنا : تتبع العورات فلكل إنسان عورات مهما كان .
البرهان المقصود : أثر فكر أي إنسان في صلاح الحال ، حاله هو وحال من يقرأ له ... فهل دعا الغزالي إلى فكر يضاد به روح الشرع أم إنه مايزال يسهم في ترسيخ العقلانية في الخطاب حين يمزج الفقه بالتصوف ... ويوكل للمنطق بعض الأحايين أمر الخلاف العقلي ، فهو يحارب بأسلحة المخالفين في وقته.
على أي حال :
ما يزال السؤال قائماً : عن عبقريته في نظرية المعرفة ( رحمه الله ) فهل من موافق أو مخالف في طريقة تفكيره ؟
أشكر حضوركم اخوتي الكرام : أجمعين .
جلال طه الجميلي
14-09-2012, 07:27 PM
ابهج الله قلبك يا بهجت وجعلك من الراشدين ..
والله الذي لا اله الا هو ردك هذا اقبله واضعه على راسي لاني اشم منه رائحة الايمان الحقيقي والاسلام الصادق ولا يصدر عن موقف سابق وتلقين مسبق ..بل فيه من النضج المعرفي والتحليل المنطقي الشىء
الكثير . اما يا اخي الحبيب اني في قولي ان الغزالي لو كان محدثا لما زاد في الحديث شىء. لان الامة متخمة بعلماء الحديث الافذاذ ولكنها فقيرة فقرا مدقعا بعلماء الكلام وان نربح عالم كلام يكاد يكون الوحيد في الامة خيرا من ان نخسر محدثا هناك نصف مليون افضل منه..
خالص ودي ..واعتذر للواحة بكل اعضائها عن الترهات التي جرنا اليها .....
عبد الرحيم بيوم
15-09-2012, 12:22 PM
نقد الرجال والكتب امر جرى عليه عمل العلماء قديما وحديثا وليس لغوا من القول ولا يشبه مسالة نعت الرسول من قبل الكفار ولا تتبع لعورات الناس
ولكنه من باب النصيحة، فكلما علا كعب الرجل في العلم، كثر القارئون له والمقتدون به فوجب البيان وتوجه النصح لذا قال الامام الذهبي في اثناء ترجمته للغزالي بعد حكايته لبعض نقد العلماء له:
"قلت:ما زال الأئمة يخالف بعضهم بعضا، ويرد هذا على هذا ولسنا ممن يذم العالم بالهوى والجهل".
وكان خاتمة ترجمته له:
"فرحم الله الإمام أبا حامد، فأين مثله في علومه وفضائله، ولكن لا ندعي عصمته من الغلط والخطأ".
والخلاف في تقييم الاشخاص غالبا ما ياخذ طرفي الجفاء او الغلو وكلاهما عن العدل بعيد
ومن بديع كلام ابن تيمية:
""الرجل العظيم في العلم والدين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى يوم القيامة أهل البيت وغيرهم قد يحصل منه نوع من الاجتهاد مقرونا بالظن ونوع من الهوى الخفي فيحصل بسبب ذلك مالا ينبغي اتباعه فيه وإن كان من أولياء الله المتقين ومثل هذا إذا وقع يصير فتنة لطائفتين طائفة تعظمه فتريد تصويب ذلك الفعل وابتاعه عليه وطائفة تذمه فتجعل ذلك قادحا في ولايته وتقواه بل في بره وكونه من أهل الجنة بل في إيمانه حتى تخرجه عن الإيمان وكلا هذين الطرفين فاسد ... ومن سلك طريق الاعتدال عظم من يستحق التعظيم وأحبه ووالاه وأعطى الحق حقه فيعظم الحق ويرحم الخلق ويعلم أن الرجل الواحد تكون له حسنان وسيئات فيحمد ويذم ويثاب ويعاقب ويحب من وجه ويبغض من وجه هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة". منهاج السنة النبوية (4/ 326و327)
فليس بالخطا بيان اخطاء الامام الغزالي وما ساقه الاخ ربيع بين واضح وعلى نسق اهل العلم، وهل نقل عن غير اهله؟ فقد رُد على من هو اعلا من الغزالي علما ومكانة
فما الاشكال؟ ولم التحامل؟
تحياتي للجميع
وحفظكم المولى
جلال طه الجميلي
16-09-2012, 02:29 PM
الاخ الفاضل .. عبد الرحيم صابر
وهل تظن انني اتعاظم الغزالي لدرجة انني انزهه عن الخطأ... معاذ الله..بل انني وقفت على جميع اخطاء الغزالي . وهو في هذا لا يختلف عن شيوخ الاسلام وعلماء الامة..ولكني لا انكر حسناته
هذا كل ما في الامر..وان نتحدث في الحسنات خيرا من ان نخوض في السيئات . اليس كذلك ام عندك رايا اخر ...
عبد الرحيم بيوم
16-09-2012, 02:35 PM
جميل وحسن كلامك ايها الكريم
مع تعليق بسيط وهو ان لا يفهم من النقد انه خوض في السيئات بل تصحيح وبيان في هذا المقام لئلا يحمل كل ما دونه الامام الغزالي على نسق واحد في معرض بيان عبقريته
فلا اشكال في النقد الهادف
وتقبل كريم تحياتي اخي جلال
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir