شريف ثابت
27-08-2006, 10:44 AM
- آلو .. مساء الخير ..
- مساء الخير يا فندم .. ( ديليشياس فوود ) مدينة نصر
مع حضرتك يا فندم .. ممكن رقم التليفون ..؟..
- ( .......)..
- حضرتك أستاذ ( ...... ) ..؟..
- مظبوط ..
- طلبات حضرتك يا فندم ..
- عاوز من فضلك اتنين ( ..... ) كومبو ، و الكولا لايت
- حضرتك تحب أى أصناف جانبية ؟ ..
- لا .. شكرا ..
يسود الصمت للحظات الا من أصوات التكتكة على لوحة
المفاتيح .. ثم :
-الحساب كده يا فندم ( .... ) و ال ( ORDER ) هايكون عند
حضرتك فى خلال 35 دقيقة ..
- متشكر جدا ..
- شرفتنا باتصالك يا فندم ..
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
تكون هذه المكالمة القصيرة بمثابة البداية لسلسلة من العمليات المتتابعة السريعة ، فيقوم الريسيفر بابلاغ المطبخ بتفاصيل ال ( ORDER ) ، و هناك يبدأ الشيف فى اعداد الطلبات من لحم أو دجاج مشوى أو بانيه أو .. أو .. ثم يقوم برصها داخل قوالب الخبز الفاخر ، و يرص فوقها طبقة من شرائح الطماطم و البصل و الخس ثم قطرات من الكيتشاب و المسطردة .. ثم يقوم قسم التعبئة بوضع الطلبات مضافا اليها أكياس البطاطس المقلية الساخنة و علب المياة الغازية CAN فى أكياس ورقية و بلاستيكية تحمل اسم و شعار المطعم ، و هنا يأتى دورى ..
أقوم بوضع هذه الطلبات فى الصندوق الملحق بدراجتى البخارية – مملوكة للمطعم بالطبع – وأثبت خوذة القيادة على رأسى ، و أنطلق بالدراجة عبر شوارع مدينة نصر حتى أصل للعنوان المطبوع على ال ORDER الذى تسلمته فأوقف الدراجة فى مكان مناسب ، و أصعد الى منزل العميل حاملا الطلبات ، فأسلمه اياها و ينقدنى ثمنها مضافا اليه فى كثير من الأحيان بقشيشا مكونا من جنيه أو اثنين أو ثلاثة حسب كل عميل ..
عمل بسيط فعلا .. أنا أوافقك ، و لكنه مرهق حقا .. تخيل أن تظل تقطع شوارع المدينة على متن دراجة بخارية يوميا من الساعة الخامسة عصرا و حتى الثالثة صباحا بلا توقف فى أغلب الأيام حتى أننى أفكر أحيانا أن هؤلاء القوم ( سكان هذا الحى ) لا يطهون طعاما فى بيوتهم .. أسكن فى حى ( السيدة زينب ) و أصل الى مقر الفرع مستقلا الميكروباص فى تمام الخامسة الا الربع حيث أستبدل ثيابى بالزى المميز للمطعم ( بنطال أسود و قميص تى شيرت أحمر عريض الياقة و مثبت على صدره بطاقة تحمل اسمى و اسم المطعم و شعاره ) و أتسلم الدراجة البخارية من زميلى صاحب الوردية السابقة ، و أبدأ العمل ...
يجب أن أعترف هنا أننى أعشق ركوب الدراجات البخارية منذ طفولتى ، منذ كان والدى – رحمه الله – يأخذنى خلفه على صهوة دراجته ( الفسبا ) و ينطلق بى فأشعر بالهواء المندفع يتخلل ثيابى و روحى ذاتها فأضحك من أعماقى و أتشبت بجسد أبى بقوة أكبر و كأننى أضمه الىّ .. و كبرت و كبر معى هذا العشق ، و أصبحت قادرا على الانطلاق ب ( الفسبا ) بمفردى فكنت أطلق العنان لمحركها وأنطلق بها بأقصى سرعة مناورا المارة و السيارات ببراعة فطرية – و لا فخر – حتى أطلق على أصدقائى و أبناء حارتى ذلك اللقب الذى صار مقرونا دوما باسمى : الطيار ..
و كم كانت سعادتى و دهشتى عندما علمت أن العمل الذى تمكن والدى من تدبيره لى – بوساطة من عضو سابق بمجلس الشعب كان أبى قد عمل سائقا خاصا لديه لفترة طويلة - هو عامل توصيل الطلبات للمنازل ( Delivery BOY ) باحدى فروع سلسلة مطاعم وجبات سريعة حاصلة على حق استغلال العلامة التجارية المميزة لمطاعم أمريكية شهيرة - يطلقون على عامل التوصيل فى أوساط العمل لقب ( الطيار ) أيضا - و كان هذا يعنى – الى جانب الدخل الجيد – أن أعمل على دراجة بخارية حديثة و هو ما كان مبشرا لى بمتعة لا توصف .. وقد كان ..
و بالرغم من ضغط العمل فى أحيان كثيرة ، الا أننى لم أكن أعدم لحظات أو دقائق أطلق فيها العنان لمحرك الدراجة و أنطلق لأسابق الريح فى شوارع مثل ( الطيران ) أو (عباس العقاد ) أو الحى العاشر وذلك بعد منتصف الليل .. عجلات الدراجة تنهب الأرض بسرعة جنونية .. الهواء البارد يصفع وجهى وجسدى ..أضواء المحال الباهرة تتتابع وتتوالىعن يمينى و يسارى بسرعة مذهلة .. كنت حينها أشعر و كأن جناحين ينبتان على جانبىّ لأكاد أحلق بهما فى عنان السماء المخملية السوداء المرصعة بالنجوم المتألقة.. وأكثر من مرة استفزت سرعتى العالية شاب يقود سيارته الفارهة بصحبة حسناء أو ثلة من الشباب أو كلاهما معا فدخل مع فى سباق جنونىمرعب نعبر خلاله الشارع كرصاصتين ، و هنا كان دور العقل يتراجع ولاأفكر فى شئ الا تلقين هذا الفتى المدلل " بتاع بابى و مامى " درسا لا ينساه ، و أن حصوله على مثل هذه السيارة " بفلوس بابى و مامى " لايعنى أنه قائد جيد لها .. و بالفعل كنت أفوز دائما و أضحك بتشف من قلبى لنجاحى فى كسر عينه ..
حقد طبقى ..؟ ..ممكن .. لكننى يا سيدى نشأت فى بيئة متواضعة الحال و " طفح أبى الكوتة " لتربيتنا و تعليمنا
-أنا حاصل على بكالوريوس خدمة اجتماعية بالمناسبة - لذا أعرف جيدا قيمة القرش ، و عندما بدأت العمل فى مطاعم ( أمريكان ديليشياس فوود ) وجدت طبقة من الناس – أنت منهم بالتأكيد – تنفق المال بغير حساب .. ثياب نظيفة على أحدث موضة ، وجوه ناعمة وسيمة ، و أفواه ضاحكة ( و أرانب متستفة ) ، و أعين ناعسة ، و نظرات صافية خالية من الهموم ، تختلف عن النظرات التى تعودت رؤيتها فى أعين الناس فى عالمى .. هل تصدق هذا ..؟ .. اننى بالفعل عندما يهبط بى الميكروباص كوبرى القلعة و يغادرمنطقة المقابر مخترقا " المجال الجوى " لمدينة نصر أشعر أننى انتقلت الى عالم آخر .. تلوح لى من بعيد البنايات الشاهقة التى تقترب منى بسرعة 90 كم / الساعة ( هى سرعة الميكروباص طبعا ) حتى تبتلعنى تماما فى قلبها .. و و أسرى بين الشوارع الواسعة المحفوفة بالأشجار، و تبدأ السيارات الفاخرة فى الظهور .. مولات .. سينيمات .. كوفيهات ..أولاد شيك .. بنات أمامير .. مفردات عالم مختلف تماما عن عالمى حيث أعيش .. حيث الشوارع الضيقة القذرة ، و البيوت القديمة المتهالكة ، والحديثة ذات الواجهات المنفرة الخالية من الذوق و التى خط على أغلبها بالطبشور : " فلان الفلانى حج و زار قبر الرسول – صلى الله عليه و سلم – " و الوجوه السمراء الممصوصة ذات الأعين الغائرة .. و.. و.. فلا تتوقع منى يا سيدى أن أتعاطف مع سكان العالم الآخر و الذين يدفع الواحد منهم فى وجبة عشاء واحدة ما يكفى لاطعامى و زوجتى و طفلتى لثلاثة أيام كاملة..
زوجتى و طفلتى ..؟.. ألم أذكرهما طيلةالثرثرة السابقة ..؟ .. نعم ..أنا متزوج منذ عام و نصف تقريبا من ( مها ) ابنة خالتى ، و نعيش فى شقة أبواى الراحلين فى ( بركة الفيل ) – خضت معارك ضارية مع اخوتى لأتمكن من الزواج فى " بيت العيلة " – و رزقنى الله منذ عدة أشهر ب( منة الله ) التى كانت فعلا – ككل شئ - منة من الله وصارت النور الذى يضئ حياتينا أنا و(مها ) ..
و لك يا سيدى أن تتخيل حالى و أنا عائد من عملى ليلة الجمعة – يوم راحتى – و قد هدنى التعب ، أصارع النعاس بشراسة على مقعدى بالميكروباص ، ثم أسير من الموقف حتى منزلى ملقيا التحية على عشرات الأصدقاء و المعارف الساهرين على المقاهى حتى هذه الساعة المتأخرة من الليل .. هذا الحال يتبدل تماما عندما أدخل المنزل لأجد زوجتى الساهرة بانتظارى تهرع لاستقبالى .. ترتمى بين ذراعى و أضمها باشتياق ، ثم نذهب متشابكى الأيدى لنداعب الطفلة الراقدة فى مهدها تقرقر فى مرح .. و ما بين مرح و براءة الطفلة و ابتسامة زوجتى الحنون ، يذوب كيانى تماما يضيع تعب و ارهاق اليوم كله .. أغتسل و أتعشى مع زوجتى التى ما أن ننتهى حتى تنهض لترفع الأطباق و أظل أنا ألاعب الطفلة .. ترمقنى زوجتى بنظرة خاصة وهى تمر بنا مستبقة اياى الى غرفة النوم ، و أتلقى أنا الرسالة الصامتة على الفور لأبدأ فى هدهدة الطفلة حتى تنام كيلا أتأخر على أمها ..ساعات جميلة أقضيها ما بين اشباع عواطف الأب و عواطف الزوج كانت تطيب من آثار عواصف الحياة وتشعرنى أن الحياة جميلة حقا و تستحق أن نعيشها ..
_ _ _ _ _ _ _ _ _
ولكن الحياة لا تمضى دوما على نفس الوتيرة ، و لكل شئ بداية ..
و كانت المشاكل قد أوقفت سيارتها أسفل بيتى ، و صعدت الدرج ، و هاهى تطرق بابى بحزم و ثقة ..
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _
نهاية الحلقة الأولى
- مساء الخير يا فندم .. ( ديليشياس فوود ) مدينة نصر
مع حضرتك يا فندم .. ممكن رقم التليفون ..؟..
- ( .......)..
- حضرتك أستاذ ( ...... ) ..؟..
- مظبوط ..
- طلبات حضرتك يا فندم ..
- عاوز من فضلك اتنين ( ..... ) كومبو ، و الكولا لايت
- حضرتك تحب أى أصناف جانبية ؟ ..
- لا .. شكرا ..
يسود الصمت للحظات الا من أصوات التكتكة على لوحة
المفاتيح .. ثم :
-الحساب كده يا فندم ( .... ) و ال ( ORDER ) هايكون عند
حضرتك فى خلال 35 دقيقة ..
- متشكر جدا ..
- شرفتنا باتصالك يا فندم ..
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
تكون هذه المكالمة القصيرة بمثابة البداية لسلسلة من العمليات المتتابعة السريعة ، فيقوم الريسيفر بابلاغ المطبخ بتفاصيل ال ( ORDER ) ، و هناك يبدأ الشيف فى اعداد الطلبات من لحم أو دجاج مشوى أو بانيه أو .. أو .. ثم يقوم برصها داخل قوالب الخبز الفاخر ، و يرص فوقها طبقة من شرائح الطماطم و البصل و الخس ثم قطرات من الكيتشاب و المسطردة .. ثم يقوم قسم التعبئة بوضع الطلبات مضافا اليها أكياس البطاطس المقلية الساخنة و علب المياة الغازية CAN فى أكياس ورقية و بلاستيكية تحمل اسم و شعار المطعم ، و هنا يأتى دورى ..
أقوم بوضع هذه الطلبات فى الصندوق الملحق بدراجتى البخارية – مملوكة للمطعم بالطبع – وأثبت خوذة القيادة على رأسى ، و أنطلق بالدراجة عبر شوارع مدينة نصر حتى أصل للعنوان المطبوع على ال ORDER الذى تسلمته فأوقف الدراجة فى مكان مناسب ، و أصعد الى منزل العميل حاملا الطلبات ، فأسلمه اياها و ينقدنى ثمنها مضافا اليه فى كثير من الأحيان بقشيشا مكونا من جنيه أو اثنين أو ثلاثة حسب كل عميل ..
عمل بسيط فعلا .. أنا أوافقك ، و لكنه مرهق حقا .. تخيل أن تظل تقطع شوارع المدينة على متن دراجة بخارية يوميا من الساعة الخامسة عصرا و حتى الثالثة صباحا بلا توقف فى أغلب الأيام حتى أننى أفكر أحيانا أن هؤلاء القوم ( سكان هذا الحى ) لا يطهون طعاما فى بيوتهم .. أسكن فى حى ( السيدة زينب ) و أصل الى مقر الفرع مستقلا الميكروباص فى تمام الخامسة الا الربع حيث أستبدل ثيابى بالزى المميز للمطعم ( بنطال أسود و قميص تى شيرت أحمر عريض الياقة و مثبت على صدره بطاقة تحمل اسمى و اسم المطعم و شعاره ) و أتسلم الدراجة البخارية من زميلى صاحب الوردية السابقة ، و أبدأ العمل ...
يجب أن أعترف هنا أننى أعشق ركوب الدراجات البخارية منذ طفولتى ، منذ كان والدى – رحمه الله – يأخذنى خلفه على صهوة دراجته ( الفسبا ) و ينطلق بى فأشعر بالهواء المندفع يتخلل ثيابى و روحى ذاتها فأضحك من أعماقى و أتشبت بجسد أبى بقوة أكبر و كأننى أضمه الىّ .. و كبرت و كبر معى هذا العشق ، و أصبحت قادرا على الانطلاق ب ( الفسبا ) بمفردى فكنت أطلق العنان لمحركها وأنطلق بها بأقصى سرعة مناورا المارة و السيارات ببراعة فطرية – و لا فخر – حتى أطلق على أصدقائى و أبناء حارتى ذلك اللقب الذى صار مقرونا دوما باسمى : الطيار ..
و كم كانت سعادتى و دهشتى عندما علمت أن العمل الذى تمكن والدى من تدبيره لى – بوساطة من عضو سابق بمجلس الشعب كان أبى قد عمل سائقا خاصا لديه لفترة طويلة - هو عامل توصيل الطلبات للمنازل ( Delivery BOY ) باحدى فروع سلسلة مطاعم وجبات سريعة حاصلة على حق استغلال العلامة التجارية المميزة لمطاعم أمريكية شهيرة - يطلقون على عامل التوصيل فى أوساط العمل لقب ( الطيار ) أيضا - و كان هذا يعنى – الى جانب الدخل الجيد – أن أعمل على دراجة بخارية حديثة و هو ما كان مبشرا لى بمتعة لا توصف .. وقد كان ..
و بالرغم من ضغط العمل فى أحيان كثيرة ، الا أننى لم أكن أعدم لحظات أو دقائق أطلق فيها العنان لمحرك الدراجة و أنطلق لأسابق الريح فى شوارع مثل ( الطيران ) أو (عباس العقاد ) أو الحى العاشر وذلك بعد منتصف الليل .. عجلات الدراجة تنهب الأرض بسرعة جنونية .. الهواء البارد يصفع وجهى وجسدى ..أضواء المحال الباهرة تتتابع وتتوالىعن يمينى و يسارى بسرعة مذهلة .. كنت حينها أشعر و كأن جناحين ينبتان على جانبىّ لأكاد أحلق بهما فى عنان السماء المخملية السوداء المرصعة بالنجوم المتألقة.. وأكثر من مرة استفزت سرعتى العالية شاب يقود سيارته الفارهة بصحبة حسناء أو ثلة من الشباب أو كلاهما معا فدخل مع فى سباق جنونىمرعب نعبر خلاله الشارع كرصاصتين ، و هنا كان دور العقل يتراجع ولاأفكر فى شئ الا تلقين هذا الفتى المدلل " بتاع بابى و مامى " درسا لا ينساه ، و أن حصوله على مثل هذه السيارة " بفلوس بابى و مامى " لايعنى أنه قائد جيد لها .. و بالفعل كنت أفوز دائما و أضحك بتشف من قلبى لنجاحى فى كسر عينه ..
حقد طبقى ..؟ ..ممكن .. لكننى يا سيدى نشأت فى بيئة متواضعة الحال و " طفح أبى الكوتة " لتربيتنا و تعليمنا
-أنا حاصل على بكالوريوس خدمة اجتماعية بالمناسبة - لذا أعرف جيدا قيمة القرش ، و عندما بدأت العمل فى مطاعم ( أمريكان ديليشياس فوود ) وجدت طبقة من الناس – أنت منهم بالتأكيد – تنفق المال بغير حساب .. ثياب نظيفة على أحدث موضة ، وجوه ناعمة وسيمة ، و أفواه ضاحكة ( و أرانب متستفة ) ، و أعين ناعسة ، و نظرات صافية خالية من الهموم ، تختلف عن النظرات التى تعودت رؤيتها فى أعين الناس فى عالمى .. هل تصدق هذا ..؟ .. اننى بالفعل عندما يهبط بى الميكروباص كوبرى القلعة و يغادرمنطقة المقابر مخترقا " المجال الجوى " لمدينة نصر أشعر أننى انتقلت الى عالم آخر .. تلوح لى من بعيد البنايات الشاهقة التى تقترب منى بسرعة 90 كم / الساعة ( هى سرعة الميكروباص طبعا ) حتى تبتلعنى تماما فى قلبها .. و و أسرى بين الشوارع الواسعة المحفوفة بالأشجار، و تبدأ السيارات الفاخرة فى الظهور .. مولات .. سينيمات .. كوفيهات ..أولاد شيك .. بنات أمامير .. مفردات عالم مختلف تماما عن عالمى حيث أعيش .. حيث الشوارع الضيقة القذرة ، و البيوت القديمة المتهالكة ، والحديثة ذات الواجهات المنفرة الخالية من الذوق و التى خط على أغلبها بالطبشور : " فلان الفلانى حج و زار قبر الرسول – صلى الله عليه و سلم – " و الوجوه السمراء الممصوصة ذات الأعين الغائرة .. و.. و.. فلا تتوقع منى يا سيدى أن أتعاطف مع سكان العالم الآخر و الذين يدفع الواحد منهم فى وجبة عشاء واحدة ما يكفى لاطعامى و زوجتى و طفلتى لثلاثة أيام كاملة..
زوجتى و طفلتى ..؟.. ألم أذكرهما طيلةالثرثرة السابقة ..؟ .. نعم ..أنا متزوج منذ عام و نصف تقريبا من ( مها ) ابنة خالتى ، و نعيش فى شقة أبواى الراحلين فى ( بركة الفيل ) – خضت معارك ضارية مع اخوتى لأتمكن من الزواج فى " بيت العيلة " – و رزقنى الله منذ عدة أشهر ب( منة الله ) التى كانت فعلا – ككل شئ - منة من الله وصارت النور الذى يضئ حياتينا أنا و(مها ) ..
و لك يا سيدى أن تتخيل حالى و أنا عائد من عملى ليلة الجمعة – يوم راحتى – و قد هدنى التعب ، أصارع النعاس بشراسة على مقعدى بالميكروباص ، ثم أسير من الموقف حتى منزلى ملقيا التحية على عشرات الأصدقاء و المعارف الساهرين على المقاهى حتى هذه الساعة المتأخرة من الليل .. هذا الحال يتبدل تماما عندما أدخل المنزل لأجد زوجتى الساهرة بانتظارى تهرع لاستقبالى .. ترتمى بين ذراعى و أضمها باشتياق ، ثم نذهب متشابكى الأيدى لنداعب الطفلة الراقدة فى مهدها تقرقر فى مرح .. و ما بين مرح و براءة الطفلة و ابتسامة زوجتى الحنون ، يذوب كيانى تماما يضيع تعب و ارهاق اليوم كله .. أغتسل و أتعشى مع زوجتى التى ما أن ننتهى حتى تنهض لترفع الأطباق و أظل أنا ألاعب الطفلة .. ترمقنى زوجتى بنظرة خاصة وهى تمر بنا مستبقة اياى الى غرفة النوم ، و أتلقى أنا الرسالة الصامتة على الفور لأبدأ فى هدهدة الطفلة حتى تنام كيلا أتأخر على أمها ..ساعات جميلة أقضيها ما بين اشباع عواطف الأب و عواطف الزوج كانت تطيب من آثار عواصف الحياة وتشعرنى أن الحياة جميلة حقا و تستحق أن نعيشها ..
_ _ _ _ _ _ _ _ _
ولكن الحياة لا تمضى دوما على نفس الوتيرة ، و لكل شئ بداية ..
و كانت المشاكل قد أوقفت سيارتها أسفل بيتى ، و صعدت الدرج ، و هاهى تطرق بابى بحزم و ثقة ..
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _
نهاية الحلقة الأولى