تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : نجيب محفوظ الأديب العربي الراحل(ماله وما عليه )



زاهية
31-08-2006, 06:54 PM
ليت أنا نقوم بدراسة هنا في الواحة عن أدب الراحل نجيب محفوظ ونذكر ماله وما عليه فقد أصبح الآن في ذمة الله وليتفضل من يشاء أن يدلي بدلوه في هذا الموضوع الهام فقد كثرماقيل فيه
بانتظار المشاركات النزيهة بموضوعية وسوف أعمل على جمع ماقيل فيه من مختلف الآراء
أختكم
بنت البحر

زاهية
31-08-2006, 06:59 PM
القاهرة فى 30 أغسطس / بنا / نعت جامعة الدول العربية الاديب نجيب محفوظ الذى وافته المنية صباح اليوم الاربعاء عن عمر ناهز 95 عاما بعد صراع طويل مع المرض.
وذكرت الجامعة العربية فى بيان لها اليوم أن مصر والامة العربية بل والعالم كله فقد معلما بارزا من معالم الثقافة العربية المعاصرة الكاتب والاديب المبدع الاستاذ نجيب محفوظ الذى أثرى وجدان الامة بالعديد من الاعمال الادبية الكبيرة التى كان لها صداها الفاعل على المستوى العالمى.
وأضافت الجامعة أن الاديب الراحل قام بدور بارز فى تأكيد وحضور الثقافة العربية خارج الاطار الوطنى والاقليمى ومن ثم حاز باستحقاق وتقدير على جائزة نوبل فى الاداب عام 1988م.

زاهية
31-08-2006, 07:02 PM
1- كان معلما بارزا من معالم الثقافة العربية المعاصرة

2-نجيب محفوظ الذى أثرى وجدان الامة بالعديد من الاعمال الادبية الكبيرة التى كان لها صداها الفاعل على المستوى العالمى

3-قام بدور بارز فى تأكيد وحضور الثقافة العربية خارج الاطار الوطنى والاقليمى

4-حاز باستحقاق وتقدير على جائزة نوبل فى الاداب عام 1988م.

هذه النقاط الأربع منها ننطلق في بحثنا حول حياة الراحل نجيب محفوظ سلبًا وإيجابًا

زاهية
01-09-2006, 12:26 AM
يبدو أن الموضوع لم يشد أحدًا من مثقفي الواحة ..دعوني إذن أبدأ بما بدأبه أحد المستعرضين لقصة الكاتب المبدع الراحل نجيب محفوظ (أولاد حارتنا التي نال عليها وعلى ثلاثيته)جائزة نوبل عام 1982
يقول الكلتب :
وأولاد حارتنا هى الرواية سيئة الذكر للكاتب الأشهر وصاحب نوبل الوحيد بالعالم العربى فى هذا المجال والذى كان من حيثيات حصوله على هذه الجائزة تلك الرواية إضافة إلى ثلاثيته الشهيرة والتى قرأتها قديما على مضض السكرية ، قصر الشوق ، بين القصرين ، كاتبها هداه الله بلغ من العمر أرذله هو الآن فى الرابعة والتسعين وصدق الله ( ومن نعمره ننكسه فى الخلق أفلا يعقلون ) ولا أشد مما يحدث منه وله من تنكيس ومذلة ، فعلى الرغم من خطواته المعدودة فى عالمنا لا زال شيطانه حاضرا وبقوة فجعله يبحث عن سوء الخاتمة بكل ما أوتى من قوة ، ولقد قرأت كثيرا فما رأيت جرأة ولا ضلال فى عمل روائى مثلما رأيت فى روايته تلك ، حتى سلمان رشدى وروايته الملعونة مثله آيات شيطانية لم يتفتق ذهنه عن هذا الكم من الإسفاف والإلحاد المبنى على رمز واسقاطات لا مجال معها فى حسن النية أو اللبس وسوء الظن
وسأحاول جاهدا أن أعرض للرواية خاصة أن صاحبها قرر منح دار الشروق حق طباعتها وبالفعل قامت دار الهلال هى الأخرى بطباعة أعداد منها وكان من شروط محفوظ على اعادة طبعها موافقة الأزهر عليها وثانيا أن يقدم للرواية شخصية قريبة من الإخوان المسلمين وأحسبه يمزح أو أصابه الخبل حين يطلب ما طلب
وفيما يلى الأسماء التى استعملها الكاتب فى روايته وأرجو من القراء الأفاضل ملاحظة دلالات الرموز
1- الجبلاوى : يقصد به الله عزوجل
2- البيت الكبير : الجنة
3- الحارة : العالم أو الكون
4- أدهم : آدم عليه السلام (والاسمان يفصل بينهما حرف)
5- إدريس : إبليس (والاسمان لهما نفس الإيقاع)
6- عباس : هو من أبناء الجبلاوى ويرمز للملائكة
7- رضوان : حارس الجنة
8- جليل : هو جبريل عليه السلام وإن كان سيأتى بعد ذلك باسم آخر وهو قنديل
9- أميمة : وهى حواء واشتقاق الاسم من أم يشير إلى إنها أم البشر
10- قدرى : قابيل
11- همام : هابيل وهما ابنى آدم والقاف فى (قدرى) والهاء فى (همام)للرمز لاسميهما
12- جبل : وهو موسى عليه السلام وفى الاسم اشارة إلى جبل الطور حيث كلمه ربه عزوجل
13- الأفندى : فرعون
14- السيدة هدى : السيدة آسيا زوجة فرعون وهدى كناية عن هدايتها
15- زقلط : هامان
16- عم حمدان : كبير بنى إسرائيل
17- أهل حمدان : بنو اسرائيل
18- قدرة : الذى وكزه موسى فقضى عليه
19- دعبس : الذى استغاث موسى واستصرخه مرتين
20- ضلمه : الذى جاء من أقصى المدينة يسعى
21- البلقيطى : شعيب عليه السلام
22- شفيقة : بنت شعيب التى سقى لها موسى
23- سيدة : أختها

24- عبده : مريم

25- شافعى : يوسف النجار
26- رفاعة : عيسى (لأن الله رفعه إليه)
27- زنفل : هيردوس الذى كان يقتل الأطفال ببيت لحم عندما ولد المسيح
28- خنفس : الحاكم المعاصر للمسيح

29- قاسم : سيدنا محمد ، وفى الإسم إشارة واضحة إلى كنيته ( أبى القاسم )
30- زكريا ( بائع البطاطا ) : أبوطالب عم النبى الذى كفله ( فى الاسم تشبيه بالنبى زكريا الذى كفل مريم )
31- حسن : سيدنا على رضى الله عنه وفى الاسم اشارة إلى كنيته رضى الله عنه بأبى الحسن
32- يحيى : ورقة بن نوفل
33- السيدة قمر : السيدة خديجة
34- صادق : سيدنا أبوبكر الصديق
35- سكينة خادمة قمر : نفيسة صديقة خديجة
36- قنديل ( خادم الجبلاوى ورسوله إلى قاسم ) جبريل عليه السلام
37- بدرية : أخت صادق ( السيدة عائشة رضى الله عنها ولعل فى الاسم إشارة إلى جمالها ونضجها كالبدر )
38- عرفة ( الساحر الذى تسبب فى موت الجبلاوى ) : الشيوعى الملحد الذى ينكر وجود الله تعالى وهو رمز أساسى للإيذان بانتهاء عصر الدين فى زعم المؤلف فعرفه هو نفسه العلم المادى
39- كراسة عرفة ( المدون بها علم السحر ) : أسرار العلم الحديث الذى يمثل الإنقاذ والخلاص الوحيد للبشرية حسب زعم الرواية
ذبعض الأحداث الرمزية فى الرواية
1- تمرد ادريس وطرده من بيت الجبلاوى : تمرد إبليس وطرده من الجنة
2- طرد أدهم وأميمة بعد ذلك من بيت الجبلاوى إلى الصحراء : إخراج آدم وحواء من الجنة إلى الأرض حيث الكد والتعب
3- عصيان أدهم لأوامر الجبلاوى بعدم الإقتراب من الكتاب السرى : عصيان آدم لنهى الله له عن الإقتراب من الشجرة
4- الكتاب السرى : اللوح المحفوظ
5- الشروط العشرة فى الكتاب السرى : الوصايا العشر فى التوراة
6- قتل قدرى لهمام : قتل قابيل لهابيل
7- لقاء جبل بالجبلاوى فى الظلام فى صحراء المقطم : تكليم الله تعالى لسيدنا موسى عليه السلام فى طور سيناء
8- ياسمين البغى التى دافع عنها رفاعة ثم خانته وسلمته إلى الأعداء : شخصية رمزية مركبة ما بين مريم المجدلية ويهوذا الذى خان المسيح عليه السلام
9- العشاء الذى تناوله رفاعة مع ياسمين وزكى وكريم وعلى وحسين : العشاء الأخير للسيد المسيح مع حوارييه
10- حارة الجرابيع : مكة حيث نشأ رسول الله ( وفى الاسم اشارة إلى حالة أهل الرسول من الفقر وإن كان هذا حتى مع كونه رمزا مرفوضا ولا يبرر سوء الأدب فى اختيار الاسم
11- الجرابيع : أهل الرسول وأتباعه
------

يتبع بإذن الله

زاهية
01-09-2006, 12:29 AM
وقبل الخوض فى الرواية أعطيكم نبذة مختصرة عن الجو الذى كتب فيه ما كتب والضلال الذى ترمى إليه الرواية

تكمن خطورة هذه الرواية فيما يلى

1- تعرضها لشئون الدين تعرضا لا يليق بالله ورسله فقد جعل فيها رموزا لله وصور أنبيائه فى رموز أخرى لا تليق بهم ( لست ضد استخدام اللغة الرمزية بأى حال لكن ليس بتلك الصورة البشعة )


2- الرواية جعلت من الشيوعية الماركسية والإشتراكية العلمية بديلا للدين الذى أنزله الله وقد رأى فى قصته أن الدين قد أصابه البلى وخارت قواه ( ولا ينسين أحد أن هذه القصة بالذات كانت على رأس الحيثيات التى منحت كاتبها (جائزة نوبل ) وقد اعتبروها قصة غير عادية وقد صرحوا بذلك كما جاء فى الخطاب الذى ألقاه سكرتير لجنة الجائزة فى حفل تسليمها باستوكهولم والذى أشار فى هذا الخطاب وهو يمدح المؤلف ويطريه مشيرا إلى ما تضمنته القصة من ( موت الإله ) وهذا هو الاسم الذى تطبع به الرواية وتباع به فى الغرب فحنانيك يا ابن الأرض فصدقنى يا صاحبى أنت عندى أسمى من نجيب ذاته



مع نجيب وأصداء سيرته


سئل نجيب محفوظ الذى يدافع البعض عنه هنا : ( هل كان لسلامة موسى أثر قوى فى تكوينك الفكرى كما يذهب بعض الباحثين ) ؟

أجاب – نعم كان لسلامة موسى أثر قوى فى تفكيرى فقد وجهنى إلى شيئين مهمين هما العلم والإشتراكية ومنذ دخلا مخى لم يخرجا منه إلى الآن وكان الأديب الوحيد الذى قبل أن يقرأ رواياتى الأولى وهى مخطوطة وقال لى أن عندى استعدادا لكنها روايات غير صالحة للنشر ثم قرأ الرابعة وكانت ( عبث الأقدار ) وأعجبته ونشرها كاملة فى المجلة الجديدة

وإليك القاريء ما تعنيه الإشتراكية العلمية التى غرسها سلامة موسى فى عقل نجيب فهذه الإشتراكية أو الماركسية المادية تناقض الإسلام كل التناقض وقد كان سلامة موسى ملحدا وعلمانيا باعترافه لا تلين له قناة وكان من أوائل ما نشره كتاب مليء بالكفريات بعنوان ( نشوء فكرة الله )

فى أواخر الخمسينات كانت مرحلة الكتابة الفلسفية عند محفوظ فى قمة تبلورها وكان من افراز تلك الفترة القلقة فى حياته هذه الرواية التعسة

فما هى الحارة ومن هم الأولاد ؟ هذا ما سأعرضه هنا وفى النهاية أنتظر تعقيب من قرأ الرواية بكل موضوعية فأنا سأحترم أى رد مخالف لرأيى فى حالة إذا كان صاحبه قرأ الرواية حقا وعنده أدلة تفحم ما جئت به ولم يعتمد على ثقافة الجرائد فقط ، كما أننى أهيب بكل من يقرأها أن يتجرد ولا تأخذه العزة بالإثم إن وجد أنه كان على خطأ فليقر بذلك دون مزح أو هذر فالأمر هنا مختلف إنه أمر عقيدة



تبدأ الرواية بمقدمة يقول فيها الكاتب : هذه حكاية حارتنا أو حكايات حارتنا لم أشهد أنا من واقعها إلا طوره الأخير ولكنى سجلتها جميعا كما يرويها الرواة وما أكثرهم وكما نقلتها الأجيال .. وهذه حكايات تروى فى ألف مناسبة فكلما ضاق بأحد حاله أو ناء بظلم سوء معاملة أشار إلى البيت الكبير على رأس الحارة من ناحيتها المتصلة بالصحراء وقال فى حسرة : ( هذا بيت جدنا جميعنا من صلبه ونحن مستحقو أوقافه فلماذا نجوع وكيف نضام ) ؟

ثم تقص هذه الحكاياتا قصص أبطال حارتنا العظام : أدهم وجبل ورفاعة وقاسم . جدنا هذا لغز من الألغاز عمر فوق ما يطمع الإنسان أو يتصور حتى ضرب المثل بطول عمره واعتزل فى بيته لكبره منذ عهد بعيد فلم يره منذ اعتزاله أحد وكان يدعى الجبلاوى وباسمه سميت حارتنا وهو صاحب أوقافها وكل قائم فوق أرضها والأقطار المحيطة بها فى الخلاء . ثم جاء زمان فتناولته قلة من الناس بكلام لا يليق بقدره ومكانته وكم دفعنى ذلك إلى الطواف ببيته الكبير لعلى أفوز بنظرة منه دون جدوى . أليس من المحزن أن يكون لنا جد مثل هذا الجد دون أن نراه أو يرانا .. إن أحدا لم يره منذ اعتزاله ولم يكن ذلك بذى بال عند أكثر الناس فلم يهتموا إلا بأوقافه وبشروطه العشرة . ومن هنا نشب النزاع فى حارتنا منذ ولدت ومضى خطره يستفحل بتعاقب الأجيال حتى يوم الغد


أدهم ( آدم عليه السلام )



كان مكان حارتنا خلاء فهو امتداد لصحراء المقطم الذى يربض فى الأفق ولم يكن فى الخلاء من قائم إلا البيت الكبير الذى شيده الجبلاوى كأنما ليحتوى به الخوف والوحشة وقطاع الطريق

وذات يوم استدعى سيد البيت أبناءه إلى حجرة الجلوس بالطابق السفلى وجاء أبناؤه جميعا : ادريس وعباس ورضوان وجليل وأدهم مرتدين حللهم الحريرية . ويخبرهم أنه رأى من الأفضل أن يعهد بإدارة الوقف إلى شخص غيره . وظن الجميع أنه سيعهد بها إلى إدريس ابنه الأكبر ولم يشك أحد فى ذلك . ولكن المفاجأة أن الجبلاوى يختار أدهم بدلا من ادريس ويثور ادريس ويحتج بأنه أكبرهم ولكن الأب يؤكد له أن اختياره لصالح الجميع

ويقول ادريس : إننى واخوتى أبناء هانم خيرة النساء أما هذا فابن جارية سوداء . ويرد الجبلاوى بعد أن يأمر ادريس بالتزام الأدب بأن أدهم يعرف المستأجرين ومعظم أسماءهم وعلى علم بالكتابة والحساب . وتثور ثائرة ادريس وينفجر قائلا : أى نوع من الآباء أنت ؟ خلقت فتوة جبارا فلم تعرف إلا أن تكون فتوة جبارا ونحن أبناؤك تعاملنا كما تعامل ضحاياك العديدين .. والحق أنه لم يبد من الأب قبل هذا اليوم ما ينم عن التحيز فى معاملته لأبنائه

حتى إدريس على قوته وجماله واسرافه أحيانا فى اللهو لم يسء قبل ذلك اليوم إلى أحد من إخوته كان شابا كريما حلو المعشر

وينتهى الموقف بطرد ادريس (ابليس) من البيت بينما يتولى أدهم إدارة الوقف ويتعلق قلب أدهم بفتاة فى البيت الكبير هى أميمة ويتم زواجهما . أما أدريس فيدخل فى حالة شبه دائمة من السكر والعربدة على مقربة من البيت الكبير ويرسل لعناته فى الهواء ويفاجأ ادريس أدهم بزيارته أثناء عمله ويطلب منه أن يسدى إليه معروفا وهو أن يطلع على ما دونه الأب الجبلاوى فى الكتاب السرى ثم يخبر إدريس إن كان له نصيب فى الوصية أم لا ؟ حتى يعرف مستقبله ويظل إدريس يغرى أدهم مظهرا له الود وصدق النية والإخلاص ويستعطفه ولكن أدهم يستنكر أن يقوم بعمل مثل ذلك لأن الجبلاوى حرم على الجميع أن يقتربوا من الحجرة الصغيرة التى تحتوى على الكتاب السرى والملحقة بغرفة نومه .

ولكن أميمة تعلم بالأمر وتظل تحرض زوجها أن يفعل ذلك وتزينه له باعتباره لن يضر أحدا بينما سينتفع به ادريس فيعلم ماذا ينتظره وسيعلم كذلك أدهم وأميمة ماذا سيكون نصيبهما . ويظل أدهم فريسة للتردد .. إلى أن يقدم على هذا الأمر وينتهز فرصة عدم وجود أبيه ويتسلل إلى الحجرة الصغيرة الداخلية بينما تنتظره أميمة بالمصباح فى الخارج وقبل أن يتمكن أدهم من قراءة محتوى الكتاب السرى يفاجئه أبوه ويمسك به متلبسا ويعرف منه أن إدريس هو الذى أغراه بارتكاب هذا الخطأ وينفتح باب هذا البيت الكبير ولكن هذه المرة لكى يكون الطرد من النعيم إلى الشقاء الخارجى من نصيب أدهم وأميمة ( آدم وحواء)


ويقيم أدهم وأميمة كوخ صغير خارج البيت الكبير وإلى جواره كوخ مماثل شيده ادريس لنفسه عند طرده وعاش فيه مع زوجته . ويفطن أدهم أن اغراء ادريس له كان مكيدة لكى يطرد هو الآخر من البيت ويكونا سواءا بعد أن فضله الجبلاوى عليه ويسعى أدهم لكسب قوته وقوت أسرته على عربة يد يبيع فيها الخيار وأصبح له ابنان قدرى وهمام . وكأن قدرى ورث عن عمه ادريس صفاته الذميمة بينما يتصف همام بالصفات الطيبة وتتكرر المأساة حينما يرسل الجبلاوى أحد خدمه إلى بيت أدهم يخبرهم فيه أنه قرر أن يعيش همام مع جده وينعم بالسعادة فى قصره وتدب الغيرة والحسد حينما يرفض قدرى تمييز جده لأخيه همام واختياره وحده لهذا النعيم ويأتى ادريس ( ابليس ) ويحرض قدرى على هذا التمرد

فيقتل قدرى أخاه ويدفنه فى الصحراء ويفر قدرى بعد ذلك مع هند ابنة ادريس ثم يعودان بعد زمان إلى الحارة ومعهما أولاد كثيرون من نسلهم جائت الأجيال التالية .


يتبع إذا شاء الكريم

زاهية
01-09-2006, 12:30 AM
جبل (موسى عليه السلام)


مات أبناء الجبلاوى صغارا والوحيد الذى بقى من نسلهم وعاش طيلة حياته فى البيت الكبير كان الأفندى (فرعون) وهو ناظر الوقف

أما أهل الحارة فكانوا بين باعة جائلين وأصحاب دكاكين أو مقاه وعدد كبير من الشحاذين . وقد استقر المقام على أن يسيطر ناظر الوقف على الحارة ومن فيها مستعينا بالفتوات وكان كبير الفتوات لدى الأفندى زقلط (هامان)

الذى يعيش فى بيت مواجه لبيت الأفندى . وكان أفقر الناس وأكثرهم تعرضا للذل والهوان مع كونهم أيضا ينحدرون من نسل الجبلاوى هم آل حمدان . وفى بيت الأفندى وتحت كنفه وكنف زوجته السيدة هدى نشأ جبل وهو أصلا من آل حمدان ولكن أهله ماتوا فتبنته السيدة هدى والأفندى لأنهما لا ينجبان وينشأ جبل موزع النفس والضمير بين ولائه للبيت الذى تربى فيه وانتمائه لآل حمدان المستضعفين .
ويثور آل حمدان ويذهبون يتقدمهم حمدان إلى بيت الأفندى طالبين العدل والانصاف لكنه يردهم خائبين ويعمل فيهم فتوته البطش والتنكيل

ويحاول جبل أن يتدخل لوقف أو على الأقل تخفيف العقاب على آل حمدان ولكن موقفه يواجه رد فعل عنيفا من الأفندى وزقلط الفتوة . ويتساءل جبل : ( أيعجبك هذا الطغيان يا جبلاوى ) ؟؟

ويستمر قدرة الفتوة فى اضهاد آل حمدان وسومهم سوء العذاب ، ويطارد ذات ليلة دعبس أحد أبناء الحى متوعدا إياه إلى أن يمسك به وينهال عليه بنبوته الغليظ بلى رحمة ويرى جبل هذا المشهد فيحاول إثناء الفتوة عن بغيه بلا طائل فلا يملك إلا أن يبطش به ليوقفه عن قتل دعبس المسكين وينطرح قدرة أرضا بلا حراك ويعلم جبل أنه مات مع أنه لم يكن يقصد قتله ويهرب جبل من الحارة بأكملها قاصدا الصحراء بينما تثور ثائرة الفتوات وينزلون بالأهالى أشد ألوان الإضهاد والعذاب

ويسير جبلا مبتعدا إلى أن يرى على البعد فى سوق المقطم منزلا منعزلا ينبعث منه نور فبقصده ويرحب به صاحبه البلقيطى مروض الحيات الذى يقيم فى الدار مع ابنتيه شفيقة وسيدة وكان جبل قد أسدى إلى الفتاتين معروفا عندما سقى لهما الماء وكانتا غير قادرتين على ذلك وسط الجموع الكثيرة وأخبرتا جبل أن أباهما رجل كبير متفرغ لعمله لا يستطيع أن يذهب معهما لحمل الماء .

ويقيم جبل مع البلقيطى الذى يعرف منه قصته ويتفق معه على أن يعلمه مهنة السحر وترويض الثعابين ويتبادل جبل وشفيقة الإعجاب ويتم زواجهما ويتقن جبل المهنة ويقضى زمانا مع البلقيطى يكتسب عيشه معه ثم يعود خفية إلى الحارة ومعه زوجته ويقصد بيت حمدان كبير قومه فيرحب به ويدرس الجميع كيف يمكن أن ينتقموا من الفتوات وينهوا حياة الذل والإضهاد . ويقص عليهم جبل حادثة غريبة وقعت له وهى أن شخصا غريبا كالجبل استوقفه فى الظلام الحالك وهو يتجول فى الصحراء وقال له بصوت غريب (لا تخف أنا جدك الجبلاوى) وقال له : (أنا هنا) فحدق جبل بصره فى الظلام لكى يرى وجهه لكنه لم يرى شيئا فقال له الجبلاوى : (لن تستطيع أن ترى وجهى فى الظلام)

وبينما استمع آل حمدان إلى جبل وهو يقص عليهم القصة مشدوهون متشككون أكمل جبل قائلا : إن الجبلاوى قال له إنك رجل يعتمد عليك يا جبل ولكنك نبذت حياتك المريحة حزنا على ما أصاب قومك من الإضطهاد ولكن قومك هم قومى ولهم حقوق فى وقفى لا بد أن يحصلوا عليها ولما سأله جبل : وكيف السبيل إلى ذلك ؟ قال : بالقوة سوف تحطمون الظلم وتنالون حقوقكم وتحيون حياة كريمة . فصاح جبل : سنكون أقوياء
وباركه الجبلاوى وانصرف . ويعلم الأفندى وفتواته بعودة جبل وينتشر سر مقابلة الجبلاوى وتثور ثائرة الأفندى لأنه يحس فى ذلك تهديدا لسلطته ونظارته للوقف إذ وقف الجميع خلف جبل مطالبين بحقوقهم .

وفجأة تنتشر فى بيوت الناس وخاصة الأفندى وفتواته ثعابين مخيفة ويسود الذعر بين الناس لدرجة أنهم يغادرون بيوتهم ويبقون فى الخلاء من الذعر ثم يرجون جبل أن يتدخل لإنقاذهم من الحيات مستخدما مهنته التى تعلمها ويقبل جبل بشرط أن يكون الثمن هو كلمة شرف من الأفندى أن يحترم آل حمدان ويحفظ لهم كرامتهم وحقهم فى الوقف ويوافق الأفندى تحت ضغط الموقف وسرعان ما يخلصهم جبل من كل الثعابين السامة والخطرة التى تملأ بيوتهم . ويقرر الأفندى وزقلط التخلص من كل آل حمدان كى لا يطالبوا بحقهم فى الوقف بينما يكون جبل وأهله قد دبروا خطة مضادة للقضاء على الفتوات والأفندى قضاءا مبرما فقد صنعوا لهم كمينا فى دار حمدان حيث تركوا الباب مفتوحا وحفروا حفرة عميقة فى المدخل غطوها من الخارج بحيث ينخدع الفتوات ويسقطون فيها وهذا ما حدث فعلا فقد سقطوا جميعا وعندئذ ألقوا عليهم الماء ليغرقوهم والتراب ليخنقوهم وانهالوا كذلك عليهم بالهراوات ضربا عنيفا حتى يستأصلوا شأفتهم تماما ويستعطف الأفندى جبل حتى لا يلحقه أذى هو الآخر ويتفق الجميع على أن يحصل آل حمدان على حقهم فى الوقف بالانصاف ويقضى جبل على دعبس بخلع احدى عينيه قصاصا منه لأنه فقأ عين شخص آخر .. وهكذا يسود العدل والمساواة بين الناس زمن جبل وتنتهى قصته عند هذا الحد .

زاهية
01-09-2006, 12:30 AM
رفاعة ( رمز عيسى عليه السلام )



ذهب جبل وأيامه السعيدة وعاد عصر الفتوات والقهر من جديد متمثلا فى زنفل هكذا تحدث شافعى النجار إلى زوجته عبده وهما يفران من الحارة إلى مكان بعيد لكى تضع طفلها حيث أن زنفل الطاغية يقتل كل رضيع من قوم جبل . ويعود شافعى وعبده إلى الحارة بعد سنوات قد هدأت الحال فيها ومعهما ابنهما رفاعة شابا يافعا ويشغف رفاعة بالقصص التى تروى بالربابة فى المقاهى عن الجبلاوى وأبنائه ويتحسس شاعر ضرير ملامح وجهه وكتفيه ذات يوم ويقول : ( مدهش .. إن له جمالا مثل جمال الجبلاوى نفسه )
ويحاول شافعى أن يجعل إبنه يعمل معه فى دكان النجارة الذى افتتحه فى الحارة ولكن رفاعة لا يركز فى هذا العمل فهو مشغول بقصة الجبلاوى وما يرويه شاعر الربابة ، وعلى مقربة من مسكن شافعى وعبده تسكن بغى اسمها ياسمين تشرع فى مغازلة واغراء رفاعة الذى لا يستجيب لها وفى زيارة للراوى فى منزله يلفت نظر رفاعة رسم بالزيت على الحائط ، وتمثل الصورة شخصا هائلا تبدو بجانبه بيوت الحارة مثل لعب الأطفال ويسأل رفاعة : صورة من هذه ؟ فيأتيه الجواب : الجبلاوى . فيسأل : وهل رآه أحد ؟ فيجيبه الراوى أو الشاعر : لا .. لم يره أحد من جيلنا وحتى جبل نفسه لم يستطيع أن يتبين ملامحه فى الظلام عندما قابله فى الصحراء
ولكن الفنان رسمه حسب أوصافه فى الحكايات . ويتساءل رفاعة فى أسى : لماذا أوصد بابه فى وجه أبنائه ؟
وينصحه الشاعر بقوله : أنه مادام الجبلاوى لا يفكر فينا فيجب ألا نفكر نحن فيه أيضا . ويعلم رفاعة أن زوجة الراوى تعمل فى السحر وطرد الأرواح الشريرة وتقول له أن كل انسان له روح خاصة تحركه وأن كل روح تتطلب معاملة خاصة وأن الإنسان يشبه روحه المسيطرة فالأرواح الشريرة تتطلب بخورا خاصا ونغمات خاصة لطردها فيهتم رفاعة بذلك اهتماما شديدا ويطلب منها أن تعرفه كل ما تعرفه من ذلك وتوافق على أن يوافيها كلما استطاع لكى تلقنه مهنتها على شرط ألا يغضب أبوه من ذلك .

ويطلب رفاعة من أبيه أن يحضر من يرسم لهم صورة زيتية للجبلاوى على الحائط فى منزلهم كتلك التى شاهدها عند الراوى . فيقول له أبوه أنهم أحوج إلى المال الذى سينفقه على هذه الصورة ثم إنها أوهام وخيالات

وكم شهد رفاعة أيام مع زوجة الراوى يتابع ويراقب دق الطبول واخضاع الأرواح الشريرة ، وكان المرضى يساقون إلى بيتها ضعافا وفى حالة فقدان وعى وبعضهم كان يحمل حملا أو يقيد ويوضع فى الأصفاد نظرا لتوحشه ، وكان لكل حالة ما يناسبها من البخور حيث يطهره البخور وتضرب الإيقاعات المطلوبة

ويحس رفاعة أن هذا هو العلم الذى يريده لكى يخلص الحارة من ناظر الوقف والفتوات وأمثالهم ولا سيما بعد أن اكتشف أنه يمكن اخضاع وتطهير النفوس الشريرة عن طريق أشياء طاهرة ونقية وطيبة مثل الروائح المعطرة والنغمات الجميلة ، وصعد رفاعة إلى أعلى السطح وتأمل البيت الكبير قرب الفجر وراودته الخواطر : أين أنت يا جبلاوى لماذا لا تظهر ولو للحظة واحدة ألا تعلم أن كلمة واحدة منك تغير حال الحارة كلها ؟

وأبوه يعنفه كلما سمع منه هذه الخواطر ويحثه على أن يعمل عملا جادا بدلا من أن يضيع وقته هكذا . وتزور الست زكية زوجة خنفس الفتوة عبده أم رفاعة وتقدم لها ابنتها عائشة وتفاتح عبده وشافعى ابنهما بشأن هذا الشرف الكبير ويحاولا اقناعه بأن هذه فرصة عظيمة للوصول بعد ذلك إلى منزل الناظر الوصى على تركة بنى جبل ومن يدرى لعله يرث هذا المنصب يوما ما .. ويحتج رفاعى : كيف أصاهر هذا الشيطان فى الوقت الذى فيه كل اهتمامى على طرد الشياطين .. ويجن جنون أبيه ويتهمه بأنه يريد أن يتحول إلى ساحر وبأنه كالبنات وبأن الحارة كلها لاحظت نعومته وطراوته

ويتعجب شافعى من رفض ابنه لفكرة الزواج ويحاول إثناءه عن أفكاره باللين والشدة بينما يقرر رفاعة فى نفسه أن هذا البيت ليس هو المكان الذى يبحث عنه ، إنه أصبح كالسجن ولا بد له من مكانآخر .. ويفتقد شافعى ابنه فى دكان النجارة بعد ذلك فلا يجده ويسأل عنه الراوى فى قهوة شلضم فيخبره بأنه لم يره .. ويستبد القلق بعبده عندما يعود شافعى وليس معه رفاعة وتنصحه أن يبحث عنه عند ياسمين البغى ، وتفاجأ ياسمين بشافعى ويسألها عن رفاعة فتندهش وتقول له : لماذا يأتى هنا ؟
وينصرف ويسمع عند انصرافه حديثا من داخل المسكن تقول فيه ياسمين لرفيقها : إنهم يقلقون عليه كما لو كان بنتا ويذهب شافعى وعبده إلى سوق المقطم حيث كانوا يعيشون لمدة عشرين سنة عندما هربوا من الحارة قبيل ولادة رفاعة ويسألون جيرانهم القدامى ومعارفهم عنه دون طائل .
ويظهر رفاعة فجأة بعد فترة وقد أصابه الضعف والهوال ويخبر الجميع أنه كان فى الصحراء لأنه أحس أنه يريد أن يخلو إلى نفسه وأنه لم يخرجه من الصحراء إلا البحث عن طعام .

وتخبرهم زوجة الراوى أن رفاعة نمط مختلف عن باقى الناس وليس هناك من يماثله فى هذه الحارة كلها ، وأنه لم يكن من الحكمة محاولة إجباره على شيء لا يريده ، وعاد رفاعة للعمل فى دكان والده شافعى النجار وكان يهاجم العنف فى كل مناقشاته مع زبائن المحل ويقول لهم إن العنف لا يحل أى مشكلة وأن جبل لم يلجأ إلى العنف إلا للدفاع عن النفس ، وذات يوم يقول رفاعة لوالده أن هناك شيئا حدث ولا يستطيع كتمانه أكثر من ذلك ويخبره أنه كان فى الصحراء بالقرب من البيت الكبير ، وسمع فى الظلام صوت الجبلاوى أن جبل أدى رسالته وفعل ما عليه ولكن الأمور عادت لتصبح أسوأ مما كانت فنادى رفاعة : ( جدى لقد مات جبل وحل آخرون محله فامدد يدك إلينا وساعدنا . فجاء الرد من الجبلاوى : كيف يطلب الحفيد من الجد أن يعمل ؟ إنما يعمل( الإبن )المحبوب


ويقلق شافعى وعبده مما قاله ابنهما رفاعة ويخشيان أن يبلغ الأمر لسكان الحارة

وذات يوم تحدث ضجة عندما يتجمع الأهالى ويطالبون بطرد ياسمين البغى من الحارة فيدافع رفاعة عنها ويقول أن المسئول هو بيومى الفتوة الذى أغواها ويطلب منهم أن يرحموا ضعفها ثم يعرض أن يتزوجها إنقاذا لها من بين أيديهم ويصرح رفاعة ليلة زفافه بأنه شرب بعض الخمر وأنه جرب الحشيش ولكنه لم يجد لديه ميلا إلى شربه

ويدور حوار بينهما ليلة العرس يتضح من أن رفاعة زاهد فى متاع الدنيا وأنه لم يقرب عروسه مما أثار غيظها وحنقها وكان كل حديثه معها عن وجوب تطهير نفس الإنسان من الأرواح الشريرة حتى يحصل على السعادة الحقيقية .. ويتخذ رفاعة له بيتا فى حى آخر ويأتيه الناس لا سيما الفقراء طلبا للعلاج والهداية ويتوب الكثيرون على يديه من غواياتهم وضلالهم ويصبح البعض هاديء الطباع .

ويتخذ من مرضاه أربعة يعتبرهم أصدقاءه بعد أن تحولوا إلى أناس أسوياء ذوى خلق حسن وطبيعة طيبة وكانوا من قبل ذلك أشرار فقد كان زكى متشردا صعلوكا وحسين حشاشا مدمنا وعلى بلطجى قاسى القلب وكريم قوادا

وتخون ياسمين زوجها رفاعة مع بيومى الفتوة بينما هو منهمك فى علاج الناس وتخليصهم من أرواحهم الشريرة ويطلب من تلاميذه الأربعة أن يمارسوا نفس العمل ويبلغوا هذه الرسالة لكل الناس لأنه لا يستطيع ذلك وحده .

وفى لقائهما سرا يتحدث بيومى مع ياسمين عن دعوة رفاعة ويخشى بيومى أن يكون هدف رفاعة استعادة الوقف وتسليمه من جديد إلى قوم جبل ويسخر من احتمال ادعاء رفاعة أنه سمع ذلك من الجبلاوى نفسه ويعلن فى نهاية الحوار مؤكدا أن الجبلاوى مات أو هو كالميت . وتحدث مواجهة بين رفاعة وكلا من خنفس وبيومى بعد أن يستبد القلق بايهاب ناظر الوقف وينذرانه بالكف عما يفعله من استقبال الناس وعلاجهم وإلا فالويل له وينصح الجميع (عبده وشافعى وياسمين والأصدقاء الأربعة) رفاعة بالهرب من الحارة كلها لأن الفتوات يتربصون به ليقتلوه وتخونه ياسمين وتبلغ بيومى بخطة الهرب . وفى اللحظة المقدرة يهجم عليهم الفتوات فيهرب أصدقاء رفاعة ثم يسوقه الفتوات عبر الحارة ويمرون على البيت الكبير ويفكر رفاعة : هل يحس الجبلاوى بمعاناته الآن وينادى جبلاوى ولا يرد عليه أحد ثم يقتلونه بهراواتهم ويستخرج أصدقاؤه جثته من المكان الذى دفنها فيه الفتوات ليدفنوها فى احدى المقابر ثم يقتلون ياسمين لخيانتها ويشرعون فى مواصلة رسالة رفاعة بتعليم الناس أسرار مهنته . وتناقل الناس قصة رفاعة (وزعم بعضهم أن الجبلاوى نفسه هوالذى استخرجه من قبره وحمله بعيدا إلى حيث قصره ووضعه تحت ثرى حديقته الغناء).

ويرى بعض تلاميذ رفاعة ضرورة الإنتقام من الفتوات الجبابرة ويرى آخرون أن فى ذلك مخالفة لتعاليم رفاعة التى تنبذ العنف ثم تبدأ موجة الإنتقام ضد كل الفتوات حيث يجد الناس جثثهم واحدا وراء الآخر أمام منازلهم وتحدث مواجهة بين الفتوات وأنصار رفاعة وتنتهى بانتصار الرفاعيين ويتم اتفاق بين على زعيمهم وناظر الوقف بمقتضاه يتم الإعتراف بهم وبأن لهم نصيبا من التركة مثل قوم جبل ويعود كل الذين فروا من الحارة فى فترة الإرهاب والإضهاد ومنهم شافعى وعبده بينما يختلف أتباع رفاعة فمنهم من يرى أن رسالته مداواة المرضى والرحمة ومنهم من يرى غير ذلك ويتطرف بعضهم فيمتنع عن الزواج اقتداءا برفاعة


يتبع بقاسم (رمز سيدنا محمد ) ونهاية الرواية بما بها من جريمة فى حق الرسول الكريم تأباها نفس كل مسلم حتى ولو كان عاص

زاهية
01-09-2006, 12:32 AM
قاسم (رمز النبى الكريم )

يقول الكاتب : وتمر أجيال يسيطر فيها نظار الوقف واحدا وراء الآخر على الوقف ويأخذون خيراته لأنفسهم ويسومون الناس الظلم والإضهاد مستعينين بالفتوات .. وبينما يعيش قوم جبل (اليهود) فى حيهم الخاص وقوم رفاعة(النصارى) فى حيهم ينشأ قاسم فى أفقر الأحياء وأكثرها بؤسا ( حى الجرابيع ) وقاسم غلام يتيم يكفله عمه زكريا بائع البطاطا

ويشب (قاسم) على حكايات الجبلاوى وأدهم وجبل ورفاعة وتنطبع هذه الأحداث فى ذاكرته ويذهب به عمه مرة إلى العجوز يحيى بائع الأحجية والبخور والذى يتوسم فيه خيرا ويحيى هذا من أتباع رفاعة (عيسى) لكنه هجر حي رفاعة بسبب بطش وظلم الفتوات ويحي هذا هو الشخصية الرمزية ( لبحيرة الراهب )الذى رأى الرسول صغيرا وتنبأ بنبوته ، ثم يقوم بدور ورقة ابن نوفل بعد ذلك

ويتفرغ قاسم لرعى الغنم ويترك جولات البطاطا مع عمه وهى الرحلات التجارية التى قام بها النبى الكريم صغيرا ، ويحب قاسم هذه الحرفة التى تتيح له تأمل الطبيعة وفى أحاديثه مع يحيى يسأل قاسم : هل يمكننى أن أصبح مثل رفاعة؟ فيسخر منه قائلا : أنت مثل رفاعة ؟ كيف وأنت مولع بالنساء وتتصيدهن فى الصحراء؟!
وتحدث حادثة تعلى من شأن قاسم وتجلب له احترام الفتوات(زعماء مكة) عندما يصيح أحدهم أن مبلغا كبيرا من المال قد سرق منه والتف الناس حوله وحضر الفتوات كلا من منطقته واتهم كلا منهم بأن اللص من حيه ثم رأوا تفتيش كل الأحياء ولكن فتوة كل حى يقف متنمرا يدافع عن كرامة حيه وكادوا يقتتلون وتحدث مجزرة إلى أن جاء قاسم واقترح عليهم أن يطفئوا الأنوار فى كل الأحياء وعلى من سرق الأموال أن يضعها فى الظلام دون أن يفتضح أمره أو أمر الحى الذى منه ونفذوا اقتراحه ووجدوا المحفظة ملقاة فأخذها صاحبها مسرعا وانتهت المشكلة ( هذا يقابل قصة نزاع زعماء مكة على وضع الحجر الأسود عندما جددوا بناء الكعبة وكادوا يقتتلون لولا ظهور النبى الكريم عندما أنقذ الموقف بفكرة الثوب الذى يمسك كل واحد من أشراف قريش طرفا منه فيحملوا الحجر جميعا )

ويحدث تقارب بين قاسم والسيدة قمر التى يرعى لها غنمها وتفاتحه سكينة خادمتها فىأمر زواجه منها ويستبعد عمه زكريا وزوجته أن يتم الزواج نظرا للفارق الإجتماعى لكن يتم الزواج ويشرب الجميع الخمر فى ليلة العرس بما فيهم قاسم الذى يتعاطى الحشيش أيضا ( نجيب فى فترة من الفترات القلقة بحياته كان مقتنعا برأى ماركس أن الدين أفيون الشعوب ) لذا كل شخصياته الرئيسية التى ترمز لأنبياء على علاقة بالحشيش والخمر
المهم يعيش قاسم وقمر فى هناء وسرور وبعد فترة يدير أموال زوجته وتكتمل الفرحة حينما يرزق بمولودتهما الأولى احسان

ويصيب القلق قمر بسبب خروج قاسم إلى الصحراء فى الليل والهموم التى بدأت تساوره . ويتأخر ذات ليلة إلى قرب الفجر فيستبد بها القلق وترسل فى طلب عمه زكريا (أبوطالب) وابنه حسن (سيدنا على)وصديقه صادق (أبوبكر الصديق) ليبحثوا عنه فيجدوه بعد بحث وتعب مغشيا عليه ويعلمون الأمر منه بعد أن أفاق فى بيته بعد ذلك
وقد أخبر زوجته أولا بالسر لأنها أول شخص يثق فيه فأخبرها أن شخصا غريبا ناداه وهو فى خلوته فى الصحراء وأبلغه أنه أحد خدم الجبلاوى واسمه قنديل (جبريل عليه السلام )

وقال له : إن الجبلاوى يعرف كل شيء وأنه إختاره هو بسبب حكمته يوم السرقة وبسبب ولائه لأسرته وأنه يبلغه أن كل أهل الحارة وأولاده سواسية عنده وأن الوقف هو تركتهم جميعا بالتساوى وأن الفتوات هم شر يجب أن يزول وينتهى وأن الحارة يجب أن تكون امتدادا للبيت الكبير

ولما سأله قاسم : لماذا يبلغنى أنا بالذات كل هذا ؟ أجابه قائلا : لأنك أنت الذى ستفعل كل هذا .

وبالرغم من حب قمر لقاسم وثقتها فيه ويقينها بصدقه وأمانته إلا أنها تحاول التأكد من أن الذى رآه وسمعه حقيقة وليس حلما فتعيد عليه السؤال تلو السؤال : ألم يكن حلما لقد وجدوك مغشيا عليك ؟ هل أنت على يقين أنك لم تشرب الحشيش ولم تختلط عليك الأمور؟ ، لكنه يؤكد لها أن ما حدث كان حقيقة


وتتفاوت مواقف من حوله حين يعلمون بالأمر ويقدرون عواقبه فيؤيده ويصدقه تماما صديقه صادق وابن عمه حسن ، على حين يحاول اثناؤه عن ذلك عمه زكريا ويحذره من أنه لن يقف معه أحد إذا تصدى له الكبار الأقوياء والفتوات بهراواتهم بينما لا يشغل بال زوجه قمر إلا الخوف عليه مغبة هذا الأمر ، ويصر قاسم على تنفيذ وصية الجبلاوى

وتأتى قاسم فكرة أن ينشأوا ناديا رياضيا خلف منزله وينضم إليه فقراء الحى بحيث يبنى فيه الجميع أجسامهم (دار الأرقم ) ويكون معهم قاسم نفسه و صادق وحسن ويتفقون أن يبقى سرهم فى الحارة طى الكتمان إلا أن أحد الأتباع يبوح بالسر فى الحارة وهو تحت تأثير الخمر فيلعن قاسم الخمر وما تفعله بالانسان ( ايحاء بأن تحريم الاسلام للخمر قرار شخصى من النبى وليس وحيا الاهيا وهذا يتفق مع مفهوم نجيب فى تلك الفترة لتفسير مباديء الإسلام وتعاليمه على أساس مادى بحت )

وتحدث مواجهة عنيفة بين قاسم والناظر وبعض الفتوات حيث يضربونه ويهينونه وينذرونه بالقتل ان استمر فيما هو فيه من العزم على تنفيذ رغبة الجبلاوى كى يعم العدل والمساواة

وتبدأ فترة من الإضهاد لأتباعه بينما لا يستطيع هو أن يغادر منزله وتأتيه الأخبار أن حى جبل وحى رفاعه يتداولون خبره مكذبين له ويقول فى حسرة : لماذا يتهموننى بالكذب فى حين كان الأولى بهم من دون الناس جميعا أن يكونوا أول من يؤمن بى ويؤيدنى ويتصاعد الإضهاد ويصل إلى قتل بعض أتباع قاسم وسط خوف الناس وذعرهم

ويصل قاسم مع أصحابه إلى قرار البعد عن الحارة والهجرة إلى الصحراء حتى يستكملوا بناء قوتهم كما فعل جبل من قبل ثم يعودوا بعد ذلك

ثم تموت قمر بعد مرض ومعاناة ويسيطر الحزن على قاسم ويأتيه أصحابه المهاجرون فيقابلونه سرا فى المقابر لكى يقدموا له واجب العزاء وبوفاة زوجته الغنية ذات النسب والشرف يفقد قاسم جزءا كبيرا من الموانع الأدبية التى كانت تحول بين أعدائه وقتله أو التخلص منه وهكذا تصله الأخبار بأنهم يدبرون لقتله فى ليلة معينة فيضع خطة لإنقاذ ابنته فيتفق مع سكينة الخادمة على أن تذهب بها إلى حيث يوافيهم حسن ابن عمه لتهريبهم أما هو فسيبقى إلى أن يخيم الليل ويسود السكون فينتقل عبر الأسطح المجاورة إلى بيت عمه تاركا مصباحه مشتعلا فى شقته لتضليل المتربصين به

ثم يذهب إلى المكان الذى سبقه إليه أتباعه المهاجرين فى جبل المقطم حيث استقبلوه بالترحاب والغناء والهتاف ونشيد ( يا محنى ديل العصفورة )

ويشعر قاسم بالوحدة بعد موت قمر ويفاتحه أصحابه فى ضرورة الزواج ويتزوج ببدرية الفتاة الصغيرة الناضجة أخت صادق أخلص أصحابه ، ويتذكر قاسم قمر ذات يوم وتفلت منه عبارة ثناء عليها فتتجهم بدرية غيرة وتقول له إنها كانت عجوزا ولم تكن جميلة فينهاها من أن تتحدث عنها هكذا ويقول لها أن امرأة مثل قمر ينبغى أن تذكر بالترحم عليها ( تقريبا ما قالته السيدة عائشة ذات يوم لرسولنا عن خديجة رضى الله عنها )

وبعد أن يزداد عدد المهاجرين وتزداد قوتهم فى الحيل يهجمون على زفة سوارس فتوة الحارة وتدور معركة رهيبة بالشوم والنبابيت تنتهى بمصرع أبوجهل بن سوارس وانتصار قاسم وأصحابه (غزوة بدر)

وما يلبث الفتوات وأنصارهم أن يزحفوا على الجبل حيث قاسم وأصحابه للإنتقام منهم وبينما يخالف بعض أنصار قاسم أوامره ويتركوا مواقعهم الجنوبية يتسلل لهيطة الفتوة الكبير من الثغرة ويهاجم قاسم وأصحابه (غزوة أحد) ويكاد تنقلب المعركة فى صالح الفتوات إلا أن قاسم فى النهاية وأتباعه الجرابيع ينتصرون بعد معركة رهيبة سالت فيها أنهار من الدماء

ويستدعى رفعت ناظر الوقف جلطة وحجاج الفتوتين الباقيين ويأخذ عليهما عهدا بالاتحاد من أجل الانتقام وذلك بحصار قاسم وأصحابه فى الجبل ولكن جلطة وحجاج يضمران لبعضهما شرا حتى يفوز أحدهما بمنصب كبير الفتوات ، وبالفعل يقتل حجاج غدرا وهو مخمور باليل ويتهم أنصار جلطة بتدبير مقتله وما تلبث أن تنشب معركة بين الفريقين يحاول ناظر الوقف منعها واقناعهم بأنها مكيدة من قاسم لبث الفرقة بينهم ومهاجمتهم على حين غرة ولكن نصح الناظر يذهب سدى ويحدث بالفعل هجوم مفاجيء من قاسم وأتباعه من أكثر من اتجاه وينتصر قاسم وأصحابه انتصارا مؤزرا (فتح مكة) ويقود قاسم الناس بعد انتصاره ويقف الجميع أمام البيت الكبير حيث يقف فيهم خطيبا قائلا :

( هنا يعيش الجبلاوى جدنا جميعا ليس هناك حى من الأحياء أقرب صلة به من الآخر ولاأى شخص رجلا أو إمرأة ، حولكم أوقافه وهى تخصكم جميعا على قدم المساواة كما وعد أدهم عندما قال له أن الوقف لك ولذريتك فيجب علينا استخدامه كما ينبغى حتى يحصل كل منا على نصيبه ويعيش كما أراد أدهم فى بحبوحة وسلام

يمكن أن تقضوا حياتكم فى حب ورحمة )

وقضى قاسم حياته فى البناء والتعمير والسلام يوزع بالعدل ريع الوقف على الجميع ولم تشهد الحارة من قبل مثل هذه الوحدة والانسجام حيث رأى الجرابيع رجلا نموذجيا لم يروا له مثيلا من قبل فقد كان أمينا ومهيبا وحبوبا فى آن واحد وكان ظريفا وبشوشا أنيقا وحشاشا يلذ مجلسه اللهم إلا أنه توسع فى حياته الزوجية فعلى حبه بدرية تزوج حسناء من آل جبل وأخرى من آل رفاعة

وقال أناس فى زواج قاسم من أكثر من واحدة أنه يبحث عن شيء فقد منذ افتقد زوجته الأولى قمر . وقال ابن عمه زكريا أنه يريد أن يوثق أسبابه بأحياء الحارة جميعا ، لكنهم لم يكونوا بحاجة إلى تفسير أو تعليل لما حدث بل الحق أنه إذا كانت الحارة قد أعجبت به لأخلاقه مرة فقد أعجبت به لحيويته وحبه للنسوان مرات إن حب النسوان فى حارتنا مقدرة يتيه بها الرجال ويزدهون ومنزلة تعدل فى درجتها درجة الفتوات فى زمانها أو تزيد


يتبع بإذن الله

زاهية
01-09-2006, 12:47 AM
ولكن للأسف اعتذر الأخ الكريم عن متابعة النشر بعد أن وضع روابط للقصة
فمن يكمل لنا هذا البحث مشكورًا

سلطان السبهان
01-09-2006, 11:26 AM
رائع يا زاهية ما قمت بجمعه هنا

شد انتباهي شيئان اثنان من خلال قراءتي عن الراحل

الأول : أن الكونجرس الامريكي نعاه كما سمعت أو الحكومة الامريكية !!

والثاني : ان جائزة نوبل أكثر من أخذها يهود بنسبة 99% تقريبا ولم يأخذها غير يهودي إلا الندرة منهم نجيب !!


هنا نقل لصديق لي أحببت ان اعرضه عليكم فلعل فيه فائدة :


- كانت وجهته أول الأمر فرعونية جسدتها رواياته الأولى : (رادوبيس- كفاح طيبة- عبث الأقدار) . ثم توجه إلى الماركسية .
- استفاد الوجهتين - الفرعونية والماركسية - من أستاذه النصراني الحاقد على الإسلام " سلامة موسى " ، ويجد القارئ على ( هذا الرابط ) حقيقة أفكار أستاذه . يقول نجيب : "كان سلامة موسى هو الراعي والمربي الأدبي لي، نشر لي وأنا بعدُ في الثانوي ثم في الجامعة عشرات المقالات وكتاباً مترجماً، وأول رواياتي، إنه أستاذي العظيم" . (نجيب محفوظ بين الإلحاد والإيمان، ديب علي حسن، ص 30) . ( ويُنظر : "نجيب محفوظ يتذكر، ص45 " ، و " أتحدث إليكم، ص 59-60، وص87" ) . ويقول : " كان لسلامة موسى أثر قوي في تفكيري، فقد وجهني إلى شيئين مهمين، هما العلم والاشتراكية، ومنذ دخلا مخي لم يخرجا منه إلى الآن " . ( نجيب محفوظ يتذكر ، إعداد جمال الغيطاني ، ص 88 ) . ولذا قال الدكتور سيد فرج عنه : "اختزن أفكاراً حاقدة على الإسلام والمسلمين، رضعها من فكر النصراني الذي كان يُشهر إلحاده: سلامة موسى" ( أدب نجيب محفوظ وإشكالية الصراع بين الإسلام والتغريب ، ص 55) . لقد حدد نجيب محفوظ موقفه من الدين ومن الإسلام بالذات منذ وقت باكر حسبما وجه أستاذه سلامة موسى بأن مهمة الدين قد انتهت وأن العالم يعيش ديناً جديداً هو الاشتراكية .
- تدور معظم رواياته حول أمرين : الماركسية ( وقد يسميها كذبًا بالعلم ) ، والجنس ( تعاطفًا مع المومسات والمنحرفات استجابة لنظرته الماركسية ) . قال له أحدهم : "إن من يتابع أعمالك الفنية قبل الثورة وبعدها يكتشف بوضوح أنك كنت تميل إلى حزب الوفد قبل الثورة .. أما بعد الثورة فمن الواضح أنك أصبحت تميل إلى الفكر الماركسي، فالماركسيون في رواياتك هم الأبطال الشهداء، وحاملوا الزهور الحمراء، وهم الذين يضيئون الحياة بنور الأمل في الظلمات..." ، فرد عليه قائلا : "لقد شخصتني فأجدت التشخيص" (أتحدث إليكم ، ص 15-16) . وقال في لقاء آخر : "إني مناهض للرجعية، وإن المثل الأعلى الذي أحترمه على الجيل الحالي هو الاشتراكية" (الشخصية وأثرها في البناء الفني لروايات نجيب محفوظ، نصر عباس، ص 29 نقلاً عن مجلة آخر ساعة) . ويقول : " سنحل الأمور الاجتماعية بالاشتراكية" (المنتمي، غالي شكري، ص295). وسأله سائل متعجبًا : " لماذا تستأثر المومس بمكانة كبرى في كتاباتك؟ " (مع نجيب محفوظ لكاتب أحمد عطية، ص23) . وقال عنه أحد رفقائه في الانحراف - خليل عبدالكريم - : " إن روايات نجيب محفوظ –ما عدا أولاد حارتنا- حفلت بحشد هائل من البغايا والراقصات والقوادين والديوثيين واللصوص والنشالين والفتوات وصانعي العاهات والمرتشين والملحدين". ( كتاب العصر ، أنور الجندي ، ص 201 ) . " إن قصص نجيب تقوم على الحط من قدسية الدين وهيبته، ومزج رموزه مع الخمر والجنس والنساء، وبالذات احترام المومسات، فلا تكاد تخلو قصة من قصصه من المومسات " ، و " حفلت قصصه التي تمثل تاريخ مصر بصور نساء غارقات في الخيانة، ومجتمعات تفوح منها رائحة الحشيش والإباحة " . ( السابق ، ص 206-207 ) . يقول الأستاذ أنور الجندي - رحمه الله - : " الجنس واضح في معظم روايات نجيب محفوظ، شأنه في ذلك شأن إحسان عبدالقدوس ويوسف السباعي، ولكنه عند محفوظ أشد خطورة؛ فهو يجعله نتيجة للفقر، ولا يرى للمرأة إذا جاعت إلا طريقاً واحداً، هو أن تبيع عرضها " . ( الصحافة والأقلام تالمسمومة ، ص 191 ) .

- يوهم نجيب محفوظ قارئ رواياته أن هناك تناقضًا بين العلم - ويعني به عند التدقيق الماركسية الإلحادية ! - والدين . ثم يكون الحل في نظره باستبعاد الدين ليحل العلم محله ! ولكن أي دين يصوره نجيب في رواياته ؟ إنه دين الدروشة والخرافة والتصوف الذي عاشه في بيئته الكئيبة ، فنبذه متوجهًا إلى الماركسية بتوجيه من شيخه - كما سبق - . ولو كان صادقًا مع نفسه لعلم أن هذا الدين الخرافي هو مجرد بدع وشركيات يحاربها الإسلام الصحيح الذي لا تناقض بينه وبين العلم الدنيوي النافع . ولاعذر لنجيب ؛ لأن دعاة الكتاب والسنة كانوا منتشرين في بلاده تلك الأيام - ولله الحمد - ، ولكنه آثر الانحراف والتمادي في الباطل .

- يعتمد نجيب محفوظ في معظم رواياته - خاصة الأخيرة - على اللغة الرمزية ، مستفيدًا من دراسته الفلسفية . وهذه الرمزية تتيح له أن يبوح بفكره الماركسي ، ولمزه للإسلام بواسطة الرموز التي لاتُدرك إلا بعد التأمل ( يُنظر مقال الأستاذ عبدالعزيز مصطفى : أقلام الردة ، في مجلة البيان العدد 125 ، لمعرفة شيئ من دلالات رموزه في بعض قصصه ) . والرجل - حسبما تبين لي - يغلب عليه الجُبن والخوف من المواجهة . ( على سبيل المثال لامه بعض النقاد لوقوفه مع الناصرية ثم انقلابه عليها بعد وفاة جمال عبدالناصر ! ) .

- أعطى الغرب نجيب محفوظ جائزة نوبل عن روايته " أولاد حارتنا " ، التي بدأ نشرها مسلسلة في جريدة الأهرام سنة 1959م ثم ظهرت في كتاب عام 1967م عن دار الآداب ببيروت. وهي رواية رمزية تجرأ فيها على الله سبحانه وتعالى ، وعلى الأنبياء عليهم السلام ، وعلى الإسلام . وملخصها لايخرج عن فكرته السابقة في ادعاء التناقض والصراع بين العلم والدين ؛ ثم تكون النهاية بانتصار العلم . وقد حاول في هذه القصة أن يقول بالرمز كل ما عجز عن قوله صراحة.
- إن الحارة رمز للدنيا وأولاد الحارة هم البشر من لدن آدم عليه السلام إلى العصر الحاضر وربما دخل فيهم - عنده - الملائكة والشياطين. و" الجبلاوي " المتسلط في الرواية رمز لله - سبحانه وتعالى - ، و" قاسم " رمز لمحمد صلى الله عليه وسلم ، و " جبل " رمز لموسى عليه السلام - لأن الله كلمه في الجبل - ، و" رفاعة " رمز لعيسى عليه السلام - لأن الله رفعه - .. وهكذا ، ثم جعل " عرفة " رمزًا للعلم الذي يقتل " الجبلاوي " !! نعوذ بالله من الكفر - . وفكرة " موت الإله " كما يقول الأستاذ عبدالله المهنا : " فكرة فلسفية غربية ، كتب عنها نجيب محفوظ في بداية حياته مقالات عدة ، وخاصة عندما كان يدرس الفلسفة ، وهي مستقاة من مقالات وكتب لسلامة موسى .. " . ( دراسة المضمون الروائي في أولاد حارتنا ، ص 62 ) . يقول الدكتور عبدالعظيم المطعني : " الخلاصة أن هذه الرواية تترجم في وضوح أن كاتبها ساعة كتبها كان زاهداً في الإسلام كل الزهد، معرضاً عنه كل الإعراض، ضائقاً به صدره، أعجمياً به لسانه، فراح يشفي نفسه الثائرة، ويعبر عن آرائه في وحي الله الأمين بهذه الأساليب الرمزية الماكرة، والحيل التعبيرية الغادرة، رافعاً من شأن العلم الحديث.. فالرواية –وهذا واقعها- رواية آثمة مجرَّمة بكل المقاييس" . ( جوانيات الرموز المستعارة .. ، ص 229 ) . فالرواية : - "ترسي مبادئ الاشتراكية العلمية والماركسية الملحدة بديلاً للدين والألوهية والوحي، وتبشر بوراثة العلم الدنيوي المادي للدين الذي ترى أنه استنفذ أغراضه، ووهنت قواه!" . (الطريق إلى نوبل عبر حارة نجيب محفوظ، ص5) .

- من أقوال نجيب محفوظ المهمة : "إن الثلاثية وأولاد حارتنا والحرافيش هم أحب أعمالي إلى نفسي" (نجيب محفوظ يتذكر، ص 68) . "أكتب بملابس البيت مع فنجان قهوة واحد على الأكثر، وسيجارة، ويمنعني السُكر من الاقتراب من الخمر" (أتحدث إليكم، ص42) . ( وقد اعترف في موضع آخر بتعاطي الخمر ، نجيب محفوظ يتذكر ، ص 88 ) . " أما عن حل المشكلة الجنسية في مجتمعنا فأنا لا أستطيع أن أقوله ، ولا أنت تكتبه ! ولكنني أستطيع أن أقول: أوروبا تمكنت من حل المشكلة الجنسية بطريقتها الخاصة، تجد أن البنت عمرها 15-16 تلتقي في حرية تامة مع أي شاب، لا مشكلة جنسية ولا مشكلة عفاف ولا بكارة، وحتى إذا أثمرت العلاقة طفلاً، فالطفل يذهب إلى الدولة كي تربيه إذا كانت أمه لا تريد" (نجيب محفوظ بين الإلحاد والإيمان، ديب علي حسن، ص 144 ) .


أنصح القارئ الكريم بهذه الكتب لمعرفة حقيقة فكر نجيب محفوظ :

1- أدب نجيب محفوظ وإشكالية الصراع بين الإسلام والتغريب ، للدكتور سيد أحمد فرج ، مجلد في 325 عن دار الوفاء بمصر .

2- الصحافة والأقلام المسمومة ، للكاتب أنور الجندي - رحمه الله - ، ص 189-196 .

3- كتاب العصر تحت ضوء الإسلام ، له أيضًا ، ص 199-210 .

4- أعلام وأقزام ، للدكتور سيد العفاني ، ( 1 / 311- 363 ) .

5- جوانيات الرموز المستعارة لكبار أولاد حارتنا ، للدكتور عبدالعظيم المطعني ، مجلد في 236 صفحة ، وقد وجه في آخره نصيحة لمحفوظ لعله يتبرأ من روايته .. ولكن !

6- دراسة المضمون الروائي في أولاد حارتنا ، للأستاذ عبدالله بن محمد المهنا ، مجلد في 222صفحة ، عن دار عالم الكتب بالرياض .

7- الطريق إلى نوبل عبر حارة نجيب محفوظ ، للدكتور محمد يحيى والأستاذ معتز شكري ، كتيب .

8- كلمتنا في الرد على أولاد حارتنا ، للشيخ عبدالحميد كشك - رحمه الله - .

9- تحت المجهر ، للشيخ عبدالعزيز السدحان .

10- تركي الحمد في الميزان . على (هذا الرابط ) وفيه مقارنة بين ثلاثية نجيب محفوظ وثلاثية الحمد .

11- مقال : نجيب محفوظ .. خلفية فكرية لفنه الروائى ، للأستاذ مصطفى سيد ، مجلة البيان ( العدد 109 و110 ) .

12- مقال : الانحراف الفكرى لأصداء السيرة الذاتية لنجيب محفوظ ، للأستاذ محمد الشباني ، مجلة البيان ، العدد 129. والله الهادي .

محمد إبراهيم الحريري
01-09-2006, 01:11 PM
الأخت زاهية
أشكرك وافر الشكر على فكرتك الرائدة سبقا في مجال نقد موضوعي لأدب عربي يمثل قمة الإبداع بنظر محبيه ، ووهدة السقوط برؤية خصومه .
لكن هنا لا أرى مجالا لي بقول إلا بعد المرور ثانية على ما كتب منه فقد أنساني الرحمن ما أرغمت على قراءته قسرا قبل حين .
ولا أذكر مما سجلت بيراع التأفف إلا كلمات سقطت سهو الخاطر بيقين الصد عما قال .
لذا سأنتظر حتى يأتي الله بأمره
قارئا ما تقولون أيها الملأ بشغف الفطرة لكل موضوعية نقدية
تحياتي للأخت زاهية

زاهية
02-09-2006, 12:28 AM
أهلا بكما أخي الكريم سلطان السبهان
وأخي الكريم محمد الحريري
أشكركما على المرور وبانتظار إثراء الموضوع بكل جديد
ولقد وجدت هنا في الواحة موضوعا للأخ الكريم فضل شلبوب فأحببت إضافته إلى موضوعي وهاهو النص

حرافيش نجيب محفوظ
على مقهى قشتمر


بقلم: أحمد فضل شبلول

يهتم نجيب محفوظ كثيرا في أعماله الروائية بالأماكن الضيقة أو المحدودة التي تجمع عادة بين أكثر من صنف من الناس، هكذا كان في "ميرامار" الذي هو عبارة عن بنسيون صغير الحجم في الإسكندرية يجمع بين مجموعة من الناس (رجالاً ونساء) لكل واحد حكايته وماضية وخوفه وحزنه وتطلعاته المستقبلية، وهكذا كان في "ثرثرة فوق النيل" حيث العوامة التي تدور فيها أحداث الرواية بشخصياتها المتعددة البسيطة والمركبة، وهو يفعل الشيء نفسه في روايته "قشتمر".
وقشتمر هو ذلك المقهى الصغير في حي العباسية بالقاهرة الذي اكتشفه الأصدقاء الخمسة منذ حداثة سنهم، وكان هذا في العشرينات من القرن العشرين. يقول الكاتب ص28 "هكذا عرفنا قشتمر في أواخر عام 1923م أو أوائل 1924م" وظلوا يلتقون عليه بصفة شبه يومية إلى أن احتفلوا عام 1985م بعيد ميلاد صداقتهم السبعين في المقهى نفسه.
ولئن كانت رواية "يوم قتل الزعيم" مثلاً للرواية الصوتية أو رواية الشخصيات عند نجيب محفوظ، ورواية مثل "زقاق المدق" هي رواية المكان، فإن رواية "قشتمر" جمعت بين الاثنين معاً، بمعنى أنها رواية مكان ورواية شخصيات، فضلا عن أنها رواية زمان ـ كما سنرى ـ فالمكان هو "قشتمر" الشاهد على مرور الزمن والأحداث، بينما الشخصيات ـ من خلال الراوي ـ هي التي تتفاعل مع الزمان والمكان، أما الزمان ـ وهو سبعون عاما ـ فهو زمن الأحداث والعمر التقريبي للشخصيات الخمس التي لم يختف أحد منها سواء بالموت أو الهجرة حتى نهاية الرواية، (العمر الحقيقي لكل شخصية من الشخصيات الخمس هو خمسة وسبعون عاماً حتى تاريخ الاحتفال بعيد ميلاد الصداقة).
حوالي نصف قرن من الزمان تمر على قشتمر وجلسائها، يشهدون فيها على أحداث عصرهم العجيب الذي شهد ارتفاع أناس، وتقهقر أناس، وموت أناس، وميلاد أناس، وشهد قيام المظاهرات ضد الإنجليز، وإضرابات الطلبة والعمال، وتعاقب الحكومات بانتماءاتها المختلفة، وحريق القاهرة، وقيام ثورة 23 يوليو 1952، وجلاء الإنجليز، وتأميم قناة السويس، والعدوان الثلاثي على مصر، وقيام الوحدة بين مصر وسوريا، وقرارات التأميم، وحرب اليمن، وهزيمة 1967م، وحرب الاستنزاف، وموت جمال عبد الناصر وتولي أنور السادات الحكم، وانتصار 1973م واتفاقيات وقف إطلاق النار، والانفتاح الاقتصادي، وعودة الأحزاب، وزيارة السادات لإسرائيل، واتفاقية كامب ديفيد، ومقتل السادات وتولي حسني مبارك الحكم.
كل هذه الأحداث تمر على البلد وأصدقاء قشتمر الخمسة يزدادون حباً ومودة لبعضهم البعض (والمودة التي بينهم صافية لا تشوبها شائبة) والدليل على ذلك سبعون عاما من الصداقة (تسير الأيام بلا توقف لا تعترف بهدنة أو استراحة، نحن نكبر، وحبنا يكبر، إن غاب أحدنا ليلة لعذر قهري قلقنا وتكدرنا) ولا سبيل لمواجهة الهزيمة وغوائل الزمن إلا بالحب والمودة والصداقة، لقد كان هذا هو السياج الذي يحمي إنسانيتهم ويشعرهم بوجودهم وآدميتهم ويخرجهم من دوامة الأحزان والمصائب والآلام. يقول ص57: "واقتصر المجلس على خمستنا أصبحنا من معالم المقهى، وظل قشتمر أحب الأماكن إلينا بل هو المأوى الذي نخلو فيه إلى أنفسنا ونتبادل عواطف المودة".
فمن هم هؤلاء الخمسة أصدقاء قشتمر ؟ أو حرافيش نجيب محفوظ الجدد ؟.
يقدمهم لنا نجيب محفوظ بقوله ص5 "بدؤوا التعارف عام 1915م في فناء مدرسة البراموني الأولية دخلوها في الخامسة وغادروها في التاسعة، ولدوا عام 1910م في أشهر مختلفة ولم يبرحوا حيهم حتى اليوم، وسيدفنون في قرافة باب النصر، تضخمت جماعتهم بمن انضم إليهم من الجيران، جاوزوا العشرين عداً، ولكن ذهب من ذهب بالانتقال من الحي أو بالموت، وبقي خمسة لا يفترقون ولا تهن أواصرهم، هؤلاء الأربعة والراوي التحموا بتجانس روحي صمد للأحداث والزمن، حتى التفاوت الطبقي لم ينل منهم، إنها الصداقة في كمالها وأبديتها، الخمسة واحد، والواحد خمسة منذ الطفولة الخضراء وحتى الشيخوخة المتهاوية حتى الموت".
وبداية لا بد أن يلفت نظرنا أن شخصية الراوي هي شخصية نجيب محفوظ نفسه، وهي شخصية لا دور لها سوى الحكي أو القص والتذكر والشهادة على سير الأحداث وتقدمها ووقوعها، وكأن هذه الشخصية المحفوظية هي المنجم الذي يتفجر بالذكريات، ويتفجر معها القلم حبراً وكتابةً، إنه لا يقدم لنا نفسه مثلما فعل مع الأربعة الآخرين، بل يقول (اثنان منهم من العباسية الشرقية، واثنان من الغربية، والراوي أيضاً من الغربية، ولكنه خارج الموضوع).
أما الأربعة الآخرون فهم صادق صفوان الذي يقول له أبوه: "يا صادق اجتهد، أبوك لا يملك شيئا ليتركه لك فاجعل الشهادة وسيلتك إلى الوظيفة"، وإسماعيل قدري سليمان الذي يقول له أبوه: "أما أنت فمستقبلك بيدك"، وحمادة يسري الحلواني الذي ينصحه أبوه بقوله: "لا قيمة للمال بدون العلم والمركز"، وطاهر عبيد الأرملاوي الذي سيصبح شاعراً مشهوراً فيما بعد ويتحدى رغبة والديه في أن يكون طبيبا مثل أبيه الباشا، يقول له أبوه: "الشعر في ذاته حرفة الشحاذين".
يقدم لنا الراوي ـ نجيب محفوظ ـ هذه الشخصيات الأربع ـ وعائلاتهم ـ من خلال السرد وحوار الأصدقاء عند التعرف واللقاءات المتعددة، ونلاحظ أنه يقدمهم لنا بحب شديد وإخلاص حقيقي رغم أنه يعتبر نفسه خارج الموضوع كما يقول.
ورغم أن آراءهم افترقت واختلفت حول سعد زغلول وثورة 1919م تبعا لاختلاف آراء أسرهم، فإنهم ظلوا محافظين على صداقتهم ومودتهم، يقول الكاتب ص19: "وشهدنا الأحداث تباعا فطرأ الخلاف بين سعد وعدلي على وحدة الثورة، ووجدنا طاهر في جانب وبقيتنا في جانب آخر، كما اختلفنا سابقا حول ماشست وفانتوم، ولكننا ـ بخلاف الزعماء ـ حافظنا على مودتنا وصداقتنا الباقية".
إن نجيب محفوظ لا يعتمد على الرواية الأحادية للأمور والأحداث، ولكنه يقدم لنا الرأي والرأي الآخر على طول الرواية، وقد ساعده على ذلك اختلاف الشخصيات، واختلاف تركيبتها الاجتماعية وانتماءاتها السياسية والفكرية والثقافية، يقول صادق صفوان ـ على سبيل المثال ـ عن قريبه رأفت باشا الذي كان ضد سعد زغلول ص30: "موقفه السياسي لا يمس مودتنا الراسخة، ويعاتب أبي كثيرا في رفق متسائلا إلى متى يا خالي تنخدع بذلك الرجل المهرج".
حتى اختلافاتهم في مجال الثقافة والأدب والأصالة والمعاصرة لا تفسد للود قضية بينهم (ويواصل ركن قشتمر سمره ما بين الأصالة والمعاصرة) ص61، إنهم حرافيش نجيب محفوظ وأصدقاؤه الذين لا يتخلفون عن اللقاء كل ليلة ويناقشون كل شيء بحب، حتى أمور الحب والمراهقة والزواج والطلاق يناقشونها في قشتمر الذي صار وطناً ثانيا لهم (ويمضي الزمن ويشهدون الحياة السياسية المصرية في تفسخها ولا انتماء لهم لحزب من الأحزاب).
لقد خرج من بين هذه الثلة من الأصدقاء شاعر كبير بفضل تشجيع أصحابه له وحثهم على المضي قدما في طريق الشعر رغم معارضة أسرته التي بالفعل ينفصل عنها لأنه أراد أن يشق طريقه في عالم الشعر وينبذ الطب، إنه طاهر عبيد الأرملاوي الذي ربما أراده نجيب محفوظ رمزاً للشاعر الراحل صلاح جاهين كاتب أغاني الثورة، يقول ص110: "ومن بين أفراد مجموعتنا الفانية يبزغ طاهر عبيد كالقمر في تألقه وينطلق في طريق النجاح كالشهاب، من أول يوم دعي إلى المشاركة في تحرير مجلة الثورة".
وبهزيمة 1967م يحزن طاهر عبيد أكثر مما يحزن الزعيم نفسه، يقول نجيب محفوظ ص119: "أما طاهر عبيد فقد حزن على الزعيم أكثر مما حزن الزعيم على نفسه، وتلا علينا ذات مساء قصيدة رثاء تقطر حزناً ومرارة وسخرية من النفس، ولم يسمع القصيدة أحد سوانا، ولم تعد الأجهزة تردد أغانيه فهي أغان لا تسمع إلا في جو النصر"، وأخذ طاهر يقول شعراً كثيراً "يفيض يأساً وحزناً وتشاؤماً، وتأثر في بعضه تأثراً واضحا بفن العبث، ولم ينشر شيئاً مما يمكن أن يسيء إلى البطل الجريح ولو من بعيد".
أما بقية الحرافيش في مقهى قشتمر فقد سارت الحياة بهم سيرها، فها هو صادق صفوان صديق الدراسة يفاجئهم بنيته فتح دكان خردوات وترك الدراسة والتفرغ لإدارة الدكان، وبالفعل يصبح من أشهر التجار وأغناهم في العباسية بعد ذلك، أما إسماعيل قدري سليمان فيطرد من كلية الآداب ويموت أبوه ويضطر للعمل موظفا بسيطا في دار الكتب، أما حمادة يسري الحلواني فيبدو أن نصيحة أبيه (لا قيمة للمال بدون العلم والمركز) قد فعلت فعلها، ولكن بطريقة عكسية، لأنه يرث ثورة كبيرة عن أبيه، ثم عن أمه فيقرر تبديدها والصرف منها على جميع ملذاته وسهراته وغرائزه، وكأنه يقول لأبيه (المهم المال ولا قيمة للعلم والمركز) ولكن يبدو أنه يتراجع عن فكرته هذه كلما تقدمت به السن، يقول ص143: "لا قيمة اليوم لأغنياء الزمن الماضي".
إن البطل الحقيقي في رواية قشتمر لنجيب محفوظ هو الزمن، فسبعون عاماً عمر الزمن بما يدور فيها من أحداث وتطورات وتغيرات في طبيعة البلد والبشر وحياتهم، هي البطل الرئيسي في هذه الرواية المضغوطة، ولأن سبعين عاما ليس بالعمر الهين في حياة الشخصيات الأربع فقد اضطر المؤلف إلى استخدام أسلوب النقلات الزمنية السريعة، وإزاء دور الزمن السريع لم يلجأ إلى أسلوب التحليل النفسي والاجتماعي والسياسي المعروف عنه في روايات أخرى، إلا بقدر.
إن رواية "قشتمر" لم يتعد عدد صفحاتها 148 صفحة من القطع الأقرب إلى الصغير (14×19سم) لذا فقد اعتمد الكاتب على أسلوب التقطيع والمونتاج السينمائي، وأحيانا كان يلجأ إلى أسلوب الاختزال مع إتاحة الفرصة لكل شخصية من شخصياته الأربع لأن تقول ما عندها وما يؤرقها ويقض مضجعها أو يسعدها في اجتماعهم الليلي في مقهى قشتمر، ونلاحظ ـ مرة أخرى ـ أن الراوي لا موقف له سوى التأمل، التأمل في طبيعة الزمن أو التأمل فيما يفعله الزمن في أصدقائه خلال سبعين عاما، والتأمل في طبيعة هذه الصداقة نفسها.
إنه يتأمل الماضي ويتشبث به "كلما ضن الحاضر بنبأ يسرِّ هرعنا إلى الماضي نقطف من ثماره الغائبة" ص146.
إن اقتراح الأصدقاء بالاحتفال بمرور سبعين عاما على صداقتهم الوطيدة في مقهى قشتمر هو احتفال ببطل الرواية وبالشخصية الفاعلة فيها بحكم طبيعتها وصيرورتها، إنه احتفال بالزمن وهو بالنسبة لهم زمن خاص جداً، لأنه لم تند عن أحدهم خلال هذا الزمن هفوة تسيء إلى الوفاء من قريب أو بعيد. إن تيار الزمن في الرواية يبدأ منذ وقت التعارف الذي يحدده الكاتب بعام 1915م حيث تمضي فترة الصبا الأولى ثم فترة الشباب الذي يولي بإطلالة جيل الأبناء إبراهيم وصبري ودرّية. إن أصدقاء قشتمر يشعرون بوطأة الزمن عليهم فيقول حمادة الحلواني بامتعاض ص94: "نحن نتقدم بسرعة في ذلك الطريق المجهول المسمى بالعمر" ويصيح صادق صفوان في الصفحة نفسها: "إليكم أول شعرة بيضاء في رؤوس شلتنا المصونة" ويتساءل طاهر عبيد ص95: "هل تتذكرون كيف التقينا بمدرسة البراموني الأولية ؟ كأنما حدث ذلك صباح اليوم"، حتى قشتمر لم يسلم من فعل الزمن، إنه أيضا طعن في السن وشاخ. وعندما يتقدم أحد الأصدقاء طالباً ابنة أحدهم لابنه يهز المجموعة ذلك الخبر هزة لطيفة تذكرهم بمرور الأيام، تذكرهم بمرور الزمن وبوجوده الخفي بين أصابعهم وفوق سرير جفونهم.
لقد انقضت الأعوام والأصدقاء يمضون على وتيرة واحدة وهم يدنون من الستين، ثم يمضي بهم الزمن ويطوون كل يوم خطوة في الحلقة السابعة، ويمسي قشتمر عضواً فيهم كما يمسون هم ركناً فيه. يقول صادق ص143: "حقا أصبحنا هياكل عظمية، وسيكون أتعسنا من يمتد به العمر بعد رحيل الآخرين"، إنهم يسمعون صلصلة عجلات الزمن ويرون قبضته وهي تطوي الصفحات الأخيرة من عمرهم، ويتساءل حمادة الحلواني: "ترى كيف تجيء النهاية ؟" ولكن إزاء هذا الإحساس المفعم بفعل الزمن وباقتراب خطوات النهاية يعتقدون أن صداقتهم لم يمر عليها سوى دقيقة واحدة، وأن الزمن يمضي ويبقى الحب جديدا إلى الأبد.
فلا سبيل إلى مواجهة فعل الزمن ـ البطل ـ سوى الحب والصداقة العميقة في كمالها وأبديتها، وهو الخطاب الأدبي الذي يحاول أن يجسده لنا نجيب محفوظ في "قشتمر".
إذن نحن أمام فعلين رئيسين في هذه الرواية هما فعل الزمن مقابل فعل الحب والصداقة، وهما وجهان لعملة واحدة هي الحياة الإنسانية بكل ما فيها، وقد جسد الكاتب كلا الفعلين تجسيدا دراميا فاعلا في تلك الرواية المضغوطة. ولكن، أي الفعلين سيصمد في النهاية ؟ هل الحب والصداقة سينهزمان ويموتان تحت مطرقة الزمن ؟ يقول الكاتب على لسان إسماعيل قدري ص147 آخر صفحات الرواية "ينطوي التاريخ بما يحمل ويبقى الحب جديداً إلى الأبد"، وكأنه ينتصر لفعل الحب والصداقة مقابل فعل الزمن، فهل ستصدق رواية نجيب محفوظ أمام خيول الزمن الجامحة ؟ لو صدقت فإننا على الفور سنعدل أو سنغير من رؤيتنا للزمن على أنه بطل للرواية ونقول في هذه الحالة إن الحب والصداقة هما البطل الأول والأخير والأبدي في رواية "قشتمر".

أحمد فضل شبلول ـ الإسكندرية

الصباح الخالدي
02-09-2006, 12:33 AM
رغم عفونة نصوص رواياته
قرأت الكثير منها
وليس كل مايرويه الراوية هو عين مايعتقده ويؤمن به
للخراشي تحليل لمعتقد نجيب
واقول قد افضى الى ربه وهو اعلم به
وشكرا لهذا الضوء بنت البحر

زاهية
02-09-2006, 12:57 AM
رغم عفونة نصوص رواياته
قرأت الكثير منها
وليس كل مايرويه الراوية هو عين مايعتقده ويؤمن به
للخراشي تحليل لمعتقد نجيب
واقول قد افضى الى ربه وهو اعلم به
وشكرا لهذا الضوء بنت البحر
أجل أخي الكريم الصباح كما تفضلت وقد ذهب إلى ربه ولكن قصصه وماكتبه لم يذهبوا معه بل هي مرشد للأجيال فإما إلى سبيل الحق وإما إلى سبيل الباطل أليس كذلك ؟
مايهمنا الآن الميراث الفكري الأدبي الذي تزدحم به رفوف المكتبات وكيف سينقل إلى عقول الأجيال ..
لك الشكر والتقدير
أختك
بنت البحر

د. محمد صنديد
02-09-2006, 01:40 AM
يا سيدتي بنت البحر زاهية:

هو إفراز لمرحلة، و كل إناء بما فيه ينضح. و انظري إلى إفرازات تلك المرحلة من فنون و علوم و أدب، و ستجدين فيها ما يشابه نجيب.

فكر مشوه عبثت به الماركسية اللينينية، و اتباع للهوى صار مذهباً، و حكم على الأمور من الظواهر....

إن من رحمة ربي، في زمننا هذا، فناء الفكر الشيوعي الذي كفر به أصحابه قبل أن يكفر به من خوى فكره من "مثقفينا".

أتابعك بشغف.