مشاهدة النسخة كاملة : رحيل الدكتور عبد العزيز حمودة
د. حسين علي محمد
15-09-2006, 10:14 PM
بطاقة شخصية
...................
*عبد العزيز عبد السلام حموده
* اسم الشهرة :عبد العزيز حموده.
*تاريخ ومحل الميلاد : كفر الزيات ، الغربية. (1937م)
*المؤهلات العلمية :
- ليسانس اللغة الإنجليزية وآدابها ، كلية الآداب ، جامعة القاهرة ، عام 1960.
- ماجستير الأدب الأمريكى من جامعة كورنيل ( الولايات المتحدة الأمريكية) ، عام 1965.
- دكتوراه الأدب الأمريكى من جامعة كورنيل ، عام 1968.
*التدرج الوظيفى :
- مدرس اللغة الإنجليزية بقسم اللغة الإنجليزية ، كلية الآداب ، جامعة القاهرة ، عام 1960.
- مدرس بقسم اللغة الإنجليزية ، كلية الآداب ، جامعة القاهرة ، عام 1968.
- أستاذ مساعد ثم أستاذ بقسم اللغة الإنجليزية ، كلية الآداب ، جامعة القاهرة ، عام 1973.
- رئيس قسم اللغة الإنجليزية ، كلية الآداب ، جامعة الملك عبد العزيز ، عام 1975.
- عميد كلية العلوم الإنسانية بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا ، عام 1997.
- عميد كلية الدراسات العليا بجامعة الإمارات العربية المتحدة من عام 1993 حتى 1997.
- نائب رئيس جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا ، عام 1998.
*الهيئات التى ينتمى إليها :
- عضو المجلس القومي للثقافة ، عام 1980.
- عضو اللجنة العلمية الدائمة للأساتذة ، عام 1980.
- عضو اللجنة العلمية الدائمة للأساتذة المساعدين ، عام 1981.
- عضو لجنة الثقافة باتحاد الإذاعة والتليفزيون ، عام 1986.
- شارك فى وضع اللائحة الداخلية والمناهج الدراسية بجامعة السلطان قابوس .
- مستشار مصر الثقافى ومدير البعثة التعليمية فى واشنطن ، عام 1989.
*المؤلفات العلمية :
- قدم للمكتبة العربية الكثير من المؤلفات فى كل من الفلسفة والنقد والمسرح وله أيضا بعض المؤلفات بالإنجليزية ونذكر من أعماله :
· " الناس فى طيبة " مسرحية ، عام 1979.
· " ليلة الكولونيل الأخيرة " مسرحية ، عام 1981.
· " الحلم الأمريكى " ، عام 1993.
· " المرايا المحدبة " ، عام 1998.
· " المرايا المقعرة " ، عام 2001.
· Introduction To our Town 1970.
· The problem with albee 1978.
*الجوائز والأوسمة :
- جائزة الدولة التقديرية فى الآداب من المجلس الأعلى للثقافة ، عام 2002.
د. حسين علي محمد
15-09-2006, 10:15 PM
من خطايا الحداثة العربية:
نقل عن النسخة الغربية ولغة غير مفهومة(1)
بقلم: أ.د. حسين علي محمد
................................
(1)
ظهر في العالم العربي في ربع القرن الأخير جيل جديد من النقاد يفيد من إنجازات النقد الغربي المعاصر، ويتبناها ويبشر بها، مديراً ظهره إلى تراث النقد العربي الذي أنجزته أمته خلال خمسة عشر قرنا، وبعض هؤلاء قد قطع بالفعل كل صلة بالمنجز النقدي الأدبي العربي ـ القديم والحديث ـ ويهرف بما لا يعي، ويكتب نقداً غير مفهوم (سائراً في تيار الحداثة الغربي، ولا يكف بعض هؤلاء ـ وعلى رأسهم جابر عصفور ـ عن معاداة عقيدة الأمة، ولا يكف عن الكتابة عن النقل والوحي اللذين يعوقان مشروع التجديد عنده(2) في مفهومه الذي يعني الانحياز إلى إنجاز العقل والتنوير، وكأن الإسلام ـ أو الوحي ـ يُعادي العقل الحقيقي أو يدعو للظلام!!).
إن هذا التيار من النقد الحداثي يزعم ـ كما تقول هدى وصفي ـ أنه يريد "تأصيل دراسات تُحاول تطوير منهج علمي في النقد، يبتعد عن الانطباعية التي تغرق فيها الدراسات النقدية على وجه العموم".
فهل نجح نقاد الحداثة الذين يملؤون الساحة النقدية ضجيجاً في دعواهم؟ وهل قدّموا نقداً يكشف النص المنقودَ ويضيئه؟ وهل قدّموا نسخة نقدية عربية أصيلة ليست مشوّهة تماماً أو "مستوردة"؟
عن هذا الجيل من النقاد وعن هذه الظاهرة كتب الدكتور عبد العزيز حمودة كتابه "المرايا المحدبة: من البنيوية إلى التفكيك" الذي أصدرته سلسلة "عالم المعرفة" الكويتية، في العدد (232)، الذي صدر في ذي الحجة 1418هـ-إبريل 1998م، في 430 صفحة من القطع المتوسط، ونتوقف هنا أمام قضيتين من أهم القضايا التي يطرحها هذا الكتاب، وهي النسخة العربية للحداثة، ولغتها النقدية. وإن كانت هذه الوقفة لا تغني عن قراءة هذا الكتاب المهم، المثير للجدل(3).
(2)
يقول الدكتور عبد العزيز حمودة في نبرة لا تخلو من سخرية عن ظاهرة الحداثة في النقد العربي الحديث التي غزتنا في ربع القرن الأخير:
"وقفت منذ السنوات الأولى من الثمانينيات على وجه التحديد أمام كتابات البنيويين العرب ـ أو الحداثيين العرب ـ بإحساس ظل حتى وقت قريب مزيجاً بين الانبهار والشعور بالعجز؛ الانبهار لأن مجموعة من الأكاديميين العرب استطاعوا في فترة الانكسار التي تلت هزيمة الإنسان العربي في 1967م "أن يُنقذوا شرف النقد العربي" ـ على حد تعبير الراحل لويس عوض ـ في أحد اللقاءات الفكرية في أواخر الثمانينيات، وهذه حقيقة لا مراء فيها، وكانت أبرز منابر النشاط النقدي الجديد هي مجلة "فصول" التي فتحت أبوابها أمام المفكرين المصريين والعرب فقدَّموا الدراسات الجادة والترجمات المتميزة عن البنيوية، لكن ذلك الانبهار ـ كما قلت ـ خالطه طوال الوقت شعور عميق ـ لم أُفصح عنه حتى اليوم بالعجز: العجز عن التعامل مع هذه الدراسات البنيوية وفهم أهدافها، بل فهم وظيفة النقد ذاته في ظل المصطلحات النقدية المترجمة والمنقولة والمنحوتة والمحرَّفة التي أغرقونا فيها لسنوات"(ص13).
قهل كانت الحداثة العربية نسخة عربية حقا كما يردد كمال أبو ديب وكما يقول جابر عصفور أحيانا إن الحداثة العربية لها إنجازها البارز في المنجز النقدي العالمي وأنهم ـ أي نقادُها ـ ليسوا عالة على المنجز النقدي الغربي؟
لقد حاول النقد العربي الجديد (الحداثي) حسب إلياس خوري وشكري عياد ـ أن يكون رد فعل للضياع العربي وسقوط الحلم العربي وعجز الأمة المطلق عن الحركة الفاعلة.
وهو ادّعاء لم يستطع النقد الحداثي أن يحققه، ويرى المؤلف أن مشروع النقد الحداثي قد فشل استنباته في التربة العربية لأنه نتاج حضارة أخرى وبيئة أخرى، وقد استطاع أن يخلق أعداءه في بيئته الأصلية (الغربية)، فكيف بالبيئة العربية التي تختلف اختلافا كليا عن البيئة الغربية؟!
يقول المؤلف: "المصطلح النقدي الحداثي إفراز للفلسفة الغربية خلال ثلاثمائة عام من تطورها، وعلى رغم ذلك فإن الحداثة في قلب التربة الثقافية الغربية خلقت أعداءها والرافضين لها، ولم يكن المصطلح النقدي الجديد أوفر حظا، فهو يمثل أزمة متجددة، لا تفقد قوة دفعها في لحظة من اللحظات، فما بالنا بالنسخة العربية التي نقلت النسخة الأخيرة للفكر الغربي دون أن تكون له مقدماته المنطقية، واستخدمت مصطلحاً نقديا يجمع بين غرابة النحت وغربة النقل إلى لغة جديدة"(ص11).
ويزعم بعض الحداثيين ـ مثل كمال أبي ديب ـ أنه يُقدم مذهباً عربيا أصيلاً في البنيوية مستقلاً عن النسخة الغربية، ويفوق ما قدّمه الفرنسيون، ويرى عبد العزيز حمودة أن هذا الكلام ادّعاء كبير وأنه في أكثر من موقع في تحليله للشعر الجاهلي يقترب من التحليل الغربي، ويضرب أمثلة على ذلك (ص11،12).
وينقل المؤلف كثيراً من نصوص نقاد الحداثة ليُبرز ـ كما يقول ـ "عملية التذبذب المستمرة التي يعيشها هؤلاء النقاد، وصعوبة اتفاقهم أنفسهم على تحديد هوية حداثتهم، فهم يتأرجحون بين ادّعاء الأصالة وإنشاء حداثة عربية تختلف عن الحداثة الغربية في مقولاتها ومصطلحها النقدي، في الوقت الذي تكشف فيه كتاباتهم بصفة مستمرة عن تأثرهم الواضح، إن لم يكن نقلهم الصريح، عن الحداثة بمفهومها الغربي، وهنا تكمن أزمة الحداثيين العرب في جوهرها"(ص32).
ويرى الدكتور عبد العزيز حمودة ـ بحق ـ أن "الحداثي العربي يفتقر إلى فلسفة خاصة به، فهو يستعير المفاهيم النهائية لدى الآخرين، ويقتبس من المدارس الفكرية الغربية، ويُحاول ـ في جهد توفيقي بالدرجة الأولى ـ تقديم نسخة عربية خاصة به، لكنها كلها عمليات اقتباس ونقل وترقيع وتوفيق، لا ترتبط بواقع ثقافي أصيل، ومن هنا تجيء الصورة النهائية مليئة بالثقوب والتناقضات"(بتصرف، ص62 ، 63).
(3)
يقول الناقد المعروف وديع فلسطين ـ وهو ناقد من نقاد الأصالة ـ في حوار أجريته معه في مجلة "الفيصل" (عدد أغسطس 1998م) عن وظيفة النقد:
"إن مهمة الناقد أن يتناول العمل الأدبي بنفس القدر من نطاسية الطبيب من حيث تشخيص أوجه القصور فيه والتنبيه إلى سبيل تداركها، وإظهار ما في العمل الأدبي من خصائص يستقل بها، أو أنها منتحلة من عمل سواه. وفي يد الناقد دائماً ميزان ذو كفتين: كفة لتبيان المزايا التي يتحلّى بها العمل الأدبي، وكفة للتنبيه إلى أوجه النقص التي برتئيها في هذا العمل، وله بعد ذلك أن يخرج برأي جامع يضع العمل الأدبي في المرتبة التي يستحقها ارتفاعاً وانخفاضاَ. وهنا تُصبح وظيفة الناقد أشبه بوظيفة القاضي الذي يُوازن بين الدعاوى المنظورة أمامه، ثم يُصدر حكمه المتضمِّن رأيه الرجيح".
لكن نقاد الحداثة ابتعدوا بمراحل عن هذا المفهوم الذي درجت عليه أجيال من النقاد، ووراء دعوى "علمية النقد" كتبوا كلاما غير مفهوم، ووضعوا رسوما توضيحية في دوائر ومثلثات ومربعات، وبعضهم وضع رموزا (كأنهم يقلدون علمي الهندسة والجبر ولكن شتان!!) وزادوا القارئ بُعداً عن النص بدلاً من أن يقربوه منه"!!.
يقول المؤلف: "لقد أسست البنيوية شرعيتها على مشروع طموح لتحقيق علمية النقد، فتبنّت النموذج اللغوي في حماس شديد، وعلمية الدراسة اللغوية أمر لا مراء فيه، لكن ماذا حقق البنيويون بعلميتهم؟ لقد كان الهدف منذ البداية هو إنارة النص، لكن ذلك ما لم يتحقق، وبدلاً من مقاربة" النص أو "إنارته" حجبت اللغة النقدية المراوغة والتي تلفت النظر إلى نفسها متذرّعة بعلمية التفسير للنص الأدبي و لم تُحقق المعنى … لقد انشغلوا في حقيقة الأمر بآلية الدلالة، ونسوا ماهية الدلالة، انهمكوا في تحديد الأنساق والأنظمة وكيف تعمل، وتجاهلوا "ماذا يعني النص"(ص9).
ويقول المؤلف في مكان آخر عن إنجاز البنيويين بعد مناقشة ما كتبه كمال أبو ديب وحكمت الخطيب وهدى وصفي في نصوص دالة على لغتهم المراوغة وإنطاق النص بما ليس فيه، إو افتراض أشياء لم تخطر للمبدع على بال: "إن "المقاربة" البنيوية كما تجسدها معاملة البنيويين للنصوص الأدبية لا تُقارب النص في المقام الأول، وفي نموذج كمال أبو ديب اختفى النص وراء محاولات "علمنة" معالجته. ربما يكون تحليله علميا، ولكنه لا يُساعد على فهم النص. لقد حجبته تماماً رسومه ومعادلاته وطلاسمه، إضافة إلى ذلك كله يُنطق النص بما ليس فيه … ما يفعله أبو ديب هو إخفاء القصيدة أو حجبها وراء كم هائل من التحليل البنيوي الذي يرتدي مسوح العلمية" (ص49،50).
وهكذا يمكننا القول إن نسخة الحداثة العربية ليست أصيلة مع محاولتها التمسح بالجرجاني وغيره من النقاد اللغويين العرب القدامى، وأنها تلجأ إلى لغة مراوغة، غير مفهومة تُبعد القارئ عن النص أكثر مما تُقرِّبه منه، وأنها نسخة تلفيقية أكثر ما يكون التلفيق والدجل، والله المستعان.
.......................
الهوامش:
(1) نشر في مجلة "البيان"، العدد (138)، صفر 1420هـ-يونيو 1999م، ص37 وما بعدها، تحت عنوان: "الحداثة العربية: الوجه الآخر - قراءة في كتاب "المرايا المحدبة".
(2) انظر مقالات جابر عصفور الشهرية في مجلة "العربي" الكويتية، والأسبوعية في جريدة "الحياة" اللندنية.
(3) قامت حول الكتاب معركة نقدية في صحيفة "أخبار الأدب" المصرية، استخدم فيها جابر عصفور لغة غير راقية في المناقشة على امتداد ثلاثة أعداد، وقد رد عليه المؤلف الدكتور عبد العزيز حمودة في ثلاثة أعداد أيضا، ثم علّق عليها كتاب من المهتمين بالقضية ـ انظر الصحيفة ديسمبر 1998م- يناير 1999م.
د. حسين علي محمد
15-09-2006, 10:16 PM
د. عبد العزيز حمودة.. وداعًا رائد المقاومة بالنقد الأدبي
بقلم: مجد عبد الفتاح
........................
بعد رحلة حافلة بالعطاء توفِي الدكتور عبد العزيز حمودة- أستاذ الأدب الإنجليزي بكلية جامعة القاهرة- عن عمر يناهز الثامنة والستين عامًا.
الدكتور عبد العزيز حمودة وُلد عام 1937م بقرية دلبشان مركز كفر الزيات بمحافظة الغربية، وتلقَّى تعليمه الأولي بطنطا، ثم التحق بكلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية جامعة القاهرة حتى تخرَّج عام 1962م ليُبتَعث إلى جامعة كورنيل الأمريكية للحصول على درجة الماجستير في الأدب المسرحي عام 1965م، ثم حصل على الدكتوراه من نفس الجامعة عام 1968م، وعاد إلى جامعة القاهرة ليعمل بتدريس النقد والدراما والأدب المسرحي، كما عمل أستاذًا للدراما بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وأستاذًا للنقد المسرحي بأكاديمية الفنون، وتدرَّج في عمله الأكاديمي حتى تم اختياره عميدًا لكلية الآداب عام 1985م حتى يوليو 1989م، ثم عمل مستشارًا ثقافيًّا لمصر بالولايات الماحدة الأمريكية، وبعد العودة عمل بكلية الآداب ثم تولى رئاسة جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا ليستقيل منها بعد موقفه الحاسم من الإدارة؛ بسبب قبول الطلاب دون الاهتمام بالمجموع والمستوى.
تميَّز الدكتور حمودة بأنه كان مثقَّفًا كبيرًا وإنسانًا نبيلاً كما يقول الناقد الدكتور حامد أبو أحمد- عميد كلية اللغات والترجمة بجامعة الأزهر- فكان مثقفًا كبيرًا وجريئًا في نقد تيار الحداثة الذي أفسد النقد الأدبي وجعله تابعًا تغريبيًّا، وأدى إلى تشويه النقد، فمما يذكر له أنه وقف في خندق ثقافة المقاومة واللجوء إلى التراث في مواجهة الحداثيين، وأضاف أن الدكتور عبد العزيز قدم رؤيةً معارِضةً تمامًا لرؤية الحداثيين العرب، وكشف طريقتهم في التأليف والاستعانة بالكتب الأجنبية، كما أنه من كتَّاب المسرح السياسي التقليدي، وقدم له المسرحُ مسرحياتٍ في طيبة وليلة الكولونيل الأخيرة، والرهائن، والظاهر بيبرس، والمقاول، وهذه الأعمال تحتاج إلى دراسة وتسليط الأضواء عليها.
أما الدكتور محمد عناني- أستاذ الأدب الإنجليزي بجامعة القاهرة- والذي ينتمي إلى ذات مدرسة الدكتور عبد العزيز حمودة فيقول: إن حمودة ناقد أدبي بالتكوين والحرفة، وقد تعلم النقد في الجامعة المصرية والجامعات الأمريكية، ومارَس النقد بالكتابة والمحاضرة والمشاركة في الندوات والمؤتمرات.
النقد اليساري
ويوضح الدكتور عناني أن الدكتور حمودة جاء في وقت كان فيه النقد التطبيقي يمرُّ بأزمة، وهو ما حبَّب رشاد رشدي في تكوين جماعة النقاد، وبناءً على مذهب ما يسمى بالنقد الجديد (وهو النقد التحليلي) مارسنا هذا في الستينيات حتى بداية السبعينيات ومعنا الدكتور حمودة، ثم انقضَّ اليسار بكل قواه؛ ليفرض على الساحة مذهبًا أيديولوجيًّا، وهو قياس العمل الفني لمدى قيمته الأيديولوجية لا قيمته الفنية.
ثم اضطُّر حمودة إلى الانسحاب من الساحة في الثمانينيات عندما رأى التيار الجديد (نظرية النقد الحديثة) وروادها فرنسيون يهود ومهاجرون روس يهود، مثل دريدا وباكوفسكي وغيرهما، وهؤلاء كانوا منعدمي الأيديولوجيا إلا إيمانهم بالعنصرية اليهودية، وكانوا يدعون إلى هدم كل شيء، بما في ذلك هدم الإيمان بالله، وساعدهم في ذلك الواقع الأوروبي المنصرف عن الدين.
وعندما لاحظ حمودة أن الوسط الأدبي منبهر بهذه النظرية دون إدراك كامل للفلسفة وراءها فكتب كتابه (المرايا المحدبة) 1998م، واتخذ فيه موقفَ العداء والهجوم، ورفض النظرية الحديثة استنادًا إلى موقفها الإيديولوجي الذي لا يتفق مع تقاليدنا ومعتقداتنا وتراثنا، وكان هناك أستاذ أمريكي هاجم دريدًا في كتاب (تهافت التفكيكية) وبيَّن أنها فاسدة الفكر والفلسفة، وهاجم حمودة كلَّ هذه المدارس، أما في كتابه الثاني (المرايا المقعرة) والثالث (الخروج من التيه)، فحاول تقديم نظرية ثابتة في النقد العربي تتكئ على التراث العربي بعد فضْحِ المدارس النقدية الغربية، وقد أثرت كتب حمودة في العالم العربي تأثيرًا كبيرًا، وأعادت الثقة للمبدعين والنقاد العرب، بأن لديهم تراثًا جديرًا بإعادة الاكتشاف والانتفاع بذخائره.
وفي أسًى وحزن قال الدكتور عناني: إننا في مصر يصعُب أن ترى الأثر بشكل جيد؛ لأن كل إنسان مشغول في أموره الخاصة، وعالمُ الأدب والنقد مليءٌ بالشللية، فالمسألة أصبحت مصالح فقط.
إنجاز مهم
الدكتور خالد فهمي- أستاذ علم اللغة بكلية الآداب جامعة المنوفية- يَعتبر المشروع النقدي للدكتور عبد العزيز حمودة المتمثل في كتبه الثلاثة (المرايا المحدبة- المرايا المقعرة- الخروج من التيه) أهم إنجاز فكري وثقافي على الإطلاق في السنوات العشر الماضية، وينقل الدكتور خالد عن الدكتور عبد العزيز حمودة عندما هاتفه أستاذ قانون شهير وقال له: لقد استطعت أن تصنع ثقبًا واسعًا في جدار حديدي (يقصد الحداثة الغربية) وقد أعطيتنا شجاعةً بأن نحاول أن نثقب هذا الثقب في جدار الدراسات القانونية وأن نبحث كما بحثت عن نظرية عربية قانونية، وهذا يدل على تجاوز أثر الدكتور حمودة الدراسات الأوروبية ليكون منارًا فيما بعد لفتح الباب أمام قراءة التراث الفكري العربي في مختلف الدراسات والمجالات.
ويضيف الدكتور خالد فهمي أن الحكم على مشروع الدكتور حمودة ينبغي أن يؤخَذ في إطار أنه ابن بارٌّ للثقافة الأمريكية قبل تحوُّلِه إلى المشروع العربي التراثي، خاصةً أنه حصل على الدكتوراه من الولايات المتحدة عن الشعر في نهاية التاريخ لفوكوياما، وكان من المبشِّرين بالحلم الأمريكي، وله كتاب "الحلم الأمريكي" نشرته دار سعاد الصباح، وهو مجموعةٌ من المقالات.
وكانت بداية تحوله أنه عندما قرأ الحداثيين العرب لم يفهم مقصدَهم واتضح أنهم غامضون ولم يُحسنوا التعبيرَ عما يريدون، فبدأ يقرأ أصول النظرية الحداثية في الغرب، فكتب كتابه الأول "المرايا المحدبة" وفيه اكتفى بعرض أصول النظريات الحداثية كما يكتبها النقاد الأوروبيون، لكنه لم يكتف بذلك، وأكمل بالكتاب الثاني "المرايا المقعرة" وهدفه إظهار أن الحداثيين العرب شوَّهوا ما نقلوا وابتسروا نقاطًا معينةً، لكنَّ أخطر القضايا التي يفجِّرها الكتاب أنه ألمَحَ إلى أن أيادي المخابرات الأمريكية ضالعةٌ في توجيه الحداثيين العرب، وكان أول من أشار إلى كتاب "من يدفع أجر العازفين؟!" لفرانسيس سوندرز، الذي ترجمه فيما بعد طلعت الشايب بعنوان "الحرب الثقافية الباردة".
ثم كان البحث عن بديل عربي في الكتاب الثاني ثم الثالث، وقال: إن النص ينبغي أن يقرأ في إطار أن كل ثقافة لها خصوصية والدكتور عبد العزيز حمودة، قد أحيا مصطلحًا عن العقاد هو (الهوية الواقية) يعني جهاز المناعة لدى الأمم؛ ولذلك اعتبر العودة إلى التراث البلاغي العربي ليس بعيدًا عن فكرة إعجاز القرآن؛ لأن البلاغة هي التي احتضنت القرآن وفي إطار أن هناك معنى.
نجاح كبير
وعن مدى نجاح حمودة ومشرعه في مواجهة الحداثيين يؤكد الدكتور خالد فهمي أنه نجح بقوة، والدليل على ذلك أن الكتب الثلاثة نُشرت في واحدة من أشهر الدوريات العربية وأوسعها انتشارًا (عالم المعرفة) ومعروف أن معظم القائمين على هذه الهيئة من العلمانيين والحداثيين، وعلى رأسهم الدكتور فؤاد زكريا وكذلك المحكِّمون لهم علاقة بالثقافة الغربية، فمنهم الدكتور سعد مصلوح وهو حاصل على الدكتوراة في علم اللغة من روسيا.
والدليل الثاني هو منح عبد العزيز حمودة جائزة الدولة التقديرية من المجلس الأعلى للثقافة، وهذا المجلس على رأسه جابر عصفور أشد المعارضين لحمودة، ويضيف الدكتور خالد فهمي: إنني كنت شاهدًا على تأكيد تحوُّل الدكتور حمودة إلى الحالة الإسلامية، فقد ذكر أمامي في الندوة التي عقدتها جريدة (آفاق عربية) لمناقشة كتابه "الخروج من التيه" أن الرابطة العالمية للأدب الإسلامي طلبت منه الكتابةَ عن قضية الأدب الإسلامي ووعدهم خيرًا، وهذا إعلان لضم حمودة لصف الحالة الإسلامية.. انتهى كلام الدكتور خالد.
أما معركة عبد العزيز حمودة مع الحداثيين فكانت ضاريةً، وصفها لكاتب هذه السطور بنفسه في حوار صحفي بعد صدور كتابه الثالث "الخروج من التيه"، فقال رحمه الله إنها كانت حملةً شعواء، لدرجة أن شاعرًا حداثيًا وصف الدعوة إلى نبذ الحداثة الغربية بأنها تمثل الدعوة إلى ركوب الجمال، كما هوجم في جريدة (أخبار الأدب) وبعض المجلات العربية التي يقف على رأسها الحداثيون، ولكن مع ذلك نجح مشروع الدكتور حمودة، لدرجة أن واحدًا من أهم روَّاد الحداثة، وهو الدكتور جابر عصفور، كتب مقالاً بعنوان "موت الحداثة" وفي مقال آخر كتب: أصبحت أحترس في استخدام لفظ الحداثة، فما قدمه الدكتور عبد العزيز حمودة للثقافة العربية وهو ابنٌ للثقافة الغربية يُعتبر هديةً من ذهب في التراث البلاغي العربي ونصحًا لكل من يسوق أفكارًا لمجرد أنها غربية.
تحفيز الصامتين
ومن أهم نتائج هذا المشروع أنه شجع الصامتين الذين كانوا يرفضون الحداثة ولا يفهمونها وكانوا يتهمون أنفسهم بعدم الفهم، ولكنه- كما يقول الدكتور إبراهيم عوض أستاذ الأدب العربي بجامعة عين شمس- فتحَ الباب أمام كثيرٍ من أساتذة النقد، فقد كتب كتابه "المرايا المشوهة" امتدادًا لفضح الحداثيين، وكثير من النقاد بدأوا يدخلون هذا المعترك الذي خاضه بذكاء وحكمة الدكتور عبد العزيز حمودة.
أما الدكتور حسين نصار- أستاذ الأدب العربي بجامعة القاهرة- فيقول إنه على الرغم من تخصص الدكتور حمودة في الأدب الإنجليزي إلا أنه كان على معرفة تامة بالأدب العربي أكثر من كثير من المتخصصين، مثل معرفته الوثيقة بالأدب الإنجليزي، فتعلم النقد الإنجليزي، وتعرف على مدارسه ومذاهبه، وكان يتابع أثره في الأدب العربي، وهي ميزةٌ لا تتوفر إلا للقليل، وقد مكنت الثقافة الواسعة لديه من مواجهة الحداثيين؛ ليكون بذلك من أهم من وقفوا بجانب التراث والأصالة أمام التيارات الغربية المزيفة.
وقد اهتم الدكتور عبد العزيز حمودة بمجاله، فألَّف في الأدب الإنجليزي وترجم منه ومن الدراسات التي قدمت له علمَ الجمال والنقد الحديث، والمسرح السياسي والبناء الدرامي والمسرح الأمريكي والحلم الأمريكي، كما أن اهتمام حمودة في مقالاته بـ(الأهرام) كان ينصبُّ على إحياء الثقافة العربية في مواجهة أمريكا التي تريد الهيمنة على الثقافة العربية.
وقد نالت كتب حمودة بعض الاهتمام، خاصةً من جانب الباحثين العرب في دول سوريا والأردن، وما زالت أعماله تحتاج من الباحثين العكوف والدراسة للخروج بخلاصة ما قدم وإضافة المزيد.
.................................................. ...
*عن موقع إخوان أون لاين - 11/9/2006م.
د. حسين علي محمد
15-09-2006, 10:17 PM
المفكّر والناقد الدكتور عبد العزيز حمودة:
الخروج من التيه الثقافي يكون عبر سلطة النص وجمالياته
أعلنت إفلاس الحداثة ولم يسمع الحداثيون العرب
حوار: صلاح حسن رشيد
.............................
لا أستطيع أن أقف مكتوف اليدين، وثقافتنا تتعرض لقصف جارف ومجرم من الانتهاكات والخروقات والتشوهات التي يقترفها الحداثيون العرب، بدعوى القطيعة المعرفية مع الماضي والتراث العربي الإسلامي، وإلا سأكون مذنباً في حق نفسي، وديني وإسلامي، وعروبتي، ومجتمعي الذي نشأت بين أحضانه، بل سأكون ساعتها خائناً لأمانة العلم والفكر والثقافة، وهادماً للأجيال القادمة.
بهذا التصور الواضح الجازم الذي لا يعرف المجاملة، يعترف الناقد الكبير الدكتور عبد العزيز حمودة -أستاذ الأدب الإنجليزي بكلية الآداب جامعة القاهرة والمفكر المعروف- بأن الحداثة الغربية لفظت أنفاسها الأخيرة منذ قرنين من الزمان في أوروبا والولايات المتحدة، مؤكداً أن خير دليل على ذلك صدور كتاب ((الحرب الباردة الثقافية، قصة تمويل C.i.a للفنون والآداب في العالم)) منذ عامين لكاتبة أمريكية طعمت كتابها بأدلة المخابرات الأمريكية المركزية المفرج عنها، وفيه ذكر لأسماء أساطين الفكر والفلسفة والأدب والشعر في أوروبا الذين كانوا يتلقون أموالاً منتظمة من الأمريكيين نظير مهاجمة الشيوعية، علاوة على تلقي مجلتي ((شعر)) و((حوار)) في بيروت والقاهرة لأموال باهظة منهم. وفي ما يلي نص الحوار:
- ما هو الموقف الفعلي اليوم من الحداثة؟ وكيف تراها بالمنظور النقدي؟
• ليس للحداثة أو ما بعدها أي مستقبل على الإطلاق؛ لأنها حركات هدامة قامت على محاربة الحق والجمال والفن والأدب تحت حجج واهية تستدعي القطيعة المعرفية مع التراث والماضي، وتتطاول على الفكر وتفجر قضايا لا طائل من ورائها. باختصار، الحداثة لفظت أنفاسها على يد بنيها، بعد إفلاسها وعجزها عن إثبات جدارتها في البقاء في عالم اليوم، والدليل كتاب ((الحرب الباردة الثقافية قصة تمويل C.i.a للفنون والآداب في العالم))، منذ عامين لكاتبة أمريكية طعّمته بأدلة المخابرات المركزية الأمريكية التي أفرجت عنها بعد مضي ثلاثين عاماً، وفيها قائمة بأسماء كبار: أدباء وفلاسفة ومفكري أوروبا الذين روّجوا للحداثة ضدّ الشيوعية، وكانوا يتلقون أموالاً ضخمة من الأمريكيين، فكيف نقتدي بهؤلاء المرتشين؟ ولماذا لا يتوقف الحداثيون العرب عن هرائهم هذا، وعن الاقتداء بنماذج فاسدة، ومذاهب معوجة؟
- ولكن كيف نقدّم للحداثيين العرب الصورة المغايرة التي أداروا ظهورهم لها، أعني حضارتنا العربية الإسلامية، ومنها كتابات نقادنا الأدبية واللغوية، ومتى نعيد اكتشافها؟
• لا بد أن نعيد الاكتشاف في تراثنا الرصين، وما فيه من فكر وآراء عظيمة، لم نلتفت إليها من قبل، لكن الغربيين والمستشرقين التفتوا إليها، وأدركوا قيمتها، إلا أنهم أعادوا صياغتها من جديد، بمنظورهم الخاص، وكأنهم ابتكروها من ساعتهم، وللأسف فلقد انطلى ذلك علينا بسبب جهلنا وتخلينا عن ذاتنا وهويتنا وأدبنا العظيم، البداية تعني المصالحة مع التراث وإدراك قيمته وحجمه، والاعتراف بأننا أدباء ونقاد وعلماء لغة وفلاسفة وشعراء لا نقل عن الغرب في أي شيء من ذلك، وأن نوثق بالمنجز الفكري الرائع لأجدادنا الكبار أمثال: عبد القاهر الجرجاني والسكاكي وقدامة بن جعفر وحازم القرطاجني، تلك الكتابات التي سرقها دي سوسير ونسبها إلى نفسه، وظللنا مدة قرن نعيش في أكذوبة كبرى اسمها البنيوية والحداثة والتفكيك والتلقي.
- لكن هيمنة العولمة والإمبريالية عاودت شراستها بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001 للقضاء على الهويات والحضارات والأديان؟ فكيف نجابه ذلك من منطلق فكري عقلاني؟
• نعم تسيطر العولمة والإمبريالية على مقاليد السياسة عالمياً بعد احتلال أفغانستان والعراق، وترك الحبل على الغارب لـ(إسرائيل) لكي تفعل في القدس وفلسطين ما يحلو لها من بطش وقمع؛ لذلك آليت على نفسي أن أعرّي الحداثة والعولمة والصهيونية وكل المذاهب الخربة المنحرفة؛ لأنني لا أستطيع أن أقف مكتوف اليدين، بينما يخترق الأعداء ثقافتنا وحضارتنا وهويتنا، مطالبين بتعديلات في صميم ديننا وتقاليدنا وأعرافنا، وإلا كان الموت لنا، وهكذا تتعرض أمتنا لقصف جارف ومجرم من الانتهاكات والخروقات والتشوهات التي يقترفها الحداثيون الغربيون، وتلاميذهم من العرب، وكذلك الغول الشرس في واشنطن وتل أبيب، تحت زعم القطيعة المعرفية مع الماضي والأديان، وهي قطيعة لا أب لها؛ لأنها نبت شيطاني، بلا أساس، والنتيجة أنني شمرت عن ساعدي، وبدأت إعلان الحرب على الآخر الغازي، أما الآخر الذي يسالمنا ونسالمه، فلا حرب بيننا، بل هي المودة والمحبة والتواصل الحضاري، لذلك فأمريكا إلى زوال، مثلما زالت الحداثة واجتثت أنيابها من على الأرض.
- بوصفكم من المتخصصين في الأدب الإنجليزي، ولديكم صلات مع الآخر، ما الطريق الواضح لغزو عقله وفكره وإبهاره بعظمة موروثنا الحضاري ولفت أنظاره إلى ذلك، بعيداً عن الكتابات الموتورة هناك؟
• هذا يتحقق عن طريق ترجمة إبداعنا الأصيل الجميل، وفكرنا القويم، وآراء علمائنا في الفلسفة والمنطق والتربية والاجتماع والطب والصيدلة والفلك والهندسة والرياضيات والشعر قديماً، وإطلاعهم على الإسلام الحقيقي النقي، الذي يخاطب الفطرة السليمة ويدعو للعلم والمدنية والمعرفة والأخلاق النبيلة، كذلك لا بد من إعداد الدعاة الداعين لمخاطر اللحظة الآتية، وكيفية عرض الإسلام والثقافة العربية بطريقة عصرية وبلغة مسموعة جذابة، تخلب لبّ الغربيين.
- صدر مؤخراً كتابكم ((الخروج من التيه.. دراسة في سلطة النص)) الذي دشنتم فيه نظرية نقدية عربية تجمع أدباءنا ونقادنا عليها، ما هي تلك النظرية؟
• لقد أخرجت من قبل كتابين بعد حياة كلها معاناة في قراءة جميع كتب الحداثة الغربية والعربية، واكتشاف عوارها وزيفها، وهما ((المرايا المحدبة)) و((المرايا المقعرة)) لكنني بعد أن عرّيت هؤلاء سألت نفسي: وماذا بعد؟ وخلال رحلة طويلة مع كتابات الأجداد ومطالعة آراء الجاحظ والسكاكي وقدامة بن جعفر وحازم القرطاجني، وجدت أننا لا نعرف أنفسنا، ولا ندرك مقدار ما يتضمنه تراثنا من نظريات رائعة أدبية ولغوية، لم نلتفت إليها، إلا بعد أن طلع بها علينا الحداثيون الغربيون، وهذه سقطة وقعنا فيها لعدة عقود، إلا أنني كنت أتساءل: هل عجز أجدادنا عن بلورة نظرية أدبية عربية نستطيع أن نستلهمها اليوم؟ وبالفعل توصلت إلى أن سلطة النص كامنة فيه، لأنها تتضافر فيها عناصر الجمال والحيوية والبقاء والفن، وأن أية مقولات أخرى تتحدث عن موت المؤلف، والمعادلات الرياضية في القصيدة، من قبيل هراء المجانين، ومن هنا أدركت أننا أمّة صاحبة سبق حضاري وفكري لا نظير له عالمياً.
د. حسين علي محمد
15-09-2006, 10:19 PM
كلمة أخيرة
عبدالعزيز حمودة
بقـلم : محمد مصطفي شردي
..........................................
اعتدت المفاجآت من أستاذي العزيز الدكتور عبدالعزيز حمودة. وآخر تلك المفاجآت هي رحيله عن عالمنا في الأسبوع الماضي. وحمودة أو الدكتور حمودة كما كان يحلو لنا أن نطلق عليه في الجامعة، نوع نادر من البشر. إنسان عميق الإحساس مثقف طيب... ومصري حتي النخاع. وانت في مسار حياتك تلتقي بالكثيرين. وبعد سنوات من لقائهم تجد أنك الآخر تمسحهم من ذاكرتك. لقد كان الدكتور حمودة من النوع الأول. التقيت به لأول مرة في كلية الآداب عندما قررت أن أحول أوراقي من الدراسة في الجامعات الأمريكية إلي مصر.
وكان حمودة في أوج نشاطه فهو أستاذ جامعي وكاتب مسرحي سياسي من الدرجة الأولي، وناقد له نظريات نقدية والأهم في كل ذلك أنه كان يشعرك بالألفة من الدقيقة الأولي. يشعرك أنه أب لكل طلابه، يبتسم دائماً حتي وهو غاضب. يثور ثم يهدأ في دقائق. ولم يكن حمودة من نوع المعلم الذي يلقي محاضرة ثم يغادرك لتعتمد علي ما تستطيع حفظه وتنجح. لقد أثارني هذا الرجل، كان يتحدي عقلك ويوسع ثقافتك ويجعلك تفكر. يخلط الثقافة بالحضارة والأدب والفكر ويقدم لك وجبة دسمة. كان أستاذي يدرس الأدب الإنجليزي والدراما والنقد.
ولكن كان له بعده في المجتمع وأوساط النقاد. وبعد تخرجي وعملي بالصحافة التقيت به عدة مرات متفرقة. منها لقاء عندما كان مستشاراً ثقافياً لمصر في واشنطن. أمضيت معه يوماً كاملاً نتحدث عن سنوات الجامعة وعن تلاميذه ومن منهم يعمل بالصحافة أو التدريس أو الكتابة والترجمة.
لقد استطاع حمودة في سنوات أن يوفر لمصر الملايين وهو في العاصمة الأمريكية لأنه كان نظيفاً وكان يعمل بإخلاص، ثم عاد إلي مصر وأثار قضية نقدية خطيرة قدم فيها نظريته. وعندما كتبت مدافعاً عن رأيه قابلني في آخر درس تلقيته منه. وقال لي وهو يقدم الكتاب الذي يحمل نظريته، أنه يشفق علي لأن الكتاب متخصص جداً في النقد... ولكنه علمني كيف أقرأ وأفهم..
لقد رحل أستاذي عن الدنيا. ولكنه ترك ذكري في أوساط أجيال من تلاميذه لمسهم فغير حياتهم إلي الأفضل وترك علماً وثقافة قدمها لمصر بكل الحب. وأعتقد أنني أتحدث نيابة عن كل تلاميذه وأصدقائه ومحبيه عندما أقول أستاذنا العزيز حمودة شكراً لك... ورحمك الله يادكتور.
وإلي الفنان فاروق حسني وزير الثقافة، أتمني أن يكرم اسم الدكتور حمودة بما يستحقه كأحد مثقفي مصر الذين أعطوا وقدموا الكثير.
..................................................
*الوفد ـ في 15/9/2006م
د. حسين علي محمد
15-09-2006, 10:21 PM
قراءة في كتاب المرايا المقعرة
بقلم: علي عليوه
..................
على مدى العقود الأخيرة ظل العلمانيون يبذلون كل ما في وسعهـم للترويج لمذهـب (الحـداثـة) المنقـول عـن الغـرب باعتبـاره ـ في زعمهم ـ كشفاً جديداً وتياراً أدبياً يقدم رؤية نقدية تكفل تحديث حياتنا الأدبية والفكرية، وجعلوا أنفسهم سدنة وكهاناً في معبد الحداثة رغم أنها دعوة لنبذ التراث المــوروث والقطيعــة معــه، والانفلات مــن القيم والثوابت العقـــدية، والتقليل مـن إنجــازات العقــــل المسلم طــــوال قرون ازدهـــار الحـــضارة الإسلامية.
واستطاع العلمانيون السيطرة على مجمل النشاط الأدبي والثقافي في كثير من البلاد العربية، وتبوؤوا أعلى المناصب، وتقدموا الصفوف وكأنهم الصفوة المختارة التي امتلكت ناحية الحقيقة ناظرين لمن ليس على مذهبهم نظرة استعلاء واستكبار وغطرسة، وفي هذه الأثناء خرج من داخل موقعهم الفكري ناقد مرموق استطاع قلب المائدة عليهم وإنزالهم من عليائهم، وكشف حقيقتهم وحقيقة حداثتهم.
الناقد هو الدكتور عبد العزيز حمودة عميد (كلية الآداب ـ جامعة القاهرة) الأسبق، وأستاذ الأدب الإنجليزي، والمستشار الثقافي السابق لمصر في الولايات المتحدة الأمريكية لعدة سنوات. والكتاب الذي نزل كالصاعقة على رؤوس دعاة الحداثة العرب فزلزل كيانهم وأصابهم بالدوار، وكشف حقيقتهم هو (المرايا المقعرة) الذي صدر ضمن سلسلة كتب عالم المعرفة التي يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدولة الكويت.
وقد سبق كتاب (المرايا المقعرة) كتاب صدر قبله بعدة شهور للدكتور حمودة يحمل عنوان: (المرايا المحدبة)، وقد شن الكتاب الأول (المرايا المحدبة) هجوماً حاداً على المذهب الحداثي تضمَّن نقداً علمياً موضوعياً للمذهب من ناقد تلقى تعليمه وتكوينه الثقافي من داخل البيئة الثقافية الغربية نفسها، واستطاع المؤلف بالحجة والبرهان إثبات أن الحداثة التي يتبناها العلمانيون العرب ما هي إلا بضاعة راكدة لفظها الكثير من مفكري ونقاد الغرب أنفسهم.
والفكرة التي أراد المؤلف توصيلها للقراء من خلال (المرايا المحدبة) هي أن الحداثيين العرب والغربيين على السواء وقفوا أمام (مرايا محدبة) زادت من أحجامهم وضخمتها، وحينما طالت وقفتهم أمام تلك المرايا صدقوا أن إنجازاتهم النقدية بهذا الحجم المتضخم على غير الحقيقة، وأن هؤلاء الحداثيين حين نقلوا عن الحداثة الغربية بتلك الصورة كانوا يفتحون الطريق أمام التبعية للثقافة الغربية، ويحاولون تكريس تلك التبعية، واستنبات ثقافة تتناقض مع الخصوصية العقدية والحضارية في التربة العربية.
وكتاب (المرايا المقعرة) يقع في (512) صفحة، ويحتوي على تمهيد وخاتمة، وبينهما الجزء الأول الذي يحمل عنوان: (الحداثة والقطيعة مع التراث)، ويضم فصلين الأول: (ثقافة الشرخ)، والثاني: (من النتائج إلى المقدمات). أما الجزء الثاني: (وصل ما انقطع: نحو نظرية نقدية عربية) فيتضمن المدخل ثم الفصل الأول بعنوان: (النظرية اللغوية العربية)، والفصل الثاني: (النظرية الأدبية العربية)، وبعد الخاتمة توجد الهوامش والمراجع.
* الشرخ الثقافي:
يرى المؤلف أن المثقف العربي يعيش ثقافة الشرخ أو الفصام بين موروثه الديني الذي تربى عليه، وبين اقتناعاته التي اكتسبها من خلال احتكاكه (بالآخر) الثقافي تجعله يتساءل: من أنا؟ بل من نحن؟ وأن المؤسسات الثقافية العربية منذ الاتصال بثقافة الغرب في النصف الأول من القرن التاسع عشر، أو منذ السنوات الأخيرة من القرن السابق عليه منذ الحملة الفرنسية على مصر عجزت عن تطوير مشروع ثقافي خاص بنا يوقف الشرخ ويرأب الصدع، مشروع يحقق الهوية الثقافية الخاصة بنا، ويحافظ عليها ضد محاولات الاقتلاع الثقافي وسلب الهوية التي تحاصرنا بها ثقافة التغريب القادمة عبر العولمة.
المشروع الثقافي العربي المفقود من شأنه تحديد الهوية الثقافية للجماعة، والحفاظ عليها من الذوبان في ثقافة أو ثقافات الآخر في أثناء تفاعلها معه أو احتكاكها في عصر أصبح الاحتكاك بين الثقافات أمراً محتوماً؛ مما يعني ضرورة وجود درجة من التحكم في التغيرات الاجتماعية التي هي أساس الأنشطة الثقافية، وبخاصة أن كثيراًَ من البلاد العربية عاشت عقوداً طويلة بعد الاستقلال تطبق مبادئ مستوردة من الشرق تارة والغرب تارة أخرى بزعم التنمية والنهوض الاقتصادي، وهي مبادئ ونماذج كانت بعيدة عن اقتناعات وهوية الشعوب العربية؛ ولذلك لم يكتب لها النجاح.
واستمر الشرخ الثقافي وأخذت الأسئلة تلح بقوة على كثير من أعضاء الصفوة المثقفة، وكان السؤال المحوري: من نحن؟ هل نحن شرقيون أم غربيون؟ هل نعيش حالة المجتمع الحديث أم حالة المجتمع القديم؟ هل ننتمي إلى التراث العربي أم إلى التراث الغربي؟ ولا شك أن العودة إلى الأصول باعتبارها المدخل الوحيد لتحديد الهوية الثقافية القومية سوف ينهي حالة الفصام، ويضع حداً للشرخ ويرأب الصدع، وهكذا نعود إلى درجة من التوحد الصحي والكلية التي راوغتنا لما يقرب من قرنين من الزمان، عندئذ سنكون أسعد حالاً بعد أن نخرج من الدائرة الجهنمية الحالية التي ندور حولها مغمضي العيون مسلوبي الإرادة تتقاذفنا تيارات القديم والجديد دون أن ننجز شيئاً، ولن نجد أنفسنا نعيش ذلك التناقض المؤلم الذي يريده لنا الحداثيون.
* السؤال الصعب؟
ويطرح الدكتور عبد العزيز حمودة سؤاله الصعب حول السبب في حدوث هذا الشرخ الثقافي والفصام المؤلمين؟ ويجيب قائلاً: لقد وصل الحال بالبعض منا في انبهاره بالغرب والثقافة الغربية إلى درجة العمى الكامل الذي أفقدهم القدرة على الاختلاف، وبلغ انبهارهم بالعقل الغربي وإنجازاته إلى درجة احتقار العقل العربي وإنجازاته، وهذه الحال لم تكن الحداثة وما بعد الحداثة هما السبب فيها. لقد كان ارتماء العلمانيين العرب في أحضان الحداثة وما بعدها نتيجة وليس سبباً؛ صحيح أنهما يمثلان ذروة الارتماء في أحضان الثقافة الغربية، لكنها ذروة سبقتها عملية اتجاه واعية ومدركة نحو الغرب وثقافته بدأت في أثناء حكم محمد علي لمصر، وتمثلت في تحديث التعليم وابتعاث الشباب إلى أوروبا مع الإبقاء على نظام التعليم التقليدي، ومن هنا بدأت الازدواجية والثنائية والشرخ.
ثم أصبح جسر التأثير الغربي في الثقافة العربية طريقاً واسعاً ممهداً عن طريق الاستعمار الغربي، فلم يعد الأمر مقصوراً على فئة محدودة من الأفراد يبتعثون إلى أوروبا لتعود بانبهارها إلى الثقافة العربية لتحاول تحديث العقل العربي، أو مجرد اقتباس أنظمة تعليم أوروبية حديثة تطبق في عدد محدود من المدارس، بل تعداه إلى غزو بشري عسكري يؤكد التفوق العسكري والثقافي للمنبهرين ويفرض التبعية على المترددين.
إنه لا يمكن الفصل بين الحداثة وما بعد الحداثة من ناحية وبين العولمة التي يقودها الغرب أو ما يسمونه بالكونية الجديدة، واتفاقية الجات التي تحكم السيطرة على اقتصاديات دول العالم لصالح الغرب من ناحية ثانية، ثم الغطرسة الغربية المهيمنة التي تريد فرض نموذجها الصناعي الرأسمالي الاستهلاكي والثقافي أيضاً على الدول المغلوبة على أمرها من ناحية أخرى. ليست مقولة المؤامرة هنا تعبيراً عن حالة مرضية بل هي حقيقة واقعة يؤكدها عقلاء الفكر الغربي * ومنهم المفكر "تورين" ـ وهؤلاء العقلاء يرون الخطر الواضح بين العقلية والكونية التي تعد الحداثة أحد مظاهرها وبين السيطرة الغربية على دولة وشعوب العالم الثالث.
ويخلص المؤلف إلى نتيجة هامة وهي أن تبني الحداثة وما بعد الحداثة الغربيتين مصاحباً بكل الانبهار الذي رافق ذلك يعني في بساطة مؤلمة أن بعض الحداثيين العرب قد مهدوا لعمليات الاختراق الثقافي، وسهلوا عملية السيطرة والهيمنة للحداثة شرقيها وغربيها، وهذا هو حجم الخطأ الذي يحدد بالقطع حجم اللوم المناسب.
* المؤامرة الموثقة:
ويتطرق الدكتور عبد العزيز حمودة إلى أهم جزء في كتابه وهو تفاصيل "المؤامرة" الموثقة في (509) صفحات من القطع الكبير هي حجم كتاب (من دفع أجرة العازف؟) للباحثة البريطانية "سورين سوندرز" التي استقت وثائقها من ملفات أجهزة المخابرات الأمريكية والبريطانية بعد الإفراج عن تلك الملفات بعد مضي المدة الزمنية المقررة، وشملت الوثائق لقاءات مطولة مع المؤسسات والأشخاص المستهدفين، ثم أجهزة التمويل أو "الغطاء" * في لغة المخابرات ـ الذي استخدم في ذلك، وكشفت علاقة كل ذلك بالحداثة الغربية والحداثة العربية خاصة.
وفي مقدمة كتابها أوضحت أهداف تدخل أجهزة المخابرات الأمريكية والبريطانية في الأنشطة الثقافية في المنطقة العربية وتمويل تلك الأنشطة، وأهم هذه الأهداف الترويج للحداثة باعتبارها سلاحاً ضد الثقافات المحلية للشعوب، وقالت بالنص ص (2): "لقد قامت مؤسسة التجسس الأمريكية دون أن يردعها أو يكتشفها أحد لأكثر من عشرين عاماً بإدارة واجهة ثقافية متطورة جيدة التمويل في الغرب ومن أجل الغرب باسم حرية التعبير بعد أن اعتبرت الحرب الباردة (معركة حول العقول) جمعت المؤسسة ترسانة ضخمة من الأسلحة الثقافية من الصحف والكتب والمؤتمرات وحلقات النقاش والمعارض الفنية والحفلات الموسيقية والجوائز".
إن كلمات "توم برادن" وهو من أبرز رجال المخابرات البريطانية الذين قادوا "الحرب الثقافية" الواردة بكتاب سوندرز تؤكد بما لا يترك مجالاً للشك أن عمليات الغواية لجذب المثقفين إلى المعسكر الغربي لم تكن بريئة كلية؛ لكنها في الوقت نفسه تبرز مفارق جوهرية؛ فالمخابرات من منطلق تشجيع ما يسمى بـ (حرية التعبير) كانت تقوم أولاً بشراء حرية التعبير، ثم تقوم بالتحكم فيها وتقييدها. وتعلق سوندرز على ذلك بقولها: "لم يكن سوق الأفكار بالحرية التي تظاهر بها"، وأخذت فروع رابطة (حرية الثقافة) وهي الواجهة المخابراتية للغزو الثقافي تنتشر في البلاد العربية. إن سوندرز تؤكد من خلال الوثائق أن المخابرات الغربية شجعت عن طريق التمويل التيارات الحداثية في الفنون والآداب والنقد، ولم تكن الحداثة الغربية بالبراءة التي تصورها البعض، وإنما كانت الحلقة الأخيرة في سلسلة الهيمنة والسيطرة على مقدرات الشعوب المقهورة والتمهيد لسيطرة الثقافة الغربية. والمفارقة التي تبرزها سوندرز أن أمريكا التي رفعت شعار "حرية التعبير" أو "الحرية الثقافية" واستخدمته سلاماً مبدئياً في حربها الباردة مع المعسكر الشرقي كانت في تلك السنوات المبكرة في أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات من القرن الماضي على وجه التحديد تقهر حرية التعبير داخل الولايات المتحدة، بل إن الذوق الأمريكي ممثلاً رسمياً في رئيس الجمهورية وبعض أعضاء مجلس الشيوخ كان يعتبر الفن الحداثي فناً هابطاً منحلاً، وقد وصل الأمر إلى درجة اتهام أحد أعضاء الكونجرس للفنانين الحداثيين بالتجسس لحساب الاتحاد السوفييتي؛ ولكن ذلك لم يمنع من تشجيع نشر الحداثة لضرب ثقافات الشعوب الأخرى.
لقد بدأ النشاط الحداثي في العالم العربي مع مجلة (حوار) التي افتتحت في القاهرة في أوائل الستينيات وهي بتمويل كامل من المخابرات الغربية التي افتتحت عدداً من المجلات والدوريات المماثلة، ومنها مجلة (شعر) في بيروت عام 1957م ولكن مجلة (حوار) أغلقت بعد ذلك بعد افتضاح أمرها، وكان ظهور مجلة (شعر) مرتبطاً بعلاقة وثيقة بـ (رابطة حرية الثقافة) الواجهة الظاهرة للمخابرات الغربية، وكان مؤسس المجلة (يوسف الخال) يدعو للاندماج التام في الثقافة الغربية.
* العزلة:
ويرى الدكتور عبد العزيز حمودة أن العقل العربي الحداثي تحرك في اتجاه الثقافة الغربية في ظرف تاريخي شعر فيه العربي بالحاجة المصيرية للتحديث. ومع كثير من الانبهار بمنجزات العقل الغربي واحتقار للعقل العربي وبمنجزاته تحول الحداثيون من "التعلم" إلى "الاندماج" دون أن يدركوا الاختلاف أو يستشعروا الخطر، وتقبل هؤلاء الحداثيون المقولة الإمبريالية بكونية الحداثة، وأن ما يناسب الآخر الثقافي/ الحضاري يناسبنا بالضرورة، وإذا ارتفع صوت ينبه إلى الاختلاف سارعت "النخبة الحداثية" إلى اتهامه بالأصولية والانعزالية!!
والنتيجة الأخرى التي ترتبت على موقف الحداثيين العرب هي تحولهم المحزن إلى (نخبة) يكتب بعضهم لبعض ويحاورون أنفسهم ويخاطبون أنفسهم؛ مما أدى إلى عزلتهم المبكرة عن الجماهير ووضعهم في موقف مناقض (لثورية الحداثة)، ووقع الحداثي العربي في مأزق مزدوج وهو العزلة عن الجماهير بسبب لجوئه في أعماله الأدبية إلى الغموض والتغريب والتجريب ثم تحالفه مع النخبة السياسية الحاكمة التي اتصفت بالفساد والديكتاتورية في أغلب الأحوال.
لقد رفع الحداثيون العرب شعار (الاستنارة) و (التنوير)، وبدلاً من أن يعتمدوا على العقلانية المقبولة تحولوا إلى تبني الفكر الغربي بعدته وعتاده؛ وبذلك زادوا الأمور إظلاماً بدلاً من إنارتها، وبلغت المأساة ذروتها عندما وضعوا "الدين" باعتباره فكراً غيبياً من وجهة نظرهم في مواجهة "العقلانية" و "التفكير العلمي"، وأدت طريقة تعامل المثقفين العرب مع العلوم الجديدة القادمة من الغرب خلال العقدين الأخيرين إلى نتائج سلبية خطيرة زادت الظلام إظلاماً في النفق المسدود الذي دخلوا فيه.
ويطالب مؤلف (المرايا المقعرة) بضرورة مراجعة "أرشيفنا الثقافي" حتى نستطيع أن نحدد أين نقف؟ حتى نصل في النهاية إلى معرفة من نحن؟ وأن نعيد صياغة خياراتنا بعد أن وصلنا إلى المنحى الحالي الخطير في علاقتنا بالغرب، وتحولنا عن الاستفادة منه إلى الاندماج فيه؛ مما جعلنا مهددين بالانمحاء. ومن الضروري أيضاً التحذير من ارتباط الحداثة العربية بالهيمنة والسيطرة الغربية، وأنها تسعى لجرنا إلى السقوط في هاوية التبعية التي لا يعلم سوى الله * - تعالى - ـ وحده كيف نخرج منها.
ربيع أول 1423 هـ - مايو - يونية 2002 م .
د. حسين علي محمد
15-09-2006, 10:30 PM
د. عبد العزيز حمودة:
اسمي ارتبط بمحاولة التأصيل لاتجاه نقدي عربي
حوار: ممدوح سالم
.....................
( يرى أن الحداثيين العرب في أفضل حالاتهم ناقلون عن الحداثة الغربية أو مترجمون لها)
في ثلاثيته: «المرايا المقعرة»، «المرايا المحدبة»، و«الخروج من التيه»، التي صدرت عن سلسلة كتاب عالم المعرفة بالكويت، طرح الناقد الأدبي أستاذ الأدب الإنجليزي الدكتور عبد العزيز حمودة، قضايا شائكة وملتبسة خاصة دعوته إلى تأصيل نظرية نقدية عربية عن استلهام حداثات الغرب، أو كما فهمت بهذا الشكل.
( هنا حوار معه: )
* بماذا تفسر خفوت حركة النقد في عالمنا العربي وعدم ظهور جيل نقدي جديد له رؤية ومعالم محددة؟
ـ على الظاهر تبدو الأمور وكأن هناك حركة نقدية نشيطة، فالكتّاب المترجمون ينتشرون بطول العالم العربي وعرضه يكتبون النقد الحداثي، بل يذهب البعض إلى القول، خاصة في معرض الإجابة عن بعض مقولاتي الأساسية منذ «المرايا المحدبة»، بأننا قد تحولنا من استهلاك الحداثة الغربية إلى إنتاج حداثة عربية، وكان ذلك في معرض مقولتي بأنه لا توجد حداثة عربية ولا حداثيون عرب.
وحينما رفعت في وجهي تلك اللافتة الجديدة تساءلت في تحد، وما زال السؤال قائما حتى اليوم: إذا كان باستطاعة حداثي عربي واحد أن يشير إلى فكر حداثي عربي صميم أفرزته الثقافة العربية ولم تتم استعارته من الثقافة الغربية أو الحداثة الغربية.
على السطح إذا هناك حركة توحي بوجود تيار نقدي عربي، لكن الحقيقة غير ذلك تماما، فالحداثيون العرب في أفضل حالاتهم ناقلون عن الحداثة الغربية وما بعدها أو مترجمون عن نصوصها، وفي أسوأ حالاتهم ناقلون من دون فهم ومن دون إدراك، لما أسميته في «المرايا المقعرة» بـ«الاختلاف الخطر».
إنني في حقيقة الأمر أصبحت أتبنى مقولة تؤكدها الشواهد من حولي، وهي أننا في الوقت الذي بدأنا فيه القرن العشرين بعملية تأثر صحية بالثقافة الغربية في محاولة للخروج من عصر الانحطاط الثقافي العربي، وهي عملية تأثر استمرت على الأقل لجيلين، إلا أننا في الجيل الثالث أو الرابع ارتمينا بالكامل في أحضان الثقافة الغربية. وهكذا بدلا من أن تؤدي حركة التأثر المبكرة إلى ظهور جيل من النقاد والمفكرين العرب القادرين على تطوير نظرية نقدية عربية انتهى بنا القرن العشرون وقد أصبحنا أبعد ما نكون عن تطوير نظرية نقدية عربية، باختصار شديد الأسماء كثيرة والمنشور كثير، لكن المردود العربي في حقيقة الأمر قليل قليل.
* هل ضعف الإبداع أم ضعف النقد يقف وراء تأخر الحركة الأدبية في مصر والعالم العربي؟
ـ في الحقيقة أنني لم أنشغل كثيرا بالإبداع العربي حتى الآن، لأنني انشغلت بالهم الأكبر وهو ما يسميه الغربيون أنفسهم «بغول النظرية» وأقصد بها نظرية النقد الأدبي، ورغم ذلك استطيع التعميم دون كثير مبالغة بأن ما حدث في ربع القرن الأخير من انبهار واضح بالاتجاهات النقدية الغربية مع غير قليل من احتقار إنجازات العقل العربي أثر سلبا في الحركة الأدبية وبخاصة الشعر.
فقد أصبح الافتنان بالغموض من أجل الغموض وكسر القواعد والخروج على التقاليد الشعرية، سمة من سمات الشعر العربي المعاصر إلى حد ما، وجريا وراء معطيات خاطئة للثقافة الغربية، وربما استطيع أن أزيد هنا أن قصيدة النثر هي إحدى النتائج السلبية لتلك الاتجاهات الحداثية.
* ألا ترى أن قصيدة النثر بهذه التسمية تحمل أضدادا أو قل هي أضداد في ذاتها ومن ثم كيف يتأتى للناقد أن يبحث قضية ذات أضداد في وقت واحد؟
ـ لا بد أن نفرق هنا في الحديث عن المنحى الأخير في الإبداع الشعري بين الشعر الحر وقصيدة النثر، فالشعر الحر جاء تطورا طبيعيا لاتجاهات الشعر العربي، وربما يكون ذلك التطور قد تأخر هنا بالمقارنة مع الشعر في اللغات الأخرى.
ولا نستطيع أن ننسى هنا أن الشعر الحر رغم خروجه على القافية، إلا أنه ظل محتفظا بجوهر الشعرية من موسيقى وخيال وصور، ولا بد أن نذكر هنا القصة التي يعرفها الجميع في ما يتعلق بالمساجلة التي حدثت بين العقاد وعبد المعطي حجازي، حينما اتهم العقاد كتّاب الشعر الحر بأنهم أناس يتجهون إلى الشعر الحر بسبب عجزهم عن إبداع الشعر العربي التقليدي، ويومها كان رد حجازي البليغ هو نشر قصيدة تقليدية التزم فيها بأوزان الشعر التقليدية، ليقول للعقاد إنه لا يقدر على الجديد إلا من هضم القديم وعرفه حق المعرفة.
نحن بالقطع لا نستطيع أن نقول نفس الشيء عن كتّاب قصيدة النثر، لأنها ـ كما قلت أنت ـ جمع بين المضادين، إذ كيف تكون قصيدة ونثر في الوقت نفسه.
* في هذا السياق، هل نعاني برأيك من أزمة المصطلح، لا سيما المصطلح النقدي؟
ـ أزمة المصطلح في الواقع، وهو موضوع الورقة التي قدمتها حديثا في مؤتمر عن الترجمة بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض، وموضوعها على وجه التحديد «إشكاليات تعريب المصطلح النقدي»، وموضوع الورقة يجيب عن ذلك السؤال بصورة محددة ودقيقة. فأنا أرى أولا أن المشكلة لم تكن أبدا مشكلة المصطلح، بل مشكلة الفكر الذي أفرزه والفكر المستقل له، ولهذا توقفت أولا عند كلمة (اشكالية) التي يستخدمها الحداثيون العرب بمعنى المشكلات المتعلقة بالشيء، بينما «اشكالية» تعني السياقات الفكرية والآيديولوجية التي تحيط بفكرة ما، أو تيار ما. ومن هذا المنطلق تعاملت مع ترجمة المصطلح رافضا مقولة أزمة المصطلح، خاصة أنها تعني في جزء منها اتهاما غير مباشر للغة العربية بالعجز والقصور عن نحت مصطلحات نقدية مقابلة للمصطلحات النقدية الغربية، وكأن المشكلة في جوهرها مشكلة لغوية.
لكن الحقيقة أن المصطلح النقدي الغربي لم ينشأ ولا يوجد داخل فراغ، فالمصطلح النقدي الغربي نشأ داخل فكر فلسفي غربي له ثوابته ومتغيراته المختلفة عن ثوابت ومتغيرات الثقافة العربية، وحينما ينقل ذلك المصطلح من السياقات المعرفية الفلسفية ينقل بالقطع محملا بكل عوالقه المعرفية، مما خلق مشكلة داخل الثقافة الغربية نفسها، أي أن هناك أزمة مصطلح بهذا المعنى داخل الثقافة التي أفرزت الحداثة وما بعد الحداثة الغربيتين.
وما دام الأمر كذلك داخل الثقافة الغربية نفسها، فلا بد أن الأمر سيكون أكثر تعقيدا حينما تنقل تلك المصطلحات من ثقافة كالثقافة الغربية إلى ثقافة أخرى كالثقافة العربية.
* إذاً الأزمة ليست أزمة مصطلح، هل هي أزمة رؤية؟
ـ نعم الأزمة ليست أزمة مصطلح، لكنها أزمة اختلاف، وهذا ما اختار الحداثيون العرب تجاهله لسنوات طويلة محاولين عبر العديد من الندوات والمؤتمرات ترسيخ فكرة أزمة المصطلح لغويا وعجز اللغة العربية عن التعامل مع تلك المصطلحات.
وفي هذا ـ في حقيقة الأمر ـ مورست معنا خديعة واضحة ولا أقول مؤامرة، إذ كلما تحدثنا عن الاختلاف رفعت في وجهنا لافتة العلمية والعالمية، واعتقد أن هذا تزييف واضح للأمور، فليس كل ما هو علمي عالمي.
* ذكرت في كتابك «المرايا المحدبة»، أننا بحاجة إلى حداثة حقيقية تهز الجمود وتدمر التخلف وتحقق الاستنارة فأي حداثة تعني تحديدا؟ ومن أين تولد؟ وكيف تنضج؟
ـ سنبدأ بفترة تاريخية يعرفها الجميع وهو عصر النهضة الأوروبي، هذا العصر عن طريق الفكر الجديد المستنير، عن طريق تبني المنهج العلمي نجح في تحقيق الاستنارة القائمة على هز الجمود، ولا نستطيع أن نوفي عصر النهضة حقه مهما نقول.
لكن حينما تحدثت عن حاجتنا إلى حداثة حقيقية، كنت أعني أولا أن الحداثة الغربية التي نأخذ عنها ومنها ليست حداثتنا، وبالتالي هي حداثة زائفة أو وهمية.
وبمعنى آخر كنت أنبه إلى ضرورة تطوير حداثة عربية تفرزها الثقافة العربية بثوابتها ومتغيراتها. وفي هذا أكرر مرة أخرى أنني لست ضد الحداثة في إطلاقها، لكنني ضد نقل حداثة الآخرين جاهزة وبنتائج نهائية لا تتفق مع السياقات الثقافية العربية.
أما مقولة التنوير فهي إلى جانب أنها ترد على الاتهامات التي أثيرت في وجهي بالرجعية، بل السلفية فإنها تؤكد أننا لا نستطيع تغيير الواقع الجامد والمتخلف للثقافة العربية، إلا عن طريق تطوير حداثة عربية تنجح مقولاتها في تحقيق الاستنارة المتماشية مع ثوابت الثقافة العربية ومتغيراتها.
* سعيت إلى تأصيل اتجاه نقدي يستند إلى مناخ ثقافي بعينة وفكر فلسفي محدد، فما ملامح هذا الاتجاه؟ وهل نجحت في تأصيله حقا؟
ـ سأبدأ بالجزئية الأخيرة، أقول إذا كنا نعني بالملامح الاتجاهات العامة لهذا التيار العربي، فأعتقد أنني نجحت في لفت الأنظار إلى أهمية ذلك، ولا ادعي أكثر من ذلك. والمتابع لما يكتب وكتب حتى الآن عن ثلاثيتي: «المرايا المحدبة» و«المقعرة» و«الخروج من التيه»، يدرك جيدا أن اسمي والحمد لله، قد ارتبط بمحاولة التأصيل لاتجاه نقدي عربي.
أما الجزء الأول، وهو الأهم في رأيي، فدعني أولا أؤكد أنني، وفي «المرايا المقعرة» على وجه التحديد، لم أدع أنني أقدم نظرية نقدية عربية بديلة، فهذا ادعاء أكبر من جهد عقل مفرد أو عقل جيل كامل، وهذا إنجاز لا يقدر عليه إلا جهد جيل أو أجيال. ومما فعلته في «المرايا المقعرة» بصفة أساسية، هو أنني أكدت عن طريق نماذج رائعة ومذهلة من البلاغة العربية في عصرها الذهبي، اننا بسبب انبهارنا بمنجزات العقل الغربي وبسبب خلطنا الواضح بين الرغبة المشروعة في تحديث العقل العربي بعد هزيمة 1967، وبين الحداثة الغربية، مارسنا قطيعة معرفية إرادية مع تراث البلاغة العربية أضيفت إلى قطيعة لاإرادية سابقة مع التراث في عصور الانحطاط.
وخلصت إلى القول بأننا لو لم نمارس مع تراثنا العربي هاتين القطيعتين الإرادية واللاإرادية، لكنا قد كونا اليوم اتجاهين: لغوي ونقدي، لا يقلان تقدمية عن الاتجاهات والتيارات اللغوية والنقدية التي انبهرنا بها في القرن العشرين.
وكنت أتوقف في أحيان كثيرة عند نماذج من بلاغة عبد القاهر الجرجاني والقاضي الجرجاني والباقلاني في ما يشبه الذهول، حيث سبق البلاغيون العرب مقولات انبهرنا بها بغباء في القرن العشرين، وفي مقدمتها مقولات سوسير التي خرج من عباءة فكره الكثير من اتجاهات علم اللغويات والنقد الأدبي في القرن العشرين من دون استثناء يذكر.
* لكن ماذا يعني ذلك؟
ـ معنى ذلك ـ في صراحة شديدة ـ أنني لم اقل على الإطلاق إن البلاغة العربية كانت قد طورت نموذجا نقديا متطورا أو متكاملا، بل قلت فقط إنه كانت لدينا بذور أو خيوط كان يمكن تطويرها في نظرية لغوية وأخرى أدبية متكاملة.
ولم أكن اقصد بذلك على وجه الإطلاق، كما قال بعض المهاجمين لي، إنني أنبش تحت جذور البلاغة العربية، لكنني كنت اقصد أن الإنسان الذي ينفصل عن تراثه إنسان بلا هوية، إنسان يعيش كما قلت ثقافة الشرخ أو ثقافة الانفصام بكل سلبياتها.
* كيف استطعت إبان عملك مستشارا ثقافيا لمصر بأميركا أن تحمل هموم الثقافة العربية مع القدرة على التعامل مع «الحلم الأميركي» من دون انبهار؟
ـ سأجيب عن سؤالك بطريقة غير مباشرة، وهو أنني كمصري وعربي عشت التجربة الأميركية مرتين: مرة في منتصف العشرينات، حيث ذهبت إلى أميركا كطالب علم، ثم ذهبت إلى العالم الجديد بكل الانبهار بالحلم الأميركي بمعطياته باعتبار أن أميركا بلد النجاح السهل.
أما الفترة الثانية، وبعد ربع قرن حينما ذهبت إلى أميركا مستشار مصر الثقافي، كنت أكثر قدرة على التعامل مع الحلم الأميركي من دون انبهار، بل من مسافة نقدية كافية لتحقيق رؤية جديدة مفادها أن أميركا ليست بالضرورة بلد اللبن والعسل، وفي الثانية لم تكن هناك مشكلة لقدرتي على تحقيق التوازن بين هويتي القومية وبين انبهاري بالتجربة الأميركية
..................................
*عن موقع: رابطة أدباء الشام.
أحمد حسن محمد
16-09-2006, 01:32 PM
رحمه الله وأسكنه فسيح جناته وغفر سيئاته وجزاه الله خيرا عما فعله للأدب العربي..
وأشكرك يا دكتور حسين على هذه الوفاء الرائع..
تحيتي وتقديري
د. حسين علي محمد
17-09-2006, 12:43 AM
شكراً للأستاذ أحمد حسن محمد على تعليقه، مع موداتي.
سارة محمد الهاملي
17-09-2006, 09:48 PM
أخي د.حسين علي محمد
كل الشكر والتقدير على هذه النبذة والتعريف بالأديب د.عبد العزيز حمودة وأعماله الأدبية.
رحمه الله وغفر له وأسكنه فسيح جناته.
د. حسين علي محمد
26-10-2006, 06:33 PM
شكراً للأديبة الأستاذة سارة،
وكل عام وأنتم بخير.
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir