مشاهدة النسخة كاملة : القيمة والشيمة
د. سمير العمري
17-09-2006, 09:09 PM
القيمة والشيمة
لعلني رأيت أن أبدأ أول موضوعات هذا الكتاب بتعريف محدد للقيمة وللشيمة وإظهار الفرق بينهما لما لذلك من أهمية قصوى في تحديد مفاهيم التناول الفلسفي والبعد الأخلاقي والتقدير الإنساني لما هو آت. إن في تحديد المسميات وتوضيح الدلالات أثراَ كبيراَ ودور أكبر في الوصول إلى المعاني المتجردة حكماً المتحرية إنصافاً وإثراءً.
أما القيمة لغة فهي القدر والثمن ، وأما اصطلاحاً فهي كنه الشيء وقوامه ، وهي المعنى لكل ما هو ذو قدر لا يصل به إلى العدم. القيمة هي الدلالة على مؤشر يرتقي ولا ينحدر إلى الحضيض دون أن يفقدها مسماها ومعناها. وتقاس القيم بهذا المؤشر ارتفاعاً وهبوطاً رأسياً فدأبها إما رفيعة ، وإما وضيعة ، وربها إما رفيع وإما وضيع. وقد ترتقي القيمة دون حد إلى غير أمد حتى تكون مطلقة يختص بها الخالق العظيم.
وأما الشيمة فهي الطبيعة والسجية ، هي الخلق الذي يكتسبه المرء مع الأيام ، والطبع التي يعتاده بين الأنام. هي توصيف لحالة وتوظيف لدور قد يكون للقيمة دور فيها وقد لا يكون. وتقاس الشيم بمقياس رأسي وأفقي ، نسبي لا يصل إلى إطلاقه بحال ، فتكون الشيم إما نفيسة وإما خسيسة تبعاً لمجموع ما حوت تلك الشيم من قيم ومقياس رفعة تلك القيم.
القيمة غاية نسعى إليها في كل قول وفعل رقياً نحو الأومق والأوثق والأسمق ، والشيمة هي وسيلة الوصول إليها نسرجها بالترفع ، ونسوسها بالحلم ، ونعتليها بالتواضع. القيم إذاً هالات ننظر إليها في مدارات عالية ، نمد أجنحة العزم محلقين بها نحو الحلم بالبلوغ والتعالي عن الولوغ. والشيم عيون تحدق فينا ترقب منا الكلمة والحركة ، وتقيم التصرف ، وتقوم التطرف ، كي ترسم لنا الصورة التي ترانا منها العيون ويحكم علينا بها الآخرون. القيم هي المقياس الذي نحتكم إليه في المضاهاة بين القدر والقدرة ، والسمو والضعة ، والرشد والسفاهة. أما الشيم فهي ما يحتكم إلينا في المساواة بين الظاهر والباطن ، والمجاراة بين الأقوال والأفعال.
ومن خلال ما سبق يمكن للمتأمل أن يدرك أن القيم لا تدل إلا على معاني الخير ولا تعبر إلا عن مراتب الفضيلة ، ولا تكون القيمة إلا بقيمة ، ولا يمكن لها أن تضمحل إلا بفنائها وانسلاخها عن معناها. وهي معنى قائم بذاته لا يعتمد على تعليل أو تعديل أو تعبيل ، لا يهدى بل يهدى إليه ، ولا يعرى بل يعرى عنه. وأما الشيم فهي كما أسلفنا توصيف لحالة الفرد في تطبيقه للقيم في تصرفاته ومدى موائمة هذا لذاك. وعليه فالشيم قد تنعت بخير أو بشر ، ويمكنها أن تتأرجح بندولاً بسلبٍ أو بإيجابٍ وفق الحالة وتبع الحال. فالقيم إذاً مبادئ ثابتة لا تساوم ، والشيم هي حالات متقلبة في إطارها.
لكم رأيت من خلط كبير بين القيم والشيم عند العامة والخاصة على حد سواء مما نتج عنه غالباً اعوجاج في الطبائع وارتجاج في الأحكام ، ولكم كان التأثير خاطئاً والتقدير مخطئاً بما أورثه الإغراض حيناً والجهل أحيانا. ومن البدهي أن يحسن المرء إدراك معاني المسميات ، والتمكن من وسائل الفهم الألمعي للمعطيات لكي يصل إلى آفاق المعرفة الممتدة دون قيود قصور أو فروض فتور.
إن هذه المفاهيم التي تناولناها مقاربة ومقارنة بين القيم والشيم ستلعب دوراً رائداً في تقديم البراهين ، وتقييم الاستنتاجات المنبثقة من التناول لأحوال النفس البشرية وشيمها ، وستكون مرتكزاً للحكم أو التعليل خلا بعض حالات لا يكون فيها مثل هذا الأمر منطبقاً.
تحياتي
أحمد حسن محمد
17-09-2006, 09:45 PM
قل أعوذ برب الفلق .................... ومن شر حاسد إذا حسد
الصباح الخالدي
17-09-2006, 11:22 PM
رائعة د سمير
شكرا لهذه الإضافة القمية
بندر الصاعدي
18-09-2006, 07:05 PM
نحن في أمسِّ الحاجة إلى الإلمام بدقائق الأمور وكنهِ الحقائقِ , كما أنَّ التأصيل والتفصيل فيها أثبت لجذور المعرفة وأفرع لغصون الثقافة وأنجع لثمار الفكر , فإذا كانت المعاجم تحمل الوجه اللغوي للكمة واشتقاقاتها فإنَّ العقل البشري يعمل البعد الفكري لها بما يعطيها خصائص حيوية تعين المرء على تفسير ظواهر وبواطن الحياة البشرية بفمهومها الأوسع .
وإن شرع العرب قديمًا في إثراء المعرفة لغويًا متوسعًا في ذلك حتى كاد يشبعها فقد شرع أيضًا فكريًا غير أنها أي المعرفة لمْ تصل إلى درجة الإثراء فكريًا , ولا يزال الفكر متجددًا مرنًا بتوالي العهود وتتابع الأجيال .
نحن في ترقب لكل إشراقة معرفية أو فكرية سيتضمنها هذاالكتاب المرجوُّ إتمامه فإصداره المتأمَلُ فيه النفع للأمة العربية فالأمم الأخرى ..
وفقك الله وسدد خطاك..
دعواتي وتحياتي
فاطمة أولاد حمو يشو
19-09-2006, 02:58 AM
لكن إذا كانت القيمة هي صفات الاشياء المرغوبة او الغير المرغوبة، وكنا نتحدث عن السلوك الإنساني وعن أخلاق الناس، وكانت السلوكات مختلفة والأخلاق نسبية فهل هذا يعني أن القيم الاخلاقية، والإنسانية ليست ثابتة؟ هل الخير مرغوب من طرف سائر الناس؟ وهل الشر غير مرغوب؟ هل الخير كصفة توجد في سلوك شخص ما مرغوبة أو غير مرغوبة؟ لماذا يرغب الناس في الخير وفي الصفات الخيرة؟ وهل رغبة الناس في هذه الصفات يعني أن ما هو خير متفق عليه من طرف كل الناس؟
فاطمة أولاد حمو يشو
22-09-2006, 07:36 PM
فقد ورد في داخل مقالتك تعريف يخص الشيمة ينص على أنها طبيعة وسجية، وبما أن كل ماهو طبيعي يكون غير قابل للتغير، لفت إنتباهي وجود إضافة متناقضة مع التعريف الأول للشيمة وتنص هذه الإضافة بان الشيمة ما يكتسب مع مرور الأيام؟ فإذا كانت الشيم أو الصفات التي ترتبط بها تكتسب مع مرور الأيام فهل هذا يعني أنها ليست طبيعة، أو سجية تولد مع الإنسان، ولا يمكن تغييرها؟
خليل حلاوجي
25-09-2006, 08:36 AM
في مهمة تجديد الوعي التي يتبناها نهضويوا الامة الاسلامية من أكابر مفكريها ... تم فصل تعريف المعرفة عن الالهام ليتسنى لهم بعد ذلك توضيح الرؤية في فضاءات عملهم
جماجمنا البشرية محاطة بثلاثة أطواق اجتماعي وحضاري ونفسي
ومالم نتحررمن هذه الاطواق فلن نتقدم قيد نتملة في أثراء منظومة القيم التي نحملها في جماجمنا
\
دعواتي
جوتيار تمر
16-11-2006, 09:13 AM
الدكتور العمري..
قرأت النص مرتين وثلاث..وفي النهاية عدت الى ما طرحته فاطمة.. من تساؤلات..؟
محبتي
جوتيار
بهجت عبدالغني
21-11-2008, 07:24 PM
الأستاذ الدكتور سمير العمري
جزيت الجنة على هذا التفصيل المفيد والرائع ..
دمت بألف خير ..
تقبل خالص تحياتي
احمد فارس
28-12-2008, 01:57 PM
(( لكم رأيت من خلط كبير بين القيم والشيم عند العامة والخاصة على حد سواء مما نتج عنه غالباً اعوجاج في الطبائع وارتجاج في الأحكام ، ولكم كان التأثير خاطئاً والتقدير مخطئاً بما أورثه الإغراض حيناً والجهل أحيانا. ومن البدهي أن يحسن المرء إدراك معاني المسميات ، والتمكن من وسائل الفهم الألمعي للمعطيات لكي يصل إلى آفاق المعرفة الممتدة دون قيود قصور أو فروض فتور ))
بارك الله فيكم ورعاكم يا دكتور. قد مددت يدك على الجرح؛ فهذه القروح من مراتب التخلف والقابلية على الاستعمار لأنها مفاهيم وقيم تسلب الإنسان ذاتيته واخلاقيته وهويته النفسية والعقيدية. وتتركه عطْل عن العطاء والنماء، وكثير من هذه الأعراف والمفاهيم المختلطة والتي تتلبس احيانا نضارة الشيم والفضائل وتدّعيها؛ هي التي تبث الشلل في شخصيتنا فلابد من التاشير عليها، والتحذير منها.
مرة أخرى أشكرك على هذا الطرح الدقيق من الداخل. فنحن نفتقد الى مثله اذ انشغلنا بالحديث عن عن امور لا نكاد نراها الا من الخارج. فاستلبنا انفسنا القابلية على التركيب فاصبح غالبنا للأسف ذريين لا نرى دقائق الامور ولا مقدمات الاحوال، ثم في الآخر نعجز عن معالجة منتجاتها في غالب احوالها. جزاك الله الخير
طلال الشريف
22-01-2009, 06:46 PM
بارك الله فيك
د. سمير العمري
05-03-2010, 05:45 PM
قل أعوذ برب الفلق .................... ومن شر حاسد إذا حسد
بارك الله بك وأكرمك أيها الأديب ، ونسأل الله التوفيق لما يحب ويرضى ولما ينفع البلاد والعباد.
دام دفعك!
وأهلا ومرحبا بك دوما في أفياء واحة الخير.
تحياتي
حسام محمد حسين
05-03-2010, 06:51 PM
هل لي ان اسأل سيدي الفاضل ايهم اكثر تاثيرا في الانسان الشيم التي فُطر عليها كتلك التي تلاقاها عن والديه واهله ومحيطه الذي تربي فيه ام تلك التي اكتسبها من خلال حياته العملية وتعامله مع الآخرين ؟
ودمت لنا استاذ ومربيا
ربيحة الرفاعي
06-03-2010, 10:07 PM
وصلت المعلومة عماد أول موضوعات الكتاب ...
والآن ...
ماذا عن بقية موضوعاته؟
كيف نحصل عليها أو عليه؟
هذا استفسار مباشر وليس مجرد رد على الموضوع، ونتطلع للجواب
دام لك الألق
د. سمير العمري
17-03-2010, 07:44 PM
رائعة د سمير
شكرا لهذه الإضافة القمية
شكرا لك أيها الصباح!
أهلا ومرحبا بك دوما في أفياء واحة الخير.
تحياتي
د. سمير العمري
17-03-2010, 07:48 PM
نحن في أمسِّ الحاجة إلى الإلمام بدقائق الأمور وكنهِ الحقائقِ , كما أنَّ التأصيل والتفصيل فيها أثبت لجذور المعرفة وأفرع لغصون الثقافة وأنجع لثمار الفكر , فإذا كانت المعاجم تحمل الوجه اللغوي للكمة واشتقاقاتها فإنَّ العقل البشري يعمل البعد الفكري لها بما يعطيها خصائص حيوية تعين المرء على تفسير ظواهر وبواطن الحياة البشرية بفمهومها الأوسع .
وإن شرع العرب قديمًا في إثراء المعرفة لغويًا متوسعًا في ذلك حتى كاد يشبعها فقد شرع أيضًا فكريًا غير أنها أي المعرفة لمْ تصل إلى درجة الإثراء فكريًا , ولا يزال الفكر متجددًا مرنًا بتوالي العهود وتتابع الأجيال .
نحن في ترقب لكل إشراقة معرفية أو فكرية سيتضمنها هذاالكتاب المرجوُّ إتمامه فإصداره المتأمَلُ فيه النفع للأمة العربية فالأمم الأخرى ..
وفقك الله وسدد خطاك..
دعواتي وتحياتي
نعم أخي بندر ، القدرة على استشفاف الماعني وتحديد المعايير هو قدرة إنسانية محضة ، وضرورة فكرية ومنهجية ذات دلالات معرفية وتربوية وصولا للمستوى الحضاري المأمول.
وربما نجتهد هنا في هذا التوجه إلى إرساء معالم معرفية جديدة بتوجه إنساني خالص راجين أن يكون في ذلك ما يفيد الأجيال وينفع الأمة.
أشكر لك مداخلتك القيمة أخي وأدعو الله لك بخير.
وأهلا ومرحبا بك دوما في أفياء واحة الخير.
تحياتي
عبدالصمد حسن زيبار
20-03-2010, 07:21 PM
د.سمير
نص ثري فكر و بيان و معان جليلة
تشكل أزمة المصطلح إحدى أكبر المهمات التي على أهل اللغة و الفكر إستفراغ الوسع في معالجتها و تصويبها ,وهي إحدى المحاور الكبرى -حسب تصوري- في إعادة الصياغة.
بغية فتح الحوار أطرح إشكال :
سيدي الكريم هناك من يدعو إلى هجر المصطلح لأنه حسب زعمه اللاتعريف لا يعني الجهل , بل يعني اللا احتكار,فيقول :
لماذا يحصر معنى ما في لفظ واحد ؟ , بينما يمكن التعبير عن الافكار وبالتالي المعاني باكثر من طريقة , لماذا يوجد الانسان طريقا واحدا لاحد المعاني ويغلق بقية الطرق ؟ وهو قادر على ترك المعنى حرا ً بلا قيد ٍ لغوي يكبله . هذا التكبيل - بالمصطلح- هو ناشىء من رغبة بالامتلاك والاحتكار , تتضح فيما يحدث لاحقا ً من الصراع الذي يعيشه المصطلح في سبيل بقاءه بين كلمات اخرى تؤدي نفس الغرض . المصطلح بتكوينه الجامع المانع يجعل من احد الافكار قطعة جامدة ؟
تحياتي
د. سمير العمري
01-04-2010, 09:58 PM
لكن إذا كانت القيمة هي صفات الاشياء المرغوبة او الغير المرغوبة، وكنا نتحدث عن السلوك الإنساني وعن أخلاق الناس، وكانت السلوكات مختلفة والأخلاق نسبية فهل هذا يعني أن القيم الاخلاقية، والإنسانية ليست ثابتة؟ هل الخير مرغوب من طرف سائر الناس؟ وهل الشر غير مرغوب؟ هل الخير كصفة توجد في سلوك شخص ما مرغوبة أو غير مرغوبة؟ لماذا يرغب الناس في الخير وفي الصفات الخيرة؟ وهل رغبة الناس في هذه الصفات يعني أن ما هو خير متفق عليه من طرف كل الناس؟
لا أجد في قولك يا فاطمة (ببساطة يا أخي سمير القيمة هي الصفة التي توجد في الشيء فتجعله مرغوبا أو غير مرغوب.) أي فرق يذكر بين قولك هذا وما قلت إلا في معان بسيطة غير ذات تأثير. القيمة هي ما ذكرت أنا من أنها تمثل القدر في الأمور المعنوية والثمن في الأمور المادية وهو بالفعل مقياس رأسي متحرك يخضع لأمور مختلفة أهمها الوضع والمفهوم.
ولكي أجيبك على كل تساؤلاتك دفعة واحدة أبدأ بشرح هذين العاملين باعتبارهما الأهم في تحديد القيمة للأمر ، وهذا المرتكز في قولي يقرر بأن القيمة بالفعل أمر نسبي غير ثابت وغير محدد بدقة يتحكم فيه ما ذكرت من عوامل.
أما الوضع زمانا أو مكانا أو كلاهما فهو مهم جدا في تحديد القيمة باعتبار تأثيرها وأهميتها. لنقل أن رجلين يسيران في صحراء لاهبة وتاه بهما السبيل ولم يبق إلا بعض ماء قليل مع أحدهما بعد أن استهلك الثاني كل مائه دون تنظيم أو حتى استماع لنصح ، فإن كان ذلك الرجل أبى أن يمنح رفيقه بعض ماء من القليل الذي عنده فقد قام بالاحتكام للعدل وإن قام فأعطاه جرعة أو اثنتين فحسب عد ذلك فضلا ونبلا وإيثارا. ولو أن ذلك الفعل حدث في مكان يتوفر فيه الماء لكان جورا وخسة وبخلا. ذات التصرف اختلف فيه الحكم بسبب اختلاف الوضع المكاني. ثم لنقل أن رجلا عرض مساعدة على امرأة في ليل بهيم صادقا وسار خلفها يحفظها حتى وصلت بيتها بسلام فإن ذلك يعد نبلا ، وإن كان عرض هذا في وضح النهار في ظروف غير مقلقة فإن هذا يعد تحرشا وخسة. وهنا نفس الفعل اختلف فيه الحكم باختلاف الوضع الزماني.
وأما المفهوم فهو يخضع لماهية الرؤية والعقيدة والطبع عند من يحكم على القيمة ويؤثر في الحكم تأثيرا كبيرا. لنقل أن لصا أعاد ما سرقه من جيب رجل فقير إشفاقا عليه فإن زميله اللص الآخر سيرى في هذا عملا بطوليا ونبلا لا يصدق في حين أن أصل الأمر أنها سرقة وتصرفا خسيسا ونذالة.
ولنقل أن امرأة غربية وجدت لها عملا كراقصة فإنها سترى ذلك أمرا عظيما ونجاحا كبيرا باعتبار أن الرقص عندهم لا يعاب وأنها اجتهدت كثيرا في التدريب وفازت من بين عشرات المتقدمات ، ولكن لو كان هذا التصرف في بلد شرقي لعد عارا وفشلا لاختلاف المرتكزات في العقيدة والمفهوم.
هذه لمحات مختصرات توضح أن تحديد القيمة مختلف باختلاف الظرف أو الوضع أو المفهوم ، ولكن هذا بالطبع لا يعني مطلقا أن يصبح المفهوم الإنساني للقيمة هلاميا غير واضح الملامح وإنما هو في تقديري كالحكم على الجمال أمر تقريبي عام لكن لا يشط في الحالة الصحيحة ليجعل من القبيحة جميلة أو العكس. وهكذا تترقى القيمة في التصرف أو في الشيء وفق أقدار وقدرات الحاكم عليها ربما كما قال المتنبي:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم ***** وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها ***** وتصغر في عين العظيم العظائم.
فالكرم يراه البخيل في تقديم لقمة خبز يابسة للضيف ويراه الكريم في تقديم عجل حنيذ ، وكذا العزم وكذا جميع الأمور ولكن يظل مستوى الكرم الفارق واضحا في أعين الحكم المنصف ويترقى حتى يصل قيمته المطلقة في الذات الإلهية.
وهكذا فإن معاني الخير والشر تخضع للمفهوم وللوضع أيضا ولكن جبل البشر على طلب الخير لأنفسهم ولكن قد يطلب الخير من لا يدرك معناه كلص يطلب خير المال بالسرقة وحاكم يطلب خير المنصب بالتزوير والخيانة وهكذا.
أرجو أن أكون أوضحت الفكرة بهذه الأمثلة السريعة وهذه الإجابة المقتضبة.
وسأعود للرد في غد على تعليقك الآخر فترقبيني فضلا.
تحياتي
د. سمير العمري
03-04-2010, 01:36 AM
هذا من جهة، ومن جهة أخرى إذا كانت الشيمة طبيعة وسجية فهل هذا يعني أنها غير مكتسبة؟
فقد ورد في داخل مقالتك تعريف يخص الشيمة ينص على أنها طبيعة وسجية، وبما أن كل ماهو طبيعي يكون غير قابل للتغير، لفت إنتباهي وجود إضافة متناقضة مع التعريف الأول للشيمة وتنص هذه الإضافة بان الشيمة ما يكتسب مع مرور الأيام؟ فإذا كانت الشيم أو الصفات التي ترتبط بها تكتسب مع مرور الأيام فهل هذا يعني أنها ليست طبيعة، أو سجية تولد مع الإنسان، ولا يمكن تغييرها؟
أما هذه يا فاطمة فإن معضلتها تقع بين ثقافة المصطلح وفقه اللغة وعلم البيان.
السجية في حقيقة معناها ليس الفطرة أو الخلقة التي خلق الله الناس عليها وهي التي يعز أو يستحيل تغييرها ، وإنما كانت السجية معنى للطبيعة التي يكتسبها المرء بالممارسة المتكررة المستمرة حتى تصبح فيه غير متكلفة وتأتي بدون مشقة بل وبدون تفكير.
ورد في مقاييس اللغة:
والعَادة: الدُّرْبة. والتَّمادِي في شيء حتَّى يصير لـه سجيّةً.
وورد في لسان العرب:
واللّهْوقة: كل ما لم يبالغ فيه من كلام أو من عمل، تقول: قد لهوق كذا وقد تَلَهْوقَ فيه. قال أَبو الغوث: اللهوقة أن تتحسن بالشيء وأَن تظهر شيئاً باطنك على خلافة نحو أن يُظهر الرجلُ من السخاء ما ليس عليه سجيّته؛ قال الكميت يمدح مخلد بن يزيد بن المهلب: أَجْزيهمُ يَدَ مخْلَدٍ، وجَزَاؤُها عِنْدي بلا صَلَفٍ، ولا بتَلَهْوُقِ وفي الحديث: كان خُلُقه سجيّةً ولم يكن تَلَهْوُقاً أي لم يكن تصنّعاً وتكلُّفاً.
وورد في موضع آخر من لسان العرب:
وخَيِّمَ الوَحْشِيُّ في كِناسه: أَقامَ فيه فلم يَبْرَحْهُ.وخَيَّمَه: غَطَّاه بشيء كي يَعْبق به؛ وأَنشد: مَعَ الطِّيبِ المُخَيَّم في الثياب أَبو عبيد: الخِيمُ الشيمَة والطبيعة والخُلُق والسجية.
وقال الشاعر:
وأَنتَ امرؤٌ لا الجُودُ منكَ سَجيَّةٌ *** فتُعْطِي، وقد يُعْدِي على النَّائِلِ الوُجْدُ
وكل ما سبق يبين أن السجية لغة هي الطبع غير المتكلف والذي يسمى أيضا طبيعة وهو غير الفطرة التي يبدو أنك خلطت بين هذه وتلك ، والعقل يقول بأن الكرم لا يمكن أن يكون بتوريث جيني وأن النبيل لا يمكن أن يكون من خلال تواتر في الصبغيات الخلقية ، وإنما هي عادات مكتسبة تتطور مع الزمن والاستمرار والكثرة لتصبح وكأنها أمرا خلق به الإنسان وأصبح ضمن مقومات وجوده فتأتي هذه الأمور منه طبيعية غير متكلفة على عكس من يحاول أن يتظاهر بما ليس فيه فإن اللبيب يكشفه من أول لحظة.
ولكن أتفهم أن الكثير يعتبر السجية معنى من معاني الفطرة والخلقة ويروجونها كمصطلح وهذا خطأ كبير ويجب أن يتم تصحيحه ، بل ويجب علينا جميعا أن ننظر في أمر أكثر أهمية وهو ثقافة المصطلح واللعب عليه وتحويره لمعان غير دقيقة يفسد جوهر معناه ودلالة مقتضاه ، وهذا باب واسع وكبير قد نتصدى له يوما بعدة مقالات ومداولات.
تحياتي
د. سمير العمري
29-05-2010, 10:31 PM
في مهمة تجديد الوعي التي يتبناها نهضويوا الامة الاسلامية من أكابر مفكريها ... تم فصل تعريف المعرفة عن الالهام ليتسنى لهم بعد ذلك توضيح الرؤية في فضاءات عملهم
جماجمنا البشرية محاطة بثلاثة أطواق اجتماعي وحضاري ونفسي
ومالم نتحررمن هذه الاطواق فلن نتقدم قيد نتملة في أثراء منظومة القيم التي نحملها في جماجمنا
\
دعواتي
بل إني لا أجد أن هذه الأطواق أيها الخليل إن وجدت من حيث الأساس يمكن أن تعيق الأمة عن استنهاض همتها وإنما الذي يعيق هو التوقف أمام صخرة المفهوم نصر على تفتيتتها ونختلف بأية أداة وبأية آلية وأين ومتى ونغرق فيها ونحولها إلى القضية الكبرى التي نجند أنفسنا لها وننسى القضايا الكبرى الحقيقية وأن الصواب ربما كان في عدم الانسغال بها وتجاوزها بطرق أيسر كالتسلق أو الالتفاف أو حملها معا وإلقائها بعيدا عن الطريق بيد واحدة وقلب واحد.
اشتقت إليك أيها الخليل وإلى حواراتك الشيقة فلعلك لا تطيل الغياب.
تحياتي
عبدالصمد حسن زيبار
28-06-2010, 01:14 PM
(( القيمة غاية نسعى إليها في كل قول وفعل رقياً نحو الأومق والأوثق والأسمق ، والشيمة هي وسيلة الوصول إليها نسرجها بالترفع ، ونسوسها بالحلم ، ونعتليها بالتواضع. القيم إذاً هالات ننظر إليها في مدارات عالية ، نمد أجنحة العزم محلقين بها نحو الحلم بالبلوغ والتعالي عن الولوغ. والشيم عيون تحدق فينا ترقب منا الكلمة والحركة ، وتقيم التصرف ، وتقوم التطرف ، كي ترسم لنا الصورة التي ترانا منها العيون ويحكم علينا بها الآخرون. القيم هي المقياس الذي نحتكم إليه في المضاهاة بين القدر والقدرة ، والسمو والضعة ، والرشد والسفاهة. أما الشيم فهي ما يحتكم إلينا في المساواة بين الظاهر والباطن ، والمجاراة بين الأقوال والأفعال.
[/font]
[align=center]الله الله أيها الكبير
و ما الواحة و رموزها إلا أصحاب قيم نبيلة و شيم سامقة
للتثبيت ايها الحر الكريم
د. سمير العمري
09-12-2011, 03:09 PM
الدكتور العمري..
قرأت النص مرتين وثلاث..وفي النهاية عدت الى ما طرحته فاطمة.. من تساؤلات..؟
محبتي
جوتيار
ليس مستغربا يا جوتيار ما قلت بل هو المتوقع وهذا حق لك.
أوجهك لمراجعة ردودي عليها لعلها أن تضيء لك جانيا مما غم عليك.
دام دفعك!
ودمت بخير وعافية!
وأهلا ومرحبا بك دوما في أفياء واحة الخير.
تحياتي
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir