سها جلال جودت
02-10-2006, 08:41 PM
مؤرخ صلاح الدين الأيوبي – بهاء الدين بن شداد-
هو يوسف بن رافع بن تميم المعروف بابن شداد والملقب بهاء الدين والمكنى بأبي المحاسن، ولد في الموصل عام تسعة وثلاثين وخمسمائة من الهجرة الذي يوافق سنة خمس وأربعين ومائة وألف من الميلاد.
اتجه نحو العلوم الشرعية التي ترمقها أنظار أبناء عصره بالتجلة والاحترام فأخذ من شيوخه في الموصل علوم القرآن والتفسير والحديث الشريف كما درس الفقه ولم يُغفل الأدب بل يُذكر أنه قد درسه في صباه، فأحبه واستشهد بالشعر بأكثر مواقفه.
تنتمي ثقافته إلى الدراسات التي قدمها في كتبه عن الأقضية والأحكام والأحاديث المتعلقة بالجهاد فقد جمع بين الحديث والفقه.
كان ممن يهتمون بالمضمون أكثر من الشكل وقد دون سيرة صلاح الدين بأسلوب بسيط خال من الأساليب الأدبية بل لعله اقترب من العامية العادية لينقل لنا تاريخ هذه الأمة آنئذ على واقعها وحقيقتها.
وقد رشحته ثقافته إلى أن يصبح معيداً في أشهر مدرسة من مدارس بغداد يومئذ إن لم تكن أشهر مدرسة من مدارس العالم في عصرها وهي المدرسة النظامية سنة 566هجري – 1171ميلادي وبقي عاملاً في رتبة الإعادة مدة أربع سنوات ثم عاد إلى مسقط رأسه في الموصل.
وليس من عجب أن يكون أبو المحاسن وهو لقبه كما سبق وقدمنا له أن يصبح من الشخصيات المرموقة في المجتمع الموصلي نظراً لعلمه وحنكته وتدبيره، فكان مواطنيه يعتمدون عليه في المهام التي تحتاج إلى أصحاب البصائر.
وأيضاً لا نعجب إذا رأيناه مكلفاً من قبل حكام الموصل بالمهام الدبلوماسية الحساسة لدى منافسيهم أو محالفيهم من حكام المناطق الأخرى التي توزع عليها العالم العربي توزعاً غير ثابت الحدود والمعالم، وكانت توكل إليه بعض المهام للقائه بصلاح الدين للمفاوضة حين كان حكام الموصل في أخذٍ وردٍ معه.
ولأن العصبية المجتمعية كانت هي السائدة وتفرز مقاتلين يخوضون الصراعات الدموية ويحكمون أو يحكُمون قياداتهم إذا انتصروا، وقد كان بعض هؤلاء الحكام أكثر إخلاصاً من سواهم في السعي إلى احتواء المضمون المثالي الذي تتضمنه الصيغة الدينية الضرورية في عصرهم، ومن هؤلاء الحكام صلاح الدين الأيوبي الذي أردا حقاً أن يتشبه بأفذاذ العصر الرسالة عدالة ورحمة وبسالة وتفانياً وبعد نظر.
فحين كان ابن شداد عائداً من أداء فريضة الحج في عام 583 هجري 1188ميلادي مر بدمشق وكان قاصداً زيارة بيت المقدس، سمع به صلاح الدين الذي كان على أسوار كوكب محاصراً لها، فاستدعاه وآنسه وعند خروجه كلف العماد الأصفهاني وهو من رجال صلاح الدين أن يسأل ابن شداد الاتصال به حين يعود، فالتحق ابن شداد بعد ذلك في شهر جمادى الأولى سنة 584 هجري بخدمة السلطان، ومن خلال ذكرياته نجده قاضي عسكره وأول قاض لبيت المقدس المستعاد مع نظارة أوقافه، رافقه من يومها في أغلب معاركه وشهد انتصاراته وكبواته وواساه وشجعه عند المحن، كما كان أشبه بشيخه يتلو عليه الأحاديث النبوية المشجعة مع الأدعية والابتهالات عند المعارك والشدائد، ولم تكن المناصب تعنيه بشيء فلم يفكر في أن يكون والياً أو سلطاناً كان همه ما يجنيه من ثقة وما يثبته بجدارة فينال ما يستحقه بهدوء ويصعد إلى المقامات التي يرشحه لها عقله وعلمه واتزانه باطراد، وقد وصل في أواخر حياة السلطان صلاح الدين إلى ذروة الحظوة عنده حتى أنه والقاضي الفاضل كانا آخر من يبقى عنده كل ليلة من ليالي مرضه الأخير.
توفي ابن شداد عن عمر يناهز الثلاثة والتسعين عاماً سنة 632 هجري وأقرب مؤلفات للخلود تناوله لسيرة صلاح الدين الأيوبي الذي سنأتي على تتمة مقالنا بمشيئة الله في العدد القادم.
2/10/ 2006
هو يوسف بن رافع بن تميم المعروف بابن شداد والملقب بهاء الدين والمكنى بأبي المحاسن، ولد في الموصل عام تسعة وثلاثين وخمسمائة من الهجرة الذي يوافق سنة خمس وأربعين ومائة وألف من الميلاد.
اتجه نحو العلوم الشرعية التي ترمقها أنظار أبناء عصره بالتجلة والاحترام فأخذ من شيوخه في الموصل علوم القرآن والتفسير والحديث الشريف كما درس الفقه ولم يُغفل الأدب بل يُذكر أنه قد درسه في صباه، فأحبه واستشهد بالشعر بأكثر مواقفه.
تنتمي ثقافته إلى الدراسات التي قدمها في كتبه عن الأقضية والأحكام والأحاديث المتعلقة بالجهاد فقد جمع بين الحديث والفقه.
كان ممن يهتمون بالمضمون أكثر من الشكل وقد دون سيرة صلاح الدين بأسلوب بسيط خال من الأساليب الأدبية بل لعله اقترب من العامية العادية لينقل لنا تاريخ هذه الأمة آنئذ على واقعها وحقيقتها.
وقد رشحته ثقافته إلى أن يصبح معيداً في أشهر مدرسة من مدارس بغداد يومئذ إن لم تكن أشهر مدرسة من مدارس العالم في عصرها وهي المدرسة النظامية سنة 566هجري – 1171ميلادي وبقي عاملاً في رتبة الإعادة مدة أربع سنوات ثم عاد إلى مسقط رأسه في الموصل.
وليس من عجب أن يكون أبو المحاسن وهو لقبه كما سبق وقدمنا له أن يصبح من الشخصيات المرموقة في المجتمع الموصلي نظراً لعلمه وحنكته وتدبيره، فكان مواطنيه يعتمدون عليه في المهام التي تحتاج إلى أصحاب البصائر.
وأيضاً لا نعجب إذا رأيناه مكلفاً من قبل حكام الموصل بالمهام الدبلوماسية الحساسة لدى منافسيهم أو محالفيهم من حكام المناطق الأخرى التي توزع عليها العالم العربي توزعاً غير ثابت الحدود والمعالم، وكانت توكل إليه بعض المهام للقائه بصلاح الدين للمفاوضة حين كان حكام الموصل في أخذٍ وردٍ معه.
ولأن العصبية المجتمعية كانت هي السائدة وتفرز مقاتلين يخوضون الصراعات الدموية ويحكمون أو يحكُمون قياداتهم إذا انتصروا، وقد كان بعض هؤلاء الحكام أكثر إخلاصاً من سواهم في السعي إلى احتواء المضمون المثالي الذي تتضمنه الصيغة الدينية الضرورية في عصرهم، ومن هؤلاء الحكام صلاح الدين الأيوبي الذي أردا حقاً أن يتشبه بأفذاذ العصر الرسالة عدالة ورحمة وبسالة وتفانياً وبعد نظر.
فحين كان ابن شداد عائداً من أداء فريضة الحج في عام 583 هجري 1188ميلادي مر بدمشق وكان قاصداً زيارة بيت المقدس، سمع به صلاح الدين الذي كان على أسوار كوكب محاصراً لها، فاستدعاه وآنسه وعند خروجه كلف العماد الأصفهاني وهو من رجال صلاح الدين أن يسأل ابن شداد الاتصال به حين يعود، فالتحق ابن شداد بعد ذلك في شهر جمادى الأولى سنة 584 هجري بخدمة السلطان، ومن خلال ذكرياته نجده قاضي عسكره وأول قاض لبيت المقدس المستعاد مع نظارة أوقافه، رافقه من يومها في أغلب معاركه وشهد انتصاراته وكبواته وواساه وشجعه عند المحن، كما كان أشبه بشيخه يتلو عليه الأحاديث النبوية المشجعة مع الأدعية والابتهالات عند المعارك والشدائد، ولم تكن المناصب تعنيه بشيء فلم يفكر في أن يكون والياً أو سلطاناً كان همه ما يجنيه من ثقة وما يثبته بجدارة فينال ما يستحقه بهدوء ويصعد إلى المقامات التي يرشحه لها عقله وعلمه واتزانه باطراد، وقد وصل في أواخر حياة السلطان صلاح الدين إلى ذروة الحظوة عنده حتى أنه والقاضي الفاضل كانا آخر من يبقى عنده كل ليلة من ليالي مرضه الأخير.
توفي ابن شداد عن عمر يناهز الثلاثة والتسعين عاماً سنة 632 هجري وأقرب مؤلفات للخلود تناوله لسيرة صلاح الدين الأيوبي الذي سنأتي على تتمة مقالنا بمشيئة الله في العدد القادم.
2/10/ 2006