المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عمارة يعقوبيان... مصر المهترئة تحتضر



محمود الغيطاني
07-10-2006, 02:17 AM
هل من الممكن أن يتوقف دور السيناريست- حينما يحاول النقل من أصل روائي أدبي- عند حدود النقل فقط دو الإضافة أو الحذف؟ و هل حينما يتم النقل بهذا الشكل الأمين نستطيع القول أن السيناريست قد قام بدور يحمد عليه و لا بد أن نتوجه له بالتحية؟ و هل السيناريست له دور-ايجابي أو سلبي- حينما يقوم بالنقل من الأصل الروائي أم لا؟
علّ هذه الأسئلة الجوهرية-و غيرها الكثير- كانت هي محور تساؤلاتنا أثناء مشاهدتنا فيلم "عمارة يعقوبيان" للمخرج "مروان حامد"؛ و من ثم لم نستطع الخلاص منها على الإطلاق، و بالتالي كانت تتوالد منها الكثير من الأسئلة الأخرى المؤرقة و التي أفسدت علينا متعة مشاهدتنا للفيلم.
بل إن هذه الأسئلة تستدعي بالضرورة تساؤلا آخر أكثر أهمية و هو، هل كتابة السيناريو تشكل بالأساس عملية إبداعية في المقام الأول أم لا؟ أو بمعنى آخر، هل يضيف السيناريست من خلال ما يكتبه من روحه و خبرته و تقنياته التي تتناسب مع السياق الفيلمي و الصورة المرئية- المختلفة تماما مع السياق الروائي- إلى روح الأصل الروائي أم لا؟
كان لا بد من هذه التساؤلات الكثيرة التي فرضت نفسها علينا فرضا حينما شاهدنا فيلم "عمارة يعقوبيان" نظرا لأنه مأخوذ في الأساس من أصل أدبي قرأناه جميعا و ما زال ماثلا في أذهاننا، و بالتالي كانت حالة المقارنة و استعادة الذاكرة في أوجها بين ما نراه أمام أعيننا و ما قرأناه من قبل.
و بالرغم من معرفتنا المسبقة أن هذه الحالة- المقارنة- ليست عادلة؛ نظرا لأن ما يتم عرضه سينمائيا منفصل بالضرورة عما يتم تقديمه مكتوبا، إلا أن السؤال الوجيه الذي ظل يطرح نفسه علينا و من ثم لم نستطع الخلاص منه حتى بعد نزول تيترات النهاية هو، ما الذي قدمه لنا السيناريست "وحيد حامد" من خلال هذا الفيلم؟ أو بمعنى آخر، ما هو دور "وحيد حامد" كسيناريست محترف له الكثير من الباع و الخبرة و الحرفية في مجال السيناريو- يستطيع استخدام تقنياته الخاصة و روحه و لمسته السحرية- في تحويل رواية "علاء الأسواني" إلى فيلم سينمائي؟
علّ النظرة المتأنية لتاريخ "وحيد حامد" الطويل،- و الذي قدم من خلاله الكثير من الأفلام التي سيذكرها التاريخ السينمائي- ما يشهد له بأنه من أكثر كتّاب السيناريو في مصر حرفية و قدرة على الإمساك و من ثم تطويع الحكاية التي يصوغها من خلال السيناريو، بل من أمانة القول أنه من أهم كتّاب السيناريو الذين يشعرون- من خلال ترمومتر خاص- بدرجة غليان المجتمع و من ثم يبدأ في تنبيهنا إلى ما يدور حولنا من صخب غير مرئي للوهلة الأولى- و لكن إحساسه و عينه اللاقطة تنتبه إليه- و ليس أدل على ذلك من أفلامه الهامة التي نذكر منها على سبيل المثال- لا الحصر- "التخشيبة" للراحل "عاطف الطيب" 1984 ، "البرئ" أيضا "لعاطف الطيب" 1986 ، "الإرهاب و الكباب" للبديع "شريف عرفة" 1992 ، و غيرها من الأفلام الهامة؛ و لذلك فإننا إذا ما نظرنا نظرة أخرى متمهلة لما رأيناه في فيلم "عمارة يعقوبيان" سيصيبنا الكثير من الإحباط و الدهشة نظرا لأن "وحيد حامد" لم يكن له أي دور يذكر على الإطلاق سوى نقل النص الروائي من سرد مكتوب إلى سرد مرئي دون الإضافة أو الحذف، بمعنى أنه لم يضف إلينا الجديد في "عمارة يعقوبيان" بقدر ما التزم بأمانة- ليست مطلوبة- في نقل تفاصيل الرواية، بل و الأفدح أنه التزم بالبناء السردي الذي قام به "علاء الأسواني" و نقله كما هو إلى الشاشة.
رأينا جميعا أن "علاء الأسواني" التزم في روايته بتقنية القطع المتوازي Cross Cutting ؛ حيث كان يروي قصة كل فرد على حدة ثم ينتقل إلى قصة شخص آخر قبل إكمال الأولى، ثم ثالث و هكذا كي يعود مرة أخرى من حيث انتهى إلى قصة سابقة كي يكملها، و هذا ما رأيناه تماما عند "وحيد حامد" حتى أني تخيلته- وحيد حامد- قد وجد أمامه الكثير من الأحداث و الشخصيات و القصص فلم يستطع أن يفعل حيالها إلا أن يكتب قصة كل واحد على حدة حتى إذا ما انتهى منها جعلها جميعا تسير في مسارات متوازية/منفصلة- لا رابط بينها على الإطلاق سوى وجود عمارة لم تضفي أي دور أو ايجابيات على الأحداث سوى تجاور أصحاب هذه القصص في هذا البناء- نقول أنه فعل ذلك طوال الفيلم إلى أن قام في النهاية بمحاولة جعل هذه الخطوط المتوازية تتقاطع كي يستطيع إنهاء الفيلم.
و لذلك سنتساءل تساؤل أخير قبل الدخول إلى أحداث الفيلم و هو، هل السيناريست الذي لا يلتزم بأمانة النقل من النص الروائي يكون خائنا لهذا النص الأدبي؟
من البديهي أن عدم التزام السيناريست بأمانة النقل من النص الروائي لا تجعله خائنا، لاسيما أن السرد الروائي يتخلق من عالم خاص به له قوانينه المختلفة تماما عن السرد السينمائي و قانونه الخاص؛ و لذلك نحن إذا ما تأملنا الكثير من الأعمال السينمائية المأخوذة من نصوص أدبية و التي منها على سبيل المثال أعمال "نجيب محفوظ" سنلاحظ أن الخيانة للنص الأدبي- لصالح السينما- في تفاصيله الدقيقة كانت هي السائدة، حتى أننا إذا ما قرأنا الأصل ثم شاهدنا الفيلم سنجد بونا شاسعا بين ما قرأناه و ما نراه، ووجه الاتفاق الوحيد بينهما هو الخطوط الرئيسية/العريضة في النصين.
على أي حال هناك ملاحظة أخرى نسوقها عرضا لأنها مرت سريعة عند بداية الفيلم، إلا أنها علقت بأذهاننا مشكّلة علامة استفهام كبيرة في حاجة إلى من يجيب عليها، فبعد نزول تيترات الفيلم و بداية استعراض الشكل المعماري لعمارة يعقوبيان مصحوبا بشريط الصوت الذي يحكي لنا تاريخ العمارة منذ بناءها مرورا بالملكية، و ثورة يوليو، و حرب1956 ، وصولا إلى الانفتاح و الوقت الراهن، نلاحظ أثناء تجول كاميرا "سامح سليم" على جدران "عمارة يعقوبيان" و نقل نقوشها و رسومها المختلفة أنه قد علق بأذهاننا كون الكاميرا توقفت هنيهة في لقطة زووم Zoom على نجمة داوود المنقوشة على العمارة ثم سرعان ما انتقلت مع الشريط الصوتي إلى التأكيد على أن العمارة كان يقطنها جميع طوائف المجتمع- بمعنى أنها كانت تمثل المجتمع المصري بكل طوائفه- بما فيهم اليهود، و هنا تساءلنا ما الذي يرمي إليه صنّاع الفيلم من ذلك؟ هل يرغبون القول بأن مصر في تلك الفترة كانت من التسامح العقائدي بشكل لم نعد نراه الآن؟ أم أن ثورة يوليو حينما جاءت قامت بالقضاء على التواجد اليهودي و من ثم هذا التسامح في مصر؟
علّ هذا السؤال سيبقى معلقا و بحاجة إلى إجابة عنه لاسيما و أن هذا الاستعراض انتهى بالقول (مش بس العمارة اللي اتغيرت، البلد كلها اتغيرت).
كان لا بد من هذه المقدمة الطويلة نسبيا قبل الدخول في أحداث الفيلم نظرا لأنها تشكل علامات استفهام هامة تدخلنا إلى العالم الفيلمي "لعمارة يعقوبيان".
يقدم لنا الفيلم الكثير من الشخصيات المهترئة اجتماعيا و نفسيا و التي تمثل لنا مجتمعا كاملا في حالة تفسخ- مع الاهتمام من قريب أو بعيد بأسباب هذه التفسخات- حتى أني طرحت سؤالا على نفسي أثناء مشاهدتي الفيلم (ما الذي يحدث في بر مصر؟) هل بات المجتمع المصري بكل هذا التهرؤ الذي صار إليه؟ هل صرنا جميعا عبارة عن مجموعة من الجزر المنعزلة التي تضمر لبعضها سوء النية و التربص و الكراهية إلى هذا الحد؟ هل دفعتنا الحاجة و القهر و العوز إلى كل هذا الانهيار؟ بل إن السؤال الأكثر إلحاحا هو، هل صارت مصر محتضرة إلى هذا الحد؟
في مشهد شديد التعبيرية و إثارة للدهشة و التأمل نرى "بثينة"( هند صبري) تخبر والدتها أنها قد تركت عملها و في سبيلها للبحث عن عمل آخر، فتلومها أمها على ذلك، إلا أن (هند صبري) تخبرها أن صاحب العمل كان طويل اليد، لترد الأم بتغابي متعمد( هو فيه حد بيسرق نفسه؟) فتقول لها (يا أمه كان بيحسس، مش عارفة يعني إيه تحسيس؟) إلا أن عوز الأم و فقرها الشديد يجعلها تزين في عين ابنتها السقوط؛ فعلى الرغم من أنها تخبرها بأن( الراجل المفتري فتح سوستة بنطلونه) إلا أنها ترد( كل واحد حر في هدومه، المهم هدومك انتي!) و هنا كان لا بد للفتاة من السقوط، سواء كان هذا السقوط على المستوى النفسي بتكوين شخصية مهزومة أو كان على المستوى المادي بتحولها إلى مومس حينما تقبل العمل في أحد محلات بيع الملابس بالرغم من تردد شائعات حول صاحبه بأنه يتحرش جنسيا بمن يعملن عنده، فنراها حينما ترى زميلتها في العمل تدخل من باب المحل خلفه تسألها( انتي كنتي فين و بتعملي إيه؟) ترد عليها ببساطة( أهو بيقعد يتلمس و يتحك لحد ما يترعش و هو عامل كدا زي دكر البط، و أهو كله من فوق الهدوم).
و لذلك نرى مشهدا من أبرع المشاهد التي قدمها لنا المخرج "مروان حامد" داخل الفيلم؛ ساعده في ذلك الأداء البارع و الصادق للفنانة( هند صبري)- التي تثبت لنا فيلما بعد آخر قدرتها التمثيلية المتميزة و مدى قدرتها على التشبع و من ثم فهم سيكولوجية الشخصية التي تقوم بتقديمها- حينما تدخل مع صاحب العمل المخزن لأول مرة فنراها في حالة انتظار مرعبة بينما تشكلت جميع قسمات وجهها المتقلصة بأقصى درجات الرعب و الهلع، ساعدها في ذلك اتساع حدقتيها و كأنها في انتظار كارثة ستودي بها، حتى لكأننا ظنناها في أحد أفلام الرعب الأمريكية و ليست في انتظار علاقة جنسية عابرة، ثم يعلو مستوى المشهد كثيرا حينما يأمرها الرجل لاهثا( خليكي انتي لحد هدومك ما تنشف) فنراها تبكي في مشهد شديد الصدق و التأثير بينما تغسل ثيابها من المني العالق بها، و بذلك تثبت لنا(هند صبري) قدرتها على الاستمرار في توهجها الفني و أداء الكثير من الأدوار التي تقدم لها.
و لعل هذا السقوط و الفاقة الشديدة للمال متضافرا مع ما تراه من هوان دائم نتيجة طبقتها الاجتماعية كان مبررا وجيها لها كي تفقد الوطنية و عدم الانتماء لهذا الوطن الذي تهان فيه آدميتها، و أن هذا الوطن قد بات كريها لا يحتمل، فنراها حينما يسألها "زكي الدسوقي" (عادل إمام) (انتي بتكرهي بلدك؟) ترد عليه بقسوة لاذعة و إقناع شديد( هو أنا شفت منها حاجة حلوة عشان أحبها؟)، بل و يتحول ردها إلى صفعة حينما يقول( اللي مالوش خير في بلده مالوش خير في حاجة تانية) فترد بصدق حقيقي نستشعره جميعا نتيجة ما يدور حولنا من هوان( يا باشا مصر بقت قاسية قوي على أهلها).
و لعل هذا الفقر و العوز الشديد هو ما دفع "طه الشاذلي"( محمد إمام) إلى التحول من طالب متفوق في دراسته يرغب الالتحاق بكلية الشرطة إلى أحد النشطين في إحدى الجماعات الدينية؛ نظرا لأنه حينما تم رفض طلبه في الالتحاق بكلية الشرطة- لأن والده بواب" حارس عقار" و من ثم فهو غير أهل لهذه الكلية الطبقية التي ترفض أبناء البوابين الشرفاء في حين تقبل أبناء تجار المخدرات- يتحول للالتحاق بكلية الاقتصاد و العلوم السياسية التي يؤهله لها مجموعه و مكتب التنسيق، و هناك يرى الكثير من المستويات الأرستقراطية المرفهة ببذخ وقح و من ثم يبدأ في فرض نوع من العزلة على ذاته خشية أن يسأله أحدهم عن عمل والده، و هنا نلاحظ أن أبناء الفقراء داخل الجامعة يحرصون على تكوين جيتو خاص بهم يعزلهم عن غيرهم، و بالتالي لا يكون أمامهم من سبيل آخر للتحقق الواهم سوى اللجوء إلى التدين الظاهري الذي لا معنى له في حقيقة الأمر سوى أنه نوع خاص من الانسحاب الاجتماعي و من ثم الهروب و التغيب داخل دهاليز الدين المعتمة كبديل للمجتمع الذي يلفظهم نتيجة طبقتهم الاجتماعية المتدنية، و نتيجة لذلك يتم استقطابه من قبل إحدى الجماعات الإرهابية التي لا ترى في الدولة سوى الكفر نظرا لأنها تتكسب من صالات القمار و البارات ثم تعيد ضخ هذه الأموال مرة أخرى في صورة مرتبات للموظفين.
و هنا يتم تحقيق نوع ما من التحقق" لطه الشاذلي"(محمد إمام) من خلال زعامة دينية واهية، إلا أنه يتم اعتقاله في إحدى المظاهرات التي قامت داخل الحرم الجامعي و من ثم يتم تعذيبه و إهانته بل و الاعتداء عليه جنسيا داخل المعتقل مما يؤدي به إلى إضمار الكراهية الشديدة للحكم، بل و رغبة شديدة في الانتقام ممن فعلوا به ذلك، و لعل هذه الأحداث تسوق لنا بذكاء بعض المبررات التي تجعل الكثيرين من الأفراد راغبين في الانتقام من المجتمع المختل النظام- نظرا لانقلاب الهرم الاجتماعي- و السلطة نتيجة لهذا القهر الذي يتعرضون له.
إلا أننا لا بد أن نشيد بالدور الذي أداه الفنان(محمد إمام) و الذي لا يمكن لنا أن نتصور فنانا آخر من الممكن أن يؤديه بنفس البراعة التي أظهرها لنا؛ حيث كان قادرا بعبقرية في إخراج و من ثم إظهار المساحات السيكولوجية و من ثم إقناعنا بمدى القهر و الظلم الذي يتعرض له، و نأمل أن يظل على مثل هذا المستوى.
و لكن لأن مسلسل الفقر و الإفقار الذي تتعرض له مصر لا ينتهي، و لكنه يتحول إلى أشكال أخرى من الفساد بتحولات المجتمع و سياسات الحكومة نرى الحاج "عزام"(نور الشريف) يصعد طبقيا بشكل سريع و غير معروف من مجرد ماسح أحذية في شارع سليمان باشا إلى أكثر أهل البلد غنى، بل و يمتلك نصف عدد محلات شارع سليمان باشا نتيجة سياسات الانفتاح و السرقات و الفساد التي مازالت تحدث في بر مصر، و لذلك نراه يؤمن بأن كل شئ قابل للبيع و الشراء، فنراه حينما يرى "سعاد"(سمية الخشاب) يشتهيها جنسيا و من ثم يستغل عوزها الشديد بالزواج منها من أجل المتعة فقط، و حينما تصير حاملا منه يرغمها على الإجهاض نظرا لأنها لا تمثل له سوى وعاء للمتعة فقط، إلا أننا لاحظنا أن الفنان (نور الشريف) كان في أسوأ حالاته الفنية، بل انه مازال حبيسا داخل نطاق الأدوار التليفزيونية التي قدمها في الآونة الأخيرة مثل "الحاج متولي" ، و "العطار و بناته السبعة" و ما إلى ذلك من تلك الأدوار الضعيفة فنيا و التي أنقصت كثيرا من رصيده الفني لدى الجمهور، بل و أنقصت أيضا من رصيده السينمائي، إلا أن كل ما نرجوه من الفنان(نور الشريف) هو مجرد وقفة متمهلة مع ذاته و العمل على مراجعة أوراقه مرة أخرى و من ثم التدقيق في الأعمال التي يقدمها و السيناريوهات التي يتم تقديمها له، فإذا ما راجع هو تجربته في الآونة الأخيرة فلن يكون في حاجة إلى مثل حديثنا هذا.
إلا أن مسلسل الفقر و التهرؤ المستمر كان هو أيضا السبب الأساس في انصياع المجند "عبد ربه"(باسم سمرة) لرغبات رئيس تحرير جريدة "الأهرام ابدو" "حاتم"(خالد الصاوي) الشاذة جنسيا، و من ثم رضوخه لذلك في مقابل توفير "حاتم" له غرفة فوق سطح العمارة و عملا مضمونا، و على الرغم من الضمير النابع عن فطرة سليمة و شئ من التدين لدى "عبد ربه"(باسم سمرة)- الذي يجعله دائم الرفض و التفكير في هذه العلاقة المثلية- إلا أن "حاتم"(خالد الصاوي) يحاول دائما إقناعه بأن علاقتهما شرعية و عادية جدا و من ثم يبرر له ذلك- مستغلا جهله- قائلا( فيها إيه لما اتنين يحبوا بعض؟ تعرف إيه هو الحرام فعلا؟ الزنا هو الحرام بلا جدال لأنه يؤدي لاختلاط الأنساب نتيجة الحمل، إنما الرجالة ما بتحبلش يا عبده) و كأنه بذلك يسوغ باقتناع لعلاقتهما المثلية القائمة بينهما، إلا أننا ترى "عبد ربه"(باسم سمرة) غير مقتنع بذلك و لذا نراه في مشهد آخر برع فيه كثيرا المخرج (مروان حامد) و الفنان (باسم سمرة) يجلس في غرفة مكتب "حاتم"(خالد الصاوي)- ليلا- بينما يبكي بكاء مريرا ندما على ما يقترفه من فعل شاذ مع عشيقه في مشهد شديد التعبيرية و التأثير نجح "باسم سمرة" في أدائه و من ثم إقناعنا به، إلا أن أكثر مشاهد الفيلم تعبيرية و صدقا بحق كان مشهد بكاء "حاتم"(خالد الصاوي) حينما هجره عشيق (باسم سمرة) و فر إلى بلدته؛ حيث رأينا قسمات وجهه كاملة تتشكل بملامح الفقد و الهجر الصادقة و من ثم البكاء الهستيري الشديد نتيجة فقد العشيق، بل و انعدام التوازن نتيجة لذلك الهجر، و هنا لا بد من الإشادة بالدور الجميل الذي قدمه لنا الفنان (خالد الصاوي)، و الذي كان كقنبلة مفاجئة- لم نكن ننتظرها- تنفجر في وجوهنا مدللة على قدرة (خالد الصاوي) التعبيرية و التمثيلية الذي قدم لنا دورا- على الرغم من عدم ألفتنا أو حتى قبولنا له- شديد الإنسانية و من ثم جعلنا نتورط معه بالتعاطف في مشهد بكائه.
إلا أنه بعيدا عن الفقر الشديد و العوز المادي يقدم لنا الفيلم شخصية شديدة الثراء و التأزم و من ثم الشعور الدائم بالوحدة و الاغتراب، و هي شخصية "زكي الدسوقي"(عادل إمام) أقدم سكان العمارة الذي تلقى تعليمه في فرنسا، و ربما كان السبب الرئيس في شعور الاغتراب الدائم و عدم التحقق عنده نابعا من رؤيته العميقة لما انتاب البلد من تغيرات كبيرة، و لذا نراه دائما في محاولة لتعويض أزمته إما بالهروب إلى التغيب في احتساء الخمور ليل نهار أو بالجري حثيثا خلف الفتيات الصغيرات- حتى و لو كانت نادلة البار- لممارسة الجنس كنوع آخر من التغيب و من ثم التحقق في ذات الوقت، لاسيما و أن شقيقته الوحيدة "دولت"(إسعاد يونس) غير مهتمة به على الإطلاق، بل تسعى للحصول على الشقة التي ورثاها عن والديهما و من ثم طرده منها، و لذا نراها دائما في حالة شجار معه و من ثم اتهامه بالعهر نتيجة (جريه الدائم وراء النسوان)، و بالرغم من محاولة حبيبته السابقة الفرنسية الأصل"كريستين"(يسرا) الإصلاح الدائم بينهما إلا أن ذلك لا يتم نتيجة حقد و طمع شقيقته فيه.
إلا أن الحسنة الحقيقية التي لاحظناها في فيلم "عمارة يعقوبيان" أنه قد أعاد لنا الفنان (عادل إمام) في حالة أوج فني و حيوية- افتقدناها كثيرا منذ فترة ليست بالقصيرة- و قدرة تمثيلية تليق بنجم في حجم (عادل إمام) له تاريخ فني طويل و مشرف، و لقد لاحظنا في الآونة الأخيرة خفوت المقدرة و الحيوية التمثيلية لدى الفنان (عادل إمام) من خلال ما يقدمه لنا من أفلام متهافتة يستهلك فيها نجوميته لمجرد إثبات تواجده الدائم في مواسم العرض السينمائي، و بالتالي كانت تلك سقطة حزننا عليها كثيرا، إلا أنه من خلال "عمارة يعقوبيان" يتحدانا و يعطينا درسا هاما مفاده أنه سيظل نجما قديرا؛ فلقد كان أداؤه شديد التوهج يدل على موهبة عبقرية تستطيع أداء أصعب الأدوار شريطة أن يكون الدور الذي يتم تقديمه له ثريا بالقدر الذي يستطيع تفجير تلك الموهبة الخلاقة و من ثم يستفز (عادل إمام) ذاته، و هو بهذا يبدو و كأنه يقول لنا أنه يستطيع أن يكون في أفضل حالاته التمثيلية تقمصا و أداء إذا ما وجد الدور المناسب، أما حينما يتم تفصيل الدور على مقاسه فقط دون النظر لأية اعتبارات أخرى فنحن لن نرى فنانا عظيما بقدر ما سنرى مؤديا لا يشعر بما يفعله، بل سيفتعل بلا روح و بالتالي لن يقدم لنا سينما حقيقية، و لعل أفلامه السابقة مع المخرج "شريف عرفة" تدل على صدق حديثنا حيث كان في أفضل حالاته.
و من خلال هذه الحكايات التي تسير في شكل متواز طوال الفيلم قدم لنا السيناريست "وحيد حامد" و المخرج "مروان حامد" فيلمهما "عمارة يعقوبيان" الذي كان بالرغم من ثرائه و تقديمه الصورة الحية و الصادقة للمجتمع المصري، إلا أننا لاحظنا أن إيقاع الفيلم كان (ساقطا) و تلك كانت أهم سوءات الفيلم نظرا لرتابة الإيقاع؛ و من ثم رغبنا في النصف الثاني من الفيلم برغبة جامحة في انتهائه بالرغم من عدم اكتمال أحداثه بعد، و مشكلة الإيقاع تلك هي مشكلة مونتاج في الأساس و بالتالي تعود إلى المونتير "خالد مرعي" و معه المخرج "مروان حامد"- بما أن المخرج هو المسئول الأول و الأخير عن الفيلم السينمائي- فأحداث الفيلم لم تكن متلاحقة أو لاهثة بالشكل الذي يجعلنا نتمسك بمقاعدنا حتى النهاية و بالتالي ساد الفيلم بعض الترهل و الإملال.
كذلك لاحظنا أن الفيلم كان من الأجدى له الانتهاء عند المشهد الجميل و المؤثر جدا لاغتيال "طه الشاذلي"(محمد إمام) لضابط الشرطة الذي سبق و أمر بالاعتداء عليه جنسيا، و لقد برع كثيرا "مروان حامد" في هذا المشهد الذي استخدم فيه تقنية القطع المتوازي Cross Cutting حيث كان يبادل بين مشاهد التعذيب السابقة التي تعرض لها "طه" و بين عيني "طه" في اللحظة الآنية أثناء مراقبته للضابط الماثل أمامه و الذي هو على وشك اغتياله في لقطات زووم Zoom ، ثم الانتقال إلى الولاعة التي في يد الضابط، نقول أن هذا المشهد كان من أجمل المشاهد التي من الممكن إنهاء الفيلم بها حيث قام "طه" باغتيال الضابط و من ثم قام حرسه الخاص باغتيال "طه" ليرتمي الاثنان متجاورين غارقين في دمائهما، إلا أن صنّاع الفيلم أصروا على الاستمرار في أحداثه بالمط و الإطالة التي لا طائل من ورائها، و بالتالي لم يستطيعوا تقديم أية إضافة تذكر لإثراء أحداث السيناريو سوى زواج "زكي الدسوقي"(عادل إمام) من "بثينة"(هند صبري) و هذا لم يخدم السيناريو في شئ.
إلا أننا قد نلتمس لهم العذر في عدم إنهاء الفيلم عند هذا المشهد لأنه يذكرنا مباشرة بفيلم "البرئ" للراحل "عاطف الطيب"1986 و المجزرة الرقابية التي تعرض لها حينما قام "أحمد سبع الليل"(أحمد زكي) بإفراغ طلقات رشاشه في مرؤوسيه من الضباط كي ينتهي الفيلم عند ذلك؛ و بالتالي رفضته الرقابة و لم توافق على عرض الفيلم إلا بعد حذف هذا المشهد نظرا لأنه يحمل في طياته رسالة ثورية على السلطة و ما تمارسه من قمع و إرهاب و فساد على المواطنين، و ربما لو كان فيلم "عمارة يعقوبيان" انتهى بمثل هذه النهاية لكان قد تعرض لذات الأمر لأن المشهد يحمل في طياته ذات الرسالة الثورية الانتقامية من السلطة.
إلا أن ملاحظتنا الأخيرة أن السيناريست "وحيد حامد" بالرغم من حرصه طوال الفيلم على تقديم مجموعة من الخطوط التي تسير بشكل متوازي، و بالرغم من حرصه في نهاية الأمر على جعل هذه الخطوط/الحكايات تتقاطع؛ بل ووضع نهاية لكل منها، إلا أنه حرص أيضا على ترك إحداها- بذكاء فني- مفتوحة و لم يغلقها بشكل عمدي، ألا و هي حكاية "الحاج عزام"(نور الشريف) مع السلطة الممثلة في "كمال الفولي"(خالد صالح) في إسقاط مباشر منه إلى أن الفساد السياسي في مصر و الذي تفشى في الآونة الأخيرة بشكل منقطع النظير سيظل كما هو و لن ينتهي و كأنه القدر المسلط على رقابنا إلى الأبد.
أخيرا نتوجه بتحية خاصة للموسيقى الجميلة التي أبدعها "خالد حماد" و التي كانت بالرغم من صخبها الشديد أكثر تناسبا و إيحاءا مع أحداث الفيلم، حيث كانت توحي لنا دائما بكارثة على وشك الحدوث.
يقول الفنان (عادل إمام) أو "زكي الدسوقي" في نهاية الفيلم موجها حديثه "لبثينة"(هند صبري) (لازم ننسى الإهانات اللي إحنا شفناها و إلا هنطق من الحسرة) و لكن هل من الممكن بالفعل أن يتناسى المصريون كل ما تعرضوا له- وما زالوا- من إهانات؟ أم أنهم بالفعل سينفجرون؟
محمود الغيطاني

د. سمير العمري
08-10-2006, 12:21 AM
قراءة نقدية تدل على تمكن وعمق ومرجعية فنية واضحة.

ولعلني أجد أن نتوقف عند هذا الموضوع المميز لنطرح العديد من التساؤلات التي يجب أن نحرص في البحث عن إجابات شافية ومنصفة لها فيما يتعلق بالحركة الفنية الإنتاجية للأفلام السينمانئية وتأثيرها على المجتمع والهوية والرؤية.

سأعود هنا محاوراً وأدعو الجميع لحوار هادف بأدب الاختلاف.


حتى ذلك الحين دعني أشكر لك تمكنك وأدعو لك بخير.



تحياتي

محمود الغيطاني
08-10-2006, 02:25 AM
الصديق الدكتور سمير العمري
أولا أشكر للصديق العزيز الدكتور محمد حسن السمان موقفه الذي كان منه حينما تم حذف الموضوع أو نقله للنظر في شأنه ، كما أشكرك على موقفك المؤيد لاعادة الموضوع مرة أخرى، و بالرغم من أن ما حدث أعتبره غير لائق و لا علاقة له بالثقافة و تناول الأدب أو الابداع بصفة عامة، الا أنه يحمد له أنه يثير العديد من الاشكاليات في ذات الوقت و من ثم لا بد أن نحاول الاجابة على هذه الاشكاليات و التي أرى أن من أهمها هي اشكالية كيفية تلقي المثقف العربي للثقافة أو للرسالة الفنية (على الرغم من أني عندي بعض الملاحظات الخاصة التي قد تطرح للنقاش فيما يسمى بالرسالة الفنية أو الابداعية أو ما أسماه سارتر من قبل بالأدب الملتز، و هذا أمر قد نحاول العودة اليه و اثارته للنقاش) كما أنه يطرح أيضا سؤالا هاما و هو هل توجد العديد من الأسقف المنخفضة التي لا بد من فرضها على الابداع أيا كان؟ و هل يتم النظر الى الفن أو الابداع من خلال منطق و رؤية الدين و الأخلاق و معياريتهما ، و هل الفن الذي قد يتعارض مع الدين أو الأخلاق لا بد من نفيه و اعتباره ليس فنا؟ و اذا كان الأمر كذلك فأين نستطيع القاء (أو ما الذي من الممكن أن نفعله) بأعمال ابن حزم الأندلسي و أبو نواس و الأعشى و غيرهم الكثيرين و الكثيرين؟ و هل صارت أخلاقياتنا اليوم أفضل و أكثر فضيلة ممن سبقونا ؟ و اذا كنا قد بتنا كذلك ، فماذا نقول فيما يدور حولنا من فساد و تهرؤ أكثر بكثير (و بشكل لا يمكن أن يتخيله عقل ) مما كان يدور في عصور سابقة؟ و اذا كنّا نرى في أنفسنا كعرب و مسلمين أننا أصحاب الحق الأول و أصحاب الفضيلة الأولى و أصحاب الأخلاق الأول و أن الآخر( أيا كان هذا الآخر) لا يمتلك ذلك أي ما ندعي بأننا نمتلكه و أن الفساد عند الآخر لا يمكن حصره بينما نرى أنفسنا ملائكة أطهار و أبرار ، فأنا أود أن أطرح تساؤلا و هو اذا كنا كذلك أو كما نوهم أنفسنا فبما نفسر أن العالم العربي و الاسلامي للأسف غير سعيد ، و أن الاكتئاب و الخواء يملأ روحه بشكل غريب لا نراه عند الآخر ووووو و الكثير من الأسئلة و الأمور التي أثارها ما تم مع هذا الموضوع
على أي حال ، أوجه الكثير من التقدير للدكتور محمد حسن السمان و الدكتور سمير العمري ، و لي عودة معهم و مع الجميع للنقاش في الكثير من الأمور التي طرحها الفيلم و المقال الذي كتبته ، و كذلك ما تم مع نصي
تحياتي
محمود الغيطاني

البحترى
08-10-2006, 04:33 AM
الناقد الكبير الأستاذ/ محمود الغيطاني
ما أن رأيت أسمك هنا حتى هرعت لأقرأ حديث الكبار ونبض قلم جاد هادف غني عن التعريف.
دراستك النقدية الدقيقة لهذا الفيلم الذي لم أره قادتني لكي أطرح هنا بعض آراء متواضعة لي في عجالة قد تختلف معي فيها بحكم تخصصك في النقد فلست إلا متابع من بعيد بعد أن التزمت رؤية السينما القديمة وقاطعت الجديد إلا فيما ندر.
القصة في السينما أو في الإعلام عامة لها وجهان:
أما الوجه الأول فهو ترجمة حقيقية لحياة وسلوكيات الناس في المجتمع وكأنها مرآة تؤرخ لعصر وطرح رؤية القاص في ذلك وذلك دور إيجابي لا شك فيه.
أما الوجه الثاني فهو استخدام القصة في السينما كوسيلة من وسائل آلة الإعلام الموجهة لتغيير نمط السلوكيات في المجتمع طبقاً لما تراه إدارة الدولة بتوجهاتها المختلفة.
كانت السينما في النصف الأول من القرن الماضي تؤدي دوراً إيجابياً واضحاً في سلوكيات المجتمع وكانت واقعية إلى حد بعيد ولم يتغير الوضع إلا بعد الحرب العالمية الثانية عندما بات دور السينما واضحاً جلياً وعاملاً مؤثراً في حياة الشعوب لا شك فيه فبدأ الساسة يستخدمونها كسلاح من أسلحتهم فخرجت من مصنع الواقعية والرومانسية والتسلية إلى مصانع السياسة والدعاية وأداة من أدوات الحكم.
ولندع السينما العالمية لكي يكون الحوار هنا مقتصراً عن السينما المصرية بما لها من تأثير كبير على المنطقة العربية كلها.
السينما والمسرح في المجتمع المصري بدأ استخدامهما وغيرهما من وسائل الإعلام كسلاح ثقيل بيد الساسة بعد قيام الثورة المصرية لكي تصور التحولات في المجتمع المصري بعد قيام الثورة بما يروج لإنجازات الثورة ورموزها ويهدم كل إنجاز لما سبق ذلك لتتغير بالتبعية أخلاقيات المجتمع كله ليبدأ طوفان النفاق والتفرق والسلبية والأنامالية وتضيع فكرة الانتماء رويداً رويداً حتى وصلت لما هي عليه ولن أسهب في هذا.
مع دخول عصر الانفتاح في السبعينات من القرن الماضي والذي حدث فيه انقلاب اجتماعي آخر لتصعد طبقة انتهازية سطحية سلم الثراء السريع السهل غير الإنتاجي حتى بدأت الأخلاقيات في مواجهة هزيمة كاملة أمام سطوة المادة وسيطرتها على مسميات القيمة في المجتمع. وكان من المحتم أن تفرض الطبقة الجديدة بسطحيتها ثقافتها وتوجهاتها على وسائل الإعلام وأكاد أقول أن ذلك تم بتشجيع من الدولة ورعايتها. في ذلك الوقت بدأ الانقلاب على أسس الأخلاقيات في المجتمع وحتى لغته كترجمة مباشرة للثقافة الجديدة ، فظهر أحمد عدوية ومثله في الغناء ، وعادل إمام وزملاؤه في مدرسة المشاغبين ثم مئات من أفلام السطحية والعري والتهكم على العلم والمتعلمين.
ذلك مقدمة لكي أصل إلى نقطة الاختلاف معك أستاذي الكريم وهي نقطة دور عادل إمام في السينما المصرية وتأثيره على طبقات المجتمع المصري كافة ، وكان دوره هذا بدعم كامل معلن من الدولة.
جل أفلام عادل إمام تحض على قوة المادة وتهميش العلم والترويج للعري وللكلمات الدارجة الهابطة في قاع المجتمع والتمرد على الدين والمثل والمبادئ ودعم طبقة السطحية والجهل في المجتمع ، ناهيك عن أفلامة السياسية التي تنتقد النظام في ظاهرها وتمتص الغضب الكامن في الصدور في باطنها. لم يكن دور سينما عادل إمام كنموذج للسينما المصرية الحالية إلا أداة من أدوات الدولة لتستطيح المجتمع وإفقاده هويته وانتمائه وإغراقه في الابتذال والفوضى بما نراه الآن واضحاً جلياً حتى تسوس الناس بسهولة في ظل غياب العقول وأصحاب العلم والمبادئ حتى صارت مصر إلى ما صارت إليه ، وما فيلم عمارة يعقوبيان الذي قرأت أحداثه هنا بما فيها من عري وإباحية وفساد محاطة بإطار قصة إلا معول آخر من مسلسل معاول الهدم في سينما عادل إمام والدولة.
السينما الآن ليست أداة إيجابية كما كانت يوماً ولكنها باتت أداة سلبية صناعتها تشكيل الأخلاقيات بما يتفق مع توجهات الدولة بما ليس في صالح المجتمع للأسف الشديد.
وأخيراً أرجو ألا يفسد الاختلاف للود قضية فكم هي سعادتي أن أرى قلمك العملاق يكتب هنا ليثري الواحة بفكرك السامق وأدبك الرفيع.

صابرين الصباغ
08-10-2006, 07:58 PM
السلام عليكم جميعا

كل عام وانتم بألف خير

للأسف لم أقرأ الموضوع

ولي عودة

عندي مداخلة

دخلت فيلم عمارة يعقوبيان ولم اتحمل اكثر من ثلث ساعة

وخرجت مسرعة

فكان هناك من الفساد والسفالة مالم استطع تحمله

ولى عودة للحوار مع الكبار

مودتي القلبية

محمود الغيطاني
08-10-2006, 08:45 PM
الأستاذ القدير البحتري
أولا أشكرك كثير الشكر على تلك الحفاوة، و أنا بالفعل متفق معك في الكثير مما قلته عن عادل امام( زعيم افساد الذوق العام في مصر و المنطقة العربية بكاملها)، و لكن بالرغم من كونه بالفعل هكذا الا أننا لا نستطيع هضم حقه في أنه فنان قدير له قدرته التمثيلية الرائعة (حينما يخلص لها) و لا يكون نظره متوجها نحو شباك التذاكر و الايرادات، و لكننا لا نستطيع القول أن عادل امام هو السبب في افساد السينما المصرية أو العربية، كما لا نستطيع القول أن عادل امام يتحمل تبعات كل ما يدور حولنا من خراب و فقد للهوية و عدم احترام العلم كما تقول في حديثك، لأنه اذا كان عادل امام كذلك فماذا نستطيع القول في جيش المفسدين الجدد من أمثال مستنقع محمد سعد و عبلة كامل و محمد هنيدي و غيرهم ممن أفسدوا السينما بل و كادوا أن يفسدوا الحياة أيضا؟
سبق أن كتبت عن سينما عادل امام و كان ذلك عن فيلمه (الواد محروس بتاع الوزير) بعنوان سينما النجم الأسطورة و سمات الفقر الفكري، و كنت قد أوضحت قدر استطاعتي ذلك الدرج الذي هو في هبوط دائم و الذي اتجه اليه عادل امام و ناشدته أن ينتبه جيدا للأدوار التي تعرض عليه.
تقول في تعليقك (وما فيلم عمارة يعقوبيان الذي قرأت أحداثه هنا بما فيها من عري وإباحية وفساد محاطة بإطار قصة إلا معول آخر من مسلسل معاول الهدم في سينما عادل إمام والدولة).
لا أعتقد على الاطلاق أن فيلم عمارة يعقوبيان بكل ما فيه من عري و بذاءة و اباحية و فساد معول آخر من معاول الهدم في السينما المصرية ، و كذلك فالأمر لم يكن عبارة عن قصة تم تفصيلها و حشوها بالتوابل و المشهيات الجنسية من أجل الجمهور أو من أجل افساد أحد (اعتمادا على نظرية المؤامرة)لا ؟، لم يكن الأمر هكذا، ففيلم عمارة يعقوبيان يكاد يكون من أفضل أفلام السينما المصرية في الآونة الأخيرة ، و اذا كنت قد حرصت على هذا التدقيق في الدراسة النقدية التي كتبتها و بالتالي ظهرت و كأني تعمدت فيها قسوة النقد فما كان ذلك الا لأني قد خابت توقعاتي كثيرا حينما رأيت الفيلم الذي كنت أتخيل له مستوى فنيا أعلى مما رأيته بكثير لاسيما و أن كاتب السيناريو وحيد حامد بل و لأن مخرجه مروان حامد مخرج متميز بالفعل و يدل على ذلك فيلمه الروائي القصير (ليلي) المأخوذ عن قصة للراحل يوسف ادريس و لقد كان هذا الفيلم هو مشروع تخرج مروان حامد و لذلك عقدنا عليه الكثير من الآمال و رأينا أنه من المخرجين الذين سيكونون أصحاب شأن و بصمة سينمائية خاصة و لذلك استفزتني كثيرا تلك السقطات الفنية في الفيلم ، لأني لم أكن أنتظر ذلك فلقد أردنا منهم فيلما كاملا لا تشوبه أية نقيصة و بالتالي حينما رأينا بعض النقائص الفنية لم يكن ذلك جميلا، أما بالنسبة لما تقوله بأن الفيلم به من الاسفاف و الفساد و ما الى ذلك الكثير ، فأنا أؤكد لك أن الفيلم لم يكن منفصلا عن واقعه على الاطلاق، بمعنى أن الفيلم لم يكن الا صورة حقيقية و مفصلة للواقع المصري من جهة و الواقع العربي الأوسع من جهة أخرى.
دعنا من التحلي بالفضيلة ووضع رؤوسنا في الرمال و اغماض عيوننا عما يدور حولنا لأنه يدور في صخب ، نحن فقط الذين لا ندري عنه أي شئ لأننا لا نرغي أن ندري عنه شيئا ، و لكننا نحاول أن نعيش في وهم كبير لأن الآخرين يرونه واضحا و متألقا، بالفعل كانت تساؤلاتي التي تساءلتها في مقالي ليس من قبيل الانكار و لكن من قبيل الدهشة نظرا للحالة الاجتماعية المتدنية التي صرنا اليها، فهذا هو المجتمع المصري الحالي سيدي، اذا أردت أن تعرفه جيدا فعليك بفيلم عمارة يعقوبيان، هو لم يخترع البارات و المومسات و الفساد و الرشاوي و السياسة المهترئة و أنظمة الحكم الخربة، كل هذه تحصيل حاصل للكثير من الأمور و التحولات التي مررنا بها .
القدير الأستاذ البحتري
أعتذر اذا كنت قد أطلت عليك، و عفوا اذا كانت كلماتي صادمة و لكنها الحقيقية، و لا أعتقد أنه سيكون بيننا أو بيني و بين أي انسان أي خلاف على الاطلاق
لك أجمل تحياتي
محمود الغيطاني

محمود الغيطاني
08-10-2006, 08:52 PM
الصديقة صابرين الصباغ
أشكرك على الاهتمام و أنا في انتظار قراءتك للموضوع و من ثم ستكون المداخلات ذات أهمية للنقاش
تحياتي
محمود الغيطاني

البحترى
09-10-2006, 01:11 AM
الأستاذ الكبير محمود الغيطاني
أشكرك لردك الكريم المنصف والذي أوضح أنه ليس بيننا خلاف في جوهر الموضوع. وما كان ما طرحته أنا هنا رداً على دراستك المستفيضة إلا نقطة ماء في بحر الموضوع الكبير وهو لماذا تغيرت أخلاقيات المجتمع المصري والمنطقة العربية برمتها خلال النصف قرن الأخير. عوامل كثيرة تضافرت لتصل بنا إلى الحال الذي نحن عليه الآن. من بين هذه العوامل هي مدرسة عادل إمام ومن شابهه ومن أتى من بعده ، وما هذه المدرسة إلا عاملاً من عوامل السينما كلها ، وما عوامل السينما إلا عاملاً من عوامل الإعلام ، وما عوامل الإعلام إلا عاملاً من عوامل إدارة الدولة ، وما عوامل إدارة الدولة إلا عاملاً من عوامل الحكم ، وما عوامل الحكم إلا عاملاً من العوامل التي يوطد بها نظام الحكم سلطته وكرسيه وكلها بيد الحاكم الأوحد. في سبيل استمرار نظام الحكم وكرسي الحاكم تمت التضحية بكل شيء فلم يكن هدف الحاكم الأول هو صالح البلاد ولكن صالحه هو أولاً ، وكان صالحة كما هو واضح هو تغييب إرادة الناس ومسخ عقولهم وثقافتهم والدفع بهم للغوص في اللهو والابتذال والمخدرات والجنس، وتغريب الهوية والانتماء في المعاملات والتعليم ومزجها بهوية الآخرين من أعداء حتى لا يكون هناك مثقف ، أو مفكر أو عالم أو معترض أو رأس ترفع ولا يبق كما يقولون إلا الحاكم الذي ليس له بديل بعد ان غاب كل الرجال !! وأصبح الوزير يحتل كرسيه لربع قرن بدعوى عدم وجود بديل !!!!
تمت التضحية أخي الكريم على مدى نصف قرن من الزمان بالدين والأخلاقيات والعلم والانتماء و ... و ... و ... ، حتى وصل الحال لما وصل إليه من اهتراء وتفسخ بما يجعل الاصلاح يحتاج نصف قرن آخر بعد أن فسدت قيم وعقول أجيال بأكملها ، إلا من وعى واحتاط لذلك ،ولكن تبقى كلمة.
لو أن معاول الهدم هذه قد أُعملت في أي دولة لانهارت انهيارا كاملا وانمحت منذ زمن كانهيار الاتحاد السوفيتي ، ولكن لأن ذلك قد حدث في مصر فقد اصطدم بأعجوبة الشعب المصري على مدى التاريخ وهو الالتفاف على محاولات تغييبه على مدى الزمن برد الفعل التلقائي الذي يخرج من البيت ولا يستطيع الحاكم مواجهته.
لعلك ترى الآن ماذا فعل المصريون في مواجهة معاول الهدم هذه ، فعندما تخلت الدولة عن دورها الاجتماعي والتربوي، بدأ الناس بالتكاتف بعيداً عن الدولة والقيام بذلك. فبدأ المنزل من داخله يحيط بأبنائه يبصرهم ، وبدأت صحوة دينية هائلة كرد فعل طبيعي وظهر عمرو خالد ومثله وجمعيات رعاية اليتامى وتحفيظ القرآن وانتشر الحجاب انتشاراً كبيراً حتى أصبح هو الزي الأساسي للمرأة بعد أن كانت المحجبة في فترة الستينات تثير التعجب والاستغراب ، وأصبح التكافل الاجتماعي بين المصريين بعيداً عن الدولة ظاهرة واضحة جلية بادية للعيان.
ما يطمأنني أن هذا الشعب لن يغترب أبداً وسيعود يوماً إلى ما كان عليه ويعبر هذه المرحلة التاريخية بكل ما فيها مهما طال الزمن ، فقيمة المصريين في أنفسهم وليست في آثارهم وأهراماتهم.
وإذا خضنا في تفاصيل ما سبق فإنما نحتاج لبحوث وبحوث وبحوث ومناقشات لا تنتهي ولعلك كمثقف كبير تعلم جيداً ما أشير إليه.
ما عادل إمام الذي كان مفتاحاً لهذا الحديث إلا شخصاً أجوفاً مسطح الثقافة وكان لديه القبول السهل كغيره أن يكون أداة رخيصة في يد السلطة يروج لها ما تشاء برغم عدم وجود خلاف على قدرته في التمثيل والفكاهة فلذلك استعملته السلطة كما استعملت من قبل في الغناء عبد الحليم حافظ وأم كلثوم وغيرهم وهذا حديث آخر.
سعيد بالمناقشة مع كاتب كبير مثلك وواحد من المصريين الشرفاء الذين لم تستطع آلة السلطة أن تغيب عقلهم ، فتلك هي عبقرية المصري.
لك الود والإكبار

محمود الغيطاني
09-10-2006, 03:00 AM
القدير البحتري
أنا بالتأكيد أكثر سعادة من النقاش معك عما يدور حولنا من صخب لا يشعر به سوى القليلون، و لكن أتدري بالرغم ن كل هذا الصخب و الفساد السلطوي الحاكم ، و الاجتماعي و غيره ؟ أنا لست مندهشا كثيرا لأني واثق أن المصريين(هذه الاسفنجة الغريبة و القادرة على الامتصاص الدائم لكل ما هو جديد حتى لو كان قبيحا) قادرون على التجاوز دائما ، و الله انه لشعب غريب( لست أقول ذلك من باب الانتماء لمصريتي) و لكنه ما يلاحظه الجميع دائما و يندهشون منه، و لكن الملاحظة الغريبة التي لاحظتها أن البعض قد أخذ على الفيلم أنه اباحيا أو خارجا حتى لقد أوصلوه أحيانا الى كونه داعرا!!!!
و هذا غريب جدا و الله في تلقي الفن، لأني أفهم جيدا أن من قاموا بصناعة فيلم عمارة يعقوبيان لو كانوا يرغبون في صناعة فيلم داعر لكانوا قد فعلوا ذلك و قالوا أنه كذلك ، و لكنهم بالفعل قدموا لنا فيلما من أجمل ما قدمته السينما المصرية في الآونة الأخيرة (قياسا لما يتم تقديمه) بل و نرى أنه ربما يكون بداية انتعاشة و افاقة للسينما المصرية و من ثم نبدأ الخروج من مستنقع محمد سعد و غيره من مفسدي الذوق العام بما يدعون أنه كوميديا ، بالرغم من أن ما يقدمونه لا يخرج عن كونه تهريج و صفاقة و اسفاف بالذوق العام أكثر وقاحة مما تم تقديمه على مدار تاريخ السينما المصرية كلها
القدير البحتري
تحياتي
محمود الغيطاني

صابرين الصباغ
09-10-2006, 03:31 AM
السلام عليكم

قرأت أخي دراستك الرائعة التي لم تترك ثغرة بالفيلم لم تذكرها
فعلا هذا هو الواقع المصري لكن ألست معي ياصديقي أن كتابة هذا الواقع بهذه الصراحة الرهيبة يكون اخف وطاة من مشاهدتها ...
هذا من وجهة نظري .. أنا أكتب الرواية اشير احيانا لبعض السلبيات لكن ليست بهذه العلانية الوقحة ..
ولاادري هل هذه العلانية تحسب للقائمين على الفيلم ام تحسب عليهم ؟
اعتقد ان خيانة الرواية لتحويلها لعمل سينمائي قد يفيدها جدا ..
خصوصا ان الاديب حينما يقوم بكتابة مشروعة الادبي لايرى العمل من الزاوية السينمائية وإلا لتحول لسيناريو بدلا من رواية ..
اما بالنسبة لعمارة يعقوبيان اعترف انه قدم لنا شريحة من الواقع المصري المهتريء الذي وصل لمرحلة خطرة جدا وقد تكون جرثومته قد تفشت واصابت الأجزاء الطيبة إلا أني فعلا لم استطع تكملة مشاهدة الفيلم وخصوصا بعد مشهد هند صبري وصاحب المصنع .. حتى وإن غفرنا لهم تحقيقهم للغاية من الفن وهى تعرية كل الموبقات بالمجتمع لكن كان يجب ان يغلفوه ببعض الحياء ..
أتذكر ياصديقي ان الأفلام قديما عندما يحدث مشهد في اغتصاب او ماشابه كانوا يغلقون الابواب ويكتفون بعويل الرياح .. هذا هو الفن من وجهة نظري ...
فضح المستور لكن بستره احتراما للمشاهدين
اعتذر عن الإطا لة
مودتي القلبية

محمود الغيطاني
09-10-2006, 03:01 PM
الصديقة صابرين الصباغ
أشكرك على كلماتك أولا، و بالفعل هذه وجهة نظر تحترم و يعتد بها ، و لكن ألا ترين أن ما أطلقت عليه أنت الوقاحة هي واقع نعيشه، و ألا ترين معي أن الوقاحة في الفن هي مطلب في بعض الأحيان و بدونها قد لا يصل المبدع الى غايته؟
تقولين في حديثك(أنا أكتب الرواية اشير احيانا لبعض السلبيات لكن ليست بهذه العلانية الوقحة ..) أتدرين أن هذه العلانية الوقحة هامة بالفعل في الكثير من الأحيان؟ ان روايتي كائن العزلة كان بها من تعرية المجتمع و فضحه الكثير ، بل كان فيها من المشاهد الجنسية ما يجعل الكثيرين من حماة الأخلاق و مدعيها يحاولون مهاجمتها و لذلك نشرت في دار نشر أسبانية و ليست مصرية ، و لكن لا بد أن نتساءل، لما لجأت أنا الى ذلك في كتابة روايتي ؟ هل كان الأمر مجرد مراهقة فكرية أو استمنائية كتابية؟
بالتأكيد لم يكن الأمر كذلك و يكفيني ما قاله الكثيرون من النقاد الذين أشادوا بها و قالوا أن المشاهد الجنسية تلك كانت أهم ما في الرواية و لولاها لما استطعنا تصديق أزمة بطل الرواية النفسية، لماذا أضرب لك ذلك المثال.؟ لأدلل على أنه ليس كل ما هو جنسي أو وقحا أو جريئا يعد عملا مرفوضا و لا بد من تجنبه و نرى أنه مجرد متاجرة، لا ، لأن هذا السبيل قد يكون أكثر فضحا على الرغم من أنه أكثر جرأة ووقاحة و لكن أين هم الجريئون الوقحون هذه الأيام ؟ فقط ندعو الله الاكثار منهم لأنهم هم فقط الذين سيغيرون الكثير من الأمور
العزيزة صابرين
أحييك و أشكرك كثيرا و دمت بخير
تحياتي
محمود الغيطاني

د. محمد حسن السمان
09-10-2006, 09:12 PM
سلام الـلـه عليكم
الأخ الفاضل الاديب والناقد الكبير محمود الغيطاني

لقد تابعت دراستك النقدية "عمارة يعقوبيان... مصر المهترئة تحتضر " منذ اللحظات الاولى لظهورها , وكنت اتأنى للمساهمة والمشاركة في النقاش , على الرغم من التحفيز القوي , الذي كان يدفعني للمشاركة , خاصة بعد ان رأيت النقاشات الراقية , للدراسة النقدية , والمحاور النقاشية التي تجري على هامش الدراسة .
لابد لي من العودة اولا للدراسة النقدية , وفي ذاكرتي نقاشات سابقة مع الناقد الكبير الاستاذ محمود الغيطاني , على هامش دراسات نقدية سابقة , والتي فهمت منها , على ان الناقد السينمائي او الناقد للعمل الفني بصورة عامة , ليس طرفا في معادلة العمل , بل هو العين المجهرية المتبصّرة التي ترينا المساحات والجزئيات والخلفيات , لهذا العمل , بسلبياتها وايجابياتها , وهو الميزان العدل , الذي يعطينا التقييم الصحيح , للقيمة الفنية والادبية للعمل , كما انه بما لديه من تجرد في الحكم , وما لديه من رؤية فنية وادبية , هوضمانة التطوير والارتقاء بالعمل الفني , وفي دراستك النقدية , لفيلم عمارة يعقوبيان , رأيت هذه القيم واضحة جلية , ابتداء من مراجعة دور السيناريست في العمل السينمائي , راسما المناحي الفنية لهذا الدور , بشكل مفصّل , ثم انتقلت الى ما قدمه السيناريست وحيد حامد , في فيلم عمارة يعقوبيان , ورأيت نقدك الواضح , للطريقة التي استخدمها وحيد حامد , في النقل الحرفي للنص الادبي , الى العمل السينمائي , فلم يقدم اللمسات الفنية المطلوبة منه , ثم تطرقت بدراستك النقدية , الى توجيه الضوء , على ما اراده مخرج الفيلم مروان حامد , من اظهار للتغير الحاد في بنية المجتمع , ومدى الخراب الذي لحق ببنية هذا المجتمع , من خلال التركيز على العمارة الرمز , والمقاطع المسموعة , عن المراحل التاريخية , حيث يتم تلمس الاثر المأسوي الذي احدثته الثورة , ثم المراحل التي تبعتها , في بنية المجتمع , ولعل التقنية المتوازية للفيلم , نجحت في تقديم صور مختلفة , تفضح اخلل والمشاكل , وساركّز هنا على المحاور الجنسية التي وظفها الفيلم ,
لاظهار دور الخلل الاقتصادي , في بنية المجتمع , والذي انعكس بخلل اخلاقي واجتماعي ونفسي , جرى التركيز عليه , بمشاهد " بثينة (هند صبري ) ومنها حوارها مع والدتها , وهي بعض المشاهد التي اثارت الضجة , في أن الفيلم يقدم مشاهد جنسية فاضحة , وانا اشخصيا لاارى ذلك , لان هذه المشاهد والحوارات , لم تأتي افتعالا ودسا وحشرا , بغرض اظهار مشاهد ولوحات جنسية , بل جاءت وفق توظيف فني عفوي , لابراز حجم المشكلة , ويتم نفس التوظيف في مشاهد طه الشاذلي ( محمد إمام ) , حيث يقود الخلل الاقتصادي والفساد الاداري , الشاب الى حالة انسحاب مجتمعية , ثم اتباع فكر تشددي , ويجسد الفيلم مأساة حقيقية , ترتكبها اجهزة القمع , وهي حالة متكررة كما نعلم , في انظمة القمع , حيث يتم الاعتداء جنسيا على الموقوفين , او افراد عائلاتهم , وهذا ما حدث لـ"طه الشاذلي " , الذي تدفعه الرغبة في الانتقام الى قتل الضابط الذي قام بالاعتداء الجنسي عليه , ثم في مشاهد "عبد ربه"( باسم سمرة ) , حيث يعاود الفيلم فضح الخلل الاقتصادي والاخلاقي والمجتمعي , فيظهر لنا كيف يضطر عبد ربه , الى علاقة مثلية شائنة , مع " حاتم " (خالد الصاوي ) .
واعتقد ان الدراسة النقدية , جاءت موفقة الى حد كبير , وتدل على حرفية لافتة , ورؤية حادة متبصّرة , ولابد لي من العودة الى الدراسة مرة اخرى , لاقرأ الجوانب الاخرى للدراسة , والاهم من ذلك المشاركة , في المحاور النقاشية المطروحة على هامش الدراسة , بوجود الاساتذة الكبار : الاديب المفكر الدكتور البحتري , والاديبة القاصة صابرين الصباغ , والشاعر والمفكر الدكتور سمير العمري , بالاضافة الى الناقد الكبير الاستاذ محمود الغيطاني , واسجل بقوة اعجابي الشديد بهذه الحوارات والنقاشات الراقية .

اخوكم
السمان

صابرين الصباغ
09-10-2006, 09:38 PM
مرحبا استاذ جمال

شكرا لردك هذه وجهة نظري

واحترم طبعا وجهة نظرك

صابرين الصباغ
09-10-2006, 09:40 PM
مرحبا استاذ جمال

شكرا لردك هذه وجهة نظري

واحترم طبعا وجهة نظرك

لكن ...................

ان روايتي كائن العزلة كان بها من تعرية المجتمع و فضحه الكثير ، بل كان فيها من المشاهد الجنسية ما يجعل الكثيرين من حماة الأخلاق و مدعيها يحاولون مهاجمتها و لذلك نشرت في دار نشر أسبانية و ليست مصرية ،

سيدي هل جربت النشر في مصر وتم رفض العمل ..؟ أم انك كما يقولون ( اخدتها من قصيرها وطبعت في اسبانيا ) عموما انا لست ضد الكتابة العلنية ولو أني ارفض انها تكون حد الوقاحة .. لكن اوافق عليها في رواية لكن ان تكون في فيلم يشاهده الملايين .. فهذا ياصديقي اسميه عهر صورة وفن مبتذل ...

وهذه وجهة نظري وأرجو ألا تغضبك

مع مودتي

محمود الغيطاني
10-10-2006, 01:10 AM
الصديق القدير الدكتور محمد حسن السمان
أجمل تحية لك ، و الله لقد كنت في انتظار مشاركتك في الموضوع و متشوق كثيرا اليها نظرا لرؤيتك الجميلة التي أعتز و أفخر بها ، و نظرا لاعتزازي بكل ما تكتبه، و حينما تأخرت في الاشتراك كنت قلقا كثيرا نظرا لاحجامك عن ذلك ، و كم هي سعادتي دائما حينما تشترك في موضوع أكتبه.
أشكرك كثيرا على ما قلته ، بل و أشكرك على قراءتك الموضوع بتلك العين البصيرة التي أعهدها فيك ، و أنت دائما ما تقرأ بمثل هذا العمق، بالفعل و كما قلت أنت كانت المشاهد الجنسية داخل عمارة يعقوبيان غير مفتعلة أو محشورة كمشهيات موجهة للجمهور بل كانت من صلب السياق الفيلمي و لولاها ما ظهرت الأزمة و الاهتراء و التصدع الذي يمر به المجتمع المصري.
سعيد بالفعل بمثل هذه القضايا التي أثيرت على هامش الفيلم و التي كان الفيلم له الفضل في طرح الكثير من هذه القضايا للنقاش الذي أراه مثمرا و راقيا بالفعل ، و جعلنا نتحاور مع مجموعة رائعة و جميلة (حوار المثقفون الحقيقيون) منهم الدكتور سمير العمري و الدكتور البحتري (الذي لم أكن أعرفه جيدا نظرا لتقصيري الشخصي و لذلك سألتك عنه) و القاصة و الروائية صابرين الصباغ و الدكتور القدير جدا و الصديق الرائع محمد حسن السمان.
سعيد أنا بمثل هذا الحوار الراقي و أيعد بمشاركتك الجميلة
تحياتي
محمود الغيطاني

محمود الغيطاني
10-10-2006, 01:25 AM
الصديقة القديرة الروائية و القاصة صابرين الصباغ
أشكرك سيدتي القديرة على تلك المشاركات الجميلة منك، و أنا بالفعل كما سبق أن قلت لك أني أحترم وجهة نظرك لأنها لها وجاهتها التي لا بد أن تحترم، و لكن فلتسمحي لي بتصحيح خطأ بسيط التبس عليك و هو
الأستاذ الجميل و الروائي المبدع(الذي أحب ما يكتبه كثيرا من ابداع راقي) جمال الغيطاني هو روائي و صديق قدير أعتز بصداقته كثيرا و رئيس تحرير أخبار الأدب، لا يكتب سوى في الرواية فقط و تحقيقي التراث العربي، أما أنا فأكتب النقد السينمائي بالأساس و القصة و الرواية ، و أدعى محمود الغيطاني
أما بالنسبة لرواية كائن العزلة فأنا و الله لم (آخذها من قصيرها و أطبعها في أسبانيا) لأن الرواية ظلت قرابة العام في دارين نشر مشهورتين جدا بوسط القاهرة و لهما الكثير من النشاط داخل الوسط الثقافي المصري، و لقد تم رفض نشر الرواية للعديد من الأسباب الوجيهة بالنسبة لأصحاب دور النشر و لم تكن وجيهة بالنسبة لي، منها الكثير من المحاذير و الجرأة و الانتقاد السياسي للكثير من أنظمة الحكم العربية و التهرؤ السياسي في منطقتنا العربية ، و منها بعض الجمل التي رأي فيها الناشرين أنها قد تفهم خطأ و يرى البعض أنها تمس بالدين ، و منها الخوف من مصادرة الرواية نظرا لجرأتها في تناول العديد من الأمور و غير ذلك من الأسباب ، و بالتالي حينما قرأها الصديق القدير جدا الدكتور طلعت شاهين (أستاذ اللغة الأسبانية و الشاعر و المترجم) و في ذات الوقت صاحب دار (المصرية الأسبانية) سنابل ، أعجب كثيرا بالرواية و رأى أنها تستحق الكثير من التقدير و بالتالي حرص على نشرها
و ذلك يوضح أني لم أتهافت على النشر خارج مصر الا لأني وجدت الكثير من العسف داخلها
الصديقة صابرين الصباغ
رأيك و الله سعدني كثيرا ووجهة نظرك تحترم و أنا لم أغضب و أعتقد أنه لا داعي و لا مبرر على الاطلاق للغضب من أي حوار
تحياتي و تقديري لك
محمود الغيطاني

صابرين الصباغ
10-10-2006, 01:42 AM
اسفة صديقي لم يكن الخطأ مقصودا

ألست معي في ان دور نشر كبيرة رفضت نشرها تعطينا الحق في النظر لها على انها رواية خطيرة جدا ولها محاذير كثيرة وخصوصا شكوكهم في مصادرتها ..
وهذا يجعلني افتخر برأيي حيث ان هناك الكثيرين يفكرون كما أفكر .. اريد ان اعرف راى بعض من قرا الرواية وعلق عليها بعد اذنك طبعا لنعلم إن كان هناك كثير ممن ينتهجون نهجك .. عندها سنعيد حساباتنا ..
لكني مازلت مصرة على وجهة نظري وهى ان الرواية لها مساحة من البوح قد يكون في الجنس والسياسة أما الشاشة فيجب ان تحترم المشاهدين .. مشهد الرجل الشاذ ألا يكون سبيلا لان يجربه الشباب بعدما عرفوا كيف يستقطبون ضحاياهم ؟؟ وطبعا الطريقة قدمها لهم الفيلم ....
سيدي الأباحية في الصورة قد تكون سلاح ذو حدين .. فلا تصلح بقدر ماتفسد

ومازالت اتابعك بشدة

استاذ محمــــــــــــمود

اعتذر عن الخطأ مرة اخرى ..

ريمة الخاني
10-10-2006, 10:00 AM
السلام عليكم
حاولت الاحاطة بالموضوع فهو طويل لكنك قدمت تقييما قويا وعاليا لمواضيع تستغل النساء للاسف اولا واخيرا وقبل اي تعقيب لاجل تسويقي يجعل اي قيمة فنية او ثقافية تتهاوى امام مايرافقها مناسفاف
اكتفي بهذا وارجو ان تاذن لي بنقل الموضوع بعد اذنك وباسمك لموقعي

محمود الغيطاني
11-10-2006, 04:13 AM
القديرة صابرين
أنا لافعل أحترم وجهة نظرك منذ البداية، كما أن تخوف الناشرين من النشر كان كما قلت لاعتبارات عدم فهم بعض الجميل و بالتالي احتمال فهمها أنها تمس بالدين، كما كان السبب الرئيس هو التخوف من النقد السياسي القاسي للعديد من الأنظمة العربية، و غير ذلك من الأمور التي هي بعيدة عما تظنينه.
تقولين(اريد ان اعرف راى بعض من قرا الرواية وعلق عليها بعد اذنك طبعا لنعلم إن كان هناك كثير ممن ينتهجون نهجك .. عندها سنعيد حساباتنا ..) بالتأكيد من حقك معرفة ماذا كتب البعض عن الرواية، و لكني لا أعتقد أن الانسان أيا كان من السهل أن يغير مفاهيمه من أجل رأي آخر ؛لأن المفاهيم و القيم انما هي نتاج تاريخ طويل من الفهم و الخبرات و الثقافة العريضة و بالتالي ليس من السهل على الاطلاق أن يتغير الانسان هكذا بمجرد قراءة شئ لأحد ما و يعيد حساباته ؛ لأنه في حاجة الى تاريخ آخر و أطول من الخبرات و الثقافة و الفهم كي يعيد تشكيل ذاته .
على أية حال يمكنك قراءة ما كتبته الروائية و الناقدة الفلسطينية(مليحة مسلماني) عن الرواية بعنوان محمود الغيطاني يستفز تناقضات كائن العزلة ليروي الصخب و الحب و سحر الأمكنة في سوداوية الغربة ، و هذا المقال تم نشره في جريدة الحياة و هو موجود على هذا الرابط
http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=65281
كما يمكنك الرجوع الى العدد 670 من صحيفة أخبار الأدب الموافق 14 مايو 2006 لتقرأي ما كتبه الناقد( شوقي عبد الحميد) بعنوان كائن العزلة.. بطولة اللافعل ، كما يمكنك أيضا الرجوع الى الحوار الطويل الذي أجرته معي الصحفية الفلسطينية المقيمة بغزة (منال خميس) و الذي نشر أيضا في صحيفة الحياة ، و كنت قد أضفت هذا الحوار على منتدانا الواحة على جزئين بعنوان (ما يحدث حولنا الآن هو الموت الحتمي للمثقف العربي).
سيدتي القديرة
ليس لمجرد رؤية فيلم به بعض المشاهد الشاذة سيتحول الشباب الى مجموعة من الشواذ
أحييك و أشكرك على هذا التفاعل الجميل
تحياتي
محمود الغيطاني

محمود الغيطاني
11-10-2006, 04:16 AM
القديرة أم فراس
أشكرك كثيرا على الاهتمام بالموضوع ، و بالتأكيد يحق لك نقل الموضوع الى موقعك و لكن هل من الممكن معرفة رابط موقعك اذا سمحت لي في ذلك؟
تحياتي
محمود الغيطاني

صابرين الصباغ
12-10-2006, 07:12 PM
استاذ محمود

مرحبا وشكرا لردك
لو كنت قرأت روايتك وقتها كنت سأعتمد على خبرتي وحساباتي وحدي
ولن آخذ بحديثك عنها لأنك أبو العمل ..
فطلبت قراءة من كتب عنها لعله يوضح لي الصورة
ويعيش الانسان عمرا وعندما يزداد ثقافة يغير أحيانا بعض مفاهيمه لو كانت خاطئة ولا خطأ في هذا..
ليس قراءة ماكتب عن روايتك يااخي يجعل الانسان يتغير ؛ فقط سنعيد التفكير في نهجكم الجديد وهو تعريه الحرف وكم الاستفادة من هذا .. وهل سيفيد ام سيفسد ..؟
ليس لمجرد رؤية فيلم به بعض المشاهد الشاذة سيتحول الشباب الى مجموعة من الشواذ
لست معك ياصديقي ...........
فقد يحرق عود الثقاب مدينة ..!!
شكرا لك ..
مودتي

البحترى
12-10-2006, 08:39 PM
أعجبتني ردود الأديبة صابرين الصباغ وليس ذلك بغريب عليها
عندما نكتب قصة ونضع فيها رموز لمعاني فبجب أن نتخير الرمز الذي يتفق مع الأخلاقيات والدين ولا نذهب لرموز تضيع ذلك.
عندما نريد أن نرمز لمن يبيع مبدأه وضميره مثلاً ، فيمكننا أن نرمز له بأرضٍ تتشقق أو بمصباح ينطفئ أو بذبول زهرة وغيره ويكون الخطأ أن نتخير الرمز لفتاة من فتيات الليل لنعريها ونصورها في الفراش أو غيره من الرموز التي يمكن تنظيفها واستبدالها بما يعلي القيم ويرسخ الأخلاقيات ويحفظ الأدب ، وما كان أسلوب القصة عند نجيب محفوظ بفضائحها وسوء رموزها إلا مقدمة لذلك النوع من الأدب غير المؤدب والذي يركز على الشاذ في المجتمع وتسويق الأخلاق السيئة والاستهتار بالدين وترويج الفاسد من نماذج الناس.
لو نظرنا للرمز في السينما القديمة ودورها في الرقي بأخلاق المجتمع فسوف نجد كماً هائلاً في معظم الأفلام التي تقوم بدور هام في التربية والأخلاق. إذا أخذنا مثلاً فيلم (لعبة الست) لنجيب الريحاني لرأيناه يقارن بين الأخلاق الحميدة وبين الأخلاق الفاسدة ويظهر ذلك في نص نظيف وكلمات هادفة وكوميديا رائعة. ولنا أيضاً أن نأخذ الرمز العميق البعيد عن الإسفاف في فيلم (شباب امرأة) في صورة البغل الذي يطوف بالرحى فلم يلجأ القاص أو المخرج لرمز فاسد مع أن الفيلم كان عن امرأة لعوب توقع بالشباب.
أما عمارة يعقوبيان فهو فيلم اختار أسوأ الرموز وأبرز طبقة فاسدة مهترئة في المجتمع وصورها على أن المجتمع كله كذلك ، فكبرت كلمة خرجت من فيه القاص الذي كتب وساء فعل من نفذ الفيلم وذلك كله سيذهب إلى سلة مهملات التاريخ حيث لا يبقى على صفحات تاريخ الشعوب إلا القيمة المطلقة التي تبنى ، وذلك هو ما يجعلنا نرنوا للأفلام القديمة بقصصها الهادفة وتنفيذها الرائع.
دمتم جميعاً

د. سمير العمري
12-10-2006, 11:12 PM
كنت أعدت النص للحوار المثمر ووعدت بعودة لا أراها إلا تأخرت كثيراً لانشغال لا يزال ولكنه الحرص على المشاركة في هذا الحوار الراقي هو ما دفعني لأقتطع بعض الوقت فأحاوركم هنا أيها الكبار الكرام.

ولعلني أبدأ بالاعتراف بأنني لست ناقداً فنياً ولا علاقة لي بالنقد الفني لا من قريب ولا من بعيد ، ورغم ذلك فإنني رأيت في نقد الأخ الأديب محمود الغيطاني قراءة فنية مميزة في ذاتها بمهارة وتمكن نعرفها عنه ولا أحسبنا سنتطرق إليها إلا بمدحها كدراسة نقدية مهما اختلفنا في مضامينها.

ولعلني أضيف بأنني لم أشاهد هذا الفيلم موضوع الدراسة والحوار ولا أحسبني أراه بعد ما سمعت عنه هنا من خلال نص الأخ الكريم محمود وشهادة من نثق.

وعليه فإنني بما قدمت أؤكد على أنني لن أدخل في منهجية النقد الفني ولا في مضمون الأخ الأديب محمود بل أستأذنكم في أن نتطرق من خلاله إلى قضايا كثيرة وعلى قدر كبير من الأهمية تمس واقعنا الحياتي ، وتؤثر في وجدان الأمة وثقافتها ومناهجها ، وأن نبين أهمية الإعلام في بناء الأعلام ونشر الأوهام و هدم الأفهام أو دورها في بناء الأمم وإحياء الذمم وتحفيز الهمم.

ولعلني هنا أكتفي بهذه الجزئية محل الحوار هنا على أن نفتح آفاقاً أرحب لحوارات متعددة حول منهجية الإعلام ودور الأدب والفن في تشكيل الوجدان وترسيخ المفاهيم والمعتقدات.
إن دور الفن عامة والسينما خصوصاً كان له دور كبير ومؤثر في تشكيل وجدان الأمة وإعادة تعريف المفاهيم والمعتقدات بشكل أفرز جيلاً متأثراً لا مؤثراً ، وعقلية مقلدة منبهرة لا عقلية مجددة مبهرة. لقد كانت الأفلام في عقود طويلة مضت ثم ما تبعها في عصر التلفزة من مسلسلات تأثير خطير في لعب دور التربوي ليس للأبناء فحسب بل وللآباء أيضاً بشكل خلع المرء من ماضيه وأضاعه في حاضره وأوهمه في مستقبله. وأنا أزعم ولن أبرح زاعماً بأن هذا هو أحد أهم أسباب انكسارنا كأمة إن لم يكن أهمها على الإطلاق. ومثل هذا القول لا يعني بالضرورة تحاملاً على الفن ودوره بل تأكيداً على أهميته وأهمية الالتفات إليه ليكون عامل بناء لا عامل هدم.

أعلم أنني بهذا أفتح الأمر على مصراعيه وأخرج عن إطار الموضوع المثار ولكني ما أردت بهاذ إلا تقدمة أدخل بها لأصل الموضوع وأدعو في ذات الوقت كل مهتم بالإعلام وبالفن إلى سلسة من الحوارات التي يجب أن تطرح للنقاش الحر برؤية متعمقة لا برأي أنيق.

أما الموضوع الذي تم تناوله هنا والتركيز عليه فهو الخلاف حول ماهية وأهمية إبراز المشاهد الجنسية الفاضحة واستخدام الألفاظ والدلالات الداعرة وتوظيف المؤثرات الفنية المثيرة لتوصيف الواقع المزعوم.
ولقد وجدت هناك موقفين متناقضين من هذا الأمر. أما أحدهما فيقول به الأخ الكريم محمود الغيطاني بأن دور الفن "تعرية" الواقع و "كشف" المستور سعياً إلى مجتمع فاضل يدرك معضلته ويراها بأم عينيه. وهذا الرأي يقول بأن الأمر لا ضرر منه وليس بالضرورة أن يؤثر أو يفسد بل هو مما يراد به الإصلاح. وأما الآخر فيرى أن مثل هذا هو أمر هدام وفعل مشين وخطير يهدم القيم ويفسد الأمة بل ويعلم الغافل بما لم يكن يعلم ولا ينهى الفاسد عن فساده.

وللحق ولكي ندير حواراً هادفاً يجب أن نحدد مرجعيات الحكم كي لا نجد أنفسنا أمام "حوار طرشان" كما يقال. فهل سنحكم على الأمر من جهة فنية بحتة؟؟ وفي هذه الحالة ما هي معايير الفن ومعناه واتجاهاته وأهدافه؟؟ وهل الفن معنى مجرد وقول مباح؟؟ وهل للفن هدف أم أنه مجرد هراء عابر وتسلية تافهة؟؟
أم هل نعتمد في الحكم على منهجية التربية والمجتمع؟؟ وهنا يجب أن نجيب عن أسئلة كثيرة مثل: ما هو المجتمع الذي نتحدث عنه وما هي خصائصه ، وما هي القيم التربوية التي تطرح ، وهل القيم التربوية قيم مطلقة تصلح كلها لكل زمان ومكان ولكل شعب وكل أمة؟؟ وما هي أسس المجتمع التي يقوم عليها؟؟ ومن هم المخولين بالحكم على التربية وقيمها والمجتمع وأسسه ، وما هو الممنوع والمسموح في إطار المجتمع الواحد؟؟ ....إلخ
أم هل نعتمد مرجعية الرأي والهوى بدعوى الحرية الشخصية وحرية الرأي والديمقراطية والإبداع وآفاق الخيال والميول؟؟ وهنا يوجد سؤال واحد فقط كما أقدر عن نتائج أن يسير كل فرد وفق هواه وحريته ورغباته دون ضابط أو التزام تجاه الآخرين.
أم هل نعتمد الدين مرجعاً للحكم ونبحث في كتاب الله عما وضع لنا من تنظيم وضوابط باعتبار أنه رب العالمين وأنه أحكم الحاكمين ، وكوننا مسلمين أو لنقل مجتمعاً مسلما؟؟ وفي هذه الحالة هل يكون الأمر منصفاً للفن وأهله؟؟ وما علاقة الدين بالفن كما قد يسأل البعض؟؟ بل وربما يسأل بعض آخر ألم يحرم الكثير من أهل الفتوى الفن وكل تبعاته؟؟ ثم هل للدين الحق في التدخل في الفن والإبداع والحياة؟؟


لو سألتموني رأيي فأنا أرى أن تعتمد جميع المرجعيات السابقة دون خلط مغرض بينها ، بل باستقصاء معالم كل مرجعية وفق قواعدها وضوابطها وصولاً متجرداً للحقيقة المنصفة والقاطعة.

ولو عدت معكم إلى أصل الموضوع وأردت أن أدلي بدلوي في هذا الجب العميق أقول مستعيناً بالله وموجها حديث لأخي الكريم محمود ومؤكداً بأن التناول إنما لمضمون الفيلم لا لشخص أخي الذي أكن له كل تقدير ولا حتى لمضمون نصه الذي أكدت على تميزه وتفوقه.

أما لو اعتبرنا مرجعية الفن البحت الذي هو مما لا ننازعك في التمكن منه والتخصص فيه بل نراك من أهل القدرة الواضحة على تداوله فدعني أسألك هذه الأسئلة التي أتمنى صادقاً أن أسمع منك أجوبة واضحة عليها:
1- هل للفن دور؟؟ وإن كان فما هو؟؟
2- هل الفن مقدس؟؟ وهل قبول ما يقول بات ضرورة ومسلمات؟؟
3- هل الفن يحمل فكراً؟؟ وهل هو إلا ترجمة لما يكتب؟؟
4- هل بالفعل يحق للفن أن يتحرر من كل قيود وأن يكشف كل مستور ليؤدي دوره؟؟ إن كان كذلك فلم لا يرتقي الفن أكثر فيبرز للمشاهد مثلا الفعل الجنسي كاملاً وعارياً منذ البداية للنهاية فهذا أمر يحدث كل ثانية وكل لحظة سواء أكان بحلالٍ أم بحرامٍ؟؟ أليس هذا أكثر تعبيراً وأوثق توضيحاً وتأثيرا؟؟
5- وإن كان دور الفن هو تعرية المجتمع من اهترائه وكشف عوراته كي يواجهها وينصلح فلم لا يتناول الفن منذ عقود إلا المشاهد الجنسية ويتفنن في إبرازها شيئاً فشيئاً وبأساليب مبتكرة؟؟ أليس هناك مصائب أخرى في المجتمع غير المشاكل الجنسية كالتخلف العلمي والفساد المالي والأخلاقي كإخلاف العهد وغدر الصاحب وعقوق الوالدين؟؟ لماذا لا يتم التركيز الكافي على قضايا باتت تنخر في نسيج المجتمع المصري وتهوي به في مدارك التأخر والهلكة كالغش الذي بات يستشري حتى فقد المواطن ثقته بصناعة بلده ووعد جاره وصدق موظفه؟؟ ماذا عن الكثير والكثير مما يجدر أن يطرح في مثل هذا المقام؟؟

ثم لو أنني اعتمدت مرجعية التربية والمجتمع كحكم على الأمر فدعني أستأذنك أخي بهذه الأسئلة أيضا:
1- هل ترى بحق أن مثل هذه المشاهد لا تؤثر على الغرائز؟؟ لو كنت أنت محصناً ضدها فهل تضمن أن لا تؤثر في الشباب الذين هم جل المشاهدين لمثل هذه الأفلام؟؟
2- هل كنت مرتاحاً نفسياً وأنت تشاهد مثل هذا الأمر؟؟ إن كان هذا فهل تكون مرتاحاً وابنتك تجلس إلى جوارك تشاهد ذات المشاهد؟؟
3- إن كنت ترى أن دور الفن هو تجسيد الواقع بجميع أبعاده فهل كنت ستوافق أن تمثل هذه المشاهد أحدى أخواتك أو بناتك أو زوجك أو حتى قريباتك؟؟ إن كان الجواب لا كما أتوقع فهل من العدل أن ترضى من غيرك ما لا تحب من نفسك وأهلك؟؟
4- هل في تمثيل هذه المشاهد ما يفيد الموضوع بحق؟؟ أليس في مثل هذا إلقاء العذر أمام الغافل أو الجاهل أو المتعفف كما فعل يعقوب حرصاً فنصح بنيه أن ينتبهوا لأخيهم يوسف كي لا يأكله الذئب فجاؤوه وقالوا له ببساطة قد أكله الذئب؟؟
5- هل ترى أن من أصول التربية والتصحيح من خلال الفن أن نثير مثل هذه المشاهد الجنسية كي يدرك المجتمع أهيمة الأمر ومدى الاهتراء؟؟ أليس أهون من هذا أن يقوم الوالدان مثلاً بهذا الدور أمام أبنائهم في البيوت؟؟ هل تراهم يجرؤون؟؟
6- أين الحياء الذي هو أحد أهم ركائز أخلاقيات مجتمعنا وهو ما يميز أخلاقنا كعرب ومسلمين؟؟ أليس في هذا تجريد المجتمع الشرقي من أخلاقياته وسماته جنوحاً للمجتمع الغربي الذي يمارس ما شاء وفق الهوى؟؟
7- أما قيل دوماً بأن الحرة تموت ولا تأكل بثدييها؟؟ فكيف إذا كانت الأم تعلم ابنتها أن تأكل بأكثر من ذلك وبأحقر من معناه؟؟ أليس في مثل هذا هدم للمجتمع لا بناء له؟؟

ولو قلنا بمرجعية الهوى والرأي الحر فإن لي بعض أسئلة سريعة أيضاً أستأذنك مجدداً في طرحها:
1- هل حريتك مطلقة عندك؟؟ إن كان كذلك فماذا عن حريتي؟؟ فإن كنت تراها مطلقة كذلك فماذا لو حدث تصادم بين حريتي وحريتك؟؟
2- هل كل ما يراه المرء صواباً يصبح صواباً ثابتاً لا يتغير؟؟ ماذا لو أعدنا تقييم مفاهيمنا بنطرة أكثر مصداقية وتجرداً؟؟ هل يعز علينا أن نعترف بحق لغيرنا أم هل نخشى على أنفسنا من الاعتراف بهذا الحق؟؟
3- هل حكم الهوى والرأي هو الحكم المنصف والمنطقي؟؟ هل يشكل ذلك التصرف بالفعل مجتمعا؟؟

ثم أخيراً لو اعتمدنا مرجعية الدين والحكم على الفن من خلاله فهو أمر أتركه لمرة قادمة ربما لأنني قد أسهب في هذا الأمر وأستقصي أبعاده.

إنني يا أخي الكريم أقول باختصار بأنني وإياك وجميع الأخوة يجدر بنا أن نبحث بتجرد ودون حكم مسبق على ماهية الأشياء بحور راقي يحتمل أدب الخلاف ولا يفسد الود فإما اتفقنا بحب وإما اختلفنا باحترام.

أنتظر ردك كي أستطرد.

لك التقدير الكبير حقا.

محمود الغيطاني
14-10-2006, 05:37 PM
القديرة صابرين
أعتذر أولا لتأخري في الردود على الاخوة، و أشكرك على الاهتمام ، بالتأكيد أنك لك خبرتك و حساباتك الخاصة، و لذلك أنت بالفعل في حاجة الى قراءة الرواية للحكم عليها من خلال ذائقتك الفنية بما أنك روائية و قاصة،
أما عن نهجي الخاص في الكتاب و هي نهج التعرية فهو نهج أراه انا صحيحا و قد يراه الآخر خاطئا و هذا يخضع لاعتبارات ثقافية و اجتماعية مختلفة ، كما أن الأخلاقيات و القيم و السلوك و معيار العيب و الحلال و الحرام يختلف من مجتمع لآخر ، و لكني أطلب من الاخوة فقط رؤية فيلم هام ، هو من أجمل ما أبدعته السينما العالمية في العام 1998 و هو فيلم المخرج العبقري البريطاني الأصل (ستانلي كوبريك) eyes wide shut عيون مغلقة باتساع و هو أجمل ما أخرجه ستانلي كوبريك و غيره على الاطلاق في تاريخ السينما ، بالرغم من أن دعاة و حماة الأخلاق و المزايدين و المتزيدين لا بد سيهاجموا الفيلم نظرا لأنه من وجهة نظرهم داعر، و لكني لم أر في هذا الفيلم الذي شاهدته أكثر من ثلاثين مرة حتى الآن الا تحفة فنية عبقرية أخرجها ستانلي كوبريك و على الرغم من أن مساحة العري في الفيلم كانت كبيرة و ليست هينة (و حينما أقول العري هنا لا أقصد بها المايوهات أو الملابس العارية ، و لكني أقصد بها العري الكامل) و لكن بالرغم من ذلك فالفيلم لمن يعرف الفن جيدا و يعشقه و لا يرىة فيه سوى الفن فقط و ليست وسيلة للاثارة و الاستمناء سيرى أنه فيلما عبقريا و تحفة فنية.
العزيزة صابرين
أنا شخصيا لا أسعى على الاطلاق لتغير وجهة نظر أي انسان أيا كان؛ لأني لي قناعتي و وجهة نظري الخاصة بي و التي تعطيني شكلا من الاكتفاء
دمتي بخير و لي عودة مع الدكتورين البحتري و سمير العمري
تحياتي
محمود الغيطاني

محمود الغيطاني
15-10-2006, 09:56 PM
القدير الدكتور البحتري
بدأنا حوارنا جميعا- و الذي أثاره هذا الفيلم- اعتمادا على أن الاختلاف لا بد سوف يثري الحوار و مهما كان الخلاف بيننا فهناك احترام متبادل، و لذلك فأنا أحترم وجهة نظرك تماما فيما تقوله و لكني أختلف كثيرا معه و لا أرى أنه من الممكن أن يكون مقياسا في الوقت الراهنسواء كان في الأدب أو السينما أو أي نوع من أنواع الفنون.
الرمز يا سيدي في القصة و الأدب و الفن عموما كان اتجاها كلاسيكيا انتهى منذ أواخر الستينيات و بداية السبعينيات و لم يعد له أي وجود الآن على الاطلاق في الفن، و ما تتحدث عنه من الرمز في السينما بذبول زهرة أو غير ذلك لم يعد على الاطلاق من أساسيات السينما ، بل من الأدعى أننا حينما نراها الآن ستثير سخريتنا من هذا الفن الذي كان شديد السذاجة في تلك البدايات، و لكنها البدايات التي تكون دائما ساذجة ثم لا تلبث أن تصبح متطورة بعد فترة من النضج، كذلك اذا نظرنا الى بدايات السينما العالمية و التي كان الفضل لأمريكا في ظهور ما يسمى بالسينما و السينمائي الاول أو أبو السينما العالمية ديفيد وارك جريفيث ، فبالرغم من أن هذا الرجل أثرى و أضاف الكثير و الكثير للفن السينمائي الا أننا ننظر الآن الى أفلامه بالرغم من أهميتها أنها مجرد أفلام بدايات ساذجة و شديدة الكلاسيكية ، كانت تتناول فنيات بسيطة جدا لم تعد السينما تهتم بها الآن، فهم على سبيل المثال لم يعرفوا ما نسميه (بالكرين) أو اللقطة الاعتراضية insert shot أو ما الى ذلك من الأمور ، كذلك الحال اذا ما حاولنا القياس على الأدب فأسلوب أنطون تشيكوف و جوجول و محمود البدوي و احسان عبد القدوس و غيرهم الكثير و الكثير لم يعد أسلوبا فنيا لائقا للكتابة به الآن ، و هذا هو حال التطور دائما في كل شئ.
أقول ذلك لأنك تحاول التمجيد من القديم و الاعلاء به في مقابل الجديد ، و كأننا بذلك نرغب في سحب السينما و الفن عموما الكثير من السنوات الى الوراء و بالتالي نحرص على الغاء أي تطور حدث فيها، سيدي تلك السينما الآن حينما نراها نضحك عليها من فرط سذاجة هؤلاء الناس في ذلك الوقت، انها من كلاسيكيات السينما التي نعرف من خلالها كيف تطور الفن السينمائي ووصل الى ما هو عليه الآن ، أعتقد أننا لا بد أن نقبل الجديد لأننا اذا لم نقبله سنظل دائما و دوما في أماكننا و لن نتحرك قيد أنملة، لا أقول بقبول الجديد لمجرد أنه جديد ، لا ، على الاطلاق و لكني أقول أنه لا بد من قبول الجديد لأن الجديد دائما ما يأخذنا في تجاه التطور و لكن من خلال عقلية قادرة على التمييز أيضا
سيدي العزيز تقول في معرض كلامك( عندما نريد أن نرمز لمن يبيع مبدأه وضميره مثلاً ، فيمكننا أن نرمز له بأرضٍ تتشقق أو بمصباح ينطفئ أو بذبول زهرة وغيره ويكون الخطأ أن نتخير الرمز لفتاة من فتيات الليل لنعريها ونصورها في الفراش أو غيره من الرموز التي يمكن تنظيفها واستبدالها بما يعلي القيم ويرسخ الأخلاقيات ويحفظ الأدب) كيف ذلك؟ ان ما أفهمه من هذا الحديث أن الفن على عمومه انما هو رسالة توجيهية أو تعليمية و تلقينية، كيف اذن يصير فنا و نقتنع بكونه فنا اذا كان يحمل وجهة النظر تلك؟ انه بلا شك من خلال وجهة النظر تلك يتحول الى أي شئ آخر الا أن يكون فنا، فلنعتبره حكمة ما أو رسالة موجهة الى فئة ما و لكن فلنحرص وقتها على نفي صفة الفن عنه، لأن الفن لا يمكن توجيهه أو أدلجته على الاطلاق، و لقد ماتت منذ فترة طويلة فكرة الأدب أو الفن الملتزم التي قال بها جان بول سارتر، أظن أنه لا يصح أن نحيي النظريات التي عفا عليها الزمن لنعيش فيها مرة أخرى بينما نترك الآخرين يتطورون و يسبقون بينما نحن نسير في المكان و كأننا لا نتحرك، و أظن أنه لا يوجد أحد يستطيع انكار أننا بالفعل كعرب و مسلمين نسير في المكان بالرغم من أننا لا نتحرك نتيجة للكثير من الأفكار التي دائما ما نحاول احياؤها من الماضي و تطبيقها على الوقت الراهن.
تقول سيدي (أما عمارة يعقوبيان فهو فيلم اختار أسوأ الرموز وأبرز طبقة فاسدة مهترئة في المجتمع وصورها على أن المجتمع كله كذلك ، فكبرت كلمة خرجت من فيه القاص الذي كتب وساء فعل من نفذ الفيلم وذلك كله سيذهب إلى سلة مهملات التاريخ حيث لا يبقى على صفحات تاريخ الشعوب إلا القيمة المطلقة التي تبنى )
بالتأكيد أنا لست في معرض الدفاع عن رواية عمارة يعقوبيان لأن لي عليها بعض الملاحظات، و لكني لا أرى أن التاريخ سوف يلقي بالفيلم أو الرواية الى سلة المهملات لمجرد وجود مساحات من الجنس بل و الصدق الواقعي لما يحدث في مصر و المنطقة العربية كلها، لأنه اذا كان الأمر كذلك لكانت جميع أعمال كولن ولسون و هنري ميللر و ألبرتو مورافيا و غيرهم الكثيرين من العظماء قد تم القاءهم في سلة المهملات، و لكن فلننظر حولنا ، هل تم ذلك ؟ و هل نسينا هذه الأعمال الخالدة ، و هل ألقينا بطوق الحمامة لابن حزم الأندلسي و ديوان أبو نواس و غيرهم في سلة المهملات؟ و هل كان هؤلاء الناس(و أنا هنا أقصر حديثي على العرب فقط بهذا التساؤل) أكثر منا فهما و أفقا أوسع و قدرة على تناول الأمور بشكل أكثر صراحة منا؟
علها الكثير من الأسئلة التي لا بد أن نطرحها على أنفسنا قبل أن نقول ما سبق أن قيل، لأننا لسنا أكثر تدينا و لا أفضل أخلاقا و لا التزاما من غيرنا و لكننا صرنا أكثر خرابا نفسيا في حقيقية الأمر بينما نحاول التماسك الظاهري لنقول أننا أكثر اتساقا و جمالا
سيدي القدير الدكتور البحتري ، أعتذر كثيرا اذا ما كان كلامي فجا أو مفاجئا أو مخالفا -بالرغم من أني لا أراه كذلك- للعقل و العرف الجمعي و لكني أرى أنها الحقيقية التي نحاول انكارها بشتى الطرق بالرغم من أنالجميع يراها و لكننا نحن فقط الذين نحاول التعامي أو التغاضي عنها
تحياتي الجمة و لي عودة مع الدكتور القدير سمير العمري لأجيبه عن أسئلته
محمود الغيطاني

محمود الغيطاني
25-10-2006, 02:14 AM
الأخ الكريم الدكتور سمير العمري
أعتذر لك لتأخري كثيرا في الرد عليك نظرا لنشغالي في العديد من الأمور، و نظرا لأن تساؤلاتك الجمة بمثابة المذكرة الطويلة التي تحتاج الى تفسير، و سأحاول هنا الرد عليك بما أومن به أنا و أرجو فقط ألا يكون ردي على أسئلتك صادما لك أو للبعض نظرا لأنه يمثل وجهة نظري الشخصية و رؤيتي الخاصة التي قد تختلف مع الكثيرين و بالتالي يرونها غريبة أو خارجة عن العرف الجمعي و العقلي العربي
تقول في تعليقك(ولقد وجدت هناك موقفين متناقضين من هذا الأمر. أما أحدهما فيقول به الأخ الكريم محمود الغيطاني بأن دور الفن "تعرية" الواقع و "كشف" المستور سعياً إلى مجتمع فاضل يدرك معضلته ويراها بأم عينيه. وهذا الرأي يقول بأن الأمر لا ضرر منه وليس بالضرورة أن يؤثر أو يفسد بل هو مما يراد به الإصلاح) أنا معك في أني أرى أن الفن لا بد ان يقوم بتعرية الواقع و كشف المستور و لكن ليس الهدف من ذلك كما فهمت أنت بمعنى أن هذا الكشف و تلك التعرية يكون الهدف من ورائها اصلاح ما هو فاسد لأن الفن ليس توجيهيا أو مدرسيا أو تلقينيا ، و أنا حينما أقوم بممارسة الفن فأنا أفعل ذلك من منطلق شخصي تماما و هو فعل المتعة ، أي أني أقوم بكتابة ما أكتبه لأنه يمنحني متعة شخصية و اذا لم يكن يمنحني تلك المتعة لما قمت بممارسته على الاطلاق، كما أن هذه التعرية هي مجرد تعرية لما يدور حولنا و للمتلقي فيما بعد أن يفعل ما يبدو له صحيحيا ، اما يحاول التصحيح لما هو غير صحيح أو يتأمل ما يحدث حوله نتيجة لهذه التعرية أو يستمتع بما قرأه و يكتفي، أما أن يكون الهدف الأساس في رأسي حينما أكتب أن أصحح ما هو غير صحيح فهذا غير وارد لدي على الاطلاق.
أما بالنسبة للعديد من التساؤلات التي طرحتها فأقول لك فيها:
1- بالتأكيد أن للفن دور و لكن هذا الدور ليس دور تربوي أو ديني أو أخلاقي على الاطلاق ، فأنا أرى أن دور الفن هو دور جمالي في المقام الأول لتعميق المعاني الجمالية لدى الفرد، لأني حينما أقوم بتقديم أغنية أو قصة أو رواية أو فيلم سينمائي لا أهدف من وراء ذلك أن يكون لي دورا ارشاديا بقدر ما أقوم بدور جمالي و أسلوبي، أما اذا أردنا أن يكون هناك دورا ما لما نكتبه فهذا نستطيع أن نراه بصدق في المقال أو الدراسة او ما الى ذلك و ليس في الفن .
2-أما بالنسبة لكون الفن مقدس أم لا ، فأنا أرى أنه لا بد من الغاء صفة القدسية عن العديد من الأمور و الا بات أمامنا العديد من المقدسات و ركام هائل منها و بالتالي يجد الانسان نفسه أمام غابة هائلة و متشابك من المحرمات التي لا يجب عليه تجاوزها و من ثم سيتم الغاء العقل و التفكير تماما في العديد و الكثير من الأمور، لا سيدي، لم يعد هناك ما هو مقدسا بهذا الشكل الذي تتساءل عنه ، الفن مجرد فن لك أن تتناوله و تناقشه و تقبله و ترفضه كيفما اتفق مع منظومتك الفكرية أنت .
3- أما بالنسبة للفكر الذي يحمله الفن، فبالتأكيد أن الفن يحمل فكرا و كل ما يتم انتاجه من قبل الانسان لا بد أن يحمل فكرا لأنه لا ينشأ من الهواء الطلق، كما أنه لا يذهب الى الهواء الطلق، فأنا حينما أفكر في الكتابة عن شئ أو انتاج فنا ما فلا بد بالضرورة أني أحمل فكرا ما أرغب في طرحه و ليس معنى أني أحمل فكرا مسبقا أني لا بد أن أكون صاحب رسالة توجيهية ما، ففكري أنا خاص بي، و للمتلقي أن يتأمل فقط أو يفعل ما يشاء من خلال ما قرأه ، و لا أعتقد على الاطلاق أن هناك فنا ما لا يحمل داخله فكرا كما أنه لا يوجد فن ما لا يحمل في طياته معنى القصدية و العمدية.
4- من وجهة نظري الشخصية أرى أن الفن من حقه أن يتخلص من كل قيود كي عبر عما يريده، و لكن ليس بالمعنى الذي قصدته أنت في تساؤلك ، لأن الفن اذا رغب في التحرر بمثل ما تقول و بالتالي يظهر لنا الفعل الجنسي بشكل كامل و متعر فنحن نستطيع تصنيفه تصنيفا آخر و بالتالي يخرج من اطار الفن السينمائي (و هذا هو محورنا الأساسي) الى محور آخر و هو أفلام البورنو التي يقف وراءها العديد من المؤسسات الضخمة في العديد من بلدان العالم ، و لكن هذه الأفلام لها جمهورها المختلف عن جمهور السينما ، كما أن هذه الأفلام في الدول التي تنتجها لها أماكنها الخاصة و لا تباع الا في الأرفف العليا من أماكن بيعها، الفن السينمائي حينما يتعرى تماما يتم تصنيفه تصنيفا آخر تماما و لكنه تصنيف موجود شئنا أم أبينا.
5- أما عن رؤيتك بأن الفن السينمائي لم يعد يتناول سوى الأمور الجنسية فقط و ترك العديد من الأمور التي تنخر في المجتمعات و الكثير من مظاهر الفساد الأخرى ، فأنا لست معك في هذا لأن هناك العديد من الأفلام السينمائية الكثيرة التي تناوليت الكثير من القضايا الأخرى مما يدل على أن السينما لم تتوقف فقط عند حدود كل ما هو جنسي و من أمثلة ذلك نرى فيلم "ديل السمكة" للمخرج "سمير سيف" و الذي ناقش العديد من المشاكل الهامة جدا منها و أهمها بطالة الشباب في المجتمع المصري و ما الذي من الممكن أن يؤدي بهم ذلك، أليست تلك قنبلة تنخر في المجتمع المصري حتى تكاد أن تفجره؟، هل نستيع نسيان فيلم "البرئ" للمخرج "عاطف الطيب" و الذي تناول مشكلة القهر السياسي و الاعتقالات الواسعة التي تحدث من قبل السلطة تجاه المثقفين و كل من يرغب في قول رأيه و كلمته؟، و هل ننسى فيلم "كشف المستور" أيضا "لعاطف الطيب" و الذي أوضح بكل شجاعة كيف قامت الحكومة المصرية في فترة من فتراتها بتعهير المجتمع المصري تحت دعوى الوطنية و الانتماء؟ هناك العديد من الأفلام التي تناولت الكثير من القضايا و كشف الكثير من الزيف الذي يدور حولنا و لكن لأننا كمجتمع عربي عنده الكثير من الأزمات و اول هذه الأزمات و أكثرها فداحة هي أزمة الجنس فنحن لا نرى سواها دائما في كل ما يدور حولنا و كأن عقلنا الباطن دائما ما يدفعنا الى ما هو أزمة لدينا في الأساس.
أما بالنسبة لمجموعة تساؤلاتك الأخرى :
1- أرى بالفعل أن هذه الأفلام لا يمكن لها أن تؤثر في الغرائز لأنها مجرد أفلام فنية و لأن السينما ليست من الفنون التي تقتحم بيوت المواطنين عنوة مثل جهاز التليفزيون ، بل هل فن له خصوصيته و لا يذهب أحد اليه لرؤيته و تكلفه نفسه و الاقتطاع من قوته من أجل تذكرة السينما الا اذا كان مؤمنا و محبا لهذا الفن و بالتالي فهو ليس باحثا عن الجنس في كومة من القش ، بل هو فرد يرغب في الاستمتاع بجماليات هذا الفن الجميل، أما بالنسبة للشباب الذين يمثلون الجمهور الأساس للسينما اليوم فشبابنا سيدي بات يعرف من الأمور أكثر مما يعرفه أي انسان ، لم يعد ابني و ابنك هذا الطفل الصغير الساذج المغمض العينين الذي يجهل ما يدور داخل الغرف المغلقة، و أنا لست على الاطلاق في حجب ما نرى انه قد يضر بأبنائنا عنهم لأننا أقدر منهم وعيا و ثقافة و مقدرة على التحكم بذواتنا، لا ، فهم أيضا لهم عقليتهم و تفكيرهم الخاص الذي لا بد بالضرورة أن يختلف مع تفكيرنا نحن و تلك سمة التطور و بالتالي ليس من حقنا الحجر عليهم و اختيار ما يجب أن يرونه او يقرأونه أو او ، كل هذه قيود أعتقد ان زمانها قد انتهى منذ فترة ليست بالقصيرة ، فأنا مثلا حينما تمنع وزارة الثقافة فيلما ما أو كتابا ما تكون وزارة موهومة و ساذجة و ما زالت تعيش في القرون الوسطى لأن كل ما يتم منعه أستطيع و يستطيع الآخرون الحصول عليه و رؤيته في زمن الفضائيات و الانترنت ، وزارة الثقافة المصرية الساذجة حينما منعت فيلم شيفرة دافنشي من العرض و حينما منعت الرواية من التداول لم تستطع أن تفعل أكثر من قرار بالمنع و لكن هل تم منع ذلك بالفعل و هل لم يستطع أحد رؤية الفيلم أو قراءة الرواية؟ العكس هو ما حدث تماما ، تضاعف سعر الرواية و تم بيعها بمبلغ حوالي 80 جنيها مصريا و لاقت اقبالا منقطع النظير و تم تحميل الفيلم من على الكثير من المواقع الاليكترونية و بيعه على الأرصفة في الطرقات داخل الشوارع المصرية.
2-أما بالنسبة لارتياحي النفسي و انا أشاهد الفيلم ، فأنا بالطبع كنت مرتاحا و انا أشاهده لأني أرى فنا ما و فيلما سينمائيا يتم تقديمه و بالتالي سأحكم عليه ان كان جيدا أم سيئا، كما أن من يشاهد فيلم بورنو يكون مرتاحا الى ذلك و من يسرق يكون مرتاحا لسرقته، سيدي أمر الارتياح من عدمه راجعا الى المنظومة التي تنطلق أنت منها، و أنا بالتأكيد سأكون مرتاحا اذا كان ولدي يوسف أو آدم معي لمشاهدة الفيلم لأني لا أقدم لهما أفلام بورنو بل أنا أجعلهما يشاهدان أفلاما سينمائية ، و اذا كان ولديّ من الممكن أن يشاهداني أقبل زوجتي و هذا أمر عادي يجب أن ننشئ أولادنا عليه بمعنى ان ننشئهما على ان القبلة ليست عيبا و أمرا يجب أن نتبرأو منه و نخفيه بل هي تعبيرا عن المشاعر الانسانية الجميلة ، فباتالي حينما يريا مشهدا تقبيليا في السينما فهو أيضا تعبيرا عن مشاعر انسانية، و انا أذكر في هذا المقام الفنان محمود حميدة حينما كان يحكي أن ابنته دخلت عليه و هو يشاهد فيلم غريزة أساسية لمايكل دوجلاس و شارون ستون، و اندهشت ابنته و تعجبت كيف أن والدها يشاهد مثل هذه الفيلم ، الا انه أجابها أليست تلك سينما و أليس هذا فيلما سينمائيا ؟ و حينما تساءلت هل اذا عرض عليه القيام بفيلم مثل هذا هل سيقبله أم لا ، أجاب عليها بالتأكيد سأقبله لأن هذا هو عملي الذي لا بد أن أقوم به.
3-أما اذا كنت سأقبل اذا ما كانت زوجتي أو احدى بناتي أو قريباتي او ما الى ذلك ستؤدي مثل هذه الأفلام، و انت تتوقع منّي الاجابة بالنفي لست أدري لماذا، فهذا السؤال يبدو لي و كأنه سؤالا لارهابي الشخصي لأنك صادرت على الاجابة قبل أن أجيبك عليها، و هو أشبه بسؤال هل تؤمن أم لا قبل الدخول في أي نقاش و كأنه لا بد أن اكون مؤمنا قبل الدخول معك في النقاش، اذا كانت اجدى قريباتي تعمل في المجال الفني فأنا أرى ان هذا عملها الذي لا بد ان تؤديه كيفما ينبغي لها و كما يتطلب منها الدور السينمائي ما دامت و ما دمت قد ارتضيت أن تعمل بالمجال الفني، و لست أدري من أين ينشأ تعجبك، ان هذه الأفلام التي تتحدث عنها هي أفلام سينمائية و ليست أفلاما جنسية كي نرفضها و نقابلها بمثل هذه الدهشة الغريبة.
4-اذا كانت مثل هذه المشاهد تفيد السياق الفيلمي والقصة و السيناريو فلا بد من أن يقوم بها الممثل و يحرص عليها مخرج العمل السينمائي، و انا أؤكد لك أن مثل هذه المشاهد لا يتم حشرها حشرا في السياق الفيلمي السينمائي، و تلك المشاهد التي رأيناها في عمارة يعقوبيان أيضا لم تكن محشورة كتوابل جنسية بل كانت من الضرورات في العمل السينمائي.
5- سيدي أنت تقيس الأمور بمقياسين غير متطابقين أو متوازيين، فما يتم تقديمه في السينما له منطقه الفني الخاص و معياريته الفنية الخاصة و هو كما قلت لك ليس جنسا خالصا اذا افترضنا وجود مشاهد جنسية أو اباحية كما تسميها مجتمعاتنا، و لكن أن يقوم الوالدين بذلك أمام اولادهما فهذا يدخلنا في حوار آخ ليس له معنى على الاطلاق و يسطح الأمور و يبعدها عن المنطق.
6-لست أدري لما نرى دائما في المجتمع الغربي كل ما هو فاسد و غير أخلاقي و و غير قيمي و نرى في ذواتنا كل ما هو عكس ذلك و كأننا من الملائكة الذين لا يفعلون كل ما هو صالح ، أنا بالطبع لا أنطلق في كلامي هذا من منطلق أني متغرب أو متفرنج أو أني أرى الغرب دائما جميلا و لامعا كما يفعل الآخرون حتى لا يتهمني البعض بذلك، و لكني أندهش من هذه الرؤية الدائمة للمجتمع الغربي الذي يحمل في طياته دائما كل الشرور بينما نحمل نحن كل ما هو خير و غير فاسد ، على أي حال تلك رؤية تختلف من مجتمع لآخر و من بيئة لأخرى و أعتقد أن الغرب قد يرى فينا أيضا ما نراه فيه.
7- اذا كانت الأم في فيلم عمارة يعقوبيان قد دفعت ابنتها الى الرذيلة متعمدة فهذا كان لأسباب نفسية و اقتصادية و نفسية خاصة بها ، بالتأكيد نحن نرفضها و لكن هل معنى رفضنا لذلك أن مثل هذه الأمور منتفية من مجتمعاتنا العربية؟ بالتأكيد أن النظرة المتمهلة لما يدور حولنا ستؤكد لنا أن مثل هذه الأمور للأسف الشديد متفشية حولنا و في الكثير من المناطق و لكننا نحاول فقط عدم الاستماع الى مثل هذا الصخب المخيف الذي يدور حولنا.
أما عن مجموعة أسئلتك الثالثة:
1- بالطبع أنه ليس هناك ما يسمى بالحرية المطلقة الا اذا كنت أعيش منفردا في مجتمع خاص بي لا يتقاطع و يتماس مع الآخرين و هذا غير متحقق، و لعل أفضل من ناقش مسألة الحرية كان العبقري جون ستيوارت مل في كتابة الهام الحرية.
2-ليس هناك ما يمكن أن نطلق عليه صوابا ثابتا أو خطأ ثابتا، فطبيعة الحياة هي التغير الدائم و التطور، و اذا لم أتغير و أتطور فأنا واقف في مكاني و عصر قديم لا أتغير و لذلك أنا أطرح هذه السؤال عليك انت ، لما تصر دائما على أن ما تقدمه السينما سواء كانت مصرية أو عالمية على كونه جنسيا و اباحيا و فاسدا بالرغم من عدم كونه كذلك أليس هذا هو الثبات بعينه في المعايير؟ أنا بالتأكيد أستطيع من وقت لآخر أن اغير مفاهيمي تبعا للثقافة و التطور المنظومي الذي أنطلق منه و جميعنا لا بد أن يفعل ذلك.
3- سيدي في مجال الفن و غيره من الأمور لا يجب أن يكون هناك حكما للهوى، هناك فقط الحكم للعقل و المنطق و ما يتنافى مع العقل و المنطق لابد من لفظه مباشرة.
الدكتور القدير سمير العمري ، أشكرك كثيرا على هذا الحوار الثري و الجميل و أعتذر عن تأخري في الرد عليك
تحياتي
محمود الغيطاني

البحترى
25-10-2006, 04:06 AM
أخي الأستاذ محمود الغيطاني
مرحباً بك بعد غيبة فقد افتقدتك صفحات الفكر في الواحة
قرأت ردودك السابقة ووجدت أنني أختلف معك في منابع المبادئ وأصول البديهيات التي أعلمها وأسير عليها.
لا ولن أستسيغ أبداً ياأخي العري الكامل أو الجزئي أو أي شكل من أشكاله للتعبير عن أي شيء ولا أعتبر ذلك فناً أو أي مسمى آخر. ولا أقول حتى أن ذلك ينقصه الحياء ولكنه ابتعد كثيراً ودخل دائرة الإباحية المعلنة وذلك هو ما تنفر منه الأديان والأعراف والفطرة التي تحدد لنا حركتنا في الحياة التي تختلف عن حياة المخلوقات في الغاب والبرية. عندما نزلت حواء للأرض ولم يكن معها غير آدم زوجها قامت بتغطية عورتها بورقة توت ، تلك هي الفطرة التي لا تحتاج تعليماً أو تدريباً أو معرفة.
خرجنا إذن من موضوع الفن بتعريفاته المختلفة ووظائفه إلى دائرة أخرى للأسس والقواعد التي تحكم منظومة الحياة والفطرة.
لك التحية كما ينبغي وأنتظر أن نلتقي في حوار آخر في موضوع آخر بإذن الله

خليل حلاوجي
26-11-2006, 09:52 PM
متعة وفائدة

حوار الكبار هنا

لعل الله يجعل لي عودة مثمرة في بستان ودكم

محمود الغيطاني
02-12-2006, 11:43 PM
أيها القدير خليل حلاوجي
أشكرك كثيرا ، فوجودكم هو ما يثري الحوار و يجعله حوار الكبار و ذي فائدة
تحياتي
محمود الغيطاني

فاطمة أولاد حمو يشو
17-12-2006, 12:59 AM
فضح المستور لكن بستره احتراما للمشاهدين


الفن لحظة إشراق ..تأتي بالجميل ..وإذا كان المستور قابلا لأن يعبر عنه بما هو جميل فمرحى به ..لكن ماهي خصائص الجمال في العمل الفني؟
فليكن المضمون هو ذاته مصر في حالة تفسخ، وحالة خزي ..إن حكمي هذا على مصر هو حكم أخلاقي وليس فني ..أما إذا عبرت عن هذا الخزي بلغة وأسلوب وصور فنية جميلة فأنئذ أكون فنانا بحق..لكن هل لتلك اللغة أن تتقيد بما يريده رجال ونساء الأخلاق؟..هل الفن يجب عليه أن يخضع لبوليس الأخلاق؟
إن الفنان ملتزم بإثارة العقل وليس الحواس؟ ولأجل أن نميز بين فن رديئ وفن جيد علينا أن نتامل فيه فإن كان يخاطب حواسنا انصرفنا عنه، وإذا كانت غايته أن يكون نموذجا يحتذى ولأنه قابل لأن يصبح بذاته مدرسة فهذا ما يجعله جدير بالاتباع ليخلق مبدعين يتجاوزونه..هل "عمارة يعقوبيان" من هذا الصنف؟ أم هي مجرد استهلاك لصور سينمائية لايربطها رابط جمالي، عقلاني هادف؟