المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عندما تكلم عبد الله الصامت!



د. حسين علي محمد
12-10-2006, 08:41 PM
عندما تكلم عبد الله الصامت!

قصة قصيرة، بقلم: حسين علي محمد
................................................

قال عبد الله الصامت، المُغني الضرير، وزميلنا في قسم التاريخ، وهو واقف تحت ساعة جامعة القاهرة، التي أصبحت مختلة .. وعقاربها واقفة، وكنا في صباحٍ بارد من يناير الثامنة والستين:
ـ لماذا لا تنصت في مثل هذا الجو البديع يا عبد الصادق إلى أغنية نجاة التي تتهادى إلى آذاننا من شارع بين السرايات المجاور؟!.
أرهفنا آذاننا، فلم نسمع شيئاً!
سألتُ الصامت:
ـ نحن لا نسمع شيئاً! .. فماذا تقول الأغنية؟
قال في غير مبالاة:
ـ تغني نجاة الآن قصيدة كامل الشناوي: «لا تكذبي»!
قلتُ وأنا يراودني الضحك، لكني لم أضحك حتى لا يغضب مني، فهو سريع الغضب:
ـ وما علاقة الأغنية بالأستاذ عبد الصادق؟! ..
رد في سرعة:
ـ أردتُ منه أن يسمعها، ويتدبّر معانيها!
...
كان عبد الصادق طالباً في السنة النهائية بقسم اللغة الفارسية، وحبيباً لجميع الطلاب، ويتدخّل لدى الإدارة لحل مشاكلهم، ولهذا انتخبه الطلاب رئيسا لاتحاد طلاب الكلية لدورتين متتاليتين، بينما كان الصامت مطرباً ـ بين أحبابه فقط ـ يُغني أغنيات المقاومة لأولاد الأرض، وأغنيات الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم، التي تُلاقي هوى منا، نحن الشبان ـ دون العشرين ـ الذين ذبحتنا هزيمة يونيو، وأسالت دماءنا!
قلتُ لعبد الصادق:
ـ لماذا لا ترد .. أو تعلق على دعوته؟
صرخ عبد الصادق، وهو يضرب بقبضته الهواء:
ـ ماذا يهمكم أو يُغضبكمْ من قوله؟ دعوه يتكلم .. هذا المغني البائس .. الذي ليس له مستقبل.
ثم قال بصوت منخفض لا يكاد يسمعه أحد:
ـ «ليس على الأعمى حرج» .. صدق الله العظيم!
ووضع وجهه على الحائط، وأحاطه بذراعيه كمن يُحاول أن ينام، أو يُبعد صوت عبد الله الصامت عن أذنيه!
...
رأيته يخرج سيجارة يعلقها في فمه. ودخانها يصنع حاجزاً سميكاً بيننا وبينه.
خلف الدخان رأيته يحدث نفسه بكلمات غير مفهومة، وعيناه تبرقان.
قال له زميلنا السمين خيري الجمل وهو من طلاب الانتساب في قسم التاريخ، ويكبرنا بحوالي سبعة أعوام:
ـ سيدنا الفاضل .. نمْ، ولا تُزعج نفسك بالردِّ على أقواله، فإني أراك تحتاجُ للنوم!
وأضاف في سخرية بادية:
ـ يبدو أنك لم تنم منذ عام!
لم يرد عبد الصادق، وكان فمه يمتلئ برغوة كالزبد! .. وينظر إلى عبد الله الصامت متوعداً، بينما السيجارة تسقط من يده المرتعشة.
ضحكتُ مخاطباً خيري الجمل:
ـ ما أجمل النومَ في هذا الطقس البارد! .. أنا أريد أن أنامَ مثلك! .. ليتني أستطيع.
قال الصامت:
ـ .. وأين المكان الذي نستطيع أن ننام فيه؟!
أدرتُ وجهي إلى الحائط ..
استغربتُ ما أبصرته من كلمات وجمل مبتورة ونابية، ورسومٍ لأسهمٍ وقلوب متقاطعة.
أدرتُ وجهي إلى زملائي، فأبصرتُ الصامتَ، وهو يبصق على الأرض، ويُغادرنا بصحبة مُرافقه الذي لا يتركه، قائلاً:
ـ إذا نام عبدُ الصادق الكذابُ .. فمن يكتب عنكم التقاريرَ إلى الجهات الأمنية؟

الرياض 19/9/2006م

د. محمد حسن السمان
15-10-2006, 07:24 PM
سلام الـلـه عليكم
الاخ الفاضل الاديب الكبير الدكتور حسين علي محمد

قرأت قصتك الجميلة " عندما تكلم عبد الله الصامت! " , في مرة سابقة , ثم وجدتني لحالة الدهشة التي تملكتني , اقف مشلول التفكير , بعد ان وجدتني وكأنني عشت هذه الحالة يوما , وجدتني وكأنني اعرف شخوصك , اعرفهم ولااجد ضرورة ان اتذكر , لان شخوصك : عبد الـلـه الصامت , وعبد الصادق , وخيري الجمل , ربما لم تكن هي الاسماء التي اختزنتها في عميق ذاكرتي , ولكني عرفتها لمجرد رؤيتي الاسماء بمدلولاتها ,انها براعة منك , لقد رصدت لنا حالة , اعدتها الى زمن قديم , وما زالت مستمرة , الى يومنا هذا , بشكل او بآخر , لقد قدمت رسالة , باسلوب شيّق آسر , وقد وصلت الرسالة .
"إذا نام عبدُ الصادق الكذابُ .. فمن يكتب عنكم التقاريرَ إلى الجهات الأمنية؟ "
تقبل محبتي وتقديري

اخوكم
السمان

محمد سامي البوهي
15-10-2006, 09:33 PM
السلام عليكم ورحمة الله

عندما قرأت القصة وتوغلت فيها شممت رائحة أحبها جدا وأقدسها وهي رائحة الأوراق القديمة الصفراء المفعمة من الذكريات ، جاءت قصتك يا د/ حسين من نبع الذكريات التي اجتمعت عليك في الغربة وكما ارى في الرياض ، يبدو النص وكأنه تجربة شخصية بشخوصه التي دللت على ذلك ، النص قوي السرد لكنه يميل الي أن يكون رواية أكثر من انه قصة قصيرة ، فهو متشعب الاحداث ، والعقد الداخلية ، النص ايضا لغته بسيطه جدا وسهلة ومفهومة ، وهو نص من النوع الإجتماعي الذي اعتمد على عنصر المكان كعامل اساسي لاسترجاع الذكريات ، ساعة الجامعة - عبد الصادق -الأغنية التي اتت في عصر الكاتب وملآت الدنيا آن ذاك ، ولكن ما آخذه على النص هو المقارنة في بدايته بين حالة ساعة القاهرة في زمن القصة وحالتها الان ، فتلك النقطة صنعت هدبا عديم الفائدة واخرجتني من عبق الماضي الجميل .

خيري الجمل .... هذا الاسم اعرفه جيدا فهو من نفس بلدتي دمياط و تقريبا تنطبق عليه مواصافات القصة . فهل هو بالفعل ؟

دمت بخير

د. حسين علي محمد
29-10-2006, 02:44 PM
سلام الـلـه عليكم
الاخ الفاضل الاديب الكبير الدكتور حسين علي محمد
قرأت قصتك الجميلة " عندما تكلم عبد الله الصامت! " , في مرة سابقة , ثم وجدتني لحالة الدهشة التي تملكتني , اقف مشلول التفكير , بعد ان وجدتني وكأنني عشت هذه الحالة يوما , وجدتني وكأنني اعرف شخوصك , اعرفهم ولااجد ضرورة ان اتذكر , لان شخوصك : عبد الـلـه الصامت , وعبد الصادق , وخيري الجمل , ربما لم تكن هي الاسماء التي اختزنتها في عميق ذاكرتي , ولكني عرفتها لمجرد رؤيتي الاسماء بمدلولاتها ,انها براعة منك , لقد رصدت لنا حالة , اعدتها الى زمن قديم , وما زالت مستمرة , الى يومنا هذا , بشكل او بآخر , لقد قدمت رسالة , باسلوب شيّق آسر , وقد وصلت الرسالة .
"إذا نام عبدُ الصادق الكذابُ .. فمن يكتب عنكم التقاريرَ إلى الجهات الأمنية؟ ". تقبل محبتي وتقديري
اخوكم: السمان

شكراً للدكتور محمد حسن السمان على تعليقه الجميل،
مع موداتي.

د. حسين علي محمد
29-10-2006, 02:48 PM
السلام عليكم ورحمة الله
عندما قرأت القصة وتوغلت فيها شممت رائحة أحبها جدا وأقدسها وهي رائحة الأوراق القديمة الصفراء المفعمة من الذكريات ، جاءت قصتك يا د/ حسين من نبع الذكريات التي اجتمعت عليك في الغربة وكما ارى في الرياض ، يبدو النص وكأنه تجربة شخصية بشخوصه التي دللت على ذلك ، النص قوي السرد لكنه يميل الي أن يكون رواية أكثر من انه قصة قصيرة ، فهو متشعب الاحداث ، والعقد الداخلية ، النص ايضا لغته بسيطه جدا وسهلة ومفهومة ، وهو نص من النوع الإجتماعي الذي اعتمد على عنصر المكان كعامل اساسي لاسترجاع الذكريات ، ساعة الجامعة - عبد الصادق -الأغنية التي اتت في عصر الكاتب وملآت الدنيا آن ذاك ، ولكن ما آخذه على النص هو المقارنة في بدايته بين حالة ساعة القاهرة في زمن القصة وحالتها الان ، فتلك النقطة صنعت هدبا عديم الفائدة واخرجتني من عبق الماضي الجميل .
خيري الجمل .... هذا الاسم اعرفه جيدا فهو من نفس بلدتي دمياط و تقريبا تنطبق عليه مواصافات القصة. فهل هو بالفعل؟ دمت بخير

شكراً للأديب الأستاذ محمد سامي البوهي على تعليقه الجميل، وبالتأكيد (خيري الجمل) في النص ليس هو صاحبك الدمياطي، فالذي في النص شخصية قصصية ليست مستقاة من شخصية الدمياطي صاحبك، مع تحياتي وموداتي لعنايتك بهذا النص.

عبلة محمد زقزوق
29-10-2006, 04:00 PM
زمن التقارير والأوراق السرية ... زمن المقاومة الشعبية ـ زمن جميل بكل ما فيه .
كان للشباب هدف وقيمة رغم الاحباطات إلا أنهم كانوا باقين وعلى الطريق سائرون ... أين شبابنا اليوم من هذا الزمان ؟
تقديري لموجز القول وعظيم المعنى بخير الصحبة .
شكرا أخي الفاضل د. حسين علي محمد

خليل حلاوجي
29-10-2006, 05:55 PM
ـ يبدو أنك لم تنم منذ عام!


الاستاذ الدكتور حسين علي محمد


وجدت في ثنايا حروفك .... غصة


من واقع
مفزع مفجع ....

وحبك للأمل .... باق

\

تقبل أحترامي

د. حسين علي محمد
29-10-2006, 07:53 PM
شكراً للأديبة الأستاذة عبلة محمد زقزوق
على تعليقها الجميل،
مع موداتي.

مجدي محمود جعفر
29-10-2006, 10:33 PM
المغني الضرير ، صاحب البصيرة ، من الشخصيات التي تخلد في الذاكرة القصصية ، فأجاد القاص رسمها وتقديمها بكل أبعادها الإنسانية ، والوطنية ، ومن خلال هذا الضرير الذي تكلم مؤخرا تم كشف المنافقين والمتسلقين وكتبة التقارير للجهات الأمنية ، قام بتعرية نفوس مريضة وضعيفة ، وشائهة ،وفضح مجتمع ما بعد هزيمة يونيه التي أجهضت الأمال والأحلام ، وأعاد لنا القاص من خلال هذه الشخصية البصيرة ، الإيجابية ، المُقاومة ، رغم العاهة البينة ، هذه الشخصية تمثل في رأيي ، الضمير الوطني ، والضمير الحي ، في زمن مات فيه الضمير الوطني والضمير الإنساني ، وأبان القاص عن بعض من قدرات هذه الشخصية الإنسانية ، مثل إلتقاط صوت نجاة الذي لم يسمعه سواه من خلال حاسة السمع التي يحبو بها الله الضرير دائما عوضا عن حاسة البصر ، وإن كانت هنا تتجاوز المعنى الظاهري وتدخل في نطاق الحدس والنبوءة ، أو الفراسة ، لكي يعري الشخصية الأفاقة المنافقة ، من خلال المقاربة بين قصيدة كامل الشناوي التي غنتها نجاة وبين هذا الكذاب الأشر ، وهنا يجبرنا حسين علي محمد على إعادة قراءة أغنية نجاة وتأويلها من جديد ، لأنها في النص أخذت أبعادا سياسية ، وتعدت القراءات السطحية عندما غنتها نجاة أو أو ألقتها في فيلم الشموع السوداء الذي كان بطله صالح سليم ، وهنا إشارة ذكية أن القصيدة تتجاوز المعنى السطحي والعاطفي البسيط ، فالخيانة ، ليست خيانة حبيبة لحبيبها ولكنها خيانة وطن ، وهذا ينطبق تماما على حالة الكذاب الأشر الذي لم يأخذ من اسمه نصيب ، وإعادة أغاني الشيخ إمام وقصائد أحمد فؤاد نجم التي مثلت في زمنها المقاومة والرفض أثرت النص وأعطت للمغني الضرير قوة ومرجعية له ليقول بلا وجل ويكشف بلا خوف ويعري بلا تردد ، أشكر الدكتور حسين على هذه الشخصية القصصية وسأعود التردد عليها بين الحين فهي شخصية ثرية ومليئة بالأسرار ، وليست بالبساطة التي قد يظنها البعض

د. حسين علي محمد
30-10-2006, 01:38 AM
إلى الأستاذ الأديب اللامع: مجدي محمود جعفر:
قراءة جميلة، جديرة بالاحترام،
أجادت الكشف عن جوانب كثيرة في النص،
من خلال التنبه إلى الشخصية،
والتناص مع الأغنية، والمغني، وظروف المجتمع،
والمقاومة.
كان النص سيخسر كثيراً إذا افتقد مثل هذه القراءة
الجادة، تحياتي.

د. حسين علي محمد
30-10-2006, 01:46 AM
إلى الأستاذ الأديب اللامع: مجدي محمود جعفر:
قراءة جميلة، جديرة بالاحترام،
أجادت الكشف عن جوانب كثيرة في النص،
من خلال التنبه إلى الشخصية،
والتناص مع الأغنية، والمغني، وظروف المجتمع،
والمقاومة.
كان النص سيخسر كثيراً إذا افتقد مثل هذه القراءة
الجادة، تحياتي.