مشاهدة النسخة كاملة : قلق ـ قصة ـ
عبدالسلام المودني
16-10-2006, 05:44 PM
قلَق
في الأيام الثلاثة الأخيرة، بتّ ألحظ شيئاً جديداً حملته الطاولة المقابلة لي تماماً، رجل ظاهر الشرود، القلق من ملامح وجهه البارزة، و عمق نظراته الفارغة المسلطة اتجاه ورقة بيضاء أمامه من السمات التي تعقلك إلى شخصه.
من هنا، في هذه المقهى البعيدة ، حيث جعلت من طاولة في ركن قصي محرابي، أمارس فيه طقوس فراري، و خلوتي و الكلمة فاراً من ابتزاز زوجة سليطة و شجار عيال ملاعين.
ثلاثة أيام أمضاها أمامي لا يفعل شيئاً غير جلوسه المحفوف بجلال الصمت و نظرة عميقة فارغة في ورقة بيضاء، و بين لحظة و أخرى تداعب أصابعه القلم في توتر جلي . لم ينجح في كتابة شيء ، و لم أستطع مع تركيزي عليه فض بكارة ورقتي أيضاً.
أعترف ألا شيء يطاردني هنا، الهدوء المطلق في المكان شبه الخالي إلا من حركات نادلٍ تقدم به العمر، و همساتٍ محمومة لبعض العاشقين الفارين مثلي تماماً إلى زوايا معتمة يبسطون مشاعرهم خلسة عن أعين الرقباء، بيد أن وجود هذا الكائن القلق قبالتي جعل كل أجوائي صاخبة.
مطارق أسئلة كثيرة تدق خواطري.
أيكون عاشقاً معذباً في هذا العمر لمراهقة نزقة، طالبة عنده في الصف مثلاً، فلجأ حيث يستوحي من منظر عشاق المقهى كلمات يخاطب بها عشيقته المفترضة عن طريق خطاب غرام يبثها أشواقه و عذاباته؟
أم تراه صحفي اعتصم بهدأة المكان من ضوضاء مكتبه عله يظفر بمقال عظيم يصور مآسي شعب ما بين الحربين؟
أو ربما كاتب خطابات مأجور لاذ بقهوته السوداء بانتظار هطول كلمات من سماءاتها الغامضة فيُفرح بها زعيماً أميّاً مندلق البطن و الشهوات، ليرفعه من درجة القهوة السوداء إلى كأس " خمس نجوم "؟
أختلس النظر إليه فيساورني قلق بريّ منه. لم لا؟ قد يكون جاسوساً في وطن بليد كل مهنه الجاسوسية، قيضه أحد خلفي يتعقب سكناتي و السكنات، و يستغل انشغالي و اشتغالي على قصتي الجديدة ليكتب تقريره اليومي البئيس عن بؤسي؟
اعتدلت في جلستي، و زايدني القلق، و صرت أكثر حذراً، بيد أني ما إن أطلت النظر في شروده حتّى زايلتني الربكة و تلاشى خوفي فاسحاً المجال أمام تربع قلقي المستفز بشأن الرجل الذي لحظته لأول مرة يخربش شيئاً على ورقته. يتوقف عن الكتابة قليلاً، يشعل سيجارة، يأخذ منها نفساً عميقاً، يودع زفيره أكوام دخان ليرنو للاشيء.
عرفته.
صاحبنا من أهل الشعر بلا ريب، أتى إلى هنا يتوسل إلى كل آلهة الشعر و السكون علهم يرأفوا لحاله و يجودوا عليه ببضع كلمات مرصوصات تملأ هيكل قصيدة مفترضة. يهبّ واقفاً كأن هاتفاً مباغتاً دعاه، يقصد النادل شبه الغافي، يشير هذا الأخير إلى مكان بالداخل، فهمت أنه الحمام.
تعالت أمواج فضولي، عليّ أن أعرف ما كتب لتنجلي حقيقة من يكون فتقر شياطيني. لم أشعر إلا و أنا أهبّ من مقعدي و أقصد طاولة الرجل حيث استلقت ورقته كمحظية عارية. بدت لي ترمقني فزعة من فكرة أني غريب يغتصب أسرار جسدها.
جحظت عيناي و هما تصطدمان بأولى حروف سطر ورقته الأول، تلعثم لساني مردداً رجع ما وقع عليه..
" في الأيام الثلاثة الأخيرة، بتّ ألحظ شيئاً جديداً...
عبدالسلام المودني
محمد إبراهيم الحريري
16-10-2006, 06:44 PM
قلَق
في الأيام الثلاثة الأخيرة، بتّ ألحظ شيئاً جديداً حملته الطاولة المقابلة لي تماماً، رجل ظاهر الشرود، القلق من ملامح وجهه البارزة، و عمق نظراته الفارغة المسلطة اتجاه ورقة بيضاء أمامه من السمات التي تعقلك إلى شخصه.
من هنا، في هذه المقهى البعيدة ، حيث جعلت من طاولة في ركن قصي محرابي، أمارس فيه طقوس فراري، و خلوتي و الكلمة فاراً من ابتزاز زوجة سليطة و شجار عيال ملاعين.
ثلاثة أيام أمضاها أمامي لا يفعل شيئاً غير جلوسه المحفوف بجلال الصمت و نظرة عميقة فارغة في ورقة بيضاء، و بين لحظة و أخرى تداعب أصابعه القلم في توتر جلي . لم ينجح في كتابة شيء ، و لم أستطع مع تركيزي عليه فض بكارة ورقتي أيضاً.
أعترف ألا شيء يطاردني هنا، الهدوء المطلق في المكان شبه الخالي إلا من حركات نادلٍ تقدم به العمر، و همساتٍ محمومة لبعض العاشقين الفارين مثلي تماماً إلى زوايا معتمة يبسطون مشاعرهم خلسة عن أعين الرقباء، بيد أن وجود هذا الكائن القلق قبالتي جعل كل أجوائي صاخبة.
مطارق أسئلة كثيرة تدق خواطري.
أيكون عاشقاً معذباً في هذا العمر لمراهقة نزقة، طالبة عنده في الصف مثلاً، فلجأ حيث يستوحي من منظر عشاق المقهى كلمات يخاطب بها عشيقته المفترضة عن طريق خطاب غرام يبثها أشواقه و عذاباته؟
أم تراه صحفي اعتصم بهدأة المكان من ضوضاء مكتبه عله يظفر بمقال عظيم يصور مآسي شعب ما بين الحربين؟
أو ربما كاتب خطابات مأجور لاذ بقهوته السوداء بانتظار هطول كلمات من سماءاتها الغامضة فيُفرح بها زعيماً أميّاً مندلق البطن و الشهوات، ليرفعه من درجة القهوة السوداء إلى كأس " خمس نجوم "؟
أختلس النظر إليه فيساورني قلق بريّ منه. لم لا؟ قد يكون جاسوساً في وطن بليد كل مهنه الجاسوسية، قيضه أحد خلفي يتعقب سكناتي و السكنات، و يستغل انشغالي و اشتغالي على قصتي الجديدة ليكتب تقريره اليومي البئيس عن بؤسي؟
اعتدلت في جلستي، و زايدني القلق، و صرت أكثر حذراً، بيد أني ما إن أطلت النظر في شروده حتّى زايلتني الربكة و تلاشى خوفي فاسحاً المجال أمام تربع قلقي المستفز بشأن الرجل الذي لحظته لأول مرة يخربش شيئاً على ورقته. يتوقف عن الكتابة قليلاً، يشعل سيجارة، يأخذ منها نفساً عميقاً، يودع زفيره أكوام دخان ليرنو للاشيء.
عرفته.
صاحبنا من أهل الشعر بلا ريب، أتى إلى هنا يتوسل إلى كل آلهة الشعر و السكون علهم يرأفوا لحاله و يجودوا عليه ببضع كلمات مرصوصات تملأ هيكل قصيدة مفترضة. يهبّ واقفاً كأن هاتفاً مباغتاً دعاه، يقصد النادل شبه الغافي، يشير هذا الأخير إلى مكان بالداخل، فهمت أنه الحمام.
تعالت أمواج فضولي، عليّ أن أعرف ما كتب لتنجلي حقيقة من يكون فتقر شياطيني. لم أشعر إلا و أنا أهبّ من مقعدي و أقصد طاولة الرجل حيث استلقت ورقته كمحظية عارية. بدت لي ترمقني فزعة من فكرة أني غريب يغتصب أسرار جسدها.
جحظت عيناي و هما تصطدمان بأولى حروف سطر ورقته الأول، تلعثم لساني مردداً رجع ما وقع عليه..
" في الأيام الثلاثة الأخيرة، بتّ ألحظ شيئاً جديداً...
عبدالسلام المودني
ألأخ الحبيب ـ تحية
ربما يسرح الإنسان بين فضول وتوقع ، وربما ينسج من الخيال رداء المت يستر به خلجات روحه / لكنه يبقى أسير يقين بأن أمرا يجري تحت طاولة التخمين .
قصو قرأتها ووجيف الصبر يحرق خافقي
والنادل يمتع مسامعي بتلبية طلبي بورقة بيضاء أخط عليها سريرتي نقية
ولكن تبقى حروفك نجوم وفاء ليقين البصيرة .
تحياتي أخي
عبدالسلام المودني
22-10-2006, 04:26 PM
الفاضل محمد ابراهيم الحريري
ممتن لبهاء مرورك و عطر كلماتك
و سعيد أن قلقي راق لك
و أسعد أنك قرأت لي
خالص تقديري و مودتي
عبدالسلام المودني
سارة محمد الهاملي
22-10-2006, 08:15 PM
سعدت بقراءة هذه القصة المشوقة إلى النهاية.
لك كل الشكر والتقدير على بديع ما كتبت أخي الأديب عبد السلام المودني.
عبدالسلام المودني
26-10-2006, 03:56 AM
سعدت بقراءة هذه القصة المشوقة إلى النهاية.
لك كل الشكر والتقدير على بديع ما كتبت أخي الأديب عبد السلام المودني.
سيدتي الفاضلة
أنا الأسعد فعلاً بتجولك في دروب نصي
و أتمنى لك دوام اللا "قلق"
خالص تقديري و مودتي
عبدالسلام المودني
خليل حلاوجي
29-10-2006, 06:15 AM
عبد السلام
ورحلة جديدة الى كنه الحقيقة .... وشرود هو أقرب الى الاستغاثة
\
نصوصك لم تزل تعجبني حتى صرت أدمنها
عبلة محمد زقزوق
29-10-2006, 10:05 AM
" في الأيام الثلاثة الأخيرة، بتّ ألحظ شيئاً جديداً...
هـكذا تتوارد الأفكار بين بعض من الأطياف ... فنرى تهافت الروح على الروح لإنسجام فالمعنى وإخلاص وصدق في المشاعر .
قصة جميــــــــــلة
شكرا
دلال كامل
30-10-2006, 12:16 AM
هكذا هي عين الكاتب تراقب بفضول كل ما حولها
هي كالنحلة تمتص الرحيق وتهب العسل للجميع
مميز دائما بطرحك وأفكارك
دمت مبدعا
جوتيار تمر
30-10-2006, 10:39 PM
المودني..
زمن لامرئي...بالرغم من كون لونه فاقع مخيف لاشية فيه، ليس له من شبه كبقر بني اسرائيل.. زمن قاسي كالعقول المتحجرة..بيع فيه كل شيء، الذمم،الاخلاق،وحتى اصحاب الكلمة..من كتاب وشعراء...وووو.... بل حتى الوطن..اما الانسان فبلا شك...؟
وفي وجود كهذا الوجود..يصبح القلق من الشيء حتى اللاشيء..امرا مقدسا..بل وجوب..فرض عين... وتتحول البشرية اجمع الى بؤرة قلق دائمة...الكل يخشى الكل..ولا احد يحسن الظن..كما في السياسة.. حيث حسن الظن غباء..تكون نظرة الاخر لك نظرة تجسس...وهي في الاصل قد تكون نظرة محبة ورحمة... وهكذا يصبح الامر افضع كلما استطاعت المؤسسة السلطوية من تفريغ غلها في نفوس الناس..واصبحت الالة التجسيسية هي الفاعلة بينهم.
وانظر لمجتمع..لاتأمن من عيون الاخرين التي لن تكف من النظر اليك..لا لانها تريد قتلك والفتك بك.. انما لانها الطبيعة البشرية..دائما العين تنجذب الى الاخر..لانها تعلم وتدرك تماما انها لاتعيش وحدها في الاجتماع.
لقد ابدعت في نقل الفزع الذاتي الينا...وابدعت في انهاء القصة...ولست الوم الشاعر اي كان..واني لمعجب كل الاعجاب بما سطره...؟
تاكد..بان الانسان في مجتمع الفزع يتشارك مع اقرانه في النظر الى الاخرين.
محبتي
جوتيار
عبدالسلام المودني
03-12-2006, 02:16 PM
عبد السلام
ورحلة جديدة الى كنه الحقيقة .... وشرود هو أقرب الى الاستغاثة
\
نصوصك لم تزل تعجبني حتى صرت أدمنها
الفاضل خليل حلاوجي
نصوصي تسعد بقارئ مثلك
و أنا أسعد طبعاً
أهلاً بك متى تشاء
خالص التقدير و المودة
عبدالسلام المودني
عبدالسلام المودني
03-12-2006, 02:18 PM
" في الأيام الثلاثة الأخيرة، بتّ ألحظ شيئاً جديداً...
هـكذا تتوارد الأفكار بين بعض من الأطياف ... فنرى تهافت الروح على الروح لإنسجام فالمعنى وإخلاص وصدق في المشاعر .
قصة جميــــــــــلة
شكرا
الفاضلة عبلة محمد زقزوق
و الأجمل هذا العطر الذي جلبه حضورك و تواجدك هنا
خالص الشكر للحضور و تسجيله
عبدالسلام المودني
عبدالسلام المودني
13-01-2007, 12:43 PM
هكذا هي عين الكاتب تراقب بفضول كل ما حولها
هي كالنحلة تمتص الرحيق وتهب العسل للجميع
مميز دائما بطرحك وأفكارك
دمت مبدعا
العزيزة دلال كامل
أشكر تواجدك هنا أيضاً.
عيدك سعيد و عامك الفرح.
محبتي الصافية.
عبدالسلام المودني
عبدالسلام المودني
13-01-2007, 12:48 PM
المودني..
زمن لامرئي...بالرغم من كون لونه فاقع مخيف لاشية فيه، ليس له من شبه كبقر بني اسرائيل.. زمن قاسي كالعقول المتحجرة..بيع فيه كل شيء، الذمم،الاخلاق،وحتى اصحاب الكلمة..من كتاب وشعراء...وووو.... بل حتى الوطن..اما الانسان فبلا شك...؟
وفي وجود كهذا الوجود..يصبح القلق من الشيء حتى اللاشيء..امرا مقدسا..بل وجوب..فرض عين... وتتحول البشرية اجمع الى بؤرة قلق دائمة...الكل يخشى الكل..ولا احد يحسن الظن..كما في السياسة.. حيث حسن الظن غباء..تكون نظرة الاخر لك نظرة تجسس...وهي في الاصل قد تكون نظرة محبة ورحمة... وهكذا يصبح الامر افضع كلما استطاعت المؤسسة السلطوية من تفريغ غلها في نفوس الناس..واصبحت الالة التجسيسية هي الفاعلة بينهم.
وانظر لمجتمع..لاتأمن من عيون الاخرين التي لن تكف من النظر اليك..لا لانها تريد قتلك والفتك بك.. انما لانها الطبيعة البشرية..دائما العين تنجذب الى الاخر..لانها تعلم وتدرك تماما انها لاتعيش وحدها في الاجتماع.
لقد ابدعت في نقل الفزع الذاتي الينا...وابدعت في انهاء القصة...ولست الوم الشاعر اي كان..واني لمعجب كل الاعجاب بما سطره...؟
تاكد..بان الانسان في مجتمع الفزع يتشارك مع اقرانه في النظر الى الاخرين.
محبتي
جوتيار
العزيز جوتيار تمر
تأكد أن القلق هو المحرض الأول على كل فعل يرجى منه ما نرجوه من الإبداع.
و هو خلاف الخوف، فلن نستطع أن نقدم المتميز من الأعمال مادامت تقف أمامنا عوائق و حواجز.
الكتابة لها بغية تعرية المجتمع و رجه و فضح بعض مظاهر زيفه و نفاق أبنائه.
و ما الرموز التي قدمتها إلا أقنعة تخفي خلفها ظلال شخوص و مشاعر أخرى.
أشكر تواجدك الدائم بنصوصي.
محبتي الصافية.
عبدالسلام المودني
ربيحة الرفاعي
06-04-2014, 12:01 AM
العالم من حولنا ليس أكثر من صورة لنا تعكسها مرآة الأيام، مرآة صماء السطح تمور في أعماقها نتائج أفكارنا وأفعالنا، وتسطع معلنة عن نفسها محدثة جديدنا في دورة يقود آخرها لأولها ..
تتمتع بمهارة سردية مدهشة تأسر القارئ لنصك بجمله القصية الملفتة المحاميل لغة وفكرة
استوقفني بعض ما وددت لو حظي النص بشئ من المراجعة لضبطه
دمت بخير أيها المبدع
تحاياي
خلود محمد جمعة
07-04-2014, 10:50 AM
لقد كان الآخر انعكاس لصورته
جاء السرد على لسان البطل ولن تختلف الرواية كثيرا على لسان الآخر
وذلك ما تؤكده الخاتمة
الفضول ظل يلازم دواخلنا
اسجل اعجابي
دمت بخير
مودتي وتقديري
نداء غريب صبري
03-06-2014, 01:00 AM
تداخلات في المشهد والفكر والانسان
وصور بعضها في بعض
النص ممتع والفكرة مميزة جدا والسرد مشوق
شكرا لك أخي
بوركت
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir