تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : نشرة الكتاب تعيد اكتشاف نجيب محفوظ



فضل شبلول
25-10-2006, 02:39 PM
نشرة الكتَّاب تعيد اكتشاف نجيب محفوظ

كتب: أحمد فضل شبلول

خصصت نشرة أخبار الكتاب التي يصدرها شهريا اتحاد كتاب مصر، عددها الأخير (102) ليكون عن "العائش في الحقيقة"، نجيب محفوظ الذي يعاد اكتشافه بعد رحيله، وترتفع نسبة مبيعات رواياته وقصصه، ويتضاعف عدد المطبوع منها لدى ناشري أعماله.
يشرف على نشرة أخبار الكتاب الإعلامي د. مرعي مدكور الذي كتب افتتاحية النشرة تحت عنوان "إعادة اكتشاف نجيب محفوظ"، ونشر وثائق نادرة عبارة عن رسائل شخصية لنجيب محفوظ عمرها 70 عاما، للدكتور أدهم رجب (الذي أصبح فيما بعد أستاذا متفرغا بكلية طب القصر العيني) يتحدث فيها عن علاقته بالعقاد والحكيم والنحاس باشا وأم كلثوم والملك فاروق وصلاح أبو سيف، وغيرهم.
إلى جانب ذلك نشرت أخبار الكتاب، رسالة د. علي عقلة عرسان الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب في عزاء نجيب محفوظ، ورسالة د. حسين جمعة رئيس اتحاد كتاب سوريا، وبرقيات عزاء أمين عام الأمم المتحدة، ومؤتمر الشعب العام في ليبيا، وعزاء سفارة روسيا، ونقابة الفنانين السوريين، كما قدم السفير السعودي هشام محيي الدين ناظر تعازي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز.
ونقلت النشرة خبر إقامة ندوة موسعة في سلطنة عمان عن نجيب محفوظ بتوجيهات من السلطان قابوس بن سعيد، ضمن برامج مسقط عاصمة الثقافة العربية لعام 2006.
كما نشرت النشرة قصائد الشعراء الذين كتبوا رثاء في نجيب محفوظ، ومنهم حورية البدري، وأحمد فضل شبلول، وعشري عبد الرحيم، ومديحة أبو زيد ،إلى جانب كلمات ومقالات أحمد عبد الرازق أبو العلا، ود. جمال نجيب التلاوي، ومحمد عبد الحافظ ناصف، ولطفي النميري، ومحمد حمزة العزوني، وجابر بسيوني، وإسماعيل بكر، وإحسان كمال، ود. يوسف حسن نوفل، ومحمد أحمد حمد، ومن تونس عبد الرحمن مجيد الربيعي.
وبالإضافة إلى هذا العدد من نشرة اتحاد كتاب مصر، من المقرر تخصيص دورة الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب التي ستقام في القاهرة (21 ـ 25 نوفمبر / تشرني الثاني 2006) لأدب نجيب محفوظ، وسوف يصدر عدد خاص من مجلة "ضاد" التي يصدرها اتحاد كتاب مصر، برئاسة الكاتب محمد سلماوي، أيضا عن نجيب محفوظ.
وتجري حاليا على قدم وساق الترتيبات النهائية لهذه الدورة، وعقب إجازة عيد الفطر المبارك، ستجتمع كل اللجان المشكلة من أجل إنجاح تلك الدورة التي تعقد في القاهرة بعد غياب دام أكثر من خمسة وعشرين عاما.

أحمد فضل شبلول ـ القاهرة

د. توفيق حلمي
25-10-2006, 04:01 PM
أخي الكريم الأديب الكبير أحمد فضل شبلول
السلام عليكم
لا أعتبر نجيب محفوظ أديباً بالمعنى المفهوم وإن أملى علينا الإعلام ذلك على مدى عشرات السنين ، إنما كتاباته هي نوع من الحدوته التي لم تلتزم يصورة واضحة بمبادئ وعرف المجتمع وكان لذلك دوراً سلبياً أكيداً على أخلاقيات المجتمع المصري التي تدهورت لأسباب كثيرة منها حواديت نجيب محفوظ . تعمد دائماً تقديم النماذج الشاذه وتعريتها وتقديمها في طبق سيء من المشهيات الإباحية علاوة على الإصطدام المباشر بالدين الذي يمثل يقيناً داخل كل مصري ومسلم.
أعتبر أن دور محفوظ في إفساد الحياة الأدبية بما في ذلك من تأثير سلبي على مناحي الفكر والمجتمع المصري كله لا يقل عن دور عادل إمام في السينما والإعلام المصري وكلاهما كان هداماً مخرباً ومايزال.
لذلك لم يكن غريباً على الغرب المحارب لقيمنا أن يمنح محفوظ جواهر جوائزه.
نجيب محفوظ -غفر الله لكل المسلمين- لا يحتاج منا إلى إعادة اكتشافه فهو مكتشف تماماً منذ بداياته.
بالمناسبة ليس هذا رأيي وحدي ولكنه رأي كل مثقف مصري حقيقي من الأصدقاء والزملاء الذين أعرفهم.
مازالت الدولة للأسف الشديد تروج له ولغيره على يد سلماوي ومنصور وغيرهما لأهداف سياسية واجتماعية لست أرى الصواب فيها . أرجو أن أرى يوماً يكون فيه دور اتحاد كتاب مصر موجهاً لخدمة الأدب الحقيقي وأن ينأى بنفسه عن منزلقات التبعية لجهات تخرجه عن دوره الفكري والوطني السامي.
تقديري الكبير لك واحترامي لشخصك كما ينبغي

فضل شبلول
25-10-2006, 06:25 PM
الأخ العزيز د .توفيق حلمي
اسمح لي أن اختلف معك في إبداع نجيب محفوظ الذي كتب عن قاع المجتمع المصري وطبقته البرجوازية، وعرَّى المجتمع بالفعل، من خلال كتاباته، وأنا أعتقد أن على الأديب أن يقدم مجتمعه بكل ما فيه، وليس عليه أن يجمل الواقع، وهو في الوقت نفسه ليس مصلحا اجتماعيا، وإنما هو يشرِّح المجتمع ويقدمه بطريقة فنية على حقيقته، فيشير إلى الخلل، وينبه إليه، ليبدأ دور المصلح الاجتماعي، ونجيب محفوظ قد فعل هذا، ولكن أظن أن المصلح الاجتماعي لم يقم بدوره على الوجه اللائق أو المطلوب.
واختلف معك أيضا في أن الغرب منح جائزة نوبل لمواقف الرجل السياسية أو الأخلاقية في أدبه، وإنما لعظمة هذا الأدب فعلا، وكان الرجل يستحق مثل هذه الجائزة الكبرى وغيرها من الجوائز منذ سنوات سابقة عل نوبل بكثير، لإبداعه المتوالي الذي لم يتوقف طيلة حياته، وهذا مثال للجد والاجتهاد والالتزام.
وقد التقيت الرجل وجلست إليه أكثر من مرة، ولا تملك إلا أن تحبه، فهو بسيط، شفاف، متعبد في محراب الأدب والفكر والفن.
وهذا ليس رأيي ـ وحدي ـ وإنما رأي أغلبية الكتاب والمثقفين والأدباء المصريين الحقيقيين أيضا.
وقد اكتشف د. محمد حسن عبد الله تيارا إسلاميا كبيرا يسري في أعمال نجيب محفوظ، وأصدر كتابا مهما في هذا الموضوع بعنوان "إسلاميات نجيب محفوظ" في عام 1994.
والخلاف حول نجيب محفوظ لا ينتهي، ولن ينتهي، ككل عظيم من عظماء أمتنا، وينطبق عليه بيت المتنبي الشهير:
أنامُ ملء جفوني عن شواردها
ويسهر الخلق جرَّاها ويختصمُ
وأرجو ألا يفسد اختلاف الرأي بيننا الود والاحترام.
مع تحياتي

د. توفيق حلمي
26-10-2006, 12:12 AM
أخي الفاضل الكريم أحمد فضل شبلول
وهل كان الخلاف في الرأي يفسد وداً بين أصحاب العقل والنها ؟ إنما أسعدني رأيك الذي أراه يدشن حواراً راقياً بيننا قد يحسم خلافاَ ويلقي الضوء على ما غاب عن أحدنا.
دعني أعرض النقاط التي أوردتها في ردك ثم أتناولها بالتعليق:
(على الأديب أن يقدم مجتمعه بكل ما فيه، وليس عليه أن يجمل الواقع، وهو في الوقت نفسه ليس مصلحا اجتماعيا، وإنما هو يشرِّح المجتمع ويقدمه بطريقة فنية على حقيقته، فيشير إلى الخلل، وينبه إليه، ليبدأ دور المصلح الاجتماعي، ونجيب محفوظ قد فعل هذا، ولكن أظن أن المصلح الاجتماعي لم يقم بدوره على الوجه اللائق أو المطلوب)
هنا نختلف في تعريف الأديب ونختلف أيضاً في دوره ورسالته.
ولا اعتقد أننا سنختلف على أن الأديب هو الذي يكتب الأدب ، يقودنا ذلك إلى تعريف الأدب الذي لم يجمع عليه أحد حتى الآن واختلف هذا التعريف تبعاً لاختلاف التيارات والقواعد الفكرية لكل واضع له.
ولقد تطور معنى كلمة أدب عند العرب منذ أيام ما قبل المهلهل وحتى يومنا هذا, ففي الجاهلية كانت تعني هذه الكلمة الدعوة للطعام قال طرفة بن العبد:
نحن في المشاة ندعو الجفلى ** لا ترى الأدب فينا ينتقر
وفي لسان العرب: بعير أديب ومؤدب: إذا ريض وذلل. قال مزاحم العقيلي:
وهن يصرفن النوى بين عالج ونجوان تصريف الأديب المذلل
وقد قيل أن الأدب هو فنّ من الفنون الإنسانية الرفيعة، يحقّق هدفه بوساطة العبارة"(1)
وقالوا في تعريفه: "الأدب تعبير عن الحياة، وسيلتهُ اللغة"(2).
وقالوا أيضاً: هو الآثار اللغوية التي تثير فينا بفضل خصائص صياغتها انفعالات عاطفية أو إحساسات جمالية(3).
وعدّه بعضهم "مؤسسة اجتماعية، أداته اللغة". (4)
ومن تعريفاته أنه "تجربة إنسانية معبرّ عنها بالألفاظ والجمل، مع شرط مراعاة مطابقة التعبير وحسن اختيار اللفظ وتناغم الحروف، وتناسق الجمل، وتلاؤم الكلمات مع الموضوع، والعناية بالصور، واستخدام الخيال عنصراً ضرورياً ومتمماً في بناء التعبير بناءً جيداً "(5).
والأدب: "بناء لغوي يستغلّ كلّ إمكانيات اللغة الصوتية والتصويرية والإيحائية والدالة في أن ينقل إلى المتلقي خبرة جديدة منفعلة بالحياة"(6).
لعل هذا التعريف الأخير هو أشمل التعريفات السابقة، فقوله "بناء لغوي" معناه صياغة فنية محكمة، كالبنيان المحكم غير المتصدّع، فيشترط في لغة الأديب أن تكون صحيحة لا ضعف فيها، تشدّ القارئ إليها شدّاً. وكما تكون الحجارة في البنيان ألواناً، فكذلك ألفاظ الأديب. وقوله "يستغل إمكانيات اللغة الصوتية والتصويرية والإيحائية والدالة" فهي الأثاث الذي يكمل ذلك الصرح ويعطيه قيمته العالية، فنبرة الصوت أمر مطلوب في الأدب، وإلا فلماذا نقدم أحياناً لفظة أو نؤخّر؟ أو لماذا نبدّل تركيباً بتركيب وكلاهما صحيح ومعناهما واحد؟ كذلك التصوير -أيّاً كان نوعه- لاغنى للأدب عنه في إبراز الشعور والأفكار.
أما عن الأدب بتعريفه الإسلامي فيقول د/ محمد على رزق الخفاجي (7) أن الأدب الإسلامي أدب ملتزم, والتزام الأديب فيه عفوي نابع من التزامه بالعقيدة الإسلامية, ورسالته جزء من رسالة الإسلام العظيم وأن الأدب هو ريادة للأمة, ومسؤولية أمام الله عز وجل وأن الأديب الإسلامي مؤتمن على فكر الأمة ومشاعرها, ولا يستطيع أن ينهض بهذه الأمانة إلا إذا كان تصوره العقدي صحيحاً, ومعارفه الإسلامية كافية حيث أن الأدب طريق مهم من طرق بناء الإنسان الصالح والمجتمع الصالح, وأداه من أدوات الدعوة إلى الله عز وجل والدفاع عن الشخصية الإسلامية. ويقول الكاتب حسين علي هنداوي أن كلمة أدب قد استخدمت بمعنى خلقي تهذيبي فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( أدبني ربي فأحسن تأديبي )).
وفي حديث ابن مسعود: (إن القرآن مأدبه الله في الأرض).
وبالمعنى الخلقي التهذيبي قال الشاعر المخضرم سهل بن حنظلة الغنوي:
لا يمنع الناس مني ما أردت ولا *** أعطيهم ما أرادوا حسن ذا أدبا
أما في العصر الأموي فقد استعملت كلمة المؤدب بمعنى تعليمي فالمؤدبون هم الذين يعملون أبناء الخلفاء الأخلاق والثقافة والشعر والخطابة وأخبار العرب وأنسابهم وأيامهم الجاهلية والإسلام.
وفي العصر العباسي استعملت كلمة أدب بمعنييها التهذيبي والتعليمي فقد سمى ابن المقفع رسالتين له تحملان حكماً ونصائح وسياسة ب / الأدب الصغير – الأدب الكبير.
وبالمعنى نفسه أفراد أبو تمام في كتاب الحماسة بابا فيه مختارات من طرائف الشعر سماه باب الأدب وكذلك باب الأدب في الجامع الصحيح للإمام البخاري وكتاب الأدب لابن المعتز ت.
وقد كان القرنان الثاني والثالث الهجريان مرتعاً لكتب الأدب التي تحوي فصولاً وأبواباً من الأخبار والشعر واللغة والبلاغة والنقد والحديث والقرآن ككتاب البيان والتبيين للجاحظ والكامل للمبرد وعيون الأخبار لابن قتيبة، وأصبح معنى كلمة الأدب هو الأخذ من كل علم بطرف وقد شمل معناها المعارف الدينية وغير الدينية التي ترقى بالإنسان من جانبيه الاجتماعي والثقافي.
ومن الطريف أن إخوان الصفا قد صنفوا تحت كلمة أدب جميع علوم اللغة والبيان والتاريخ والأخبار والسحر والكيمياء والحساب والمعاملات والتجارات.
ولم يخرج ابن خلدون في تعريفه للأدب عن سابقيه من حيث كونه الأخذ من كل علم بطرف وبناء على ما سبق يمكن القول إن الأدب هو فكر الأمة الموروث والذي يعبر عنه الشاعر أو الكاتب بلغة ذات مستوى فني رفيع تنقل بشفافية موروث الأمة الاجتماعي والسياسي والفكري والاقتصادي والإنساني والحضاري ومن خلال ذلك نستطيع اعتبار الموروث منذ أيام الملك الضليل إلى يومنا هذا بجميع جوانبه الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
وفي العصر الحديث استقر الفهم على تعريف سطحي ضيق للأدب على أنه الشعر و النثر الفني ثم الأخذ من كل علم بطرف و مع ذلك فهذا التعريف لا يحدد أصولا للأدب و لا أهدافا إلا أن تكون الصنعة . ومما لا شك فيه أنه ليس كل ما يكتب في اللغة تستطيع تسميته أدبا ً لأنه يدخل في علوم أخرى كالتاريخ والفلسفة.
ولن أخوض أكثر من ذلك في التعريفات المختلفة وأكتفي بتعريفي الشخصي للأدب الذي استقر وتأصل في وجداني وهو أن الأدب فن عرض الفكرة والرؤية والذي ينبع من المخزون المعرفي للأديب. وذلك الفن ليس مطلقاَ لقلم الكاتب ليكتب ما يشاء وإنما لابد أن تحكمه محددات بديهيات الفكر الإنساني ومبادئ العرف الإجتماعي والتراثي وإلا يندرج ذلك تحت مسميات أخرى.
والأدب الصحيح ليس هذياناً وإنما بكونه أداة تواصل بين العقول لابد وأن يكون له هدفاً أصيلاً يصل إليه من خلال هذا التواصل ، هناك أهداف ووظائف له لا تنفصل عن مسماه ونصل هنا بالتالي دور الأديب الذي يكتب الأدب والذي لابد أن يكون أميناً في رسالته وأن يكون له دوراً إيجابياً وليس سلبياً على المتلقي ومجتمعه فلا يركز على النقائص والفضائح والنادر القبيح إنما عليه أن يسمو لما يخدم هذا المحيط ويكون عاملاً من عوامل الإصلاح والعلاج. أي مجتمع أستطيع تشبيهه بجسم الإنسان فإذا اكتفي الكاتب بالكتابة في قبل ودبر هذا الجسد فقط ولم يرقى للرأس والفكر ولم يذكر غير ذلك من أعضاء فهذا معول هدم قبيح وأداة مفسدة لا شك في ذلك ولا يندرج ذلك تحت مسمى الأدب على إطلاقه.
فإذا قلت أن الأديب ليس مصلحاً اجتماعياً أوافقك على مضض ولكنه بالقطع أداة من أدوات المصلح الاجتماعي إن تخلى هو عن دوره في أن يكون قلمه مصلحاً اجتماعياً مباشراً وذلك هو دوره الأصيل بصورة مباشرة أو غير مباشرة. ولم يكتب نجيب محفوظ إلا بما في دبر المجتمع وقبله وليته كان يملك ناصية اللغة فيكتب الأسلوب الرفيع أو اللغة الأدبية السليمة ولكننا إذا وضعناه في هذا الميزان فلن يكون له ثقلاً يذكر. ماذا بقي فيه إذن ؟؟؟!! لم يبق فيه كما أرى سوى دور المفسد الاجتماعي الذي يكشف العورات ويثير الشهوات ويكسر كرامة المجتمع ويحطم كبرياءه ومثله.
تقول أخي الكريم:
(واختلف معك أيضا في أن الغرب منح جائزة نوبل لمواقف الرجل السياسية أو الأخلاقية في أدبه، وإنما لعظمة هذا الأدب فعلا، وكان الرجل يستحق مثل هذه الجائزة الكبرى وغيرها من الجوائز منذ سنوات سابقة عل نوبل بكثير، لإبداعه المتوالي الذي لم يتوقف طيلة حياته، وهذا مثال للجد والاجتهاد والالتزام )
أربأ بأخي المفكر أن يعتبر جائزة نوبل جائزة نزيهة تمنح للأفذاذ في العالم الذين يؤثرون على الحضارة الإنسانية كما هو معلن في أهدافها. نعم بدأت جائزة نوبل عند نشأتها كذلك ولكن السياسيون وأصحاب النفوذ ما توانوا عن السيطرة عليها لشراء عقول العالم ، وهي الآن بما لا يقبل مجالاً للشك لا تمنح إلا لهؤلاء الذين يرضى عنهم اليهود ، ولك في ذلك مثالاً صارخاً وهو الدكتور أحمد زويل ، ذلك العالم الفذ الذي كان يستحق الجائزة عن جدارة منذ أعلن عن اختراع كاميرا الليزر التي غيرت أسس جميع العلوم الكيمائية والفيزياقيه والطبية ، تأخرت عنه هذه الجائزة عشر سنوات كاملة كانت خلالها محافل العالم العلمية كلها تتعجب من تأخر الجائزة عنه فليس من هو أولى بها في العالم كله بلا منافس بما كاد أن يفضح الجائزة بصورة مباشرة. تدارك زويل هذا الأمر بصورة علنية وحصل على الجائزة بعد أن رفع اليهود عنه اعتراضهم. لست أعني بذلك أن زويل تواطأ مع اليهود أو خان مصريته ودينه ولكنه تنازل قليلاً وقبل الدعوات اليهودية التي أمليت عليه لزيارات هنا وهناك ووعد بعدم التعرض باللفظ لإسرائيل أو اليهود وهذا حديث آخر.
أعطيت نوبل لمحفوظ لدوره المفسد في الفكر العربي عموماً واستهزائه بالأديان وبالإسلام ويكفي أنه حصل على تلك الجائزة عن قصته التي حرم الأزهر طباعتها وتوزيعها في مصر لما فيها من استهزاء صارخ بالإسلام والمسلمين.
وإذا كانت الجائزة فعلاً تمنح لمن قاموا بأعمال إنسانية جليلة ووصل أدبهم إلى الذرى بما غير الفكر الإنساني فلماذا لم تمنح إذن لأمثال الرافعي أو طه حسين أو العقاد أو الدكتور محمد حسين هيكل وغيرهم من أفذاذ الأدب العربي والإسلامي ؟؟ ولعلك تذكر ثورة يوسف إدريس عندما علم بفوز محفوظ بالجائزة وأعلن صراحة أنه أولى بالجائزة من محفوظ ، وانت تعلم بلا شك الفارق الشاسع بينهما وبين من ذكرت من أسماء فذة في الأدب العربي والإسلامي. عاند محفوظ مجتمعه وروج فيه مخدرات الفكر والكفر والعري والفضائح فتمت مكافأته بنوبل وغيرها من الجوائز قبل وبعد نوبل على هذا الإفساد. ولا تقل لي ياأخي أنك لا تعرف أن جائزة نوبل التي تدين لنفوذ اليهود الواضح منذ انتهت الحرب العالمية الثانية وإلا كان عليك مراجعة الكثير في هذا الشأن وذلك أيضاً حديث آخر موثق.
تقول أخي الكريم:
(وقد التقيت الرجل وجلست إليه أكثر من مرة، ولا تملك إلا أن تحبه، فهو بسيط، شفاف، متعبد في محراب الأدب والفكر والفن.وهذا ليس رأيي ـ وحدي ـ وإنما رأي أغلبية الكتاب والمثقفين والأدباء المصريين الحقيقيين أيضا.وقد اكتشف د. محمد حسن عبد الله تيارا إسلاميا كبيرا يسري في أعمال نجيب محفوظ، وأصدر كتابا مهما في هذا الموضوع بعنوان "إسلاميات نجيب محفوظ" في عام 1994 )
أما عن الرجل فلا يهمني بساطته أو شخصيته أو شكله ولا أتعرض لذلك فأنا هنا بصدد ما صدر عنه من كتابة فقط وذلك مرآة له ، وكنت قد سمعت مرة حديثاً تليفزيونياً لسفاك الدماء الإرهابي الكبير شيمون بيريز فوجدت حديثة وقوراً جميلاً ينبي عن شخصية مهذبة مسالمة وتظهر في كلماته ملامح الثقافة الرفيعة ، وشتان ما بين ذلك وبين أفعاله على مدى تاريخه. العبرة بالنتائج ياأخي وليس بالتفاصيل. أما المكتشف د. محمد حسن عبد الله الذي تفضلت بذكره والذي اكتشف إسلاميات نجيب محفوظ فيكفي إدانة ذلك بأن تصف أن ذلك (اكتشاف) !!! تلك ياأخي كبسولات إعلامية تغطي عورة محفوظ المكشوفة بالإسائة المتعمدة للإسلام وقيم مجتمعه ودينه لا ننخدع بها.
أما حديثك عن المثقفين الحقيقيين فأنت بذلك تفتح الباب الكبير لتعريف المثقف الذي لن أخوض فيه فقد أطلت بما يكفي ولكني سأوجز أن المثقف ليس هو من قرأ الكتب واختزن المعرفة فقط ، ذلك يكون قارئاً مثل جهاز الكومبيوتر الذي يختزن المعلومة ويخرجها كما هي ، إنما المثقف الحقيقي هو من يتلقى المعلومة بفكر المحلل والمناقش ليستوعب كل ذلك في معينه والذي ينصهر فيه كل ما استقبله رؤية وسمعاً وبكل الحواس لتتفاعل معاً في مرجل فكره ليخرج بعد كل ذلك بفكر ينبع من هذا الخليط المعرفي ويتكون عنده ما يسمى الفكر والرؤية الخاصة به في شتى مناحي الحياة. يقوده ذلك لفهم ما يلقى عليه وتكون لديه القدرة والنظرة الثاقبة للتمييز بين الحق والزيف ، وبين الصدق والكذب ، وبين الادعاء والحقيقة، ويصبح مصدراً من مصادر الرأي ومرجعاً فكرياً. من المعروف أن العقاد قرأ خمسين ألف كتاب وخرج من ذلك كمفكر كبير وأديب بليغ وقد يكون هناك من لم نسمع عنه ممن قرأ أكثر من ذلك ولم يتزحزح عن المتلقي السلبي المختزن للمعلومة فذلك ليس بالمثقف الحقيقي.
تحياتي لك أخي شبلول وأرجو ألا أكون قد تجاوزت في ردي فإنما هي رؤية راسخة عندي لم تستطع آلة الإعلام الثقيلة أن تزحزحها لما تريد.
تقبل التقدير والاحترام.
---------------------------------------------------------------------
1 - تطوير تعليم الأدب، محمد عبد القادر أحمد، ص 148، اتحاد المعلمين العرب، المؤتمر التاسع، الخرطوم، فبراير،1976 .
2 - الأدب وفنونه، عز الدين إسماعيل، ص11، دار النشر المصرية، ط1، مصر، 1955 .
3 - ينظر: الأدب ومذاهبه، محمد مندور، ص 5، دار نهضة مصر، ط2، مصر.
4 - نظرية الأدب: رينيه ويليك، وأوستن دارين، ترجمة محيي الدين صبحي، مراجعة د. حسام الخطيب، المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، ط3، ص 119، دمشق .
5 - الرائد في الأدب العربي، إنعام الجندي، بيروت، دار الرائد العربي، 1979، ج1، ص36 .
6 - الأدب وفنونه، عز الدين إسماعيل، ص11، دار النشر المصرية، ط1، مصر، 1955 ، ص 25 .
7- أ.د/ محمد على رزق الخفاجي. توفي رحمه الله في 2/1/1995م وكان يعمل أستاذ في الأدب والنقد والبلاغة ورئيساً لقسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة أسيوط فرع سوهاج, وخلف تراثاً نقدياً وأدبياً ضخماً.

فضل شبلول
26-10-2006, 01:11 AM
أشكرك عزيزي د. توفيق حلمي على هذا البحث الموثق، والذي جال بنا تاريخيا وثقافيا وأدبيا، ولكن ألم أقل لك أن بيت المتنبي الشهير ينطبق على نجيب محفوظ، ولكننا لن نختصم إن شاء الله.
وأرجو ألا تحكم على أعمال الرجل من خلال الأفلام التي شوهت بعض أعماله بالفعل، ولكن أرجو أن يكون الحكم من خلال أعماله الأدبية المطبوعة في الكتب، ومعظم ما فيها عبارات أدبية بليغة رفيعة المستوى، ولن تكتشف هذا من خلال الأعمال السينمائية، التي دخل عليها التعديل من قبل كاتب السيناريو والحوار وأيضا المخرج، بل من خلال قراءة الكتب التي ألفها بالفعل.
أنا أرى في الرجل وأعماله وجها آخر غير الذي تراه، ولعلك أخي الفاضل لا تعلم أنني عضو في رابطة الأدب الإسلامي العالمية، وأعرف تماما منهج الأدب الإسلامي، وكتبت عنه غير مرة، ولا أرى أن محفوظا قد انحرف بفكره وأدبه، وأن من ضمن الذين كتبوا عنه وبشروا به وبأدبه في بداية حياته الأدبية، المفكر الإسلامي الكبير سيد قطب.
أرجو أن تتاح لك فرصة قراءة عمل من أعمال محفوظ، وتكتب لنا نقدا تطبيقيا عنه، لأن الدراسة التطبيقية قد تكون أفيد من الحديث النظري، أو البحث النظري الذي تفضلت بكتابته، والذي استفدت منه كثيرا.
مع محبتي وإعجابي بهمتك العالية.

ثروت الخرباوي
26-10-2006, 02:47 AM
أرجو أن تتاح لك فرصة قراءة عمل من أعمال محفوظ، وتكتب لنا نقدا تطبيقيا عنه، لأن الدراسة التطبيقية قد تكون أفيد من الحديث النظري، أو البحث النظري الذي تفضلت بكتابته، والذي استفدت منه كثيرا.
مع محبتي وإعجابي بهمتك العالية.

الأديبان الكبيران الكريمان .... إستمتعت بحواركما واستغرقتني كلماتكما

ولي عودة بإذن الله سبحانه وتعالى

ولكن قبل العودة لي ملحوظة صغيرة ... فمع إحترامي الكامل للشاعر والأديب المتميز فضل شبلول إلا أنني دهشت وتعجبت من دعوته لمحاوره أن يقرأ عملا لمحفوظ - رحمه الله - !! وكأن الأديب والشاعر المتعمق د. توفيق حلمي إستمد معرفته بأدب محفوظ من خلال المخرج حسن الإمام !! وأظن - وبعض الظن حق - أن باحثا كتب بحثه هذا عن الأديب والأدب والأدباء عبر عصور متفاوتة ... قد شرب روايات محفوظ رحمه الله حتى الثمالة .. وأُ شربها حتى النخاع .. فلايعقل - فراسة وبداهة - أن يخوض مثل الدكتور حلمي مع الأديب شبلول هذا الحوار دون أن يكون قرأ ووعى واستوعب وأقام رأيا .. إتفقنا معه أو إختلفنا .. هذه نقطة بداية لعودتي ولي معكم تتمة إن شاء الله

د. توفيق حلمي
26-10-2006, 03:02 AM
أشكرك عزيزي د. توفيق حلمي على هذا البحث الموثق، والذي جال بنا تاريخيا وثقافيا وأدبيا، ولكن ألم أقل لك أن بيت المتنبي الشهير ينطبق على نجيب محفوظ، ولكننا لن نختصم إن شاء الله.
وأرجو ألا تحكم على أعمال الرجل من خلال الأفلام التي شوهت بعض أعماله بالفعل، ولكن أرجو أن يكون الحكم من خلال أعماله الأدبية المطبوعة في الكتب، ومعظم ما فيها عبارات أدبية بليغة رفيعة المستوى، ولن تكتشف هذا من خلال الأعمال السينمائية، التي دخل عليها التعديل من قبل كاتب السيناريو والحوار وأيضا المخرج، بل من خلال قراءة الكتب التي ألفها بالفعل.
أنا أرى في الرجل وأعماله وجها آخر غير الذي تراه، ولعلك أخي الفاضل لا تعلم أنني عضو في رابطة الأدب الإسلامي العالمية، وأعرف تماما منهج الأدب الإسلامي، وكتبت عنه غير مرة، ولا أرى أن محفوظا قد انحرف بفكره وأدبه، وأن من ضمن الذين كتبوا عنه وبشروا به وبأدبه في بداية حياته الأدبية، المفكر الإسلامي الكبير سيد قطب.
أرجو أن تتاح لك فرصة قراءة عمل من أعمال محفوظ، وتكتب لنا نقدا تطبيقيا عنه، لأن الدراسة التطبيقية قد تكون أفيد من الحديث النظري، أو البحث النظري الذي تفضلت بكتابته، والذي استفدت منه كثيرا.
مع محبتي وإعجابي بهمتك العالية.
أخي الأديب الكبير فضل شبلول
من يستقي رأيه في عمل أدبي من خلال ترجمة له سواء سينيمائياً أو إذاعياً أو أي وسيلة أخرى حتى إن كانت لغوية يكون غير منصف ويجهل قاعدة أساسية من قواعد بناء الرأي والفكر ولست أنا ذلك الرجل. وإن فعلنا ذلك فكأننا نحكم على طه حسين بفيلم دعاء الكروان أو يوسف السباعي بفيلم أرض النفاق وغير ذلك أو كأننا نحكم على هيئة الشخص بصورة ضوئية له ، لا ينبغي لنا ذلك وإلا كان الحكم في غير موضعه.
قرأت ياأخي جل أعمال محفوظ في مقتبل الشباب واستوعبت توجهاته وآرائه التي يطرحها في حواديته وكونت الرأي واختزنت الحكم في وجداني مما استقيته من الأصول. ورأيي أنه ليس بأديب بالمعني المفهوم ولكنه قصاص متوسط المستوى قد يفوقه منشدي أبو زيد الهلالي الذين سمعت عدداَ منهم ، وحكمي أنه حاقد على المجتمع الذي يعيش فيه ينخر فيه بقلمه ليهدمه ببث ثقافة العري والإباحية في إطار من أنيق من حدوته تغري بالضحك والسمر والدعابة.
قرأت لمحفوظ كما أذكر في أوائل السبعينات قبل أكتوبر مقالة صغيرة في صحيفة الأهرام يقول فيها أننا كمصريين نسبب لأنفسنا مشكلة كبيرة ، تلك المشكلة أننا تظن بأن مصر دولة عظمى لها كيان كبير بحيث يمكن أن يؤثر على السياسة العالمية وأن تنافس الدول الكبرى في نفوذها على العالم. وقال أن حل هذه المشكلة بسيط وهو أن نقنع بالواقع الحقيقي لحجمنا وهو أننا نعيش في دولة صغيرة فيها نهر يعيش على ضفتيه شعب فقير محدود القدرة !!!
أي والله قرأت هذه المقالة وأذكر أن الدماء صعدت في رأسي ساعتها وقمت من فوري بالرد عليه في مقالة قصيرة أيضاً نشرتها بجريدة الطلاب بالجامعة فما كان لمثلي في ذلك الوقت أن تنشر له الأهرام رداً على نجيب محفوظ. قلت له في ردي أننا لسنا دولة صغيرة ولسنا شعباً محدود القدرات ، وإن كنا كذلك فكيف استطاعت هذه الدويلة وذلك الشعب الضعيف من بناء حضارة الفراعنة التي يشهد بها العالم ، وإن كنا كذلك فكيف صددنا محاولات دول العالم الحثيثة على مدار التاريخ بغزو الشرق من فرنسيين وصليبيين وتتار بل لماذا استهدفت هذه الدول مصر بالذات ؟ ومازالت ، وكيف قادت هذه الدويلة العالم الإسلامي على مدار التاريخ ؟ ولماذا زرع العالم دولة إسرائيل على بوابتها الشرقية ويؤيدها بكل ما أوتي من قوة ؟ لماذا يستهدف العالم مصر التي يعيش شعبها الفقير على ضفتي نهرها ؟؟
قلت له ما دعوتك هذه إلا لتبث الإنهزامية في هذا الشعب الخلاق الذي يؤثر بالرغم منه في سياسة العالم كلها واقرأ عبقرية مصر لجمال حمدان لتعرف قيمة البلد الذي يأويك. نعم كتبت هذا أخي شبلول وبعد أشهر كانت حرب أكتوبر.
لم أصادف كتابة لنجيب محفوظ وإلا وتذوقت السم في عسله ولست أدري أكان ذلك من سوء حظي أم من سوء حظه ؟؟
أما عن منهج الأدب الإسلامي فأنا أعرفه جيداً أخي الكريم شبلول من روائع الرافعي وقصور الدكتور محمد حسين هيكل الشامخة ولا أعترف بأدب إسلامي يخرج عن منهجهم القويم السامق في الطرح. فلا تقل لي أن محفوظ كان كاتباً إسلامياً أو يتبع منهجاً غير محاولة هدم اليقين الأيماني وإلا تكون قد بخست فكري كثيراً، واعرف أنك لا تفعل.
قرأت أخي الكريم شبلول ما قمت برفعه مشكوراً من مقالات في الصالون الثقافي الآن عن الدراسات النقدية لبعض ما كتبه محفوظ وهي تشير لقلم ناقد قوي رفيع المستوى وإن جعلته الحماسة الشديدة للرجل أن يحيد عن منهج النقد السليم الذي يعرفه بلا شك وهو ذكر ما للعمل وما عليه فاكتفي بالمدح وتلميع الشخصية ولم يتعرض لحجج من لم يروا فيه أديباً بالدراسة والتحليل كما يجب. عندما أتحدث عن محفوظ لا أكن له كراهية أو غيره إنما هو رأي في فكره الذي طرحه في كتاباته بإنصاف وعدل أتحراه بدقة. أما عن بيت أحمد بن الحسين

أنامُ ملء جفوني عن شواردها=ويسهر الخلق جرَّاها ويختصمُ
فقد ذكرت انك لا تقصد به محفوظ ، فمن تقصد إذن ؟
كيفما كان الأمر فإني سأذكر بعض أبيات من شعري أنا أعبر فيها عن العوامل التي تحكمني في التعرف على الغث من الثمين في عالم الأدباء والقيم المطلقة ، أقول:

إنْ رُمْتَ شَهْدَاَ نَقِيَّاَ غَيْـرَ مُخْتَلِـطٍ=اصْعَدْ إلَى القِمَـمِ العَليَـاءِ والمُثِـلِ
مِنَ القَصَائِدِ مَنْ تزْهُـو بِشَاعِرِهَـا=لكِنَّ أشْرَفَهَا مَنْ عَـفَّ عَـنْ زَلَـلِ
حُرُّ اللآلِئ فِي الأصْـدَافِ مَكْمَنُهَـا=وَدُوُنَهَا البَحْرُ والغَوَّاصُ إنْ يَصِـلِ
وَإنْ أرَدْتَ بَدِيـعَ الزَّهْـرِ تَحْصُـدُهُ=إغْرِسْ جُذُوُراًَ وَصُنْ سَاقاَ مِنَ الخَلَلِ
نعم أخي لدينا في تاريخنا الحديث في القرن الماضي وممن يعيشون معنا الآن من المغمورين من هم أدباء بحق تفوق قامتهم أمثال محفوظ بمراحل ولكنه الإعلام الوجه الذي يسلط الضوء على من يشاء لغرض ويطفئها لكي لا نرى من يريد أن يحجبه عنا ، تلفت حولك هنا في الواحة أخي الكبير شبلول تجد عمالقة فكر وأدب ولغة وقصة ينثرون فكرهم ذهباً وفضة ولؤلؤاً ولا يعرفهم أحداً إلا نحن ، ونحن قنعنا بالعالم الصغير الذي نعيش فيه معهم وهم أيضاً قنعوا بنا . ولا أرى في أخي الحبيب فضل شبلول إلا واحداً من الكبار هنا نفخر به وبتواجده معنا فهو إسم له ما له حجماَ وكيفاَ.
لك التحية الصادقة والصداقة الحقيقية التي باتت تربط بيننا.

فضل شبلول
26-10-2006, 06:57 PM
صديقي العزيز الدكتور توفيق حلمي
شكرا لك على أريحيتك، وثقافتك الواسعة، ما شاء الله.
وقد قصدت أن استثيرك لتكتب نصا نقديا تطبيقيا على أحد أعمال نجيب محفوظ التي قمتَ بقراءتها، فمن الواضح أنك تمتلك أدوات الناقد المثقف الحصيف، صاحب الرؤية الواعية. فليتك تفعل؟ لأستفيد أنا شخصيا.
أما بخصوص بيت المتنبي، فقد ذكرت أنه ينطبق على حالة نجيب محفوظ، ولم أذكر العكس يا صديقي.
أما بخصوص الأدب الإسلامي، فهو لم يتوقف عند أعمال الرافعي وهيكل وغيرهما، ولكن أسست رابطة الأدب الإسلامي العالمية عام 1985 بمدينة لكنو بالهند، وكان الشيخ أبو الحسن الندوي رئيسا لها، وبعد أن توفي انتقل مقرها إلى الرياض وأصبح رئيسها الحالي د. عبد القدوس أبو صالح.
وهي تبحث عن عناصر وتوجهات الأدب الإسلامي في الأعمال الحالية، وأيضا القديمة أو التراثية، وتشجع الأدباء والكتاب والباحثين والنقاد على الاتجاه نحو الأعمال ذات التوجه الإسلامي، قديما وحديثا، وقد شاركتُ في مؤتمر عن الرافعي في العام الماضي بالقاهرة نظمته الرابطة، وكذلك في مؤتمر عن التوجه الإسلامي في أدب الأطفال بالرياض في ربيع هذا العام. إذن الأدب الإسلامي لم يتوقف عند أعمال الرافعي وهيكل، ولكن هناك من الأدباء المعاصرين: د. حسين على محمد، ود. صابر عبد الدايم، ود. حسن الأمراني، ود. جابر قميحة، ود. عبد الحليم عويس، ود. عبد الله الحيدري، ود. عبده زايد، ود. عبد المنعم يونس، وأحمد محمود مبارك، ومحجوب موسى، وإيمن صادق، وعبد المنعم عواد يوسف، ومحمد التهامي، وعبد التواب يوسف، وعشرات غيرهم. وهناك رسائل ماجستير ودكتوراه أعدت وتعد عن هذا الأدب وأدبائه الأحياء والراحلين.
شكرا لنجيب محفوظ على أنه كان سببا في معرفتي بك.
وإلى لقاء صديقي د. توفيق حلمي

د. توفيق حلمي
28-10-2006, 12:27 AM
الأخ والصديق الأديب أحمد فضل شبلول
رحم الله امرء عرف قدر نفسه ، لست ناقداً سيدي فهذا فن يحتاج علماً واسعاً لا أدعي أني أملكه فهو علم القاضي الوافر الشامل صاحب النظرة المطلقة الحيادية وليس علم المتقاضين مدعياً ومدعى عليه ، إدعاء ودفاعاً. رحت أخي الكريم تدعوني لكي أدعوك إلى مائدتك ! وما مائدتك إلا علم النقد وفنونه وأردت مني أن أطهو لك طبقاً من مشهيات محفوظ ! لا أخي إنما أنتظر منك نقدك المحايد لترويجه المدعم لأخلاق الحواري والفتوات بدلاً من أخلاق القرية المصرية الأصيلة التي ما باتت معاول الهدم تهدمها وتسخر منها في صورة العمدة الظالم والفاسد والفاسق والراشي والمرتشي! أنتظر منك نقداً محايداً في سخريته من الله عز وجل وأنبيائه والرمز بالجبلاوي وموسى وآدم وما تعرفه وأعرفه من كفر سافر كتبه. أنتظر منك ياأخي رداً على سؤال الله عز وجل يوماً لمن سكت عن محفوظ ومن أيده ومن روج له ومن وافقه على ما كتب.
اما الأدب الإسلامي فكما قلت لك أن هناك من الأفذاذ الذين أفسدوا عليّ ذائقتي لغيرهم ، فقدت القدرة على التذوق بعد قراءتي مبكراً لوحي القلم للرافعي وحياة محمد للدكتورمحمد حسين هيكل وما يصطف جوار ذلك. وحتى إن أعجبت ببعض كتابات من تفضلت بذكرهم وأراك نسيت فريد زمانه الدكتور سليم العوا ، فإنما أعجب بزهرة تضوع هنا أو هناك ولكني أفتقد فيهم شمولية وروعة القدامى الذين أسروني بفكرهم قبل بلاغتهم.
يذكرني ذلك بالشيخ مصطفى اسماعيل عليه رحمة الله الذي أفسد ذائقة أذني لغيره من المقرئين ، فعندما سمعت له يوماً آية في صورة النمل (قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك) ما أن سمعته وهو يجوّد الآية بإسلوب جعلني افهمها على نحو صحيح وأعيش لحظة الحدث حتى لزمته فلما لزمته اخذني لفنه الباذخ وسحر صوته وقرائته بما جعلني أهجر بقية المقرئين ولا أستطيع تذوق غيره. احتكر مصطفى اسماعيل أذناَ واحتكرت أم كلثوم الأذن الأخرى ولم يبق عندي إلا الوجدان الذي فاض بكتابات الرافعي وهيكل والمازني والمنفلوطي ومن في سمائهم ، وكتابة أبي عليه رحمة الله الذي لم يقل عنهم أبداً بل فاقهم فوق ذلك شعراً.
أين محفوظ من حديثي هذا ؟! من هو ؟! قاص ؟! أين ما كتبه من زينب لهيكل ؟!! أين هيفاء وهبي من أم كلثوم ؟
صديقي الفاضل الكريم ، أثرت شجوني بما جعلها تحلق فوق حروفي وتخرجني عن حرصي لانتقاء اللفظ كما يجب فسامحني.
لك الود كله والحب الصادق

فضل شبلول
28-10-2006, 01:32 PM
يا عزيزي الدكتور توفيق حلمي
صبحك الله بكل خير
اسمح لي أن أقول لك أن تعيش في زمن ماض، هو زمن جميل لاشك في ذلك، وأنا أحاول أن أعيش في الزمن الحاضر، رغم قبحه في كثير من الأحيان، فهو زمني الذي عبر عنه كتاب كبار، وأحاول أنا ذلك من خلال بعض كتاباتي.
دعوتك لقراءة أعلام الأدب الإسلامي المعاصرين، فوجدتك متوقفا ومتشبثا باعلامه الرائعين في الزمن الماضي، الذين لاشك في روعتهم، ولكنهم لم يعبروا عن قضايانا الآنية، فهم عاشوا عصرهم بكل ما فيه من روعة وعطاء، والآخرون أيضا يعبرون ـ أو يحاولون أن يعبروا ـ عن عصرنا.
ومع تقديري للدكتور سليم العوا، إلا أنني لم أقرأ له أعمالا أدبية، فنحن نتحدث عن الأدباء، وعن الأدب الإسلامي.
أخي الحبيب اشتبك مع الواقع ومع العصر الذي نعيشه المليئ بالتوترات المحلية والعربية والعالمية، التي حاول نجيب محفوظ تجسيدها في أعماله الأدبية، وأعتقد أنه نجح في ذلك، وما الفتوات الذين أوردهم في أعماله، سوى فتوات عصرنا محليا أو دوليا.
أدعوك مرة أخرى لقراءة أولاد حارتنا ليس بالمفهوم الديني، ولكن بالمنطق الأدبي أو الفني. وكذلك الحرافيش، فلأعمال الرجل أبعاد أخرى، أو هي متعددة الأبعاد.
أما عن قولك السابق أو استشهادك بآراء يوسف إدريس عند فوز محفوظ بنوبل، فهي آراء الإنسان الذي يحس بالغيرة، كونه هو الذي لم يفز بنوبل، لقد كان اسم يوسف إدريس معلقا على لائحة المرشحين، ولم يكن اسم محفوظ معلقا أو مدرجا على اللائحة، فعندما فاز محفوظ أحس إدريس أنه لن ينال هذه الجائزة، وأن الأمر انتهى بالنسبة له، فهاج وماج وغار من نجيب محفوظ، هذا هو موقف إدريس من محفوظ، وهو موقف معروف للجميع، ترى هل كان سيرفضها إدريس لو أتت إليه؟ طبعا لا والف لا؟
صديقي العزيز أدعوك لقراءة أعمالنا الأدبية المعاصرة، لأنها الأكثر تعبيرا واتساقا مع واقعنا، مهما بلغت أعمال الآخرين القمة في زمانها؟ هل يعقل مثلا أن نتوقف عند المتنبي، ونقول إنه بلغ قمة الشعر العربي؟ لو كان هذا صحيحا لما قرأنا شوقي، وحافظ والجواهري وعبد الصبور وأمل دنقل والسياب ودرويش وغيرهم. لو قلنا إن المتنبي أفسد علينا ذائقتنا لشعر الشعراء الذين جاءوا من بعده، لما قرأنا أحدا بعد ذلك، ولا اهتممنا حتى بشعراء عصره من أمثال أبي فراس وغيره.
لا يا عزيزي ..
اختلف معك تماما.
وعموما لكل منا قناعته وتفكيره وتوجهاته وآراؤه، وتقديراته.
ومع ذلك تظل محبتي الصادقة التي أحملها لك عبر الواحة الثقافية الوارفة.
واسمح لي بالاستئذان من الحوار لمدة أسبوع على الأقل لسفري إلى باريس للمشاركة في أعمال الدورة العاشرة لمؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري التي ستقام في العاصمة الفرنسية خلال الأيام القادمة.

د. توفيق حلمي
31-10-2006, 05:23 AM
أخي الأديب الكبير أحمد فضل شبلول
سفراً سعيداً وعوداً ميموناً بإذن الله تعالى
كيف ياأخي لا أعيش الحاضر وأنا جزء منه ؟!
لكن زادي في الحاضر كفاه منهج الأولين وكنوزهم والتي لم يأت الآخرون بما يطاوله إبداعاً وسمواً، ليس الانحياز انحيازا للقديم ولكنه انحياز للسمو والجمال اينما كان عصره. وليس الأدب بمعزل عن السياسة ، إنما هي موجهة له ، إذا تسامت تسامي وإذا انحدرت انحدر، وقد انحدر الأدب انحداراً شديداً في النصف قرن الماضي.
مازالت لآلئ وأحجار الأولين تبرق بالقيم العليا وبالمبادئ وضياء الفكر الإنساني ولم يطاول بريقها ما تلاها من أدب الفضة والنحاس والصفيح والبلاستيك. أراك تلومني أنني لم أتخذ من الصفيح حلياً بدلا من الذهب ، أيكون لي ذلك ؟!. ومن قال أن رواد الأدب العربي والإسلامي لم يتعرضوا لما نواجهه اليوم مش مشكلات وتحديات في حركة الحياة الحديثة ؟ إن لزمت ما كتبوا ستجد المبادئ التي نواجه بها مشاكل العصور في الماضي والحل والمستقبل.إنما التفاصيل تتبع المبادئ وأولئك أرسو المبادئ التي تكفينا وأي كفاية ، تماما كما القرآن الذي يضيء لنا منهجنا في الحياة وقد نزل من أكثر من أربعة عشرة قرناً ، فهل نقول أن منهجه قديم ؟ ولا نرجع إليه وإلا نكون نعيش في الماضي ؟!
لم ينجح محفوظ المدعوم من السلطة طوال تاريخه إلا في الضغط على المجتمع المصري لتتحول أخلاقياته من أخلاقيات القرية التي تسوده إلى أخلاقيات الحارة بإبراز الحارة على أنها المجتمع المصري وأبطالها أبطاله، والفرق بيِّن بيْن الأخلاقيات بينهما. الحارة سيدي الكريم كانت تعيش فيها الطبقة الفقيرة في المجتمع وأولئك الذين يرحلون إلى القاهرة من فقراء الريف ، وكان للحارة ومازال قانونها الذي شكلته نوعية المقيمين فيها بثقافتهم المتدنية وفقرهم فكانت المادة والوصول إليها هي الهدف بأي وسيلة كانت ، فهي بؤرة الانتهازيين واللصوص والقتلة وتجار المخدرات والداعرات وقاع المجتمع أو المنبوذ في المجتمع بأخلاقياته التي لا تلتزم إلا بمبدأ اللهم إلا الشهوة والمادة ، لذلك كانت فيها البلطجة والفتوات والعصبيات والعصابات. جاء محفوظ ليبرز الحارة وينسب البطولة لبعض من فيها ليكونوا رمزاً وقدوة للمجتمع وأصر على ذلك تباعاً في قصصه التي ما فتأت تعرج على الحارة ورموزها في نفس الوقت الذي ينفث الإعلام سمومه في أخلاقيات القرية وعمدتها والعصابات فيها والفقر الشديد والجهل والغباء والفلاح الذي يشتري ميدان العتبة والترماي حتى صار الصعيدي وواحد بلدياتنا موضع النكتة والسخرية والجهل والغباء. اقتفى الشباب بدعوة محفوظ للاقتداء بأخلاقيات الحارة مدعوماً إعلامياً حتى صارت مصر حارة كبيرة ترى فيها البلطجي والانتهازي والمفسد في كل شارع فيها وفي كل جانب وفي كل الرموز. أنظر إلى السينما والمسرح والتليفزيون ، أنظر إلى أخلاقيات تعامل الناس ببعضهم البعض ، أنظر إلى الساسة ، أنظر أينما وقع بصرك تتمثل لك فوراً أخلاق الحارة شاخصة. أشبه ما فعله محفوظ والإعلام بالمجتمع المصري وما تأثر به من مجتمعات أخرى ، أشبه ذلك بمن ذهب إلى باب الحارة المغلق الذي كان يعزلها عن الناس ، ذهب له وفتحه على مصراعيه ليطلق من بداخله من حرافيش وخفافيش على الشوارع والميادين كخلية نحل تكسرت وخرج ما فيها وانتشر منطلقاً. القيمة الآن في المجتمع ياسيدي أصبحت للمادة فقط وقدرك يكون على قدر ما تملك من مادة ، تلك أخلاق الحارة التي انتشرت وفيها تاجر المخدرات هو المهاب وصاحب القيمة وما كان المجتمع المصري قبل محفوظ كذلك.
لو التزم المجتمع وإعلامه بأدب الرواد الذين كانوا يرسخون أدب الإسلام وأخلاق القرية ما كان حالنا الآن كما هو عليه ، وإن أردنا إصلاحاً فلنبتعد عن ظلام موجة التنوير التي ما نشأت إلا لكي يقبع الظلام على العقول وتبتعد عن صحيح الدين وتعضد العلمانية التي جعلتنا في أسفل قائمة الشعوب.
وتطلب مني ياأخي أن أقرأ نصوص محفوظ بعيداً عن المفهوم الديني وذلك هو ما لا أستطيعه، لا أستطيع ياأخي أن أحيد اليقين الذين أحيا به ويرسم لي شتى حركتي للحياة وفهمي للأشياء ، وكل ما يخرج عن مفهومي الديني هو غريب عليّ لارتكازه على قواعد واهية بدلاً من قواعد الدين الراسخة.
أما موضوع يوسف إدريس فهو قاص جيد للقصة القصيرة وله تجربة للتجديد في المسرح الحديث ولكنه لم يرق لمصاف الكبار من عمالقة الفكر العربي الذين سبقوه والذين عاصروه ولكن اتجاهه الفكري الذي نعرفه سوياً ولا أخوض فيه هو الذي رشحه لنوبل وما كان هو أو محفوظ يستحقون أساساً هذه الجائزة المشبوهة وحتى إن كانت منصفة. كان فعلاً من حق إدريس أن يعترض طالما ذهبت الجائزة للأقزام والمفسدين والذين يطعنون في الدين فهو إذن اولى من محفوظ !!
لا أتوقف ياأخي في الشعر عند المتنبي أو غيره فالشعر هو الفن الذي أجاد فيه المعاصرون كما أجاد فيه السابقون ، في العصر الحديث بزغ البارودي وشوقي وحافظ وناجي وغيرهم والآن أنظر حولك في الواحة ستجد هنا شعراء أفذاذ لا يقل مستواهم عن مستوى الأقدمين ولا أقصد طبعاً إلا الشعر العربي الرصين الذي نعرفه وليس شعر الحداثه والتهريج فمن يكتبون هذه الحداثه ما هم إلا محفوظ الشعر.
أنتظر عودتك أخي سالماً بإذن الله لنواصل حديث الفكر للفكر وما أعذبه.
تقديري

ثروت الخرباوي
03-11-2006, 02:21 AM
توقفت عن التداخل لأستمتع بهذا الحوار المتدفق والذي يحمل رأيين مختلفين ... وأحسب أن هذا الإختلاف مرده التنوع لا التضاد ...وإذا كنت أتفق مع الأستاذ فضل شبلول على تفوق محفوظ في السرد وتمكنه من أدواته كروائي وامتلاكه قدرات متفردة في الحبك والسبك ...إلا أن الذي يجب أن نتوقف أمامه ونحن بصدد الحوار عن محفوظ هو ماهو مضمون الأدب الذي قدمه وماهي القيم التي نقلها لنا من خلال أدبه وماهي الثقافة التي زرعها في نفسية المتلقي ... ولكي نعرف ماذا قدم محفوظ يجب أن نعرف من أين استقى محفوظ ثقافته؟
مع بداية القرن العشرين ومع زيادة المبعوثين للخارج إنقسم المجتمع المصرى إلى قسمين أحدهما تشيع للثقافة الغربية بحلوها ومرها – كما قال طه حسين – والآخرتمسك بالأصول المرتبطة بالإسلام وبعادات مجتعنا الشرقي وهؤلاء أطلقوا على أنفسهم "فريق المحافظين" وعلى إستحياء ظهر فريق آخر ينادى بالفرعونية والإنتماء لحضارتنا القديمة الأمر الذى بدا وكأن المجتمع المصرى يبحث عن هوية وعن إنتماء .. وفي خضم هذا التناحر ظهر محفوظ منبهرا بالنموذج الغربي ... ثم مالبث أن إنضوى تحت لواء الفرعونية حتى أنه قال في أحد حواراته( ماكنت أتصور أن أخرج من الفرعونية إلا أن الحارة المصرية أخرجتني منها )
وبسبب فرعونيته تبناه سلامة موسى وقاد عقله مصطفى عبد الرازق وتحمس له طه حسين .. فكان الإبن البار لهم ولثقافتهم حتى إن رجاء النقاش قال في هذا
(الحقيقة ان نجيب محفوظ هو خلاصة الإمتزاج والتفاعل في شخصيته بين أستاذين كبيرين هما الشيخ مصطفى عبدالرازق أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية الآداب، وسلامة موسى، الصحفي والمفكر الكبير.. وكان سلامة موسي ثائراً مجدداً، ومؤمنا متطرفاً بالحضارة الغربية الحديثة.. وكان في نفس الوقت من المتحمسين للحضارة الفرعونية والداعين إلى إحيائها، وقد تأثر به نجيب محفوظ تأثراً واضحاً، فتحمس للحضارة الفرعونية وترجم عنها - وهو طالب في الجامعة كتاب «مصر القديمة»، وهو اول كتاب يكتبه محفوظ، وقد نشره له سلامة موسى ، وتحت تأثير سلامة موسى ايضاً أصدر نجيب محفوظ رواياته الثلاث الأولى، وكلها عن مصر الفرعونية، وهي روايات «عبث الأقدار» و «رادوبيس» و «كفاح طيبة») ... " كتاب في حب نجيب محفوظ .. رجاء النقاش
أما العلاقة الوطيدة التي جمعت محفوظ كمتلقي والشيخ علي عبد الرازق كأستاذ ( وهو صاحب كتاب الإسلام وأصول الحكم ) فإنها مازالت خافية ومختفية إذ طغت عليها علاقته بالشيخ مصطفى عبد الرازق.. إلا أن هذه العلاقة صاغت فيما بعد عقلية ونفسية الرجل... ولعل هذا يقودنا إلى التأمل في كيف نظر محفوظ لمصر والمصريين ؟ ولماذا إنغمست رواياته في قاع الحارة المصرية ... ليست الحارة العادية التي نعرفهاكحارة الطبقة المتوسطة , ولكنه تمازج مع الحارة العشوائية التي نشأت بعيدا عن العمران في باطن الجبل حيث جمعت خليطا من اللصوص والهاربين والمدمنين وتجار المخدرات وبيوت الساقطات الداعرات .. تلك الحارة التي أسقط المصريون إعتبارها .. وأطلق محفوظ على سكانها لقب الحرافيش.ولأن هذه هي شخصيات محفوظ المفضلة ولأنها هي الشخصيات التي إسترعت إهتمامه واستقطبت أدبه ..فكان من نتاج ذلك أن
نظر محفوظ لمصر نظرة دونية ونظر للمصريين نظرة إستعلاء فيقول عن مصر في إحدى رواياته
( «كان كالثور المصري عظيم الخوار عديم الأذى»)
ويقول أيضا عن المصريين في السكرية
(الحق إن الاستبداد هو مرضهم (المصريين) المتوطن.. كل ابن كلب غرّته قوته يزعم لنا أنه الوصي المختار وأن الشعب قاصر.. نحن شعب قليل الأدب!.. لا أعرف شعباً كالشعب المصري ولعاً بالخوض في أعراض الأمهات.!.. إن الزمن أدّبنا أكثر مما ينبغي، والشئ إذا زاد عن حدّه انقلب إلى ضده، ولذلك فنحن غير مؤدبين!)
ويقول على لسان شخصية من رواية ميراماروهو يخاطب المصريين
«إني أتبرأ منكم!.. أتبرأ منكم يا فتات العصور البالية»!
وفي «المرايا» نقرأ على لسان شخصية تدعى «عبدالرحمن شعبان» هذه السخرية اللاذعة: «هكذا أنتم أيها المصريون، لن تزالوا غارقين في أوهام الكلمات حتى تموتوا.. لو لم أكن مصرياً لتمنيت أن أكون مصرياً! ولِمَ لا تتمنى أن تكون حماراً فيكون لك نفع على الأقل؟!.. وفي موضع آخر من «المرايا» ايضا يقول عبدالرحمن شعبان: «اتعرف ما هي اكبر نعمة اغدقت علينا؟ هي الاستعمار الأوروبي، وسوف تحتفل الأجيال القادمة بذكراه كما تحتفلون بمولد النبي
( يراجع في هذا مزامير نجيب محفوظ - فرانسوا باسيلي )
ظل نجيب محفوظ يبحث عن نفسه إلى أن مات ولم يهتد لها فهو عبد ربه التائه لم يكن كيحيي حقي الذي تناول في رواياته القرية المصرية كما تناول الطبقة الوسطى التي قامت على أكتافهما ومن خلالهما صياغة الشخصية المصرية .. ولم يكن كطه حسين نقم على حضارتنا وثقافتنا المصرية وانحاز بكيانه للثقافة الغربية ...ولكنه جمع بين الشخصية الناقمة المتمردة والشخصية التائهة اللامنتمية فكان أن إستخرج الحرافيش يصنع من خلالهما -بخياله - مصر وتاريخها فكان مجتمع اللصوص والفتوات هو مجتمع محفوظ الأثير وكانت الشخصيات المريضة والمنحرفة هي الشخصيات التي ضحت وقاومت الإستعمار وجاهدت .. ترك الأبطال الحقيقين وكأنما كان ناقما عليهم وصنع شهداءه من باطن الجبل ومن خلال أفخاذ الساقطات وبيوت الداعرات .. هل كان محفوظ يعاقبنا ويعاقب مصر لغير سبب جلي
ولذلك لاتتعجب عندما تقرأ لمحفوظ نفسه قوله ( إرتكبت كل الموبقات التي في الدنيا )
وقولته ( كنت أشهر زبون لبيوت الساقطات الداعرات)
وقولته ( تزوجت دون أن تعلم أمي )
وقولته ( ماليش دعوة ببناتي لاأعرفهم ولايعرفوني ولايتكلمون في البيت إلا بالإنجليزية )
بدأ محفوظ تائها ومات عبد ربه التائه
أشكر لكما إتاحة الفرصة للتداخل وقد فتحتما شهيتي لكتابة دراسة نفسية عن أدب نجيب محفوظ لعلي أنجزها في القريب إن شاء الله

د. فوزى أبو دنيا
03-11-2006, 03:36 AM
بهذه الجدليه الحميمية والاختلاف الذى لايفسد للود قضية اقف مشدوه امام هذه الاراء والتى تعبر عن وجهه نظر كاتبيها ولايسعنى فى هذا المقام والمكان الا ان اقف على الاعتاب حاملا القدر الوافى من الحب والتحية لفرسان هذا الخلاف المحبب
ازعم من وجهه نظرى المتواضعه اننا بحاجة الى مثل هذه الخلافات الحميمية لنتعلم معا كيف يكون ادب الحوار والخلاف بيننا. فى كثي من القضايا الخلافيه اجد انفسنا غير قادين على ضبط النفس او قبول منطق وراى الاخر ويصل الحد الى التشابك. اقول هذا لاننى عاصرت شيىء مما اتحدث عنة فى اوساط علمية, ساعتها ادركت اننا بحاجة الى تعلم الطريقة السليمة للحوار والخلاف. ولا ادرى السبب الذى يجعل ابناء الشرق ذوى حميه وحده فى الحوار عن الغرب. رغم قرائتى لبعض التفسيرات العلمية فى هذا القبيل الا اننى ارى ان التدريب على الحوار والخلاف يصل بنا الى الهدوء فى الحوار وتقبل النقاط الخلافية مع الاخر وبناء مقدرة ذاتية فينا للقدرة الى الوصول الى مساحة اتفاق
رغم خروجى عن الموضوع الا انى اردت ان اقول ان هناك من بقف يستمتع بهذا الحوار الدافىء
تحياتى للجميع ومودتى

د. توفيق حلمي
03-11-2006, 06:36 AM
الأستاذ الكبير الأديب والمفكر ثروت الخرباوي
أشكر بحق على هذه المداخلة الثرية والتي تضع الكثير من النقاط فوق الحروف. ولعل رأيك هذا الذي يتفق معنا في جل ما عرضته من قبل ، لعله يكون تدعيماً لرأي سقناه لا نبتغي به سوى الحق مطلقاً بما يجعلنا نفهم ما يدور حولنا أكثر وآخره كارثة السعار الجنسي التي شهدتها منطقة وسط القاهرة العريقة في الأسبوع الماضي والتي قام بها الحرافيش وبما قد يجعل أخي الحبيب وصديقي الأديب أحمد فضل شبلول يقتنع بما سقناه هنا وأن ينتصر لحقيقة غيبتها معاول الإفساد الإعلامي على مدى العقود بعد عودته من سفره الذي نرجوا أن يكون قد اتى أكله، حيث أن للأدباء دوراً أساسياً في المجتمع لابد وأن تمليه عليهم ضمائرهم وثقافتهم ودينهم وإلا سوف يصبح المجتمع بلا عقل يقوده وتصبح الكوارث التي تثير الإنتباه الآن حوادث عادية في سياق الحياة العادية اليومية لشعب ابتلي ابتلاء عظيماً.
تحياتي لك أيها المفكر الكبير وتقديري لتواجدك

أخي الكريم د. فوزي أبو دنيا
أسعدني تواجدك ومتابعتك لهذا الحوار الجميل بين الأخوة ولعلك تكون محاوراً معنا في المواضيع الكثيرة التي ستثري صالون الواحة الثقافي بإذن الله.
لك الود والاحترام