تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : هل صحيح أن أعذب الشعر أكذبه ؟!!//// حسين علي الهنداوي



حسين الهنداوي
30-10-2006, 11:00 PM
هل صحيح أن أعذب الشعر أكذبه ؟!!
00FF00لا شك أن القرآن الكريم عندما قال في محكم آياته في أواخر سورة الشـــعراء ( و الشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون و أنهم يقولـون مالا يفعلون إلا الذين أمنوا و عملوا الصالحات 0000 )) يشير إلى نقطة حسـاسة في ذاكرة الشعر تتمثل في فهم معنى ((أنهم في كل واد يهيمون )) بأن وديان الشعراء التي يهيمون بها إنما هي خيالاتهم التي ينقلوننا إليها بفعل آلة التصوير لديهم فكم من شاعر نقلنا إلى عبقره الخيالي فأرانا ما لا نرى و أسمعنا ما لم نسمع و أذاقنا ما لم نذق طعمه و جعلنا نفارق أحبة و نعانق آخرين فإذا ما تركنا وادي خــيال الشاعر عدنا إلى واقعنا و لا يعتقد البعض أن الخيال مذموم فلولاه لما فتحنا آفاقـاً لتصور الجنة أو النار أو الميزان أو الحســاب و إنما المذموم من الخيــال هو المريض الذي يسترخي صاحبه فيه و يعتقد أنه واقعاً موجوداً من حوله و هذا مع الأسف ما وقع به شعراء قبيلة عذره فأصبحوا كغيرهم من المجانين الذين تلبسهم الخيال و هجرهم الواقع لكن الخيال الشعري الممدوح و المحبوب لدينا هو الخيال الذي ينقلنا إلى ساحة جديدة نســتمتع بمعطياتها و نتصور من خلالهـا الماضي أو الحاضر أو المستقبل و لا يكون الشعر عذباً إلا إذا حملنا على أجنحة المبالغـة فحول الصور غير الممكنة إلى واقع متخيل يستحبه الإنسان و يسر إذا ما سـرح بين أشجاره 0
يقول المتنبي واصفاً سيف الدولة الحمداني في معركة الحدث الحمراء التي هاجم فيها المسلمون الروم على مشارف الشام :
وقفت وما في الموت شك لواقف كأنك في جفن الردى وهو نائم
تمر بك الأبطـــال كلمى هزيمة ووجهك وضاح و ثغرك باسـم
ما أكذب هذه الصورة و ما أجملها لأنها تصور الردى ( الموت ) ساحة قتال يقف فيها سيف الدولة بوجه ضاحك و ثغر بسام بينما تمر من تحت أقدامه الأبطــال هزيمة مجروحة 0000 صورة تمس الخيال فما من إنســان إلا و يخاف الموت ولكن شاعرنا المتنبي صور سيف الدولة بشــخصية لا تهاب الموت بل تقف في عين الموت 0000 و هذا يعني المبالغة الزائدة في وصف صورة ســيف الدولة وهذا ليس كذباً إنما هو عذوبة في الكلام 0
و لو نظرنا إلى قول الشاعر المجهول الهوية
هامت بك العين ولم تتبع سواك هوى من علم البين أن القلب يهواك
أليس خيال الشاعر في الشطر الثاني من هذا البيت يدلل على أن أعذب الشــعر أكذبه 000 ترى من الذي علم البين ( الموت ) و أرشده أنني قد مت في هـواك و هل الموت يراقب هوى المحبين 00 إنها خيالات كاذبة و لكنها مسـتطرفة عند بني الإنسان 0
كما أننا لو قرأنا قول عمر بن أبي ربيعة :
ليت هنداً أنجزتنا ما تعد و شفت أنفسنا مما تجد
و اسـتبدت مرة واحدة إنما العجز من لا يستبد
------------- -------------
كلما قلت مت ميعادنا ضحكت هند وقالت بعد غد
أليس الوعد في هذه الأبيات وعداً كاذبا ً و لكنه وعد عذب و ما أجمل الشعر الذي يعتمد على المبالغات غير الممجوجة و في تقديرنا أن الشعر إذا خلا من المبالغات افتقر إلى الخيال و إذا افتقر إلى الخيال ضعفت القوى الشاعرية لدى صاحبه
حسين علي الهنداوي

سحر الليالي
06-11-2006, 02:50 AM
أستاذي الفاضل حسين الهنداوي:

شكرا لهذا المقال الرائع ...
لي عودة بإذن الله
بارك ربي بك دوما
لك خالص إحترامي وتقديري

أهداب الليالي
06-11-2006, 09:01 PM
السـلام عليـكم ورحمـة الله وبركـاته

***

الكـذب هنـا لا يقصـد بـه كـذب المبـدأ ، و لكـن استخـدام الصور الجمـالية والتصـوير البـلاغي و التحلـيق في فضـاء الخيـال ، ليـكون النـص أكثـر إنعاشـاً لـنفس القـارئ و تأثيـراً ، فيـعيش الـجو الجميـل و الممتـع للقصيـدة ، و لكـن رغـم روعـة هـذا الانتشـاء فهنـاك ثمـة أمر يجـب أن يراعيـه الكاتـب أو الشاعـر ، وهـو عـدم المبالغـة و المغـالاة في الخيـال ، و عـدم الانصـياع لـخيـال هـواه ، و تجـاوز الخـط الأحمـر بالتعـدي علـى الديـن و الأخـلاق بحـجة الإبـداع .
وفـي المقـابل .. فكثيـر مـا نجـد أقـلاماً قريبـةً جـداً من معاناتنـا ومـا يخالـج النفـس ، تغـزو ذاتنـا بـقصائـد تكـتبنـا ، وكـم تمنينـا أن نكـون كاتبيهـا !!
هنـا يكـون أعـذب الشـعر أصدقـه

خـلاصة القـول : ليـس دائمـا أعـذب الشـعر أكذبـه ، ولا أصـدقه .

و تبقـى مهـارة الشاعـر و تمكنـه الأدبـي ، و ثقـافتـه اللغويـة ، وعوامـل أخـرى سـلاحه فـي الوصـول إلـى قلـب القـارئ ، نـاهلاً من محبـرة يمـتزج فيهـا الواقـع بالخيـال مـزجـاً متجانسـاً ...

**

مـوضـوع رائـع ، وطـرح أروع
تقـبل أخـي الهنـداوي رأيي ، وكلـي شـوق لـزيـارة مثـل هـذه الروائـع
لك التقديـرو الاحتـرام


الع ــنقاء

د. محمد إياد العكاري
07-11-2006, 12:26 AM
التحليق في الخيال، والإتيان بالصور المبتكرة
من أهم مقومات الشاعرية والإبداع في الشعر
فهو الذي يعطي الشعر روعته وبهاءه
وهو الذي يكسوه بردته وجماله
وليس معنى هذا الكذب بحالٍ من الأحوال
بقدر ماهو خيالٌ محلق وإبداعٌ مفلق
وليس أجمل الشعر أكذبه
وإنما أصدقه عاطفةً وشعوراً
وأروعه خيالاً وسبكاً وإبداعا
دمت بود أيها الحبيب القريب حسين الهنداوي والسلام

د.إيهاب النجدي
07-11-2006, 01:43 AM
الصديق الفاضل الأستاذ حسين الهنداوي
التحيات الطيبات
يردنا مقالك البديع إلى بعض القضايا المهمة في التراث النقدي عند العرب, قديما وحديثا منها :الصدق والكذب,
وهذه دعوة إلى الاستفادة من عطاءاتها العميقة عند نقادنا أمثال : ابن سلام الجمحي , وابن قتيبة الدينوري , والجاحظ , وحازم القرطاجني ,
ولكني أتذكر هنا رؤية شاعر النيل حافظ إبراهيم الذي رأى أن الشعر " مسرح الخيال , ووعاء الحقيقة " .
دمت أيها الأديب الجميل , ودام أدبك .

د. حسان الشناوي
08-11-2006, 08:14 AM
تحية لك أخي الكريم على طرحك الرائع .
ولي بمشيئة الله عودة أرجو أن تكون قريبة .