المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بين نصين :" كف أمي " و " كرم"



د.إيهاب النجدي
31-10-2006, 01:30 AM
بين نصين :" كف أمي " و " كرم "[/size]

للأديبين مصطفى عراقي و حوراء آل بورنو
]بقلم :إيهاب النجدي [/center] يتخلق في الوقت الحالي في المشهد الأدبي للسماوات المفتوحة أدب حر _ بما في الكلمة من معاني العتق والدفء والكرم _ ويحلق في فضاء بحجم تلك السموات .
هذا مفتتح يفتح لي نافذة لبعض النظرات في نصين من نصوص " ملتقى النثر الفني " بالواحة الثقافية , هما: "كف أمي " للدكتور مصطفى عراقي , و"كرم "للأستاذة حوراء آل بورنو. وبين يدي النصين أهتف بقول الشاعر الفرنسي لامرتين :" أيها الألم هات يدك وتعال من هنا " فالنصان يشعران القارئ بالشجن الرفيق و الحزن الشفيف الذي يأخذ بيدنا ليطوف بنا في أبهاء الحياة التي نعرف والتي لا نعرف .
وهما يخرجان من نبع لا ينضب : الأمومة , ويتدثران بالصدق والحميمية , ويتوسلان بوسائل فنية عديدة لعل أبرزها :
_ التلقائية في التعبير , والسلاسة في الأداء اللغوي , فلا نجد ألفاظا تراثية الاستخدام , تتطلب العودة إلى المعاجم , فالغالب على النصين هو المعجم الرومانسي .
_ استطاعت كلمات النصين أن تحيل العادي إلى دهشة , و اليومي إلى جدة , وكأننا نرى الأشياء المألوفة للمرة الأولى ,وهو ما أحب تسميته ب"الأشياء الطفلة " أو "طفولة الأشياء " حيث تتصفى من كدورة الحياة اليومية لصنع صورة نألفها تماما لكنها تدهشنا بلباسها الفني الجديد , ويسميها الدكتور محمد مندور _ إذا شئتم _ " فتات الحياة ", تأمل مثالا لها في قول ابن الرومي يرثي ابنه محمد :

كأني ما استمتعت منك بنظرة ولا قبلة أحلى مذاقا من الشهد
كأني ما استمتعت منك بضمة و لا شمة في ملعب لك أو مهد
و يكاد نص " كف أمي " أن يكون كله صورة من تلك الصور المحببة . ويقدم " كرم " أكثر من صورة نراها في اختباء كرم من الصبية وفي رؤيتها لنفسها في عيني أمها وفي لجوئها إلى صدر الأم عندما يهتف هاتف النوم اللذيذ .
_ هذه الوسيلة الفنية تسلمنا إلى السرد القصصي , الذي تؤكده تلك الجمل الحوارية القصيرة المركزة.
_ اعتصم النصان بالإيجاز , فجاءت " الألفاظ جائعة والمعاني شبعى " كما يقول البلاغيون , وهذا ما وضح في ابتداء " كرم " وفي ختام " كف أمي "
..."أتذكر أشجار الزيتون " فما توحيه الأشجار هنا ليس الثبات والصمود فحسب ولكن توحي أيضا بالأمن والسلام وربما بعينين خضراوين .
..." هذا هو البرتقال , ولكن أين أين كف أمي ؟" وهنا إيجاز وكشف يجعلان العبارة تسكن ذاكرة القلب والعقل .
ولكن التعبير بالوصف أحيانا يعوق التدفق الفني , وهذا ما ظهر في بعض المواضع بالنصين .
_ الملامح المشتركة بين النصين كثيرة , أما الملامح الفارقة , فلعل الزمن أبرزها , و قد بدا في " كف أمي " زمنا ماضيا فالأمومة الغائبة تستدعيها ذاكرة الابن البار , و تؤكدها كلمات مثل " كان , كانت , كنا .." وقد تكررت في السطور الأولى خمس مرات .
أما الأمومة في " كرم " فهي بنت الزمن الحاضر , وتؤكدها أفعال المضارعة المتلاحقة , المستخدمة بكثافة في كل سطور النص تقريبا .
و إذا كانت " اليد " _ سلمت يدا الكاتبين _ تحضر في النصين , فإنها في الأول " كف الأم " وفي الثاني " أنامل الابنة " , افترقا زمنا ليجتمعا في نصين بديعين , من نصوص السموات المفتوحة .

إيهاب النجدي

د. محمد إياد العكاري
31-10-2006, 09:01 AM
ماأجملك هنا وهناك وحيث تكون أيها الكريم الفاضل د.إيهاب النجدي
وماأروع ما سكبت من دراسة نقدية
هي الفطرية والعفوية، والنقاء والصفاء ،والتركيز والتكثيف
جعلا القصتين تحلقان في فضاءات الإبداع
أعجبني هذا الإسقاط

اعتصم النصان بالإيجاز , فجاءت " الألفاظ جائعة والمعاني شبعى " كما يقول البلاغيون , وهذا ما وضح في ابتداء " كرم " وفي ختام " كف أمي "
دمت بأجنحة اليراع والإبداع محلقاً في الفضاءات والسلام
:0014: :0014: :0014:
:0014: :0014:
:0014:

د. سلطان الحريري
31-10-2006, 10:21 PM
الحبيب الدكتور إيهاب النجدي:
لقد أثلج موضوعك النقدي صدري ، فقد كنا نسعى إلى مثل هذه الدارسات النقدية لأدباء الواحة ، وهي الدراسات الواعية التي التي تنزع إلى توضيح العمل الأدبي وتفسيره ، وبيان ما فيه من سمات فنية ، وإبداء حكم نقدي عليه ، مع الإيمان بالتباين بين النقاد في فهمهم للنصوص.
لقد كنت يا صاحبي أقرب ما تكون إلى النحلة التي تمتص الرحيق من الزهر فتحيله إلى شهد ، وفي هذا الشهد لون الزهرة وطعمها ورائحتها ، ولكن بشكل جديد ..
كنت رائعا بحق ، فلك مني الحب والتقدير
وللفاضلين الأديبين الدكتور مصطفى وحوراء آل بورنو التقدير الذي يستحقانه .
وهذه دعوة من هذه الصفحة لأدباء الواحة ونقادها إلى انتهاج هذا الطريق .
دم بخير

أسماء حرمة الله
01-11-2006, 05:01 AM
سلام اللـه عليك ورحمته وبركاتـه

تحية تقطرُ عطراً


الأستاذ الكريم د. إيهاب النجدي،

مقالُك الأول عن "الشاعر والجائزة" أسعدني، كما أسعدتني دراستك النقدية هاته، ولاأظنّها إلاّ أسعدتْ أهل واحتنا الحبيبـة، وكيفَ لا وقد قطفتَ من حدائق النثر وردتين عطرتيْـن : نقاءً وصفاءً وصدقاً، تجويداً ورقةً وألقاً ؟

استمتعتُ كثيراً وأنا أنهلُ ممّا كتبتَ عن النصّين : "كفّ أمّي" للأديب والشاعر المتألق مصطفى عراقي ، و"كرم"للأديبة المتألقة حوراء آل بورنو . فقد حُفِرَتْ بذاكرتي حروفُ النصّين معاً، مذْ أوغلتُ في أعماقهما حدّ التوحّد ..


دمتَ كما أنتَ نبعاً للعلم والأدب، غيثاً مدراراً ..
سعداء بوجودكَ معنا
تقبّل خالصَ تقديري وإكباري :0014:
وألف طاقة من الورد والندى

د.إيهاب النجدي
02-11-2006, 12:56 AM
الأديب القدير الأستاذ الدكتور محمد إياد العكاري
تحية الود والإكبار
أشكرك عظيم الشكر على حضورك البهي
وتحيتك الكريمة على موضوع " بين نصين "
دمت للبيان الصادق والإبداع المتجدد.
إيهاب

حوراء آل بورنو
02-11-2006, 05:00 AM
الفاضل د. أيهاب النجدي

قد لا تتخيل مقدار اهتمامي بالأعمال النقدية و الدراسات الأدبية عامة ، و لا أخفيك أني كنت دوماً أطمع أن يتصدى ناقد بارع و أديب لامع لمثل تلك الدراسات في واحتنا حرصاً على كمال مدرستها و رغبة في الرقي و الرفع بمستوياتها الأدبية .
ثم أني كنت أرحب و كثيراً أن يتصدى لقلمي بالنقد من أصحاب العلم و المعرفة ليكون مرآة صدق لحرفي ، و لعل رغبتي قائمة حتى اللحظة أن ينال بالتشريح جراح بارع - مثلك - كافة أعمالي ، و يعلم الله أن قولة منه : أسأت هنا يا كاتبة أحب إلى قلبي من : هنا أجدت .

سعيدة أن نالت " كرم " السبق في النقد و إن كانت قديمة العهد - و كثيراً - و التهلهل طافح بين خيوط نسيجها ؛ فإني أغامر بقولة : قد نضج قلمي بعدها أشهراً و بدأ مع الرضاعة يتذوق بعض ما لان و ينتظر الفطام !

بحق براعة الفهم لنواحي عزف قلمي على أوتار أمومتي أثارت استغرابي ؛ و كأنك أم تعلم ما الأم ! و لكنك الحس - لا ريب - بالحرف فكنت طبيبه .

لا أختم إلا و أسجل إعجابي بنص الفاضل " كف أمي " و بالغ سعادتي أن يقترن اسمي في لوح الاهتمام منكم باسمه ؛ فأين ابنة الأمس من عظيم الأمس و اليوم !

شكري و امتناني و أمنياتي أن تتابع الدراسات النقدية و الأدبية منكم و من غيركم لي و لغيري .

د.إيهاب النجدي
03-11-2006, 01:07 AM
وعليك سلام الله ورحمته وبركاته
الأديبة المبدعة أسماء حرمة الله
هذه فرصة طيبة حقا , لأجدد غبطتي و اعتزازي ,
بحضورك في قلب الموضوع , أديبة تملك ذائقة رفيعة ,
وبيانا عذبا يفصح عن روح أكثر عذوبة .
أشكرك ,
و أذكرك مثالا رائقا لأدب العربية في تجلياته الجديدة.
إيهاب

محمد إبراهيم الحريري
03-11-2006, 09:21 PM
الأخ دـ إيهاب ـ تجية
تتجلى قيمة النص ، وتتنوع مناحي ألقه أو مهاوي هبوطه واحطاطه وفق رؤيى نقدية تتخذ الموضوع وجهة حروفها ، بقلم وفكر ، وسعة اطلاع وبهاء كلم يقنع القارئ ببراهين فنية تستند إلى أسس نقد لا عواطف تنسج حوشي القول أو سجع كهان فصيح ، يجولون بين قواميس حدائة ومهاجع المعاني التي شرب الدهر عليها زمنا وأكل على سماط ذبولها لقم التتشرذم البياني .
قراءة فتحت المجال للعودة للنصين استنادا لرؤيا أقل ما يمكن القول توثيقا لألقه إنه يتبوأ مكان الصدق ، فقد شحنت الكلمات همم الأقلام ، وتندت العبارات بثناء الأفكار والإبصار .
شكرا لك أخي وللأديبين
الأخت حوراء ، والأخ مصطفى
كل الاحترام .
وللناقد الدكتور د إيهاب باقة من فل القلب
أخوكم محمد

د.إيهاب النجدي
05-11-2006, 12:16 AM
الحبيب الدكتور سلطان الحريري
التحيات الطيبات
لا يقتصر دور النقد على اختيار النص ( الأجمل ) ,
و تقديم قرابين المديح في معبده الفسيح , وإنما يسعى _ ضمن ما يسعى إليه _ إلى الكشف عن جماليات النص .
إن دعوتك أثلجت صدري أيضا ,
لذا دعني أؤكدها , كما أؤكد شكري لك وتقديري.

د.إيهاب النجدي
06-11-2006, 12:18 AM
الشاعر القدير الأستاذ محمد إبراهيم الحريري
تحية المودة والإكبار
أسعدني حضورك الحصيف , قراءة وتعليقا .
ولعل تقديرك الدائم للجمال , والبحث عنه , والسعي إليه , هو ما يجعلك " عاشق الجميلة " في تجلياتها المختلفة , نثرا وشعرا ونقدا .
تحياتي وخالص تقديري
إيهاب

د. مصطفى عراقي
22-11-2006, 09:25 PM
بين نصين :" كف أمي " و " كرم "[/size]

للأديبين مصطفى عراقي و حوراء آل بورنو
]بقلم :إيهاب النجدي [/center] يتخلق في الوقت الحالي في المشهد الأدبي للسماوات المفتوحة أدب حر _ بما في الكلمة من معاني العتق والدفء والكرم _ ويحلق في فضاء بحجم تلك السموات .
هذا مفتتح يفتح لي نافذة لبعض النظرات في نصين من نصوص " ملتقى النثر الفني " بالواحة الثقافية , هما: "كف أمي " للدكتور مصطفى عراقي , و"كرم "للأستاذة حوراء آل بورنو. وبين يدي النصين أهتف بقول الشاعر الفرنسي لامرتين :" أيها الألم هات يدك وتعال من هنا " فالنصان يشعران القارئ بالشجن الرفيق و الحزن الشفيف الذي يأخذ بيدنا ليطوف بنا في أبهاء الحياة التي نعرف والتي لا نعرف .
وهما يخرجان من نبع لا ينضب : الأمومة , ويتدثران بالصدق والحميمية , ويتوسلان بوسائل فنية عديدة لعل أبرزها :
_ التلقائية في التعبير , والسلاسة في الأداء اللغوي , فلا نجد ألفاظا تراثية الاستخدام , تتطلب العودة إلى المعاجم , فالغالب على النصين هو المعجم الرومانسي .
_ استطاعت كلمات النصين أن تحيل العادي إلى دهشة , و اليومي إلى جدة , وكأننا نرى الأشياء المألوفة للمرة الأولى ,وهو ما أحب تسميته ب"الأشياء الطفلة " أو "طفولة الأشياء " حيث تتصفى من كدورة الحياة اليومية لصنع صورة نألفها تماما لكنها تدهشنا بلباسها الفني الجديد , ويسميها الدكتور محمد مندور _ إذا شئتم _ " فتات الحياة ", تأمل مثالا لها في قول ابن الرومي يرثي ابنه محمد :

كأني ما استمتعت منك بنظرة ولا قبلة أحلى مذاقا من الشهد
كأني ما استمتعت منك بضمة و لا شمة في ملعب لك أو مهد
و يكاد نص " كف أمي " أن يكون كله صورة من تلك الصور المحببة . ويقدم " كرم " أكثر من صورة نراها في اختباء كرم من الصبية وفي رؤيتها لنفسها في عيني أمها وفي لجوئها إلى صدر الأم عندما يهتف هاتف النوم اللذيذ .
_ هذه الوسيلة الفنية تسلمنا إلى السرد القصصي , الذي تؤكده تلك الجمل الحوارية القصيرة المركزة.
_ اعتصم النصان بالإيجاز , فجاءت " الألفاظ جائعة والمعاني شبعى " كما يقول البلاغيون , وهذا ما وضح في ابتداء " كرم " وفي ختام " كف أمي "
..."أتذكر أشجار الزيتون " فما توحيه الأشجار هنا ليس الثبات والصمود فحسب ولكن توحي أيضا بالأمن والسلام وربما بعينين خضراوين .
..." هذا هو البرتقال , ولكن أين أين كف أمي ؟" وهنا إيجاز وكشف يجعلان العبارة تسكن ذاكرة القلب والعقل .
ولكن التعبير بالوصف أحيانا يعوق التدفق الفني , وهذا ما ظهر في بعض المواضع بالنصين .
_ الملامح المشتركة بين النصين كثيرة , أما الملامح الفارقة , فلعل الزمن أبرزها , و قد بدا في " كف أمي " زمنا ماضيا فالأمومة الغائبة تستدعيها ذاكرة الابن البار , و تؤكدها كلمات مثل " كان , كانت , كنا .." وقد تكررت في السطور الأولى خمس مرات .
أما الأمومة في " كرم " فهي بنت الزمن الحاضر , وتؤكدها أفعال المضارعة المتلاحقة , المستخدمة بكثافة في كل سطور النص تقريبا .
و إذا كانت " اليد " _ سلمت يدا الكاتبين _ تحضر في النصين , فإنها في الأول " كف الأم " وفي الثاني " أنامل الابنة " , افترقا زمنا ليجتمعا في نصين بديعين , من نصوص السموات المفتوحة .

إيهاب النجدي


أخي الغالي الشاعر المبدع والناقد المتمكن والباحث المحقق الدكتور إيهاب النجدي


ما أبلغ كرمك بي إذ جعلت نصا لي في سياق من نقدك المضيء مع نص لأديبتنا الجليلة الأستاذة الفاضلة حوراء

ثم أن ألقيت عليه من أنوار التأمل، وأشعة النقد ما جلا وأبان أصدق الجلاء وأجمل الإبانة.

ومن جمال الطرح أن جاء النقد حميما مثل كتابة أختنا هنا الحوراء ومثلما حاولت كتابتي كذلك ، كما أتى حميما معهما وكأنه مناجاة تعين النصين على البوح بلا استكراه، فكان لك ما أردت أيها الناقد الأديب



دمت ودام الجميع بكل الخير والسعادة


أخوك : مصطفى

د. مصطفى عراقي
22-11-2006, 09:31 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


كرم


للأديبة الجليلة الأستاذة حوراء آل بورنو




أنظر إلى عينيك .. فأتذكر أشجار الزيتون .. أشجار تلك الأرض الطيبة .. أشجار الثبات و الصمود .. فأعلم أني ورثتك صبري وجلدي لونا سكبه الله في أجمل عينين ..
أرقبك تتحدثين .. و كل قسمات وجهك العذب تنطق بما في نفسك .. تأتين هاربة إلي تختبئين عندي من هؤلاء الصبية و كل تباشير الصباح تشق مبسمك الجميل .. و كل أفراح الدنيا تتراقص في مرآة عينيك .. فتنظرين إلى و تقولين .. ماما كرم في عينيك ..
أستيقظ على خطواتك الصغيرة .. وهي تمشي ببطء .. و هدوء .. و تقتربين .. و تراقبين .. ثم تزرعين قبلتك في أحشاء فؤادي .. وتهربين ..
كل دفء الدنيا في تلك الأنامل الصغيرة .. تتلمس أقدامي الباردة .. حينما تشدين عليها دثاري الثقيل .. فتشرق في جوانب نفسي شمسك .. فيذوب صقيع تلك الليالي الغابرة ..
أراك تتسللين في تلك الظلمة من حولك .. قادمة نحوي .. حتى إذا شعرت بجسدك الصغير يختبئ بين طيات الفراش .. وجدتك تهمسين في أذني .. ماما .. ضمني إلى صدرك .. و في لحظة واحدة .. تذهبين في سبات لذيذ ..
فأظل أنظر إليك .. وأتذكر يوم مولدك .. كيف كان تلك القسمات صغيرة جدا .. عذبة كثيرا .. رقيقة كل الرقة .. و ها أنت تكبرين .. و ينمو ذلك الفؤاد في صحراء قاحلة .. فلا ظل ستظلين تحته .. ولا جذع شجرة عليه تستندين .. و سماؤك عارية .. تصبحها شمس تشق أديم ألأرض فتقتل كل براعم الحياة .. و تمسيها رياح تلفح وجه الدنيا فتجمد عروق الأمل ..
أضمك .. علّي أزرع فوق أرضك بعض الحياة .. تجدين فيها مقتبل أيامك .. السكينة .. و القوة .. و في داخلي يخبو قنديل الأمل رويدا رويدا .. ليغدو دخانه هباء .. و قوتي .. وهما .

د. مصطفى عراقي
22-11-2006, 09:34 PM
كفُّ أُمِّي

صورة قلمية لـ: مصطفى عراقي

في ليالي الشتاء الهانئة الدافئة:
كان يطيب لنا السمر ونحن متحلقون حول أمنا مثل كواكب تطوف حول الشمس.
كان يزيدها الشتاء جمالا وجلالا وإشراقا، بينما هي جالسة ملتحفة بغطاء يبث الدفء ، وشالٍ ما يزال مندى بقطرات من أثر الوضوء.
كُنَّا لها كالرعايا حول مليكة محبوبة ، وكانت لنا كل شيء ، كانت توزع علينا فصوص البرتقالة الذهبية واحدة إثر الأخرى بعد أن تديرها في يدها وتقشرها بإتقانٍ حتى تخرج القشرة دائرة واحدة ملتفة ، فنتسابق لنيل القشرة نلهو بها، وفصوص البرتقال نتناولها متأملين في حبيبات كل فصٍّ من فصوصها منبهرين بجمال منظرها وروعة اتساقها فيما بينها هذا الاتساق العجيب الجميل الذي تبلوره دهشة الطفولة وفرحة الاجتماع والحوار قبل أن تذوب في أفواهنا الصغيرة.
تدندن ألسنتنا بحمد الله على النعمة ، وبتسبيحه سبحانه على الجمال والحكمة،
وتشرئبُّ قلوبنا إلى وجهها النضير المنير، وكانت نظراتها تلفنا بعبير الحبِّ والرحمة.
مرددين مع صوت أمي:
"الحمد لله"
"سبحان الله"!
هكذا كنا حول أمي، وهكذا كان برتقال الشتاءِ زاهيا ناضرا ، وهكذا كانت أمي على السرير ونحن حولها وتحت قدميها كدوَّارِ الشمس ، نُوَلِّي قلوبنا ووجوهنا شطرها، وهي في عليائها، على عرشٍ صنعناه بقلوبنا المحبة وعيوننا الرانية ، وهكذا كانت كف أمي الحانية .
.......
ومر الشتاء يتلوه شتاء...
وأصبحنا نتطلع إلى أمي في السماء مرددين كبارا سورة الفاتحة التي علمتنا إياها صغارا، داعين لها بالخير الذي طالما دعتنا إليه بأقوالها وأفعالها وصورتها وسيرتها ، والرحمة التي كانت توزعها علينا مع كل ما كانت تفيض به علينا من نعمٍ وفيرة ، تتجلى لي من خلالها أينما كنتُ ، وحيثما توجهتُ : فصوصُ البرتقال المذهبّة المُحبَّبَة !
.....
وها أنا كلما رأيت البرتقال هنا وهناك يهتف صوتٌ من مكان أثير في أعماقي مناجيا متألما:
هذا هو البرتقال. ولكن أينَ أينَ كفُّ أمي؟!

د.إيهاب النجدي
11-12-2006, 11:32 PM
أستاذنا الشاعر المبدع والناقد القدير الدكتور مصطفى عراقي
كل الشكر لك من قبل ومن بعد
فالنص منك والقراءة إليك
ولو لم يبدع الأديب , لا أدري ماذا كان يصنع الناقد ؟
دمت بكل الخير والحب

إيهاب ِ