مشاهدة النسخة كاملة : ثـــــــلج .. ثـــــــلج
حنان الاغا
03-11-2006, 01:20 AM
ثلج .. ثلج
كنت قد قررتُ النوم مبكرا هذا المساء ، فأطفأتُ كل المصابيح الكهربائية ، وأغلقتُ جميع النوافذ ، وأسدلتُ الستائر الرمادية الموردة بألوان الحديقة.
هي من اختارت هذا اللون .. ضحكت في نفسي
عندما فكرتُ بأنها لو سمعتْ كلمة لون في هذا السياق ، فستنبري شارحة لي أن الرماديّ ليس لونا !
على أي حال ، لم أكن أحب الرماديّ لأنه ينتسب إلى الرماد ، والرماد حياد .. إلا أنها كانت ستقول أن الرماد هو نحن !
اقترحتُ عليها أن تكون الستائر إما قاتمة مورَدة أو فاتحة مورَدة ، إلا أنها أقنعتني أن غرفة النوم تحتاج إلى الانسجام والتناغم لا للتباين والتضاد ، فاقتنعتُ بالحياد .
تنبهتُ إلى أن الظلام يعم المكان ، ولا من ضوء إلا ما يخترق قماش الستائر من وميض البرق. الليلة عاصفة ، ومطر خفيف كالرذاذ ، أو كالإبر الرفيعة يهمي بصمت ، ويجف بعضه بفعل الريح القوية ،قبل وصوله إلى الأرض . فشل الرعد والبرق في استمطار المزيد من ماء السماء .. ربما أبلغتهما الأرض بأنها ارتوت وما بها حاجة للمزيد .. أصوات الأوراق الدائمة الخضرة تؤلف لحنا غابيا تنبعث لموسيقاه رائحة التراب المترع ماء ، مختلطة بعبق أشجار الغابة الحرجية التي تحتضن مجموعة من البيوت الجبلية المتناثرة هنا وهناك في هذا الشمال البارد طقسا والدافىء روحا.
أضأت شمعة فتأرجحت ذبالتها بفعل خيوط من الريح تسربت من بعض الشقوق ، وتلمست طريقي نحو السرير ، فجلست ونظرت إلى الجدار خلفي ، وتسربت روحي إلى أوقات موغلة في الماضي ، مليئة بالأحداث المفرحة والمؤلمة ، العائلة والحب والحرب وأنواع السلام المقترحة ، البطولات الزائفة والتضحيات الصامتة ..تذكرت جدتي التي كانت تقضي في بيتنا شهرا من كل عام وتتركنا بعد انقضائه مع أحمال من الدهشة نُفرِح بها أنفسنا لبقية العام .. كنا نتحلق حولها لتبتدع لنا أشكالا وهمية لحيوانات مختلفة بإسقاطات الضوء والظل على الجدار أحيانا وعلى صفحة ملاءة بيضاء أحيانا أخرى .
كنت ما أزال أنظر للجدار فاستللت نظراتي من صلبه ، وكونت بكفيّ شكلا ، ثم أطلقت ضحكة كبيرة وأنا أرى حمارا يركض على الجدار .
فكرت فيها كثيرا ، تلك الغائبة الحاضرة ، ستأتي غدا ، وسأنام الآن .
أغمضت عيني ّ ، وأرخيْت العنان لجموح الفكر يجتاز تضاريس الوعي إلى مفازات اللاوعي الممتدة ، يغرق في امتداداتها اللانهائية .لم أدر كم من الوقت مرَ عندما تسرب إلى عينيّ ضوء عجيب مخترقا جفنيّ المطبقيْن ، فحاولت فتحهما ولم أر إلا الحلكة . ظننت أنني أحلم ، فأطبقتهما من جديد ، في اللحظة التي رن فيها جرس الهاتف قربي ، فحملت السماعة وأنا مغمض العينيْن ، وجاءني صوتها الأبح الجذاب .. ماذا تفعل ؟؟
قفزت واقفا ، فوقعت عيناي على الستائر الموردة وذلك الضوء الأبيض من خلفها يخترق مسام النسيج فيضيء ورود الحدائق فيها .
أسرعتُ إلى النافذة الكبيرة التي تحتل الجدار كاملا ، أزحت الستائر ، لأرى المشهد ،
التقاء السواد بالبياض ، هو لقاء دون امتزاج ولا تدرج ، لقاء يفصل بينهما فيه حاجز رقيق ، ستارة رمادية موردة .
فتحت النافذة ، وأنا أقف في المنطقة الفاصلة ، حيث الأسود في الداخل يهبط على جسدي من الخلف ، والضوء الخارجي ينير مني الملامح ويعشي العينين . أسكتتني الدهشة وأنا أنظر إلى الأشجار تحت النافذة وقد كون البياض منها تكوينات نحتية هائلة ، بتفاصيل غير مألوفة .. كنت مأخوذا ما زلت بتلك اللحظة الهاربة من فوضى الحياة وضجيج العاصفة الليلية وحلكة الغرفة .. كنت وحيدا متوحدا لا يشاركني هذه الروعة إلا صوت بوم مختف بين الأغصان يقول لي تمتع ! تأمل! استمع لهذه الموسيقا الصامتة
حكمة البوم ، نعم .. وصوت أنفاسي ، وخفق قلبي ..
هدوء .. هدوء.. لم يقطعه إلا صوت فيروز يعزف عليه لحنا يتصاعد من هاتفي المحمول .. ( تلج تلج عم بتشتي الدني تلج وال ....... )
تراجعت مأخوذا بكل ما حوته اللحظة ، وتناولت المحمول ، وسمعت صوتها ينطلق بفرح تغشاه نبرات عصبية غاضبة : أيها المجنون !! أغلق الهاتف الأرضي وهيا !
افتح الباب !!
حنان الأغا
عمان
25-10-2006
د. مصطفى عراقي
03-11-2006, 01:31 AM
ثلج .. ثلج
كنت قد قررتُ النوم مبكرا هذا المساء ، فأطفأتُ كل المصابيح الكهربائية ، وأغلقتُ جميع النوافذ ، وأسدلتُ الستائر الرمادية الموردة بألوان الحديقة.
هي من اختارت هذا اللون .. ضحكت في نفسي
عندما فكرتُ بأنها لو سمعتْ كلمة لون في هذا السياق ، فستنبري شارحة لي أن الرماديّ ليس لونا !
على أي حال ، لم أكن أحب الرماديّ لأنه ينتسب إلى الرماد ، والرماد حياد .. إلا أنها كانت ستقول أن الرماد هو نحن !
اقترحتُ عليها أن تكون الستائر إما قاتمة مورَدة أو فاتحة مورَدة ، إلا أنها أقنعتني أن غرفة النوم تحتاج إلى الانسجام والتناغم لا للتباين والتضاد ، فاقتنعتُ بالحياد .
تنبهتُ إلى أن الظلام يعم المكان ، ولا من ضوء إلا ما يخترق قماش الستائر من وميض البرق. الليلة عاصفة ، ومطر خفيف كالرذاذ ، أو كالإبر الرفيعة يهمي بصمت ، ويجف بعضه بفعل الريح القوية ،قبل وصوله إلى الأرض . فشل الرعد والبرق في استمطار المزيد من ماء السماء .. ربما أبلغتهما الأرض بأنها ارتوت وما بها حاجة للمزيد .. أصوات الأوراق الدائمة الخضرة تؤلف لحنا غابيا تنبعث لموسيقاه رائحة التراب المترع ماء ، مختلطة بعبق أشجار الغابة الحرجية التي تحتضن مجموعة من البيوت الجبلية المتناثرة هنا وهناك في هذا الشمال البارد طقسا والدافىء روحا.
أضأت شمعة فتأرجحت ذبالتها بفعل خيوط من الريح تسربت من بعض الشقوق ، وتلمست طريقي نحو السرير ، فجلست ونظرت إلى الجدار خلفي ، وتسربت روحي إلى أوقات موغلة في الماضي ، مليئة بالأحداث المفرحة والمؤلمة ، العائلة والحب والحرب وأنواع السلام المقترحة ، البطولات الزائفة والتضحيات الصامتة ..تذكرت جدتي التي كانت تقضي في بيتنا شهرا من كل عام وتتركنا بعد انقضائه مع أحمال من الدهشة نُفرِح بها أنفسنا لبقية العام .. كنا نتحلق حولها لتبتدع لنا أشكالا وهمية لحيوانات مختلفة بإسقاطات الضوء والظل على الجدار أحيانا وعلى صفحة ملاءة بيضاء أحيانا أخرى .
كنت ما أزال أنظر للجدار فاستللت نظراتي من صلبه ، وكونت بكفيّ شكلا ، ثم أطلقت ضحكة كبيرة وأنا أرى حمارا يركض على الجدار .
فكرت فيها كثيرا ، تلك الغائبة الحاضرة ، ستأتي غدا ، وسأنام الآن .
أغمضت عيني ّ ، وأرخيْت العنان لجموح الفكر يجتاز تضاريس الوعي إلى مفازات اللاوعي الممتدة ، يغرق في امتداداتها اللانهائية .لم أدر كم من الوقت مرَ عندما تسرب إلى عينيّ ضوء عجيب مخترقا جفنيّ المطبقيْن ، فحاولت فتحهما ولم أر إلا الحلكة . ظننت أنني أحلم ، فأطبقتهما من جديد ، في اللحظة التي رن فيها جرس الهاتف قربي ، فحملت السماعة وأنا مغمض العينيْن ، وجاءني صوتها الأبح الجذاب .. ماذا تفعل ؟؟
قفزت واقفا ، فوقعت عيناي على الستائر الموردة وذلك الضوء الأبيض من خلفها يخترق مسام النسيج فيضيء ورود الحدائق فيها .
أسرعتُ إلى النافذة الكبيرة التي تحتل الجدار كاملا ، أزحت الستائر ، لأرى المشهد ،
التقاء السواد بالبياض ، هو لقاء دون امتزاج ولا تدرج ، لقاء يفصل بينهما فيه حاجز رقيق ، ستارة رمادية موردة .
فتحت النافذة ، وأنا أقف في المنطقة الفاصلة ، حيث الأسود في الداخل يهبط على جسدي من الخلف ، والضوء الخارجي ينير مني الملامح ويعشي العينين . أسكتتني الدهشة وأنا أنظر إلى الأشجار تحت النافذة وقد كون البياض منها تكوينات نحتية هائلة ، بتفاصيل غير مألوفة .. كنت مأخوذا ما زلت بتلك اللحظة الهاربة من فوضى الحياة وضجيج العاصفة الليلية وحلكة الغرفة .. كنت وحيدا متوحدا لا يشاركني هذه الروعة إلا صوت بوم مختف بين الأغصان يقول لي تمتع ! تأمل! استمع لهذه الموسيقا الصامتة
حكمة البوم ، نعم .. وصوت أنفاسي ، وخفق قلبي ..
هدوء .. هدوء.. لم يقطعه إلا صوت فيروز يعزف عليه لحنا يتصاعد من هاتفي المحمول .. ( تلج تلج عم بتشتي الدني تلج وال ....... )
تراجعت مأخوذا بكل ما حوته اللحظة ، وتناولت المحمول ، وسمعت صوتها ينطلق بفرح تغشاه نبرات عصبية غاضبة : أيها المجنون !! أغلق الهاتف الأرضي وهيا !
افتح الباب !!
حنان الأغا
عمان
25-10-2006
الأديبة الصادقة والفنانة المبدعة والإنسانة الرائعة : حنان
زيارة أولى للترحيب بك وبلوحتك القصصية المدهشة
مصطفى
حنان الاغا
03-11-2006, 02:26 AM
الأديبة الصادقة والفنانة المبدعة والإنسانة الرائعة : حنان
زيارة أولى للترحيب بك وبلوحتك القصصية المدهشة
مصطفى
___________________
ما أسعدني بردك
وتعلم أنك دائما على الرحب والسعة حيث يوجد لي حرف
شرفتني بحضورك ، وبكلماتك
د. مصطفى عراقي
تحياتي لك
خليل حلاوجي
03-11-2006, 08:12 PM
ثلج .. ثلج
نص أستدعاني ... متلهفا ً
لاواصل القراءة على مكث
وها أنا أكررها وفي كل مرة أعقب فأرى تعقيبي لايليق
قد أضع قريبا ً بعض رؤيتي ... علني أوفيه حقه ... هذا النص المدهش
حنان الاغا
03-11-2006, 08:31 PM
ثلج .. ثلج
نص أستدعاني ... متلهفا ً
لاواصل القراءة على مكث
وها أنا أكررها وفي كل مرة أعقب فأرى تعقيبي لايليق
قد أضع قريبا ً بعض رؤيتي ... علني أوفيه حقه ... هذا النص المدهش
_________________________
الأخ الأديب
خليل حلاوجي
مرحب بك دائما
والحق أقول أن تعقيبك هذا منحني دفعة قوية من الشعور بأن القصة ما زالت جنسا أدبيا يحترم
لأنني لا أحس أنها تستوفي حقها من حب القراء
شكرا لك أيها الفاضل.
جوتيار تمر
03-11-2006, 10:39 PM
حنان .....
كلما اقرأ لك نصا..اجدك انت فيه اكثر من اي شخص اخر تودين الكتابة عنه...مع اني لم اعرفك الا من خلال الكلمة..لكن عندما تتوالى الكلمات..وعندما تساق هذه الكلمات نحو.. مسار لايناقض الاخر..بل يدعمه ويجعله اكثر امتدادا في الحياة وقبلها في الذات..فان الانسان الباحث في متاهات الحياة عن اتون الكلمة يدرك مسار الكلمة حتى وان كانت من غيره.
كنت ولم ازل ارى ان كلماتك تثير في المقابل بعض القابليات الصوفية التي هي بلا شك راسخة في الطبيعة البشرية..؟
قد تستغربين من كلماتي هذه..لكن يقال ان قوة الكحول راجعة الى قدرتها على اثارة القابليات الصوفية في الطبيعة البشرية...تلك القابليات التي تربطها بالارض حقائق ونقدات اوقات الصحو...وهذا ما اجده في كلماتك التي تلامس الذات الباطنة للانسان..فتثير فيه هذه القابليات التي تشير بلا شك الى ذلك المد من الطوفان الذي ينبثق من الدفء الداخلي والنشاط الحي اللذين تعتبرهما الكائنات البشرية اجمل حالات الحياة..بعكس ساعات الصحو التي تحمل هذا النشاط بكثير من المتطلبات والانطباعات الذاتية والافكار والامور المشكوك فيها.. اما كيف ابرهن على كلماتي هذه...فاليك اعيد بعض ما كتبتيه..( إلا أنها أقنعتني أن غرفة النوم تحتاج إلى الانسجام والتناغم لا للتباين والتضاد ، فاقتنعتُ بالحياد . وتسربت روحي إلى أوقات موغلة في الماضي ، مليئة بالأحداث.. كنا نتحلق حولها لتبتدع لنا أشكالا وهمية لحيوانات مختلفة بإسقاطات الضوء والظل على الجدار أحيانا وعلى صفحة ملاءة بيضاء أحيانا أخرى .
كنت ما أزال أنظر للجدار فاستللت نظراتي من صلبه ، وكونت بكفيّ شكلا ، ثم أطلقت ضحكة كبيرة وأنا أرى حمارا يركض على الجدار . الآن .أغمضت عيني ّ ، وأرخيْت العنان لجموح الفكر يجتاز تضاريس الوعي إلى مفازات اللاوعي الممتدة ، ،التقاء السواد بالبياض ، هو لقاء دون امتزاج ولا تدرج ، لقاء يفصل بينهما فيه حاجز رقيق ، ستارة رمادية موردة . حكمة البوم ، نعم .. وصوت أنفاسي ، وخفق قلبي .. أيها المجنون !! أغلق الهاتف الأرضي وهيا !
افتح الباب !! ).
حنان...
البوم..ذكرتني..بكتابات غادة السمان...حيث البوم عندها يجلب الحظ بعكس اغلب الكتاب الاخرين الذين يتشاءمون منه.
تقبلي محبتي
جوتيار
سعيد أبو نعسة
03-11-2006, 11:08 PM
الأخت العزيزة حنان الآغا
أكبر دليل على أن نصك اجتذبني هو أنني شعرت بقشعريرة الثلج المتهاطل بانسيابية و حنان و كأنه يغزل للأرض ثوب الطهارة النقي
بصدق أقول : أتحفينا بالمزيد
دمت مبدعة
وائل بن يوسف العريني
04-11-2006, 04:18 AM
نص مبدع وسرد رائع يجعلنا نقف لحظة في انبهار قبل أن نخط كلمة واحدة في تقريض هكذا إبداع
إن كان ثمة ملحوظة في اسقاطات علم النفس التي أرى أنها أضرت شاعرية اللغة وقللت من بريقها
ختاما أشكر الكاتبة واستنطقها المزيد
تحيتي وعظيم تقديري
حنان الاغا
05-11-2006, 12:29 PM
أخي جوتيار
أيها الشارد في أفياء الحلم
كلماتك هذه أخذتني فعلا
ولا أظننا حين نكتب أو نرسم إلا أنفسنا كاتبون ومصورون
ولو كان الحديث عن إنسان أو تراب أو طائر أو شباك عتيق
نحن هناك موجودون دائما ، في كل من هذه العناصر
أوافقك تماما. فذكرياتنا عن العناصر تلك هي نحن
هذا ما أحسه وأقوله وصدقني دون تفلسف
فلست من أتباع المدرسية في الفن بعامة
أما البوم فهو بكل بساطة طائري الجميل تصميما إلهيا جميلا وفكرا وحدة رؤيا .. لقد عايشت صوته في أوقات طويلة قضيتها في قرية جبلية حرجية
وأحببته ، رغم أنني قبل هذا كنت أحبه شكليا وجماليا فنحت له مجسمات عدة .
هههه ولله في خلقه شؤون
تحياتي لك جوتيار
حمزة محمد الهندي
05-11-2006, 12:57 PM
الأديبة/ حنان الأغا...
أولا دعيني لو تكرمتي أن أزِفَ إليكِ هطولاً مرحباً مغرداً، وكم انا سعيد بوجودكِ مهنا أيتها الأديبة..
حنان الأغا...
ثلجكِ ومطركِ هذا نسجَ لي شالاً قُزحياً، لأضعهُ مكان الستارة الرمادية التي أتعبتكِ من الرماد وكما قلتي نحنُ من الرماد.
نصكِ هذا أتعبَ الأبجدية، فعطشت فبللت ريقها بغدير الأحرف فانتشت وإذ بها تغرد من جديد كعصفور الكنار..
عظيم احترامي لكِ ولقلمكِ
أنا
حمزة محمد الهندي
حنان الاغا
06-11-2006, 04:46 PM
الأخت العزيزة حنان الآغا
أكبر دليل على أن نصك اجتذبني هو أنني شعرت بقشعريرة الثلج المتهاطل بانسيابية و حنان و كأنه يغزل للأرض ثوب الطهارة النقي
بصدق أقول : أتحفينا بالمزيد
دمت مبدعة
___________________________
أخي الأديب أبو نعسة
تسعدني تعقيباتك الظريفة
وأكثر عندما تتفاعل مع ثلج قصتي
على فكرة
هو ، ثلج حقيقي ، في مكان حقيقي
لهذا أحسست بالبرد.
د. مصطفى عراقي
07-11-2006, 02:35 PM
تأملات تحت الثلج
" وأسدلتُ الستائر الرمادية الموردة بألوان الحديقة"
تحاول القاصة هنا أن تخدعنا بوسيلة اللون الأثيرة لديها في الكثير من قصصها، ولكننا نكتشف من السياق السردي(تصريحا وتلميحا) أن اللون هنا لم يعد لونا وإنما هو مجرد ظلال تشارك الضوء والصوت في التشكيل لا التلوين.
فالرمادي والأسود والأبيض تتعاون معا في الإيحاء بغياب عنصر التلوين لإتاحة المجال لتشكيل صور عن طريق الظلال، ولكي تتم هذه المهمة تستعين بعدة ثنائيات متقابلة. وكأنها حيل فنية متوازية، تجسد مفهوم التكامل والتآزر ، لا التصارع والتناحر.
وكأن القاصة تريد أن توحي لنا بأن العلاقة بين هذه الثنائيات التي تبدو لنا متصارعة ، تخلَّت هنا عن هذا الصراع لتتجه بصدقٍ وإخلاص إلى التعاون والتآزر للتشكيلات التصويرية ، والصوتية. ومن هنا كان لوجود الرعد (الصوت) والبرق (الضوء) قيمة كبرى في تجسيد هذا المشهد القصصي المرئي المسموع الزاخر بالحركة .
ومن هنا جاء عنوان القصة (ثلج ثلج) معبرا عن هذين العنصرين، فالثلج هنا يمثل الصورة الضوئية الطبيعية البيضاء من جهة، كما انه يشير إلى صوت فيروز الساحر : " تلج تلج عم بتشتي الدني تلج والـ.....".
بما يدلك على أن القاصة هنا لم تكن معنية برسم لوحة ، بل تصوير مشهد حي ولهذا تأخر عنصر التلوين ، وبرزت حيوية عنصري الصوت والضوء. بمستوياتهما المتعددة كما نعيشها في الثنائيات التالية:
1. بين السواد والبياض:
" فتحت النافذة ، وأنا أقف في المنطقة الفاصلة ، حيث الأسود في الداخل يهبط على جسدي من الخلف "
"وأنا أنظر إلى الأشجار تحت النافذة وقد كون البياض منها تكوينات نحتية هائلة ، بتفاصيل غير ".
2. بين الظلام والضوء:
تنهض هذه الوسيلة بدورها في مد المشهد بالحياة على مستوى الذكرى ، مثل:
"تذكرت جدتي التي كانت تقضي في بيتنا شهرا من كل عام وتتركنا بعد انقضائه مع أحمال من الدهشة نُفرِح بها أنفسنا لبقية العام .. كنا نتحلق حولها لتبتدع لنا أشكالا وهمية لحيوانات مختلفة بإسقاطات الضوء والظل على الجدار أحيانا وعلى صفحة ملاءة بيضاء أحيانا أخرى
كما يسهم في تجسيد المشهد الحالي جماليا ، مثل:
"فوقعت عيناي على الستائر الموردة وذلك الضوء الأبيض من خلفها يخترق مسام النسيج فيضيء ورود الحدائق فيها".
3. ثنائية الصمت و الصوت:
بين الهدوء الصامت، وصوت اللحن المتصاعد. وتمثل هذه الثنائية قيمة أساسية هنا في القصة على مستوى تصوير المشهد ، وكأنها الموسيقا التصويرية لمصاحبة للأحداث، جماليا، مثل:
"أصوات الأوراق الدائمة الخضرة تؤلف لحنا غابيا تنبعث لموسيقاه رائحة التراب المترع ماء".
ووجدانيا، مثل:
" كنت وحيدا متوحدا لا يشاركني هذه الروعة إلا صوت بوم مختف بين الأغصان يقول لي تمتع ! تأمل! استمع لهذه الموسيقا الصامتة
حكمة البوم ، نعم .. وصوت أنفاسي ، وخفق قلبي ..
هدوء .. هدوء.. لم يقطعه إلا صوت فيروز يعزف عليه لحنا يتصاعد من هاتفي المحمول .. ( تلج تلج عم بتشتي الدني تلج والـ..(... تراجعت مأخوذا بكل ما حوته اللحظة ، وتناولت المحمول ، وسمعت صوتها ينطلق بفرح تغشاه نبرات عصبية غاضبة : أيها المجنون !! "
===
لكنها لا تقنع بهذا الدور التشكيلي الجمالي والوجداني بل تنتقل هذه الثنائية الأخيرة إلى الدور الوظيفي في النمو بالحدث القصصي حيث يأتي عبرها الحل حين ينبع الصوت متفجرا من أرضية الصمت، كما يولد الفجر(النور) من الليل (الظلام) ليحسم القضية في الثنائية الرابعة.
ألا وهي ثنائية(الرجل – المرأة) التي عبرت عنها القصة بالتقابل بين ( ضمير المتكلم) المعبر عن الرجل ، وضمير الغائب المؤنث "هي" كأن هذه الثنائيات الفنية لم تكن إلا المعادل الفني لها والتجسيد التصويري لجوهرها.
على أن الجديد هنا أن القاصة أرادت أن تطل على عالم الـ (هي) من خلال نافذة تقمص الـ (أنا المذكر) لعلها تكتشف جديدا من هذا العالم بمحاولة الابتعاد (قليلا) حتى تبدو لها ولنا الصورة أكثر وضوحا.
والعجيب أن ضمير الغائبة -رغم غيابه على المستوى السردي - كان أكثر حضورا وتأثيرا في الحدث القصصي ، من ضمير المتكلم - رغم حضوره وشيوعه !
وإذا كانت أفعال السرد في القصة كلها قد اتخذت الماضي زمانا لها فإنها في الختام تلجأ إلى الفعل الأمر الدال على الاستقبال، " أغلق الهاتف - فتح الباب"
بما يدل على شروق الأمل والرغبة في استمراره.
ولاحظ معي أن الكم هنا لا يمثل أهمية كبرى في رصد مستويات السرد
فرغم كثرة الأفعال المعبرة عن ضمير المتكلم (كنت - قررتُ –فأطفأتُ- أغلقتُ - وأسدلتُ . اقترحتُ - فاقتنعتُ .)
ترى أن الأفعال الصادرة منها رغم قلتها (مرتين) :(هي من اختارت - إلا أنها أقنعتني "
تغلبت على الأفعال المسندة إلى ضمير المتلكم المعبر عن البطل (7 مرات)
لما تتسم به من إيجابية وتأثير.
وكذلك يتغلب الزمن المستقبل المفهوم من صيغة (الأمر) الذي يجيء في الختام مرتين
(أغلق الهاتف – افتح الباب)
على جميع أفعال الزمن الماضي ، أو أفعال المضارع (الساكنة الدالة على التأمل ) رغم كثرتها في سرد القصة منذ البداية.
بما يشير إلى إغلاق صفحة الماضي بل والحاضر أيضا، لفتح باب المستقبل
وكأنه كان منتظرا لهذا الصراخ الآمر ، بثنائية أخيرة (الإغلاق والفتح)،
ونحن على يقين من أنه سيفعل، كما دل السياق على قابليته للاقتناع
"إلا أنها أقنعتني أن غرفة النوم تحتاج إلى الانسجام والتناغم لا للتباين والتضاد ، فاقتنعتُ بالحياد "
ولكنه لن يقتنع بالحياد هذه المرة بل بشيء جديد لعله الأمل!
==============================
القاصة المبدعة حنان
أرجو أن تقبلي هذه التأملات تحت ثلج قصتك البارعة ومعها تحياتي
مصطفى
حنان الاغا
08-11-2006, 05:44 PM
الأخ الدكتور مصطفى عراقي
هناك مثل عند البدو يقول :
( لا تدل البدوي على باب دارك )
وما تثري به حروفي هنا وهناك ، لأكثر مما أستحق ، ليس تواضعا وإنما تقريرا لواقع
د. مصطفى أنت من بدأ فتحمل
كتبت ثلاث قصص جديدة فلا تجعلني أطمع
حقا
أنا في غاية الفرح لما تحظى به نصوصي من اهتمامك والأخوة هنا
تحياتي لك
نسيت أن أقولها ببساطة
رائع ما كتبت ، وتعاملت معه كنص منفصل ، فخسارة أن يكون ردا فقط
سلمت لنا
حنان الاغا
11-11-2006, 01:03 AM
نص مبدع وسرد رائع يجعلنا نقف لحظة في انبهار قبل أن نخط كلمة واحدة في تقريض هكذا إبداع
إن كان ثمة ملحوظة في اسقاطات علم النفس التي أرى أنها أضرت شاعرية اللغة وقللت من بريقها
ختاما أشكر الكاتبة واستنطقها المزيد
تحيتي وعظيم تقديري
____________________________
الفاضل وائل بن يوسف
بوركت أيها الأخ الأديب ، وتحياتي لك .
أحييك على قراءتك الراقية الفاحصة
شكرا
حنان الاغا
11-11-2006, 01:09 AM
[QUOTE=حمزة محمد الهندي;197233]
الأديبة/ حنان الأغا...
أولا دعيني لو تكرمتي أن أزِفَ إليكِ هطولاً مرحباً مغرداً، وكم انا سعيد بوجودكِ مهنا أيتها الأديبة..
حنان الأغا...
ثلجكِ ومطركِ هذا نسجَ لي شالاً قُزحياً، لأضعهُ مكان الستارة الرمادية التي أتعبتكِ من الرماد وكما قلتي نحنُ من الرماد.
نصكِ هذا أتعبَ الأبجدية، فعطشت فبللت ريقها بغدير الأحرف فانتشت وإذ بها تغرد من جديد كعصفور الكنار..
عظيم احترامي لكِ ولقلمكِ
أنا
حمزة محمد الهندي
_____________________
[CENTER]اعذرني بداية لسهو حدث في ترتيب الردود
الأديب المبدع حمزة الهندي
أكاد أطير فرحا ، لهذه الحفاوة
ما أروع هذا المكان وأهله
شكرا لك سيدي هذا الإطراء للنص
قراءة جميلة
شكرا لك
وفاء شوكت خضر
19-11-2007, 12:47 PM
حنان الأغا ..
الفنانة بريشتهاوالمبدعة بقلمها ...
مزجت كتبت هنا باللون ورسمت بالقم ..
نص انفلت من بين يدي زمنا ، ولحسن حظي تعثرت به في لحظة السماء تتلبد فيها بالغيوم ..
فأعدتني إلى كل مشهد وذكرى في مثل هذه الأجواء ..
بعد أن عشت النص بلحظاته وقرأت الردود ، وكعادته أستاذنا الناقد الفذ / د. عراقي أخرج كل مكنوناته فلم يترك لأحد شيء يقال ، فما ترك جمالا إلا ونثره أمامنا لوحات متوالية جعلت من النص الحي فيلما تصويريا تتوالى من خلاله الصور لمشهد رائع الإخراج ..
لن أكتفي بهذه القراءة ، سيكون لي مرور آخرعلى هذا النص المترع بالجمال ..
أترك جزءا من نفسي هنا ولي عودة ..
حنان الاغا
25-11-2007, 10:10 AM
حنان الأغا ..
الفنانة بريشتهاوالمبدعة بقلمها ...
مزجت كتبت هنا باللون ورسمت بالقم ..
نص انفلت من بين يدي زمنا ، ولحسن حظي تعثرت به في لحظة السماء تتلبد فيها بالغيوم ..
فأعدتني إلى كل مشهد وذكرى في مثل هذه الأجواء ..
بعد أن عشت النص بلحظاته وقرأت الردود ، وكعادته أستاذنا الناقد الفذ / د. عراقي أخرج كل مكنوناته فلم يترك لأحد شيء يقال ، فما ترك جمالا إلا ونثره أمامنا لوحات متوالية جعلت من النص الحي فيلما تصويريا تتوالى من خلاله الصور لمشهد رائع الإخراج ..
لن أكتفي بهذه القراءة ، سيكون لي مرور آخرعلى هذا النص المترع بالجمال ..
أترك جزءا من نفسي هنا ولي عودة ..
_____________________
الصديقة المبدعة وفاء
قرأت ردك الذي ينم عن قراءة محبة للنص ، وللكلمة بعامة .
تبحرين كعادتك وراء الحدث ، وتقفين متأملة بجوار الألوان والخطوط لتكتمل الرؤيا .
شكرا لك
وتقبلي محبتي دائما
وبانتظار عودتك بسلامة الله .
د. مصطفى عراقي
01-05-2008, 05:35 PM
اللهم نقها بالماء والثلج والبِرد
سحر الليالي
01-05-2008, 10:35 PM
اللهم نقها بالماء والثلج والبِرد
اللهم آمين
اللهم آمين
اللهم آمين
وفاء شوكت خضر
27-10-2008, 09:46 PM
قد أتى البرد ..
والشتاء ما زال يقطع زمن الفصول ليصلنا ..
لعلي التقي بالثلج لكن هذه المرة وأنت لست معي ..
النص يستحق الرفع ..
اللهم اغسلها بالماء والثلج والبرد وارحمنا إذا ما صرنا إلى ما صارت إليه ..
رحم الله أختنا حنان وأسكنها فسيح جناته ..
لا تنسوها من دعائكم .
سعيدة الهاشمي
29-10-2008, 04:13 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
لا أجد ما أعلق به على هذه التحفة الفنية الرائعة غير، تغمد الله صاحبتها بواسع رحمته
وأسكنها مع زمرة الصديقين والشهداء فسيح جنته.
إن لله وإن إليه راجعون.
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir