المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سَيّدَة الشُطآن



عدنان كنفاني
03-11-2006, 06:32 PM
أبحثُ عن نَبضِكِ في صَدري
وأُلقي صَدَفاتي في رَحم سُكونِ الماء
قد ترسو عند أساساتِ السورِ
وَتُبقيني مَزروعا في عَبقِ التاريخ
بين خصوبةِ مَن غابوا
وجفافِ الآتينَ ثِقالاً فوق اللحمِ المصهورْ..
أما آن لهذا النورس أن يغفوَ في محراب أبيه..؟
"كنعانُ" أبي
وضع الحجرَ الأولَ بيديه.
حَفَرَ على صَخرِ الساحل:
أن هذي الأرض لأبنائي..
الآتين نقاءً من أرحامٍ عَربيَّة
وأقام طَويلاً يَسجدُ شُكراً
شرّع كَفيّه وقال:
كوني "عكا.."
كان البحرُ يطلُّ غَريباً
ويصُبُّ الملحَ على الشاطئ
والموجةُ تائِهَةً بين صخورِ المدّ
والأفقُ المهجورُ يُفتّتُ وجهَ الصَمت
يا سيدَ تلكَ الصَحراء
اليوم هنا..
يبدأ أولُ طيرٍ يبني بيتاً من قَصبِ الرَبعِ الخالي
ونواةُ البَلحِ الأولى
تَدفِنُ بِذرَتها في لحمِ الأرض.
ليَرويها الماءُ سَبيلاً مِن "نبعِ الفوّارة"
كي تزدانَ الساحاتُ بشَبكاتِ الصيادين
وأشجارَ الخَرّوب
وجِرارَ الفَخّار مُعتَّقةً بالزعترِ والزيتون
وشقيقةَ نعمانٍ تُعلن أنّ شهيداً آتْ
يَسكنُ تُربتها وَيُقيم..
يا سيدة الشطآن..
أما آنَ لفارسكِ الهَدأةَ من جولاتِ الحَرب.؟
وحوافرُ خيلِ "الاسكندرِ" طافَتْ يَوماً حَولَ تلالِ "الزيب"
يومَ انطفأتْ أحلامُ الـ "سرجون" بِها
وانكفأت صامتةً آثارُ الـ "فرعون"
وأطماعُ الباغين تِباعاً
"كسرى، واليونان، وروما"
وجثا مهزوماً عند حِجارةِ أسواركِ
"نابليون"
وطوى "الجزّارُ" مشانِقَهُ.. ومضى.!
وتعاقبتِ الأيامُ عليكِ
قديماً وحَديثاً بإمارة "قمبيز" و "طولون"
والمئذنةُ الشامِخةُ تُهدهِدُ أحلامَ شُيوخ الحَيّ
والأسواقُ المقصورةُ بالأبيضِ
تشتاقُ إلى "الزير" و "غسّان"
كان الوقتُ مساءً
لحظةَ تتكِئُ الشمسُ على تَلِّ "البَروةْ"
وتودّعُ بالأصفرِ "كيسان" و "كابول"
ثمَ..
تَحلّقتِ الأصنامُ على شَفَةِ "الغبسية"
وتِلال "شَعَبْ"
انتفضَ "المَعْمرُ" خوفاً من سَطوِ لُصوص
جاؤوها في عتمةِ ليلْ
صَرَخَتْ..
أين "الناصر." يتنكّبُ ظلَّ القلعة
ويردّ الموجةَ ثانيةً..؟
كي يرتاحَ "نبيّ الناقة" في غَفْوَتِهِ الأبدِيّةْ
يا سيفَ "صلاحَ الدين"
يا رافعَ رايةَ حقٍّ فوقَ ذُرى "حطّين"
يا عِمّّةَ "عزّ الدين"
يا كلّ الناجين من الخوف
نَسْتَصْرِخُ نَخْوتكُمْ..
ها قد جاء النَصْرُ على صورةِ طِفلٍ
يُمسكُ حجَراً..
وصُموداً..
وعِناداً..
يسْحقُ حتى أقصى ما يغتَرّ بهِ المُغتَرّون
ثم على خُطواتِ المَحفورينَ بأعوادِ المَجدْ
أنشأ سَطراً.. ويُغنّي:
(من سجنْ عكّا طِلعتْ جَنازِة
محمد جمجوم، وفؤاد حجازي)
هُم مَهرُكِ يا "عكا"
في كلِّ مساءٍ يَخرجُ من شرنَقةِ الزَهرِ.. شهيدْ
كي يبقى "كنعانُ" أبي
والساحلُ يحملُ اسمي
والنجمَةُ تزدادُ ضِياءً..
كيّ تبقى "عكّا"
سَيّدةَ الشُطآن على مرِّ الأيام
صَبراً "عكا"
هذا الطاغوتُ أبى أن يقرأ من عِبرِ التاريخ
وأبى أن يسألَ أينَ مَضَت أرتالُ المُغتَصبين.؟
ما أكثرهم.. ما أكثرهم..
منهم من قَبضَ على العالمِ ظَلماً.. وتَنَصَّب مَلِكاً
منهم من حفرَ أخاديدَ الحِقدِ على جَذرِ الزَيتون
منهم من بَقَر بُطونَ الناسْ
لكنَّ المارد ذاك الساكن فيك
يَحمِلُ صَمتاً أقوى من سَطوَتِهم
وصُموداً وعِناداً..
ألقاهُم في مزبَلةِ النِسيانِ جُموعاً
وتَوَحَّدَ مع جَذرِ الأصلِ الكنعانيّ
ولأنكِ أنتِ الأجمَلُ، وَالأغنى، والأحلى
كُنتِ المَطمَعَ للباغينَ وللِطاغوت
وللأشداقِ المَسْعورة..
وسَترحل عنكِ الأشداقُ قَريباً
كما رحَلَتْ كلُّ قوافل من لَمسوا طُهرَ جدائِلكِ
وتعودُ إليكِ دِماءُ الشُهداء
تَتَنَفَّسُ لونَ الريح
وعلى طولِ السَفحِ الأجرَدِ
تَختالُ وَرودُ الـ "نعمان"
وتُعلنُ للعالَمِ أنكِ..
وسَتبقين على مرِّ الدَهر..
سَيِّدةَ الشطآن.
ع.ك
ـ ـ ـ
نبع الفوّارة، الغبسية، شَعَبْ: قرى في قضاء عكا
الزيب، البروة، كيسان، كابول، المعمر: تلال في عكا

زاهية
03-11-2006, 06:39 PM
يسعدني أن أكون أول مصافحة لهذه الرائعة
سيدة الشطآن
أهلا ومرحبًا بك أخي الكريم وشاعرنا الكبير
عدنان كنفاني
أختك
بنت البحر

خليل حلاوجي
03-11-2006, 07:08 PM
الاستاذ عدنان

قد لايصح لي أن أكون ناقدا ً لسطورك التي كتبت بمداد الوجع وغصة الأسى التي أقاسمك همومها ...
ومعنى النقد هنا أن أخرج من بحار بوحك صدفات حوت لؤلؤاً منثورا ً

فرحلتك عبر .... الهم والوهم إذ السيف بالغ في الطلا

وكل يوم في ترابنا تتجدد فاجعة ... كربلا


رحلتك في القصيدة أقرت أن التراب وهو لحمنا ودمنا ليس هو الهدف

من أقصى يد لأبعد فرعون الى طواغيت وقراصنة الدولار اليوم

المستهدف ....كان دوما ً

قيم السلم التي زخرت بها بلادنا على مر التاريخ وهي تقاوم الطامعين

نعم

نحن من أعلن للكون سلامية الانسان ولاعنفه

نعم

نحن من أهدى للبشر اليقين والهدى

ألسنا ولد الرسل والانبياء وقيمهم عندنا .... دين متين

وماذا جلب لنفسه من آذانا سوى العار والدمار والشنار

هكذا قرأت هذه الحقيقة في قصدك في القصيدة

نعم

أشاطرك الرؤى


هذا الطاغوتُ أبى أن يقرأ من عِبرِ التاريخ
وأبى أن يسألَ أينَ مَضَت أرتالُ المُغتَصبين.؟
ما أكثرهم.. ما أكثرهم..
منهم من قَبضَ على العالمِ ظَلماً.. وتَنَصَّب مَلِكاً
منهم من حفرَ أخاديدَ الحِقدِ على جَذرِ الزَيتون
منهم من بَقَر بُطونَ الناسْ
لكنَّ المارد ذاك الساكن فيك
يَحمِلُ صَمتاً أقوى من سَطوَتِهم
وصُموداً وعِناداً..


سيدي هل ستدعني أطير وحدي بجناحي سلم وعلم في فضاء (الممكن )
لعلني أصل مماهو كائن الى مايجب أن يكون

أم ستقاسمني خبز المودة مقاومين لامساومين

\

تقبل إنبهاري بحرفك

حنان الاغا
03-11-2006, 08:21 PM
الشاعر الرائع
عدنان كنفاني

ملحمة عكا
معلقتها التي يجب أن تزين أسوارها
صحيح أننا لا نملك إلا سيفنا المشحوذ بحب الوطن ، المكون من حبر وورق ومشاعر وحجر.
إلا أن سلاحهم كله لا يرقى إلى إلى سلاحنا
فكرهم لا يستوعب ما علمنا إياه الكتاب والوطن
لا يرقى إلى حجر ينفلق بيد طفل فتسيل منه نسوغا تؤسس لمستقبل هذا الوطن
سيدي تهت بأفكاري ويحسن بي أن أصمت
تحياتي لك

سعيد أبو نعسة
03-11-2006, 09:47 PM
الأديب الكبير عدنان كنفاني
أولا : أسجل فرحي الكبير برؤيتك و أنت تزيد الواحة إبداعا زلالا
أحببتك قاصا مجيدا و ها أنت تعتلي صهوة الشعر الجموح
مرحبا بك
و دمت لنا مبدعا

د.جمال مرسي
04-11-2006, 07:25 AM
الأستاذ الشاعر الكبير عدنان كنفاني
انها ملحمة تاريخية جلنا فيها عبر تاريخ عكا النابض
و عبر شواظئها و كنت و أنا أقرؤها أتخيل أيام الغزو النابليوني لها و من قبله الغزو و الصليبي و الآن تعيد ايام دورتها لنرى الغزو الصهيوصليبي
و لكنها لم تعد عكا فقط أستاذي فقد شمل هذا الغزو كل فلسطين الحبيبة و عراقنا المجيد و كل شبر في كل دولة عربية مسلمة و إن اختلف نوع الغزو
دمت للشعر نبراسا
و تقبل تحياتي

د. سمير العمري
26-11-2006, 07:59 PM
تناول عميق مزج عبق التاريخ بنسق التباريح ، وزين عنق الشعر بمنظومة فكر.

أهلاً بعودتك أيها الأديب الكبير ، أهلاً بك مجدداً في أفياء الواحة.



تحياتي