تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : يومَها.. سَأُعلِنُكَ شَهيداً..!



عدنان كنفاني
03-11-2006, 06:36 PM
على ضفّة الجرح أمشي..0
أتنكّب منجلي.! وأستاف وجع اللحظات، وأعبّ من سراج العمر زيته المالح..0
أيها الألم الساكن روحي.. متى تتمزّق كي يشرق مني نبض جديد يعلن ولادتي من جديد..؟
كانت السماء كما كنّا نراها.. هل تذكر.؟
نستلقي على أول هطل الندى، يكاد يبلل دفء السنابل، فتبدو السماء موصولة بآخر سنبلة تفلّتت من حِجْرِ صبيّة تأخذ زينتها الوردية لتنثر النجوم على صفحة السماء..0
كم كانت قريبة منّا..0
تكاد أصابعنا النحيلة تتعلّق على أقرب نجمة لحظة يطلّ على طفولتنا فرح أمنا من ثنيات بياض القمر، وتفوح رائحة عرق تنفصد من وجهها البيدريّ، وتنضح من ثنيات ثوبها المطرّز بألوان القوس البعيد.
هل تذكر.؟
تقول لي: من لا يملك بيدراً ليس له وطنا..؟
ومن لا يرعى الغلال الوفيرة بعد تعب الحصاد لا يليق به أن يتنكب المنجل..0
أما زلت تحمل المنجل يا غسان.؟
أم أنك بعد أن عبّدت الطريق للوصول إلى لحمة السماء هناك على مشارف بيدرنا آثرت أن تتلفّح بالسكون، وتمارس معنا شدو الانتظار..؟
آه يا غسان...0
أعشق في عينيك براءة السؤال، وأتشظى رعباً من لعنات الجواب.0
ماذا أقول لك وقد غادرتنا تتأبط حزمة من السنابل لتصنع منها نجوما تصعّد إلى السماء لحظة تعانق تعب البيدر..0
ملؤوا الطريق الذاهب بكَ إلى شطآن الغرب الذي بدأته أنت وكل الملفّحين بالشواهد البيضاء بالحواجز والسدود، ورصفوا بلحمكم طريقاً جديدةً تمضي مستقيمةً إلى لا مكان، ثم أعلنوك غريباً..0
وعندما جئتك أقيم من جديد رخامات مثواك التي وطأتها رفوش الأقرباء..0
قالوا: فليكن لك أيها الغريب مقاماً إلى حين..0
ويقولون هناك بأن ليس لك من مقام..!0
فمن أنت إذن أيها الغريب..؟
من أنا.. ومن نحن..؟
كنّا نغفو في حضن الريح، نسمع همساً حميماً، فنكتم أنفاسنا..0
وكنتُ صغيراً.. أحسب الحقيقة كلها معلٌّقة على طرف نحولك.. ألم تقل بأنك بدأت رصف الطريق إلى بيدر النور.؟
وسرعان ما كبرنا.. وافترقنا عن ذلك البيدر المرصّع بالنجوم
وسرعان ما قتلوك
وسرعان ما أنكروك، واغتصبوا حلمك، وقيّدوك رقماً هزيلاً على بطاقة حمراء
ثم أعلنوك غريباً..!0
كان الوقت مساء عندما بدت لي السماء مفصولة عن الأرض عبر فجوة لا لون لها
بحثت عن بيدر يمكن أن يحمل تعبي، وينثر النجمات الساكنة زواريب حضني على صفحة الفضاء، فلم أجد..!0
لكنني وجدتك.. كأنك مثلي تبحث عن ذلك الرتق الذي لم يلتحم بعد
البيدر بعيد.. وأنا بعيد.. وأنت على شاهدتك البيضاء ترقب انتظارنا
هل أقول لك يا غسان.؟
ربما لن أستطيع أن أحملك معي عندما تحملني موجة مسعورة إلى شتات جديد..0
لكنني سأبقى أعلّق اسمك على الشواهد الغريبة، وأتنكّب منجلي، وأحمّل أغمار السنابل على أكتاف الصغار الآتين على أجنحة الجرح.0
سأقول لهم
من لا يملك بيدراً ليس له وطناً، وسيبقى غريباً.. رقماً معلّقاً على يافطات الصخب.0
يوم تُريح سنابلك المتعبة على ساحة بيدرنا، تسقط عنك تهمة الـ غريب.. 0
يومها.. سأعلنك شهيداً في موكب عرس كبير..
ع.ك
ـ ـ ـ

زاهية
03-11-2006, 06:45 PM
ياااه كم آلمني هذا الجرح الغائر
رحم الله شهيد الأمة غسان كنفاني
وأخذ بثأره من الذين
غيَّبوه عنَّا
ماأروع ماقرأته لك أخي الفاضل
عدنان كنفاني
بوركت وكان الله في عونك
فالجرح مازال ينزف
أختك
بنت البحر

خليل حلاوجي
03-11-2006, 07:26 PM
أسير الأسى ياشبيهي في فجيعتي
تخذلني حروفي
ودمعي يخون

وأنت الهمام وقد صيرنا الزمان بأيدي الحادثات ....
على ضفة الجرح تسير... حزين وللأمل رهين ...


شقيقي في الوجع

ستخبرك خيلك عن مقامي ... إذ ... أخذت الآن دمعي من خدك

فنرحل عن دنيا الزيف والهوان .... معا ً

وفاء شوكت خضر
03-11-2006, 08:33 PM
أستاذي الفاضل / عدنان كنفاني ..

شكرا لك على هذه المرثية ، التي أعادت نزف الدمع ، ونكأت الجراح ، فما زلنا نسجل بالخلود الشهيد تلو الشهيد .

أتراه يعود البيدر ، لتنبت السنابل من جديد ، وتهب نسائم أرواح الشهداء تداعبها فتتمايل ، معلنة موسم الحصاد ، ونتأبط المناجل لنعزف على السوق لحن الخلود للشهداء .

أبكاني ما قرات هنا ، جعل الله روحه آمنة مطمئنة في جنات النعيم .
وجعل لك من الصبر نصيبا موفورا .

شرفني المرور هنا ..
احترامي وتقديري .

د. محمد حسن السمان
03-11-2006, 10:20 PM
سلام الـلـه عليكم
الاخ الفاضل الاديب عدنان كنفاني

لقد رسمت بحزن الكلمات , رسمت بحزن المشاعر , بنزيف الجرح , وصيحات الالم , لوحة وجدانية راقية , لقد ادهشتنا بهذه المقدرة الادبية , وانت تذكرنا بالغائب الحاضر , الشهيد غسان كنفاني , مازال حيا فينا , واسجّل اعجابي بهذا المستوى الادبي , العالي واللافت , كتابة وتعبيرا , لقد قدمت نصا , قلّما نرى له مثيلا .
تقبل احترامي وتقديري

اخوكم
السمان

د . محمد أيوب
03-11-2006, 10:42 PM
حقا ، من لا يمتلك بيدرا لا يستحق وطنا ، ولكنني أرى أن غسان ليس غريبا وإن أرادوا له أن يكون كذلك ، فهو يرقد في قلوب محبيه ، ما تركه من مؤلفات يقدمه للعالم ويضيق هامش غربته ، فهو يعيش في وجدان القراء في العالم ، يرقد في أرض البرتقال الحزين وفي خيمة أم سعد وفي خيمة عن خيمة تفرق ويسير مع رجال في الشمس يصيح فينا : لماذا لم يدقوا على جدران الخزان . غسان في قوبنا ، كم كنت وما زلت أحب كتاباته وأنا معه على درب واحد منذ بداية شبابي درب الحرية التي عرفاه من خلالها لأنتقل بعد ذلك إلى معرفته من خلال كتبه ، ولكن لم يسعفني الحظ بلقائه بسبب حالة التشتت التي باعدت بيننا وإن جمع الفكر بيننا ، لكنه عاش وبقينا نحن نجتر أحزاننا لاعليه وعلى غيره من الشهداء الأحياء .
مودتي وتقديري
د . محمد أيوب

سعيد أبو نعسة
03-11-2006, 11:01 PM
أديبنا الكبير عدنان كنفاني
أما زلت تحمل المنجل يا غسان.؟
الجواب ببساطة : لا
لأن غسان صار هو المنجل
رحمه الله و رحم شهداءنا الأبرار

أهداب الليالي
04-11-2006, 01:15 AM
السـلام عليكم ورحمة الله و بركـاته
كـلنـا نغـادرنا لنستوطـن شفـا حفـرة مـن الاغتـراب ، ونمضـي تاركـين وراءنا بيـادر ممتلئـة إلا بنـا ، فاغـرة فاههـا علنـا نقلـع آخـر حصـوات الرحيـل مـن عمـر خنـقه الفقـد و أضنـاه المسيـر بلا مسـير .
الشـوارع و السبـل ضيقـة ، و الأطفـال يعلقـون تعاويـذ الإيـاب علـى أبـواب باتـت خاليـة مـن ساكنيـها ، و الغيمـات تتراكـض تسابـق الزمـن المـر ، و الليـل يشكـو حلكتـه ، و الشـواهد وحـدها تنبـض بالـوطن المسجـى علـى قارعـة الفجيـعة .
.
.
رحـم الله شهيـد الأمـة غسـان و أسكنه فسيـح جناتـه بإذنـه تعالـى .
نـص أدبـي مميـز يستحـق القـراءة ، والعـودة مــرات .

دمـت بألـق
تحيتــي

جوتيار تمر
05-11-2006, 12:32 AM
الكنفاني..
وهل تظن بان من لايملك بيدرا..وحده الغريب...
ماذا لو كنت تملكه...لكنك لاتستطيع ان تدخله...الا..بمرسوم جمهوري..او تأشيرة دخول..
حينها...ايها الغريب..تغرب البيدر معك...فيصبح الامر ادهى وامر...
حينها ايها الغريب...لاينفعك حمل رحالك...وحطها في ديار ليست ديارك..
في ارض..لاتنتمي انت اليها بروحك...
مع ان الارض تحضن الجميع...عندما يهدر الوطن بدماء ابنائه...
ايها الغريب...
لاتنسى ان التراب التي تروي فينا عطشنا..احيانا تستعصي علينا...
عندما يختلط مع ترابها...قطرات عرق..من نظنهم منا..لكنهم مع كونهم منا علينا يصبحون..
وتمتزج قطراتهم بقطرات من يدوسون على ترابنا...
فيصبح جريان نهر عرقهم...مغروسا شيئنا ام ابينا...في تراب بيدرنا...
وحينها...نصبح نحن اغراب...
لان عرقنا..ابدا لن يمتزج مع عرقهم...
هكذا....
نكون حتى ونحن احياء شهداء...
ونزف في مواكب عرس...

تقديري ومحبتي
جوتيار

حمزة محمد الهندي
05-11-2006, 01:35 PM
الأديب/عدنان كنفاني....

هيَ مرحلة حزن وألم ووجع يعتصرنا حيال هذا الزخم الأدبي الذي اعتصرتهُ أناملكَ

رحم الله شهيد الوطن غسان كنفاني..
قبل أمس كنت أقراء له رواية بعنوان( عائد الى حيفا) يا له من موطن وليس مواطن واليوم أقراء لهُ الآثار كاملة من مجلدين لأنه حي في قلوبنا

تحيتي القلبية ايها الطيب طيب الكرم والمحبة

حمزة الهندي

د. سمير العمري
20-11-2008, 09:53 PM
نص قديم استوقفني لأعيد تأمل ملامحك التي أسعدت العين رؤيتها فرأيتك هنا كما كنت هناك صاحب حس عال وأدب جم ولفظ بديع.

دفعتنا بحسن تعبيرك أن نشاطرك ذات الحس وذات الألم ونخلص معك إلا أفق أوسع من أمل غد مقبل نزف معك القتيل شهيدا.

أشكر لك أن شاركتنا معك هذا الإحسا النبيل ، إني لأستحيي هنا أن أشير إلى بعض ما شاب لغة النص تقديرا للمقام ، مقام الشخص ومقام النص.

أهلا ومرحبا بك دوما في أفياء واحة الخير.



تحياتي