مشاهدة النسخة كاملة : ..()..:: قلمـ وقصة ::..()..
إيمان دلول
04-11-2006, 08:16 AM
..()..:: قلمـ وقصة ::..()..
لم أنتبه ، ولكني استنهضت ، فقد أيقظتني أشعةُ ذاك القرص الذهبي ، المتسللة عبر نافذة غرفتي الضيقة ، أنبهتني ، فأبت إلا أن تخبرني عن ذلك المكان ...
حيث الفجر الجديد ، حيث الجبال ، الأنهار ، حيث العيون ..
والبحر ........... فلة .!
::
::
الطفل سعيد ، العصافير وتلك الأغاريد ، وهذه الشفاه الباسمة وتلك الأبصار الخاشعة ، كلٍّ في ترقب ...
إنه الغروب ، الأمل ، وهناك .. حيث الفضاء ، حيث الشفق ، الأفق البعيد ..
سأحلق ، هناك سأحلق ، أريد أن أطير ..
ليت شعري ..
::
::
::
لا زلت أخطُ بقلمي ، وأسطرُ كلماتِ خاطري ، وتلك حروفي جمعتها..
ولا زلت أجمعها ، وأجمعها ، وأجمعها ..
أرجوكي ابقي معي ..
لا تفارقيني ..
لا تغادري ..
لا تتناثري ..
لا تبتعدي ..
لا تجعليني أفتقدكِ مرة أخرى ..
لا... ، لا ... ابقي معي ..
::
::
::
وأنت أيها اليراع أرجوك ..
لا ترحل ..
لا تتركني ..
لا ولا ...
ابق معي .. ابق معي ..
أحبكَ
أحبكَ
أحبكَ
لم أنتهي ...
3/11/2006م - س .. : 1 ص
إيمان دلول
04-11-2006, 08:18 AM
القصة الأولى ..
" قطرة ماء "
بقلم : إيمان صبحي دلول
نهارٌ من نوع جديد .. في ليلةٍ ظلماء حالكة السواد أسعفها بدرُ السماء مسدلاً ستار أشعته المنبثقة من عنان السماء .. أنارت الأرجاء وكأنه نهارُ ليلٍ متواصل ...
أخذتُ مكانيَ المعتاد على سطحِ منزلنا المسهمد .. ترقبتُ المكانَ جيدًا .. وبعد أن احتسيت فنجانًا من القهوة .. أبصرتُ السماء لأتأمل تلك المصابيح الصغيرة الملتحفة كبد السماء .. تحلق تعانق الهواء .. تتسابق فتلاحق بعضها إلى العلياء ..
خطفَ بصري مسار حركتها الخفية .. فأخذتُ أراقبها بتمعنٍ وروية ...
هذه تلاحق أخواتها .. وأخرى تسابقها ...
يا ترى .. أيُ واحدة يكون حليفها السباق ؟ ..
هذه تختفي عن الأنظار .. ولازال السباق مستمرًا .. يا له من صراع .. وأيُ صراع !
مرَّ الوقتُ سريعا كلمح البصر .. فلم أشعر بحركة القطار المزعجة أو صرصرة الرِّياح العاتية ....
وجدتُ ذاكرتي تتقلب بين صفحات الماضي ...
غطستُ في بحر الذكريات .. أغوصُ بين أمواج التاريخ ... لأنتقي أجمل اللحظات التي عاشتها أيام طفولتي .. كم كنت أشاغب أخوتي .. حينها تذكرتُ أمي ... تناديني .. وأنا أختفي عن أنظارها بين هنا وهناك .. تلاحقني .. فأرسم لها بسمات طفولتي ..
تعقد جبينها وتقول : " هيا إلى النوم " ..
وتارة أخرى تنظرُ إليَّ بعينيها النجلاوين قائلة : " لقد حان موعد الدرس " .. وأنا أداري نفسي بزوايا وأبواب المنزل .. أتنقل من باب إلى باب .. ومن زاوية إلى أخرى .. تنهمُ عليَّ فتقول : " كفى بنيتي !!
.. تغضب قليلاً .. ومرة أخرى تعقد جبينها .. فأدع ابتسامتي لها ترتسم .. وسرعان ما أعقد جبيني .. فتبتسم ...
وكالمعتاد أغدو صباحًا إلى غرفتها لأطبع قبلتي المتواضعة على جبينها المنبسط .. وسرعان ما أختفي ...
كانت كثيرًا ما تردد هذه الكلمات على مسمعي ..
** شقيةٌ أنتِ بنيتي **
أجيبها وبكل صراحة وموضوعية ..
.. لأني أحبكِ ... وهل كلمة " أحبكِ " تكفي ؟؟؟!!
هزيمُ الرعدِ يخترقُ أذني .. عدتُ إلى صوابي .. لكم كانت جميلةٌ تلك اللحظات .. لا زلتُ أحتفظ بها في ملف الذكريات ..
فنجانٌ آخر من القهوة أحتسيه .. ومن ثَمَّ تناولتُ صحيفتي اليومية .. أُقلبُ نظري بين صفحاتها واحدة تلو الأخرى .. أتصفح العناوين وأطالعها .. وبعد أن انتهيت .. قلبت الصفحة الأخيرة ..
هناك في وسط الصفحة صورة أطفال في مقتبل أعمارهم لا يتجاوزون العشرة أعوامٍ الأولى ...
كست الصفرة وجوههم .. وقد جسَّد جفاف جلودهم عظامهم ...
أواااه !!
ما هذا ؟ .. لا طعام .. لا ماء ... !
في حاشية الصورة مكتوب ...
ا.ف.ب تلتقط صورة لأطفال قد حرموا قطرة ماء و ........
يا إلهي !!! .. لا عدتُ أرى .. ماذا حدث ؟! ما هذا ! ..
حلت الظلمة واختفى القمر .. ! أينَ ضياء البدر ؟!
ربااااه !!
ما الذي أراه ! .. أهي النهاية ؟ أم بداية الحكاية !
لا أدري ! .. ولكني أري غيمةٌ الآن ...
نعم إنها الغيمة .. ويا لها من غيمة .. أفقدتني صوابي ..
هزيم الرعد يسود الأجواء من جديد .. خطوط كهربائية تتسلل من بين الغيوم ترسل أشعتها الوامضة لتضيء المكان ..
قلت بدهشة ! : " إنه المطر " ...
وسرعان ما تذكرت صورة الأطفال .. وكم يشفق قلبي عليهم .. ويهتزُ بدني لمنظرهم .. فأسرعتُ لإحضار كوب ماءٍ إليهم .. أحضرته .. فسكنت أنفاسي .. وهدئت دقات جناني .. لقد حلَّ الدفء بالمكان ..
إني أرى قطرات المطر تذرفها الغيوم .. لكم أنا سعيدةٌ الآن ...
أسرعتُ لأملأ الكوب بقطرات الماء .. قطيرة .. قطيرة ... فامتلأت الكوب حبيبات المطر ...
والآن .. إلى الأطفال لأبلَّ ريقهم الظمآن ..
يا للهول !! ... والخســــارة !!! ...
ما الذي أرى ؟! .. لقد ابتلت الصحيفة بالماء وجرت إلى حيثُ يجري الماء .. لحقتها .. ولكن ...
بلا جدوى .. ولا فائدة ...
يااالأسفي ! .. والخَســــــــــارة ...
عدتُ مكسورة الخاطر .. عاقدة الجبين ...
نزلتُ السلم .. يحاصرني اليأس ...
وإذا بجارتِنا من أسفل السلم تناديني .. !!!
ساعديني .. ساعديني ...
لقد فرغ الماء من الحنفية .. وأنابيب المياه جفت بلا قطرة ماءٍ واحدة ...
وطفلي يصرخُ ظمآنًا .. ساعديني .. أرجوكي ...
انبسط وجهي فَرٍحًا .. رسمتُ لها ابتسامة صغيرة ..
همست .. والآن جاء دوري ...
خذي هذا الكوب .. وبلِّي به ريقَ طفلك الظمآن ..
هنيئًا لك .. فبه قطرة مــــاء ...
لا أدري كيف أمسكته ؟!!! .. ولكنها سرعان ما جرت مهرولة إلى مبغاها .. واختفت عن الأنظار ...
عدتُ إلى قعرِ بيتنا المجاور حيث غرفتي الصغيرة .. وألقيتُ بنفسي على السرير .. فغفوت ...
وما أوقظني من غفوتي تلك .. إلا دقات طُرقت على باب منزلنا المتواضع ..
أدرتُ بصري في المكان ( لا زال النهارُ متواصلاً ) ..
فتحتُ الباب .. وإذا بجارتنا تخرجُ من فيها بصوتها الرنان تلك الكلمات ..
" شكرًا لك بنيتي ... "
قلت لها :
" اشكريني على أيِ شيء .. إلا قطرة مــــــاء " ...
حسام القاضي
04-11-2006, 11:54 PM
الأخت الفاضلة الأديبة / إيمان دلول
السلام عليكم ورحمة الله ويركاته
أولاً مرحباً بك في واحة الأدب
سرد مشوق يشير إلى قاصة متمكنة من أدواتها ، ولكنه يتطلب أكثر من قراءة..
مجرد مرور أولي ، وإلى عودة.
تقديري واحترامي.
ليلك ناصر
05-11-2006, 12:19 AM
قصة في منتهى الشفافية ...
أتدرين أيتها الرائعة (إيمان دلول ) لقد أخذتني إلى تلك الأجواء كلها إلى اللحظات نفسها .. حيث وجدت نفسي أشاغب قليلا في ذاكرتي .. و أبحث عن قطرة ماء لظمآن ...
ما أجمل روحك و ما أنقاها .. و ما أعذب خيالك الصافي ...
بوركت أختاه و بوركت حروف كتبت من يديك ...
تقبلي مروري ... و لك سلامي ..
إيمان دلول
05-11-2006, 08:28 AM
أخي العزيز حسام القاضي ..
وعليك سلام الله ورحمة منه وبركات
تشرفت بوجودك هنا ، أنتظر عودتك :010:
إيمان دلول
05-11-2006, 08:33 AM
حلااا ..
حياكي الباري أيتها الجميلة ..
أسعدتني بوجودك بين سطوري ، اطلالتك شرف لي ..
ولك مني تحية المشاغبين :hat:
إيمان دلول
07-11-2006, 11:26 AM
لا زلت أفتقر إلى تعليقاتكم :011:
أحمد حسن محمد
07-11-2006, 12:12 PM
عميقة روحك بعمق هذه الكلمات التي تحملني إلى ذكريات الطفل الذي يحب الدنيا بفجرها بصبحها الذي يناديه حتى ولو كان في أشد البرد..
أحييك أحييك أحييك وبارك الله في قلمك أيتها المبدعة التي لا أشك أنها تحمل في قلبها بحاراً من الشعر الرائع..
على فكرة هناك "أسامة عصام" في قسم الشعر الشعبي، وهو يحمل بصمات مقاربة لهذا العمق..
بارك الله فيكما للواحة ولنفسيكما
لم أنتبه ، ولكني استنهضت
استنهض فلانا إلى الأمر: دعاه إلى سرعة القيام به.
فما رأيك لو جعلتها "نهضت"..
- ، كلٍّ في ترقب ...
كلٌ بتنوين بالضم أختي الكريمة..
- أرجوكي ابقي معي ..
أرجوك بدون ياء في كاف الخطاب.
- لم أنتهي ...
لم أنته إذا أردتها إخباراً، أو إن أردتها استفهاما فزيدي علامة ؟
مجدي محمود جعفر
10-11-2006, 02:25 PM
الكاتبة / إيمان دلول
لاشك أنك تملكين لغة جيدة وأسلوب جيد ولذا أرى أنك قادرة على كتابة قصة جيدة ، وهذه المحاولة التي عنونتها بقطرة ماء كان من الممكن أن تكون أكثر جودة وأكثر إحكاما إذا خلصت السرد من الحشو الزائد وكا ن من الممكن أن تكون أكثر تكثيفا مما هي عليه ورغم جمال عباراتك وصورك وكلماتك إلا أن كثير من العبارات المجانية يمكن الاسغناء عنها ، فالبحث عن صور جديدة وتراكيب جديدة ونحت لغة خاصة شئ مهم للغاية للفنان ويمكنك أن تصنعي هذا بسهولة وخاصة أنك تملكين الموهبة ولديك خيالا خصبا وثروة لغوية هائلة ووفرت لنصك معظم العناصر التي تتوفر لنص قصصي ناجح ، وهذا ما يشير إلى أنك في محاولات لاحقة سنقول هنا كاتبة قصصية لها تميزها ولها شخصيتها وبصمتها وأتمنى أن تعيدي كتابة هذا النص مرة أخرى فكما قلت أنك وفرت له كل عناصر النجاح ولكن مشكلتنا ككتاب أننا بعد ولادة العمل ندفع به ونحن في نشوة الفرحة به إلى النشر ظنا منا أنه مكتمل البناء وهو في الحقيقة يحتاج إلى مراجعات ومراجعات والنظر إليه مرة بعد مرة بالحذف والإضافة نهذب كلمة هنا ونشذب جملة هناك ولاندفع به إلا بعد أن نتأكد أنه لازوائد فيه ولا نتوءات وأنا واثق أنك كاتبة جيدة وأغبطك على هذا النص وعلى هذه المحاولة ، فقط أريدك أن تعملى النظر فيه مرة أخرى ، فقليل من الجهد فيه يصبح عملا فائقا ولافتا ولك تحياتي
سعيد أبو نعسة
10-11-2006, 03:32 PM
أختي الكريمة إيمان دلول
لا يسعني إلا أن أرحب بك في عالم السرد الشيق
لن أضيف إلى ما تفضل به الزملاء و قد أجادوا .
دمت في خير و عطاء
إيمان دلول
12-11-2006, 09:07 AM
أحمد حسن محمد .. أشكرك على هذه الكلمات المشجعة والنقد النحوي البناء وحسن الاطراء .
تحيتي لك :014:
إيمان دلول
12-11-2006, 09:14 AM
وهذه المحاولة التي عنونتها بقطرة ماء كان من الممكن أن تكون أكثر جودة وأكثر إحكاما إذا خلصت السرد من الحشو الزائد وكا ن من الممكن أن تكون أكثر تكثيفا مما هي عليه ورغم جمال عباراتك وصورك وكلماتك إلا أن كثير من العبارات المجانية يمكن الاسغناء عنها ، فالبحث عن صور جديدة وتراكيب جديدة ونحت لغة خاصة شئ مهم للغاية للفنان ويمكنك أن تصنعي هذا بسهولة
أخي الناقد .. كنت بحاجة إلى هذه اللفتة النقدية البناءة ..
اما بالنسبة للقصة فأنا كتبتها ولم أغير فيها حرفا ، ولم أراجعها ، ولا أرى فيها حشوا زائدا لسبب لا يمكنني الاستغناء عن أحد عباراتها هكذا أرى وربما لم أصيب رؤيتي ..
والعبارات المجانية التي يمكن الاستغناء عنها .. أكون شاكرة لك إذا قمت بتوضيحها لي ..
ودمت بكل خير .
مع التحية
إيمان دلول
12-11-2006, 09:19 AM
الفاضل سعيد أبو نعسة .. شرفت بوجودك الصفحة
دمت طيبا
مع التحية
زاهية
12-11-2006, 09:19 AM
رغم ماتقضل به الزملاء هنا غير أني حقيقة شعرت وكأنني
فوق صهوة موج يتقاذفني بين الحلم واليقظة ويدي تمتد باتجاه منقذ
يخرجني من كابوس حلم مزعج استطاعت المبدعة الأخت إيمان أن تخرجني منه ببراعة كما أدخلتني فيه وعندما وقفت على تلة الصحو
تنفست الصعداء وأنا أهمس في أذن إيمان
تابعي فقد أسعدني امتطاء أمواج قصتك
أختك
بنت البحر
إيمان دلول
12-11-2006, 09:25 AM
أنا .. أنا .. أنا ..
أنا فعلا كنت حقا لا أستطيع الاستغناء عن قمة صاروخك في الرد .
ودمت بكل خير أختي بنت البحر
زاهية
12-11-2006, 09:27 AM
تابعي عزيزتي فالحياة تتسع لكل شيء كالكلمات
محمد سامي البوهي
13-11-2006, 05:43 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الاديبة / إيمان
لغتك جميلة ومكثفة ، الفاظك سهله ، واجمل ما شعرت به انك تتركين نفسك للسرد ، فلا تدخل من العوالم الخارجية تفصلك عما تكتبين ، ولكن ما لاحظته ان نصك يغلب عليه اللغة الذاتية والمناجاه ، فأرجو التحرر من هذه النقطة ولك مستقبل مشرق بحول الله .
إيمان دلول
14-11-2006, 09:31 AM
ولكن ما لاحظته ان نصك يغلب عليه اللغة الذاتية والمناجاه ، فأرجو التحرر من هذه النقطة ولك مستقبل مشرق بحول الله .
وعليك سلام الله ورحمة منه وبركات
الفاضل محمد ..
لازلت في طور النشوء ، ورجاؤك سآخذه في عين الاعتبار.
بقى أن أشكرك على كلماتك الجميلة .
مع التحية
عبلة محمد زقزوق
14-11-2006, 12:47 PM
من قطرة الماء سقيتنا عذب السرد والتخيلات
فلا عدمنا الله جمال يراعك أختاه / إيمان دلول
دوما في إنتظار جديدكم
إيمان دلول
18-11-2006, 12:31 PM
غاليتي عبلة ..
أسعدني وجودك ، ولا شك أنك أدخلتي علي السعادة بانتظارك جديدي ..
شكرًا لكِ
إيمان دلول
19-11-2006, 11:33 AM
(2)
من أرشيف القصص ..
هذه القصة كتبتها بمناسبة النصر العظيم الذي منَّه الله علينا بفضله أولاً ثمَّ بجهادنا ثانيًا ألا وهو اندحار الاحتلال الغاشم عن أرضنا المقدسة من قطاعنا الحبيب راجين من المولى تبارك وتعالى أن يمن علينا تحرير فلسطين بأكملها والإفراج عن أسرانا البواسل القابعين خلف قضبان الزنازين ..
لهيب الشوق ..
بقلم : إيمان صبحي دلول
الكلُّ ينتظر مترقبًا .. القلوب في شغفٍ ولهفة .. وحرارة الشوق تشعلُ الحنين من جوى الاشتياق ...
عيونٌ حائرة تتقلب بين صفحات الأحداث العارمة .. تتابعها .. وأوتار الفؤاد تهتز شوقًا للذهاب إلى هناك .
جاء ذلك بعد أن أعلن الضباب الكثيف الذي لفَّ المكان هزيمته الساحقة أمام هجمات شلالات الشمس المتلاحقة ولم يبق منه إلا بقايا ضئيلة تزعم غضبها العارم .. تلفها الغفلة من حيث لا تدري .. متخفية مذعورة كبقايا جيش منهزم .
الكلُّ على تهيؤٍ واستعداد .. الشوقُ في ازدياد .. ولا زالت الأفئدة تفتح بوابتها على مصراعيها تستقبل توافد تباشير النصر عليها .. ولا زالوا على أحرِّ من الجمرِ ينتظرون .
- " توقف عقرب ساعتي .. ولا أدري لماذا يا أبي ؟!!! "
قالها حازمٌ بعد أن طال الانتظار والتهب شوقه شوقًا لا زال يزداد .. فنادته ساعته الملتصقة بمعصمه تشكو إليه تباطؤ عقاربها الشديد وسرعتها المتخفية .
التفت إليه أبيه قائلاً :
- " صبرك بالله يا بني فـ ... "
قاطعه صوت التلفاز بنبرته الحادة منطلقا إلى أسماع المشاهدين ..
" أعلن رئيس الحكومة قبل قليل في اجتماعٍ مصغَّر أنَّ غدًا سيكون الموعد النهائي لإجلاء بقايا الأوغاد المتمردين " .
وما أن سُمعت تلك الكلمات .. تعال صوتًا هادرا : الله أكبر .. الله أكبر ..
صوتٌ يجلجل في المكان .. توزعت البسمات على شفاه الأبناء .. وعمَّت الفرحة تضمهم وتحتضنهم فكم غابت عنهم سنون مضت وانقضت وها هي الآن تعود بحلةٍ جديدة .
وفي الصباح أخذت أشعة الشمس المنعشة تصافح الوجوه .. وتعانق الروابي .. وتنحدر إلى الوهاد .. متسللة من خلال فتحات التلال على حياء وباسترخاء .
والطيور بدأت تنشط حركتها ويعلو غناؤها متناسقًا مع خرير الشلال وحفيف الأشجار .. فالطبيعةُ نفسُها أبت إلا أن تشارك أبناؤها .. هذا الشعب العظيم المعطاء فرحتهِ بالنصر الذي منَّه الله عليه فأصبح لها طابع خاص وجوٍ غير مألوف لديهم .. فبعد أن فك أسر الأراضي من أيدي المغتصبين تنفست الطبيعة شهيق الحرية وأبناءها العظام .
فترةٌ من الزمن أمهلت لفريقٍ من المختصين لفحص الأراضي المنتصرة تحسبًا لوجود أجسام مشبوهة أو مخلفات مقصودة وانتهت ..
وبعد طول انتظار تمَّ السماح بدخول تلك الأراضي ومشاركتها فرحة الانتصار بتحريرها وفك أسرها ..
ودون سابق إنذار توافدت أعداد غير مسبوقة من أبناء هذا الشعب المنتصر .. صغيرًا وكبيرًا كهلاً وشيخا .. شابًا .. طفلاً ورضيعا ...
- " عادت غزة .. عادت غزة " .
أخذ يرددها سامح بأعلى صوته فرحًا بعودة أرضه .. والفرحة تغمر وجهه ملء صدره ..
يرددها ورأسه مرفوع .. فتطاول هامته السحب.
- " لقد انتصرنا .. يا أبي " .
يلفظها حسام فيزداد سناء ثغره .. وتتلون الدنيا بألوان سعده .. فلا مثيل لسعادته ...
قال حازم شقيقهم الأكبر :
- " نعم انتصرنا وعادت غزة بفضل الله ناصر جنده .. ولكنها البداية أحبتي ".
تقدمت حشود المتوافدين شامخين رافعين رؤوسهم .. تعانق هاماتهم قمم الجبال فرحين بهذا النصر العظيم .. احتضن لهيب شوقهم تراب أرضهم من جوى اشتياقهم لحبات رمالها ونقاء هوائها.
رايات النصر تعانق الهواء .. وأغاريد الطيور تجوب الأجواء .. تعالت الهتافات .. و صوت " الله اكبر " ماج بالمكان ..
قال الأب يخبر أبنائه :
" هذه هي الأرض التي نشأت على ترابها .. ترعرعت في أحضانها وتنفست هوائها .. فلطالما حلمت بأن تدوس قدماي الأرض المقدسة التي نشبت عليها منذ نعومة أظفاري فأسرع إلى التراب أقبله , وأعانق الأرض , ثمَّ يسرح خيالي بعيدًا بعيدا , فتتراءى لي من خلال موجات المشردين , تحت وطأة الإرهاب الهمجي , أشباح بشرية تتلاطم على أبواب النجاة , عويل النِّساء يختلط ببكاء الأطفال بهمهمات الشيوخ والعجَّز .
أيام لا تنسى , تلك التي تتراءى لي الآن , أفق أسود مكفهر يمتد على مدى البصر , لترتد ظلاله على الفؤاد , فتخيم بظلمتها على جدرانه , فتبعث من جديد ومن خلال تموجات الحسرة والأسى , عزيمة وقوة وأملا .
لكن رباه .... إنها صورة أبي تمرُّ الآن .. ضمن شريط الذكرى :
" آه يا أبي .. ! ويلي لم أثأر لك , ماذا فعلوا بك أمام ناظري كبَّلوا يديك .. شلُّوا قدميك , وشوهوا خلقك .. أمام عينيَّ هاتين .. " .
يا إلهي .. ! .. ما هذه الخواطر التي تغزو مخيلتي ؟ سؤالٌ يطرح نفسه .
صاح الأبناء : " أكمل لنا الحكاية يا أبي " .
- " ... ولكنها مجرد هواجس يا أبنائي , تندفع وراءها النفس لمجرد تذكرها , إنها هواجس راعبة , لا يسع من يتذكرها إلا أن يندفع اندفاعات نفسية لا يعلم مداها . لقد شوهوا معنى الحياة في النفوس .. أولئك الأوغاد الهمج ..
في صبرا وشاتيلا .. كفر قاسم .. قانا ودير ياسين وغيرها قتلوا الإنسانية .. إنهم أعدائها , أعداء الله ..
آآه ... رائحة التراب تهيجني , ونداء الأرض يهزني , وبعد ذلك يأتي صوت أبي , ونداء أمي "... لحظات وأيُّ لحظات ..
الشمس بدأت تميل بشراعها نحو الأفق الغربي والظلال بدأت تبعث تباشير الليل الأولى , وحركة الطيور أخذت تفور فورتها الأخيرة قبل النوم ..
كان الليل في لحظات النزع الأخيرة ..
- " هيا أحبتي .. جهزوا أنفسكم واستعدوا للعودة " .
لكنَّ الأبناء لا زالوا متمسكين بالأرض ولا يريدون تركها ..
أقبل الأب على التراب يقبله ويمرغ وجهه فيه .
" آه يا حبي الأبدي , يا صنو الروح والحياة , ما أقسى الأيام التي فصلت بين محبين حميمين , لن يفصل بيننا بعد اليوم فاصل , ولن يبعدني بعد الآن حاقد أو مغتصب , سأبقى في أحضانك وإلى الأبد .. جئتُ من أجل هذا , ولن يعيقني عنه أي عائق , وليكن التاريخ شاهدًا على ذلك , ولتكن السماء , وسأوقِّع على ذلك بحبات الدَّمع التي تبلل خدك الحنون , قبل أن أوقِّعه ببصمات الدم , تسيل رخيصة في أحضانك ".
عاد الأب وأبنائه بعد تلك الأحداث الحافلة والفرحة المستبشرة .. لكم كان هذا اليوم حافلاً بالذكريات ..
قال حسام الابن الأصغر :
- " أخبرنا حازم بأنَّ غزةَ هي البداية .. هل هذا صحيح يا أبي ؟؟ ".
- " نعم هذا صحيح .. فنحن لا ولم ولن نكتفي بغزة فهي بداية الطريق .. اليوم غزة وغدًا القدس والضفة إلى تحرير فلسطين بأكملها من أيدي الغاصبين بإذن رب العالمين ناصر جنده والمؤمنين ".
قال سامح :
- " وهذا لا يكون إلا بفضل من الله تعالى وتوفيق ومن ثمَّ بجهادنا المتواصل ".
حازم :
- " أحسنت يا سامح .. فنحن والحمد لله .. في رباطٍ إلى يوم الدين .. ولن يحرر الأرض إلا الأيدي المتوضئة ".
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir