المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فصل الكتابة ( الخامـــــس )ا



احسان مصطفى
04-11-2006, 10:24 PM
كنتُ منذ أول اكتشاف لي للحروف وعوالمها الغنيّة والخفيّة التي تجر العاشق إلى متاهات لا رجوع منها إلا إليها ،أنظر إلى الكتابة بشكل مغاير ومختلف عما يراه أقراني فكان درس اللغة العربية هو عشقي الأول قبل حبيبتي طبعاً !ا
كانت الحروف لها ألوان وأشكال ربما ليست كما يراها الآخرون ولها مواسمها وفصولها وأوقاتها الخاصة التي تنشط فيها ، كما هي حالة البكتريا التي تسكن أجسادنا سواء المضرّة منها والمفيدة ، التي تنشط في عملها في أوقات خاصة وظروف ملائمة ،
بعد تدرجي في الكتابة من خربشات على أوراق أمزقها من دفتر الحسابات الذي كان مرميّاً في محل والدي والذي قضيتُ عليه في مدة وجيزة ! إلى يد الشاعر الهمام صديقي الأجمل (أحمد آل غبشه ) وبدوره كان يعقب ويطلق عليها ضحكات تلو الأخرى إلى أن انتهى الأمر بإحدى الأوراق إلى مجرى المياه بعد أن أكتشفَ أنها لا تصلح للقراءة حتى !ا
مروراً باكتشافي أنني أملك موهبة النشر! ليس لأعمالي طبعاً وإنما لصديقي الشاعر وأعرف أن من واجبي أن أعرّف الناس بهذا العبقريّ وهو يعلم تماماً تلك الصعوبات التي واجهتنا في تغطية كل الفعاليات التي ابتكرتها في لصق قصائدهِ في المجلات الملصقة في واجهة الكليات والمعاهد في الموصل ، طبعا في بلادي لا حقوق للنشر لذا مررنا ببعض المواقف في سرقة الأعمال من قبل الطلبة ونسبها لأنفسهم !ا
إلى أن عدت للكتابة بعد أكثر من عام على حادثة (المروحة) اقصد التمزيق لقصيدتي التي كنت أراها قمّة الأعمال الأدبية التي أنجزتها على الإطلاق ! وبدأت أعرف أن للكتابة طعم آخر لم أذقه بالمرّة طعم للقصيدة وآخر للنص الأدبي بكل أنواعه وأصنافهِ ، فكان مقهى الساعة المخصص للعب (البليارد والدومينة وشرب الشاي بالهيل ) بيتاً أدبيّاً نجلس فيه لنكتب القصائد ونقرأ لكبار الشعراء على وقع أصوات الكرات وطقطقات الملاعق وضرب المناضد بقطع الأحجار المخصصة لتلك الألعاب!
لا اعرف بالضبط لماذا كان لفصلٍ واحد كل تلك الذكريات ، فأنا لا أذكر من تلك الأيام سوى هطول الأمطار ومشاهدة برج الساعة عبر النافذة وهو المقدّم كهديّة من ملكة فرنسا (اليزابيث) كما كانوا يقولون آنذاك طبعاً قبل عدّة قرون لكنيسة بقيت شركة الفرات تعمل في ترميمها سبع سنوات ولم تنتهي إلا بعد تحويل البناء ليد شركة ايطالية بقيت سنة واحدة لتجدد أساسات الدير، برش جميع القنوات المائية تحته بسائل الأسمنت الذي يجف بسرعة كبيرة! وعلى بعد 150 متراً بقيت منارة الحدباء المعروفة بكونها رمزاً لعملة العراق من فئة العشرة دنانير والتي بناها مهندس من طراز خاص في زمن الملك العادل نور الدين زنكي في باحة الجامع الكبير قبل 900 سنة تعاني من تصدعات وشقوق تهدد شموخها،على حالها دون أن تمتد يد شريفة لعلاج ذلك الرمز العتيق !ا
على كل حال ما زلت أتذكر الشتاء وتأثيره الخاص على يد الشاعر والكاتب بشكل عام وبقي الامر غريباً عني لسنوات طويلة ، لماذا هذا الفصل بالذات ولماذا الغيوم ولماذا البرد هو من يحرّك ماكنة الكتابة لدينا ؟
يقول أحد الأصدقاء أن التأثيرات الكهربائية للبرق هي من تدغدغ مشاعر الكاتب فينهمر مطر الحروف من بين يديهِ ليعانق أرضيّة الصفحة الصفراء في دفترهِ التعيس ! وهناك آراء أخرى لصديق آخر يقول فيها أن الكتابة عوارض الانغلاق على النفس ، فعندما تنغلق السماء بالغيوم ويبرد المناخ يشعر الكاتب أنه وجد فسحته الخاصة في وحدته فتزيد رغبته في الكتابة ،
أما أنا فوجدتُ أن الشتاء هو فصلين متداخلين لا يستطيع التفريق بينهما سوى الشعراء والمدمنين على الكتابة إضافة إلى المجانين طبعاً ، فالشعر والكتابة نوع من الجنون في مستشفى الحياة والفصل الخامس بين فصول السنة هو فصل الكتابة ،
لا شك أن عُمر الشاعر والكاتب ليس بعدد السنوات التي عاشها ، بل يعتمد على عدد النصوص والقصائد التي أنجزها في حياته وأنا أقول لا شك أي لا شك عندي فربما هناك من يخالفني الرأي ومن هو معي في هذا ، على كل حال لو أجرينا حساباً بسيطاً وفق نظريّتي سنجد أن الشاعر مغبون في حياته لأنه يعيش السنة فصلاً واحداً كما يحصل معي في كل ما أتذكره من حياتي السابقة !


يتبــــــــع .....ربما

جوتيار تمر
05-11-2006, 12:42 AM
احسان ايها النقي..

واضف الى ذلك...مقدار الالم والفجيعة...المتناثر بين ثنايا حرفه...

دمت وفيا...

محبتي لك

مشتاق جدا لك
جوتيار

أسماء حرمة الله
05-11-2006, 12:54 AM
سلام اللـه عليك ورحمته وبركاته

تحيـة تقطر عطراً


الأديب إحسـان،

أهلاً بك وبحرفك وعودتك، أزهرت الواحة ورداً بهطولـك ..
عشتُ مع حرفك التساؤلات نفسـها، بل إنني لمحتُ "فعلَ الكتابة" قد كان قبلي هنا، يتأمل ماضجّ من معان ومن أحاديث أزمنةٍ لاتشبه بعضَها ..


""لماذا هذا الفصل بالذات ولماذا الغيوم ولماذا البرد هو من يحرّك ماكنة الكتابة لدينا ؟ ""


ربّما لأنّه فصلٌ يعيشُ على بوحنا، يقتاتُ من أعشاب حروفنا، ويمدّها في الوقتِ نفسِه بوجباتِ الغيم والبرد والألم .. وإن كنتُ أعتقد أن الشتاءَ ليس الفصلَ الوحيد الذي يفعل ذلك، بل يشاطره فصلُ الخريف كذلك، هما فصلان لايعشيان إلاّ على جنى أرواحنا ! ولايحلو لهما السهر إلاّ على مائدة حروفنا وهي تتساقط من شجر الروح ..




""يقول أحد الأصدقاء أن التأثيرات الكهربائية للبرق هي من تدغدغ مشاعر الكاتب فينهمر مطر الحروف من بين يديهِ ليعانق أرضيّة الصفحة الصفراء في دفترهِ التعيس ! وهناك آراء أخرى لصديق آخر يقول فيها أن الكتابة عوارض الانغلاق على النفس ، فعندما تنغلق السماء بالغيوم ويبرد المناخ يشعر الكاتب أنه وجد فسحته الخاصة في وحدته فتزيد رغبته في الكتابة ""


أو ربّمـا قسماتُ الشتاء الشاحبـة، أو نوافذُه المغلقة التي لايملك مفاتيحها غير الكاتب، أوالصمتُ المزمن الذي يرتسم على جبين الشتاء (وهو أوجُ البوح ومعينُـه)، مَـا يدفع الكاتبَ إلى الانسكاب على الورق ..!




""لا شك أن عُمر الشاعر والكاتب ليس بعدد السنوات التي عاشها ، بل يعتمد على عدد النصوص والقصائد التي أنجزها في حياته ""


ويعتمد أيضاً علـى كل حرفٍ انكسب من مداده، وعلـى كل حركةٍ من حركات الحرف، وعلى كل نبضة من نبضات الروح، وهي تنسكبُ مع الحرف وحركاتـه انسكابـاً..!

ستبقى الكتابة هي فصلَ الروح الوحيد، الذي لايعترف بالمكان والزمان، يسافر عبرهما، يتخطّاهما ليورقَ بقلب الكاتب زمناً جميلاً، ومكاناً لايشبه غيرَه ..



-------
أكتشفَ = اكتشفَ
طعم آخر = طعماً
ولم تنتهي = تنتـهِ
فصلين متداخلين = فصلان متداخلان


نصٌّ جميل وعميق، تماماً كنصوصك التي تكتبها بدموع الروح، سننتظركَ دوماً على ضفاف الحرف، فكنْ خصماً للغياب


حماكَ ربّي
تقبّل خالصَ تقديري ووافر دعائي :0014:
وألف طاقة من الورد والندى

وفاء شوكت خضر
05-11-2006, 01:04 AM
الأخ إحسان مصطفى ..

ولعلي أقول أن عمر الشاعر بعدد الملهمات له ، اللاتي يشحذن الحواس فيتتدفق كلمات حب وفرح وحزن ..
الشعر .. مشاعر تتدفق بنغم تحكمه البحور ..
الشاعر .. بحار يرفع سارية الكلمات ليبحر فيها .

مقالة مثيرة حقا ..
شكرا لك .

تحياتي ومودتي .

ليلى الزنايدي
05-11-2006, 11:55 PM
الأخ إحسان أعجبني ما قرأت هنا.. و أجدني عشت معك تجربتك الممتعة ....