تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : أخت حتشبسوت



د. حسين علي محمد
13-11-2006, 10:03 AM
أخت حتشبسوت

قصة قصيرة، بقلم: حسين علي محمد
.............................................

قال الحاج محسن لولده الوحيد جابر، الذي حصل على بكالوريوس التجارة منذ خمس سنوات، ويفلح الأرض ـ بمساعدة أبيه ـ حتى يجد وظيفة ملائمة، فالدولة لم تعدْ معنية بتوظيف الخريجين:
ـ متى ستهتدي؟
ـ الله قادر على كل شيء!
صمت الحاج محسن، وتنحنح، وأضاف بعد هنيهة:
ـ ... عشتُ في هذه القرية ستا وستين سنة لم يمس أحد طرفي بسوء.
ـ لا أفهم!
قال الأب وقد نفد صبره:
ـ متى ستكف عن مقابلة الأرملة نجوى؟
ـ أنا أريد أن أتزوجها على سنة الله ورسوله.
ـ وهل عدمت القريةُ الفتاةَ البكرَ حتى تتزوج هذه الأرملة؟
ـ وهل زواج الأرملة حرام يا أبي؟!!
ـ ليس حراماً .. لكن من المعتاد في القرية أن يتزوج الفتى بنتاً بكراً لم يسبق لها الزواج!
ـ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تروج خديجة ـ رضي الله عنها ـ وهي أرملة، وكانت زوجته الأولى!
ضحك الأب ساخراً:
ـ وفقيه أيضاً يا شيخ جابر؟
ـ أنا أرد فقط على ما تقوله!
سكت الأب هنيهة، ثم أضاف:
ـ وما الذي يؤخرك عن طلب الزواج منها .. مادمت مصمما على ذلك؟
لم يرد الابن، فقال الأب:
ـ أنت جاوزت السابعة والعشرين منذ شهرين .. فمتى تتزوّج يا بني؟! .. لقد تزوجتُ أمك وأنا في الثامنة عشرةَ.
ـ قريباً .. ربنا يسهل، وترضى أمي!
بصق الأب في منديله الذي طواه ووضعه في جيبه، وقال كالمعتذر:
ـ يا شيخ جابر .. أنت شاب متدين ومستقيم إن شاء الله، ولا شك في سلوكك؛ فأنت تخشى ربنا. وهي من أسرة محترمة .. لكن الفكرة غير مألوفة في قريتنا!
صمت جابر، ولم يُعلق.
خرجت الأم من الحجرة الملاصقة للصالة، تفرك عينيها في توتر، كأنها تُبعد عنهما آثار النوم:
ـ لن يتزوج جابر نجوى إلى يوم القيامة!
صرخ الحاج محسن:
ـ ماذا تقولين يا امرأة؟
ـ ابني لن يبدأ حياته الزوجية مع أرملة!، وإذا تزوجها فسأترك لكم البيت.. وأمشي في بلاد الله!
انسحب الأب.. وهو يقول بصوت خفيض:
ـ عمتي زين تزوجت وهي أرملة، وأنجبت أبناءها الثلاثة من زوجها الثاني! .. وهي عمتك أيضاً، فأنت ابنة عمي!
لم تعقب الأم!
تثاءب جابر ..
سأحزم أمتعة روحي وأذهب إلى بيت صديقي علي في القرية المُجاورة ..
سألتجئ إليه، حتى يرق هذا التمثال الحجري القديم.. الذي يعود إلى عصور حتشبسوت!
والذي يزعم دائماً أنه يحبني، ويحب الخير لي!!
أين أنا..؟‏!
في واقع حي يتغير كل يوم .. أم أنا في متحف متخلف من متاحف التاريخ؟!!
...
أبعد فكرة الذهاب إلى صديقه علي عن اختياراته ..
وانجرَّ كئيباً إلى حجرته .. مصمماً على مُعاودة الحوار مع أمه في أمر زواجه من نجوى .. بعد صلاة الفجر .. لعلَّ .. وعسى!

الرياض 3/11/2005م

مجدي محمود جعفر
13-11-2006, 10:48 PM
مشكلة اجتماعية متوارثة يعيد الدكتور حسين طرحها من خلال قصته ( أخت حتشبسوت ) ولماذا اختار حتشبسوت ؟ .. هل ليشير إلى قدم العادة الإجتماعية فقط أم أن هناك سر آخر وراء اختيار اسم حتسبشوت ، إن الأم وهي المعترضة بشدة على زواج ابنها وتهدد بترك البيت إذا تزوج من هذه الأرملة تمثل خط الدفاع المستميت عن العادة رغم أنه من الأولى أن تكون من أوائل من يحاربون هذه العادة ويستنكرونها لأنها في النهاية أنثى وكان من الممكن أن تصير هي الأرملة ، فكان من الأجدر بها أن تحث ابنها على الزواج من الأرملة الجميلة والصغيرة ولكنها لم تفعل بل أرغت وأزبدت ولوحت وهددت بترك البيت ! والشاب المتدين الذي جاوز السابعة والعشرين والحاصل على بكالوريوس التجارة ولم يعين بل يمارس أعمال الفلاحة لم يجد صعوبة في اقناع والدة عندما نوقش الأمر من نظور عقلي وديني أيضا ، هل القصة تشير إلى أن المرأة هي أكثر تمسكا بالعادات والتقاليد حتى لو كانت عادات بالية وتقاليد خاطئة ؟ هل القصة تشير إلى أن العادات والتقاليد أحيانا تكون لها الغلبة والسطوة أكثر من الدين ذاته ؟ هل القصة تشير إلى أن بعض النساء مازلن ناقصات عقل ودين حيث أن المرأة / الأم لم تستجب لنداء العقل ولا لحكم الشرع والدين ؟ ويظل لموقف الشاب المتدين اعتباره حيث تراجع عن فكرة الهروب عند زميله وأصر على محاولة إقناع أمه بالحسنى ولم يعدم الأمل وهو الإبن البار والشاب المتدين العارف لدينه المعرفة الحقة ، إنها دعوة إلى إعادة النظر في عاداتنا وتقاليدنا وتحريرها ومواجهتها بما لا يخالف ديننا الحنيف ، إنها دعوة إلى ضرورة نبذ كل ما يخالف شريعتنا السماوية المقدسة وتقديم كل ما نادى به الدين ، شكرا للدكتور حسين ومزيدا من تشريح أمراضنا الإجتماعية المستوطنة منذ أيام حتشبسوت وما قبلها !

د. حسين علي محمد
13-11-2006, 11:28 PM
شكراً للقاص الكبير الأستاذ مجدي محمود جعفر على هذه القراءة الجميلة. لك أحرُّ تحياتي أيها الصديق العزيز. ولقد تأجل لقاؤنا ـ أنا ود. صابر ـ في الأحساء أسبوعاً، حتى نستمتع بمحاضرة أستاذنا الكبير الدكتور عبد القدوس أبي صالح رئيس رابطة الأدب الإسلامي عن تجربته الأدبية غداً.
تحياتي وموداتي حتى ألقاك في إجازة عيد الأضحى.

آمال المصري
11-09-2015, 03:04 PM
عادات موروثة تالدة بائدة رغم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوج ببكر سوى عائشة رضي الله عنها
بلغة طيعة وسرد سلس ماتع كانت واحدة من مشكلات المجتمع
رحم الله شاعرنا الكبير د. حسين علي محمد وجعل ماتركه من حرف وفكر في ميزان حسناته