تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : اسم في ذاكرة التراب والوطن



مأمون احمد مصطفى
15-11-2006, 07:08 PM
رجاء أبو عماشة
اسم في ذاكرة التراب والوطن


في قرية " سلمة " بالقرب من يافا، ارض البحر الممتد من خاصرة الوقت والزمن، لخاصرة النصر والشهادة، في تلك القرية العابقة بروائح الحنون والزعتر، انبثقت نجمة أضاءت الكون وأرهقت الشمس، نجمة غطت أفاق الأرض والبحر، وانتشرت في عروق البرتقال والزيتون، نجمة كانت على موعد مع النور والضياء، في تلك القرية الوادعة الرائعة، ولدت رجاء أبو عماشة، لتكون أول شهيدة فلسطينية، وأول الروائح المضمخة للتاريخ النضالي والجهادي.

يحكي الناس عن ميلادها، وميلاد الأبطال يوسم دائما بروائع القصص والأخبار، فهو ميلاد غير عادي، يمر بمخاض غير عادي، ليشق الجنين حجب الظلمات بطريقة غير معهودة، يحكى انه في ذات الليلة التي كان المخاض يصارع لحظاته الأخيرة من اجل ميلاد رجاء، تدلت من السماء إشعاعات شديدة الوهج، قوية النور، بهية الألوان، رائعة الانتشار، ومن بين تلك الإشعاعات كانت تمر مخلوقات كونية بيضاء، تشد خيوط الضياء نحو الأرض، وتمعن في تثبيت النور نحو يافا، لتكدسه في قرية صغيرة مغمورة تدعى " سلمة "، وحين استطاعت تلك المخلوقات الكونية أن تحزم نور الأرض حزمة واحدة نحو بيت تصارع فيه الأم آلام المخاض، جاءت رجاء ملفعة بنور السماء الوهاج.

وتكبر رجاء، لتجد نفسها وأهلها تحت وطأة استعمار لا يرحم، فتبدأ بتحسس الأرض والزهر، تبدأ بمحادثة البراعم والعصافير، فتعرف كيف يكون العذاب، وتعرف معنى وجع الغصن الساكن في أعماق الطيور المرتحلة من غصن في سلمة إلى غصن في حيفا، تنفتح مساماتها أمام دموع الأمهات والآباء، وينفطر قلبها حين ترى حمائم الوطن مرهونة في أفق محدود بالسواد.

وهجرت كما هجر أهل قريتها، تركت مكان الميلاد مفتوحا إلى أمد غير محدود، وذاقت كغيرها مرارة الترحال من موطىء القدم ومسقط الرأس، إلى مخيمات اللجوء والعذاب، فأضحت كما أضحى الكثير رقما من أرقام أمم متحدة من اجل تدميرنا وتهجيرنا وصلبنا على لوائح قوانينها العقيمة، وأقامت مع أهلها على حدود الأرض، أقامت في أريحا، حيث لا زهر ولا برتقال ولا حنون.

ولكنها أحبت أريحا، بنفس القدر الذي أحبت فيه قريتها، فهذه رقعة من الوطن كما تلك رقعة من الوطن، وهذه مرفأ القلب والفؤاد كما كانت سلمة مرفأ الطفولة والميلاد.

هناك، في أريحا، أدركت رجاء فداحة الرزء، وأيقنت أنها تحمل بين جنباتها عذابات المشردين والمهجرين، فارتفعت قامتها، وعرضت جبهتها، وتحركت حزمة النور المخزونة بداخلها منذ يوم الميلاد، فانطلقت كشعاع من نور تكافح وتنافح، وحلم العودة إلى سلمة، إلى موطن النور والألق يراود نفسها الصاخبة الضاجة بالنشاط والحيوية، فالتحقت بالعمل النضالي، وعرفت بين رفاقها مناضلة تزخر بالجرأة والإقدام، تفيض بالصلابة والمتانة، فكانت من مؤسسي اتحاد طلبة فلسطين في عام 1955.

وتنقلت من موقع نضالي إلى موقع جهادي، دون كلل أو ملل، فكانت كالوقود للحركة الطلابية والحركة الشعبية، حتى عرف الناس اسمها في زمن يعز فيه معرفة اسم أنثى، وكانت على موعد دائم مع حزمة ضياء ميلادها، تلك الحزمة التي رفضت العودة للسماء بدون رجاء.

وعلى اثر حلف بغداد، عمت المظاهرات والمسيرات مدن وقرى ومخيمات فلسطين، فسقطت رجاء شهيدة، سقطت وهي تحاول بكل عزمها وإصرارها إنزال العلم البريطاني عن السفارة البريطانية في القدس لترفع مكانه علم الأرض والتراب، علم فلسطين، سقطت بعد أن مزق رصاص الغدر جسدها الرائع المطرز بياسمين الأرض وحبق التراب، سقطت وفرح الشهادة يرقص على أساريرها الوضاءة، سقطت وعينيها تتجهان نحو كروم سلمة وشقائقها.

غادرت رجاء بجسدها، فارتفع صوت الحق والنضال " رجاء استشهدت، لكننا سنكون بمثل عطاءها "، وانتشرت هذه المقولة انتشار الرؤى في الروح بين طلبة المدارس والجامعات، بين الفلاحين والعمال، بين الأغنياء والفقراء، وخرج الآلاف يودعون أول شهيدة في فلسطين.

هناك، وعلى سفح ربوة من روابي فلسطين، دفنت رجاء، ويحكي الناس أنهم وقت الدفن شاهدوا حزمة من ضياء خلاب تدخل القبر لتخرج في الليالي لتظلل التراب الندى بطلل نسائم الوطن.

خميلة منسية أنت يا رجاء، غدير يمنح الحياة للوجود دون أن يأبه للثمن، فيض من الذكرى في ملامح الوطن، نبض من البراءة والشموخ في عروق الزيتون والصنوبر، هديل يغنيه الحمام، وصداحا تردده العنادل، وغناء تسكبه البلابل، نرجسة بيضاء وسط جبال فلسطين الأبية الخشنة، وطريق معبد لكل من يذكر اسمك فيقرأ على روحك الطاهرة المنيرة، قول الخالق جل شانه:

" إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ "111

صدق الله العظيم


مأمون احمد مصطفى
فلسطين- مخيم طول كرم
النرويج-23-05- 2006

يسرى علي آل فنه
15-11-2006, 08:50 PM
خميلة منسية أنت يا رجاء، غدير يمنح الحياة للوجود دون أن يأبه للثمن، فيض من الذكرى في ملامح الوطن، نبض من البراءة والشموخ في عروق الزيتون والصنوبر، هديل يغنيه الحمام، وصداحا تردده العنادل، وغناء تسكبه البلابل، نرجسة بيضاء وسط جبال فلسطين الأبية الخشنة، وطريق معبد لكل من يذكر اسمك فيقرأ على روحك الطاهرة المنيرة، قول الخالق جل شانه:" إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ "111

صدق الله العظيم

*******

أخي الكريم مأمون أحمد مصطفى

لاأدري هل بكيتُ هنا حزناً على واقع حال أم فرحاً لأجل رجاء تشريف الله تعالى لها بالشهادة رحمها الله تعالى وأكرمها وكل الشهداء بما أعد لهم من عظيم رحمته و ثوابه

ماكتبته أيها الرائع كلماتٌ من ذهب جمالاً وجلالاً

تقبل عميق اعجابي وتقديري:0014:

وفاء شوكت خضر
15-11-2006, 11:01 PM
حين أقرأ لمأمون أحمد مصطفى ..

تصبح كل الكلمات عقيمة ..

فقط أعلن مروري ، وأخرج على استيحاء من فيض كلماتك .

بارك الله بك ، وبورك قلمك .

لك المودة والإحترام .

سحر الليالي
15-11-2006, 11:31 PM
أستاذي العزيز مأمون:

قلمك يكتب حروف من ذهب

لله درك..

تقبل خالص إحترامي وتقديري وباقة ورد

جوتيار تمر
16-11-2006, 08:20 AM
مأمون..

استعادة العظماء...
لايقوم بذلك الا من يملك نفس ابية..

دمت بخير ايها الرائع

محبتي لك
جويتار

عدنان أحمد البحيصي
16-11-2006, 10:33 AM
الأستاذ الكريم الكبير مأمون

أخي

أقشعر بدني وأنا أقرأ سيرتها من الميلاد للإستشهاد، فحياتها توحد غريب مع الأرض المنسية هناك في يافا وهي إمتداد للمعاناة الإنسانية الكامنة في نفس كل فلسطيني

أيها الحبيب الكريم

أسمح لي بنسخ هذه السيرة العطرة باسمك الكريم إلى مشروع الواحة الضخم مجاهيل

بارك الله فيك

حمزة محمد الهندي
16-11-2006, 12:02 PM
مأمون أيها البهي..

أنه اسم عظيم في تراب عظيم ... يستنشق الوهج من فوهة التراب ترابها..

مأمون..

لنكن سائرين نحخن أيضا نحو الشهادة.... ولتكن أمنيتنا شهادة في بلاد الرباط.. بلاد الرافدين .. بلاد الأرز..

كن بخير أخي

احترامي القدير لكَ
حمزة

مأمون احمد مصطفى
16-11-2006, 05:34 PM
لاخت الكريمه يسرى:-

رجاء حققت رجاءها ورجاء نفسها في الصعود الى عليين، لكننا نحن من يستحق ان يبكى علينا.

مع المودة.

محمد عصام
16-11-2006, 05:36 PM
بحق استطيع ان اقول ...............
عظيمة.
تحياتى أخى الفاضل.

مأمون احمد مصطفى
16-11-2006, 05:37 PM
الاخت الكريمة وفاء:-

اشعر بالفخر وكل الفخر حين تلامس رؤياك حروفي، تحية محملة بروح رجاء ووفاء ادريس وايمان الاخرس ، وكل من سار على دربهن.

نسوة تصنع البطولة والكرامة في زمن تعز فيه رجولة الرجال.

هن اخواتي
بل امهاتي
بل هن فوق كل ما اعرف.

مع خالص المودة

أسماء حرمة الله
16-11-2006, 08:15 PM
سلام اللـه عليك ورحمته وبركاته

تحيـة مكتوبة بماء الزهـر


الأديب مأمون أحمد مصطفـى،

نصٌّ مكتوب بالحنون وأنفاس أريحـا..
بكيتُ فرحاً لصعود روحها الطاهرة إلى لقاء ربّها، وحزناً على وطنٍ مازالَ وجعُـه يمزّقُنـا.. ولن ينضبَ هذا الوجعُ حتّى يعودَ للوطن تاجُ حريّـتـه، حتّى يستعيدَ فرحتَه التي شحبتْ ..أرى ذلك قريباً بإذن أرحم الراحميـن، فرحمتُه وسعتْ كلّ شيء ..

الشهيدة ليستْ " خميلة منسية "، بل نبضاً يسكن القلوبَ، محفوراً بقلب الأرض وعينيْها، مغرورقاً بدموعها ودموع الأمّـة العربية فرداً فرداً وقلباً قلباً ..

رحمها ربّي ورحم شهداءنا جميعاً ..


--------
عمت المظاهرات والمسيرات مدن = مدناً
وعينيها تتجهان = وعيناها
بمثل عطاءها = عطائها


باركَ بكَ ربّي وبحرفكَ وإبائك
تقبّل خالصَ تقديري وإكباري :0014:
وألف طاقة من الورد والندى

عشتار
16-11-2006, 08:30 PM
تحيةً لك ِ أيتها الجميلة رجاء .. يا جسداً يعبق بياسمين الأرض وحبق الترب ..

تحية لك يا مصطفى
و لقلمك الذي أجج في نفسي الوجع والألم وفي الوقت ذاته القوة ..

دمت بخير

مأمون احمد مصطفى
17-11-2006, 01:17 AM
الاخت الكريمة سحر:-

مروركم على روح رجاء يمنحني قوة بان روحها لا زالت ترفرف فوق دحنون سلمة

مع التقدير والشكر.

مأمون احمد مصطفى
17-11-2006, 01:18 AM
جوتيار العزيز:-

نستعيد عظمتهم كي نشعر باننا نملك شيئا يستحق ان نباهي به.

سعيد بوجودك

مأمون احمد مصطفى
17-11-2006, 06:23 PM
الاخ الكربم عدنان:-

فخر لي ان تنسخ في مشروع الواحة، وشكرا لهذه اللفتة النبيلة

مأمون احمد مصطفى
17-11-2006, 06:25 PM
د عصام:-

الروعة تاتي من عيون رجاء، رجاء السعب والتاريخ.

شكرا لمرورك الكريم

مأمون احمد مصطفى
17-11-2006, 06:29 PM
الاخت الكريمة اسماء:-

"بكيتُ فرحاً لصعود روحها الطاهرة إلى لقاء ربّها، وحزناً على وطنٍ مازالَ وجعُـه يمزّقُنـا.. ولن ينضبَ هذا الوجعُ حتّى يعودَ للوطن تاجُ حريّـتـه، حتّى يستعيدَ فرحتَه التي شحبتْ ..أرى ذلك قريباً بإذن أرحم الراحميـن، فرحمتُه وسعتْ كلّ شيء .."

أغبطك على قدرتك مزج الألم مع الامل.


مع المودة

عماد عنانى على
17-11-2006, 06:59 PM
القلم الذى يكتب قصة بصدق
تحوى بطولات قد نسينا ملامحها
هو القلم الذي يتألق هنا
بين أقلام رائعة تعبر عن صدقها كقلمك
شكراً جزيلاً لك على نزفك
الذى وصلت معه لآخر قطرة

دمت بود

مأمون احمد مصطفى
17-11-2006, 11:20 PM
الاخ الكريم عشتار:-

لتلك المرأة الام والوطن، نغني.

مع خالص المودة

مأمون احمد مصطفى
18-11-2006, 02:44 PM
الاخ الكريم عماد:-

اشكر لك هذه الخفقة الكريمة.

مع كل المودة