محمد المختار زادني
18-11-2006, 04:27 PM
وجدت أيادي الضيم تنتظر وصولي بعربة القطار آن صعودي، وأي صعود هو؟ كان انحدارا واستسلاما لمرارات ملها القلب وبات يضيق الصدر من ذكرها، وتندى الجفون من وخز أشواكها المدفونة بين ثنايا المحاجر.
عمدتُ لقارئ الملفات الصوتية أستذر رقاقته مما عليها من نغمات العود المسجلة منذ أيام ففاحت نسمة بنغمة الصبا؛ هزت مني باقي الحنايا ونكأت الجرح الباسم الساخر من ألمي منذ أحزان، وتمازج وهم الروح بشقاء الجسد الذائب في مدى الأيام ... ثمانية وتسعون ! بتت أكره هذا الرقم وما أشقى من يكره الأشكال المنسابة صورها كل حين أمام عينيه وفي كل خلايا دماغه! ذكرت ما قاله ابني عادل بالأمس حين كان يزودني بقطع من المسك، إذ طلبت منها اثنتين كي لا أشق عليه ، فذكّرني بسنة الوتر حينها مبتسما قبل أن ينحو صوب الإصرار على إهدائي عدة مجلدات من نفائس ما خطته أقلام أهل الذكر. أجل؛ ليت الثماني والتسعين تؤول إلى الخمس والستين ... ولكني لست نصرانيا ولا يهوديا ولا مجوسيا ولا هندوسيا كي يحق لي ما يحق لأهل تلك الملل، مثلما لست من تلك البلدان التي يراها غيري بقعا من جنة الدنيا .
آه لو استطعت فهم السبب الذي يجعل الدوائر الحكومية ببلداننا من المحيط إلى الخليج يكرّم وتحترم ألوان جوازات السفر الغربية، وتمنح حامليها أجزل العطايا وإن كانوا طبولا فارغة مخرقة! يتذرعون بمستويات المعيشة المرتفعة وبالغلاء في تلك الجنات المزعومة... أولست من بلد حوى كل سمات الجمال مع سمة الغلاء المتصارخ تحت وطأة غلاء التبر الأدهم؛ زيت فراعنة هذا الزمن؟
ويقرع سمعي هذا الشطر:« وإذا بي قد خلت منك يميني...»
أجل؛ يميني خلت من كل جمالك ياأم الربيع وأنت تعانق بحرارة عرض المحيط، تنساب مياهك العذبة ممزوجة بأطياف الحب النقي تحيي ضريح عائشة وغابة الحوزية الغناء وهي تحكي سمفونية الرحلة من قنة الأطلس حتى المصب الحالم ببنات الحور تمرح في الضياء أوان الأصيل...خلت يميني من اخضرار بساطك ياسهول دكالة وروابي الغرب وقصور سجلماسة وتلال البوادي المتثائبة تحت سنا إشراقة هذا الصباح! وأي عشق متجدد أحمل لك يامروج بلادي ! لم تشبع أحداقي من لون تربة "التيرس" ولا شبعت أذني من صوت الحق يرفع بمآذن آزمور والجديدة والعدوتين ولا من هتاف الصبية وهم يمرحون بساحة مدرسة المنار تتناهى نداآتهم إلى فراش علتي بغرفتي المطلة على تلك الساحة ...
آه يا وطني؛ لو استطعت كشف اللغز المحير، لهان علي ذوبان معهجتي في كأس الحروف المتدافعة في شريط تتداعى صوره على خشبة مسرح الذكريات الجميلة الباكية من ضيم الفرقة، تحكي سر الحنين، وتنقش على أديم ذاتي العليلة سطرا جديدا من مأساة الشعراء وهم يمضغون صِبْرَ المعاناة على موائد واقع يقتات من حياء الشرفاء ودموع البؤساء وسأم النفوس العائفة شحم الخطايا .
يا وطني! أنت مشرف على انبلاج صبح الإصلاح، وإن ذاك ليبعث في روحي إشراقة الأمل بقدرما يحقن في عروقي ألم الحسرة لحرماني من شرف توزيع ما أعددت من كؤوس البسمات على الأبطال من جنود الخفاء أولي الضمائر الحية والعقول النيرة والهمم العالية حين يعودون أوان كل أصيل بجباه يبرق من عاليها الجد والحزم والإباء ويهتفون بحناجر ظامئة للرحيق المختوم، تتوق ثناياها لحلاوة الذكر الحكيم يتلى أوان كل إياب من جبهة الإصلاح، حيث الكلمة الطيبة تُسَخّر وأعمال المخلصين لمحو عفن الغش والفساد من على جبينك يا وطني...
سأغادر !
سأغادر؛ سأسلم جسدي للثماني والتسعين هذه المرة على أمل أن اعود إليك لأرتشف ما تبقى لي من نور الحياة بين مروجك وسهولك وجبالك وغاباتك وشطآنك . لأنعم بترانيم الأناشيد الطفولية وبغنة الترتيل وصفير الرياح حين تداعب رؤوس السنابل، وهديل الحمائم وشدو العنادل... وسأُسْمِع أهلي عبر الأثير من ألحان الفرسان لونا جديدا وأعصر من أوراق السرو ترياقا يشفي صدور أحبابي ويبرئ لهبات الحنين لدى كل غريب...
عمدتُ لقارئ الملفات الصوتية أستذر رقاقته مما عليها من نغمات العود المسجلة منذ أيام ففاحت نسمة بنغمة الصبا؛ هزت مني باقي الحنايا ونكأت الجرح الباسم الساخر من ألمي منذ أحزان، وتمازج وهم الروح بشقاء الجسد الذائب في مدى الأيام ... ثمانية وتسعون ! بتت أكره هذا الرقم وما أشقى من يكره الأشكال المنسابة صورها كل حين أمام عينيه وفي كل خلايا دماغه! ذكرت ما قاله ابني عادل بالأمس حين كان يزودني بقطع من المسك، إذ طلبت منها اثنتين كي لا أشق عليه ، فذكّرني بسنة الوتر حينها مبتسما قبل أن ينحو صوب الإصرار على إهدائي عدة مجلدات من نفائس ما خطته أقلام أهل الذكر. أجل؛ ليت الثماني والتسعين تؤول إلى الخمس والستين ... ولكني لست نصرانيا ولا يهوديا ولا مجوسيا ولا هندوسيا كي يحق لي ما يحق لأهل تلك الملل، مثلما لست من تلك البلدان التي يراها غيري بقعا من جنة الدنيا .
آه لو استطعت فهم السبب الذي يجعل الدوائر الحكومية ببلداننا من المحيط إلى الخليج يكرّم وتحترم ألوان جوازات السفر الغربية، وتمنح حامليها أجزل العطايا وإن كانوا طبولا فارغة مخرقة! يتذرعون بمستويات المعيشة المرتفعة وبالغلاء في تلك الجنات المزعومة... أولست من بلد حوى كل سمات الجمال مع سمة الغلاء المتصارخ تحت وطأة غلاء التبر الأدهم؛ زيت فراعنة هذا الزمن؟
ويقرع سمعي هذا الشطر:« وإذا بي قد خلت منك يميني...»
أجل؛ يميني خلت من كل جمالك ياأم الربيع وأنت تعانق بحرارة عرض المحيط، تنساب مياهك العذبة ممزوجة بأطياف الحب النقي تحيي ضريح عائشة وغابة الحوزية الغناء وهي تحكي سمفونية الرحلة من قنة الأطلس حتى المصب الحالم ببنات الحور تمرح في الضياء أوان الأصيل...خلت يميني من اخضرار بساطك ياسهول دكالة وروابي الغرب وقصور سجلماسة وتلال البوادي المتثائبة تحت سنا إشراقة هذا الصباح! وأي عشق متجدد أحمل لك يامروج بلادي ! لم تشبع أحداقي من لون تربة "التيرس" ولا شبعت أذني من صوت الحق يرفع بمآذن آزمور والجديدة والعدوتين ولا من هتاف الصبية وهم يمرحون بساحة مدرسة المنار تتناهى نداآتهم إلى فراش علتي بغرفتي المطلة على تلك الساحة ...
آه يا وطني؛ لو استطعت كشف اللغز المحير، لهان علي ذوبان معهجتي في كأس الحروف المتدافعة في شريط تتداعى صوره على خشبة مسرح الذكريات الجميلة الباكية من ضيم الفرقة، تحكي سر الحنين، وتنقش على أديم ذاتي العليلة سطرا جديدا من مأساة الشعراء وهم يمضغون صِبْرَ المعاناة على موائد واقع يقتات من حياء الشرفاء ودموع البؤساء وسأم النفوس العائفة شحم الخطايا .
يا وطني! أنت مشرف على انبلاج صبح الإصلاح، وإن ذاك ليبعث في روحي إشراقة الأمل بقدرما يحقن في عروقي ألم الحسرة لحرماني من شرف توزيع ما أعددت من كؤوس البسمات على الأبطال من جنود الخفاء أولي الضمائر الحية والعقول النيرة والهمم العالية حين يعودون أوان كل أصيل بجباه يبرق من عاليها الجد والحزم والإباء ويهتفون بحناجر ظامئة للرحيق المختوم، تتوق ثناياها لحلاوة الذكر الحكيم يتلى أوان كل إياب من جبهة الإصلاح، حيث الكلمة الطيبة تُسَخّر وأعمال المخلصين لمحو عفن الغش والفساد من على جبينك يا وطني...
سأغادر !
سأغادر؛ سأسلم جسدي للثماني والتسعين هذه المرة على أمل أن اعود إليك لأرتشف ما تبقى لي من نور الحياة بين مروجك وسهولك وجبالك وغاباتك وشطآنك . لأنعم بترانيم الأناشيد الطفولية وبغنة الترتيل وصفير الرياح حين تداعب رؤوس السنابل، وهديل الحمائم وشدو العنادل... وسأُسْمِع أهلي عبر الأثير من ألحان الفرسان لونا جديدا وأعصر من أوراق السرو ترياقا يشفي صدور أحبابي ويبرئ لهبات الحنين لدى كل غريب...