المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كيس اللحم والفاكهة



الشربينى خطاب
19-11-2006, 12:56 AM
كيس اللحم والفاكهة
:008:
انتصفت الشمس في كبد السماء وأعلنت عن غضبها ، أرسلت لهيبها الحارق علي خلق الله بالعدل ، سال العرق علي وجه " كمونه " وهو عائد ، صعد إلي الأتوبيس جفف عرقه ثم جلس بجوار فتي ـ رأسه مدفونة في كتابه المدرسي ـ اعتدل في جلسته ووضع كيس اللحم والفاكهة ـ مطلب زوجته ـ علي ركبتيه ، بينما كان يمني نفسه بسهرة حمراء ، وإذا برجل عيناه تقدح شراراً أشد من شمس الصيف الحارقة ، أزاحه عن موضعه وجلس بينه وبين الفتي ، اعتري " كمونة " ثورة غضب ، هم بتعنيفه والشجار معه ، لكن هيئة الرجل المخيفة ووقاحته جعلته عاجز عن المواجهه فابتلع غضبه وسكت 00!!
، أخرج نقوده ليستمد منها قوة وسلطان يرهب بها هذا المغتصب ، أحصاها علي مهل ، ورقتان من فئة عشرون جنيهاً وثلاث ورقات من فئة عشر ة جنيهات ،و بعض وريقات من فئات صغيرة أحتفظ بها في يده ليدفع منها أحرة السفر ثم أعاد نقوده إلي جيب سرواله الداخلي ، انتابه شعور بالرضي والانشراح عندما لمح عين جاره اللدود تتابع بحسرة رحلة النقود 0
أدار السائق محرك الباص ، فتصاعد دخان كثيف امتزج بعرق الركاب ، حبسوا أنفاسهم صامتين ثم تنفسوا الصعداء بعدما تحرك الأتوبيس
عاد الركاب للثرثرة من جديد ،وعاد " كمُّونة " يداعب أحلام ليلته الوردية ، بين الحين والحين ، يعلو صوت المحصل ، يحث المسافرون علي دفع الأجرة
: تذاكر 00 تذاكر يا حضرات
قبل أن يصل " الكمساري " إلي المقعد المحتل صرخ الرجل المغتصب
: فلوسي انسرقت يا عالم
سارع الركاب للاطمئنان علي ما في جيوبهم أولاً ، بعد أن هدأت حركتهم قال مسافر
: فتش جيوبك كويس يمكن تلاقيهم
صعد الرجل المسروق علي مقعده واخذ يخلع ملابسه مبتدأً بمعطفه "الكاكي " يعبث بملابسه ويفتش في جيوبه الخاوية ثم ينظر ‘لي الركاب مستعطفاً
: أهو 00 مش لاقيهم 00!!
سأله المحصل
: قد إيه الفلوس اللِّي راحت
: ورقتين بعشرين وتلات ورقات عشرات
ارتبك " كمَُّونة " بعد أن فطن للفخ الذي ينصبه له جاره اللدود ليستولي علي نقوده
صوت قادم من وسط السيارة : فتشوا الناس اللِّي جنبه
تطوع مسافر بإجراء عملية التفتيش مبتدأً بالفتي ، لم يجد معه إلا بطاقة سفره المجانية ، وعندما هم بتفتيش "كمُّونة "
انتابته ثورة عارمة ورفض الامتثال لعملية التفتيش صارخاً
: هي الفلوس بتتشابه يا عالم 000!!؟
صاح المحصل : علي قسم البوليس يا اسطي 00
دخل المتهم دار الشرطة وسط جمع غفير من الركاب والجماهير، يتوسطهم المدعي ، يعلواعلي ملامحه لذة المنتصر ، يداعب الجنود وشاويش الحرس ، تنطلق الضحكات الساخرة وتهتز الجدران ، خرج المأمور من مكتبه يستطلع الأمر
: إيه الحكاية يا شاويش 00؟
انبري المدعي صائحاً : سرق فلوسي يا فندم
وأشار ناحية المتهم ، توجه ناحيته المأمور فحصه بنظرة عابرة ـ الوجه به أثار ندوب واحد عينيه بها حولْ ـ ثم استجمع خبرته في علم الإجرام والمجرمين وأصدر حكمه عليه دون أن يسأله سؤالاًً واحداً
: باين عليك حرامي قراري وخريِّج سجون 00 اعترف بالذوق أحسن لك
رد" كمُّونه " بعفوية وسجية منطلقة دون أن يفكر فيما يقول أو يحسب حساب العواقب
: وانت باين عليك أعمي ما بتشوفش " وأشار إلي علامة الصلاة التي تعلو جبهته
صفعة من طراز " فانتوم " هوت علي قفاه ، دكت حصونه المنيعة ثم أعقبها غارة عشوائية بكافة أنواع اللكم والضرب بالأرجل والهراوات وقذائف اللسان التي تخدش الحياء ، بعد أن تعبت القوة من شن تلك الغارة ، أخذت وقتاً للراحة ، تركوا " كمونة " كوم لحم مهروس ، فيه بقية من حياة ،نظر إليه المأمور نظرة فرعونية ثم أصدر أوامره
: حطوهم في الحجز لحين العرض علي النيابة
دخل الخصمان السجن ، جلس المسكين القرفصاء ، تقوقع داخل قفصه الصدري ، انهارت حصون مقاومته ، ظن أنه قد أحيط به وأيقن أنه لا منجي له ولا خلاص من هذا الفخ إلا إذا استرحم هذا المحتال ، أخرج رأسه من شرنقة القهر وخاطب المغتصب باسترحام
: مش حرام عليك تبهدلني كده00؟
: راحتك في إيدك 00!!
: قول لي إزاي أبوس إيدك
: تعطيني الفلوس واتنازل عن المحضر
: ماحدش عمل محضر 00!!
: أنت حر
: يا رجل اتقي الله
: أنا قلت اللِّي عندي والباقي عليك
جلس " كمُّونة " صامتاً بعد الوقت ، أسند ظهره المحطم بجدار الزنزانة ، تنازعه هواجسه ، أيفقد ماله أم يفقد كرامته ، استجمع عافيته وبدأ التشاور مع عقله الداخلي يحاوره ويسأله المشورة ، النقود يمكن تعويضها أما جرح الكرامة لا يندمل ، اختار مجبراً صون كرامته
حرج من دار الشرطة مهرولاً ، غير مصدق أنه قد فاز من الغنيمة بالإياب
صعد إلي السيارة العائدة إلي بلدته مرة ثانية ،آثر الابتعاد عن زحام المسافرين ظل قابعاً بجوار باب" الباص "، يجتر همومه وأحداث اليوم الذي لن تنسي ، جمع شتات نفسه المبعثرة ، حمد الله أنه مازال يحتفظ بعشاء الليلة في كيس اللحم والفاكهة ، عاد يداعب أحلامه الحمراء ، سأل نفسه أيخبر زوجته بما حدث ؟ أم يحكي قصة اليوم لأصدقائه ، أم يختلق رواية يبرر بها فقد النقود ، أخرجه من دوامة الأفكار المحرجة 00 صرخة راكب قادمة من وسط السيارة 00
: إلحقوني يا ناس 00 فلوسي انسرقت 00!!
دون تفكير ، ألقي المعلم " كمُّونة " كيس اللحم والفاكهة خارج السيارة 00!!

حسام القاضي
19-11-2006, 01:31 AM
الأخ الفاضل الأديب / الشربيني خطاب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فاجأتني هذه المرة بقصة واقعية لذيذة (اسمح لي بهذا التعبير ) ؛ فقد استمتعت بها ، بالفعل لك أسلوبك الشيق المميز ، في أحيان كثيرة يؤخذ الانسان بشكله وملامحه لا بحقيقته وجوهره ، وهذا بعد خطير أجدت التعبير عنه..
أجدت التعبير عن الحالة النفسية للبطل ما بين تمنيه ليلة جميلة ، واستعداده لها ( باللحم والفاكهة ) ، وبين الصدمة التي تعرض لها على يد هذا المحتال الماكر ..
القصة بأكملها رائعة بدءً من العنوان الساخر الذي لا يعرف مغزاه إلا في نهاية القصة ، وحتى النهاية القوية والتي تعبر بصدق عن الحال وكأن الرجل يخشى تكرار نفس التجربة مرة أخرى ، فيتصرف بتلك العفوية خشية ان يتم اتهامه ثانية بسرقة ما يملك .
حقاً امتعتنا .
تقبل تقديري واحترامي .

وفاء شوكت خضر
19-11-2006, 02:21 AM
الأخ الفاضل الأديب / الشربيني خطاب ..

قصة رائعة بكل أحداثها ، شدتني بقوة ، وتركت أثرا على ملامحي ، هي ابتسامة لما أتت به النهاية .

هذا مروري الأول على صحائف إبداعك .
سأتابع بشغف ، وأنتظر جديدك بشوق .

لك التحية والود .

سعيد أبو نعسة
19-11-2006, 10:08 AM
أخي العزيز الشربيني خطاب
اهتمامك بالتفاصيل الدقيقة و رسم الشخصيات يؤهلك لكتابة الرواية أيضا
سرد مشوق يتابع الحدث لحظة بلحظة
دمت مبدعا

عدنان أحمد البحيصي
19-11-2006, 10:25 AM
رائعة أخي الحبيب


سررت بها جداً


بانتظار كل إبداع لك

نهير محمد عبد الله الشيخ
19-11-2006, 03:52 PM
قصة ممتعة اخى الشربينى
ذكرتنى بالأفلام الطبيعية ابيض وأسود
خفة وفتونة وجبن بطريقة ساخرة

اجدت الوصف بدقة لكل المشاهد وكأننا فى المخفر عن جد

اعجبنى العنوان المضلل وهو ما اتى بى هنا لقراءة القصة
فأذا به ما تبقى له من كرامة واموال وشجاعة ( على ورق )


بورك المداد

مجدي محمود جعفر
19-11-2006, 05:20 PM
قصة ممتعة وجذابة ومشوقة ، شكرا للقاص المقتدر وسعداء نحن قراء الواحة بهذا القلم الجميل

عبلة محمد زقزوق
19-11-2006, 05:55 PM
شكرا على طبع تلك الابتسامة التي أكتسبتها أثناء متابعتي بشغف قصتك الممتعة " كيس اللحم والفاكهة " .
ما أروعك
قصصي متمكن من أدوات القص
وشاعر مبدع
تقديري مع فائق الإحترام

الشربينى خطاب
20-11-2006, 02:05 PM
شكرا على طبع تلك الابتسامة التي أكتسبتها أثناء متابعتي بشغف قصتك الممتعة " كيس اللحم والفاكهة " .
ما أروعك
قصصي متمكن من أدوات القص
وشاعر مبدع
تقديري مع فائق الإحترام

الأستاذة الفاضلة / عبلة زقزوق :noc:
اشكرك علي هذه الكلمات الرقيقة وأوعدك بنشر الكثير منها
فلا تفوتك واحدة
خالص شكري وتقديري

الشربينى خطاب
20-08-2007, 06:35 AM
الأخ الفاضل الأديب / الشربيني خطاب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فاجأتني هذه المرة بقصة واقعية لذيذة (اسمح لي بهذا التعبير ) ؛ فقد استمتعت بها ، بالفعل لك أسلوبك الشيق المميز ، في أحيان كثيرة يؤخذ الانسان بشكله وملامحه لا بحقيقته وجوهره ، وهذا بعد خطير أجدت التعبير عنه..
أجدت التعبير عن الحالة النفسية للبطل ما بين تمنيه ليلة جميلة ، واستعداده لها ( باللحم والفاكهة ) ، وبين الصدمة التي تعرض لها على يد هذا المحتال الماكر ..
القصة بأكملها رائعة بدءً من العنوان الساخر الذي لا يعرف مغزاه إلا في نهاية القصة ، وحتى النهاية القوية والتي تعبر بصدق عن الحال وكأن الرجل يخشى تكرار نفس التجربة مرة أخرى ، فيتصرف بتلك العفوية خشية ان يتم اتهامه ثانية بسرقة ما يملك .
حقاً امتعتنا .
تقبل تقديري واحترامي .
الأستاذ الفاضل/ حسام القاضي
العفو والسماح
لقد وقعت في الخطأ مرتان الأولي عندما تخطيت في الرد كل الأحباب ورديت علي الداخلة الخيرة والخطأ الثاني توهمت أنني قد قمت بالرد علي كل المداخلات عندما أتصفح آخر رد بالقصة 00 الزهايمر يا صديقي
فقد بلغت من الكبر عتياً 000
أما عن القصة فهي كما تعلم " قصة الشخصية " ربما توازي الواقع ، او من الممكن حدوثها ، وقراتك الواعية للنص ينم عن دارس فن القص وخبرة وحنكة الحكاء الفطرية
خالص شكري وامتناني
مرة ثانية أطمع أن تقبل اعتزاري

جوتيار تمر
20-08-2007, 02:03 PM
الشربيني..الرائع دائما....
من لا يملك ناصية الحكي لا يمكن التطور في السرد..هذا ما اجده حطائية سردية.. اعجبتني بجملها الخبرية القصيرة التي تتساوق في تسارعها مع تسارع الحالة النفسية لبطل هذه القصة الرشيقة..فثمة باب موارب..حيرة تحوم في الجو..وحركية..وواصوات..وتباد ل احاديث..وتعالي اصوت وكاننا نعيش الواقع الحرفي للقصة منذ البداية للنهاية..وليس هنا اجمل من ان نسعتين بالموجود المعيشيي كمادة لقصصنا.

محبتي وتقديري
جوتيار

ناديه محمد الجابي
12-04-2017, 07:56 PM
بأسلوب سردي راقي متميز، وخفة ظل أسرت المتلقي ورسمت البسمة على الشفاة
استمتعنا بهذا القص الرائع الممتع ـ نسج لطيف، وحبكة مكثفة، وأسلوب مشوق
رحمة الله عليك أيها الأديب المبدع.
:008::008:

آمال المصري
17-05-2017, 01:07 AM
حرف ماتع وسرد شائق ونهاية تستدر البسمة
يرحلون عنا ويظل الحرف يذكرنا بهم
رحم الله من تحت الثرى ... ورحم أديبنا الفاضل