محمد سامي البوهي
19-11-2006, 10:26 PM
ستار لم يسدل بعد
(فتح الستار)
تدرج الضوء على سلم الظلام ، كاشفاً عن ركن يحتوي حديقة القصر ، تتكئ الملكة على أريكة متأرجحة ، ثلاث وصيفات شقراوات يقفن جوارها ، أبراج القصر الحجرية ترسم خلفية أفقية للمشهد ، مجموعة من الحراس يتداخلون ذاهباً ، وإياباً ، حرابهم اللامعة تتقاطع فوق الأسوار الملتفة ، أصوات مختلفة ، غير منتظمة ، تلقح الصمت الممتد ، يندفع أحد فرسان الجيش مخترقاً الطرف الأيمن من خشبة المسرح ، يترنح يميناً ، يساراً ، لبوسه الممزق ، وجهه المغبر ، غمده الفارغ ، رأسه المتكشف ، كل هذا ينبئ عن كارثه تركها خلفه ، واحد من حراس القصر يمنعه من الدخول ، يدفعه ، يقاومه ، يسقط نحو الداخل .
-الفارس : اتركني ... اتركني ... أريد الملكة في أمر هام .
بالطرف الآخر من خشبة المسرح ، ترفع الملكة رأسها في هدوء ، تقيم جسدها على الأريكة ، تحتوي الشجار بأسماعها ، تتساءل بكبرياء :
- الملكة : ما هذ ا الهرج الذي يخترق مجلسي أيتها الوصيفات ؟
- وصيفة : إنه يأتي من خارج القصر يا مولاتي ؟
- الملكة : نادي قائد الحرس أيتها الوصيفة .
- الوصيفة : سمعاً وطاعة يا مولاتي .
-
تغيب الوصيفة عن الأعين ، تتمتم الملكة بكلمات متعجرفه تكاد لا تصل إلى أسماع المتفرجين ، يظهر قائد الحرس بعد لحظات قلائل ، ينحني في خضوع :
- قائد الحرس : مولاتي؟
- الملكة : ويحك أيها القائد ، كيف تسمح لهذه الفوضى أن تسلل مسامعي ؟
- قائد الحرس : فارس من فرسان الجيش يريد اقتحام مجلسك يا مولاتي .
- الملكة : ماذا أتى به إلى هنا ؟!
- قائد الحرس : يقول بأنه يريدك في أمر هام .
- الملكة : أي أمر هذا يجعله يترك اقتحام صفوف الأعداء ، ويأتي لإقتحام مجالس النساء ؟!
- قائد الحرس : رفض أن يفصح عنه يا مولاتي .
- الملكة : أدخله كي نرى ما يخفيه .
- قائد الحرس : السمع والطاعة لمولاتي .
ينحني ، يغادر خشبة المسرح بظهره ، مكرراً انحنائه ، يقترب الصوت أكثر فأكثر ، يكشف المشهد عن قائد الحرس مرة أخرى ، مصطحباً الفارس ، تملص منه ، ارتمى تحت قدميها ....
الفارس : مولاتي ... استحلفك بالآلهة أن تغادري المملكة الآن .
- الملكة : انهض أيها المجنون ، ما الذي جعلك تترك صفوف الحرب ، تاتي تستحلفني ؟
- الفارس : لم نحارب يا مولاتي ... لم نحارب .
- الملكة : لم تحاربوا ؟ كيف ؟!
- الفارس : لقد أبيد الجيش عن آخره قبل أن يصل "هيلادس ".
نهضت الملكة من أريكتها ، غرست قدميها بأرض الحديقة ، ركلت رأس الفارس المفترشه أمامها .
- الملكة : أخرجوا هذا الغراب من هنا ... أخرجوه .
- الفارس : مولاتي ... لقد أبادنا "ديونيسيوس " بعاصفة اقتلعت رؤوس جنودنا من أجسادهم .
- الملكة : "ديونيسيوس"؟!
- الفارس : نعم يا مولاتي ، وقد أرسل معي رسالة لك .
- الملكة : "ديونيسيوس " إله السلم يرسل لي برسالة معك ؟!
- الفارس : نعم . تركني ، لم يقتلني لأحملها إليك ، وقال بانه يوماً ما سيرسل من يقتلك .
- الملكة : أين هي ؟ أرنيها ... هيا ..
- نهض ، فرد قامته ، نزعها من قلب الألم ، خلع سترته الممزقة ، أدار ظهره العاري ناحية وجه الملكة .
- قائد الحرس : أيها المعتوه . كيف تجرؤ ، وتدير وجهك عن جلالة الملكة ؟
- الفارس : هاهي يا مولاتي ، لقد خطها بأظافره على ظهري ، كي لا أتمكن من قراءتها .
- الملكة : .......................................
تململ ، نهض من مكانه ، انغلق المقعد المتحرك خلفه ، زاحم أقدام المتفرجين ، تحرر نحو الردهه التي تقسم الصفوف ، لم يعبأ بصوت الملكة المرتفع وراء أذنه ، غادر الظلمة ، جذب أنفاساً جديدة خارج القاعة ، أصابه نص المسرحية بصداع يطحن من رأسه ، بدت أمامه حلته العسكرية ، قارن بينها وبين حلة الفارس الإغريقي المهزوم ، تقلبت معدته ، شعر بغثيان ، أراد الهروب من صور الأبطال المضيئه التي تتصدر واجهة المسرح ، الملكة تناديه بأن يعود إلى صفوف المتفرجين ، لكن لا تتملكه القدره بأن يرى صورة للهزيمة ، حتى وإن كانت تجسد بمسرحية على خشبة المسرح ، استقرت معدته بعض الشئ ، أعرض عن فكرة التقئ ، أوقفه صبي بمقتبل العمر، مزق قميصه ؛ تعرى صدره الصغير ، بلغة لم يفهمها أمره بأن يصوب نحوه مسدسه، كأنه سأم الحياة التي تهرب من رصاص بنادقهم الغبية ، تحدث كثيراً ... لم يفهم ما يقول ، ظهر الفارس الإغريقي يحمل إليه بنفس الرسالة التي حملها لملكته على ظهره ، كانت هي ..هي نفس الرسالة ، التي حفرها رصاصهم على صدر هذا الصبي الصغير النابض بالموت ، أسطورة "ديونيسيوس" باتت ترتدي ثوباً للحقيقة ، تتجسد أمامه ، فتح باب سيارته ، يريد الهروب من كل شئ أمامه ، الفارس المهزوم ... الملكة ... المسرح .... الطفل الصغير ... التصفيق ، دس أذنيه وسط راحتيه ، ارتمى على المقعد ، أدار المحرك ، أوقد الأنوار ، تداخل مع الطريق المظلم ، قائده الفوضوي يلتصق بالزجاج الأمامي ،يحجب عنه الرؤية ، ينحرف عن الطريق ، يعود ،يهرب القائد، يغوص في أعماق الخليج العربي ، الملكة تقف على زجاجه الخلفي ، تناديه بأن يعود ، ينحرف عن الطريق ، يحاول الحفاظ على توازنه ، تختفي هناك على أبواب هورشيما ، الفارس يتعلق بالسقف ، يدوس المكباح ، يسقط أمامه ، يبكي داخل أعشاش فيتنام ، أوقف السيارة ، أمسك بحجر من أطراف الطريق ، هشم الزجاج الأمامي ، الخلفي ، السقف ، ترجل الطريق المظلم ، يراجع بعقله خرائط الحرب التي تنتظره بعد انقضاء أجازته ، يرى داخلها شرايينه ، احمرت الظلمة من حوله بلون دمائه ، عروق جسده تتشعب مع الخطوط ، يرى قلبه ، ينبض ... ينبض ... ينبض ... توقف ، أظلمت لوحة الخرائط في عقله ، انطفأت واجهة المسرح على صور الأبطال .... ولم يسدل الستار بعد .
محمد سامي البوهي
الكويت : 16/10/2006
(فتح الستار)
تدرج الضوء على سلم الظلام ، كاشفاً عن ركن يحتوي حديقة القصر ، تتكئ الملكة على أريكة متأرجحة ، ثلاث وصيفات شقراوات يقفن جوارها ، أبراج القصر الحجرية ترسم خلفية أفقية للمشهد ، مجموعة من الحراس يتداخلون ذاهباً ، وإياباً ، حرابهم اللامعة تتقاطع فوق الأسوار الملتفة ، أصوات مختلفة ، غير منتظمة ، تلقح الصمت الممتد ، يندفع أحد فرسان الجيش مخترقاً الطرف الأيمن من خشبة المسرح ، يترنح يميناً ، يساراً ، لبوسه الممزق ، وجهه المغبر ، غمده الفارغ ، رأسه المتكشف ، كل هذا ينبئ عن كارثه تركها خلفه ، واحد من حراس القصر يمنعه من الدخول ، يدفعه ، يقاومه ، يسقط نحو الداخل .
-الفارس : اتركني ... اتركني ... أريد الملكة في أمر هام .
بالطرف الآخر من خشبة المسرح ، ترفع الملكة رأسها في هدوء ، تقيم جسدها على الأريكة ، تحتوي الشجار بأسماعها ، تتساءل بكبرياء :
- الملكة : ما هذ ا الهرج الذي يخترق مجلسي أيتها الوصيفات ؟
- وصيفة : إنه يأتي من خارج القصر يا مولاتي ؟
- الملكة : نادي قائد الحرس أيتها الوصيفة .
- الوصيفة : سمعاً وطاعة يا مولاتي .
-
تغيب الوصيفة عن الأعين ، تتمتم الملكة بكلمات متعجرفه تكاد لا تصل إلى أسماع المتفرجين ، يظهر قائد الحرس بعد لحظات قلائل ، ينحني في خضوع :
- قائد الحرس : مولاتي؟
- الملكة : ويحك أيها القائد ، كيف تسمح لهذه الفوضى أن تسلل مسامعي ؟
- قائد الحرس : فارس من فرسان الجيش يريد اقتحام مجلسك يا مولاتي .
- الملكة : ماذا أتى به إلى هنا ؟!
- قائد الحرس : يقول بأنه يريدك في أمر هام .
- الملكة : أي أمر هذا يجعله يترك اقتحام صفوف الأعداء ، ويأتي لإقتحام مجالس النساء ؟!
- قائد الحرس : رفض أن يفصح عنه يا مولاتي .
- الملكة : أدخله كي نرى ما يخفيه .
- قائد الحرس : السمع والطاعة لمولاتي .
ينحني ، يغادر خشبة المسرح بظهره ، مكرراً انحنائه ، يقترب الصوت أكثر فأكثر ، يكشف المشهد عن قائد الحرس مرة أخرى ، مصطحباً الفارس ، تملص منه ، ارتمى تحت قدميها ....
الفارس : مولاتي ... استحلفك بالآلهة أن تغادري المملكة الآن .
- الملكة : انهض أيها المجنون ، ما الذي جعلك تترك صفوف الحرب ، تاتي تستحلفني ؟
- الفارس : لم نحارب يا مولاتي ... لم نحارب .
- الملكة : لم تحاربوا ؟ كيف ؟!
- الفارس : لقد أبيد الجيش عن آخره قبل أن يصل "هيلادس ".
نهضت الملكة من أريكتها ، غرست قدميها بأرض الحديقة ، ركلت رأس الفارس المفترشه أمامها .
- الملكة : أخرجوا هذا الغراب من هنا ... أخرجوه .
- الفارس : مولاتي ... لقد أبادنا "ديونيسيوس " بعاصفة اقتلعت رؤوس جنودنا من أجسادهم .
- الملكة : "ديونيسيوس"؟!
- الفارس : نعم يا مولاتي ، وقد أرسل معي رسالة لك .
- الملكة : "ديونيسيوس " إله السلم يرسل لي برسالة معك ؟!
- الفارس : نعم . تركني ، لم يقتلني لأحملها إليك ، وقال بانه يوماً ما سيرسل من يقتلك .
- الملكة : أين هي ؟ أرنيها ... هيا ..
- نهض ، فرد قامته ، نزعها من قلب الألم ، خلع سترته الممزقة ، أدار ظهره العاري ناحية وجه الملكة .
- قائد الحرس : أيها المعتوه . كيف تجرؤ ، وتدير وجهك عن جلالة الملكة ؟
- الفارس : هاهي يا مولاتي ، لقد خطها بأظافره على ظهري ، كي لا أتمكن من قراءتها .
- الملكة : .......................................
تململ ، نهض من مكانه ، انغلق المقعد المتحرك خلفه ، زاحم أقدام المتفرجين ، تحرر نحو الردهه التي تقسم الصفوف ، لم يعبأ بصوت الملكة المرتفع وراء أذنه ، غادر الظلمة ، جذب أنفاساً جديدة خارج القاعة ، أصابه نص المسرحية بصداع يطحن من رأسه ، بدت أمامه حلته العسكرية ، قارن بينها وبين حلة الفارس الإغريقي المهزوم ، تقلبت معدته ، شعر بغثيان ، أراد الهروب من صور الأبطال المضيئه التي تتصدر واجهة المسرح ، الملكة تناديه بأن يعود إلى صفوف المتفرجين ، لكن لا تتملكه القدره بأن يرى صورة للهزيمة ، حتى وإن كانت تجسد بمسرحية على خشبة المسرح ، استقرت معدته بعض الشئ ، أعرض عن فكرة التقئ ، أوقفه صبي بمقتبل العمر، مزق قميصه ؛ تعرى صدره الصغير ، بلغة لم يفهمها أمره بأن يصوب نحوه مسدسه، كأنه سأم الحياة التي تهرب من رصاص بنادقهم الغبية ، تحدث كثيراً ... لم يفهم ما يقول ، ظهر الفارس الإغريقي يحمل إليه بنفس الرسالة التي حملها لملكته على ظهره ، كانت هي ..هي نفس الرسالة ، التي حفرها رصاصهم على صدر هذا الصبي الصغير النابض بالموت ، أسطورة "ديونيسيوس" باتت ترتدي ثوباً للحقيقة ، تتجسد أمامه ، فتح باب سيارته ، يريد الهروب من كل شئ أمامه ، الفارس المهزوم ... الملكة ... المسرح .... الطفل الصغير ... التصفيق ، دس أذنيه وسط راحتيه ، ارتمى على المقعد ، أدار المحرك ، أوقد الأنوار ، تداخل مع الطريق المظلم ، قائده الفوضوي يلتصق بالزجاج الأمامي ،يحجب عنه الرؤية ، ينحرف عن الطريق ، يعود ،يهرب القائد، يغوص في أعماق الخليج العربي ، الملكة تقف على زجاجه الخلفي ، تناديه بأن يعود ، ينحرف عن الطريق ، يحاول الحفاظ على توازنه ، تختفي هناك على أبواب هورشيما ، الفارس يتعلق بالسقف ، يدوس المكباح ، يسقط أمامه ، يبكي داخل أعشاش فيتنام ، أوقف السيارة ، أمسك بحجر من أطراف الطريق ، هشم الزجاج الأمامي ، الخلفي ، السقف ، ترجل الطريق المظلم ، يراجع بعقله خرائط الحرب التي تنتظره بعد انقضاء أجازته ، يرى داخلها شرايينه ، احمرت الظلمة من حوله بلون دمائه ، عروق جسده تتشعب مع الخطوط ، يرى قلبه ، ينبض ... ينبض ... ينبض ... توقف ، أظلمت لوحة الخرائط في عقله ، انطفأت واجهة المسرح على صور الأبطال .... ولم يسدل الستار بعد .
محمد سامي البوهي
الكويت : 16/10/2006