المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قل لأمي



عمر علوي
21-11-2006, 05:54 PM
:noc: صديقي ،
و أنت تستيقظ من نومك في الصباح و تخلع ملابس النوم لترتدي ملابس العمل أو ملابس التنزه، و تجلس إلى مائدة الطعام لتناول فطور الصباح، ثم تفتح الباب لتذهب إلى عملك إو إلى المنتزه، تجد الحياة في استقبالك دافئة، تطبع على جبهة طريقك قبلة الحظ السعيد، قتوزع المجاملات و البسمات هنا و هناك، و تستقبل مثلها، ثم تسأل هذا عن حاله و يسألك ذاك عن الصحة و قد تتبادلان آخر الأخبار عن الحرب أو تعلقان على حركة زئبق الأحداث و الحوادث في الترمومتر السياسي، و الوقت يجري هكذا بينكم مجرى الدم في العروق، يملأ دنياكم أملا، هو كل ما تنتظرون من الحياة أن تمنحه لكم مع كل إطلالة جديدة.
عندما تكون تفعل ذلك، أنا هنا، في انتظار جندي مثلي هو في هوية العدو اللدود، هو دائما هناك، يتربص خائفا، مثلي، لا يعلم أيعود في آخر النهار سالما إلى معسكره، أو يموت برصاصة مصوبة نحو المقتل.
لو كان هذا يحدث مرة واحدة ثم يجد كل واحد منا بعدها حظه لهان الأمر، و لكن حين يتكرر يوما بعد يوم، فإن إيلامه أشد من الألم ذاته.
تصور شفرة تفتح في جسدك جيوبا كلما طلع عليك نهار جديد، هل اتاك مدى ما يعتريك من الألم؟لا، لا تستطيع أن تدري بما أحس مهما تخيلت، ربما الجندي الآخر المتربص في الجبهة المقابلة يدري. و أجدني بين اللظة و الأخرى، أتمنى، بل أتوسل الجندي- عدوي اللدود - أن يطلق رصاصته كي أبادله بمثلها، ولعل الرصاصتين تكونان أكثر شجاعة منا فتتسارعان نحو بعضهما و تلتقيان كما يلتقي على موعد الأحباب، و تتعانقان بحرارة و مودة و تعلنان بكل برودة الموت هدنة أبدية.
و يعتريني الخوف، و للخوف هنا طعم آخر، و صفة أخرى مختلفة عن الخوف ..هناك. يلازمك كصديق حميم، و لا يجاملك بل يفضحك، و لكن حين الجد، عندما يخذلك كل ما حولك ، وحده يؤنسك و يساندك .
و هنا ، لا أحد يخجل من الصراخ بخوفه، فهو وطن آخر، هو الوطن الذي يضمك محاصرا حصارا يمنحك اإحساس بالحياة ، و يدثرني بأمان غريب يولد مع كل ارتعادة و قشعريرة.
نعم يا صديقي..
و أناشدك في الأخير، كلما أضاء عليك نهار جديد أن تتذكر بأن هناك، بعيدا، فوق ربوة أو خندق ما، جنديا أنساه السهاد معنى النور و الديجور، أناشدك بأن تتذكر.. و فقط.. و لا أكثر.. و لكن لا بأس من زيارة أمي في وحدتها الصامدة بعدما دفعت بآخر القرابين إلى مذبح البطولة، و السؤال عن حالها، ثم ارسم لي بعد ذلك، في خيالك بعضا من ملامحها، لأن بقائي هنا بجبهة القتال مدة طويلة أنساني كثيرا من تقاسيم وجهها الحزين و تفاصيل خطوطه الجافة.
و حين تسألك عني ، قل لها فقط بأن لي هنا .. إخوة آخرين، فلا تبتئسي.. و ستفهم.. كما تفهم في كل مرة.:noc: :noc:

حسام القاضي
21-11-2006, 06:14 PM
الأخ الفاضل الأديب / عمر علوي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أولاً مرحباً بك في واحة الأدب
مشاركتك الأولى " قل لأمي " تشير إلى قاص متمكن من ادواته..
سرد مشوق لا نشعر معه بالملل ، عنوان ذكي ..
طرحت مشكلة الجندي الرمز لكل جندي في كل مكان طرحتها بشكل مميز، هذا الجندي الذي ينتظر الموت في كل لحظة ، بل ويتخذ من الخوف منه أنيساً..
لك أسلوبك الخاص وتعبيراتك المميزة : "تعلقان على حركة الأحداث والحوادث في الترمومتر السياسي "
"...لا بأس من زيارة أمي في وحدتها الصامدة بعدما دفعت بآخر القرابين إلى مذابح البطولة"
ما مضى جزء من كل ، وأجد أن من أهم مميزات قصتك هوذلك الصدق الذي يشع في جنباتها.
قصة رائعة تستحق الاشادة .
مرحباً بك وبأدبكم الجميل .

سعيد أبو نعسة
21-11-2006, 06:33 PM
أخي العزيز عمر علوي
سعيد أنا أن أكون أول المصافحين لهذا السرد الجميل الفخم
يأتيك معه الحدث من طرف خفي مغلفا بالدلالات البعيدة التي تمسنا جميعا في انعكاساتها السياسية اليومية
دمت مبدعا

عمر علوي
21-11-2006, 07:28 PM
شكرا لإخوتي على كلماتهم المشجعة.

محمد دلومي
21-11-2006, 08:06 PM
أستاذي ومعلمي عمر علوي ’’ كم سعيد بلقائي معك هنا , و الحمد لله انك انضممت أخيرا الى موقع هو من اروع المواقع الفكر والأدب .

اتمن ان تفيد هنا وتستفيد . فخبرتك في التعليم والكتابة لا يستهان بها ..

مرة اخرى اعبر لك عن مدى سعادتي الغامرة ...
اتمنى ان القاك قريبا ان شاء الله ..
دمت بود

مأمون احمد مصطفى
23-11-2006, 02:23 PM
الاخ الكريم عمر علوي:-

رائع الى حد الدهشة.

هذه المشاعر القادمة من رمال ملفوفة بالغموض الواضح، تستأثر على العين لتطارد الكلمات.

مع كل المودة

عمر علوي
23-11-2006, 04:43 PM
الأخ مأمون ،
لكم أخلص التحية و المودة، شكرا.:noc:

وفاء شوكت خضر
23-11-2006, 05:41 PM
الأخ الفاضل / عمر علوي .

هناك .. يفصل بينك وبينه خطوات ، تراه ويراك ، تعيشان نفس المشاعر ، نفس الخوف ، الحنين للدفىء والأمان ، والعداوة .
أحينا ربما تتبادلا نحنحات تشعر كل منكما الآخر بوجده ، وتراودكما نفس الأفكار ، يخشى كل منكما الآخر ، ويشفق عليه كما يشفق على نفسه .

ما اقول .. وقد قال أساتذة كبار في حقك ما قالوا ، سننتظر المزيد من إبداعك ، والشكر موصول لمن دعاك لتكن بيننا ...
الأخ الأديب / محمد دلومي .

تحية لكما وكل الود .

عمر علوي
26-12-2006, 06:53 PM
الأستاذة وفاء
شكرا على مروركم ،
و مرحبا بملاحظاتكم الإيجابية منها و السلبية، بها نتطور و نحسن أعمالنا

حنان الاغا
28-12-2006, 03:18 PM
رسالة من نوع خاص رغم انها تحاول أن تبدو لنا اعتيادية
تبدأ بداية اعتيادية تجرنا إلى مقارنة بين النشاطات اليومية المألوفة
في المدينة مثلا ، وبين نشاطات يومية ( مألوفة أيضا ) ولكن على الجبهة.
الراوي ينظر إلى الأشياء كلها بعين محايدة،ربما ليلقي على عاتقنا مهمة توزيع الضوء في الأماكن التي يريد .
الموت والاستعداد له، هو كما وجبةالإفطار وارتداء الملابس المناسبة
للعمل..
هناك تلقي التحية ولو مجاملة لمن تلقى في طريقك
وهنا بكل حيادية تلقي تحية من نوع خاص جدا ، هي (متى تطلق؟ لأطلق بدوري وننتهي من هذا الجنون !!
لن أقول أكثر
فقط أشكرك عمر علوي
نص مميز

عمر علوي
02-01-2007, 05:51 PM
الأخت حنان الأغا،
عيد مبارك و كل عام و أنتم بخير
شكرا على مروركم، و قراءتكم التي حاولت أن تقترب أكثر من النص لتتعرف على بعض من خباياه، كما كل نص ، يخفي في طياته ألف معنى و معنى
شكرا مرة أخرى أخوكم عمر علوي:noc: