تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : يـــــوم في حيــــاة نــــافذة دمشقيـــــة



حنان الاغا
22-11-2006, 09:40 PM
يوم في حياة نافذة دمشقية
اليوم:السبت الموافق 20-5 - 2006
المكان: دمشق
الموقع:شقة في الدور السابع من بناية في حي راق
السابعة صباحا ولا مزيد من التصريحات ، باختصار أنا عاشقة!لا ترفعوا حواجبكم استنكارا ، أنا نافذة عاشقة ، ولن تلوموني أبدا لو بحت لكم باسم الذي أهوى!
منذ عشر من السنوات وأنا أفتح صباحا في مثل هذا الوقت ، لأجده أمامي كل يوم. كنت صغيرة وكان كبيرا،كبرت وظل كبيرا.
تحنو الغيمة على القمة البتول وتحيطها بوداعة ندية ، فتلتمع شجيرات اصطفت حول أعلى القمة بانتظام ، متحاذية كالحرس يقدم نوبة الصباح ، أو هي كالخاتم في إصبع العروس.. وترتشف التربة ذات اللون الأصفر الصلصالي قهوة الصباح قطرات شفافة هي خلاصة الغيمة الصباحية ، التي تتدلى أطرافها ذؤابات تتسلل منحدرة مع السفح لتطبع قبلا مضمخة بالندى على أسطح البيوت الأسمنتية المتواضعة ، وجدرانها ونوافذها وأبوابها العتيقة ، وعلى بقايا دراجة هنا ، وقطعة معدن كانت جزءأ من آلة اندثرت وبقيت هذه شاهدا على أنها كانت هنا.... هذه البيوت الهاجعة بأمان في صدره لم يلفظها يوما، ولم يعيِرها بلونها الكابي ، ولا بسقوفها المتصدعة وحيطانها المتشققة، ونوافذها المخلعة ، بل على العكس تماما ، كلما مشى عليها الوقت حنى عليها المكان ومد شرايينه أعمق في عروقها ليبعث فيها دفأ وجمالا يتسربان إلى أرواح ساكنيها ، فتضج بالحياة ويبرق زجاج نوافذها تحت وابل الأشعة الصباحية الباردة.
تشرئب الأغصان المتسلقة صعودا هنا وهناك بفعل نسيمات الصباح الندية .. هاهم سكان هذه البيوت يحسون الحرارة تملأ قلوبهم فيهرعون بين حين وآخر لطلاء جزء من حائط بالأزرق ليوحي بالماء ، وجانب من واجهة شبه متهدمة بالأصفر للتحايل على ضعفها وبعث الحيوية فيها .أما خزانات المياه المتناثرة فوق الأسطح فقد تخلت طوعا عن لون المعدن البارد واتخذت لنفسها لونا أحمر متعدد الدرجات لتحيي موات الإسمنت .
تمر الساعة في إثر الساعة ، وأنا أتأمل . ولا أخفي عليكم ما ينتابني من مشاعر الغيْرة أحيانا ، لأنني لا أتمتع بالحياة في كنف ذلك الشامخ العنيد...ها هم الأطفال في زيهم المدرسي يتراكضون إلى مدارسهم وهم يزقزقون ، وها هي أصوات الباعة أسمعها تنطق بلغة لا أفهمها ولكن موسيقاها التي تشبه الجوقة تسبب لي قشعريرة لذيذة ، وتكاد تتسرب من هذه الأصوات كلمات نعرفها مثل الله وبابا ربما للتدليل على بضاعتهم،أو لتنبيه السكان أنّ سياراتهم المحملة بالخضروات والفاكهة قد بدأت رحلتها بين الطرق الضيقة التي تزنِّر البيوت ، أو لمناداة القابعين في أماكن لا تصل إليها سياراتهم كي يهبطوا مع السلالم التي تتدلى من عل كما الحليّ في عنق امرأة فاتنة.
ربما أكون قد أسهبت إلا أن هذا هو ما أريد قوله لكم ولم يبق إلا القليل . وها أنا أرقب رحلة الضوء النهارية -ما زلت - ويأخذ انهمار ضوء الشمس مسارات مختلفة وانكسارات متنوعة .. وتصب الانهمارات على البيوت من الخارج ، وما أن تصل إلى زجاج النوافذ حتى تومض بسرعة خاطفة كما آلة التصوير ، ثم تنعكس عن الزجاج إلى ما يحيطه فتتشكل مساحات هندسية وخطوط وملامس غامقة متدرجة نحو الأسود في فتحات النوافذ والأبواب المفتوحة وتلك المواربة.وبمرور الوقت تتطاول الظلال وتمتد وتخف حدتها وأنا أرقب وهو لا يراني! ولكن كيف له أن ينتبه لوجودي وأنا لست إلا نافذة في غابة من النوافذ التي تواجهه كل يوم؟
يراودني النعاس أحيانا فأصطفق على نفسي ثم أنتفض لأفتح من جديد فأتشرب المشهد كله في عيني دفعة واحدة لأنني لا أريد لأي من التفصيلات الكبيرة أو الصغيرة أن تنسل خارج وعيي وصبوتي.لقد أحببت كل ما هو أمامي ثابتا أو متحركا ( لأن من أحبه يحبه كثيرا )، وشكرا لشاعر انتمى لحب هذا المكان عمره ، فهو من أعارني هذه الجملة المحصورة بين قوسين.
النهار يمضي متسارعا الآن وتتناقص أرقام الساعة باتجاهه مع تزايد باتجاه المساء! الباعة يذهبون ، أصوات الأذان تسمع بشكل أقوى وأجمل بتدخل اللكنة الأخرى !( هو لا يميز ) ، وها هي أسراب اليمام تحلق مصفقة بأجنحتها تحط لتطير كفرقة دبكة شعبية .وها بعض يمامات تنفصل عن السرب وتقترب من حافتي عساها تجد بقايا حـبٍ نسيته العصافير.
الآن تبدأ الألوان بالاختفاء التدريجي .. لم يعد الأحمر أحمر ولا الأصفر أصفر ، والأبيض يتحول إلى الرمادي ، أما الأخضر فهو حالة خاصة ، إنه الأسرع في الاختفاء بتحوله إلى الأسود بدرجاته ، مع انحسار الضوء، مما يضفي على المشهد لمسة من التباين في غيــــاب الضوء .
هي ذي اللحظة الفاصلة ، نقطة التحول ، وها هو الضوء ينبعث ولكن هذه المرة من داخل الأشياء ، واللوحة الجديدة تبدأ بالتشكل تدريجيا مع اختفاء كامل للألوان ، وأرى تسرب الضوء من النوافذ المفتوحة ومن شقوق الأبواب ، ضوء أصفر هنا ، وأزرق هناك، وها بعضها أضواء نابضة بإيقاع منتظم وشيئا فشيئا تحتدم المنافسة أي نافذة ستضيء أكثر وأجمل؟
ها هو يقف وارفا حارسا دون نوم كعادته والقمة معتمة إلا من خيوط ضوئية صاعدة هذه المرة لتوفر له راحة أكثر .. بينما تمور الحياة ويلتمع الضوء في أحضانه .. سيظل قاسيون ما بقي الكون شامخا منسوجا بالكبرياء مفعما بالحياة.
____________________________________حنان الأغا____

حسام القاضي
23-11-2006, 01:20 AM
الأديبة المبدعة / حنان الأغا
تحياتي
عشق من نوع فريد من (نافذة ) لـ جبل شامخ ..
تمني العيش في كنفه وغيرتها ممن يعيشون في أحضانه .. رسمت لوحة رائعة بانامل حساسة لما يحيط بهما من مكان وما يمر عليهما من زمان .. تفاصيل دقيقة جعلتنا نعيش بصدق هذا الواقع .
ولا أعتقد أن الأمر يقف عند هذا الحد ؛ فأنا أرى فيه نوعاً من الرمزية.. النافذة هي المدنية التي تحن وتتوق إلى العودة إلى أحضان الجبل والذي يمثل الطبيعة .
عمل مميز .
تقبلي تقديري واحترامي.

سحر الليالي
23-11-2006, 01:24 AM
العزيزة حنان:

يا لروعة قصتك..فقد ذكرتني بجمال الشام وصباحاتها ولياليها ورائحة الفل والياسمين.....

جميل جدا أختاه

سلم نبضك ودمت رائعة

لك حبي وباقة ورد

عبلة محمد زقزوق
23-11-2006, 07:39 AM
الشرفة هي انا
نعم الرمزية كانت تعنيني انا
فكم اعشق الصباح لانني معه ارى جمال الكون بوضوح ورؤية تتجدد مع كل إشراق له
رائعة
فلقد طرزت حروفك اشراقة الصباح كما يطرز النسيج بأيدي صناع مهرة

محبتي للصباح ولإشراقه على نافذتك " ونافذة قلبي معكِ "

حنان الاغا
23-11-2006, 12:56 PM
الأديبة المبدعة / حنان الأغا
تحياتي
عشق من نوع فريد من (نافذة ) لـ جبل شامخ ..
تمني العيش في كنفه وغيرتها ممن يعيشون في أحضانه .. رسمت لوحة رائعة بانامل حساسة لما يحيط بهما من مكان وما يمر عليهما من زمان .. تفاصيل دقيقة جعلتنا نعيش بصدق هذا الواقع .
ولا أعتقد أن الأمر يقف عند هذا الحد ؛ فأنا أرى فيه نوعاً من الرمزية.. النافذة هي المدنية التي تحن وتتوق إلى العودة إلى أحضان الجبل والذي يمثل الطبيعة .
عمل مميز .
تقبلي تقديري واحترامي.
_______________________
احترامي أيها الأديب المبدع
عندما يتعلق الأمر بالحب ، يصبح جنس الأشياء غير مهم
حتى الجمادات أراها تحِب وتحَب
شكرا من قلبي لهذه القراءة المحبة

زاهية
23-11-2006, 03:13 PM
حنان الغالية جعلتني أحس بالشوق إليه وهاأنا ذي الآن أغلق الجهاز وأخرج لمصافحته بشموخه وجلالة قدره وحبنا له جميعًا إلى اللقاء يافاتنة الوصف
أختك
بنت البحرلا

حنان الاغا
23-11-2006, 05:48 PM
العزيزة حنان:
يا لروعة قصتك..فقد ذكرتني بجمال الشام وصباحاتها ولياليها ورائحة الفل والياسمين.....
جميل جدا أختاه
سلم نبضك ودمت رائعة
لك حبي وباقة ورد
________________________
ردك هو الروعة أيتها الصديقة
والشام تولد فينا كل صباح
بجمالها ، وعروبتها وكبريائها
شكرالك سحر الليالي

حنان الاغا
23-11-2006, 05:54 PM
الشرفة هي انا
نعم الرمزية كانت تعنيني انا
فكم اعشق الصباح لانني معه ارى جمال الكون بوضوح ورؤية تتجدد مع كل إشراق له
رائعة
فلقد طرزت حروفك اشراقة الصباح كما يطرز النسيج بأيدي صناع مهرة
محبتي للصباح ولإشراقه على نافذتك " ونافذة قلبي معكِ "
_________________________
عبلة زقزوق
الأخت العزيزة
ما أبهى هذه الكلمات ، عبرت عن النص بما لم يخطر ببال
شكرا لكل الجمال
تحياتي

محمد سامي البوهي
23-11-2006, 05:56 PM
كأني كنت أقف حلف النافذه أرى ما ترين ، لكل منا روابط تربطه ، روابط زمنيه أحيانا ، روابط مكانية أحياناً أخرى ، وما اراه هنا أن هناك مناطق كتبت بحبر سري بين السطور ، فالنص هو اكبر من ان يكون ذكرى او بكاء على أطلال ذكرى من وراه نافذة ، اللغة في غاية الروعة .
أخت حنان
دمت لقلمك ودام قلمك لك

حنان الاغا
23-11-2006, 05:59 PM
حنان الغالية جعلتني أحس بالشوق إليه وهاأنا ذي الآن أغلق الجهاز وأخرج لمصافحته بشموخه وجلالة قدره وحبنا له جميعًا إلى اللقاء يافاتنة الوصف
أختك
بنت البحرلا
_______________________
الأخت الحبيبة زاهية
هل أقول أغبطك لأنك بخطوة واحدة لأي اتجاه أمامك وحولك ،
ستقع عينك على المشهد!
هذا المشهد الذي عرفته وأحببته طفلة
وكتبته الآن بعد عقود ، وبعد أيام سبعة من الوقوف إلى نافذة تطل عليه
راقبته من الفجر حتى الفجر ، تقريبا طيلة الأيام التي كنتها هناك
تحياتي لك وأبقى بلادنا العربية بعزة وكرامة

حنان الاغا
23-11-2006, 06:06 PM
كأني كنت أقف حلف النافذه أرى ما ترين ، لكل منا روابط تربطه ، روابط زمنيه أحيانا ، روابط مكانية أحياناً أخرى ، وما اراه هنا أن هناك مناطق كتبت بحبر سري بين السطور ، فالنص هو اكبر من ان يكون ذكرى او بكاء على أطلال ذكرى من وراه نافذة ، اللغة في غاية الروعة .
أخت حنان
دمت لقلمك ودام قلمك لك
__________________________
الأخ الأديب
محمد سامي البوهي
أحببت هذه العبارة وأعتبرتها شهادة لصالح النص:


كأني كنت أقف خلف النافذه أرى ما ترين
نعم أخي هو ليس ذكرى
هو قصة حب للمكان المليء بالذكرى وبالأشخاص وبالتفاصيل
هو حب يولد معنا
نحب الأهرام التي بناها الفراعنة
والحدائق المعلقة التي بناها البابليون
فما بالنا بما أرساه الله شامخا يطاول الغيمات؟
تحياتي لك وشكري

مجدي محمود جعفر
25-11-2006, 05:05 PM
نجحت القاصة حنان الأغا في القبض على لحظة زمنية عبقرية ،وحلت في موجودات / الطبيعة / الجماد / الأشياء ، ومن فيوضات رُوحها وهمسات قلبها الندي ، حاولت أن ( تأنسن ) الطبيعة / الجماد / الأشياء ، وقد أعطت كل هذه الأشياء مشاعر وأحاسيس ، وأبعادا إنسانية ، ومنحتها القدرة على التعبير عن أسمى علاقة ، علاقة الحُب ، وجاءت اللغة شاعرية ، والغلبة فيها للوصف ، ومازلت أرى أن القصة القصيرة تصف أكثر مما تسرد ، فالوصف قرين القصة والسرد قرين الرواية ، وصف المكان ، وصف المشاعر ، وصف الحالة ، تناغم رائع ياحنان ، إنها الطبيعة البكر ، والنداءات الأولى ، ولك تحياتي ، ودعواتي بالمزيد من الحلول في موجودات أخرى ، لنسعد بدقة وصفك وجماله وبتلك الأحاسيس المرهفة والمشاعر الفياضة .

حنان الاغا
25-11-2006, 07:26 PM
الأخ الأديب مجدي
قراءة متفحصة ومبحرة في هذا النص ، سعدت بها وبوجودك هنا
وإنني أشكرك لهذه المعلومات التي تصدر عن فكر ووعي كبير في الفن القصصي.
تحياتي لك أستاذ جعفر