المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مملحة



مصطفى بطحيش
08-12-2006, 08:50 PM
مملحة
على جانب السور, يمتد رصيف يفصله عن الطريق الإسفلتي صف طويل من الأشجار , ويكاد لا يجرؤ سواها على تحدي علو وارتفاع أسوار ثانوية المأمون * , تشرأب أشجار النخيل متطاولة إلى عنان السماء وكأنها طابور من جند مملكة أسطورية تكاد سطوتهم تجبر المارةَ على السير في الممر بينهم وبين سور ثانوية المأمون , ودون مبالاة أغذذت السير استبق الزمن , لقد تأخرت كثيرا عن موعدي, وكل ما أخشاه أن ينفرط عقد الاجتماع , فأعود خالي الوفاض ويفوتني التصويت على مشروع المترو السريع , الذي سعيت جاهداً وكدت أبلغ اليأس في إقناع الآخرين بحيوية المشروع وجدواه في وصل الكتل السكنية المترامية حول أطراف مدينتي , وكأنها تفر في تسارع محموم, تبتعد فيه عن ثلاثة آلاف عام من التاريخ , لتلحق بركب الحداثة , أخرجني من استغراقي شيء على جانب الرصيف لم أتعوده, التفت إلى الخلف لأرى شيخاً كبيرا قد تربع واسند ظهره إلى السور, يعرض أشياء زهيدة , قلت في نفسي : أسلوب يتكسب به الشيخ ويقي نفسه مذلة السؤال, لابد لك أن تشتري شيئاً منه !
عدت أدراجي متفحصا معروضاته , هنا علب كبريت صغيرة مميزة اذكرها في طفولتي, وقد اختفت من الأسواق منذ ثلاثين عام مضت من عمري, هنا فتيل برتقالي اللون لم أزل اذكر جدي وقد كلت كفه من قدح عجلة الصوان, و انتفخت أوداجه وهو ينفخ الجمرة العالقة بالفتيل, لتزداد توهجاً , ثم يشعل منها سيجارته , وينفث سحباً كثيفة من الدخان ثم يلحقها بكحات طويلة متواصلة من السعال لم احتمل البقاء لسماع آخرها يوماً .
هنا أشياء أخرى لا اعلم لأي عصر تنتمي, ولم أجد ما يلزمني سوى علبة اسطوانية تضم أعدادا لانهائية من الأعواد الدقيقة تنظف بها الأسنان من عوالق الطعام, خيل إلي أنها تكفي لسنوات مديدة ينتهي بها عمري دون أن تفرغ , وبعين الشيخ الفاحصة المدركة , علم أنني ارغب في تلك العلبة فراح يزين لي شرائها :
يابني ! هذه العلبة مفيدة جداً , هذه أعواد تنظف بها أسنانك, تقيها شر التسوس, هذا غطاؤها مثقب, وعندما تفرغ يمكنك استخدامها مملحة لطعامك !
* ثانوية المأمون مدرسة شهيرة في مدينة حلب

وفاء شوكت خضر
08-12-2006, 09:30 PM
الأخ الأديب / مصطفى بطحيش ..

نعم أعواد لتنظيف الأسنان من العوالق ، تركت التاريخ كله ،، تاريخ عايشته في طفولتك وحفظته ، لتتناول علبة أعواد ، علها تنفع بإزالة ما علق بالتاريخ ..

رائعة هذه السطور ..
شكرا لك ..

مصطفى بطحيش
09-12-2006, 07:21 PM
الأخ الأديب / مصطفى بطحيش ..
نعم أعواد لتنظيف الأسنان من العوالق ، تركت التاريخ كله ،، تاريخ عايشته في طفولتك وحفظته ، لتتناول علبة أعواد ، علها تنفع بإزالة ما علق بالتاريخ ..
رائعة هذه السطور ..
شكرا لك ..
وفاء الخضر
شكرا لمرورك , لعله جانب آخر من جوانب النص , ويبقى الحق للقاريء يرى النص كما يشاء
لك التحية والتقدير

عبدالرحيم الحمصي
09-12-2006, 07:39 PM
أخي مصطفى ،،،
جميلة هي الصور المؤثتة
لسردك ،،،
فراشة في بستان راق ،،،
لك كل الألق ،،،
الحمصي

سعيد أبو نعسة
09-12-2006, 07:46 PM
الأخ الكريم مصطفى بطحيش
رائع هذا الاحتفاء بالتفاصيل الدقيقة التي أضفت إلى النص واقعية مشوقة
دمت مبدعا

مصطفى بطحيش
09-12-2006, 10:00 PM
أخي مصطفى ،،،
جميلة هي الصور المؤثتة
لسردك ،،،
فراشة في بستان راق ،،،
لك كل الألق ،،،
الحمصي

عبد الرحيم

شكرا لمرورك على النص , وقد ازدان القا واحتفاء بمرورك

لك الود والتقدير

حنان الاغا
09-12-2006, 10:39 PM
الأخ الأديب / مصطفى بطحيش ..
نعم أعواد لتنظيف الأسنان من العوالق ، تركت التاريخ كله ،، تاريخ عايشته في طفولتك وحفظته ، لتتناول علبة أعواد ، علها تنفع بإزالة ما علق بالتاريخ ..
رائعة هذه السطور ..
شكرا لك ..
_____________________
علبة أعواد ، علها تنفع بإزالة ما علق بالتاريخ ..

وفاء مداخلة

لم أستطع أن أمر دون إبداء إعجابي بردك الذكي الظريف .

حنان الاغا
09-12-2006, 10:43 PM
الأخ مصطفى
نص قصصي رائع
وأعني الكلمة تماما
مضمون قد يبدو للوهلة الأولى ناعما خفيفا ولكنه للحق يزخر بالدلالات
العميقة المعنى
فلسفة الماضي الذي انتهى وبقي الشيخ وبعض الأشياء شواهد عليه
وذلك الحاضر المنتهي أصلا استعدادا لآت لا نعرف إن كان يسع تلك الأعواد
تحياتي لك

مصطفى بطحيش
12-12-2006, 12:54 AM
الأخ الكريم مصطفى بطحيش
رائع هذا الاحتفاء بالتفاصيل الدقيقة التي أضفت إلى النص واقعية مشوقة
دمت مبدعا

الاستاذ سعيد ابو نعسة اسعد الله اوقاتك , اسعدني مرورك على نصي الواهن

لك الود والتقدير

معاذ الديري
12-12-2006, 01:26 AM
ثمة دلالت كثيرة .. وطرافة اضحكتني فعلا ..
الدخول في القصة في رايي اهم اساسياتها وليس من عادتي قراءة القصص لضيق صبري.. لكنك استطعت ان تأسرني لاخرها وترسم ابتسامة لست ادري مم!
شكرا لفنك .

ليلك ناصر
12-12-2006, 03:44 AM
الأديب الرائع .. مصطفى بطحيش

قصة رائعة .. استهوتني كثيرا .. و شعرت نفسي مع الكلمات و كأني ذاهبة إلى المدرسة ...

جميل ما يعلق في الذاكرة حتى أدق الأشياء ..

أهنئك على هذه التحفة الفنية ...

وتقبل احترامي وتقديري ..

محمد سامي البوهي
12-12-2006, 04:24 PM
الأخ الأديب / مصطفى بطحيش ..

استرجاع ، وتعلق بالماضي ن واشياء تسلبك الحاضر ، وتنسيك التفكير في المستقبل ، كي تصاب احداثك بالتوقف الزمني ، وتداعي الذكريا أما علبة السواك .
دمت مبدعا

مصطفى بطحيش
12-12-2006, 06:14 PM
الأخ مصطفى
نص قصصي رائع
وأعني الكلمة تماما
مضمون قد يبدو للوهلة الأولى ناعما خفيفا ولكنه للحق يزخر بالدلالات
العميقة المعنى
فلسفة الماضي الذي انتهى وبقي الشيخ وبعض الأشياء شواهد عليه
وذلك الحاضر المنتهي أصلا استعدادا لآت لا نعرف إن كان يسع تلك الأعواد
تحياتي لك

حنان الآغا

اشكر مرورك , اقتربت كثيرا من مقاصد النص وفلسفة الماضي والحاضر ... والمستقبل !

لك التحية والتقدير

مصطفى بطحيش
12-12-2006, 10:53 PM
ثمة دلالت كثيرة .. وطرافة اضحكتني فعلا ..
الدخول في القصة في رايي اهم اساسياتها وليس من عادتي قراءة القصص لضيق صبري.. لكنك استطعت ان تأسرني لاخرها وترسم ابتسامة لست ادري مم!
شكرا لفنك .

معاذ
جميل ان تثني على طريقة الابتداء , ولازلت احتاج الكثير لبناء القصة بأسلوب المحترف

شكرا لمرورك

مصطفى بطحيش
13-12-2006, 10:47 PM
الأديب الرائع .. مصطفى بطحيش
قصة رائعة .. استهوتني كثيرا .. و شعرت نفسي مع الكلمات و كأني ذاهبة إلى المدرسة ...
جميل ما يعلق في الذاكرة حتى أدق الأشياء ..
أهنئك على هذه التحفة الفنية ...
وتقبل احترامي وتقديري ..

ليلك ناصر

شكرا لك على نعتك للقصة
سيغريني التعليق فاخوض في بحار القصة بعيدا عن الشطآن

لك التحية والتقدير

مصطفى بطحيش
14-12-2006, 10:57 PM
الأخ الأديب / مصطفى بطحيش ..
استرجاع ، وتعلق بالماضي ن واشياء تسلبك الحاضر ، وتنسيك التفكير في المستقبل ، كي تصاب احداثك بالتوقف الزمني ، وتداعي الذكريا أما علبة السواك .
دمت مبدعا

محمد سامي البويهي

لكننا لن ننعتق من سطوة الزمن

تحية لك و لمرورك الكريم

معاذ الديري
14-12-2006, 11:19 PM
لكن ماذا حدث للاجتماع ؟!

مصطفى بطحيش
16-12-2006, 06:07 PM
لكن ماذا حدث للاجتماع ؟!

لعل طول امل الشيخ طغى على ما بعده ! :v1:

لك الود والتقدير

نزار ب. الزين
16-12-2006, 06:42 PM
======================
أخي الأستاذ مصطفى
قصة طريفة أهم ما يميزها الرسم الدقيق لإخراج لوحة فنية رائعة يختلط فيها الواقع الراهن بالذكرى الحية
نص لطيف و طريف ، سلمت أناملك
نزار ب. الزين

سؤال : هل مشروع مترو الأنفاق في حلب مجرد فكرة أم أنه في طور التنفيذ ؟

مصطفى بطحيش
20-12-2006, 02:03 AM
======================
أخي الأستاذ مصطفى
قصة طريفة أهم ما يميزها الرسم الدقيق لإخراج لوحة فنية رائعة يختلط فيها الواقع الراهن بالذكرى الحية
نص لطيف و طريف ، سلمت أناملك
نزار ب. الزين

سؤال : هل مشروع مترو الأنفاق في حلب مجرد فكرة أم أنه في طور التنفيذ ؟

القاص الرائع نزار الزين

شكرا لمرورك , وجواز المرور الذي منحته لعناصر الوصف

اما مترو الانفاق , فلا يصلح لحلب مطلقا !!!

تصور ان حلب المعاصرة تجثم على حلب البائدة على عمق امتار
وقد رأيت بام عيني قوس باب النصر في المدينة الغابرة تحت قوس باب النصر الحالي على عمق ثمانية امتار!!!

لك الود والتقدير

خليل حلاوجي
20-12-2006, 08:01 AM
اسم المريض .... شعوبنا

تشخيص العلة :
تبتعد فيه عن ثلاثة آلاف عام من التاريخ ,

العلاج المقترح :


تلحق بركب الحداثة


التنفيذ ... مستحيل

لان المشافي مغلقة

والمرضى ماعادوا يصدقون انهم مرضى ...

الصبر والشكر ... هو صراط العقلاء .. وقليل ماهم

\
نص هيجني ... والشكر لمبدعه

مصطفى بطحيش
26-12-2006, 10:52 AM
اسم المريض .... شعوبنا
تشخيص العلة :
تبتعد فيه عن ثلاثة آلاف عام من التاريخ ,
العلاج المقترح :
تلحق بركب الحداثة
التنفيذ ... مستحيل
لان المشافي مغلقة
والمرضى ماعادوا يصدقون انهم مرضى ...
الصبر والشكر ... هو صراط العقلاء .. وقليل ماهم
\
نص هيجني ... والشكر لمبدعه

عندما يقتنع المريض بحالته المرضية فذلك نصف العلاج

اما في مشافي العقلاء :004: فيحمدون ربهم انهم معزولون عن عالم مجنون يحاصرهم :v1:

لك الود والتقدير

مأمون المغازي
27-12-2006, 03:28 PM
الأستاذ / مصطفى بطحيش

سأقف هنا طويلاً بين الدلالات المتنامية بين حنايا القصة

وسأستريح على الرصيف عند السور تحت إحدى النخلات أرقب التاريخ

ومن الرائع أن العلبة لفتت انتباهه لكنه لم يقرر اشتراءها وجميل أن البائع يعرف كيف يستميل زبائنه الجدد وجميل أن تلمح إلى إعادة الاستعمال بعدما توقفت وقفاتك الدقيقة عبر تاريخ جدك الذي هو أنت

أستاذنا الكريم

ما زلت أقرأ وأستمتع

تحياتي

مصطفى بطحيش
30-12-2006, 10:07 PM
الأستاذ / مصطفى بطحيش
سأقف هنا طويلاً بين الدلالات المتنامية بين حنايا القصة
وسأستريح على الرصيف عند السور تحت إحدى النخلات أرقب التاريخ
ومن الرائع أن العلبة لفتت انتباهه لكنه لم يقرر اشتراءها وجميل أن البائع يعرف كيف يستميل زبائنه الجدد وجميل أن تلمح إلى إعادة الاستعمال بعدما توقفت وقفاتك الدقيقة عبر تاريخ جدك الذي هو أنت
أستاذنا الكريم
ما زلت أقرأ وأستمتع
تحياتي

الأخ مأمون وقفت عند بعض مقاصد النص , الزمن الماضي - الحاضر - المستقبل .... الاستمرار

لك الشكر والتقدير

الصباح الخالدي
30-12-2006, 10:21 PM
مملحة
على جانب السور, يمتد رصيف يفصله عن الطريق الإسفلتي صف طويل من الأشجار , ويكاد لا يجرؤ سواها على تحدي علو وارتفاع أسوار ثانوية المأمون * , تشرأب أشجار النخيل متطاولة إلى عنان السماء وكأنها طابور من جند مملكة أسطورية تكاد سطوتهم تجبر المارةَ على السير في الممر بينهم وبين سور ثانوية المأمون , ودون مبالاة أغذذت السير استبق الزمن , لقد تأخرت كثيرا عن موعدي, وكل ما أخشاه أن ينفرط عقد الاجتماع , فأعود خالي الوفاض ويفوتني التصويت على مشروع المترو السريع , الذي سعيت جاهداً وكدت أبلغ اليأس في إقناع الآخرين بحيوية المشروع وجدواه في وصل الكتل السكنية المترامية حول أطراف مدينتي , وكأنها تفر في تسارع محموم, تبتعد فيه عن ثلاثة آلاف عام من التاريخ , لتلحق بركب الحداثة , أخرجني من استغراقي شيء على جانب الرصيف لم أتعوده, التفت إلى الخلف لأرى شيخاً كبيرا قد تربع واسند ظهره إلى السور, يعرض أشياء زهيدة , قلت في نفسي : أسلوب يتكسب به الشيخ ويقي نفسه مذلة السؤال, لابد لك أن تشتري شيئاً منه !
عدت أدراجي متفحصا معروضاته , هنا علب كبريت صغيرة مميزة اذكرها في طفولتي, وقد اختفت من الأسواق منذ ثلاثين عام مضت من عمري, هنا فتيل برتقالي اللون لم أزل اذكر جدي وقد كلت كفه من قدح عجلة الصوان, و انتفخت أوداجه وهو ينفخ الجمرة العالقة بالفتيل, لتزداد توهجاً , ثم يشعل منها سيجارته , وينفث سحباً كثيفة من الدخان ثم يلحقها بكحات طويلة متواصلة من السعال لم احتمل البقاء لسماع آخرها يوماً .
هنا أشياء أخرى لا اعلم لأي عصر تنتمي, ولم أجد ما يلزمني سوى علبة اسطوانية تضم أعدادا لانهائية من الأعواد الدقيقة تنظف بها الأسنان من عوالق الطعام, خيل إلي أنها تكفي لسنوات مديدة ينتهي بها عمري دون أن تفرغ , وبعين الشيخ الفاحصة المدركة , علم أنني ارغب في تلك العلبة فراح يزين لي شرائها :
يابني ! هذه العلبة مفيدة جداً , هذه أعواد تنظف بها أسنانك, تقيها شر التسوس, هذا غطاؤها مثقب, وعندما تفرغ يمكنك استخدامها مملحة لطعامك !
* ثانوية المأمون مدرسة شهيرة في مدينة حلب

ممتعة وفكرة جميلة استاذي الكبير