تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : رحلة باتجاه واحد



حنان الاغا
23-12-2006, 02:13 PM
رحلة باتجاه واحد
وها هي مدينتي ، تلك الغريبة في عقر دارها ، تطفىء مصابيحها عند الغروب قبل أن تضيء!
تعتم قبل الليل ، تنام ملء جفنيها دون وعد بنسمة، أو بسمة تزيح الكآبة ..
هي لا تعرف أن الليل جميل ، صاخب يضج حياة وراء ستائرها الثقيلة . روحك يا مدينتي ، تلك الروح الصحراوية الرجع ، ألِفتْ الجدب رغم تلك التلال التي تفيء عليك الحب آناء الليل وأطراف النهار ..
تحضنك في صقيعك والأصياف ..و تلك البيوت الحجرية البيضاء التي يصر ساكنوها على إنبات اللون
في حدائقهم المصنوعة ضد منطق الأشياء ، فينمو ويزهو ويشرئب يبخ العبير .. ألا يكفي ؟؟ألم يتحرك قلبك الحجري؟ فمتى إذا؟؟ ألم تتململ روحك الهجير؟
حتى نحن أبناؤك ترضعينا الغربة كل مساء مع غروب شمسك الجميلة .
يمر المشهد في إثر المشهد سريعا ، مختزلا كل التفاصيل ، كأنها سجلات الذاكرة الكابية منذ سنين ،
أُعيدَ فتحها في لحظات ، وها هي صفحاتها تُقلب بسرعة تضاهي سرعة المشهد .. دفقات من الهواء
المحمل بالغبار ، تتسرب من شق النافذة المسرعة أَماماً عندما تتقابل مع مثيلتها القادمة باتجاهها ،
فيصدر صوت فرقعة ، يجعلني أحس بثقل في رأسي ، أكاد أصرخ ، أغلق فمي ، أغمض عينيّ .
يمر المشهد ويتلوه آخر ، وسيل الذاكرة ما زال في تحرك معاكس لتحركي ، أنا أتقدم بتسارع إلى
الأمام في الطريق الممتدة دون إيقاع صاعد أو هابط ، وهو يتدفق عبري إلى ما ورائي ، يختفي .. يمّحي.
وتُقطع صفحة ، وتُلقى في الهواء تحملها ذرات غباره إلى مكان ما .. ربما تلتقطها ذاكرة ما ، تعيد كتابتها .
توقف التسارع .. خفت النبض وانداح الثقل عن أذنيّ . فتحت عينيّ على وسعهما لأودع المشهد
وأنتهي منه كله دفعة واحدة..
نزلت وسرت بظهري إلى البوابة الزجاجية التي تُفتح آلياً لدى إحساسها بدم يسري في شرايينَ ولحمٍ وعظم، ليس يهمّ إن كان الوعاء الحامل إنسانا أو قطة أو كلبا.
وعبرتها ، تلك البوابة بظهري وأنا أنظر إلى حقيبة جلدية سمحت لها بأن تحشو نفسها ببعض أشياء
تخصني ، وكلما سرت خطوة للوراء ازدادت المسافة خطوة من الأمام .هكذا هي الأشياء تزيد بقدر النقصان .. كانت الحقيبة ترنو لي تستدعيني من مكمنها هناك قرب النافذة المتوقفة .
وضعت يدي في جيبي وتحسسته ، هذا الدفتر الصغير العجيب الملآن أختاما ونقوشا وحروفا متعددة الألوان والأجناس .يكفيني هذا . وأشحت بنظري عن الحقيبة واستدرت أنظر إلى مكان آخر سيحملني
إليه هذا المسترخي في جيبي .
أحكمت قبض أصابعي عليه ... نظرت إلى العينين المتسائلتين أمامي وأنا أمدّه ، أقدمه .. هززت رأسي
مرتين .. لا .. لا حقائب .
__________________
__________________
حنــــــــان
2006

وفاء شوكت خضر
23-12-2006, 03:40 PM
حنان ........

إبداع آخر ..
مرور أول على هذا النص الذي دفعني للمضي بظهري ، إلى تلك البوابة الواسعة ، لكن دون دفتر يحمل أختاما ورموزا ، أقبض بيدي على دفتر آخر حمل في طياته حياة بأكملها ..

لي عودة ...
من وجهة نظري ..
قصة رائعة .

الشربينى خطاب
23-12-2006, 05:42 PM
الأستاذة الفاضلة / حنان الأغا :0014: :0014: :noc:
آسف علي التأخيرSIZE="5"]
حنان الأغا تنقل لنا مشاهد الرحلة للبطلة المهاجرة من المدينة الكيئيبة
{وها هي مدينتي ، تلك الغريبة في عقر دارها ، تطفىء مصابيحها عند الغروب قبل أن تضيء!} ومبررات الهجرة ،الشعور بالغربة أو عدم القدرة الإنسجام مع البيوت والناس والأشياء ، مؤلم الشعور بالغربة
{حتى نحن أبناؤك ترضعينا الغربة كل مساء مع غروب شمسك الجميلة .}

وتبدأ مراسم الوداع قبل الرحيل فتصوره المبدعة من داخل البطلة براحة القلب والتخلص من ثقل الهموم
{خفت النبض وانداح الثقل عن أذنيّ . فتحت عينيّ على وسعهما لأودع المشهد}
ثم تبدأ بطلة النص في التحرك فتبتعد ليس عن مدينتها ولكن عن حقيبة ذكرياتها
{يمر المشهد ويتلوه آخر ، وسيل الذاكرة ما زال في تحرك معاكس لتحركي }
وتصور لنا حنان الأغا بوابة الحدود ولكن دخولها إليها ليس كبقية خلق الله ولكن بطرق الإنسحاب العسكري لقلئد مهزوم ، التقهقر للخلف ، تصوير هذا المشهد مبتكر ، أن يري الإنسان نفسه وهو في أقسي حالات الإنهزام فيتماثل بقط أو كلب رمز الحقارة
{نزلت وسرت بظهري إلى البوابة الزجاجية التي تُفتح آلياً لدى إحساسها بدم يسري في شرايينَ ولحمٍ وعظم، ليس يهمّ إن كان الوعاء الحامل إنسانا أو قطة أو كلبا.}
ولم يتبقي بطلة النص إلا دفتر جواز سفرها تتشبث به فهو وسيلتها لبدأ حياة جديدة بون حقيبة ذكرياتها
{أحكمت قبض أصابعي عليه ... نظرت إلى العينين المتسائلتين أمامي وأنا أمدّه ، أقدمه .. هززت رأسي
مرتين .. لا .. لا حقائب . }[/SIZE

حنان الاغا
23-12-2006, 10:16 PM
حنان ........
إبداع آخر ..
مرور أول على هذا النص الذي دفعني للمضي بظهري ، إلى تلك البوابة الواسعة ، لكن دون دفتر يحمل أختاما ورموزا ، أقبض بيدي على دفتر آخر حمل في طياته حياة بأكملها ..
لي عودة ...
من وجهة نظري ..
قصة رائعة .
_______________________
صدقيني وفاء أنه من الجميل جدا أن يحظى المرء بقارئة مثلك
لذا تجديني سعيدة عندما أجدك هنا
سلمت روحك أيتها الصديقة
شكرا لك

منهل العراقي
24-12-2006, 09:03 AM
الاخت حنان/
اسجل اعجابي الشديد بالنص
سلمت يداك
تحياتي

محمد سامي البوهي
24-12-2006, 08:26 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


الأديبة الكبيرة

الأخت الكريمة / حنان .

ما أجمل ما تكتبيه ، تكتبين بحس عال جداً ، أسمع قلبك يدق بين حروفك ، وهذا ما لاحظته في أعمالك حقاً ، قصة رحلة في البعد السابع ، وهذه الخاطرة الرائعة رحلة باتجاه واحد ، تخرجين بها علينا ، لتكملي بها مسيرة تعليمك لنا ، كيف نشحذ الأحاسيس قبل أن نكتب .

دمت رائعة

حنان الاغا
25-12-2006, 09:34 PM
الأستاذ القاص الشربيني خطاب
تشريح جميل لو جاز التعبير !
قراءة أحببتها أيها الفاضل
واقتباسات هي روح النص حقا وشرايينه
لقد أشرت بأناملك بحرفية رائعة وبنظرة مستمتعة إلى مفاصل القصة
سأقول شكرا لك علها تكفي !

حنان الاغا
26-12-2006, 01:14 PM
الاخت حنان/
اسجل اعجابي الشديد بالنص
سلمت يداك
تحياتي
______________________
أطيب التحيات
وكل الشكر
سعدت لردك وقراءتك.
كل المودة

مأمون المغازي
27-12-2006, 03:17 PM
الأديبة / حنان الأغا

روح هائمة ممزقة حلت في هذا النص المتكامل الأحاسيس ، الموجع بكل حرف فيه السريع في سياقه بما يتناسب مع الحالة الانسحابية واللمحة الخاطفة للذات التي تعمقت في استبطان الحالة الانهزامية والتي تقرأ من زوايا عدة .

إن اللحم إذا تحول من النبض إلى الرفض وتكوم أمام العين فما هو إلا لحم لا يفتأ يتعفن فما أبلغكِ بهذا التعبير الذي يسوقنا إلى حالة عامة هي ما يعانيه الجيش المنسحب ، إلا أن هناك نفسًا واحدة هي التي تعاني هذا الانسحاب هذا الرحيل إلى اللامعروف في عالم مادي آخر لا يلزم للدخول إليه إلا جواز السفر والتأشيرات والأختام .

هذه القصة يا سيدتي تنسحب على العديد من الحالات وهذا إبداع آخر فأنا في كل رحلة أحمل مع الأختام تقاسيم عزف على مشاعري في الفترة المنصرمة في المكان

أما المغادرة بالظهر أوالتقدم للخلف مع توقع تحول الخلف إلى أمام فقد توقفت أمامها متأملاً أعد تلك الخطوات التي تتنامى بعدًا واقترابًا بضدين هما الآن وما بعد اللحظة .

سيدتي الأديبة

كتابة إبداعية متألقة ووجع ضارب في عمق أعماقي


تحياتي وتقديري

عمر علوي
27-12-2006, 07:40 PM
الأخت الأديبة حنان،
القصة نابضة ،
و رحت مع البطل في رحلته ، و لكن كنت إلى الأمام أنظر و أنتظر الانزياح،
شكرا على اللحظة الممتعة التي وفرتها لنا عبرالقصة
أخوكم عمر

حنان الاغا
28-12-2006, 12:02 AM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الأديبة الكبيرة
الأخت الكريمة / حنان .
ما أجمل ما تكتبيه ، تكتبين بحس عال جداً ، أسمع قلبك يدق بين حروفك ، وهذا ما لاحظته في أعمالك حقاً ، قصة رحلة في البعد السابع ، وهذه الخاطرة الرائعة رحلة باتجاه واحد ، تخرجين بها علينا ، لتكملي بها مسيرة تعليمك لنا ، كيف نشحذ الأحاسيس قبل أن نكتب .
دمت رائعة
_______________________
الأخ العزيز البوهي
سعدت بردك المتحمس هذا أيما سعادة
لأنني أكتب وأنا منفعلة ! فعلا
وإطراؤك مقبول أخي وأنا أدرك تماما مكانتكم الأدبية ، والقصصية بخاصة
تحياتي لك

حنان الاغا
28-12-2006, 12:09 AM
الأخ مأمون المغازي
أهلا بك ، حسا ثائرا ، وروحا متمردة على القمع والقهر
قراءة صادقة ، وتوقفات جميلة في هذه الرحلة لفتت نظري إلى عين ثاقبة لقارىء متمرس .
أتمنى أن أقرأ لك
شكرا

حنان الاغا
29-12-2006, 04:13 PM
الأخت الأديبة حنان،
القصة نابضة ،
و رحت مع البطل في رحلته ، و لكن كنت إلى الأمام أنظر و أنتظر الانزياح،
شكرا على اللحظة الممتعة التي وفرتها لنا عبرالقصة
أخوكم عمر
___________________--
الأخ القاص عمر علوي
تشرفت بقراءتك للقصة
وسعدت باستمتاعك في هذه الرحلة
تحياتي

الصباح الخالدي
29-12-2006, 09:48 PM
للمرة الثانية اقف عند نصك هنا اكتب فامسح
لزمنين مختلفين
تميز ابداعك ففتنني

حنان الاغا
30-12-2006, 01:55 AM
للمرة الثانية اقف عند نصك هنا اكتب فامسح
لزمنين مختلفين
تميز ابداعك ففتنني
________________
اكتب أيها المفكر
ودع المسح نقوم به نيابة عنك
شكرا للمرورين وهذا بحد ذاته مهم

ليلى الزنايدي
28-11-2008, 10:04 AM
http://www.gasidaes-amour.fr/image/larmes.jpg

سعيدة الهاشمي
29-11-2008, 01:18 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

جئت متأخرة فلم أعرف الفقيدة أسكنها الله فسيح جنته، رائعة كتاباتها عميقة في دلالتها وأبعادها

لا شك أنها بالمثل وأكثر.

رحمك الله أختاه.

د. نجلاء طمان
01-01-2009, 02:29 PM
حنان يا حبيبة

هل التقيتِ بأخينا الحبيب عدنان ؟؟

أسأل الله أن ألف نعم.

بلغيه السلام والدعاء

ولكِ أيضًا سلامنا ودعائنا

أسأل الله لقياكما

هشام عزاس
26-11-2009, 11:35 PM
رحمك الله أديبتنا حنان و جعل مثواك الجنة إن شاء الله

تمر أيام و تأتي أيام و تبقى بصمات الكرام و الكريمات صبغة نقاء تزين وجه واحتنا الغراء .

ستظلين ذكرى خالدة في قلوب الجميع .