سحر الليالي
27-12-2006, 11:27 PM
http://www.jehat.com/jehaat/images/shaara/22-3.jpg
اسم نيرودا الحقيقي هو : نفتالي رييس،
تخلى عن اسمه الحقيقي لغاية سامية، وتسمّى ببابلو نيرودا بهدف
معاقبة نفسه بالبحث عن الجديد، والإخلاص في ذلك، وقفَ في صف ِ الفقراء والعصافير
والزهر والربيع ..فكانَ هذا سبباً في موته.
وقالَ بعاطفة ٍ بيضاء :
" أريد أن أعمل معك، ما يعمله الربيع بالازهار "
*********
" الكلمة جنح من أجنحة الصمت، قطعة أرض أعشقها، أنا الذي لا أملك نجمة سواها بين كل مروج السماء، هي التي تكرر الكون وتكثّره، هي بيتي أيضا، شيّدتها فسيحة رحبة لكي العب فيها من الصباح إلى الصباح.
إنها طريقتي لكي أكون وحيداً، لا أكتب لتسجنني الكتب بين طياتها، أكتب من أجل العصافير، ومن أجل أيلول، أكتب أيضا من أجل الناس البسطاء، رغم أنهم لن يستطيعوا قراءة شعري بعيونهم الريفية، لكن ستجيء لحظة يصل فيها سطر من سطوري، أو بعض الهواء الذي يهزّ كياني إلى آذانهم، وربما يقولون آنذاك: كان رفيقاً حقيقياً. وهكذا يكفي. إنه التاج الذي أريد.
أنا ولدت من صدر وطني الغباري، ومن جذع الشعر. لي قلب نجار، وكل ما ألمسه يصبح غابة. أحب عالم الريح وغالباً ما تختلط عيناي بأوراق الأغصان، لا أميز بين النساء والربيع، بين الرجل والشجرة، بين الشفاه والجذور.
أتيت لأغني ولتغنوا معي، فأنا شعوب، شعوب كثيرة، وأملك في صوتي القوة النقية لكي أعبر صمتكم وأنزرع في العتمات. أيامي مصنوعة من كل الحيوات، فالشاعر أوسع من البحر وجزره، ويجب أن تنزلوا فيه مثل بئر لكي تخرجوا من الهاوية بغصن مياه سرية وحقائق مغمورة.
يحدثُ أحيانا أن أدخل معمل خياطة أو صالة سينما، ذابلا بائساً كبجعة ورقية تبحر في مياه من رماد، يحدث أن تدفعني رائحة صالونات التزيين أو دخان المحرّكات إلى الانفجار بكاء. فأنا أريد فقط مسنداً من حجر أو من صوف، أريد فقط ألا أرى المؤسسات ولا المصانع ولا الأسواق ولا النظارات الطبية ولا المصاعد الكهربائية، يحدث أيضا أن أتعب من قدميّ ومن أظافري ومن شعري ومن ظلي.
بلى، يحدث في الحقيقة أن أتعب من كوني رجلا...
والحقيقة هي أن ليس ثمة حقيقة. لقد متّ، وهذا أمر يعرفه الجميع رغم أن الجميع يخفيه، ماتت الحقيقة ولم تتلق أزهارا، ماتت ولم يبكها أحد.
.
ميتٌ هو ذاك الذي يصبح عبداً لعاداته، مكرراً نفسه كل يوم. ذاك الذي لا يغيّر ماركة ملابسه ولا طريق ذهابه إلى العمل ولا لون نظراته عند المغيب. ميت هو ذاك الذي يفضّل الأسود والأبيض والنقاط على الحروف بدلاً من سرب غامض من الانفعالات الجارفة، تلك التي تجعل العينين تبرقان، وتحوّل التثاؤب ابتسامة، وتعلّم القلب الخفقان أمام جنون المشاعر.
ميت هو ذاك الذي لا يقلب الطاولة ولا يسمح لنفسه ولو لمرة واحدة في حياته بالهرب من النصائح المنطقية، ذاك الذي لا يسافر ولا يقرأ ولا يصغي الى الموسيقى، ذاك الذي لا يقبل مساعدة أحد ويمضي نهاراته متذمراً من سوء حظه أو من استمرار هطول المطر. ميت من يتخلى عن مشروع قبل أن يهم به، ميت من يخشى أن يطرح الأسئلة حول المواضيع التي يجهلها، ومن لا يجيب عندما يُسأل عن أمر يعرفه. ميت ٌ من يجتنب الشغف ولا يجازف باليقين في سبيل اللايقين من أجل أن يطارد أحد أحلامه.
ميتٌ؟ أنا؟ كلا، لست كذلك. لنقل أني صامت فحسب.
* * *
أسئلة:
لِمَ تخبئ الأشجار روعة جذورها؟ لِمَ تنتحر الأوراق عندما تشعر بأنها صفراء؟ لِمَ تبكي الغيوم إلى هذا الحد، ولِمَ كلما بكت ازدادت مرحاً وخِفة؟ والدموع التي لا تُبكى، هل تنتظر دورها في بحيرات صغيرة، أم أنها تصبح أنهاراً غير مرئية تتدفق نحو الحزن؟ وهل ثمة ما هو أكثر بعثاً على الكآبة من قطار متوقف تحت المطر؟
من يتألم أشد، ذاك الذي لا ينفك ينتظر أو ذاك الذي لم ينتظر أحدا قط؟ كم من الأسئلة لدى الهرّ؟ وكم يبلغ عمر تشرين؟ كم أسبوعا في اليوم الواحد وكم عاماً في شهر؟ وما اسمه ذاك الشهر الذي يحل بين كانون الأول وكانون الثاني؟
من هم أولئك الذين صرخوا فرحاً عندما ولد اللون الأزرق؟ وما اسمها الزهرة التي تطير من عصفور إلى عصفور؟ أين منتصف البحر، ولم لا تركض الأمواج إليه؟ كم المسافة بالأمتار المستديرة بين الشمس والبرتقالة؟ لم أجمل الأنهار ذهبت لتجري في فرنسا؟
أليست الحياة سمكةٌ تتهيأ لتكون عصفورا؟ أين انزرعت عينا الرفيق بول ايلوار؟ وعندما كان يبكي بودلير هل كانت تنهمر دموعه سوداء؟ هل أستطيع ان أسأل كتابي إذا كنت أنا من كتبه حقاً؟ من يسعه أن يجيبني ما الذي جئت أفعله في هذا العالم؟ ما الذي سيقوله عن شعري أولئك الذين لم يلمسوا دمي؟ وهل ثمة أغبى من أن يحمل المرء اسم بابلو نيرودا؟ "
من مجموعته الكامِلة ..
بابلو نيرودا
اسم نيرودا الحقيقي هو : نفتالي رييس،
تخلى عن اسمه الحقيقي لغاية سامية، وتسمّى ببابلو نيرودا بهدف
معاقبة نفسه بالبحث عن الجديد، والإخلاص في ذلك، وقفَ في صف ِ الفقراء والعصافير
والزهر والربيع ..فكانَ هذا سبباً في موته.
وقالَ بعاطفة ٍ بيضاء :
" أريد أن أعمل معك، ما يعمله الربيع بالازهار "
*********
" الكلمة جنح من أجنحة الصمت، قطعة أرض أعشقها، أنا الذي لا أملك نجمة سواها بين كل مروج السماء، هي التي تكرر الكون وتكثّره، هي بيتي أيضا، شيّدتها فسيحة رحبة لكي العب فيها من الصباح إلى الصباح.
إنها طريقتي لكي أكون وحيداً، لا أكتب لتسجنني الكتب بين طياتها، أكتب من أجل العصافير، ومن أجل أيلول، أكتب أيضا من أجل الناس البسطاء، رغم أنهم لن يستطيعوا قراءة شعري بعيونهم الريفية، لكن ستجيء لحظة يصل فيها سطر من سطوري، أو بعض الهواء الذي يهزّ كياني إلى آذانهم، وربما يقولون آنذاك: كان رفيقاً حقيقياً. وهكذا يكفي. إنه التاج الذي أريد.
أنا ولدت من صدر وطني الغباري، ومن جذع الشعر. لي قلب نجار، وكل ما ألمسه يصبح غابة. أحب عالم الريح وغالباً ما تختلط عيناي بأوراق الأغصان، لا أميز بين النساء والربيع، بين الرجل والشجرة، بين الشفاه والجذور.
أتيت لأغني ولتغنوا معي، فأنا شعوب، شعوب كثيرة، وأملك في صوتي القوة النقية لكي أعبر صمتكم وأنزرع في العتمات. أيامي مصنوعة من كل الحيوات، فالشاعر أوسع من البحر وجزره، ويجب أن تنزلوا فيه مثل بئر لكي تخرجوا من الهاوية بغصن مياه سرية وحقائق مغمورة.
يحدثُ أحيانا أن أدخل معمل خياطة أو صالة سينما، ذابلا بائساً كبجعة ورقية تبحر في مياه من رماد، يحدث أن تدفعني رائحة صالونات التزيين أو دخان المحرّكات إلى الانفجار بكاء. فأنا أريد فقط مسنداً من حجر أو من صوف، أريد فقط ألا أرى المؤسسات ولا المصانع ولا الأسواق ولا النظارات الطبية ولا المصاعد الكهربائية، يحدث أيضا أن أتعب من قدميّ ومن أظافري ومن شعري ومن ظلي.
بلى، يحدث في الحقيقة أن أتعب من كوني رجلا...
والحقيقة هي أن ليس ثمة حقيقة. لقد متّ، وهذا أمر يعرفه الجميع رغم أن الجميع يخفيه، ماتت الحقيقة ولم تتلق أزهارا، ماتت ولم يبكها أحد.
.
ميتٌ هو ذاك الذي يصبح عبداً لعاداته، مكرراً نفسه كل يوم. ذاك الذي لا يغيّر ماركة ملابسه ولا طريق ذهابه إلى العمل ولا لون نظراته عند المغيب. ميت هو ذاك الذي يفضّل الأسود والأبيض والنقاط على الحروف بدلاً من سرب غامض من الانفعالات الجارفة، تلك التي تجعل العينين تبرقان، وتحوّل التثاؤب ابتسامة، وتعلّم القلب الخفقان أمام جنون المشاعر.
ميت هو ذاك الذي لا يقلب الطاولة ولا يسمح لنفسه ولو لمرة واحدة في حياته بالهرب من النصائح المنطقية، ذاك الذي لا يسافر ولا يقرأ ولا يصغي الى الموسيقى، ذاك الذي لا يقبل مساعدة أحد ويمضي نهاراته متذمراً من سوء حظه أو من استمرار هطول المطر. ميت من يتخلى عن مشروع قبل أن يهم به، ميت من يخشى أن يطرح الأسئلة حول المواضيع التي يجهلها، ومن لا يجيب عندما يُسأل عن أمر يعرفه. ميت ٌ من يجتنب الشغف ولا يجازف باليقين في سبيل اللايقين من أجل أن يطارد أحد أحلامه.
ميتٌ؟ أنا؟ كلا، لست كذلك. لنقل أني صامت فحسب.
* * *
أسئلة:
لِمَ تخبئ الأشجار روعة جذورها؟ لِمَ تنتحر الأوراق عندما تشعر بأنها صفراء؟ لِمَ تبكي الغيوم إلى هذا الحد، ولِمَ كلما بكت ازدادت مرحاً وخِفة؟ والدموع التي لا تُبكى، هل تنتظر دورها في بحيرات صغيرة، أم أنها تصبح أنهاراً غير مرئية تتدفق نحو الحزن؟ وهل ثمة ما هو أكثر بعثاً على الكآبة من قطار متوقف تحت المطر؟
من يتألم أشد، ذاك الذي لا ينفك ينتظر أو ذاك الذي لم ينتظر أحدا قط؟ كم من الأسئلة لدى الهرّ؟ وكم يبلغ عمر تشرين؟ كم أسبوعا في اليوم الواحد وكم عاماً في شهر؟ وما اسمه ذاك الشهر الذي يحل بين كانون الأول وكانون الثاني؟
من هم أولئك الذين صرخوا فرحاً عندما ولد اللون الأزرق؟ وما اسمها الزهرة التي تطير من عصفور إلى عصفور؟ أين منتصف البحر، ولم لا تركض الأمواج إليه؟ كم المسافة بالأمتار المستديرة بين الشمس والبرتقالة؟ لم أجمل الأنهار ذهبت لتجري في فرنسا؟
أليست الحياة سمكةٌ تتهيأ لتكون عصفورا؟ أين انزرعت عينا الرفيق بول ايلوار؟ وعندما كان يبكي بودلير هل كانت تنهمر دموعه سوداء؟ هل أستطيع ان أسأل كتابي إذا كنت أنا من كتبه حقاً؟ من يسعه أن يجيبني ما الذي جئت أفعله في هذا العالم؟ ما الذي سيقوله عن شعري أولئك الذين لم يلمسوا دمي؟ وهل ثمة أغبى من أن يحمل المرء اسم بابلو نيرودا؟ "
من مجموعته الكامِلة ..
بابلو نيرودا