تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : فاتـورة حسـاب



محمد سامي البوهي
17-01-2007, 05:14 PM
فاتـــورة حســـاب

أسبح بعمق نفسي الحائرة ، أبحث عن أشياء تائهة بطلاسم عقلي ، أقذف كتلي على مقعدي المفضل بزاوية المكتب المهموم ، أترك نفسي لنفسي تتداخل معها ، تعلو طبقات الحيرة داخلي ،يسترق جلد المقعد حرارتي بقيعانه المنتشرة ، يعود يضخها نحوي ؛ يزداد نزيفها تحت جلدي ، أنهي مجلسي إلى حجرة نومي ، ألامس جسدي بسريري المتلاحم مع تكويني ، الصوت يحوم حولي كروح تدور بين أنفاسي ، أسحب أنفاساً أخرى من أرصدة رئتي ، أعانق عظامي بلحمي المحفوظ بملح العرق ،يلح الصوت بذاكرتي ، يهتك بكارة تفكيري الليلية ، أنظر كوخ الهاتف المرصع بالأصواف ، وعيدان البوص المتشابكة ، أنهر وجوده ... أعود إلى رغبة زوجتي بطرده من منزلنا ، محو أرقامه السداسية من عقول كل من يحفظها ، شججت أستار نظراتي ، تقوقعت بها بعيداً عنه ، خشيت أن يلمحني أطالع وجهه البلاستيكي ؛ فيعود يحدثني بنفس الصوت المهيب :
- غداً بالعاشرة صباحاً.. ينتظرك النائب العام .
سحبت نفسي من بين مخالبه الحادة ، خرجت إلى ساحة عمري ، أدشن أركان حياتي المتناثرة على طاولة الطعام ، أعُد مقاعدها ، سقط مقعدان من تحت طائلة العد ، استبدلت أنفاسي بأنفاس أخرى طازجة ، عدت للغة الأرقام ، أدور بها بين المقاعد الخانعة ، سالت بقاياها على جوانب فمي الموصود ، جردت صندوق المحارم من منديله الأخير ، جفف به الأرقام السائلة على فمي ، أطوف حول لحدي ، أتمركز فوق نواة خلقي ، أسير بأشرطة الأحداث فوق اتجهاتي الأربعة :
- ماذا يريد ؟!
آآآه منك أيها المزعج ، أعض على ما تبقى لي من أنامل ، عصائر قلبي تفور بصدري ، رائحة ملابسي تتمدد نحو أنفي ،مسحت الجدار بنظراتي ، أغلقت عقارب الساعات المظلمة أبواب المحلات ، تراجعت بخطواتي خلف أشيائي ، تركت طاولة الطعام تتسامر و مقاعدها الكثيرة ، على رؤوس أصابعي دلفت غرفة نومي ، صديقي الثقيل ، نائم بكوخه على وسائد الأسلاك ، فتحت محلات خزانة ملابسي ، أتخير بين بزاتي القديمة المنشورة ، كانت تريحني دائماً من أوجاع الإختيار ، أتنهد ... أستوي مع ذاتي ، أشعر بالراحة بعد الدعاء – فليرحمها الله – اندرج صوت يعصف بأوبار البزات ، بأن أختار ذات اللون الأسود ، أمسكت بها ، حررت قيدها ، ضممتها نحوى ، الإختيار ليس لزوجتي ، الصوت ليس لزوجتي ، مسحت بكفي على جسد القماش الأسود ، امتزجت جميع الألون بلون وجهي الشاحب ، تلاعبت الأرقام بمقاعد سنيني ، اهتز الهاتف بالصمت ، نصب نفسه مليكاً على نفسي التائهة :
- ماذا يريد ؟!
التفت شراييني بخلايا قلبي المنهك ، تعلقت بنسيج بزتي السوداء ، ارتفعت الأصوات من حولى ، الهتافات حملتني على أعناقها ، استقرت بي على كرسي المنصب الكبير ، علت الأصوات أكثر فأكثر ، أبدلت من لوحات مكتبي الرخامية ، اللوحة تلو اللوحة ، فناجين قهوتي اليومية غيرت من لون شعري ، تسابقت مع اللوحات ، أخيراً كان الفوز للوحة الإستقالة ، تصدعت قدماي من تحتي ، بحثت عن أقرب مقعد ، مقاعد الطاولة لا تهمد ، زحفت أمامي بالخارج ، انصاع مقعد لجلوسي ، وآخر حمل مني البزة السوداء ، لفع بها عنقه ، أدلى لى وجهي بحقيقته المنعكسة على الزجاج ، حدقت ملامحي القديمة ، تحاول أصابعى نفض الغبار عنها ، زمجر الزجاج من تحتها، ارتبكت أوصالي ، ازحت وجهي بعيداً عني ، لمع صوت أخر من جيب الحلة العلوى ، اقتربت ... أملت جزعي نحوه ، جذبته من رأسه ، ياااااه ، إنه قلم توقيعي الذهبي ،خط حروف استقالتي ، وكان اللقاء الأخير، شهق بعودة روحه ، إعتصرته أصابعي ، لم تقو كثيراً على حمله ، ألقيته على ملامحي القديمة المطبوعة على الزجاج ، اعتمد وجهي بتوقيعي الذي اعتاد عليه ، طوى الصفحة على أيامي الماضية ، تدور المقاعد حولي ، تصفق ، تلفني بحياة الزعيم ، أنظر وجهي الملطخ ، قلمي اللامع ، بزتي السوداء ، ينتشي الصوت بأحياء منزلي:
- ماذا يريد ؟!
أبحث عن شىء غائب عني ، بين أشيائي ، فوق حلمى ، خلف قراراتي ، بأعماق خزائني الفارغة ، كان حذائي... يتصفح أوراقي الماضية ، اعتذرت للمقعد ، حملت نفسي ، عبرت صالة عمري ، مررت بحجرة نومي ، بحجرة ابني ، بأمنياتي العالقة بباب المنزل ، توقفت خلفه ، فتحت صندوق أوراق المناصب القديمة ، والأحذية ، جذبت حذائي من بين الأتربة ، وصوت الفئران المريضة ، حملته مع جسدي ، عدت من حيث أتيت ، أذن لي المقعد بالجلوس ، وضعته فوق قلمي اللامع ، فوق ملامحي الملطخة ... التقطت واحداً من أكمام البذة ... نظفت وجه حذائي ، بلون الماضي رأيت من حولي، بالشارع المتلألىء بالأضواء ، السيارات ، الموسيقى ، رائحة نجوم الفنادق ، كانت تجلس على الرصيف لا أعلم ماذا تنتظر ، كنت أجلس خلف نافذة المطعم الفاخر أنتظر الطعام ، أحسدها ... تمنيت أن أنفض عني الحراس ، الألقاب ،أعين الناس المتدنية ، أهبط أجلس معها ... تراجعت بشغفي ... لماذا تجلس هنا ؟! ... جاءت تتنسم من هواء النيل ، ألا تخاف ذئاب الطريق ؟ أتجازف بنفسها من أجل رشفة هواء ؟ ، ألاح إليها رجل من الجانب الآخر ، ألاحت رائحة الطعام لمعدتي الجائعة ، أقترب منها ، اقترب ... اقترب مني النادل بالطعام ، توقف أمامها ... توقف أمامي ... حط بقدمه على صندوق صغير قرب وجهها ... حط بالطعام الشهي على طاولتي ... أمسكت بفرشاتها ... أمسكت بشوكتي ... مسحت واجهة حذائه ... مسحت أطباق الطعام من حولي ... شعرت بالشبع ... جهلت شعورها بالجوع .. أخرج لها ورقة مالية من جيبه .... ألاح لي سكان الطاولة المجاورة .. بابتسامة ... بفاتورة حسابي ...

محمد سامي البوهي

حاتم خفاجى
19-01-2007, 05:34 PM
اخى / محمد

جميل ما قرات هنا

اسلوب بديع

وسرد مشوق

منذ البداية وحتى فاتورة الحساب

خالص الشكر والود

ضحى بوترعة
19-01-2007, 06:16 PM
اخي العزيز سامي
لقد رحلت بي الى عالم نجيب محفوظ .....غصت في أعماقك الحائرة المتألمة لذكريات
رجل المناصب.....شكرا لك على هذا الحبك القصصي والكلمات التي تدل على قدرتك الأدبية
دمت مبدع
لك ودي

مأمون المغازي
20-01-2007, 10:29 PM
قصة : فاتورة حساب
للأديب القاص / محمد سامي البوهي
ربما أكون قد تأخرت في عرض هذه القراءة وكان ذلك ناتجًا عن القراءة المتأنية لهذا العمل الإبداعي فائق المستوى .
نحن أمام قصة استطاع كاتبها أن يستثمر كل قدراته في الإبداع البنائي للقصة مستخدمًا عبارات تحمل صورًا غير مهتوكة ، وتلون رائع البريق .
عنوان القصة . فاتورة حساب
لقد كان القاتب بارعًا في التعامل مع هذا الاسم من بداية القصة وحتى الغلق النهائي وذلك على النحو التالي :
ـ فاتورة حساب مع النفس .
ـ فاتورة حساب أمام المدعي الاشتراكي .
ـ فاتورة حساب ماسحة الأحذية .
ـ فاتورة حساب المطعم .
هنا أصفق للكاتب على براعته في التعامل مع هذه المراحل التي أجاد استعراضها من خلال شخصية الموظف الكبير وعالميه ( الداخلي والخارجي )
كنت في البداية أعتقد أن الكاتب بدأ باسترجاع زمني ، إلا أن الحقيقة هي أنه دخل مباشرة إلى عالم الموظف الكبير الذي بدأ يستحضر تاريخه في استعداد لمواجهة المدعي العام وقد أظهر لنا الكاتب أن هذا الموظف لم يكن نظيف التاريخ من خلال : القلم الذهبي .. وجهه الملطخ .. الفئران المريضة ..مساحة منزله ، وما ترتب على ترك المنصب من عدم وجود ما هو جديد من الثياب .
استطاع الكاتب ، من خلال سرده وتعقيباته أن ينقلنا عبر عدة مراحل في حياة هذا الموظف إلى الواقع المعاش وسيطرة المناصب على أصحابها وسيطرة أصحاب الوظائف الكبرى على المقدرات في نفس الوقت الذي لا يشعرون فيه بمعاناة الناس من تحتهم لذلك جاء غلق القصة وكأنه قصة قصيرة مستقلة بذاتها حين استرجع الموظف الكبير موقفه من ماسحة الأحذية وعدم اكتراثه بها ورؤيتها من خلال منظوره هو لا من خلال الواقع . هنا استطاع الكاتب أن يحدث لنا مناظرة جميلة بين حال أهل القمة وأهل الدنيا من خلال التناقضات التي أجاد استخدامها في موقف واحد ثم يغلق بفاتورة الحساب التي دفعت من الطاولة المجارة في بيان حالة التملق والنفاق الاجتماعي والرشوة المقنعة ، وقد تبين ذلك من خلال عدم اللماح لأي علاقة بين الموظف الكبير ومن دفعوا الحساب ، وهنا يأتي الكاتب بتعبير جميل ( سكان الطاولة المجاورة ) ففيه من الإسقاطات والتداعيات الكثير .
وعلى الرغم من هذه الروعة والألق في هذا العمل إلا أنني كنت أتمنى أن يستخدم الكاتب براعته المعهودة في إدخالنا إلى النص دون حيرة بين كون الموظف الكبير سيء السمعة أم ماذا وأن يمسك جيدًا بخيوط المسرحين الزماني والمكاني مستخدمًا ما يوحي بأن الدخول كان من خلال الواقع لا الاسترجاع ، هذا الاسترجاع الذي حدث عدة مرات لعدة مواقف بدا الكاتب حائرًا في إثبات الجو العام للقصة ، كما كنت أتمنى أن يستخدم أحد الروابط لإيجاد خط رابط بين الحدث في المطعم وباقي القصة ليزيل اللبس ويجعل هذا الحدث مرتبطًا برباط وثيق بها خصوصًا وأنها استرجاع .
وبالإجمال .
فاتورة حساب : عمل رائع تناول من خلاله القاص : محمد سامي البوهي عدة قضايا اجتماعية وسياسية بطريقة التعرية لبيان معاناة المواطن أمام أصحاب القمة ومبينًا معاناة من باعوا ضمائرهم وكأنهم بالون يرتفع بالهواء في الهواء فإذا خر انتظره السكين الذي كان قد تحصن ضد نصله ، ولا تعتبر أمنياتي إلا إلماح لرغبتي أن تأتي الأعمال على قدر مستواي كقارئ من العوام .
أديبنا البوهي .
تقبل احترامي وتقديري
مأمون المغازي

جوتيار تمر
21-01-2007, 09:40 PM
البوهي..الرائع...

ادخلتني عالم العبث...لامست في البدء صورا غريبة..كتلك التي تتقاذف على الذهن من مدن العبث والغثيان وضياع في سوهو..وغيرها..حتى لاحت لي هذه الكلمات في الافق فسطرتها دون ان اجد لنفسي مبررا فعذرا...!!
يتفق ان يتهاوى حولنا ديكور حياتنا اليومية في حطام،اللباس،الترام، اربع ساعات في المكتب او المصنع،وجبة اكل،الترام،اربع ساعات من العمل، الاثنين،الثلاثاء،الاربعاء ،الخميس،المعة،السبت،كلها في نفس الايقاع ،والطريق يسهل السير فيه معظم الوقت، ولكن كلمة لماذا تظهر ذات يوم واذا كل شيء يبدو متعبا ملونا بالدهشة، كل شيء...لقد احسن انتقاء اللفظتين،اذا لم نغص في ارتابة ونغرق في السبات ثانية،فاننا نبدأ بالنظر الى حولنا بأعين جديدة ونشرع في مغامرة ملأى بالمخاطر،في مجابهة لهذا المقلق من الحياة،العبث،ويداهمنا حس بمرور الزمن نحن نعيش في المستقبل غدا.فيما بعد..وعندما تتوظف، عندما تكبر ستفهم، هذا اللاتلاحق رائع،لان المسالة في الواقع مسالة احتضار ان تمردنا على انقضاء حياتنا هذا وجه اخر من اوجه العبث.
عذرا ان حلقت بعيدا
محبتي لك
جوتيار

محمد سامي البوهي
22-01-2007, 03:27 PM
اخى / محمد
جميل ما قرات هنا
اسلوب بديع
وسرد مشوق
منذ البداية وحتى فاتورة الحساب
خالص الشكر والود
السلام عليكم

أخي العزيز / حاتم

أشكرك على هذا الثناء الذي ينم عن نفس ودودة

محمد

محمد سامي البوهي
22-01-2007, 03:34 PM
الأخت الكريمة / ضحى

أين أنا ونجيب محفوظ ، إنما هي ثرثرة ننفضها بأطراف أناملنا

دمت مبدعة

ابن الدين علي
22-01-2007, 03:43 PM
لم يترك المتدخلون الدين سبقوني ما أضيفه . لك مني التحية أيها الأديب الواعد

محمد سامي البوهي
22-01-2007, 03:52 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي الأديب القاص الناقد / مأمون
بداية دعني أصفق لك أنت .....
أعجبني جداً هذا التفنيد
ـ فاتورة حساب مع النفس .
ـ فاتورة حساب أمام المدعي الاشتراكي .
ـ فاتورة حساب ماسحة الأحذية .
ـ فاتورة حساب المطعم
وهذا التفنيد والتحليل يا سيدى أليس رباطاً محكماً يربط زمن القص بالحدث ؟، حتى لو أنني قد استخدمت عامل من عوامل الترتيب الزمني وهو الاسترجاع ، الإسترجاع كان داخلياً ، وذلك للتناسب مع حالة البطل ، وتوتره، وقد ختمت القصة في زمن الإسترجاع النهائي ، وذلك لأنني لو عدت للواقع وانهيت قصتي ، لفرض علي أحداث أخرى تستدعي لقائه وحسابه من قبل النائب العام ، لكني قصدت أن أنهي القصة دون هذا اللقاء المرتقب ، لأن الهدف الاساسي هو حالة حساب النفس للنفس ، لا الغير للنفس ، أما عن التردد في تحديد كون الشخصية ، نظيفة أم مجرمة ، فهذا أيضا قصدته للتناسب مع المعادل الموضوعي للصراع النفسي ، لأن الحساب هو حالة من ( خذ ، وهات ) وإلا لو علم من اول وهلة أنه إنسان نظيف لما حاسب نفسه أو العكس ، لكن حالة التردد هذه جاءت للتناسب مع الحالة النفسية ، التي لم أجد غير قالب ( قصة تيار الوعي ) للتعبير عنها ، إلى الغرق مع البطل ، ونقل صراعاته الداخلية كأنه أنا ، وأنا من مررت بهذه الأحداث ، لذلك دارت القصة على لساني ....
أما عن عامل الربط بين القصة ككل ، وجزء الاسترجاع الاخير فهو موجود بالفعل ويكمن في هذا التحول
(التقطت واحداً من أكمام البزة ... نظفت وجه حذائي ، بلون الماضي رأيت من حولي، بالشارع المتلألىء بالأضواء ) ، لكني لم استغرق في توضيح التحول لعمل حالة من الاستواء النفسي مع البطل .
أخي الرائع مأمون
لافض قلمك
محمد

د. محمد حسن السمان
22-01-2007, 08:24 PM
سلام الـلـه عليكم

هكذا قرأت قصة " فاتورة حساب "
للأديب محمد سامي البوهي
بقلم د. محمد حسن السمان

لقد سمعت الأخوة يتهامسون , وهم يروني اقرأ هذه القصة , كل يوم , ثم اتركها لأعود اليها , حتى أن أحد الأدباء قل لي , في احدى الجلسات الأدبية : لقد رأيتك تغوص في هذه القصة , لمدة فاقت ساعتين من الزمن , ولم أرك تنبث ببنت شفة , ثم نصحني آخر بأن لااكتب حول القصة , مشيرا الى أن القصة استحوذت علي , وبالتالي لن استطيع رؤيتها بشكل صحيح .
والحقيقة , أنني عندما قرأت عنوان القصة , لم أقف عند هذا العنوان طويلا , لكنني بعد أن ولجت في النص , وجدتني أحسّ وكأن العنوان يعود أمامي , ليرسم خلف الابعاد المرئية , مجموعة من الأحرف , اقرأها في اللاوعي : " فاتورة حساب " , نعم مراجعة للذات , حتى أنه في لحظات معينة , كنت احس بضرورة التخلص من تأثيرالعنوان , لكي اكون حرّا في قراءتي للقصة , دون تأثير .
ومنذ الوهلة الاولى , وجدتني أمام عمل فني ابداعي , وفي الجملة الاولى , وجدتني امام اشارة ذكية , تقود ملامح المسار , ممهدة الطريق بعناية , لحالة من التداعيات :
"أسبح بعمق نفسي الحائرة ، أبحث عن أشياء تائهة بطلاسم عقلي "
وفي صورة غنية الحيوية , نرى أن الكاتب قد ألمح الى شكل بطل القصة , في أكثر من مدلول , عندما يقذف كتله , على مقعده المفضل , والذي جعله يحس معه بالهموم , فربما اراد الكاتب أن يصور بطل القصة , مترهلا مكونا من كتل لحمية , كناية عن الغنى المادي والشبع , او ربما اراد فقط تصوير شكل الشخصية , وفي كلا الحالتين , نجح الكاتب في رسم الشخصية , في كلمتين اثنتين :
"أقذف كتلي على مقعدي المفضل بزاوية المكتب المهموم "
ثم تبدأ حالة التداعيات باستخدام جمل قصيرة , تمثّل صورا حيّة عالية التركيز , يكاد كل منها , أن يمثّل لوحة فنية , خارقة التأثير , فابتداء من صورة التداخل النفسي :
" أترك نفسي لنفسي تتداخل معها "
"،يسترق جلد المقعد حرارتي بقيعانه المنتشرة ، يعود يضخها نحوي ؛ يزداد نزيفها تحت جلدي "
نلاحظ كيف أن الكاتب , رسم لنا صورا مبتكرة , اجبرتنا على اعمال التفكير والتخيّل , فكأننا نرى المقعد , وقد وقع عليه الجسم الممتلئ , الذي غالبا ما ينشر مزيدا من الحرارة , على المقعد , الذي صوّره لنا الكاتب , بأنه مقعد وثير , لوجود القيعان , ثم رسم لنا صورة التداخل الحراري , بين الجسم والمقعد ببراعة آسرة , ثم يأتينا الكاتب بصورة اخرى , غاية في البراعة , وهو يصوّر الجسد , وهو يرتمي على السرير , الذي صوّره لنا الكاتب , وهو يأخذ شكل الجسم ملتفا حوله , بما عبّر عنه من تلاحم مع تكوين الجسم .
"ألامس جسدي بسريري المتلاحم مع تكويني "
ثم يتالق الكاتب بتقديم صورة أكثر ابداعية , عندما يصوّر لنا سحب النفس , يتم من أرصدة الأنفاس ,
"أسحب أنفاساً أخرى من أرصدة رئتي "
والصورة الأكثر ابداعا , كيف رأى الكاتب العظام تعانق لحم الجسم المتعرق , مشبها ايّاه باللحم المحفوظ , بملح العرق .
" أعانق عظامي بلحمي المحفوظ بملح العرق "
ويسترسل الكاتب بتقديم الصور الابداعية الحيّة , والتي أكاد أجزم بأنه من الأدباء القلائل الذين يقدرون على الاتيان بمثلها , ثم ينقلنا الكاتب بحرفية , الى اشكالية تمثّل احد مفاتيح القصة , وهو الهاتف الهام جدا , عند اصحاب الشأن , مستخدما نفس المستوى من التفوق , في العبارات التصويرية الحيّة :
"أنظر كوخ الهاتف المرصع بالأصواف ، وعيدان البوص المتشابكة ، أنهر وجوده ... أعود إلى رغبة زوجتي بطرده من منزلنا ، محو أرقامه السداسية من عقول كل من يحفظها ، شججت أستار نظراتي ، تقوقعت بها بعيداً عنه ، خشيت أن يلمحني أطالع وجهه البلاستيكي ؛ فيعود يحدثني بنفس الصوت المهيب :"
ثم ينبجس التوظيف الماهر , بشكل صارخ , باستخدام الهاتف كمفتاح , وفق تكثيف راق جدا :
"غداً بالعاشرة صباحاً.. ينتظرك النائب العام "
ويتابع الكاتب تداعيات الحالة , باسلوبه المكثّف المبدع , باستخدام صوره الحيّة البارعة , توقفت طويلا عند البعض منها , للابداعية الخارقة فيها , عندما يعود الى الهاتف وارقامه , التي يصورها قد سالت على بقايا الفم الموصد , ثم تأتي صورة رائعة , عندما يتكلم عن استخدام المحارم الورقية , ليجفف الأرقام السائلة على الفم , إنه شكل غير مسبوق فعلا :
"عدت للغة الأرقام ، أدور بها بين المقاعد الخانعة ، سالت بقاياها على جوانب فمي الموصود ، جردت صندوق المحارم من منديله الأخير ، جفف به الأرقام السائلة على فمي "
ثم ينساب الكاتب بنا مع تداعياته , بنقلة خالية من الاطراف الحادة , في باقة من الصور السينمائية قوية التاثير , ليذكر المفتاح الهام وهو الهاتف , ولكن بشكل خاطف , ثم مشيرا بشكل مكثّف الى وفاة الزوجة , مستخدما خفقات انسانية موفقة , وهو في طريقه لاختيار البذة الملائمة , ثم يعود الكاتب مستحضرا المفتاح الهام ( الهاتف ) :
أغلقت عقارب الساعات المظلمة أبواب المحلات ، تراجعت بخطواتي خلف أشيائي ، تركت طاولة الطعام تتسامر و مقاعدها الكثيرة ، على رؤوس أصابعي دلفت غرفة نومي ، صديقي الثقيل ، نائم بكوخه على وسائد الأسلاك ، فتحت محلات خزانة ملابسي ، أتخير بين بذاتي القديمة المنشورة ، كانت تريحني دائماً من أوجاع الإختيار ، أتنهد ... أستوي مع ذاتي ، أشعر بالراحة بعد الدعاء – فليرحمها الله – اندرج صوت يعصف بأوبار البذات ، بأن أختار ذات اللون الأسود ، أمسكت بها ، حررت قيدها ، ضممتها نحوى ، الإختيار ليس لزوجتي ، الصوت ليس لزوجتي ، مسحت بكفي على جسد القماش الأسود ، امتزجت جميع الألون بلون وجهي الشاحب ، تلاعبت الأرقام بمقاعد سنيني ، اهتز الهاتف بالصمت ، نصب نفسه مليكاً على نفسي التائهة :
- ماذا يريد ؟!"
ثم يوصلنا الكاتب لما يريد , من خلال التداعي , بنفس الاسلوب الابداعي المتميّز , معبّرا عن المشاعر بشكل غريب , ليشير الى مرحلة استلام الشخصية المحورية للمنصب الرفيع :
"التفت شراييني بخلايا قلبي المنهك ، تعلقت بنسيج بذتي السوداء ، ارتفعت الأصوات من حولى ، الهتافات حملتني على أعناقها ، استقرت بي على كرسي المنصب الكبير ، علت الأصوات أكثر فأكثر ،"
ثم وبطريقة مذهلة , نرى الكاتب يشير الى التدرج بالمناصب :
" أبدلت من لوحات مكتبي الرخامية ، اللوحة تلو اللوحة ، فناجين قهوتي اليومية غيرت من لون شعري ، تسابقت مع اللوحات "
ثم يعبّر عن انتهاء المشوار , بلوحة فنية خارقة , عندما يتوّج اللوحات بلوحة الاستقالة :
" أخيراً كان الفوز للوحة الإستقالة "
ثم يصوّر الكاتب الحالة النفسية للشخصية المحورية عند حدوث الاستقالة , مركزّا على ثلاثة رموز هامة , وان كانت تتفاوت في درجة قوتها : البذة السوداء التي تبرز الشكل الخارجي للشخصية الهامة , وزجاج المكتب الزجاجي , الذي يعكس صورة الشخصية الهامة , وراء المكتب , ثم القلم الذهبي رمز القوة واتخاذ القرار :
"تصدعت قدماي من تحتي ، بحثت عن أقرب مقعد ، مقاعد الطاولة لا تهمد ، زحفت أمامي بالخارج ، انصاع مقعد لجلوسي ، وآخر حمل مني البذة السوداء ، لفع بها عنقه ، أدلى لى وجهي بحقيقته المنعكسة على الزجاج ، حدقت ملامحي القديمة ، تحاول أصابعى نفض الغبار عنها ، زمجر الزجاج من تحتها، ارتبكت أوصالي ، ازحت وجهي بعيداً عني ، لمع صوت أخر من جيب الحلة العلوى ، اقتربت ... أملت جزعي نحوه ، جذبته من رأسه ، ياااااه ، إنه قلم توقيعي الذهبي ،خط حروف استقالتي ، وكان اللقاء الأخير، شهق بعودة روحه ، إعتصرته أصابعي ، لم تقو كثيراً على حمله ، ألقيته على ملامحي القديمة المطبوعة على الزجاج ، اعتمد وجهي بتوقيعي الذي اعتاد عليه ، طوى الصفحة على أيامي الماضية "
ثم يعود الكاتب الى استحضار المفتاح الهام ( الهاتف ) مرة اخرى , وكأنه هذه المرة يطلبه للعودة , من حيث أتى , بعد أن تتابع الاحداث والتاريخ , في اشارة الى دورة الحياة , انما بنفس الاسلوب الابداعي , في تقديم الصور الحيّة المميّزة :
"أبحث عن شىء غائب عني ، بين أشيائي ، فوق حلمى ، خلف قراراتي ، بأعماق خزائني الفارغة ، كان حذائي... يتصفح أوراقي الماضية ، اعتذرت للمقعد ، حملت نفسي ، عبرت صالة عمري ، مررت بحجرة نومي ، بحجرة ابني ، بأمنياتي العالقة بباب المنزل ، توقفت خلفه ، فتحت صندوق أوراق المناصب القديمة ، والأحذية ، جذبت حذائي من بين الأتربة ، وصوت الفئران المريضة ، حملته مع جسدي ، عدت من حيث أتيت "
ثم يبدع الكاتب , في عودة الشخصية المحورية , في سياق دورة الحياة , ليكون بين العامة , يعيشهم ويحس احاسيسهم , ويسلك سلوكياتهم , وبشكل ذكي ينقلنا الكاتب الى مشهد تلك التي تجلس خلف النافذة , في المطعم , وهو يراها تمثّل العامة , فيتمنى أن ينزل اليها ويجلس معها , بل كان يحسدها , ويتمنى لو نفض عنه كل ما له من هيبة وحيثيات :
" التقطت واحداً من أكمام البذة ... نظفت وجه حذائي ، بلون الماضي رأيت من حولي، بالشارع المتلألىء بالأضواء ، السيارات ، الموسيقى ، رائحة نجوم الفنادق ، كانت تجلس على الرصيف لا أعلم ماذا تنتظر ، كنت أجلس خلف نافذة المطعم الفاخر أنتظر الطعام ، أحسدها ... تمنيت أن أنفض عني الحراس ، الألقاب ،أعين الناس المتدنية ، أهبط أجلس معها ... تراجعت بشغفي ... لماذا تجلس هنا ؟! .."
وأخيرا , نجد أن الكاتب يذهلنا بتلك اللقطات التباينية , بين حالتين , الشخصية المحورية , المترعة بالامجاد , وهيبة المرور بالمناصب , وقد اصبحت رمزا اجتماعيا , وبين انسانة مجهولة , هي العامة ( وإن حملت مضمون اختلاف النوع ) , وهي المثقلة بالمعاناة , :
"ألاح إليها رجل من الجانب الآخر ، ألاحت رائحة الطعام لمعدتي الجائعة "
" أقترب منها ، اقترب ... اقترب مني النادل بالطعام "
" توقف أمامها ... توقف أمامي ..."
" حط بقدمه على صندوق صغير قرب وجهها ... حط بالطعام الشهي على طاولتي ..."
" أمسكت بفرشاتها ... أمسكت بشوكتي ..."
" مسحت واجهة حذائه ... مسحت أطباق الطعام من حولي ..."
" شعرت بالشبع ... جهلت شعورها بالجوع .. "
"أخرج لها ورقة مالية من جيبه .... ألاح لي سكان الطاولة المجاورة .. بابتسامة ... بفاتورة حسابي ... "

قصة " فاتورة حساب " ليس عملا فنيا فحسب , بل هو حالة ابداعية , تميّزت جدا باستخدام الصوّر المبتكرة الحية , في كل صورة منها حالة شاعرية , تمثّل لوحة فنية خارقة , وقد نجح الكاتب في توظيف العنوان " فاتورة حساب " ليدلل عن حالة التداعي , ومراجعة الشخصية المحورية للذات , دون ضرورة لابراز الملامح الجيدة أو السيئة في الشخصية , انما جعل التداعي موقفا انسانيا , يشمل الجميع , وخاصة في حالة الضعف , تاركا الأمر للقارئ , وإن كانت مثل هذه المراجعة , تتضمن بعدا يشي بطيبة الشخصية , وقد نجح الكاتب في هذا العمل , في استخدام وتوظيف مفاتيح قوية الملامح , مثل : فاتورة الحساب , والهاتف , والبذة السوداء , ثم القلم الذهبي , ليقدم لنا عملا فنيا حداثيا , بل كما اسلفت عملا ابداعيا بامتياز .
ولايفوتني أن اثني على القراءة الراقية التي قام بها الأديب الاستاذ مأمون المغازي , ولفتاته الذكية , وأنا اوافقه بالكثير , مما جاء في دراسته للنص , ولكنني لااوافقه في مسالة التملق الاجتماعي , عند دفع فاتورة الحساب , من سكان الطاولة المجاورة , فغالبا ما يحدث هذا , تجاه الشخصيات المعروفة في المجتمع , ورموز المجتمع , وليس في ذلك تملق , وأعتمد في رأيي على أن شخصية القصة , هو خارج اطار القوة والسلطة .

وفاء شوكت خضر
23-01-2007, 01:06 AM
الأديب القاص / محمد سامي البوهي ..

فاتورة حساب ..

قصة بكل تفاصيلها القوية في التعبير والسرد ، والتي احتاجت لقراءآت متعددة ، ولا زالت تحتاج للمزيد ، فكلما اكتشفنا نقطة إبداعية أو فكرة ، وجدنا أن هناك المزيد من هذه النقاط ، تبلورت لترسم صورة جديدة ، للموظف الذي وصل لأعلى المراكز ، والتدرج بالسلم الوظيفي ، الذي يوضح أن البطل لم يكن وصوليا ، بل كان جادا مجتهدا في عمله ، وأنه لم يكن ليستغل هذا الكرسي بمآرب شخصية ، ولكن كان المنصب يفرض عليه بعض ما لم يتقبله ضميره ، والتي كانت سببا في استقالته ..
الضمير أعتقده هو بطل القصة الحقيقي ، الضمير الذي أرق صاحبه ، في مراجعة هذه الفاتورة التي حوت كل تفاصيل حياته ، ليدفع في النهاية الثمن ..
أعترف بأني قرأت القصة مرات ومرات .. وحين مررت على قراءة أستاذنا الكبير / د. محمد السمان ، ضحكت لأني لم أكن وحدي مربوطة في هذه الصفحة أراهن النفس على إبداع الكاتب ، وأحاول أن أجد فقط نقطة البداية لكن .. تعددت البدايات والنهايات في القصة ، بين مراحل زمنية ، وأماكن ..
أعتقدني عاجزة عن تقديم قراءة لهذا النص الذي وصل إلى قمة الإبداع ، وخاصة بعد قراءة أستاذي /د. السمان العميقة ، والأستاذ / مأمون المغازي ، وما تفضلا به مشكورين من قراءة نقدية مميزة لنص مميز .
أخي محمد ..
حقا أبدعت في هذه القصة التي أعتقد أنها أرهقتك وأنت تعيش وقائعها كي تنقل هذه الصور العميقة بهذا التسلسل القوي ..
وأتعبتنا معك ونحن نحاول أن تكون قراءتنا بمستوى إبداعك .

أسجل إعجابي الشديد برائعتك هذه ..

تقبل مروري ..
لك التحية والتقدير ..

محمد سامي البوهي
23-01-2007, 02:18 PM
السلام عليكم ورحمة الله

الأديب القاص ابن الدين على

أشكر مرورك ، وووجودك بين نصوصي ، فعلا من سبقوك قد فاضوا واستفاضوا ، ومن أتوا بعدك من الأحبة أحتاج كثيرا من التفكير للرد على روائعهم ، أشكر روحك الطيبة .

د. سمير العمري
24-01-2007, 02:06 AM
قرأت قصتك أخي مرتين لأنني حاولت أن أعيد شتات نفسي الذي تاه في طيات حشو غلب عليها من البداية للنهاية.

الفكرة بسيطة ولا أقول مطروقة تتناول حالة ترتقي في المنصب فتستغله ثم تهوي فتدفع فاتورة حساب تكون عادة ثقيلة.

الأسلوب كان مثقلاً بحشو يراد به التطويل بلا إضافة حقيقية للمعنى في فترة زمنية محددة وقصيرة جداً لا تحتاج كل هذه الحالات الوصفية لتلك النفس الحائرة ، وهذا بالتالي سبب تشتتاً لذهن القارئ ربما كان مقصوداً ولكن لا أراه مفيداً للقصة. وهناك افتعال ظاهر لإضفاء الإثارة والتوتر النفسي بشكل مبالغ فيه بما قلبه ليكون محسوباً على النص لا له.

اللغة تحتاج إلى العمل على صقلها للتخلص من الكثير من الهنات التي وقعت فيها في سردك. كما أنني وجدت التراكيب جلها لا تخدم فكرة النص.

الصورة وجدتها مقحمة قسراً في كل جملة بعضها جاء جميل حقاً ومناسب للمعنى المراد وبعضها خرج عن هذا إلى دائرة التزيين المفتعل والتصوير غير المنسجم مع الأحداث.

الحبكة رأيتها غير متعمقة ربما حكم بهذا مضمون فكرة القصة البسيط كما أسلفنا بما جعل الأمر لا يعدو أكثر من حالة حساب للنفس وحيرة تتردد عن ماهية ما يريد.

الحالة الشعورية مضطربة متوجسة ربما كانت الأكثر توفيقاً بما ينسجم مع حالة هذا الموظف الذي يترقب عرضه على النائب العام ، ثم انطلاق ذاكرته في ثنايا الماضي ، وإطلالته بشكل إنساني على من حوله.


بكلمات مختصرة فإنني لم أر في النص إلا فكرة بسيطة حشدت لها صور مقحمة وأسلوب مفتعل ، وتطويل مقصود شوش المعنى كثيراً وأوصل رسالة أقل بكثير من عدد كلماته.


أنتظر أن أقرأ لك نصوصاً أفضل.



تحياتي

محمد سامي البوهي
24-01-2007, 02:10 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
أصلي وأسلم على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا ، وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
أخي الكبير ومعلمي وعميدنا ....
الأستاذ الدكتور العالم / محمد حسن السمان .
فكرت كثيراً قبل أن أستغرق في كتابة هذه الكلمات ، حتى وجدتني أهمس إلى جهاز الحاسوب ، وأضغط رؤوس أزراره لأتخير منها حروفا قد اختزلتها بعقلها الإلكتروني لأطبع بها رداً لهذا الود.
دخولك كان بحميمية دافئة تعودناها منك ، بل وهادئة ، تلمح ولاتصرح ، تُعجَب ، وتُفَند ، ُتدِهش ، ولا تُبَلِد ......
أمسكت بالقصة من رأسها ، الذي أعترف أنه ملتوى إلى حد ما ، ولن أقول أنه عن قصد ، أو صناعة ،أوذكاء متذاكٍ ، فقط كتبت القصة، وكنت أضع أمامي عدة اعتبارات :
* اعتبارات نفسية .
* اعتبارات تصويرية.
* اعتبارات لغوية .
لا أستطيع أن أصل لتفنيدكم ، فأين انا منكم ؟ ، فما أروع ما توصلت اليه من خلال قراءتكم ، التي تعلمت منها الكثير والكثير ، تعلمت كيف يكون التعقل ، كيف يكون انتقاء الكلمات ، كيف هو التذوق ، و كيف يكون ، حضرتك أشرت لنقطة اتفاق مع أستاذي مأمون المغازي ، وهي نقطة عدم الربط ، ربما المسؤول عن ذلك هو عنصر الإعتبار النفسي ، الذي طغى على لغة الحكي ، والذي كان هو البطل الحقيقي للقصة ، من هنا بدا التشوش. صدقني قراءتكم هي تاج أضعه على بوابة حياتي الأدبية ، دخولاً ، وخروجاً منها بحول الله .
تحيات طيبات مفعمة بالحب الخالص لنفس متأرجة .
لسيادة العميد

محمد

محمد سامي البوهي
24-01-2007, 03:17 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الأخت الكريمة الفاضلة / دخون .

أشكر جهدك في قراءة القصة ، وكم أشكر إثرائك لها بهذا الرد الجميل ، بالفعل رد عميدنا الدكتور السمان والاستاذ المغازي ، فاضا واستفاضا ، لتوضيح فكرة هذا النص ، لك جزيل الشكر ، أخت كبيرة رشيدة ، احترمها ، وحترم رأيها .

محمد

محمد سامي البوهي
24-01-2007, 04:15 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سلاماً لا شية فيه
الشاعر المرهف القدير
الأستاذ الدكتور/ سمير العمري
أشكر الظروف التي منحتك هذه الفرصة لإستقطاع هذا الجزء من وقتكم الثمين للمرور من هنا . فكم شرفني هذا المرور على هذه الحروف المتواضعة.
بداية أحب ان اوضح فقط وجهة نظر متواضعة جداً :
كما حضرتك علمتنا أن هناك ما يسمى علم إجتماع الأدب الذي يعتمد فكرة التلقي ، وأن فنية الأدب لا تكتمل إلا بهذا التلقي ، ومعايشة النص وسط شوارعنا ، وبيوتنا ، وعقولنا ، وموائدنا ، وأفراحنا ، احزاننا ، وكل خطوة نخطوها ، ومن هنا بزغ الأدب الشعبي الذي اتهم في أحيان كثيرة بالركاكة ، و أنا عن نفسي أعتبر أن مؤسس علم اجتماع الأدب هو" الجاحظ " ، ولذلك كان غريباً وسط عصره ، واتهم هو الآخر بالتدني والركاكه حينما نزل الي الشارع وشاركه بكتبه ، هذه واحدة ، ...من ناحية أخرى ظهر ما يسمى بالاتجاه النفسي بالادب ، أو علم النفس الأدبي ، وهو الذي يتغلغل داخل النفس الانسانية أي انه صورة أعمق من الأدب الاجتماعي ، وعلم النفس الأدبي يعتمد على النظريات النفسية ، وإخراجها من ثوبها العلمي البحت إلى ثوب أدبي ، نراه في شعرنا ،وفي نثرنا ، وكل فنون الأدب ، ومن هنا ظهر مفهوم رواية تيار الوعي وقصيدة تيار الوعي و قصة تيار الوعي، وفي رأيي الشخصي أن مؤسس هذا العلم هو ( أبو العلاء المعري ) لذلك اتهم بالإغراق ، نعود إلى قصة تيار الوعي ، والتي هي محور حديثنا الآن .
قصة تيار الوعي :
هي من القصص التي تعتمد على علم النفس الأدبي بشكل كلى ، لذلك عندما تستوي الصور والاحداث مع النفس البشرية ، بدا هناك نوعاً من التشويش ، وهذا وبغض النظر عن نصي المتواضع يعتبر ظاهرة من ظواهر نجاح العمل ، لانه يمس نقاط في لاوعي القارىء ، هذه النقاط قد تكون غير واضحة له ، يختزلها في عقله الباطن ، هو يشعرها ، ويحسها ، لكن لا يستطيع أن يضع يده عليها ، وأصعب هذه النصوص النصوص التي تعتمد على نظرية التحليل النفسي ، حيث أنها تسير في خط متواز مع القارىء ولا تلتقي معه ، ومن الممكن ان تلتقي معه في منطقة اللاوعي ، ولكن يصعب ذلك جدا ، نصي المتواضع الذي شرفت بحظ قرائتكم الطيبة له ، ربما من هذه النصوص ، ولذلك شعر القارىء بهذه الضبابية المفهومة اللامفهومة .[/
SIZE][SIZE="5"]
تقنيات سردية:-
هذه النصوص لابد لها من تقنيات تصويرية ، ولغوية لا تعتمد أساسا على الفكرة حتى لو كانت بسيطة لان الهدف ليس الوصول للفكرة ، بل الهدف هو تحليل هذه الفكرة وتفتيتها في نفس القارىء ، كإجابة سؤال يبدأ بعلامة الإستفهام (لماذا ؟؟) ، لذلك لجأ كتاب هذا النوع من القصص إلى إعادة تصميم القصة ، وذلك اعتماداً على :
1- لغة السيناريو .
2- الجمل الفعلية القصيرة. ( الوقع القصير )
3- الجملة وحدة بناء القصة .
4- الإسترجاعات الزمنية الداخلية المتعددة . ( الأنا - الأنا الاعلى )
5- الشخصية الواحدة المحورية .
6- النهاية المفتوحة .
ولو نظرنا الي هذا التصميم سنجد انه يلبس الفكرة ثوباً جديداً حتى ولو كانت بسيطة ، بحيث يخفيها خلف هذا الثوب ، اعتماداً على النسج والتصميم السالف ذكره ، وكل هذا للإتساق مع الحالة النفسية ، وحالة الصراع الداخلي ، التي يعتمد عليها اعتماداً كبيرا لسير الحدث ، ومن هنا يتبين ان العقدة او الأزمة كائنة خلال مسار الحكي ، ولا تكمن في ركن معين .
وفي النهاية ، أقدم إعتذاري إن كنت غير موفق في هذا النص ، وأتمنى من الله أن تجد لي أعمالا أخرى تنال إعجابكم . وأسف على الإطالة التي بغيت بها التوضيح مع علمي أنها ليست في صالحي ولا في صالح النص .
أخوك الصغير ...
محمد .