محمد سامي البوهي
17-01-2007, 05:14 PM
فاتـــورة حســـاب
أسبح بعمق نفسي الحائرة ، أبحث عن أشياء تائهة بطلاسم عقلي ، أقذف كتلي على مقعدي المفضل بزاوية المكتب المهموم ، أترك نفسي لنفسي تتداخل معها ، تعلو طبقات الحيرة داخلي ،يسترق جلد المقعد حرارتي بقيعانه المنتشرة ، يعود يضخها نحوي ؛ يزداد نزيفها تحت جلدي ، أنهي مجلسي إلى حجرة نومي ، ألامس جسدي بسريري المتلاحم مع تكويني ، الصوت يحوم حولي كروح تدور بين أنفاسي ، أسحب أنفاساً أخرى من أرصدة رئتي ، أعانق عظامي بلحمي المحفوظ بملح العرق ،يلح الصوت بذاكرتي ، يهتك بكارة تفكيري الليلية ، أنظر كوخ الهاتف المرصع بالأصواف ، وعيدان البوص المتشابكة ، أنهر وجوده ... أعود إلى رغبة زوجتي بطرده من منزلنا ، محو أرقامه السداسية من عقول كل من يحفظها ، شججت أستار نظراتي ، تقوقعت بها بعيداً عنه ، خشيت أن يلمحني أطالع وجهه البلاستيكي ؛ فيعود يحدثني بنفس الصوت المهيب :
- غداً بالعاشرة صباحاً.. ينتظرك النائب العام .
سحبت نفسي من بين مخالبه الحادة ، خرجت إلى ساحة عمري ، أدشن أركان حياتي المتناثرة على طاولة الطعام ، أعُد مقاعدها ، سقط مقعدان من تحت طائلة العد ، استبدلت أنفاسي بأنفاس أخرى طازجة ، عدت للغة الأرقام ، أدور بها بين المقاعد الخانعة ، سالت بقاياها على جوانب فمي الموصود ، جردت صندوق المحارم من منديله الأخير ، جفف به الأرقام السائلة على فمي ، أطوف حول لحدي ، أتمركز فوق نواة خلقي ، أسير بأشرطة الأحداث فوق اتجهاتي الأربعة :
- ماذا يريد ؟!
آآآه منك أيها المزعج ، أعض على ما تبقى لي من أنامل ، عصائر قلبي تفور بصدري ، رائحة ملابسي تتمدد نحو أنفي ،مسحت الجدار بنظراتي ، أغلقت عقارب الساعات المظلمة أبواب المحلات ، تراجعت بخطواتي خلف أشيائي ، تركت طاولة الطعام تتسامر و مقاعدها الكثيرة ، على رؤوس أصابعي دلفت غرفة نومي ، صديقي الثقيل ، نائم بكوخه على وسائد الأسلاك ، فتحت محلات خزانة ملابسي ، أتخير بين بزاتي القديمة المنشورة ، كانت تريحني دائماً من أوجاع الإختيار ، أتنهد ... أستوي مع ذاتي ، أشعر بالراحة بعد الدعاء – فليرحمها الله – اندرج صوت يعصف بأوبار البزات ، بأن أختار ذات اللون الأسود ، أمسكت بها ، حررت قيدها ، ضممتها نحوى ، الإختيار ليس لزوجتي ، الصوت ليس لزوجتي ، مسحت بكفي على جسد القماش الأسود ، امتزجت جميع الألون بلون وجهي الشاحب ، تلاعبت الأرقام بمقاعد سنيني ، اهتز الهاتف بالصمت ، نصب نفسه مليكاً على نفسي التائهة :
- ماذا يريد ؟!
التفت شراييني بخلايا قلبي المنهك ، تعلقت بنسيج بزتي السوداء ، ارتفعت الأصوات من حولى ، الهتافات حملتني على أعناقها ، استقرت بي على كرسي المنصب الكبير ، علت الأصوات أكثر فأكثر ، أبدلت من لوحات مكتبي الرخامية ، اللوحة تلو اللوحة ، فناجين قهوتي اليومية غيرت من لون شعري ، تسابقت مع اللوحات ، أخيراً كان الفوز للوحة الإستقالة ، تصدعت قدماي من تحتي ، بحثت عن أقرب مقعد ، مقاعد الطاولة لا تهمد ، زحفت أمامي بالخارج ، انصاع مقعد لجلوسي ، وآخر حمل مني البزة السوداء ، لفع بها عنقه ، أدلى لى وجهي بحقيقته المنعكسة على الزجاج ، حدقت ملامحي القديمة ، تحاول أصابعى نفض الغبار عنها ، زمجر الزجاج من تحتها، ارتبكت أوصالي ، ازحت وجهي بعيداً عني ، لمع صوت أخر من جيب الحلة العلوى ، اقتربت ... أملت جزعي نحوه ، جذبته من رأسه ، ياااااه ، إنه قلم توقيعي الذهبي ،خط حروف استقالتي ، وكان اللقاء الأخير، شهق بعودة روحه ، إعتصرته أصابعي ، لم تقو كثيراً على حمله ، ألقيته على ملامحي القديمة المطبوعة على الزجاج ، اعتمد وجهي بتوقيعي الذي اعتاد عليه ، طوى الصفحة على أيامي الماضية ، تدور المقاعد حولي ، تصفق ، تلفني بحياة الزعيم ، أنظر وجهي الملطخ ، قلمي اللامع ، بزتي السوداء ، ينتشي الصوت بأحياء منزلي:
- ماذا يريد ؟!
أبحث عن شىء غائب عني ، بين أشيائي ، فوق حلمى ، خلف قراراتي ، بأعماق خزائني الفارغة ، كان حذائي... يتصفح أوراقي الماضية ، اعتذرت للمقعد ، حملت نفسي ، عبرت صالة عمري ، مررت بحجرة نومي ، بحجرة ابني ، بأمنياتي العالقة بباب المنزل ، توقفت خلفه ، فتحت صندوق أوراق المناصب القديمة ، والأحذية ، جذبت حذائي من بين الأتربة ، وصوت الفئران المريضة ، حملته مع جسدي ، عدت من حيث أتيت ، أذن لي المقعد بالجلوس ، وضعته فوق قلمي اللامع ، فوق ملامحي الملطخة ... التقطت واحداً من أكمام البذة ... نظفت وجه حذائي ، بلون الماضي رأيت من حولي، بالشارع المتلألىء بالأضواء ، السيارات ، الموسيقى ، رائحة نجوم الفنادق ، كانت تجلس على الرصيف لا أعلم ماذا تنتظر ، كنت أجلس خلف نافذة المطعم الفاخر أنتظر الطعام ، أحسدها ... تمنيت أن أنفض عني الحراس ، الألقاب ،أعين الناس المتدنية ، أهبط أجلس معها ... تراجعت بشغفي ... لماذا تجلس هنا ؟! ... جاءت تتنسم من هواء النيل ، ألا تخاف ذئاب الطريق ؟ أتجازف بنفسها من أجل رشفة هواء ؟ ، ألاح إليها رجل من الجانب الآخر ، ألاحت رائحة الطعام لمعدتي الجائعة ، أقترب منها ، اقترب ... اقترب مني النادل بالطعام ، توقف أمامها ... توقف أمامي ... حط بقدمه على صندوق صغير قرب وجهها ... حط بالطعام الشهي على طاولتي ... أمسكت بفرشاتها ... أمسكت بشوكتي ... مسحت واجهة حذائه ... مسحت أطباق الطعام من حولي ... شعرت بالشبع ... جهلت شعورها بالجوع .. أخرج لها ورقة مالية من جيبه .... ألاح لي سكان الطاولة المجاورة .. بابتسامة ... بفاتورة حسابي ...
محمد سامي البوهي
أسبح بعمق نفسي الحائرة ، أبحث عن أشياء تائهة بطلاسم عقلي ، أقذف كتلي على مقعدي المفضل بزاوية المكتب المهموم ، أترك نفسي لنفسي تتداخل معها ، تعلو طبقات الحيرة داخلي ،يسترق جلد المقعد حرارتي بقيعانه المنتشرة ، يعود يضخها نحوي ؛ يزداد نزيفها تحت جلدي ، أنهي مجلسي إلى حجرة نومي ، ألامس جسدي بسريري المتلاحم مع تكويني ، الصوت يحوم حولي كروح تدور بين أنفاسي ، أسحب أنفاساً أخرى من أرصدة رئتي ، أعانق عظامي بلحمي المحفوظ بملح العرق ،يلح الصوت بذاكرتي ، يهتك بكارة تفكيري الليلية ، أنظر كوخ الهاتف المرصع بالأصواف ، وعيدان البوص المتشابكة ، أنهر وجوده ... أعود إلى رغبة زوجتي بطرده من منزلنا ، محو أرقامه السداسية من عقول كل من يحفظها ، شججت أستار نظراتي ، تقوقعت بها بعيداً عنه ، خشيت أن يلمحني أطالع وجهه البلاستيكي ؛ فيعود يحدثني بنفس الصوت المهيب :
- غداً بالعاشرة صباحاً.. ينتظرك النائب العام .
سحبت نفسي من بين مخالبه الحادة ، خرجت إلى ساحة عمري ، أدشن أركان حياتي المتناثرة على طاولة الطعام ، أعُد مقاعدها ، سقط مقعدان من تحت طائلة العد ، استبدلت أنفاسي بأنفاس أخرى طازجة ، عدت للغة الأرقام ، أدور بها بين المقاعد الخانعة ، سالت بقاياها على جوانب فمي الموصود ، جردت صندوق المحارم من منديله الأخير ، جفف به الأرقام السائلة على فمي ، أطوف حول لحدي ، أتمركز فوق نواة خلقي ، أسير بأشرطة الأحداث فوق اتجهاتي الأربعة :
- ماذا يريد ؟!
آآآه منك أيها المزعج ، أعض على ما تبقى لي من أنامل ، عصائر قلبي تفور بصدري ، رائحة ملابسي تتمدد نحو أنفي ،مسحت الجدار بنظراتي ، أغلقت عقارب الساعات المظلمة أبواب المحلات ، تراجعت بخطواتي خلف أشيائي ، تركت طاولة الطعام تتسامر و مقاعدها الكثيرة ، على رؤوس أصابعي دلفت غرفة نومي ، صديقي الثقيل ، نائم بكوخه على وسائد الأسلاك ، فتحت محلات خزانة ملابسي ، أتخير بين بزاتي القديمة المنشورة ، كانت تريحني دائماً من أوجاع الإختيار ، أتنهد ... أستوي مع ذاتي ، أشعر بالراحة بعد الدعاء – فليرحمها الله – اندرج صوت يعصف بأوبار البزات ، بأن أختار ذات اللون الأسود ، أمسكت بها ، حررت قيدها ، ضممتها نحوى ، الإختيار ليس لزوجتي ، الصوت ليس لزوجتي ، مسحت بكفي على جسد القماش الأسود ، امتزجت جميع الألون بلون وجهي الشاحب ، تلاعبت الأرقام بمقاعد سنيني ، اهتز الهاتف بالصمت ، نصب نفسه مليكاً على نفسي التائهة :
- ماذا يريد ؟!
التفت شراييني بخلايا قلبي المنهك ، تعلقت بنسيج بزتي السوداء ، ارتفعت الأصوات من حولى ، الهتافات حملتني على أعناقها ، استقرت بي على كرسي المنصب الكبير ، علت الأصوات أكثر فأكثر ، أبدلت من لوحات مكتبي الرخامية ، اللوحة تلو اللوحة ، فناجين قهوتي اليومية غيرت من لون شعري ، تسابقت مع اللوحات ، أخيراً كان الفوز للوحة الإستقالة ، تصدعت قدماي من تحتي ، بحثت عن أقرب مقعد ، مقاعد الطاولة لا تهمد ، زحفت أمامي بالخارج ، انصاع مقعد لجلوسي ، وآخر حمل مني البزة السوداء ، لفع بها عنقه ، أدلى لى وجهي بحقيقته المنعكسة على الزجاج ، حدقت ملامحي القديمة ، تحاول أصابعى نفض الغبار عنها ، زمجر الزجاج من تحتها، ارتبكت أوصالي ، ازحت وجهي بعيداً عني ، لمع صوت أخر من جيب الحلة العلوى ، اقتربت ... أملت جزعي نحوه ، جذبته من رأسه ، ياااااه ، إنه قلم توقيعي الذهبي ،خط حروف استقالتي ، وكان اللقاء الأخير، شهق بعودة روحه ، إعتصرته أصابعي ، لم تقو كثيراً على حمله ، ألقيته على ملامحي القديمة المطبوعة على الزجاج ، اعتمد وجهي بتوقيعي الذي اعتاد عليه ، طوى الصفحة على أيامي الماضية ، تدور المقاعد حولي ، تصفق ، تلفني بحياة الزعيم ، أنظر وجهي الملطخ ، قلمي اللامع ، بزتي السوداء ، ينتشي الصوت بأحياء منزلي:
- ماذا يريد ؟!
أبحث عن شىء غائب عني ، بين أشيائي ، فوق حلمى ، خلف قراراتي ، بأعماق خزائني الفارغة ، كان حذائي... يتصفح أوراقي الماضية ، اعتذرت للمقعد ، حملت نفسي ، عبرت صالة عمري ، مررت بحجرة نومي ، بحجرة ابني ، بأمنياتي العالقة بباب المنزل ، توقفت خلفه ، فتحت صندوق أوراق المناصب القديمة ، والأحذية ، جذبت حذائي من بين الأتربة ، وصوت الفئران المريضة ، حملته مع جسدي ، عدت من حيث أتيت ، أذن لي المقعد بالجلوس ، وضعته فوق قلمي اللامع ، فوق ملامحي الملطخة ... التقطت واحداً من أكمام البذة ... نظفت وجه حذائي ، بلون الماضي رأيت من حولي، بالشارع المتلألىء بالأضواء ، السيارات ، الموسيقى ، رائحة نجوم الفنادق ، كانت تجلس على الرصيف لا أعلم ماذا تنتظر ، كنت أجلس خلف نافذة المطعم الفاخر أنتظر الطعام ، أحسدها ... تمنيت أن أنفض عني الحراس ، الألقاب ،أعين الناس المتدنية ، أهبط أجلس معها ... تراجعت بشغفي ... لماذا تجلس هنا ؟! ... جاءت تتنسم من هواء النيل ، ألا تخاف ذئاب الطريق ؟ أتجازف بنفسها من أجل رشفة هواء ؟ ، ألاح إليها رجل من الجانب الآخر ، ألاحت رائحة الطعام لمعدتي الجائعة ، أقترب منها ، اقترب ... اقترب مني النادل بالطعام ، توقف أمامها ... توقف أمامي ... حط بقدمه على صندوق صغير قرب وجهها ... حط بالطعام الشهي على طاولتي ... أمسكت بفرشاتها ... أمسكت بشوكتي ... مسحت واجهة حذائه ... مسحت أطباق الطعام من حولي ... شعرت بالشبع ... جهلت شعورها بالجوع .. أخرج لها ورقة مالية من جيبه .... ألاح لي سكان الطاولة المجاورة .. بابتسامة ... بفاتورة حسابي ...
محمد سامي البوهي